بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ١

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ١

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٧٨

ومن الخمس : (إِنَ (١) فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) فى موضعين ، وليس لهما نظير. وخصّتا بالفكر ؛ لأن الأولى متصلة بقوله : (يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) وأكثرها للأكل ، وبه قوام البدن ، فيستدعى تفكيرا وتأمّلا ، ليعرف به المنعم عليه فيشكره. والثانية متّصلة بذكر النحل ، وفيها أعجوبة : من انقيادها لأميرها ، واتّخاذها البيوت على أشكال يعجز عنها الحاذق منّا ، ثم تتبّعها الزهر والطلى (٢) من الأشجار ، ثم خروج ذلك من بطونها لعابا أو ونيما (٣) ، فاقتضى ذلك فكرا بليغا ، فختم فى الآيتين بالتفكّر.

قوله : (وَتَرَى (٤) الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) ، وفى الملائكة : (وَتَرَى (٥) الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا) ما فى هذه السورة جاء على القياس ؛ فإن (الْفُلْكَ) المفعول الأوّل لترى ، و (مَواخِرَ) المفعول الثانى ، و (فِيهِ) ظرف ، وحقّه التأخّر. والواو فى (وَلِتَبْتَغُوا) للعطف على لام العلة فى قوله : (لِتَأْكُلُوا مِنْهُ). وأمّا فى الملائكة فقدّم (فِيهِ) موافقة لما قبله ، وهو قوله : (لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا) فقدّم الجارّ والمجرور ، على الفعل والفاعل ، ولم يزد الواو على (لِتَبْتَغُوا) لأن اللام فى (لِتَبْتَغُوا) هنا لام العلة ، وليس يعطف على شىء قبله. ثم إن قوله : (وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ) و (فِيهِ مَواخِرَ) اعتراض فى السورتين يجرى مجرى المثل ، ولهذا وحّد الخطاب ،

__________________

(١) الآيتان ١١ ، ٦٩.

(٢) كذا ـ وقد يكون (الطلا) ـ بالألف لأنه من الواوى ـ وهو الصغير من كل شىء : يريد الصغير من الشجر.

(٣) هو فى الأصل خرء الذباب.

(٤) الآية ١٤.

(٥) الآية ١٢.

٢٨١

وهو قوله : (وَتَرَى) وقبله وبعده جمع ، وهو قوله : (لِتَأْكُلُوا) و (تَسْتَخْرِجُوا) و (لِتَبْتَغُوا). وفى الملائكة : (تَأْكُلُونَ) و (تَسْتَخْرِجُونَ) ، (لِتَبْتَغُوا) ومثله فى القرآن كثير ، منه (كَمَثَلِ (١) غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا) وكذلك (تَراهُمْ (٢) رُكَّعاً سُجَّداً). (وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ) (٣) وأمثاله. أى لو حضرت أيها المخاطب لرأيته فى هذه الصفة ؛ كما تقول : أيها الرجل ، وكلكم ذلك الرجل ، فتأمل فإن فيه دقيقة.

قوله : (وَإِذا (٤) قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) وبعده : (وَقِيلَ (٥) لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً) إنما رفع الأول ؛ لأنهم أنكروا إنزال القرآن ، فعدلوا عن الجواب ، فقالوا : أساطير الأولين. والثانى من كلام المتقين ، وهم مقرّون بالوحى والإنزال ، فقالوا : خيرا ، أى أنزل خيرا ، فيكون الجواب مطابقا ، و (خَيْراً) نصب بأنزل. وإن شئت جعلت (خَيْراً) مفعول القول ، أى : قالوا خيرا ولم يقولوا شرّا كما قالت الكفّار. وإن شئت جعلت (خَيْراً) صفة مصدر محذوف ، أى قالوا قولا خيرا. وقد ذكرت مسألة (ما ذا) فى مواضعه.

قوله : (فَلَبِئْسَ (٦) مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) ليس فى القرآن نظيره للعطف بالفاء على التعقيب فى قوله : (فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ) واللام للتأكيد تجرى

__________________

(١) الآية ٢٠ سورة الحديد.

(٢) الآية ٢٩ سورة الفتح.

(٣) الآية ٧٥ سورة الزمر.

(٤) الآية ٢٤.

(٥) الآية ٣٠.

(٦) الآية ٢٩.

٢٨٢

مجرى القسم موافقة لقوله : (وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ) وليس له نظير ، وبينهما : (وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ).

قوله : (فَأَصابَهُمْ (١) سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا) هنا وفى الجاثية (٢) ، وفى غيرهما (٣) (ما كَسَبُوا) ؛ لأن العمل أعمّ من الكسب ، ولهذا قال : (فَمَنْ يَعْمَلْ (٤) مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) وخصّت هذه السورة (بالعمل) لموافقة ما قبله : (ما كُنَّا (٥) نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ولموافقة ما بعده وهو قوله : (وَتُوَفَّى (٦) كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ) ومثله : (وَوُفِّيَتْ (٧) كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ) فى الزمر. وليس لها نظير.

قوله : (لَوْ شاءَ اللهُ (٨) ، ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) قد سبق.

قوله : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ (٩) ما فِي السَّماواتِ) قد سبق.

قوله : (لِيَكْفُرُوا (١٠) بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) ومثله (١١) فى الروم و (فى) العنكبوت : (وَلِيَتَمَتَّعُوا (١٢) فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) باللام والياء. أما التاء فى السورتين فبإضمار القول أى قل لهم : تمتعوا ، كما فى قوله : (قُلْ تَمَتَّعُوا (١٣) فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ) وكذلك : (قُلْ (١٤) تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ).

__________________

(١) الآية ٣٤.

(٢) الآية ٣٣. والتلاوة فيها : (وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا).

(٣) كما فى الآيتين ٤٨ ، ٥١ فى سورة الزمر.

(٤) الآيتان ٧ ، ٨ من سورة الزلزلة.

(٥) الآية ٢٨.

(٦) الآية ١١١.

(٧) الآية ٧٠. وكان عليه أن يذكر مع الجاثية الآية ٣٥ من الزمر ففيها : (لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا) لتكون الآية التى ذكرها داعية الى التخصيص بالعمل.

(٨) الآية ٣٥.

(٩) الآية ٤٩.

(١٠) الآية ٥٥.

(١١) الآية ٣٤.

(١٢) الآية ٦٦.

(١٣) الآية ٣٠ سورة ابراهيم.

(١٤) الآية ٨ سورة الزمر.

٢٨٣

وخصصت هذه السّورة بالخطاب لقوله : (إِذا (١) فَرِيقٌ مِنْكُمْ) وألحق ما فى الروم به. وأمّا [ما] فى العنكبوت فعلى القياس ، عطف على اللام قبله. وهى للغائب.

قوله : (وَلَوْ يُؤاخِذُ (٢) اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ) وفى الملائكة : (بِما كَسَبُوا (٣) ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها) الهاء فى هذه السورة كناية عن الأرض ، ولم يتقدّم ذكرها. والعرب تجوّز ذلك فى كلمات منها الأرض ، تقول : فلان أفضل من عليها ، ومنها السماء ، تقول : فلان أكرم من تحتها ، ومنها الغداة (تقول) : إنها اليوم لباردة. ومنها الأصابع تقول : والذى شقّهن خمسا من واحدة ، يعنى الأصابع من اليد. وإنما جوّزوا ذلك لحصولها بين يدى متكلم وسامع. ولمّا كان كناية عن غير مذكور لم يزد معه الظهر لئلا يلتبس بالدّابة ؛ لأن الظهر أكثر ما يستعمل فى الدّابة ؛ قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (المنبت (٤) لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى) وأما فى الملائكة فقد تقدّم ذكر الأرض فى قوله : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) وبعدها : (وَلا فِي الْأَرْضِ) فكان كناية عن مذكور سابق ، فذكر الظهر حيث لا يلتبس. قال الخطيب (٥) : إنما قال فى النحل : (بِظُلْمِهِمْ) ولم يقل (عَلى ظَهْرِها) احترازا عن الجمع بين الظاءين ؛ لأنها تثقل فى الكلام ، وليست لأمّة من الأمم سوى العرب. قال : ولم يجئ فى هذه السّورة إلا فى سبعة أحرف ؛ نحو

__________________

(١) الآية ٦١.

(٢) الآية ٦١.

(٣) الآية ٤٥.

(٤) الحديث بتمامه : «أن هذا الدين متين فاوغل فيه برفق فان المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى» وفى الجامع الصغير : «رواه البزار عن جابر» وفى شرحه : «باسناد ضعيف» وهو فى أمثال الميدانى فى أوائل حرف الألف.

(٥) انظر درة التنزيل ٢١٦.

٢٨٤

الظلم والنظر والظلّ وظلّ وجهه والظفر والعظم والوعظ ، فلم يجمع بينهما فى جملتين معقودتين عقد كلام واحد ، وهو لو وجوابه.

قوله : (فَأَحْيا (١) بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) وفى العنكبوت : (مِنْ (٢) بَعْدِ مَوْتِها) وكذلك حذف (من) من قوله : (لِكَيْ لا (٣) يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً) وفى الحج (مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ (٤) شَيْئاً) فحذف (من) فى قوله : (بَعْدَ مَوْتِها) موافقة لقوله : (بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً) وحذف (من) فى قوله : (بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً) لأنه أجمل الكلام فى هذه السورة ، فقال : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ) وفصّله فى الحجّ فقال : (والله خلقكم مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ) إلى قوله : (وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى) فاقتضى الإجمال الحذف ، والتفصيل الإثبات. فجاء فى كل سورة ما اقتضاه الحال.

قوله : (نُسْقِيكُمْ (٥) مِمَّا فِي بُطُونِهِ) وفى المؤمنين (فِي بُطُونِها) (٦) لأن فى هذه السورة يعود إلى البعض وهو الإناث لأن اللبن لا يكون للكل. فصار تقدير الآية : وإن لكم فى بعض الأنعام ، بخلاف ما فى المؤمنين ، فإنه لمّا عطف ما يعود على الكل ولا يقتصر على البعض ـ وهو قوله : (وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ وَعَلَيْها) لم يحتمل أن يكون المراد البعض ، فأنّث حملا على الأنعام ، وما قيل : إن (الْأَنْعامِ) هاهنا بمعنى النعم لأن الألف واللام يلحق الآحاد بالجمع والجمع بالآحاد حسن ؛ إلا أن الكلام وقع فى التخصيص. والوجه ما ذكرت. والله أعلم.

__________________

(١) الآية ٦٥.

(٢) الآية ٦٣.

(٣) الآية ٧٠.

(٤) الآية ٥.

(٥) الآية ٦٦.

(٦) الآية ٢١.

٢٨٥

قوله : (وَبِنِعْمَتِ (١) اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) وفى العنكبوت (يَكْفُرُونَ) (٢) بغير (هم) لأن فى هذه السورة اتّصل (الخطاب) (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) ثم عاد إلى الغيبة فقال : (أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) فلا بدّ من تقييده بهم لئلا يلتبس الغيبة بالخطاب والتاء بالباء. وما فى العنكبوت اتصل بآيات استمرّت على الغيبة فلم يحتج إلى تقييده بالضمير.

قوله : (ثُمَ (٣) إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) كرّر إنّ. وكذلك فى الآية الأخرى (ثُمَ (٤) إِنَّ رَبَّكَ) لأن الكلام لمّا طال بصلته أعاد إن واسمها وثمّ ، وذكر الخبر. ومثله (أَيَعِدُكُمْ (٥) أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) أعاد (أنّ) لمّا طال الكلام.

قوله : (وَلا تَكُ (٦) فِي ضَيْقٍ مِمَّا) وفى النمل : (وَلا تَكُنْ) (٧) بإثبات النون. هذه الكلمة كثر دورها فى الكلام فحذف النون فيها تخفيفا من غير قياس بل تشبّها بحروف العلّة. ويأتى ذلك فى القرآن فى بضعة عشر موضعا تسعة منها بالتاء. وثمانية بالياء ، وموضعان بالنون ، وموضع بالهمزة. وخصّت هذه السورة بالحذف دون النمل موافقة لما قبلها وهو قوله : (وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) والثانى (٨) أن هذه الآية نزلت تسلية للنبى

__________________

(١) الآية ٧٢.

(٢) الآية ٦٧.

(٣) الآية ١١٠.

(٤) الآية ١١٩.

(٥) الآية ٣٥ سورة المؤمنين.

(٦) الآية ١٢٧.

(٧) الآية ٧٠.

(٨) الأول قوله «موافقة» وان لم يصرح بذلك.

٢٨٦

صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين قتل حمزة ومثّل به فقال عليه‌السلام : لأفعلنّ بهم ولأصنعنّ ، فأنزل الله تعالى : (وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) فبالغ فى الحذف ليكون ذلك مبالغة فى التسلّى ، وجاء فى النمل على القياس ، ولأن الحزن هنا دون الحزن هناك.

فضل السّورة

روى المفسّرون فى فضل السّورة أحاديث ساقطة. منها حديث أبىّ الواهى : من قرأ سورة النّحل لم يحاسبه الله بالنّعم الّتى أنعم عليه فى دار الدّنيا ، وأعطى من الأجر كالّذى مات فأحسن الوصيّة. وعن جعفر أن من قرأ هذه السّورة فى كلّ شهر كفى عنه سبعون نوعا من البلاء ، أهونها الجذام والبرص ، وكان مسكنه فى جنّة عدن وسط الجنان ، وحديث على : يا علىّ من قرأ سورة النّحل فكأنّما نصر موسى وهارون على فرعون ، وله بكلّ آية قرأها مثل ثواب أمّ موسى.

٢٨٧

١٧ ـ بصيرة فى

سبحان الذى أسرى بعبده ..

السّورة مكّيّة بالاتّفاق. وآياتها مائة (١) وخمس عشرة آية عند الكوفيّين وعشر عند الباقين. وكلماتها ألف وخمسمائة وثلاث وستّون. وحروفها ستّة آلاف وأربعمائة وستون. والمختلف فيها آية واحدة (لِلْأَذْقانِ (٢) سُجَّداً).

فواصل آياتها ألف (٣) إلّا الآية الأولى ، فإنّها راء. ولهذه السّورة اسمان : سورة سبحان ؛ لافتتاحها بها ، وسورة بنى إسرائيل لقوله : فيها (وَقَضَيْنا (٤) إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ).

مقصود السّورة ومعظم ما اشتملت عليه : تنزيه الحقّ تعالى ، ومعراج (٥) النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، الإسراء إلى المسجد الأقصى ، وشكر نوح عليه‌السلام ، وفساد حال بنى إسرائيل ، ومكافأة الإحسان والإساءة ، وتقويم القرآن الخلائق ، وتخليق اللّيل والنّهار ، وبيان الحكمة فى سير الشمس والقمر ودورهما ، وملازمة البخت (٦) المرء ، وقراءة الكتب فى القيامة ،

__________________

(١) الذى فى شرح ناظمة الزهر : احدى عشرة ، وسيذكر أن المختلف فيه آية واحدة فالظن أن هذا سهو من الناسخ والصواب : إحدى عشرة.

(٢) الآية ١٠٧.

(٣) ب : «الالف».

(٤) الآية ٤.

(٥) أ ، ب : «فى».

(٦) أ ، ب : «البحث» ولم أر له معنى هنا ، وهو يشير الى قوله تعالى : (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ) وقد فسر ذلك بالعمل ، وفسر بالسعادة والشقاوة ، ويبدو أن هذا ما أراده بالبخت فهو الحظ وما يناله الإنسان من سعادة وشقاوة.

٢٨٨

وبيان الحكمة فى إرسال الرّسل ، والشكوى من القرون الماضية ، وذكر طلب (١) الدّنيا والآخرة ، وتفضيل بعض الخلق على بعض ، وجعل برّ الوالدين والتوحيد فى قرن (٢) واحد ، والإحسان إلى الأقارب ، والأمر بترك الإسراف ، وذمّ البخل ، والنّهى عن قتل الأولاد ، وعن الزّناء ، وقتل النّفس ظلما ، وأكل مال اليتيم ، وعن التكبّر ، وكراهية جميع ذلك ، والسّؤال عن المقول والمسموع ، والرّد على المشركين ، وتسبيح الموجودات ، وتعيير الكفّار بطعنهم فى القرآن ، ودعوة الحقّ الخلق ، وإجابتهم له تعالى ، وتفضيل بعض الأنبياء على بعض ، وتقرّب المقرّبين إلى حضرة الجلال ، وإهلاك القرى قبيل القيامة ، وفتنة النّاس برؤيا النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإباء إبليس من السّجدة لآدم ، وتسليط الله إيّاه على الخلق ، وتعديد النّعم على العباد ، وإكرام بنى آدم ، وبيان أنّ كلّ أحد (٣) يدعى فى القيامة بكتابه ، ودينه ، وإمامه ، وقصد المشركين إلى ضلال (٤) الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإذلاله ، والأمر بإقامة الصّلوات الخمس فى أوقاتها ، وأمر الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقيام اللّيل ، ووعده بالمقام المحمود ، وتخصيصه بمدخل صدق ، ومخرج صدق ، ونزول القرآن بالشفاء ، والرّحمة ، والشكاية من إعراض العبيد ، وبيان أنّ كلّ أحد يصدر منه ما يليق به ، والإشارة إلى جواب مسألة الرّوح ، وعجز الخلق عن الإتيان بمثل القرآن ، واقتراحات المشركين على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وتفصيل حالهم فى عقوبات

__________________

(١) ب : «طالب».

(٢) القرن : حبل يقرن به البعيران ، ويقال : جعلهما فى قرن واحد كناية عن قرنهما ووصلهما

(٣) ب : «واحد».

(٤) كذا فى أ ، ب والأولى : «اضلال».

٢٨٩

الآخرة ، وبيان معجزات موسى ، ومناظرة فرعون إيّاه ، وبيان الحكمة فى تفرقة القرآن ، وآداب نزوله (١) ، وآداب الدعاء وقراءة القرآن ، وتنزيه الحقّ تعالى عن الشريك والولد فى (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً) إلى قوله : (وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً).

النّاسخ والمنسوخ :

فى هذه السّورة آيتان منسوختان (وَقَضى (٢) رَبُّكَ) إلى قوله : (رَبَّيانِي صَغِيراً) الدّعاء للميّت م فى حقّ المشركين (ما كانَ (٣) لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى) ن (رَبُّكُمْ (٤) أَعْلَمُ بِكُمْ) إلى قوله : (وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً) م آية (٥) السّيف ن.

المتشابهات :

قوله : (وَيُبَشِّرُ (٦) الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً) وخصّت سورة الكهف (أَجْراً (٧) حَسَناً) ؛ لأنّ الأجر فى السّورتين الجنّة ، والكبير والحسن من أوصافها ؛ لكن خصّت هذه السّورة بالكبير (٨) بفواصل الآى قبلها وبعدها ، وهى (حَصِيراً) و (أَلِيماً) و (عَجُولاً) وجلّها وقع قبل آخرها مدّة. وكذلك فى سورة الكهف جاء على ما يقتضيه

__________________

(١) كذا فى أ ، ب. وكأن الأصل : «تلاوته» وهو إشارة الى قوله تعالى : (وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً) فقوله : (لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ) أى على تمهل هو من أدب التلاوة.

(٢) الآيتان ٢٣ ، ٢٤.

(٣) الآية ١١٣ سورة التوبة.

(٤) الآية ٥٤.

(٥) الآية ٥ سورة التوبة.

(٦) الآية ٩.

(٧) الآية ٢.

(٨) كذا فى أ ، ب. أى بسبب فواصل الآى. والأولى : «لفواصل» وفى الكرمانى «موافقة لفواصل».

٢٩٠

الآيات قبلها ، وبعدها وهى (عوجا) وكذا (أبدا) (١) وجلّها ما قبل آخرها متحرّك. وأمّا رفع) يُبَشِّرُ (فى سبحان ونصبها فى الكهف فليس من المتشابه (٢).

قوله : (لا تَجْعَلْ (٣) مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً) وقوله : (وَلا تَجْعَلْ (٤) يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً) وقوله : (وَلا تَجْعَلْ (٥) مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً) فيها بعض (٦) التشابه ، ويشبه التكرار وليس بتكرار ؛ لأنّ الأولى فى الدّنيا ، والثالثة (٧) فى العقبى ، والخطاب فيهما للنّبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والمراد به غيره ، كما فى قوله : (إِمَّا يَبْلُغَنَ (٨) عِنْدَكَ الْكِبَرَ) وقيل : القول مضمر ، أى قل لكلّ واحد منهم : لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا فى الدّنيا وتلقى فى جهنّم ملوما مدحورا فى الأخرى. وأمّا الثانية فخطاب للنبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو المراد به. وذلك (٩) أنّ امرأة بعثت صبيّا لها إليه (١٠) مرّة بعد أخرى ، سألته قميصا ، ولم يكن عليه ولا له صلى‌الله‌عليه‌وسلم قميص غيره ، فنزعه ودفعه إليه ، فدخل وقت الصّلاة ، فلم يخرج حياء ، فدخل عليه أصحابه فرأوه على تلك

__________________

(١) فى الكرمانى : «ولدا».

(٢) أ ، ب : «المبانية» وما أثبت عن الكرمانى. وظاهر أن ما فى النسختين محرف عما أثبت.

(٣) الآية ٢٢.

(٤) الآية ٢٩.

(٥) الآية ٣٩.

(٦) فى الكرمانى : «المتشابه».

(٧) أ ، ب : «الثانية» والمناسب ما أثبت ، وهو الموافق لما فى الكرمانى.

(٨) الآية ٢٣.

(٩) ورد فى الكشاف معنى هذا الحديث وتبعه البيضاوى. وفى الشهاب ٦ / ٢٨ : «قال العراقى : أنه لم يجده فى شىء من كتب الحديث»

(١٠) سقط فى ب.

٢٩١

الصّفة ، فلاموه على ذلك ، فأنزل الله تعالى: (فَتَقْعُدَ مَلُوماً) يلومك النّاس (مَحْسُوراً) مكشوفا. هذا هو الأظهر من تفسيره والله أعلم.

قوله : (وَلَقَدْ صَرَّفْنا (١) فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا (٢)) ، وفى آخر السّورة (وَلَقَدْ صَرَّفْنا (٣) لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ» مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) فزاد ، (لِلنَّاسِ) وقدّمه على القرآن ، وقال : فى الكهف (وَلَقَدْ صَرَّفْنا (٤) فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ) إنما لم يذكر فى أوّل سبحان (للنّاس) لتقدّم ذكرهم فى السّورة ، وذكرهم فى (الكهف) (٥) إذ لم يجر ذكرهم ، وذكر النّاس فى آخر سبحان ، وإن جرى ذكرهم ؛ لأنّ ذكر الإنس والجنّ جرى معا ، فذكر (لِلنَّاسِ) كراهة الالتباس ، وقدّمه على (فِي هذَا الْقُرْآنِ) كما قدّمه فى قوله : (قُلْ لَئِنِ (٦) اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ) ثمّ (٧) قال : (وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ) وأمّا (٨) فى الكهف فقدّم (فِي هذَا الْقُرْآنِ) لأنّ ذكره أجلّ الغرض. وذلك أنّ اليهود سألته عن قصّة أصحاب الكهف ، وقصّة ذى القرنين ، فأوحى الله إليه فى القرآن ؛ وكان تقديمه فى هذا الموضع أجدر ، والعناية بذكره أحرى وأخلق.

قوله : (وَقالُوا أَإِذا (٩) كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً) ثمّ أعادها فى آخر (١٠) السّورة بعينها ، من غير زيادة ولا نقصان ؛ لأنّ هذا ليس بتكرار ؛ فإنّ الأوّل من كلامهم فى الدّنيا ، حين جادلوا الرّسول ،

__________________

(١) الآية ٤١.

(٢) سقط ما بين القوسين فى أ.

(٣) الآية ٨٩.

(٤) الآية ٥٤.

(٥) سقط ما بين القوسين فى ب.

(٦) الآية ٨٨.

(٧) سقط ما بين القوسين فى ب.

(٨) سقط ما بين القوسين فى أ.

(٩) الآية ٤٩.

(١٠) الآية ٩٨.

٢٩٢

وأنكروا البعث ، والثانى من كلام الله حين جازاهم على كفرهم ، وقولهم ذلك وإنكارهم البعث ، فقال (مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً).

قوله (ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا) وفى الكهف (ذلِكَ جَزاؤُهُمْ (١) جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا) اقتصر هنا على الإشارة ؛ لتقدّم ذكر جهنّم (ولم (٢) يقتصر عليها [فى الكهف] وإن تقدم ذكر جهنم) بل جمع بين الإشارة والعبارة ؛ لمّا اقترن بقوله : (جَنَّاتُ) فقال : (ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا) الآية ثمّ قال : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ) ليكون الوعد والوعيد كلاهما ظاهرين.

قوله : (قُلِ ادْعُوا (٣) الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ) وفى سبأ (قُلِ ادْعُوا (٤) الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) لأنه يعود إلى الرّب ، وقد تقدّم ذكره فى الآية الأولى ، وهو قوله : (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ) وفى سبأ لو ذكر بالكناية لكان يعود إلى الله ؛ كما صرّح ، فعاد إليه ، وبينه وبين ذكره (٥) سبحانه صريحا أربع عشرة آية ، فلمّا طال الفصل صرّح.

قوله : (أَرَأَيْتَكَ (٦) هذَا الَّذِي) وفى غيرها (أَرَأَيْتَ) لأنّ ترادف الخطاب يدلّ على أنّ المخاطب به أمر عظيم. وهكذا هو فى السّورة ؛ لأنّه ـ لعنه

__________________

(١) الآية ١٠٦.

(٢) سقط ما بين القوسين فى أ.

(٣) الآية ٥٦.

(٤) الآية ٢٢.

(٥) ذكر سبحانه فى الآية ٨ (أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً ...).

(٦) الآية ٦٢.

٢٩٣

الله ـ ضمن احتناك ذريّة آدم عن آخرهم (١) إلّا قليلا. ومثل هذا (أَرَأَيْتَكُمْ) فى الأنعام فى (٢) موضعين وقد سبق.

قوله : (وَما مَنَعَ (٣) النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى) وفى الكهف زيادة (٤) (وَيَسْتَغْفِرُوا (٥) رَبَّهُمْ) ؛ لأنّ ما فى هذا السّورة معناه : [ما منعهم](٦) عن الإيمان بمحمد إلّا قولهم : أبعث الله بشرا رسولا ، هلّا بعث ملكا. وجهلوا أنّ التّجانس يورث التّوانس (٧) ، والتغاير يورث التّنافر. وما فى الكهف معناه : ما منعهم عن الإيمان والاستغفار إلّا إتيان سنّة الأوّلين. قال الزّجاج : إلّا طلب سنّة الأوّلين (وهو (٨) قولهم : (إِنْ كانَ (٩) هذا هُوَ الْحَقَّ) فزاد : (وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ) ، لاتصاله بقوله : (سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) وهم قوم نوح ، وصالح ، وشعيب ، كلّهم أمروا بالاستغفار. فنوح بقوله : (اسْتَغْفِرُوا (١٠) رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً) وهود يقول : (وَيا قَوْمِ (١١) اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) وصالح يقول : (فَاسْتَغْفِرُوهُ (١٢) ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ) وشعيب يقول : (وَاسْتَغْفِرُوا (١٣) رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) فلمّا خوّفهم سنّة الأوّلين أجرى المخاطبين مجراهم.

__________________

(١) أ ، ب : «أجرهم» وما أثبت عن الكرمانى.

(٢) الآيتان ٤٠ ، ٤٧.

(٣) الآية ٩٤.

(٤) كذا فى أ ، ب. وفى الكرمانى : «بزيادة»

(٥) الآية ٥٥.

(٦) زيادة من الكرمانى.

(٧) كذا فى أ ، ب. والصواب فى اللغة : التآنس.

(٨) سقط ما بين القوسين فى أ.

(٩) الآية ٣٢ سورة الأنفال.

(١٠) الآية ١٠ سورة نوح.

(١١) الآية ٥٢ سورة هود.

(١٢) الآية ٦١ سورة هود.

(١٣) الآية ٩٠ سورة هود.

٢٩٤

قوله : (قُلْ (١) كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) [وكذا (٢) جاء فى الرعد] وفى العنكبوت : (قُلْ (٣) كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً) كما فى الفتح (وَكَفى (٤) بِاللهِ شَهِيداً) (وَكَفى (٥) بِاللهِ نَصِيراً) (وَكَفى (٦) بِاللهِ حَسِيباً) فجاء فى الرّعد وفى سبحان على الأصل. وفى العنكبوت أخّر (شَهِيداً) لمّا وصفه بقوله تعالى : (يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فطال.

قوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا (٧) أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ) وفى الأحقاف (بِقادِرٍ) (٨)) وفى (يس (٩)) (بِقادِرٍ) ؛ لأنّ ما فى هذه السّورة خبر أنّ ، وما فى يس خبر ليس ، فدخل الباء الخبر ، وكان القياس ألّا يدخل فى حم ؛ (١٠) لكنّه شابه (ليس) بترادف النفى ، وهو قوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا) (وَلَمْ يَعْيَ) وفى هذه السّورة نفى واحد. وأكثر أحكام المتشابه ثبت من وجهين ؛ قياسا على باب ما لا ينصرف وغيره.

قوله : (إِنِّي (١١) لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً) قابل موسى كلّ كلمة من فرعون بكلمة من نفسه ، فقال : (وَإِنِّي (١٢) لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً).

__________________

(١) الآية ٩٦.

(٢) زيادة يقتضيها ذكر الرعد بعد. وآية الرعد ٤٣.

(٣) الآية ٥٢.

(٤) الآية ٢٨.

(٥) الآية ٤٥ سورة النساء. وقد أورد هذه الآية والتى بعدها لمجيئهما على غرار ما فى الفتح وان اختلفت الألفاظ بعد لفظ الجلالة.

(٦) الآية ٣٩ سورة الأحزاب.

(٧) الآية ٩٩.

(٨) الآية ٣٣.

(٩) الآية ٨١.

(١٠) يريد الأحقاف.

(١١) الآية ١٠١.

(١٢) الآية ١٠٢.

٢٩٥

فضل السّورة

لم يرد فيه سوى أحاديث ظاهرة الضعف ، منها : من قرأ هذه السّورة كان له قنطار ومائتا أوقيّة ، كلّ أوقية أثقل من السّماوات والأرض ، وله بوزن ذلك درجة فى الجنّة ، وكان له كأجر من آمن بالله ، وزاحم يعقوب فى فتنه (١) ، وحشر يوم القيامة مع السّاجدين ، ويمر على جسر جهنّم كالبرق الخاطف. وعن جعفر : إنّ من قرأ هذه السّورة كلّ ليلة جمعة لا يموت حتّى يدرك درجة (٢) الأبدال. وقال علىّ : من قرأ سبحان لم يخرج من الدّنيا حتى يأكل من ثمار الجنّة ، ويشرب من أنهارها ، ويغرس له بكلّ آية قرأها نخلة فى الجنّة.

__________________

(١) كذا فى أ ، وهى فى ب غير واضحة. وقد يكون : «فتنته» أى فى جزاء فتنته فى يوسف ، أو «فقهه» أى فهمه للدين ورضاه بالقضاء.

(٢) فى القاموس : «الأبدال قوم بهم يقيم الله ـ عزوجل ـ الأرض. وهم سبعون : أربعون بالشام وثلاثون بغيرها ، لا يموت أحدهم الا قام مكانه آخر من سائر الناس».

٢٩٦

١٨ ـ بصيرة فى

الحمد لله الذى أنزل على عبده الكتاب .. (١)

السّورة مكّيّة بالاتّفاق. وعدد آياتها مائة وعشر عند الكوفيين ، وست عند الشّاميّين ، وخمس عند الحجازيّين ، وإحدى عشرة عند البصريّين. وكلماتها ألف وخمسمائة وتسع وسبعون. وحروفها ستّة آلاف وثلاثمائة وستّ.

المختلف فيها إحدى (٢) عشرة آية (وَزِدْناهُمْ (٣) هُدىً) (إِلَّا (٤) قَلِيلٌ) (ذلِكَ (٥) غَداً) (زَرْعاً (٦) مِنْ (٧) كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً) (هذِهِ (٨) أَبَداً) (عِنْدَها (٩) قَوْماً) (فَأَتْبَعَ سَبَباً) (١٠) ذرّيّته (١١) (فى) موضع (بِالْأَخْسَرِينَ (١٢) أَعْمالاً).

فواصل آياتها على الألف. وسمّيت سورة الكهف ؛ لاشتمالها على قصّة أصحاب أهل الكهف بتفصيلها.

__________________

(١) سقط فى أكلمتا «عبده الكتاب».

(٢) أ ، ب : «أحد عشر». وظاهر أن هذا خطأ من الناسخ.

(٣) الآية ١٣.

(٤) الآية ٢٢.

(٥) الآية ٢٣.

(٦) الآية ٣٢.

(٧) الآية ٨٤.

(٨) الآية ٣٥.

(٩) الآية ٨٦.

(١٠) الآية ٨٥.

(١١) ورد (ذُرِّيَّتَهُ) فى الآية ٥٠ ولم أر من عدها فى الآيات. ثم ما ذكره بعد هذه عشر لا إحدى عشرة. وفى ناظمة عقود الزهر للشاطبى أن من المختلف فى قوله تعالى : (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً) * فى موضوعين فى الآية ٨٩ ، والآية ٩٢. وبذلك تكمل الآيات المختلف فيها احدى عشرة من غير (ذُرِّيَّتَهُ) وقد يكون الأصل ترك موضع.

(١٢) الآية ١٠٣.

٢٩٧

مقصود السّورة مجملا : بيان نزول القرآن على سنن السّداد ، وتسلية النّبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى تأخّر الكفّار عن الإيمان ، وبيان عجائب حديث الكهف ، وأمر النّبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالصّبر على الفقراء ، وتهديد الكفّار بالعذاب ، والبلاء ، ووعد المؤمنين بحسن الثّواب ، وتمثيل حال المؤمن والكافر بحال الأخوين الإسرائيليّين ، وتمثيل الدنيا بماء السّماء ونبات الأرض ، وبيان أنّ الباقى من الدّنيا طاعة الله فقط ، وذكر أحوال (١) القيامة ، وقراءة الكتب ، وعرض الخلق على الحقّ ، وإباء إبليس من السّجود ، وذلّ الكافر ساعة دخولهم (٢) النار ، وجدال أهل الباطل مع المحقّين الأبرار ، والتخويف بإهلاك الأمم الماضية وإذلالهم ، وحديث موسى ويوشع وخضر ، وعجائب أحوالهم ، وقصّة ذى القرنين ، وإتيانه إلى المشرقين والمغربين ، وبنيانه (٣) لسدّ يأجوج ومأجوج ، وما يتّفق لهم آخر الزمان من الخروج ، وذكر رحمة أهل القيامة ، وضياع عمل الكفر ، وثمرات مساعى المؤمنين الأبرار ، وبيان أن كلمات القرآن بحور علم (٤) : لا نهاية لها ، ولا غاية لأمدها ، والأمر بالإخلاص فى العمل الصّالح أبدا ، فى قوله : (فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً).

الناسخ والمنسوخ :

أكثر المفسّرين على أنّ السّورة خالية من الناسخ والمنسوخ. وقال قتادة :

__________________

(١) فى أ ، ب : «أصول».

(٢) كذا. والضمير يعود الى الكافر مرادا به الجنس.

(٣) أ ، ب : «بيانه». وظاهر أنه محرف عما أثبت.

(٤) أ ، ب : «علما».

٢٩٨

فيه آية م (فَمَنْ شاءَ (١) فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) ن (وَما تَشاؤُنَ (٢) إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ).

المتشابهات :

قوله : (سَيَقُولُونَ (٣) ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ) بغير واو (وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) بزيادة واو. وفى (٤) هذا الواو أقوال أحدها أنّ الأول والثانى وصفان لما قبلهما ، أى هم ثلاثة رابعهم كلبهم. وكذلك (٥) الثانى أى هم خمسة سادسهم كلبهم. والثالث عطف على ما قبله ، أىّ هم سبعة ، ثمّ عطف عليهم (وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ). وقيل : كلّ واحد من الثلاثة جملة ، وقعت بعدها جملة فيها عائد يعود منها إليها. فأنت فى إلحاق واو العطف وحذفها بالخيار. وليس فى هذين القولين ما يوجب تخصيص الثالث بالواو. وقال بعض النّحويّين : السّبعة نهاية العدد ؛ ولهذا كثر ذكرها فى القرآن والأخبار ، والثّمانية تجرى مجرى استئناف كلام. ومن هاهنا لقّبه جماعة من المفسّرين بواو الثمانية. واستدلّوا بقوله سبحانه : (التَّائِبُونَ) (٦) الآية وبقوله : (مُسْلِماتٍ (٧))

__________________

(١) الآية ٢٩.

(٢) الآية ٣٠ سورة الانسان ، ٢٩ سورة التكوير.

(٣) الآية ٢٣.

(٤) سقطت الواو فى الكرمانى ، وهو أولى فى العبارة.

(٥) سقط فى ب.

(٦) الآية ١١٢ سورة التوبة والآية بتمامها : «التائبون العابدون السائحون الراكعون السجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين».

(٧) الآية ٥ سورة التحريم.

٢٩٩

الآية وبقوله : (وَفُتِحَتْ (١) أَبْوابُها) ولكلّ واحدة من هذه الآيات وجوه ذكرت فى مباسيط التفسير. وقيل : إنّ الله تعالى حكى القولين الأوّلين ، ولم يرتضهما ، وحكى القول الثّالث فارتضاه. وهو قوله : (وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ) ثمّ استأنف فقال : (وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ). ولهذا قال : عقيب الأوّل والثّانى (رَجْماً بِالْغَيْبِ) ولم يقل فى الثالث. فإن قيل : وقد قال فى الثالث : (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ)(٢) فالجواب تقديره : قل ربّى أعلم بعدتهم وقد أخبركم أنّهم سبعة وثامنهم كلبهم ؛ بدليل قوله تعالى : (ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ). ولهذا قال ابن عباس : أنا من ذلك القليل. فعدّ أسماءهم. وقال بعضهم الواو (٣) فى قوله : (وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ) يعود الى الله تعالى ، فذكر بلفظ الجمع ؛ كقوله إنّا وأمثاله. هذا على سبيل الاختصار.

قوله : (وَلَئِنْ (٤) رُدِدْتُ إِلى رَبِّي) وفى حم (٥) : (وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي) لأن الرّد عن شىء يتضمن كراهة المردود ، ولما كان [ما فى الكهف تقديره : ولئن رددت عن جنّتى التى أظنّ أنها لا تبيد أبدا إلى ربى ، كان لفظ الرد الذى يتضمن الكراهة أولى ، وليس فى حم ما يدل على كراهة (٦) ، فذكر بلفظ الرجع ليأتى لكل مكان ما يليق به.

قوله : (وَمَنْ أَظْلَمُ (٧) مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها) [وفى السجدة (٨) (ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها)](٩) لأن الفاء للتعقيب وثم للتراخى. وما فى هذه السورة فى الأحياء

__________________

(١) الآية ٧٣ سورة الزمر وفى الكرمانى بعد هذه الآية : «وزعموا أن هذه الواو تدل على أن أبوابها ثمانية».

(٢) ما بين القوسين زيادة من الكرمانى.

(٣) يريد واو الضمير فى (يقولون).

(٤) الآية ٣٦.

(٥) يريد سورة فصلت ، الآية ٥٠.

(٦) فى الكرمانى «الكراهة».

(٧) الآية ٥٧.

(٨) الآية ٢٢.

(٩) ما بين المعقوفتين زيادة من الكرمانى والخطيب.

٣٠٠