بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ١

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ١

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٧٨

رقيق (١) فى الدّنيا مائة ألف ألف حسنة ، ومثلها درجة ، ويكون فى جوار يوسف فى الجنّة. ثمّ قال : تعلّموها وعلّموها أولادكم ؛ فإنّه من قرأها كان له من الأجر كأجر من اجتنب الفواحش ، وأجر من غضّ بصره عن النظر إلى الحرام. وقال : يا علىّ من قرأ سورة يوسف تقبّل الله حسناته ، واستجاب دعاءه ، وقضى حوائجه وله بكلّ آية قرأها ثواب الفقراء.

__________________

(١) أ ، ب : «رفيق» والوجه ما أثبت ليناسب : «أرقاءكم».

٢٦١

١٣ ـ بصيرة فى

المر. تلك آيات الكتاب والذى

أنزل إليك من ربك الحق ..

السّورة مكّيّة. وعدد آياتها سبع وأربعون عند الشاميّين ، وثلاث عند الكوفيّين ، وأربع عند الحجازيّين ، وخمس عند البصريّين. وكلماتها ثمان مائة وخمس وستون. وحروفها ثلاثة آلاف وخمسمائة وستّة أحرف.

والآيات المختلف فيها خمس : (جَدِيدٍ (١) ، وَالنُّورُ (٢) ، الْبَصِيرُ (٣) ، وسُوءُ (٤) الْحِسابِ ، مِنْ كُلِّ بابٍ) (٥).

وفواصل آياتها يجمعها قولك (نقر دعبل) منها على العين آية واحدة (إِلَّا مَتاعٌ) (٦) وما على النون فقبل النون واو ، وسائر الآيات الّتى على الباء فقبلها ألف ؛ نحو مآب ، متاب ، سوى (القلوب) ؛ فقبلها واو.

وتسمّى سورة الرّعد ؛ لقوله فيها : (يُسَبِّحُ (٧) الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ).

__________________

(١) الآية ٥.

(٢) فى أ ، ب : «اليوم» وهو تحريف عما أثبت. وانظر شرح ناظمة الزهر. ويريد (أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ) فى الآية ١٦ فقد عدها بعضهم آية ، ولم يعدها الآخرون كالكوفيين.

(٣) فى الآية السابقة.

(٤) الآية ١٨.

(٥) الآية ٢٣.

(٦) الآية ٢٦.

(٧) الآية ١٣.

٢٦٢

مقصود السّورة : بيان حجّة التوحيد فى تخليق السّماوات والأرض ، واستخراج الأنهار والأشجار والثمار ، وتهديد الكفّار ، ووعيدهم ، وذكر تخليق الأولاد فى أرحام الأمهات ، على تباين الدّرجات ، ومع النقصان والزّيادات ، فى الأيّام والسّاعات ، واطّلاع الحقّ تعالى على بواطن الأسرار ، وضمائر الأخيار (١) والأشرار ، وذكر السّحاب ، والرّعد ، والبرق ، والصّواعق ، والانتظار (٢). والرّدّ على عبادة الأصنام ، وقصّة (٣) نزول القرآن من السّماء ، والوفاء بالعهد ، ونقض الميثاق ، ودخول الملائكة بالتسليم على أهل الجنان ، وأنس أهل الإيمان ، بذكر الرّحمة ، وبيان تأثير القرآن ، فى الآثار والأعيان ، وكون عاقبة أهل الإيمان إلى الجنان ، ومقرّ (٤) مرجع الكفّار إلى النّيران ، والمحو والإثبات فى اللّوح بحسب مشيئة الديّان ، وتقدير الحقّ فى أطراف الأرض بالزّيادة والنقصان ، وتقرير (٥) نبوّة المصطفى بنزول الكتاب ، وبيان القرآن فى قوله : (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً) إلى آخر السّورة.

__________________

(١) أ ، ب : «الأخبار والأسرار» والوجه ما أثبت فلا يتكرر (الأسرار) مع السجعة السابقة.

(٢) كذا فى أ ، ب. والظاهر أن هذا تحريف عن (الانكار) وهو اشارة الى قوله تعالى : (وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ).

(٣) تابع ما فى تنوير المقباس فى تفسير قوله تعالى : (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها ..) أن المراد بالماء القرآن. وهو وجه بعيد لم يعرج عليه المفسرون. وانما المراد المطر النازل من السماء ضربه اذ يكون سيلا وزبده مثلا للحق والباطل.

(٤) الأولى حذفها. وهى فى ب غير منقوطة وغير واضحة ويشبه أن يكون الكاتب سبق إليها قلمه فلم يتمها.

(٥) أ ، ب : «تقدير».

٢٦٣

النّاسخ والمنسوخ :

فى السّورة آيتان (فَإِنَّما عَلَيْكَ (١) الْبَلاغُ) م آية (٢) السّيف ن (وَإِنَّ رَبَّكَ (٣) لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ) م (إِنَّ اللهَ (٤) لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) ن وقيل : هى محكمة (٥).

المتشابهات :

قوله : (كُلٌّ يَجْرِي (٦) لِأَجَلٍ مُسَمًّى) ، وفى لقمان : (إِلى أَجَلٍ) (٧) لا ثانى له ، لأنّك تقول فى الزّمان : جرى ليوم كذا ، وإلى يوم كذا ، والأكثر اللام ؛ كما فى هذه السّورة ، وسورة (٨) الملائكة. وكذلك فى يس (تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ (٩) لَها) ؛ لأنّه بمنزلة التّاريخ ؛ تقول : كتبت لثلاث بقين من الشهر ، وآتيك لخمس تبقى من الشّهر. وأما فى لقمان فوافق ما قبلها ، وهو قوله : (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ) ، والقياس : لله ؛ كما فى قوله : (أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ) لكنّه حمل على المعنى ، أى يقصد بطاعته إلى الله ، كذلك : يجرى إلى أجل مسمّى ، أى يجرى إلى وقته المسمّى له.

قوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) وبعدها (إِنَ (١٠) فِي ذلِكَ لَآياتٍ

__________________

(١) الآية ٤٠.

(٢) الآية ٥ سورة التوبة.

(٣) الآية ٦.

(٤) الآية ٤٨ سورة النساء. والحق أن هذا ليس بنسخ ، لما ثبت أن النسخ لا يكون فى الأخبار الا عند من يجعل التخصيص نسخا.

(٥) لأن المراد بالظلم فى الآية الصغائر ، والمراد بالمغفرة الامهال الى يوم القيامة. وانظر تفسير البيضاوى.

(٦) الآية ٢.

(٧) الآية ٢٩.

(٨) الآية ١٣.

(٩) الآية ٣٨.

(١٠) الآية ٤.

٢٦٤

لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) ؛ لأنّ بالتفكّر فى الآيات يعقل ما جعلت الآيات دليلا له ؛ فهو الأوّل المؤدّى إلى الثّانى.

قوله : (وَيَقُولُ (١) الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) هاهنا موضعان. وزعموا أنّه لا ثالث لهما. ليس هذا بتكرار محض ؛ لأنّ المراد بالأوّل آية ممّا اقترحوا ؛ نحو ما فى قوله : (لَنْ نُؤْمِنَ (٢) لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ) الآيات (٣) وبالثانى آية ما ؛ لأنهم لم يهتدوا إلى أن القرآن آية فوق كلّ آية ، وأنكروا سائر آياته صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قوله : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ (٤) مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْض(ِ٥)) وفى النحل (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ (٦) ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ) وفى الحجّ (أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ (٧) لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ) ؛ لأنّ فى هذه السّورة تقدّم آية السّجدة ذكر العلويّات : من البرق والسّحاب والصواعق ، ثمّ ذكر الملائكة وتسبيحهم ، وذكر بأخرة (٨) الأصنام والكفّار ، فبدأ فى آية السّجدة بذكر من فى السّماوات لذلك ، وذكر الأرض تبعا ، ولم يذكر من فيها ؛ استخفافا بالكفّار والأصنام. وأمّا فى الحجّ فقد تقدّم ذكر المؤمنين وسائر الأديان ، فقدّم ذكر من فى السّماوات ؛ تعظيما لهم ولها ، وذكر من فى الأرض ؛ لأنهم هم الّذين تقدّم ذكرهم. وأمّا فى النّحل فقد تقدّم ذكر ما خلق الله على العموم ،

__________________

(١) الآية ٧ ، والآية ٢٧.

(٢) الآية ٩٠ سورة الاسراء.

(٣) زيادة من الكرمانى.

(٤) الآية ١٥.

(٥) سقط ما بين القوسين فى أ.

(٦) الآية ٤٩.

(٧) الآية ١٨.

(٨) أ : «تاخر» وب : «تاخره» وما أثبت عن الكرمانى يقال : جاء بأخرة أى أخيرا.

٢٦٥

ولم يكن فيه ذكر الملائكة ، ولا الإنس تصريحا ، فنصّت (١) الآية ما فى السّماوات وما فى الأرض ؛ فقال فى كلّ آية ما ناسبها.

قوله : (نَفْعاً (٢) وَلا ضَرًّا) قد سبق.

قوله : (كَذلِكَ (٣) يَضْرِبُ اللهُ) ليس بتكرار ؛ لأنّ التقدير : كذلك يضرب الله للحقّ (٤) والباطل الأمثال ، فلمّا اعترض (٥) بينهما (فأمّا) و (أمّا) وطال الكلام أعاد ، فقال : (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ).

قوله : (لَوْ أَنَّ لَهُمْ (٦) ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ) وفى المائدة (لِيَفْتَدُوا بِهِ) ؛ (٧) لأن (لو) وجوابها يتّصلان بالماضى ، فقال : فى هذه السّورة (٨) (لَافْتَدَوْا بِهِ) وجوابه فى المائدة (ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ) وهو بلفظ الماضى ، وقوله : (لِيَفْتَدُوا بِهِ) علّة ، وليس بجواب.

قوله : (ما أَمَرَ اللهُ (٩) بِهِ أَنْ يُوصَلَ) فى موضعين : هذا ليس بتكرار ؛ لأنّ الأوّل متّصل بقوله : (يَصِلُونَ) وعطف عليه (وَيَخْشَوْنَ) ، والثّانى متّصل بقوله : (يَقْطَعُونَ) وعطف عليه (يُفْسِدُونَ).

قوله : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا (١٠) رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ) ومثله فى المؤمنين (١١) ليس بتكرار. قال ابن عباس : عيّروا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم باشتغاله

__________________

(١) أ ، ب : «فنصب» ويظهر أنه محرف عما أثبت ، ويقال : نص الشىء : أظهره. وفى الكرمانى : «فاقتضى» وهى ظاهرة.

(٢) الآية ١٧.

(٣) الآية ١٦.

(٤) أ ، ب : «الحق» والوجه ما أثبت.

(٥) أ ، ب : «أعرض» وما أثبت عن الكرمانى.

(٦) الآية ١٨.

(٧) الآية ٣٦.

(٨) أ ، ب : «ذلك». وظاهر أنه خطأ من الناسخ.

(٩) الآية ٢١ ، والآية ٢٥.

(١٠) الآية ٣٨.

(١١) الآية ٧٨.

٢٦٦

بالنّكاح والتّكثّر منه فأنزل الله تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً) فكان المراد من الآية قوله : (وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً) بخلاف ما فى المؤمنين ؛ فإنّ المراد منه : لست ببدع من الرسل (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ) قوله : (وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ)(١) مقطوع ، وفى سائر القرآن : (وإمّا) موصول. وهو من الهجاء : (إن) و (ما) وذكر فى موضعين.

فضل السّورة

يذكر فيه من الأحاديث السّاقطة حديث أبىّ : من قرأ سورة الرّعد أعطى من الأجر عشر حسنات ، بوزن كلّ سحاب مضى ، وكلّ سحاب يكون ، إلى يوم القيامة ، ودرجات فى جنات عدن ، وكان يوم القيامة فى أولاده ، وذرّيّته ، وأهل بيته من المسلمين. وعن جعفر الصادق : من قرأها لم تصبه صاعقة أبدا ، ودخل الجنة بلا حساب ، وحديث علىّ (٢) : يا علىّ من قرأ سورة الرّعد كتب له بكل قطرة تمطر فى تلك السنة ثمانون حسنة ، وأربع وثمانون درجة ، وله بكل آية قرأها مثل ثواب من يموت فى طلب العلم.

__________________

(١) الآية ٤٠.

(٢) سقط فى ب.

٢٦٧

١٤ ـ بصيرة فى ...

الر. كتاب أنزلناه إليك

السّورة مكيّة إجماعا ، غير آية واحدة : (أَلَمْ (١) تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً) الآية. وعدد آياتها خمس وخمسون عند الشاميّين ، واثنتان عند الكوفيّين ، وأربع عند الحجازيّين ، وواحدة عند البصريّين ، وكلماتها ثمانمائة وإحدى وثلاثون. وحروفها ستّة آلاف وأربعمائة وأربع وثلاثون.

والآيات المختلف فيها سبع : (إِلَى النُّورِ) ، (٢) وعاد ، وثمود (٣) ، (بِخَلْقٍ (٤) جَدِيدٍ) ، (وَفَرْعُها (٥) فِي السَّماءِ (٦)) (اللَّيْلَ (٧) وَالنَّهارَ) (عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) (٨).

مجموع فواصل آياتها (آدم نظر ، صبّ ذلّ).

وتسمّى سورة إبراهيم ؛ لتضمّنها قصّة إسكانه ولده إسماعيل بواد غير ذى زرع ، وشكره لله تعالى على ما أنعم عليه من الولدين : إسماعيل وإسحاق.

مقصود السّورة : بيان حقيقة الإيمان ، وبرهان النبوّة ، وأن الله تعالى أرسل كلّ رسول بلغة قومه ، وذكر الامتنان على بنى إسرائيل بنجاتهم من فرعون ، وأنّ القيام بشكر النّعم يوجب المزيد ، وكفرانها يوجب الزّوال ، وذكر معاملة القرون الماضية مع الأنبياء ، والرّسل الغابرين ، وأمر الأنبياء

__________________

(١) الآية ٢٨.

(٢) الآية ١ ، والآية ٥.

(٣) الآية ٩.

(٤) الآية ١٩.

(٥) سقط فى ب.

(٦) الآية ٢٤.

(٧) الآية ٣٣.

(٨) الآية ٤٢.

٢٦٨

بالتّوكّل على الله عند تهديد الكفّار إيّاهم ، وبيان مذلّة الكفّار فى العذاب ، والعقوبة ، وبطلان أعمالهم ، وكمال إذلالهم فى القيامة ، وبيان جزعهم من العقوبة ، وإلزام الحجّة عليهم ، وإحال (١) إبليس اللّائمة عليهم ، وبيان سلامة أهل الجنّة ، وكرامتهم ، وتشبيه الإيمان (والتّوحيد (٢) بالشّجرة الطّيّبة وهى النخلة وتمثيل الكفر بالشّجرة الخبيثة وهى الحنطة وتثبيت أهل الإيمان) على كلمة الصّواب عند سؤال منكر ونكير ، والشكوى من الكفّار بكفران النّعمة ، وأمر المؤمنين بإقامة الصّلوات ، والعبادات ، وذكر المنّة على المؤمنين بالنّعم السّابغات ، ودعائه إبراهيم بتأمين الحرم المكّى ، وتسليمه إسماعيل إلى كرم الحقّ تعالى. ولطفه وشكره (٣) لله على إعطائه الولد ، والتهديد العظيم للظّالمين بمذلّتهم فى القيامة ، وذكر أن الكفار قرناء الشياطين فى العذاب ، والإشارة إلى أنّ القرآن أبلغ وعظ ، وذكرى للعقلاء فى قوله : (هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ) إلى آخر السّورة.

والسّورة خالية عن المنسوخ فى (٤) قول. وعند بعضهم (إِنَّ الْإِنْسانَ (٥) لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) م (إِنَّ اللهَ (٦) لغفور حَلِيمٌ) ن.

المتشابهات :

قوله : (فَلْيَتَوَكَّلِ (٧) الْمُؤْمِنُونَ) وبعده (فَلْيَتَوَكَّلِ (٨) الْمُتَوَكِّلُونَ) لأنّ الإيمان سابق على التوكّل.

__________________

(١) كذا فى أ ، ب. وهو من باب اقام الصلاة والشائع احالة.

(٢) سقط ما بين القوسين فى ب.

(٣) لم يذكر فى ب.

(٤) ب : «قوله».

(٥) الآية ٣٤.

(٦) الآية ١٥٥ سورة آل عمران.

(٧) الآية ١١.

(٨) الآية ١٢.

٢٦٩

قوله : (مِمَّا كَسَبُوا (١) عَلى شَيْءٍ) والقياس على شىء ممّا كسبوا كما فى البقرة (٢) لأنّ على (من (٣) صلة القدرة ، ولأن (مِمَّا كَسَبُوا) صفة لشىء. وإنّما قدم فى هذه السورة لأن) الكسب هو المقصود بالذكر ، وأنّ المثل ضرب للعمل ، يدلّ عليه قوله : (أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ).

قوله : (وَأَنْزَلَ (٤) مِنَ السَّماءِ ماءً) وفى النّمل : (وَأَنْزَلَ لَكُمْ (٥) مِنَ السَّماءِ) بزيادة (لَكُمْ) ؛ لأنّ (لَكُمْ) فى هذه السّورة مذكور فى آخر الآية ، فاكتفى بذكره ، ولم يكن فى النّمل فى آخرها ، فذكر فى أوّلها. وليس قوله : (ما كانَ لَكُمْ) يكفى من ذكره ؛ لأنّه نفى لا يفيد معنى الأوّل.

قوله : (فِي الْأَرْضِ (٦) وَلا فِي السَّماءِ) قدّم الأرض ؛ لأنّها خلقت قبل السّماء ؛ ولأنّ هذا الدّاعى فى الأرض. وقدّمت الأرض فى خمسة مواضع : هنا ، وفى آل عمران (٧) ، ويونس (٨) ، وطه (٩) ، والعنكبوت (١٠).

قوله : (وَلِيَذَّكَّرَ (١١) أُولُوا الْأَلْبابِ) (خص (١٢) أولى الألباب) بالذكر لأنّ المراد فى الآية التّذكّر ، والتدبّر ، والتّفكّر فى القرآن ، وانّما يتأتّى ذلك منهم ، مثله فى البقرة (وَمَنْ (١٣) يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) (١٤) يريد فهم معانى

__________________

(١) الآية ١٨.

(٢) الآية ٢٦٤.

(٣) سقط ما بين القوسين فى أ.

(٤) الآية ٣٢.

(٥) الآية ٦٠.

(٦) الآية ٣٨.

(٧) الآية ٥.

(٨) الآية ٦١.

(٩) الآية ٤.

(١٠) الآية ٢٢.

(١١) الآية ٥٢.

(١٢) سقط ما بين القوسين فى أ.

(١٣) الآية ٢٦٩.

(١٤) فى أ ، ب : «يؤيد» وظاهر أنه محرف عما أثبت.

٢٧٠

القرآن ، ثمّ ختم الآية بقوله : (وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) ومثلها فى آل عمران (هُوَ (١) الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ) وذكر فيه المحكمات والمتشابهات ، وختمها بقوله : (وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) ، ولا رابع لها فى القرآن.

فضل السّورة

ذكروا فيه أحاديث ضعيفة واهية. منها : من قرأ سورة إبراهيم أعطى من الأجر عشر حسنات ، بعدد كلّ من عبد الأصنام ، وعدد من لم يعبدها. وفى لفظ : أعطى بعدد من عبد الأصنام مدينة فى الجنّة ، لو نزل بها مثل يأجوج ومأجوج لوسعتهم ما شاءوا من اللّباس ، والخدم ، والمأكول ، وسائر النّعم ، وحرم عليهم (٢) سرابيل القطران ، ولا تغشى النّار وجهه ، وكان مع إبراهيم فى قباب الجنان ، وأعطى بعدد أولاد إبراهيم حسنات ودرجات ، وحديث علىّ : يا علىّ من قرأ سورة إبراهيم كان فى الجنّة رفيق إبراهيم ، وله مثل ثواب إبراهيم ، وله بكلّ آية قرأها مثل ثواب إسحاق بن إبراهيم.

__________________

(١) الآية ٧.

(٢) كذا ، والأنسب «عليه».

٢٧١

١٥ ـ بصيرة فى

الر. تلك آيات الكتاب

وقرآن مبين ..

السّورة مكّيّة إجماعا. وعدد آياتها تسع وتسعون بلا خلاف. وكلماتها ستّمائة وأربع وخمسون. وحروفها ألفان وسبعمائة وستون.

ومجموع فواصل آياتها (ملن) على اللّام منها آيتان : (حِجارَةً (١) مِنْ سِجِّيلٍ) ، (فَاصْفَحِ (٢) الصَّفْحَ الْجَمِيلَ).

وتسمّى سورة الحجر ؛ لاشتمالها على قصّتهم ، وقوله : (وَلَقَدْ كَذَّبَ (٣) أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ).

مقصود السّورة إجمالا (٤) : بيان حقيقة (٥) القرآن ، وحفظ الحقّ وبرهان النبوّة وحفظ الحقّ كتابه العزيز من التغيير والتبديل ، وتزيين السّماوات بمواكب الكواكب وحفظهما (٦) برجوم النجوم من استراق الشّياطين السّمع ، وتقديره تعالى الماء والسّحاب من خزائن برّه ، ولطفه ، وعلمه تعالى بأحوال المتقدّمين فى الطّاعة والمتأخّرين عنها ، وبيان الحكمة (٧) فى تخليق آدم ، وأمر الملائكة المقرّبين بسجوده (٨) ، وتعيير إبليس ، وملامته

__________________

(١) الآية ٧٤.

(٢) الآية ٨٥.

(٣) الآية ٨٠.

(٤) أ ، ب : «كمالا» والظاهر أنه محرف عما أثبت.

(٥) كذا. وقد يكون : «حقية».

(٦) كذا فى أ ، ب ، أى السموات والكواكب.

(٧) ب : «و»

(٨) أى بالسجود له.

٢٧٢

على تأبّيه واستكباره وجحوده ، واستحقاقه اللّعنة من الله بعصيانه وطغيانه ، وجراءته بالمناظرة لخالقه ومعبوده ، وبيان قسم الدّركات (على أهل اللذات) (١) والضّلالات ، وذكر المستوجبى (٢) الجنّة من المؤمنين ، وإخبار الله تعالى عباده بالرحمة والغفران ، وتهديدهم بالعذاب والعقاب ، والإشارة إلى ذكر أضياف الخليل عليه‌السلام ، والنّهى عن القنوط من الرّحمة ، وذكر آل لوط ، وسكرتهم فى طريق العماية (٣) والضّلالة ، وتسلية النّبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن جفاء الكفّار ، وبذىء أقوالهم ، والمنّ عليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بنزول السّبع المثانى ، ومشون (٤) القرآن العظيم ، والشكوى (٥) عن الطّاعنين فى القرآن ، وذكر القسم بوقوع السّؤال فى القيامة ، وأمر الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بإظهار الدّعوة ، والمنّ عليه بإهلاك أعداء دينه ، ووصيّته بالعبادة إلى يوم الحقّ واليقين فى قوله : (وَاعْبُدْ (٦) رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ).

النّاسخ والمنسوخ :

فيها من المنسوخ أربع آيات (ذَرْهُمْ (٧) يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا) م آية (٨) السّيف ن (وَأَعْرِضْ (٩) عَنِ الْمُشْرِكِينَ) م آية (١٠) السّيف ن (فَاصْفَحِ (١١) الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) م

__________________

(١) كذا فى ب ، وقد يكون «الزلات» بدل «اللذات» وفى أ : «والذلات».

(٢) ب : «مستوجب».

(٣) أ ، ب : «الغماية» وظاهر أنه محرف عما أثبت.

(٤) كذا فى أويقرب منه ما فى ب ، ولم يتوجه لى مكانها هنا. والظاهر أنه محرف عن (سور).

(٥) كذا فى أ ، ب. وكأنه ضمن الشكوى معنى التبعيد فعداه بمن.

(٦) آخر السورة.

(٧) الآية ٣.

(٨) الآية ٥ سورة التوبة.

(٩) الآية ٩٤.

(١٠) الآية ٥ سورة التوبة.

(١١) الآية ٨٥.

٢٧٣

آية (١) السّيف ن (لا تَمُدَّنَ (٢) عَيْنَيْكَ) م آية (٣) السّيف ن.

المتشابهات :

قوله : (لَوْ ما تَأْتِينا (٤)) وفى غيرها : (لو لا) ؛ لأنّ (لو لا) يأتى على وجهين : أحدهما امتناع الشىء لوجود غيره ؛ وهو الأكثر. والثانى بمعنى (هلّا) وهو التّحضيض. ويختصّ بالفعل (٥) ، و (لو ما) بمعناه. وخصّت هذه السّورة بلو ما ؛ موافقة لقوله : (رُبَما)(٦) فإنّها أيضا ممّا خصّت به هذه السّورة.

قوله : (وَإِذْ (٧) قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً) ، وفى البقرة : (وَإِذْ (٨) قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ) ولا ثالث لهما (٩) ؛ لأن (جعل) إذا كان بمعنى (خلق) يستعمل فى الشىء يتجدّد ويتكرّر ؛ كقوله : (خَلَقَ (١٠) السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) ، لأنّهما يتجدّدان زمانا بعد زمان. وكذلك الخليفة يدلّ لفظه على أنّ بعضهم يخلف بعضا إلى يوم القيامة. وخصّت هذه السّورة بقوله : (إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ)(١١) إذ ليس فى لفظ البشر ما يدلّ على التجدّد والتكرار ، فجاء فى كلّ واحدة من السّورتين ما اقتضاه ما بعدهما (١٢) من الألفاظ.

__________________

(١) الآية ٥ سورة التوبة.

(٢) الآية ٨٨.

(٣) الآية ٥ سورة التوبة.

(٤) الآية ٧.

(٥) أ ، ب : «بالعقد» وما أثبت عن الكرمانى.

(٦) فى الآية ٢.

(٧) الآية ٢٨.

(٨) الآية ٣٠.

(٩) كذا. وفى ص : (إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ) فى الآية ٧١.

(١٠) أول سورة الأنعام.

(١١) أ ، ب «طين» وهذا فى سورة ص ، كما علمت.

(١٢) كذا فى أ ، ب. وفى الكرمانى : «بعده» وهو أولى.

٢٧٤

قوله : (فَسَجَدَ (١) الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) فى هذه السّورة ، وفى ص (٢) ؛ لأنّه لمّا بالغ فى السّورتين فى الأمر بالسّجود وهو قوله : (فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ) فى السّورتين بالغ فى الامتثال فيهما فقال : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) ليقع الموافقة بين أولاها وأخراها. وتمام (٣) قصّة آدم وإبليس سبق.

قوله هنا لإبليس : (اللَّعْنَةَ) (٤) وقال (٥) فى ص (لَعْنَتِي(٦)) لأنّ الكلام فى هذه السّورة جرى على الجنس فى أوّل القصّة فى قوله : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) (وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ) (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ) لذلك (٧) قال : (اللّعنة) ، وفى ص تقدّم (لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) فختم بقوله (لَعْنَتِي).

قوله : (وَنَزَعْنا (٨) ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ) وزاد (٩) فى هذه السّورة (إِخْواناً) لأنّها نزلت فى أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وما سواها عامّ فى المؤمنين.

قوله فى قصّة إبراهيم : (فَقالُوا (١٠) سَلاماً قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ) لأن هذه (١١) السّورة متأخرة ، فاكتفى بما فى هود ؛ لأنّ التّقدير : فقالوا : سلاما ، قال : سلام ، فما لبث أن جاء بعجل حنيذ ، فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة ، قال : إنا منكم وجلون. فحذف للدّلالة عليه.

__________________

(١) الآية ٣٠.

(٢) الآية ٧٣.

(٣) فى الكرمانى : «باقى».

(٤) فى الآية ٣٥.

(٥) أ ، ب : «قال و».

(٦) الآية ٧٨.

(٧) أ ، ب : «كذلك» وما أثبت عن الكرمانى.

(٨) الآية ٤٧.

(٩) ورد فى الأعراف ٤٣ وليس فيها (اخوانا).

(١٠) الآية ٥٢.

(١١) أ ، ب : «فى هذه» وما أثبت تبع فيه الكرمانى.

٢٧٥

قوله : (وَأَمْطَرْنا (١) عَلَيْهِمْ) وفى غيرها (وَأَمْطَرْنا (٢) عَلَيْها) قال بعض المفسّرين : (عَلَيْهِمْ) أى على أهلها ، وقال بعضهم : على من شذّ (٣) من القرية منهم. وقال تاج القراء : ليس فى القولين ما يوجب تخصيص هذه السّورة بقوله : (عَلَيْهِمْ) بل هو يعود إلى (٤) أوّل القصّة ، وهو (إِنَّا (٥) أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ) ثمّ قال : (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ) قال : وهذه لطيفة فاحفظها.

قوله : (إِنَ (٦) فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) بالجمع وبعدها (لَآيَةً (٧) لِلْمُؤْمِنِينَ) على التّوحيد. قال الإمام (٨) : الأولى إشارة إلى ما تقدّم من قصّة لوط [وضيف إبراهيم ، وتعرّض قوم لوط لهم](٩) طمعا فيهم ، وقلب القرية على من فيها ، وإمطار الحجارة عليها ، وعلى من غاب منهم. فختم بقوله : (لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) أى لمن يتدبّر (١٠) السّمة ، وهى ما وسم الله به قوم لوط وغيرهم ، قال : والثانية تعود إلى القرية : (وَإِنَّها (١١) لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ) وهى واحدة ، فوحّد الآية. وقيل : ما جاء فى القرآن من الآيات فلجمع (١٢) الدّلائل ، وما جاء من الآية فلوحدانيّة المدلول عليه. فلمّا (١٣) ذكر عقبه

__________________

(١) الآية ٧٤.

(٢) الآية ٨٣ سورة هود.

(٣) أ ، ب : (شد) وما أثبت عن الكرمانى.

(٤) فى الكرمانى : «على».

(٥) الآية ٥٨.

(٦) الآية ٧٥.

(٧) الآية ٧٧.

(٨) انظر درة التنزيل ٢٠٧.

(٩) زيادة من درة التنزيل.

(١٠) أ ، ب : «يريد» وما أثبت عن درة التنزيل. وفى الكرمانى : «تدبر».

(١١) الآية ٧٦.

(١٢) أ ، ب : «فكجمع» وما أثبت عن الكرمانى.

(١٣) ب : «فكما».

٢٧٦

المؤمنين ، وهم مقرّون (١) بوحدانية الله تعالى ، وحّد الآية. وليس لها (٢) نظير إلّا فى العنكبوت ، وهو قوله تعالى (خَلَقَ (٣) اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) فوحّد بعد ذكر الجمع لما ذكرت والله أعلم.

فضل السّورة

ذكروا أحاديث واهية. منها : من قرأ سورة الحجر كان له من الأجر عشر حسنات بعدد المهاجرين ، والأنصار ، والمستهزئين بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وعن جعفر أنّه قال : من قرأ سورة الحجر لا يصيبه عطش يوم القيامة. ومن قرأها فى ركعتى كلّ جمعة لم يصبه فقر أبدا ، ولا جنون ، ولا بلوى. وحديث علىّ : يا علىّ من قرأ سورة الحجر لا ينصب له ميزان ، ولا ينشر له ديوان ، وقيل له : ادخل الجنّة بغير حساب. وله بكلّ آية قرأها مثل ثواب أصحاب البلاء.

__________________

(١) فى الكرمانى : «المقرون».

(٢) ب : «لهما».

(٣) الآية ٤٤.

٢٧٧

١٦ ـ بصيرة فى أتى أمر الله

هذه السّورة مكّيّة ، إلّا قوله. (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا) إلى آخر السّورة. وقيل : أربعون آية منها مكّيّة ، والباقى مدنىّ. والأوّل أولى. عدد آياتها مائة وثمانية (١) وعشرون. وكلماتها ألفان وثمانمائة وأربعون. وحروفها سبعة آلاف وسبعمائة وسبعة أحرف.

ومجموع فواصل آياتها (نمرّ) منها اثنتان (٢) على الرّاء أخراهما (قَدِيرٌ)(٣) وسمّيت سورة النّحل لما فيها من عجائب ذكر النّحل.

معظم ما اشتملت عليه السّورة : تخويف العباد بمجيء القيامة ، وإقامة حجّة الوحدانية ، وذكر ما فى الأنعام من المنافع والنّعم ، وما فى المراكب من التّجمّل والزينة ، وذكر المسيم (٤) والنبات والشجر ، وتسخير الشمس والقمر ، وتثبيت الأرض والجبال والحجر ، وهداية الكواكب فى السّفر والحضر ، والنعم الزّائدة (٥) عن (العد (٦) والإحصاء) ، والإنكار

__________________

(١) كذا فى أ ، ب. والمعروف : ثمان لأن المعدود مؤنث.

(٢) ب : آيتان.

(٣) الآية ٧٠ ، والآية ٧٧.

(٤) أ ، ب : «النسيم» ولم يظهر وجهها ، ورجحت ما أثبت. ويكون اشارة الى قوله تعالى فى الآية ١٠ : (وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ).

(٥) أ ، ب : «الزائد».

(٦) أ : «عد الحصاد» وب : «عد الحصاو» والظاهر أنه محرف عما أثبت.

٢٧٨

على أهل الإنكار ، وجزاء مكر المكّار ، ولعنة الملائكة على الأشرار ، عند الاحتضار ، وسلامهم فى ذلك الوقت على الأبرار والأخيار ، وبيان أحوال الأنبياء والمرسلين مع الأمم الماضين ، وذكر الهجرة والمهاجرين ، وذكر التّوحيد ، وتعريف المنعم ، ونعمه السّابغات ، ومذمّة المشركات (١) بوأد البنات ، وبيان الأسماء والصّفات ، والمنّة على الخلائق بإنزال الرّحمات ، وعدّها (٢) من الإنعام فى باب الأنعام والحيوانات ، وبيان فوائد النّحل ، وذكر ما اشتمل عليه : من عجيب الحالات ، وتفضيل الخلق فى باب الأرزاق والأقوات ، وبيان حال المؤمن والكافر ، وتسخير الطيور فى الجوّ صافّات ، والمنّة بالمساكن والصّحارى والبرّيّات ، وشكاية المتكبّرين ، وذكر ما أعدّ لهم من العقوبات ، والأمر بالعدل والإحسان ، والنّهى عن نقض العهد والخيانات ، وأنّ الحياة الطّيّبة فى ضمن الطّاعات ، وتعلم الاستعاذة بالله فى حال تلاوة الآيات المحكمات ، وردّ سلطان الشّيطان من (٣) المؤمنين والمؤمنات ، وتبديل الآيات بالآيات ، لمصالح (٤) المسلمين والمسلمات ، والرّخصة بالتّكلم بكلمة الكفر عند الإكراه والضّرورات (٥) ، وبيان التحريم والتحليل فى بعض الحالات ، وذكر إبراهيم الخليل وما منح من الدّرجات ، وذكر السّبت والدّعاء إلى سبيل الله بالحكمة والعظات الحسنات ، والأمر بالتسوية فى المكافات بالعقوبات ، والأمر بالصّبر على

__________________

(١) كذا أراد : «الطوائف المشركات» ليتسنى له السجع. والا فالوأد من المشركين لا من المشركات.

(٢) كذا فى أ ، ب.

(٣) كذا فى أ ، ب. والمناسب : «عن»

(٤) أ ، ب : «بمصالح»

(٥) ب : «الضروريات»

٢٧٩

البليّات ، ووعد المتّقين والمحسنين بأعظم المثوبات ، بقوله : (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ).

النّاسخ والمنسوخ فى هذه السّورة ثلاث آيات منسوخة م (تَتَّخِذُونَ (١) مِنْهُ سَكَراً) م (إِنَّما (٢) حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ) ن (فَإِنَّما (٣) عَلَيْكَ الْبَلاغُ) م آية السّيف (٤) ن (وَجادِلْهُمْ (٥) بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) م آية (٦) السّيف ن.

المتشابهات

فيها فى موضعين (إِنَ (٧) فِي ذلِكَ لَآياتٍ) بالجمع. وفى خمسة مواضع : (إِنَ (٨) فِي ذلِكَ لَآيَةً) على الوحدة. أما الجمع فلموافقة قوله : (مُسَخَّراتٌ) (٩) فى الآيتين ؛ لتقع المطابقة فى اللفظ والمعنى. وأمّا التوحيد فلتوحيد المدلول عليه.

من الخمس قوله : (إِنَ (١٠) فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) وليس له نظير. وخصّ بالذّكر لاتّصاله بقوله : (وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ) ؛ فإن اختلاف ألوان الشىء وتغيّر أحواله يدلّ على صانع حكيم لا يشبهها ولا تشبهه ، فمن تأمل فيها اذّكّر.

__________________

(١) الآية ٦٧

(٢) الآية ٣٣ سورة الأعراف. والآية : (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ) وكونها ناسخة لآية النحل مبنى على تفسير الاثم بالخمر ، كما فى ناسخ ابن حزم. ومن لا يفسر الاثم بالخمر يجعل الناسخ قوله تعالى فى سورة المائدة : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ) فى الآية ٩٠

(٣) الآية ٨٢

(٤) الآية ٥ سورة التوبة

(٥) الآية ١٢٥

(٦) الآية ٥ سورة التوبة

(٦) (*) هذا الفصل خلا منه الأصلان (أ ، ب) ونقل من كتاب «البرهان فى متشابه القرآن» لتاج القراء محمود بن حمزة الكرمانى ، نقلا عن نسخة مخطوطة فى المكتبة الأزهرية تحت رقم (١٩٤) علوم القرآن.

(٧) الآية ١٢ ، والآية ٧٩.

(٨) الآيات ١١ ، ١٣ ، ٦٥ ، ٦٧ ، ٦٩.

(٩) الآية ١٢ ، والآية ٧٩.

(١٠) الآية ١٣.

٢٨٠