بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ١

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ١

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٧٨

قوله : (وَما كانُوا (١) لِيُؤْمِنُوا) بالواو ؛ لأنّه معطوف على قوله : (ظَلَمُوا) من قوله : (لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) وفى غيرها بالفاء للتّعقيب.

قوله : (فَمَنْ (٢) أَظْلَمُ) بالفاء ؛ لموافقة ما قبلها. وقد سبق فى الأنعام. قوله : (ما لا يَضُرُّهُمْ (٣) وَلا يَنْفَعُهُمْ) سبق فى الأعراف.

قوله : (فِيما (٤) فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) وفى غيرها : (فِي ما هُمْ فِيهِ) بزيادة (هم) لأنّ هنا تقدّم (فَاخْتَلَفُوا) ، فاكتفى به عن إعادة الضمير ؛ وفى الآية (بِما (٥) لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) بزيادة (لا) وتكرار (فى) لأنّ تكرار (لا) مع النفى كثير حسن ، فلمّا كرّر (لا) كرّر (فى) تحسينا للفظ. ومثله فى سبأ فى موضعين (٦) ، والملائكة (٧).

قوله (فَلَمَّا (٨) أَنْجاهُمْ) بالألف ؛ لأنه وقع فى مقابلة (أَنْجَيْنَا).

قوله : (فَأْتُوا (٩) بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) وفى هود : (بِعَشْرِ (١٠) سُوَرٍ مِثْلِهِ) لأن ما فى هذه السّورة تقديره : بسورة مثل سورة يونس. فالمضاف محذوف فى السّورتين ؛ وما فى هود إشارة إلى ما تقدّمها : من أوّل الفاتحة إلى سورة هود ، وهو عشر سور.

__________________

(١) الآية ١٣.

(٢) الآية ١٧.

(٣) الآية ١٨.

(٤) الآية ١٩.

(٥) الآية ١٨.

(٦) الآية ٣ ، والآية ٢٢ لا يملكون مثقال ذرة فى السموات ولا فى الأرض.

(٧) الآية ١١ وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره.

(٨) الآية ٢٣.

(٩) الآية ٣٨.

(١٠) الآية ١٣.

٢٤١

قوله : (وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ) هنا ، وكذلك فى هود ، وفى البقرة (شُهَداءَكُمْ) ؛ (١) لأنّه لمّا زاد فى هود (وَادْعُوا) زاد فى المدعوّين. ولهذا قال فى سبحان : (قُلْ (٢) لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ) لأنّه مقترن بقوله : (بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ) والمراد به كله.

قوله : (وَمِنْهُمْ (٣) مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) بلفظ الجمع وبعده : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ) بلفظ المفرد ؛ لأنّ المستمع إلى القرآن كالمستمع إلى النّبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بخلاف النّظر (وكان) (٤) فى المستمعين كثرة فجمع ليطابق اللفظ المعنى ، ووحّد (ينظر) حملا على اللفظ إذ (٥) لم يكثر كثرتهم.

قوله : (وَيَوْمَ (٦) يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا) فى هذه الآية فحسب (٧) ؛ لأنّ قبله قوله : (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً) وقوله : (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) يدلّان على ذلك فاكتفى به.

قوله : (لِكُلِ (٨) أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً) فى هذه السّورة فقط ؛ لأنّ التقدير فيها : لكلّ أمّة أجل ، فلا يستأخرون إذا جاء أجلهم. فكان هذا فيمن قتل ببدر والمعنى : لم (٩) يستأخروا.

قوله : (أَلا إِنَ (١٠) لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ذكر بلفظ ما (١١) لأن

__________________

(١) الآية ٢٣.

(٢) الآية ٨٨ سورة الاسراء.

(٣) الآية ٤٢.

(٤) فى الكرمانى : «فكان».

(٥) أ ، ب «ولم» وما أثبت عن الكرمانى.

(٦) الآية ٤٥.

(٧) يريد أنه لم يقل : يحشرهم جميعا.

(٨) الآية ٤٩.

(٩) ب «لا»

(١٠) الآية ٥٥.

(١١) من هذا الموضع الى قوله الآتى : «ذكر بلفظ من» سقط فى ب.

٢٤٢

معنى ما هاهنا المال ، فذكر بلفظ ما دون من ولم يكرّر (١) ما اكتفاء بقوله قبله (وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ما فِي الْأَرْضِ).

قوله : (أَلا إِنَ (٢) لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) ذكر بلفظ (من) وكرّر ؛ لأنّ هذه الآية نزلت فى قوم آذوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فنزل فيهم (وَلا (٣) يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ) فاقتضى لفظ من وكرّر ؛ لأنّ المراد : من فى الأرض هاهنا لكونهم فيها ؛ لكن قدّم ذكر (مَنْ فِي السَّماواتِ) تعظيما ثمّ عطف (مَنْ فِي الْأَرْضِ) على ذلك.

قوله : (ما فِي (٤) السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) ذكر بلفظ (ما) فكرّر (٥) ؛ لأنّ بعض الكفّار قالوا : اتّخذ الله ولدا ، فقال سبحانه : له ما فى السّماوات وما فى الأرض ، أى اتخاذ الولد إنما يكون لدفع أذى ، أو جذب منفعة ، والله مالك ما فى السّماوات وما فى الأرض. (وكان) (٦) الموضع (موضع [ما (٧) وموضع] التكرار ؛ للتّأكيد والتّخصيص (٨).

قوله : (وَلكِنَ (٩) أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ). ومثله فى النّمل (١٠). وفى البقرة (١١) ويوسف (١٢) والمؤمن (١٣) : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ). لأنّ

__________________

(١) أ : «يذكر» وما أثبت عن الكرمانى.

(٢) الآية ٦٦.

(٣) الآية ٦٥ سورة يونس.

(٤) الآية ٦٨.

(٥) فى الكرمانى : «وكرر» وهو أولى.

(٦) فى الكرمانى : «فكان» وهو أولى لأنه مسبب عما قبله.

(٧) زيادة من الكرمانى.

(٨) كذا فى أ ، ب. والصواب : «التعميم» كما فى شيخ الاسلام ٢ / ٢٥.

(٩) الآية ٦٠.

(١٠) الآية ٧٣.

(١١) ٢٤٣.

(١٢) الآية ٣٨.

(١٣) الآية ٦١.

٢٤٣

فى هذه السّورة تقدم (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) فوافق قوله : (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ) وكذلك فى النّمل تقدم (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) فوافقه. وفى غيرهما جاء بلفظ التصريح. وفيها (١) أيضا قوله : (فِي الْأَرْضِ (٢) وَلا فِي السَّماءِ) فقدّم الأرض ؛ لكون المخاطبين فيها. ومثله فى آل عمران (٣) ، وإبراهيم (٤) ، وطه (٥) ، والعنكبوت (٦). وفيها (إِنَ (٧) فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) بناء (٨) على قوله : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) ومثله فى الرّوم : (إِنَّ فِي (٩) ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) فحسب.

قوله : (قالُوا (١٠) اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) بغير واو ؛ لأنّه اكتفى بالعائد عن الواو والعاطف. ومثله فى البقرة على قراءة ابن عامر : (قالُوا (١١) اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً).

قوله : (فَنَجَّيْناهُ) (١٢) سبق. ومثله فى الأنبياء والشعراء.

قوله : (كَذَّبُوا) (١٣) سبق.

وقوله : (وَنَطْبَعُ (١٤) عَلى) قد سبق.

قوله : (مِنْ (١٥) فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ) هنا فحسب بالجمع. وفى غيرها (وَمَلَائِهِ)

__________________

(١) أ ، ب : «فيهما» والوجه ما أثبت ، فلا يوجد فى النمل مثل هذا الوضع من تقديم الأرض على السماء ، فقوله : «فيها» أى فى سورة يونس.

(٢) الآية ٦١.

(٣) الآية ٥.

(٤) الآية ٣٨.

(٥) الآية ٤.

(٦) الآية ٢٢.

(٧) الآية ٦٧.

(٨) فى الكرمانى : «بناه» وهو أولى.

(٩) الآية ٢٣.

(١٠) الآية ٦٨.

(١١) الآية ١١٦.

(١٢) الآية ٧٣.

(١٣) الآية ٧٣.

(١٤) الآية ٧٤.

(١٥) الآية ٨٣.

٢٤٤

لأنّ الضّمير فى هذه السّورة يعود إلى الذرّية. وقيل : يعود (١) إلى القوم. وفى غيرها يعود إلى فرعون.

قوله : (وَأُمِرْتُ (٢) أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ، وفى النّمل : (مِنَ الْمُسْلِمِينَ) ؛ (٣) لأنّ قبله فى هذه السورة (نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ) فوافقه ، وفى النّمل أيضا وافق ما قبله ، وهو قوله : (فَهُمْ مُسْلِمُونَ) وقد تقدّم فى يونس (وَأُمِرْتُ (٤) أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ)

فضل السورة

فيه حديث أبىّ المتفق على ضعفه (٥) : من قرأ سورة يونس أعطى من الأجر عشر حسنات ، بعدد من صدّق بيونس ، وكذّب به ، وبعدد من غرق مع فرعون. وعن جعفر الصّادق : من قرأ سورة يونس كان يوم القيامة من المقرّبين : وحديث علىّ (٦) يا علىّ من قرأ سورة يونس أعطاه الله من الثّواب مثل ثواب حمزة ، وله بكلّ آية قرأها مثل ثواب خضر. ضعيف.

__________________

(١) سقط فى ب.

(٢) الآية ١٠٤.

(٣) الآية ٩١.

(٤) الآية ٧٢.

(٥) بل على وضعه.

(٦) سقط فى ب.

٢٤٥

١١ ـ بصيرة فى

الر. كتاب أحكمت ..

هذه السّورة مكّيّة بالإجماع. وعدد آياتها مائة واثنتان وعشرون عند الشّاميّين ، وإحدى وعشرون عند المكيّين والبصريّين ، وثلاث وعشرون عند الكوفيّين. وكلماتها ألف وتسعمائة وإحدى عشرة كلمة. وحروفها سبعة آلاف وستمائة وخمس.

والآيات المختلف فيها سبع (بَرِيءٌ (١) مِمَّا تُشْرِكُونَ) ، (فِي قَوْمِ (٢) لُوطٍ) ، (مِنْ سِجِّيلٍ) ؛ (٣) (مَنْضُودٍ) ، (٤) (إِنَّا عامِلُونَ) (٥) ، (إِنْ كُنْتُمْ (٦) مُؤْمِنِينَ) ، (مُخْتَلِفِينَ). (٧)

مجموع فواصلها (ق ص د ت ل ن ظ م ط ب ر ز د) يجمعها قولك (قصدت لنظم طبر طبرزد) (٨).

وسمّيت سورة هود لاشتمالها على قصّة هود ـ عليه‌السلام ـ وتفاصيلها.

__________________

(١) الآية ٥٤.

(٢) الآية ٧٤.

(٣) الآية ٨٢.

(٤) الآية السابقة أى بعض القراء جعل فاصلة الآية (سِجِّيلٍ) وجعل (مَنْضُودٍ) من بعدها ، وبعضهم جعل الفاصلة (مَنْضُودٍ).

(٥) الآية ١٢١

(٦) الآية ٨٦.

(٧) الآية ١١٨.

(٨) الطبرزد السكر. ويقال بالذال المعجمة ، واقتصر عليه فى القاموس.

٢٤٦

المقصود الإجمالىّ من السّورة : بيان حقيقة القرآن ، واطّلاع الحقّ (١) سبحانه على سرائر الخلق وضمائرهم ، وضمانه تعالى لأرزاق الحيوانات ، والإشارة إلى تخليق العرش ، وابتداء حاله ، وتفاوت أحوالى الكفّار ، وأقوالهم وتحدّى النّبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم العرب بالإتيان بمثل القرآن ، وذمّ طلّاب الدّنيا المعرضين عن العقبى ، ولعن الظّالمين ، وطردهم ، وقصّة أهل الكفر والإيمان ، وتفصيل قصّة نوح ، وذكر الطّوفان ، وحديث هود ، وإهلاك عاد ، وقصّة صالح ، وثمود ، وبشارة الملائكة لإبراهيم وسارة بإسحاق ، وحديث لوط ، وإهلاك قومه ، وذكر شعيب ، ومناظرة قومه إيّاه ، والإشارة إلى قصّة موسى وفرعون ، وبيان أن فرعون يكون مقدّم قومه إلى جهنّم ، وذكر جميع [أحوال](٢) القيامة ، وتفصيل الفريقين والطريقين ، وأمر الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالاستقامة ، والتّجنّب من أهل الظّلم والضّلال ، والمحافظة على الصّلوات الخمس ، والطّهارة ، وذكر الرّحمة فى اختلاف الأمّة ، وبيان القصص ، وأنباء الرسل. لتثبيت قلب النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والأمر بالتّوكّل على الله فى كلّ حال.

الناسخ والمنسوخ :

المنسوخ فى هذه السّورة ثلاث آيات (مَنْ كانَ (٣) يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا) م

__________________

(١) سقط فى أ.

(٢) زيادة اقتضاها السياق.

(٣) الآية ١٥.

٢٤٧

(مَنْ كانَ (١) يُرِيدُ الْعاجِلَةَ) ن (اعْمَلُوا (٢) عَلى مَكانَتِكُمْ) م آية السّيف ن (وَانْتَظِرُوا (٣) إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) م آية السّيف ن.

المتشابهات :

قوله : (فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا (٤) لَكُمْ فَاعْلَمُوا) بحذف النّون ، والجمع ، وفى القصص (فَإِنْ لَمْ (٥) يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ) عدّت هذه الآية من المتشابه فى فصلين : أحدهما حذف النّون من (فإلّم) فى هذه السّورة وإثباتها فى غيرها. وهذا من فصل الخطّ. وذكر فى موضعه. والثّانى جمع الخطاب هاهنا ، وتوحيده فى القصص ؛ لأنّ ما فى هذه السّورة خطاب للكفّار ، والفعل لمن استطعتم ، وما فى القصص خطاب للنّبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والفعل للكفّار.

قوله : (وَهُمْ (٦) بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) سبق.

قوله : (لا جَرَمَ (٧) أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) ، وفى النّحل : (هُمُ الْخاسِرُونَ) ؛ (٨) لأنّ هؤلاء صدّوا عن سبيل الله ، وصدّوا غيرهم ، فضلّوا وأضلّوا ؛ فهم الأخسرون يضاعف لهم العذاب ، وفى النّحل صدّوا ، فهم الخاسرون. قال الإمام (٩) : لأنّ ما قبلها فى هذه السّورة ، (يُبْصِرُونَ ، يَفْتَرُونَ) لا يعتمدان على ألف بينهما ، وفى النحل (الْكافِرُونَ

__________________

(١) الآية ١٨ سورة الاسراء. وأنكر النحاس النسخ هنا لأن النسخ لا يلحق الأخبار. قلت : انما جاءت آية الاسراء مخصصة آية هود بالمشيئة والتخصيص مختلف فيه هل هو نسخ أو لا.

(٢) الآية ٩٣.

(٣) الآية ١٢٢.

(٤) الآية ١٤.

(٥) الآية ٥٠.

(٦) الآية ١٩.

(٧) الآية ٢٢.

(٨) الآية ١٠٩.

(٩) هو الاسكافى. وانظر كتابه ١٨٢.

٢٤٨

والْغافِلُونَ) (١) فللموافقة بين الفواصل جاء فى هذه السّورة : الأخسرون وفى النّحل : الخاسرون.

قوله : (ولقد أرسلنا (٢) نوحا إلى قومه فقال) بالفاء وبعده : (فَقالَ الْمَلَأُ) بالفاء وهو القياس. وقد سبق.

قوله : (وَآتانِي (٣) رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ) وبعده (وَآتانِي (٤) مِنْهُ رَحْمَةً) وبعدهما (وَرَزَقَنِي (٥) مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً) ؛ لأنّ (عِنْدِهِ) وإن كان ظرفا فهو اسم فذكر فى الأولى بالصّريح (٦) ، والثانية والثالثة بالكناية ؛ لتقدم ذكره. فلمّا كنى عنه قدّم ؛ لأنّ الكناية يتقدّم عليها الاسم الظّاهر نحو ضرب زيد عمرا فإن كنيت عن عمرو قدّمته ؛ نحو عمرو ضربه زيد. وكذلك زيد أعطانى درهما من ماله ، فإن كنيت عن المال قلت : المال زيد أعطانى منه درهما. قال الإمام (٧) : لمّا وقع (آتانِي رَحْمَةً) فى جواب كلام فيه ثلاثة أفعال كلّها متعدّ إلى مفعولين ليس بينهما حائل بجارّ ومجرور وهو قوله : (ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ) و (نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ) أجرى الجواب مجراه ، فجمع بين المفعولين من غير حائل. وأمّا الثانى فقد وقع فى جواب كلام

__________________

(١) ب : «الغالبون».

(٢) الآية ٢٥ وليس فى الآية «فقال» بل التلاوة : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ). وقد سبق له فى الكلام على متشابهات سورة الأعراف أن (فقال) هنا مضمرة لا مصرح بها.

(٣) الآية ٢٨

(٤) الآية ٦٣.

(٥) الآية ٨٨.

(٦) ب : «بالتصريح» وقوله «بالكناية» يريد أن الضمير فى «منه» يعود الى (عنده). وهذا وجه بعيد.

(٧) انظر درة التنزيل ١٨٣.

٢٤٩

قد حيل بينهما (١) بجارّ ومجرور ، وهو قوله : (قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا) ؛ لأنّ خبر كان (٢) بمنزلة المفعول ، لذلك حيل فى الجواب بين المفعولين بالجارّ والمجرور.

قوله : (لا أَسْئَلُكُمْ (٣) عَلَيْهِ مالاً إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ) فى قصّة نوح ، وفى غيرها (أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ) لأنّ فى قصّة نوح وقع بعدها (خَزائِنُ) ولفظ المال للخزائن أليق.

قوله : (وَلا (٤) أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ) وفى الأنعام : (وَلا (٥) أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ) ؛ لأنّ [ما](٦) فى الأنعام آخر الكلام [بدأ](٧) فيه بالخطاب ، وختم به ، وليس [ما](٨) فى هذه السّورة آخر الكلام ، بل آخره (تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ) فبدأ بالخطاب وختم به فى السّورتين.

قوله : (وَلا (٩) تَضُرُّونَهُ شَيْئاً) وفى التّوبة (وَلا (١٠) تَضُرُّوهُ شَيْئاً) ذكر هذا فى المتشابه ، وليس منه ؛ لأنّ قوله : (وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً) عطف على قوله : (وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي) ، فهو مرفوع ، وفى التّوبة معطوف على (يُعَذِّبْكُمْ ويَسْتَبْدِلْ) وهما مجزومان ، فهو مجزوم.

قوله : (وَلَمَّا جاءَ (١١) أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً) فى قصّة هود وشعيب (١٢) بالواو ،

__________________

(١) أى بين معمولى الفعل ، وأن لم يكن الأول مفعولا ، اذ هو اسم كان.

(٢) فى أ : «كان بمفعول» وظاهر أن «بمفعول» خطأ من الناسخ.

(٣) الآية ٢٩.

(٤) الآية ٣١.

(٥) الآية ٥٠.

(٦) زيادة اقتضاها السياق.

(٧) الآية ٥٧.

(٨) الآية ٣٩.

(٩) الآية ٥٨.

(١٠) يريد : «ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا» فى الآية ٩٤.

٢٥٠

وفى قصّة صالح ولوط : (فلمّا) بالفاء ؛ لأنّ العذاب فى قصّة هود وشعيب تأخّر عن وقت الوعيد ؛ فإنّ فى قصّة هود : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ) وفى قصّة شعيب (سَوْفَ تَعْلَمُونَ) والتّخويف قارنه التسويف ، فجاء بالواو والمهلة (١) ، وفى قصّة صالح ولوط وقع العذاب عقيب الوعيد ؛ فإنّ فى قصّة صالح) (تَمَتَّعُوا (٢) فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ) ، وفى قصّة لوط : (أَلَيْسَ (٣) الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ) فجاء بالفاء للتّعجيل والتّعقيب.

قوله : (وَأُتْبِعُوا (٤) فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً) وفى قصّة موسى : (فِي (٥) هذِهِ لَعْنَةً) ؛ لأنّه لمّا ذكر فى الآية الأولى الصّفة والموصوف اقتصر فى الثّانية على الموصوف ؛ للعلم به والاكتفاء بما فيه (٦).

قوله (إِنَّ رَبِّي (٧) قَرِيبٌ مُجِيبٌ) وبعده (إِنَّ رَبِّي (٨) رَحِيمٌ وَدُودٌ) ؛ لموافقة الفواصل. ومثله (لَحَلِيمٌ (٩) أَوَّاهٌ مُنِيبٌ) ، وفى التّوبة (لَأَوَّاهٌ (١٠) حَلِيمٌ) للرّوىّ (١١) فى السّورتين.

قوله : (وَإِنَّنا (١٢) لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ) [وفى (١٣) إبراهيم (إِنَّا لَفِي

__________________

(١) أ ، ب : «المهملة» والوجه ما أثبت.

(٢) الآية ٦٥.

(٣) الآية ٨١.

(٤) الآية ٦٠.

(٥) الآية ٩٩.

(٦) كذا فى أ ، ب. وفى الكرمانى : «بما قبله».

(٧) الآية ٦١.

(٨) الآية ٩٠.

(٩) الآية ٧٥.

(١٠) الآية ١١٤.

(١١) أ ، ب : «المروى» وما أثبت عن الكرمانى. والمراد بالروى فى القرآن الفاصلة أى نهاية الآية.

(١٢) الآية ٦٢.

(١٣) سقط ما بين المعقوفتين فى أ ، ب. وأثبت من الكرمانى.

٢٥١

شَكٍ (١) مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ)] ؛ لأنّ فى هذه السّورة جاء على الأصل و (تَدْعُونا) خطاب مفرد ، وفى إبراهيم لمّا وقع بعده (تَدْعُونَنا) بنونين ، لأنه خطاب جمع ، حذف النّون استثقالا للجمع بين النّونات ، ولأنّ فى سورة إبراهيم اقترن بضمير قد غيّر ما قبله بحذف الحركة ، وهو الضّمير المرفوع فى قوله : (كَفَرْنا) ، فغيّر ما قبله فى (إِنَّا) بحذف النّون ، وفى هود اقترن بضمير لم يغيّر ما قبله ، وهو الضمير المنصوب ، والضّمير المجرور فى قوله : (فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا) فصحّ كما صحّ.

قوله : (وَأَخَذَ (٢) الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ) ثمّ قال (وَأَخَذَتِ (٣) الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ) التذكير والتأنيث حسنان ، لكنّ التذكير أخفّ فى الأولى. وفى الأخرى وافق ما بعدها وهو (كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ) قال : الإمام (٤) : لمّا جاءت فى قصّة شعيب مرّة الرّجفة (٥) ، ومرّة الظّلّة (٦) ، ومرّة الصّيحة ، ازداد التّأنيث حسنا.

قوله : (فِي دِيارِهِمْ) فى موضعين فى هذه السّورة فحسب ، لأنّه اتصل بالصّيحة ، وكانت من السماء ، فازدادت على الرّجفة ؛ لأنّها الزلزلة ، وهى تختصّ بجزء من الأرض فجمعت مع الصّيحة ، وأفردت مع الرّجفة.

__________________

(١) الآية ٩.

(٢) الآية ٦٧.

(٣) الآية ٩٤.

(٤) انظر درة التنزيل ١٨٦.

(٥) الآية ٩١ سورة الأعراف.

(٦) الآية ١٨٩ سورة الشعراء.

٢٥٢

قوله : (إِنَّ ثَمُودَ) (١) بالتنوين ذكر فى المتشابه. وثمود من الثّمد ، وهو الماء القليل ، جعل اسم قبيلة ، فهو منصرف من وجه ، وممنوع من وجه ، فصرفوه (٢) فى حالة النّصب ؛ لأنّه أخف أحوال الاسم ، ومنعوه فى حالة الرّفع ؛ لأنّه أثقل أحوال الاسم ، وجاز الوجهان فى الجرّ ؛ لأنّه واسطة بين الخفّة والثّقل.

قوله : (وَما كانَ (٣) رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ) وفى القصص : (مُهْلِكَ (٤) الْقُرى) ؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى نفى الظّلم عن نفسه بأبلغ لفظ يستعمل فى النفى ؛ لأنّ هذه اللّام لام الجحود ، ولا يظهر بعدها (أن) ولا يقع بعدها المصدر ، ويختصّ (٥) بكان ، ولم يكن ، ومعناه : ما فعلت فيما مضى ، ولا أفعل فى الحال ، ولا أفعل فى المستقبل ، (وكان) (٦) الغاية فى النّفى ، وفى القصص لم يكن صريح ظلم ، فاكتفى بذكر اسم الفاعل ، وهو لأحد الأزمنة غير معيّن ، ثمّ نفاه.

قوله : (فَأَسْرِ (٧) بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ) استثنى فى هذه السّورة من الأهل قوله : (إِلَّا امْرَأَتَكَ) ولم يستثن فى الحجر (٨) اكتفاء بما قبله ، وهو قوله : (إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ

__________________

(١) الآية ٦٨ والتنوين فى قراءة غير حفص وحمزة ويعقوب ، كما فى الاتحاف فهؤلاء يقرءونها غير منونة وأن كان فى رسم المصحف ألف ، وقد وضع عليها علامة الاهمال فى مصحف حفص وهو الذى بأيدينا.

(٢) قد علمت أن هذا ليس موضع وفاق عند القراء.

(٣) الآية ١١٧.

(٤) الآية ٥٩.

(٥) أى لفظ النفى.

(٦) فى الكرمانى : «فكان» وهو أولى.

(٧) الآية ٨١.

(٨) الآية ٦٥.

٢٥٣

أَجْمَعِينَ إِلَّا امْرَأَتَهُ) فهذا الاستثناء الّذى انفردت به سورة الحجر قام مقام الاستثناء من قوله : (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) وزاد فى الحجر (وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ) ؛ لأنّه إذا ساقهم وكان من ورائهم علم بنجاتهم ولا يخفى عليه حالهم.

فضل السورة

يذكر فيه حديثان ساقطا الإسناد : حديث أبىّ : من قرأ سورة هود أعطى من الأجر بعدد من صدّق نوحا ، وهودا ، وصالحا ، ولوطا ، وشعيبا ، وموسى ، وهارون ، وبعدد من كذّبهم ، ويعطيه بعددهم ألف ألف مدينة فيها من الفوز والنعيم ما يعجز عن ذكره الملائكة ولا يعلم إلّا الرّبّ الغفور الودود الشكور ، وحديث علىّ : يا علىّ من قرأ سورة هود يخرج من الدّنيا كما يخرج يحيى بن زكريّا طاهرا مطهّرا ، وكان فى الجنّة رفيق يحيى ، وله بكلّ آية قرأها ثواب أمّ يحيى.

٢٥٤

١٢ ـ بصيرة فى

الر. تلك آيات الكتاب المبين ..

هذه السّورة مكّيّة بالاتّفاق. وعدد آياتها مائة وإحدى عشرة ، بلا خلاف. وكلماتها ألف وسبعمائة وستّ وسبعون. وحروفها سبعة آلاف ومائة وست وستّون. وما فيها آية مختلف فيها.

مجموع فواصل آياتها يجمعها قولك (لم نر). منها آية واحدة على اللّام : (قالَ اللهُ (١) عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ). وما لها اسم سوى سورة يوسف ؛ لاشتمالها على قصّته.

مقصود السّورة إجمالا : عرض العجائب الّتى تتضمّنها : من حديث يوسف ويعقوب ، والوقائع الّتى فى هذه القصّة : من تعبير الرّؤيا ، وحسد الإخوة ، وحيلهم فى التفريق بينه وبين أبيه ، وتفصيل الصّبر الجميل من جهة يعقوب ، وبشارة مالك بن دعر (٢) بوجدان يوسف ، وبيع الإخوة أخاهم بثمن بخس ، وعرضه على البيع والشراء ، بسوق مصر ، ورغبة زليخا وعزيز مصر فى شراه ، ونظر زليخا إلى يوسف ، واحتراز يوسف منها ، وحديث رؤية البرهان ، وشهادة الشاهد ، وتعيير

__________________

(١) الآية ٦٦.

(٢) فى البيضاوى : «ذغر» وزاد «الخزاعى» وما هنا موافق لما فى تاريخ الطبرى ، ووصل نسبه الى الخليل ابراهيم فلم يكن خزاعيا ، كما فى البيضاوى.

٢٥٥

النسوة زليخا ، وتحيّرهنّ فى حسن يوسف ، وجماله ، وحبسه فى السّجن ، ودخول السّاقى والطّبّاخ إليه ، وسؤالهما إيّاه ، ودعوته إيّاه (١) إلى التّوحيد ، ونجاة السّاقى ، وهلاك الطّبّاخ ، ووصيّة يوسف للسّاقى بأن يذكره عند ربّه ، وحديث رؤيا مالك بن (٢) الرّيان ، وعجز العابرين عن عبارته ، وتذكّر السّاقى يوسف ، وتعبيره لرؤياه فى السّجن ، وطلب مالك يوسف ، وإخراجه من السّجن ، وتسليم مقاليد الخزائن إليه ، ومقدم إخوته لطلب الميرة ، وعهد يعقوب مع أولاده ، ووصيّتهم فى كيفيّة الدّخول إلى مصر ، وقاعدة تعريف يوسف نفسه لبنيامين ، وقضائه حاجة الإخوة ، وتغييبه الصّاع فى أحمالهم ، وتوقيف بنيامين بعلّة السّرقة ، واستدعائهم منه توقيف غيره من الإخوة مكانه ، وردّه الإخوة إلى أبيهم ، وشكوى يعقوب من جور الهجران ، وألم الفراق ، وإرسال يعقوب إيّاهم فى طلب يوسف ، وأخيه ، وتضرّع الإخوة بين يدى يوسف ، وإظهار يوسف لهم ما فعلوه معه من (٣) الإساءة وعفوه عنهم ، وإرساله بقميصه صحبتهم إلى يعقوب ، وتوجّه يعقوب من كنعان (٤) إلى مصر ، وحوالة يوسف ذنب إخوته على مكايد الشيطان ، وشكره لله تعالى على ما خوّله من الملك ، ودعائه وسؤاله حسن الخاتمة ، وجميل العاقبة ، وطلب السّعادة ، والشّهادة ، وتعيير الكفّار على الإعراض (٥) من الحجّة ، والإشارة إلى أنّ قصة يوسف

__________________

(١) كذا فى أ ، ب. والصواب : «اياهما» فقد دعاهما معا فى قوله : يا صاحبى السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار.

(٢) ب : «ريان».

(٣) أ : «الاسارى» ولم أفهم لها معنى هنا.

(٤) هى فى الشام. قيل كان مقام يعقوب بنابلس ، وقيل بالأردن.

(٥) كذا فى أ ، ب. وكأنه ضمن الاعراض معنى الامتناع فعداه بمن بدل عن.

٢٥٦

عبرة للعالمين فى قوله : (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ) إلى آخر السّورة.

وهذه السّورة ليس فيها ناسخ ولا منسوخ

المتشابهات : قوله : (إِنَّ رَبَّكَ (١) عَلِيمٌ حَكِيمٌ) ليس فى القرآن غيره أى عليم : علّمك تأويل الأحاديث ، حكيم (٢) : اجتباك للرّسالة.

قوله : (قالَ بَلْ سَوَّلَتْ (٣) لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) فى موضعين ، وليس بتكرار ؛ لأنّه ذكر الأوّل حين نعى إليه يوسف ، والثّانى حين رفع إليه ما جرى على بنيامين.

قوله : (وَلَمَّا بَلَغَ (٤) أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً) ومثلها فى القصص (٥). وزاد فيها (وَاسْتَوى) ؛ لأنّ يوسف عليه‌السلام أوحى إليه وهو فى (٦) البئر ، وموسى عليه‌السلام أوحى إليه بعد أربعين سنة. وقوله (وَاسْتَوى) إشارة إلى تلك الزّيادة. ومثله (وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً) بعد قوله : (حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ).

قوله : (مَعاذَ (٧) اللهِ) هنا فى موضعين ، وليس بتكرار ؛ لأنّ الأوّل ذكره حين دعته إلى المواقعة (٨) ، والثانى حين دعى إلى تغيير (٩) حكم السّرقة.

__________________

(١) الآية ٦.

(٢) فى أ : «احتال» وفى ب ما يقرر ب من ذلك. وما أثبت عن الكرمانى.

(٣) الآية ١٨ ، والآية ٨٣.

(٤) الآية ٢٢.

(٥) الآية ١٤.

(٦) فى شيخ الاسلام : «الصغر» وهو يريد قوله تعالى : (وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ).

(٧) الآية ٢٣ ، والآية ٧٩.

(٨) أ : «الموافقة» وما أثبت عن الكرمانى ، وهو أقرب الى ب.

(٩) أ ، ب : «تعبير» وما أثبت أوفق للمعنى وأقرب الى ما فى الكرمانى.

٢٥٧

قوله : (قُلْنَ (١) حاشَ لِلَّهِ) فى موضعين : أحدهما فى حضرة يوسف ، حين نفين عنه البشرية بزعمهنّ ، والثانى بظهر الغيب حين نفين عنه السّوء.

قوله : (إِنَّا نَراكَ (٢) مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (فى موضعين (٣)) ليس بتكرار ؛ لأنّ الأوّل من كلام من (٤) صاحبى السّجن ليوسف ، والثانى من كلام إخوته له.

قوله : (يا صاحِبَيِ (٥) السِّجْنِ) فى موضعين : الأوّل ذكره يوسف حين عدل عن جوابهما (٦) إلى دعائهما (٧) إلى الإيمان. والثانى حين عاد إلى تعبير (رؤياهما) ؛ (٨) تنبيها على أنّ الكلام الأوّل قد تمّ.

قوله : (لَعَلِّي (٩) أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ) كرّر (لَعَلِّي) مراعاة لفواصل الآى. ولو جاء على مقتضى الكلام لقال : لعلىّ أرجع إلى النّاس فيعلموا ، بحذف النون على الجواب. ومثله فى هذه (١٠) السّورة سواء قوله : (لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها (١١) إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) أى لعلّهم يعرفونها فيرجعوا.

قوله : (وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ) فى موضعين : الأوّل (١٢) حكاية عن

__________________

(١) الآية ٣١ ، والآية ٥١.

(٢) الآية ٣٦ ، والآية ٧٨.

(٣) زيادة من الكرمانى.

(٤) كذا فى أ ، ب. والأولى حذفها.

(٥) الآية ٣٩ ، والآية ٤١.

(٦) أ ، ب : «جوابهم» وما أثبت عن الكرمانى.

(٧) أ ، ب : «دعائهم» وما أثبت عن الكرمانى.

(٨) ب : «الرؤيا لهما».

(٩) الآية ٤٦.

(١٠) سقط فى أ.

(١١) الآية ٦٢.

(١٢) الآية ٥٩.

٢٥٨

تجهيزه إيّاهم أوّل ما دخلوا عليه. والثانى (١) حين أرادوا الانصراف من عنده فى المرّة الثانية. وذكر (٢) الأوّل بالواو ؛ لأنّه أوّل قصصهم (٣) معه ، والثّانى بالفاء ، عطفا على (وَلَمَّا دَخَلُوا) وتعقيبا له.

قوله : (تَاللهِ) فى ثلاثة (٤) مواضع : الأوّل يمين (٥) منهم أنهم ليسوا سارقين ، وأنّ أهل مصر بذلك عالمون. والثّانى (٦) يمين (٧) منهم أنّك لو واظبت على هذا الحزن والجزع تصير حرضا ، أو تكون من الهالكين ، والثالث (٨) يمين منهم أنّ الله فضّله عليهم ، وأنّهم كانوا خاطئين.

قوله : (وَما أَرْسَلْنا (٩) مِنْ قَبْلِكَ) وفى الأنبياء (وَما أَرْسَلْنا (١٠) قَبْلَكَ) بغير (من) لأن (قبل) اسم للزّمان السّابق على ما أضيف إليه ، و (من) يفيد استيعاب الطّرفين ، وما فى هذه السّورة للاستيعاب. وقد يقع (قبل) على بعض ما تقدم ؛ كما فى الأنبياء ، وهو قوله : (ما آمَنَتْ (١١) قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ) ثم وقع عقبه (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ) فحذف (١٢) (من) لأنّه هو بعينه.

__________________

(١) الآية ٧٠. والتلاوة فى هذه : (فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ ..)

(٢) أ ، ب : «ذكروا» وما أثبت عن الكرمانى.

(٣) فى الكرمانى : «قصتهم».

(٤) بل هى أربعة. ففى هامش الكرمانى هنا : «والرابع ما ذكره ، وهو قوله : (تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ) وهو يمين من أولاد أولاده على أنه لم يزل على محبة يوسف».

(٥) الآية ٧٣.

(٦) الآية ٨٥.

(٧) ب : «بمعنى».

(٨) الآية ٩١.

(٩) الآية ١٠٩.

(١٠) الآية ٧.

(١١) الآية ٦.

(١٢) فى الكرمانى : «بحذف».

٢٥٩

قوله : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا (١) فِي الْأَرْضِ) بالفاء. وفى الروم (٢) والملائكة (٣) بالواو ؛ لأنّ الفاء يدلّ على الاتّصال والعطف ، والواو يدلّ على العطف المجرّد. وفى هذه السّورة قد اتّصلت بالأوّل ؛ كقوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا) حال من كذّبهم وما نزل بهم ، وليس كذلك فى الرّوم والملائكة.

قوله : (وَلَدارُ (٤) الْآخِرَةِ خَيْرٌ) بالإضافة ، وفى الأعراف (وَالدَّارُ (٥) الْآخِرَةُ خَيْرٌ) على الصّفة ؛ لأنّ هنا تقدّم ذكر السّاعة ، فصار التقدير : ولدار السّاعة الآخرة ، فحذف الموصوف ، وفى الأعراف تقدّم قوله : (عَرَضَ هذَا الْأَدْنى) أى المنزل الأدنى ، فجعله وصفا للمنزل ، والدّار الدّنيا والدّار الآخرة بمعناه ، فأجرى مجراه. تأمّل فى السّورة فإنّ فيها برهان أحسن القصص.

فضل السّورة

لم يرد فيه سوى أحاديث واهية. منها حديث أبىّ (٦) : علّموا (٧) أرقّاءكم سورة يوسف ؛ فإنّه أيّما مسلم تلاها وعلّمها أهله ، وما ملكت يمينه ، هوّن الله عليه سكرات الموت ، وأعطاه القوّة ألّا يحسد مسلما ، وكان له بكلّ

__________________

(١) الآية ١٠٩.

(٢) الآية ٩.

(٣) الآية ٤٤.

(٤) الآية ١٠٩.

(٥) الآية ١٦٩.

(٦) فى الشهاب على البيضاوى فى كتابته على هذا الحديث : «وهذا الحديث رواه الثعلبى والواحدى وابن مردويه عن أبى رضى الله عنه. وهو موضوع ، وقال ابن كثير : انه منكر من جميع طرقه ، وهو من الحديث المشهور الذى ذكر فيه فضائل جميع السور. وقد اتفقوا على أنه موضوع».

(٧) سقط فى ب.

٢٦٠