بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ١

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ١

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٧٨

بلفظ الفعل فلسابقة معنى يتضمّن فعلا. أمّا سورة الأنعام ففيها (لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها) ، ثمّ وصلها بقوله : (قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا) وفى يونس تقدّمه قوله : (ثُمَّ نُنَجِّي (١) رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ) ثمّ قال : (وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ) وفى الأنبياء تقدّمه قول الكفار لإبراهيم فى المجادلة (لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ) وفى الفرقان تقدّمه قوله : (أَلَمْ (٢) تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ) وعدّ نعما جمّة فى الآيات ثمّ قال : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُهُمْ) تأمّل ؛ فإنه برهان ساطع للقرآن.

فضل السّورة

لم يرو سوى هذه الأخبار الضّعيفة (٣) (من قرأ سورة الأعراف جعل الله بينه وبين إبليس سترا يحرس منه ، ويكون ممن يزوره فى الجنة آدم. وله بكل يهودى ونصرانى درجة فى الجنة) وعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا علىّ من قرأ سورة الأعراف قام من قبره وعليه ثمانون حلّة ، وبيده براءة من النار ، وجواز على الصّراط ، وله بكل آية قرأها ثواب من برّ والديه ، وحسن خلقه. وعن جعفر الصّادق رضى الله عنه : من قرأ سورة الأعراف فى كل شهر كان يوم القيامة من الآمنين. ومن قرأها فى كل جمعة لا يحاسب معه (٤) يوم القيامة ، وإنّها تشهد لكلّ من قرأها.

__________________

(١) الآية ١٠٣.

(٢) الآية ٤٥.

(٣) أورد البيضاوى فى آخر السورة صدر هذا الحديث وقال فيه الشهاب : «حديث موضوع. ولا عبرة برواية الثعلبى له عن أبى هريرة رضى الله عنه».

(٤) كذا أى لا يجرى الحساب معه. والأولى حذفها.

٢٢١

٨ ـ بصيرة فى

يسألونك عن الأنفال ..

اعلم أنّ هذه السّورة مدنيّة بالإجماع وعدد آياتها سبع وسبعون عند الشّاميّين ، وخمس عند الكوفيّين ، وست عند الحجازيّين ، والبصريّين. وعدد كلماتها ألف ومائة وخمس وتسعون كلمة. وحروفها خمسة آلاف ومائتان وثمانون.

الآيات المختلف فيها ثلاث (يُغْلَبُونَ (١)) ، (بِنَصْرِهِ (٢) وَبِالْمُؤْمِنِينَ) ، [أمرا كان مفعولا (٣)].

فواصل آياته (ن د م ق ط ر ب) يجمعها ندم قطرب ، أو نطق مدبر. على الدّال منها آية واحدة (عبيد (٤)). وعلى القاف آية واحدة (الْحَرِيقِ) (٥) وعلى الباء أربع آيات (٦) آخرها (الْعِقابِ).

ولهذه السّورة اسمان : سورة الأنفال ؛ لكونها مفتتحة بها ، ومكرّرة فيها ، وسورة بدر ؛ لأنّ معظمها فى ذكر حرب بدر ، وما جرى فيها.

مقصود السّورة مجملا : قطع الأطماع الفاسدة من الغنيمة الّتى هى حق الله (٧) ولرسوله ، ومدح الخائفين الخاشعين وقت سماع القرآن ، وبعث المؤمنين

__________________

(١) الآية ٣٦.

(٢) الآية ٦٢.

(٣) زيادة اقتضاها السياق. والمراد ما فى الآية ٤٢. وانظر شرح ناظمة عقود الزهر.

(٤) الآية ٥١ وهى «للعبيد».

(٥) الآية ٥٠ وهى الحريق.

(٦) هى الآيات ١٣ ، ٢٥ ، ٤٨ ، ٥٢ ، وهى العقاب.

(٧) كذا والأسوغ : «لله».

٢٢٢

حقّا ، والإشارة إلى ابتداء حرب بدر ، وإمداد الله تعالى صحابة نبيّه بالملائكة المقرّبين ، والنّهى عن الفرار من صفّ الكفّار ، وأمر المؤمنين بإجابة الله ورسوله ، والتحذير عن الفتنة ، والنّهى عن خيانة الله ورسوله ، وذكر مكر كفّار مكّة فى حقّ النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وتجاسر قوم منهم باستعجال العذاب ، وذكر إضاعة نفقاتهم فى الضّلال والباطل ، وبيان قسم الغنائم ، وتلاقى عساكر الإسلام وعساكر المشركين ، ووصيّة الله المؤمنين بالثبات فى صفّ القتال ، وغرور إبليس طائفة من الكفار ، وذمّ المنافقين فى خذلانهم لأهل الايمان ، ونكال ناقضى العهد ليعتبر بهم آخرون ، وتهيئة عذر المقاتلة (١) والمحاربة ، والميل إلى الصّلح عند استدعائهم الصّلح ، والمنّ على المؤمنين بتأليف قلوبهم ، وبيان عدد عسكر الإسلام ، وعسكر الشرك ، وحكم أسرى بدر ، ونصرة المعاهدين لأهل الاسلام ، وتخصيص الأقارب ، وذوى الأرحام بالميراث فى قوله (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) إلى آخر السّورة.

النّاسخ والمنسوخ :

الآيات المنسوخة فى السّورة ستّ (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ) م (أَنَّما غَنِمْتُمْ)(٢) ن (وَما كانَ اللهُ (٣) لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) م (وَما لَهُمْ (٤) أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ

__________________

(١) أ ، ب : «المقابلة».

(٢) الآية ٤١.

(٣) الآية ٣٣.

(٤) الآية ٣٤ وقد أنكر النحاس النسخ فى هذا لأنه خبر والنسخ لا يدخل الأخبار. انظر كتابه ١٥٥.

٢٢٣

اللهُ) ن (قُلْ لِلَّذِينَ (١) كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا) م (وَقاتِلُوهُمْ (٢) حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) ن (وَإِنْ جَنَحُوا (٣) لِلسَّلْمِ) م (قاتِلُوا (٤) الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ) ن (إِنْ يَكُنْ (٥) مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ) م (الْآنَ خَفَّفَ (٦) اللهُ عَنْكُمْ) ن (وَالَّذِينَ آمَنُوا (٧) وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) م (وَأُولُوا (٨) الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) ن.

المتشابهات : قوله : (وَما جَعَلَهُ اللهُ (٩) إِلَّا بُشْرى) وقوله : (وَمَنْ (١٠) يُشاقِقِ) وقوله : (وَيَكُونَ (١١) الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) قد سبق.

قوله : (كَدَأْبِ (١٢) آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ثمّ قال بعد آية (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أجاب عن هذا بعض أهل النظر وقال : ذكر فى الآية الأولى عقوبته إيّاهم عند الموت ؛ كما فعله بآل فرعون ومن قبلهم من الكفّار ، وذكر فى الثانية ما يفعله بهم بعد موتهم. قال الخطيب (١٣) : الجواب عندى : أنّ الأوّل إخبار عن عذاب لم يمكّن الله أحدا من فعله ، وهو ضرب الملائكة وجوههم وأدبارهم عند نزع أرواحهم ، والثانى إخبار عن عذاب مكّن النّاس من فعل مثله ، وهو الإهلاك والإغراق.

__________________

(١) الآية ٣٨ وقد تبع فى هذا ابن حزم والظاهر أنها محكمة فهى فيمن انتهى عن الكفر ، والآية التالية للمشركين الباقين على كفرهم.

(٢) الآية ٣٩.

(٣) الآية ٦١.

(٤) الآية ٢٩ سورة التوبة.

(٥) الآية ٦٥.

(٦) الآية ٦٦.

(٧) الآية ٧٢.

(٨) الآية ٧٥.

(٩) الآية ١٠.

(١٠) الآية ١٣.

(١١) الآية ٣٩.

(١٢) الآية ٥٢.

(١٣) هو الخطيب الاسكافى. وانظر كتابه ٥٤.

٢٢٤

قال تاج (١) القراء : وله وجهان [آخران](٢) محتملان. أحدهما : كدأب آل فرعون فيما فعلوا ، والثانى : كدأب فرعون فيما فعل بهم. فهم فاعلون فى الأوّل (٣) ، ومفعولون فى الثّانى. والوجه الآخر : أنّ المراد بالأوّل كفرهم بالله ، وبالثّانى تكذيبهم بالأنبياء ؛ لأنّ تقدير الآية : كذّبوا الرّسل بردّهم آيات الله. وله وجه آخر. وهو أن يجعل الضّمير فى (كَفَرُوا) لكفّار قريش على تقدير : كفروا بآيات ربّهم كدأب آل فرعون والذين من قبلهم ، وكذلك الثانى : كذّبوا بآيات ربهم كدأب آل فرعون.

قوله : (الَّذِينَ (٤) آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) هنا بتقديم أموالهم وأنفسهم وفى براءة (٥) بتقديم (فِي سَبِيلِ اللهِ) لأنّ فى هذه السّورة تقدّم ذكر المال والفداء والغنيمة فى قوله : (تُرِيدُونَ (٦) عَرَضَ) الحياة (الدُّنْيا) و (لَوْ لا كِتابٌ (٧) مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ) أى من الفداء ، (فَكُلُوا (٨) مِمَّا غَنِمْتُمْ) فقدّم ذكر المال ، وفى براءة تقدّم ذكر الجهاد ، وهو قوله : (وَلَمَّا (٩) يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ) وقوله : (كَمَنْ (١٠) آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ) فقدّم ذكر الجهاد ، وذكر هذه الآى فى هذه السّورة ثلاث مرّات. فأورد فى الأولى (بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) وحذف من (١١) الثانية (بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ) اكتفاء

__________________

(١) هو الكرمانى.

(٢) زيادة من الكرمانى.

(٣) أ ، ب : «الأولى» وما أثبت عن الكرمانى.

(٤) الآية ٧٢.

(٥) الآية ٢٠.

(٦) الآية ٦٧.

(٧) الآية ٦٨.

(٨) الآية ٦٩.

(٩) الآية ١٦.

(١٠) الآية ١٩.

(١١) الآية ٧٤.

٢٢٥

بما فى الأولى ، وحذف من الثالثة (١) (بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ) وزاد (٢) (فِي سَبِيلِ اللهِ) اكتفاء بما فى الآيتين.

فضل السّورة

يروى بسند ساقط أنّه قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (من قرأ (٣) سورة الأنفال وترا (٤) فأنا شفيع له ، وشاهد يوم القيامة أنه برىء من النفاق ، وأعطى من الأجر بعدد كل منافق فى دار الدنيا عشر حسنات ، ومحى عنه عشر سيئات ، ورفع له عشر درجات ، وكان العرش وحملته يصلون عليه أيام حياته فى الدنيا) وعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال : يا علىّ ، من قرأ سورة الأنفال أعطاه الله مثل ثواب الصّائم (٥) القائم.

__________________

(١) الآية الثالثة هى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ) وليس فيها «فِي سَبِيلِ اللهِ».

(٢) قال الشهاب فى كتابته على البيضاوى ٤ / ٢٩٥ : «هذا الحديث موضوع من جملة الحديث المشهور الذى ثبت وضعه».

(٣) كذا فى أ ، ب. والأقرب أنه محرف عما فى البيضاوى «وبراءة» وكانت الهمزة لا ترسم فى الكتابة القديمة ، وكانوا لا ينقطون فأثبتها الناسخ (وترا).

(٤) سقط فى ب.

٢٢٦

٩ ـ بصيرة فى

براءة من الله ورسوله ..

هذه السورة مدنيّة بالاتّفاق (١). وعدد آياتها مائة وتسع وعشرون عند الكوفيّين ، وثلاثون عند الباقين. عدد (٢) كلماتها ألفان وأربعمائة وسبع وتسعون كلمة. وحروفها عشرة آلاف وسبعمائة وسبع وثمانون حرفا.

والآيات المختلف فيها ثلاث (بَرِيءٌ (٣) مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (وَعادٍ (٤) وَثَمُودَ) (عَذاباً (٥) أَلِيماً).

مجموع فواصل آياته (ل م (٦) ن ر ب) يجمها (لم نربّ) على اللّام منها آية واحدة (إِلَّا (٧) قَلِيلٌ) وعلى الباء آية (وَأَنَّ اللهَ (٨) عَلَّامُ الْغُيُوبِ) وكلّ آية منها آخرها راء فما قبل الرّاء ياء.

ولهذه السّورة ثمانية أسماء : الأوّل براءة ؛ لافتتاحها بها ، الثانى سورة التّوبة ؛ لكثرة ذكر التّوبة فيها (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا) (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ) الثالث الفاضحة ؛ لأنّ المنافقين افتضحوا عند نزولها. الرّابع المبعثرة ؛ لأنّها تبعثر عن أسرار المنافقين. وهذان الاسمان رويا عن ابن

__________________

(١) سقط فى ب.

(٢) ب : «و»

(٣) الآية ٣.

(٤) الآية ٧٠.

(٥) الآية ٣٩.

(٦) سقط ما بين القوسين فى ب.

(٧) الآية ٣٨.

(٨) الآية ٧٨.

٢٢٧

عباس. الخامس المقشقشة ؛ لأنّها تبرئ المؤمن ، فتنظّفه من النفاق وهذا عن ابن عمر. السّادس البحوث ؛ لأنّها تبحث عن نفاق المنافقين. وهذا عن أبى أيّوب الأنصارى. السابع سورة العذاب ؛ لما فيها من انعقاد الكفّار بالعذاب مرّة بعد أخرى (سَنُعَذِّبُهُمْ (١) مَرَّتَيْنِ) الثّامن الحافرة ؛ لأنّها تحفر قلوب أهل النّفاق بمثل قوله : (إِلَّا أَنْ (٢) تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ). (فَأَعْقَبَهُمْ (٣) نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ).

مقصود (٤) السّورة إجمالا : وسم قلوب الكفّار بالبراءة ، وردّ العهد عليهم ، وأمان مستمع القرآن ، وقهر أئمة الكفر وقتلهم ، ومنع الأجانب من عمارة المسجد الحرام ، وتخصيصها بأهل الإسلام ، والنّهى عن موالاة الكفّار ، والإشارة إلى وقعة حرب حنين (٥) ومنع المشركين من دخول الكعبة ، والحرم ، وحضور الموسم ، والأمر بقتل كفرة أهل الكتاب و (٦) ضرب الجزية عليهم. وتقبيح قول اليهود والنّصارى فى حقّ (٧) عزير وعيسى عليهما‌السلام. وتأكيد رسالة الرّسول الصّادق المحقّ ، وعيب (٨) أحبار اليهود فى أكلهم الأموال بالباطل ، وعذاب مانعى الزكاة ، وتخصيص الأشهر الحرم من أشهر السنة ، وتقديم الكفار شهر المحرم ، وتأخيرهم إيّاه ، والأمر بغزوة تبوك ، وشكاية المتخلّفين عن الغزو ، وخروج النّبى

__________________

(١) الآية ١٠١.

(٢) الآية ١١٠.

(٣) الآية ٧٧.

(٤) فى أقبل هذا : «السورة».

(٥) أ : «حبر» وب : «خيبر» وما أثبت هو المناسب.

(٦) كذا فى أ ، ب. والأولى (أو).

(٧) سقط فى أ.

(٨) أ ، ب : «غيب».

٢٢٨

صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع الصّديق رضى الله عنه من مكّة إلى الغار بجبل ثور ، واحتراز المنافقين من غزوة تبوك ، وترصّدهم وانتظارهم نكبة المسلمين ، وردّ نفقاتهم عليهم ، وقسم الصّدقات على المستحقّين ، واستهزاء المنافقين بالنّبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وبالقرآن ، وموافقة المؤمنين بعضهم بعضا ، ونيلهم الرّضوان الأكثر بسبب موافقتهم ، وتكذيب الحقّ للمنافقين فى إيمانهم ، ونهى النّبى عن الاستغفار لأحيائهم ، وعن الصلاة على أمواتهم ، وعيب (١) المقصّرين على اعتذارهم بالأعذار الباطلة ، وذمّ الأعراب فى صلابتهم ، وتمسكهم بالدّين الباطل ، ومدح بعضهم بصلابتهم (٢) فى دين الحقّ ، وذكر السّابقين من المهاجرين والأنصار ، وذكر المعترفين بتقصيرهم ، وقبول الصّدقات من الفقراء ، ودعائهم على ذلك ، وقبول توبة التّائبين ، وذكر بناء مسجد ضرار للغرض الفاسد ، وبناء مسجد قباء على الطّاعة والتقوى ، ومبايعة (٣) الحقّ تعالى (٤) عبيده باشتراء أنفسهم وأموالهم ، ومعاوضتهم (٥) عن ذلك بالجنّة ، ونهى إبراهيم الخليل من (٦) استغفار المشركين ، وقبول توبة المتخلّفين المخلّص (٧) من غزوة تبوك ، وأمر ناس بطلب العلم والفقه فى الدّين ، وفضيحة المنافقين ، وفتنتهم فى كلّ وقت ، ورأفة الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ورحمته لأمته وأمر الله نبيّه بالتوكّل

__________________

(١) أ ، ب «غيب».

(٢) أ ، ب : «بصلابتهم بعض» وظاهر أن «بعض» مقحمة من الناسخ.

(٣) أ ، ب : «متابعة».

(٤) أ ، ب : «فعال» وظاهر أنه محرف عما أثبت.

(٥) فى أ ، ب : «معارضتهم» تحريف.

(٦) كذا والمعروف فى التعدية «عن» وكأنه ضمن النهى معنى المنع. والمراد الاستغفار للمشركين.

(٧) كذا وكأنه صفة لقبول.

٢٢٩

عليه فى جميع أحواله بقوله : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) الآية.

النّاسخ والمنسوخ :

الآيات المنسوخة ثمان آيات (فَسِيحُوا (١) فِي الْأَرْضِ) م (فَإِذَا (٢) انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ) ن (يَكْنِزُونَ (٣) الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) م (آية (٤) الزكاة) ن (إِلَّا تَنْفِرُوا (٥) يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً) وقوله : (انْفِرُوا (٦) خِفافاً وَثِقالاً) م (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ (٧) لِيَنْفِرُوا) ن (عَفَا اللهُ (٨) عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) م (فَإِذَا (٩) اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ) ن (اسْتَغْفِرْ (١٠) لَهُمْ) م (سَواءٌ (١١) عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ) ن (الْأَعْرابُ (١٢) أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً) إلى تمام الآيتين) م (وَمِنَ الْأَعْرابِ (١٣) مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ) ن.

المتشابهات :

قوله : (وَاعْلَمُوا (١٤) أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ) وبعده (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ) ليس بتكرار ؛ لأنّ الأول للمكان ، والثانى للزّمان. وتقدّم ذكرهما فى قوله (١٥) : (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ).

__________________

(١) الآية ٢.

(٢) الآية ٥ والظاهر أن هذه الآية غير ناسخة فانها بيان للحكم بعد انسلاخ الأشهر الأربعة التى أذن لهم أن يسيحوا فيها.

(٣) الآية ٣٤.

(٤) الآية ٦٠.

(٥) الآية ٣٩.

(٦) الآية ٤١.

(٧) الآية ١٢٢.

(٨) الآية ٤٣.

(٩) الآية ٦٢.

(١٠) الآية ٨٠.

(١١) الآية ٦ سورة المنافقين.

(١٢) الآية ٩٧.

(١٣) الآية ٩٨ ـ والقول بالنسخ هنا غير ظاهر ، فان الحق أن لا نسخ فى الأخبار.

(١٤) الآية ٢ ، والآية ٣.

(١٥) ب : «حق».

٢٣٠

قوله : (فَإِنْ تابُوا (١) وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ) وبعده (فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ) ليس بتكرار ؛ لأنّ الأول فى المشركين ، والثّانى فى اليهود ، فيمن حمل قوله : (اشْتَرَوْا بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً) على التوراة. وقيل : هما فى الكفار وجزاء الأوّل تخلية سبيلهم ، وجزاء الثانى إثبات الأخوّة لهم ومعنى (بِآياتِ اللهِ) القرآن.

قوله : (كَيْفَ يَكُونُ (٢) لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ) ثم ذكر بعده (كَيْفَ)(٣) واقتصر عليه ، فذهب بعضهم إلى أنّه تكرار للتأكيد ، واكتفى بذكر (كَيْفَ) عن الجملة بعد ؛ لدلالة الأولى عليه. وقيل تقديره : كيف لا تقتلونهم ، (ولا (٤)) يكون من التكرار فى شيء.

قوله : (لا يَرْقُبُوا (٥) فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً) وقوله : (لا يَرْقُبُونَ (٦) فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً) الأول للكفار والثانى لليهود. وقيل : ذكر الأوّل ، وجعله جزاء للشرط ، ثم أعاد ذلك ؛ تقبيحا لهم ، فقال : ساء ما يعملون لا يرقبون فى مؤمن إلّا ولا ذمّة. فلا يكون تكرارا محضا.

قوله : (الَّذِينَ (٧) آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ) إنّما قدّم (فِي سَبِيلِ اللهِ) لموافقة قوله قبله (وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) وقد سبق ذكره فى الأنفال. وقد جاء بعده فى موضعين (٨) (بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ

__________________

(١) الآية ٥ ، والآية ١١.

(٢) الآية ٧.

(٣) الآية ٨.

(٤) فى الكرمانى : «فلا» وهو اسوغ.

(٥) الآية ٨.

(٦) الآية ١٠.

(٧) الآية ٢٠.

(٨) جاء فى الآية ٨١ (بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) فأما الموضع الآخر فهو فى الآية ٤١ وهو : (أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) فالموضعان ليسا بالنص الذى ذكره ، فكلامه مبنى على التسامح.

٢٣١

فِي سَبِيلِ اللهِ) ليعلم أنّ الأصل ذلك ، وإنّما قدّم هنا لموافقة ما قبله فحسب.

قوله : (كَفَرُوا بِاللهِ (١) وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ) بزيادة باء ، وبعده (كَفَرُوا بِاللهِ (٢) وَرَسُولِهِ) و (كَفَرُوا بِاللهِ (٣) وَرَسُولِهِ) بغير باء فيهما ؛ لأنّ الكلام فى الآية الأولى إيجاب بعد نفى ، وهو الغاية فى باب التّأكيد ، وهو قوله : (وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ) فأكّد المعطوف أيضا بالباء ؛ ليكون الكل فى التأكيد على منهاج واحد ، وليس كذلك الآيتان بعده ؛ فإنّهما خلتا من التأكيد.

قوله : (فَلا تُعْجِبْكَ (٤) أَمْوالُهُمْ) بالفاء ، وقال فى الآية الأخرى : (وَلا تُعْجِبْكَ)(٥) بالواو ؛ لأنّ الفاء يتضمّن معنى (الجزاء (٦) ، والفعل الذى قبله مستقبل يتضمن معنى) الشرط ، وهو قوله : (وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا) اى إن يكن (٧) منهم ما ذكر فجزاؤهم. وكان الفاء هاهنا أحسن موقعا من الواو [و](٨) التى بعدها قبلها (كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا) بلفظ الماضى وبمعناه ، والماضى لا يتضمّن معنى الشرط ، ولا يقع من الميت فعل ، (وكان) (٩) الواو أحسن.

قوله : (وَلا أَوْلادُهُمْ) بزيادة (لا) وقال : فى الأخرى (وَأَوْلادُهُمْ) بغير (لا) لأنّه لمّا أكّد الكلام الأوّل بالإيجاب بعد النفى وهو الغاية ، وعلّق

__________________

(١) الآية ٥٤.

(٢) الآية ٨٠ ، والآية ٨٤.

(٣) الآية ٨٠ ، والآية ٨٤.

(٤) الآية ٥٥.

(٥) الآية ٨٥.

(٦) سقط ما بين القوسين فى أ.

(٧) فى أ ، ب : «لم يكن» والصواب ما أثبت كما فى الكرمانى.

(٨) زيادة من الكرمانى.

(٩) فى الكرمانى «فكان» وهو أنسب.

٢٣٢

الثّانى بالأوّل تعليق الجزاء بالشرط ، اقتضى الكلام الثانى من التوكيد ما اقتضاه الأوّل ، فأكّد معنى النّهى بتكرار (لا) فى المعطوف.

قوله : (إِنَّما يُرِيدُ (١) اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ) ، وقال : فى الأخرى : (أَنْ (٢) يُعَذِّبَهُمْ) لأنّ (أن) فى هذه الآية مقدّرة ، وهى النّاصبة للفعل ، وصار اللام هاهنا زيادة كزيادة الباء (٣) ، و (لا) فى الآية. وجواب آخر : وهو أنّ المفعول فى هذه الآية محذوف ، أى يريد الله أن يزيد فى نعمائهم بالأموال والأولاد ؛ ليعذّبهم بها فى الحياة الدّنيا. والآية الأخرى إخبار عن قوم ماتوا (٤) على الكفر فتعلّق الإرادة بما هم فيه ، وهو العذاب.

قوله : (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) (٥) وفى الآية (٦) الأخرى (فِي الدُّنْيا) لأنّ (الدنيا) صفة للحياة فى الآيتين فأثبت الموصوف (والصفة (٧) فى الأولى ، وحذف الموصوف) فى الثانية اكتفاء بذكره فى الأولى ، وليست الآيتان مكرّرتين ؛ لأنّ الأولى فى قوم ، والثانية فى آخرين ، وقيل : الأولى فى المنافقين والثانية فى اليهود.

قوله : (يُرِيدُونَ (٨) أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ) وفى الصف (لِيُطْفِؤُا (٩) نُورَ اللهِ) هذه الآية تشبه قوله : (يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ) و (ليعذّبهم) حذف اللام من الآية الأولى ، لأنّ مرادهم إطفاء نور الله بأفواههم ، وهو

__________________

(١) الآية ٥٥.

(٢) الآية ٨٥.

(٣) أى فى «برسوله».

(٤) أ ، ب : «عن» وما أثبت عن الكرمانى.

(٥) الآية ٥٥.

(٦) الآية ٨٥.

(٧) سقط ما بين القوسين فى أ.

(٨) الآية ٣٣.

(٩) الآية ٨.

٢٣٣

المفعول به ، والتقدير : ذلك قولهم بأفواههم ، ومرادهم إطفاء نور الله بأفواههم. والمراد الذى هو المفعول به فى الصفّ مضمر تقديره : ومن أظلم ممّن افترى على الله الكذب [يريدون (١) ذلك] ليطفئوا نور الله فاللّام (٢) لام العلّة. وذهب بعض النحاة إلى أن الفعل محمول على المصدر ، أى إرادتهم لإطفاء نور الله.

قوله : (وَرِضْوانٌ (٣) مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) هذه الكلمات تقع على وجهين : أحدهما : ذلك الفوز بغير (هو). وهو فى القرآن فى ستّة مواضع : فى براءة (٤) موضعان ، وفى النساء (٥) ، والمائدة (٦) ، والصّف (٧) ، والتّغابن (٨) ؛ وما فى النّساء (وَذلِكَ) بزيادة واو. والثّانى ذلك هو الفوز بزيادة (هو) وذلك فى القرآن فى ستّة مواضع أيضا : فى براءة (٩) موضعان ، وفى يونس (١٠) ، والمؤمن (١١) ، والدّخان (١٢) ، والحديد (١٣) ، وما فى براءة أحدهما بزيادة الواو. وهو قوله : (فَاسْتَبْشِرُوا (١٤) بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) وكذلك ما فى المؤمن بزيادة واو. والجملة إذا جاءت بعد جملة من غير تراخ بنزول جاءت مربوطة بما قبلها إمّا بواو العطف وإمّا بكناية تعود من الثانية إلى الأولى ، وإمّا

__________________

(١) زيادة يقتضيها السياق. وقوله : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) أخذه من الآية السابقة ليجعل المفعول مقدرا منها وهو (ذلك) أى افتراء الكذب.

(٢) الكرمانى «واللام».

(٣) الآية ٧٢.

(٤) الآية ٨٩ ، والآية ١٠٠.

(٥) الآية ١٣.

(٦) الآية ١١٩.

(٧) الآية ١٢.

(٨) الآية ٩.

(٩) الآية ٧٢ ، والآية ١١١.

(١٠) الآية ٦٤.

(١١) الآية ٩.

(١٢) الآية ٥٧.

(١٣) الآية ١٢.

(١٤) الآية ١١١.

٢٣٤

بإشارة فيها إليها. وربّما يجمع بين اثنين منها ، والثلاثة ؛ للدّلالة على مبالغة فيها. ففى السّورة (خالِداً فِيها ذلِكَ) و (خالِدِينَ فِيها ذلِكَ) وفيها أيضا (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ) فجمع بين اثنين. وبعدهما (فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ) فجمع بين الثلاثة ، تنبيها على أنّ الاستبشار من الله يتضمّن رضوانه ، والرضوان يتضمّن الخلود فى الجنان قال تاج القرّاء : ويحتمل أنّ ذلك لما تقدّمه من قوله : (وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ) فيكون كلّ واحد منهما فى مقابلة (واحد (١) ، وكذلك فى المؤمن تقدمه (فَاغْفِرْ وَقِهِمْ وَأَدْخِلْهُمْ) ، فوقعت فى مقابلة) الثّلاثة.

قوله : (وَطُبِعَ (٢) عَلى قُلُوبِهِمْ) ثم قال بعد : (وَطَبَعَ (٣) اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) لأنّ قوله : (وَطُبِعَ) محمول على رأس الآية ، وهو قوله : (وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ) فبنى مجهول على مجهول ، والثانى محمول ، على ما تقدم من ذكر الله تعالى مرّات (وكان) (٤) اللائق : وطبع الله ، ثمّ ختم كلّ آية بما يليق بها ، فقال فى الأولى : لا يفقهون ، وفى الثانية : لا يعلمون ، لأنّ العلم فوق الفقه ، والفعل المسند إلى الله فوق المسند إلى المجهول.

قوله : (وَسَيَرَى اللهُ (٥) عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ) ، وقال فى الأخرى : (وَسَيَرَى اللهُ (٦) عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ) والمؤمنون (وَسَتُرَدُّونَ) لأنّ الأولى فى المنافقين ، ولا يطّلع على ضمائرهم إلّا الله تعالى ، ثم رسوله باطلاع الله إيّاه عليها ؛

__________________

(١) سقط ما بين القوسين فى أ.

(٢) الآية ٨٧.

(٣) الآية ٩٣.

(٤) فى الكرمانى : «فكان» وهو أنسب.

(٥) الآية ٩٤.

(٦) الآية ١٠٥.

٢٣٥

كقوله : (قَدْ نَبَّأَنَا اللهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ) والثانية فى المؤمنين ، وطاعات المؤمنين وعباداتهم ظاهرة لله ولرسوله وللمؤمنين. وختم آية المنافقين بقوله : (ثُمَّ تُرَدُّونَ) فقطعه عن الأول ؛ لأنه وعيد. وختم آية المؤمنين بقوله : (وَسَتُرَدُّونَ) لأنّه وعد ، فبناه على قوله (فَسَيَرَى اللهُ).

قوله : (إِلَّا كُتِبَ (١) لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ) وفى الأخرى (إِلَّا كُتِبَ (٢) لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ) [لأنّ (٣) الآية الأولى] مشتملة على ما هو من عملهم ، وهو قوله : (وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً) ، وعلى ما ليس من عملهم ، وهو الظّمأ والنّصب والمخمصة ، والله سبحانه بفضله أجرى ذلك مجرى عملهم فى الثّواب ، فقال : (إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ) أى جزاء عمل صالح ، والثّانية مشتملة على ما هو من عملهم ، وهو إنفاق المال فى طاعته ، وتحمّل المشاق فى قطع المسافات ، فكتب لهم بعينه. لذلك ختم الآية بقوله : (لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) لكون (٤) الكل من عملهم فوعدهم حسن الجزاء عليه وختم (الآية) (٥) بقوله : (إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) حين ألحق ما ليس من عملهم بما هو من عملهم ، ثم جازاهم على الكل أحسن الجزاء.

فضل السورة

عن عائشة ـ رضى الله عنها ـ قالت : قال رسول الله صلّى الله عليه

__________________

(١) الآية ١٢٠.

(٢) الآية ١٢١.

(٣) زيادة من الكرمانى.

(٤) أ ، ب : «لكن».

(٥) زيادة من الكرمانى.

٢٣٦

وسلم : (إنه (١) ما نزل علىّ القرآن إلّا آية آية ، وحرفا حرفا ، خلا سورة براءة ، و (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ؛ فإنّهما أنزلتا ومعهما سبعون ألف صفّ من الملائكة ، كلّ يقول استوصوا (٢) بنسبة الله خيرا) وقال : من قرأ سورة الأنفال وبراءة (٣) شهدا له يوم القيامة بالبراءة من الشرك والنفاق ، وأعطى بعدد كلّ منافق ومنافقة منازل فى الجنة ، ويكتب له مثل تسبيح العرش وحملته إلى يوم القيامة. وعنه : يا علىّ من قرأ سورة التوبة يقبل الله توبته ؛ كما يقبل من آدم وداود ، واستجاب دعاءه ، كما استجاب لزكريّا. وله بكلّ آية قرأها مثل ثواب زكريّا. الحديثان ضعيفان جدّا.

__________________

(١) أورد البيضاوى صدره. وقال الشهاب فى كتابته عليه : «أخرجه الثعلبى رحمه‌الله عن عائشة رضى الله عنها ، قال العراقى رحمه‌الله تعالى : «وهو منكر جدا».

(٢) هذا ظاهر فى (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) ففيها نسبة الله : أنه لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ، كما أن نسبة الناس أن يقال : فلان ابن فلان أو أبو فلان.

(٣) فى أ ، ب : «أشهد».

٢٣٧

١٠ ـ بصيرة فى

الر. تلك آيات الكتاب ..

اعلم أنّ هذه السّورة مكّيّة ، بالاتّفاق : عدد آياتها مائة وعشر آيات عند الشاميّين ، وتسع عند الباقين. وعدد كلماتها ألف وأربعمائة وتسع وتسعون كلمة. وحروفها سبعة آلاف وخمس وستون.

والآيات المختلف فيها أربعة : (مُخْلِصِينَ (١) لَهُ الدِّينَ) (وَشِفاءٌ لِما (٢) فِي الصُّدُورِ) و (مِنَ الشَّاكِرِينَ) (٣).

ومجموع فواصلها (ملن) على اللّام منها آية واحدة (وَما أَنَا عَلَيْكُمْ (٤) بِوَكِيلٍ) وكلّ آية على الميم قبل الميم ياء.

وسمّيت سورة يونس لما فى آخرها من ذكر كشف العذاب عن قوم يونس ببركة الإيمان عند اليأس فى قوله : (فَلَوْ لا (٥) كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ).

مقصود السّورة : إثبات النبوّة ، وبيان فساد اعتقاد الكفار فى حقّ النّبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن ، وذكر جزائهم على ذلك فى الدّار الآخرة ،

__________________

(١) الآية ٢٢.

(٢) الآية ٥٧.

(٣) الآية ٢٢.

(٤) الآية ١٠٨.

(٥) الآية ٩٨.

٢٣٨

وتقدير منازل الشّمس والقمر لمصالح الخلق ، وذمّ القانعين بالدّنيا الفانية عن النّعيم الباقى ، ومدح أهل الإيمان فى طلب الجنان (١) ، واستعجال الكفّار بالعذاب ، وامتحان الحقّ تعالى خلقه (٢) باستخلافهم فى الأرض ، وذكر (عدم (٣) تعقّل) الكفار كلام الله ، ونسبته إلى الافتراء والاختلاف ، والإشارة إلى إبطال الأصنام وعبّادها ، وبيان المنّة على العباد بالنّجاة من الهلاك فى البرّ والبحر ، وتمثيل (٤) الدّنيا بنزول المطر ، وظهور ألوان النبات والأزهار ، ودعوة الخلق إلى دار السّلام ، وبيان ذلّ الكفّار فى القيامة ، ومشاهدة الخلق فى العقبى ما قدّموه من طاعة ومعصية ، وبيان أنّ الحقّ واحد ، وما سواه باطل ، وإثبات البعث والقيامة بالبرهان (٥) ، والحجّة الواضحة ، وبيان فائدة نزول القرآن ، والأمر بإظهار السّرور والفرح بالصّلاة والقرآن ، وتمييز أهل الولاية من أهل الجناية ، وتسلية النّبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بذكر شىء من قصّة موسى ، وواقعة بنى إسرائيل مع قوم فرعون ، وذكر طمس أموال القبطيّين ، ونجاة الإسرائيليين من البحر ، وهلاك أعدائهم من الفرعونيّين ، ونجاة قوم يونس بإخلاص الإيمان فى وقت اليأس ، وتأكيد نبوّة النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأمره بالصّبر على جفاء المشركين وأذاهم ، فى قوله : (حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ).

__________________

(١) ب : «الحساب».

(٢) أ ، ب : «خليفه».

(٣) ب : «عقيب» والظاهر أنه محرف عن «عيب».

(٤) ب : «تمثل».

(٥) ب : «والبرهان».

٢٣٩

الناسخ والمنسوخ :

المنسوخ فى هذه السّورة خمس آيات (١) (إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) م (لِيَغْفِرَ (٢) لَكَ اللهُ) ن (قُلْ فَانْتَظِرُوا) (٣) م آية السّيف ن (فَمَنِ اهْتَدى)(٤) إلى قوله : (بِوَكِيلٍ) م آية السّيف ن (فَقُلْ لِي (٥) عَمَلِي) م آية السّيف ن (وَاتَّبِعْ (٦) ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ) م آية السّيف ن

المتشابهات :

قوله : (إِلَيْهِ (٧) مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) وفى هود (إِلَى اللهِ (٨) مَرْجِعُكُمْ) لأنّ ما فى هذه السّورة خطاب للمؤمنين والكافرين جميعا ؛ يدلّ عليه قوله : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا) الآية. وكذلك ما فى المائدة (مَرْجِعُكُمْ (٩) جَمِيعاً) ؛ لأنّه خطاب للمؤمنين والكافرين بدليل قوله : (فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) وما فى هود خطاب للكفّار ؛ يدلّ عليه قوله : (وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ).

قوله : (وَإِذا مَسَ (١٠) الْإِنْسانَ الضُّرُّ) بالألف واللام ؛ لأنه إشارة إلى ما تقدّم من الشرّ فى قوله : (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ) فإنّ الضرّ والشّرّ واحد. وجاء الضرّ فى هذه السّورة بالألف واللام ، وبالإضافة وبالتنوين.

__________________

(١) الآية ١٥.

(٢) الآية ٢ سورة الفتح.

(٣) الآية ١٠٢.

(٤) الآية ١٠٨.

(٥) الآية ٤١.

(٦) الآية ١٠٩.

(٧) الآية ٤.

(٨) الآية ٤.

(٩) الآية ٤٨ والآية ١٠٥.

(١٠) الآية ١٢.

٢٤٠