بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ١

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ١

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٧٨

فضل السّورة

عن النّبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال : ((١) نزلت علىّ سورة الأنعام جملة واحدة يشيّعها سبعون ألف ملك ، لهم زجل بالتسبيح ، والتحميد فمن قرأ سورة الأنعام صلّى عليه أولئك السّبعون ألف ملك ، بعدد كل آية من الأنعام ، يوما وليلة ، وخلق الله من كلّ حرف ملكا يستغفرون له إلى يوم القيامة) وعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال : (من قرأ ثلاث مرّات من أوّل سورة الأنعام إلى قوله : (وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ) وكل الله به أربعين ألف ملك ، يكتبون له مثل عبادتهم إلى يوم القيامة ، ونزل ملك من السّماء السّابعة ، ومعه مرزبّة من حديد ، فإذا أراد الشيطان أن يوسوس ويوحى فى قلبه شيئا ضربه بها ضربة كانت بينه وبينه سبعون حجابا ، فإذا كان يوم القيامة يقول الرّب تبارك وتعالى : عش فى ظلّى وكل من ثمار جنّتى ، واشرب من ماء الكوثر ، واغتسل من ماء السّلسبيل ، وأنت عبدى ، وأنا ربّك). وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من قرأ هذه السّورة كان له نور من جميع الأنعام الّتى خلقها الله فى الدّنيا ذرّا بعدد كل ذرّ ألف حسنة ومائة ألف درجة ويروى أنّ هذه السّورة معها من كلّ سماء ألف ألف ملك لهم زجل بالتّسبيح والتّهليل ، فمن قرأها تستغفر له تلك اللّيلة. وعن جعفر الصّادق أنّه قال :

__________________

(١) فى حاشية الشهاب على البيضاوى ٤ / ١٤٥ فى الكلام على هذا الحديث. «قال ابن حجر ـ رحمه‌الله ـ : هذا الحديث أخرجه أبو نعيم فى الحلية وفى رجاله ضعف ، وقال غيره انه موضوع : وسئل عنه النووى ـ رحمه‌الله تعالى ـ فقال : انه لم يثبت. وأما قوله : فمن قرأ الخ. فمن الحديث الموضوع الذى أسندوه الى أبى بن كعب فى فضائل السور ، كما قاله خاتمة الحفاظ السيوطى ـ رحمه‌الله ـ وزجل بالزاى المعجمة والجيم واللام بمعنى صوت بالتسبيح والتحميد لأن السورة انزلت لبيان التوحيد مفصلا. لكن قوله فى الحديث : جملة واحدة ينافيه قوله فى أول السورة انها مكية غير ست آيات الخ».

٢٠١

من قرأ هذه السّورة كان من الآمنين يوم القيامة. وإن فيها اسم الله (١) [فى] تسعين موضعا. فمن قرأها يغفر له سبعين (٢) مرّة. وعن النّبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا علىّ من قرأ سورة الأنعام (٣) كتب اسمه فى ديوان الشهداء ، ويأخذ ثواب الشّهداء ، وله بكلّ آية قرأها مثل ثواب الراضين بما قسم الله لهم. وقال كعب الخير (٤) فتحت التوراة بقوله (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) وختمت بقوله (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً).

__________________

(١) زيادة اقتضاها السياق .. لا يريد لفظ الجلالة ، فانه فى نحو ثلاثين موضعا ، بل يريد كل ما دل على الذات العلية كالرب والإله.

(٢) مقتضى التسعين موضعا أن يقال هنا : «تسعين».

(٣) ب : «هذه السورة».

(٤) هو كعب الأحبار. وقد يكون (الخير) محرفا عن الحبر.

٢٠٢

٧ ـ بصيرة فى المص.

هذه السّورة نزلت بمكة إجماعا.

وعدد آياتها مائتان وستّ آيات فى عدّ قرّاء كوفة والحجاز ، وخمس فى عدّ الشّام والبصرة.

وكلماتها ثلاثة آلاف وثلاثمائة وخمس وعشرون كلمة. وحروفها أربعة عشر ألفا وثلاثمائة وعشرة أحرف.

والآيات المختلف فيها خمس : المص (بَدَأَكُمْ (١) تَعُودُونَ) (مُخْلِصِينَ لَهُ (٢) الدِّينَ) (ضِعْفاً (٣) مِنَ النَّارِ) على بنى (٤) إسرائيل.

مجموع فواصل آياته (٥) (م ن د ل) على الدّال منها آية واحدة : المص ، وعلى اللّام واحدة (٦) : آخرها إسرائيل.

ولهذه السّورة ثلاثة أسماء : سورة الأعراف ؛ لاشتمالها على ذكر الأعراف فى (وَنادى (٧) أَصْحابُ الْأَعْرافِ) وهى سور بين الجنّة والنّار. الثّانى سورة الميقات ؛ لاشتمالها على ذكر ميقات موسى فى قوله : (وَلَمَّا جاءَ (٨)

__________________

(١) الآية ٢٩.

(٢) الآية ٢٩.

(٣) الآية ٣٨.

(٤) الآية ١٣٧.

(٥) ب : «الآية» وذكر فى (آياته) بجعل السورة قرآنا أو مقروءا.

(٦) الآية ١٠٥.

(٧) الآية ٤٨.

(٨) الآية ١٤٣.

٢٠٣

مُوسى لِمِيقاتِنا). الثالث سورة الميثاق ؛ لاشتمالها على حديث الميثاق فى قوله : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ (١) قالُوا بَلى) وأشهرها الأعراف.

مقصود السّورة على سبيل الإجمال : تسلية النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى تكذيب الكفّار إيّاه (و) ذكر وزن الأعمال يوم القيامة ، وذكر خلق آدم ، وإباء إبليس من السّجدة لآدم ، ووسوسته لهما لأكل الشّجرة ، وتحذير بنى آدم من قبول وسوسته ، والأمر باتّخاذ (٢) الزّينة ، وستر العورة فى وقت الصّلاة ، والرّد على المكذّبين ، وتحريم الفواحش ظاهرا وباطنا ، وبيان مذلّة الكفّار فى النّار ، ومناظرة بعضهم بعضا ، ويأسهم من دخول الجنّة ، وذكر المنادى بين الجنّة والنّار ، ونداء أصحاب الأعراف لكلا (٣) الفريقين وتمنّيهم الرّجوع إلى الدّنيا ، وحجّة التوحيد ، والبرهان على ذات الله تعالى وصفاته ، وقصة نوح والطّوفان ، وذكر هود وهلاك عاد ، وحديث صالح وقهر ثمود ، وخبر لوط وقومه ، وخبر شعيب وأهل مدين ، وتخويف الآمنين من مكر الله ، وتفصيل أحوال موسى (وفرعون (٤) والسّحرة ، واستغاثة بنى إسرائيل ، وذكر الآيات المفصّلات ، وحديث خلافة هارون ، وميقات موسى) ، وقصّة عجل السّامرىّ فى غيبة موسى و (رجوع موسى) (٥) إلى قومه ، ومخاطبته لأخيه هارون ، وذكر النبى الأمّىّ العربىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والإشارة إلى ذكر الأسباط ، وقصّة أصحاب السّبت ، وأهل أيلة ، وذم علماء أهل الكتاب ، وحديث الميثاق ومعاهدة الله تعالى الذّرية وطرد (٦)

__________________

(١) الآية ١٧٢.

(٢) أ ، ب : «بايجاد».

(٣) أ ، ب : «بكلا».

(٤) سقط ما بين القوسين فى ب.

(٥) فى أ : «رجوع موسى».

(٦) سقط فى أ : طرد

٢٠٤

بلعام بسبب ميله إلى الدنيا ، [و](١) نصيب جهنّم من الجنّ والإنس ، وتخويف العباد بقرب يوم القيامة ، وإخفاء علمه على العالمين ، وحديث صحبة آدم وحواء فى أوّل الحال ، وذمّ الأصنام وعبّادها ، وأمر الرّسول بمكارم الأخلاق ، وأمر الخلائق بالإنصات والاستماع لقراءة القرآن ، وخطبة الخطباء يوم الجمعة ، والإخبار عن خضوع الملائكة فى الملكوت ، وانقيادهم بحضرة (٢) الجلال فى قوله : (يُسَبِّحُونَهُ (٣) وَلَهُ يَسْجُدُونَ).

المتشابهات :

قوله : (ما (٤) مَنَعَكَ) هنا ، وفى ص (يا إِبْلِيسُ (٥) ما مَنَعَكَ) وفى الحجر (قالَ (٦) (يا إِبْلِيسُ ما لَكَ) بزيادة (يا إِبْلِيسُ) فى السورتين ؛ لأن خطابه قرب من ذكره فى هذه السّورة وهو قوله : (إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ قالَ ما مَنَعَكَ) فحسن حذف النّداء والمنادى ، ولم يقرب فى ص قربه منه فى هذه السّورة ؛ لأن فى ص (إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) بزيادة (اسْتَكْبَرَ) فزاد حرف النّداء والمنادى ، فقال : (يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ) وكذلك فى الحجر فإنّ فيها (إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) بزيادة (أَبى) فزاد حرف النّداء والمنادى فقال (يا إِبْلِيسُ ما لَكَ).

قوله : (أَلَّا تَسْجُدَ) وفى ص (أَنْ تَسْجُدَ) وفى الحجر (أَلَّا تَكُونَ) فزاد فى هذه السّورة (لا). وللمفسّرين فى (لا) أقوال : قال بعضهم : (لا) صلة (٧)

__________________

(١) زيادة اقتضاها السياق.

(٢) كذا فى أ ، ب. والمناسب : لحضرة.

(٣) الآية آخر السورة.

(٤) الآية ١٢.

(٥) الآية ٧٥.

(٦) الآية ٣٢.

(٧) أى زائدة.

٢٠٥

كما فى قوله : (لِئَلَّا (١) يَعْلَمَ). وقال بعضهم : الممنوع من الشىء مضطرّ إلى خلاف ما منع منه. وقال بعضهم : معناه : من قال لك : لا تسجد. وقد ذكر فى مطوّلات مبسوطة. والذى يليق بهذا الموضع ذكر السبب الذى خصّ هذه السّورة بزيادة (لا) دون السّورتين. قال تاج القرّاء (٢) : لمّا حذف منها (يا إِبْلِيسُ) واقتصر على الخطاب جمع بين لفظ المنع ولفظ (لا) زيادة فى النفى ، وإعلاما أنّ المخاطب به إبليس ؛ خلافا للسّورتين ؛ فإنه صرّح فيهما باسمه. وإن شئت قلت : جمع فى هذه السّورة بين ما فى ص والحجر ، فقال : ما منعك أن تسجد ، ما لك ألّا تسجد ، وحذف (ما لك) لدلالة (الحال (٣) ودلالة) السّورتين عليه ، فبقى : ما منعك ألّا تسجد. وهذه لطيفة فاحفظها.

قوله : (أَنَا خَيْرٌ (٤) مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) ، وفى ص مثله. وقال فى الحجر : (لَمْ أَكُنْ (٥) لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ) فجاء على لفظ آخر ، لأنّ السّؤال فى الأعراف وص : (ما مَنَعَكَ ، فلمّا اتّفق السّؤال اتّفق الجواب ، وهو قوله : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) ، ولمّا زاد فى الحجر لفظ الكون فى السّؤال وهو قوله (ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) زاد فى الجواب أيضا لفظ الكون فقال : (لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ).

قوله : (أَنْظِرْنِي (٦) إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) وفى الحجر وفى ص (رَبِّ فَأَنْظِرْنِي) لأنه سبحانه لمّا اقتصر فى السّؤال على الخطاب دون صريح الاسم فى هذه

__________________

(١) الآية ٢٩ سورة الحديد.

(٢) هو الكرمانى.

(٣) سقط ما بين القوسين فى أ.

(٤) الآية ١٢.

(٥) الآية ٧٦.

(٦) الآية ١٤.

٢٠٦

السّورة ، اقتصر فى الجواب أيضا على الخطاب ، دون ذكر المنادى. وأمّا زيادة الفاء فى السّورتين دون هذه السّورة فلأنّ داعية الفاء ما تضمّنه النّداء من أدعو أو أنادى ؛ نحو قوله : (رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا) أى أدعوك ، وكذلك داعية الواو فى قوله : (رَبَّنا وَآتِنا) فحذف المنادى ، فلمّا حذفه انحذفت الفاء.

قوله : (إِنَّكَ مِنَ (١) الْمُنْظَرِينَ) هنا ، وفى السّورتين (فَإِنَّكَ) ؛ لأنّ الجواب يبنى على السّؤال ، ولمّا خلا السّؤال فى هذه السّورة عن الفاء خلا الجواب عنه ، ولمّا ثبت الفاء فى السّؤال فى السّورتين ثبتت (٢) فى الجواب ، والجواب فى السّور الثلاث إجابة ، وليس باستجابة (٣).

قوله : (فَبِما (٤) أَغْوَيْتَنِي) فى هذه السّورة وفى ص (فَبِعِزَّتِكَ (٥) لَأُغْوِيَنَّهُمْ) ، وفى الحجر : (رَبِّ بِما (٦) أَغْوَيْتَنِي) لأنّ ما فى هذه السّورة موافق لما قبله فى الاقتصار على الخطاب دون النداء ، وما فى الحجر موافق لما قبله من (٧) مطابقة النّداء ، وزاد فى هذه السّورة الفاء التى هى للعطف ليكون الثانى مربوطا بالأوّل ، ولم يدخل (٨) فى الحجر ، فاكتفى بمطابقة النداء (لامتناع (٩) النداء) منه ؛ لأنّه (١٠) ليس بالذى يستدعيه النداء ؛ فإن ذلك يقع مع

__________________

(١) الآية ١٥.

(٢) فى الكرمانى : «ثبت» ويصح التذكير والتأنيث.

(٣) يريد أن هذا أمر قدره الله ، وانما ذكر بعد سؤاله ، وليس باستجابة لدعائه فانه ليس أهلا أن يستجاب له.

(٤) الآية ١٦.

(٥) الآية ٨٢.

(٦) الآية ٣٩.

(٧) فى الكرمانى : «فى» وهو أولى.

(٨) أى الفاء. وفى الكرمانى : «تدخل».

(٩) سقط فى أ.

(١٠) أى قوله : بِما أَغْوَيْتَنِي ، بخلاف نحوه «رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا»

٢٠٧

السّؤال والطّلب ، وهذا قسم عند أكثرهم بدليل ما فى ص ، وخبر عند بعضهم. والّذى فى ص على قياس ما فى الأعراف دون الحجر ؛ لأنّ موافقتهما أكثر على ما سبق ، فقال : (فَبِعِزَّتِكَ) وهو قسم عند الجميع ، ومعنى (بِما أَغْوَيْتَنِي) يئول إلى معنى (فَبِعِزَّتِكَ) والله أعلم. وهذا الفصل فى هذه السّورة برهان لامع. وسأل الخطيب (١) نفسه عن هذه المسائل ، فأجاب عنها ، وقال : إنّ اقتصاص (٢) ما مضى إذا لم يقصد به أداء الألفاظ (٣) بعينها ، كان اتّفاقها واختلافها سواء إذا أدّى (٤) المعنى المقصود. وهذا جواب حسن إن رضيت به كفيت مئونة السّهر إلى السّحر.

قوله : (قالَ (٥) اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً) ليس فى القرآن غيره ؛ لأنّه سبحانه لمّا بالغ فى الحكاية عنه بقوله : (لَأَقْعُدَنَ (٦) لَهُمْ) الآية بالغ فى ذمّه فقال : اخرج منها مذءوما مدحورا ، والذّأم أشدّ الذم.

قوله : (فَكُلا) (٧) سبق فى البقرة. قوله : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ (٨) أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ) بالفاء [حيث (٩)] وقع إلّا فى (١٠) يونس ، فإنّه جملة عطفت على جملة بينهما اتّصال وتعقيب ، وكان الموضع لائقا بالفاء ، وما فى يونس يأتى فى موضعه.

__________________

(١) أى الاسكافى. وانظر كتابه «درة التنزيل» ١٢٢ ، وشيخ الاسلام على هامش تفسير الخطيب ١ / ٤٧٢.

(٢) أ : «قصا» وب : «قصاص» وما أثبت عن درة التنزيل.

(٣) فى الكرمانى : «بأعيانها»

(٤) أ ، ب : «رأى». وما أثبت عن الكرمانى.

(٥) الآية ١٨ ، ٣٤

(٦) الآية ١٦.

(٧) أ ، ب : «فالا» تصحيف ، وهو فى الآية ١٩.

(٨) الآية.

(٩) سقط فى أ ، ب ، وأثبت من الكرمانى.

(١٠) الآية ٤٩.

٢٠٨

قوله : (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ (١)) ما فى هذه السّورة جاء على القياس ، وتقديره : وهم كافرون بالآخرة ، فقدّم (بِالْآخِرَةِ) تصحيحا لفواصل الآية ، وفى هود لمّا تقدّم (هؤُلاءِ (٢) الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ) ثمّ قال : (أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) ولم يقل (عليهم) والقياس ذلك التبس أنّهم هم أم (٣) غيرهم ، فكرّر وقال : (وَهُمْ (٤) بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) ليعلم أنّهم هم المذكورون لا غيرهم ، وليس (هُمْ) هنا للتّأكيد كما زعم بعضهم ؛ لأنّ ذلك يزاد (٥) مع الألف واللّام ، ملفوظا أو مقدّرا.

قوله : (وَهُوَ الَّذِي (٦) يُرْسِلُ الرِّياحَ) هنا ، وفى الرّوم (٧) بلفظ المستقبل وفى الفرقان (٨) وفاطر (٩) بلفظ الماضى ، لأنّ ما قبلها فى هذه السّورة ذكر الخوف والطّمع ، وهو قوله : (وَادْعُوهُ (١٠) خَوْفاً وَطَمَعاً) وهما يكونان فى المستقبل لا غير ، فكان (يُرْسِلُ) بلفظ المستقبل أشبه بما قبله ، وفى الرّوم قبله (وَمِنْ (١١) آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ) فجاء بلفظ المستقبل ليوافق ما قبله. وأمّا فى الفرقان فإنّ قبله (كَيْفَ (١٢) مَدَّ الظِّلَّ) الآية (وبعد (١٣) الآية) (وَهُوَ

__________________

(١) الآية ٤٥.

(٢) الآية ١٨.

(٣) كذا والأولى : «أو» اذ لا معادل لها.

(٤) الآية ١٩.

(٥) أ ، ب : «زاد» وما أثبت عن الكرمانى. ولا شك أن (هُمْ) فى آية هود تأكيد ولكنه يريد أنها ليست ضمير الفصل ، فان ضمير الفصل يأتى مع ما فيه الألف واللام نحو (الكافرون هم المخلدون فى النار) ، فهو أنما ينفى تأكيد ضمير الفصل.

(٦) الآية ٥٧.

(٧) الآية ٤٨.

(٨) الآية ٤٨.

(٩) الآية ٩.

(١٠) الآية ٥٦.

(١١) الآية ٤٦.

(١٢) الآية ٤٥.

(١٣) سقط فى ب.

٢٠٩

الَّذِي جَعَلَ (١) لَكُمُ [ومرج وخلق] وكان (٢) الماضى أليق به. وفى فاطر مبنىّ على أوّل السّورة (الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً) وهما بمعنى الماضى ، فبنى على ذلك (أرسل) بلفظ الماضى ؛ ليكون الكلّ على مقتضى اللّفظ الّذى خصّ به.

قوله : (لَقَدْ (٣) أَرْسَلْنا نُوحاً) هنا بغير واو ، وفى هود (٤) والمؤمنين (٥) (وَلَقَدْ) بالواو ؛ لأنّه لم يتقدّم فى هذه السّورة ذكر رسول فيكون هذا عطفا عليه ، بل هو استئناف كلام. وفى هود تقدّم ذكر الرّسل مرّات ، وفى المؤمنين تقدّم ذكر نوح ضمنا ؛ لقوله (٦) (وَعَلَى(٧) الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ) ؛ لأنّه أوّل من صنع الفلك ، فعطف فى السّورتين بالواو.

قوله : (أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ) بالفاء هنا ، وكذا فى المؤمنين فى قصّة نوح ، وفى هود فى قصّة نوح ، (إِنِّي لَكُمْ) بغير فاء (٨) ، وفى هذه السّورة فى قصّة (٩) عاد بغير فاء ؛ لأنّ إثبات الفاء هو الأصل ، وتقديره أرسلنا نوحا فجاء فقال ، فكان فى هذه السّورة والمؤمنين على ما يوجبه اللّفظ. وأمّا فى هود فالتقدير : فقال إنى فأضمر ذلك (١٠) قال ، فأضمر (١١) معه الفاء. وهذا كما قلنا فى قوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ (١٢) اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ

__________________

(١) زيادة من الكرمانى.

(٢) فى الكرمانى «فكان».

(٣) الآية ٥٩.

(٤) الآية ٢٥.

(٥) الآية ٢٣.

(٦) أ ، ب : «كقوله» وما أثبت عن الكرمانى.

(٧) الآية ٢٢.

(٨) أى وبغير قال.

(٩) الآية ٦٥.

(١٠) كذا فى أ ، ب. والوجه حذفها.

(١١) مع الكرمانى : «وأضمر» وهو أولى.

(١٢) الآية ١٠٦ سورة آل عمران.

٢١٠

أَكَفَرْتُمْ) أى فقال (١) لهم : أكفرتم ، فأضمر القول والفاء معا. وأمّا فى قصّة عاد فالتقدير : وأرسلنا إلى عاد أخاهم هودا (٢) فقال ، فأضمر أرسلنا ، وأضمر الفاء ؛ لأنّ داعى الفاء لفظ (أرسلنا).

قوله : (قالَ (٣) الْمَلَأُ) بغير واو فى (٤) قصّة نوح وهود فى هذه السّورة ، وفى هود (٥) والمؤمنين (٦) (فقال) بالفاء ، لأن ما فى هذه السورة فى القصّتين لا يليق (٧) بالجواب وهو قولهم لنوح (إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) وقولهم لهود (إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ) بخلاف السّورتين ، فإنّهم أجابوا فيهما بما زعموا أنّه جواب (٨).

قوله : (أُبَلِّغُكُمْ (٩) رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ) فى قصّة نوح وقال فى قصّة هود (وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ) (١٠) لأنّ ما فى هذه الآية (أُبَلِّغُكُمْ) بلفظ المستقبل ، فعطف عليه (وَأَنْصَحُ (١١) لَكُمْ) كما فى الآية الأخرى (لَقَدْ (١٢) أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ) فعطف الماضى (على (١٣) الماضى) ، لكن فى قصّة هود قابل (١٤) باسم الفاعل قولهم له (وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ) ليقابل الاسم بالاسم.

__________________

(١) كذا فى أ ، ب والكرمانى. والأنسب : «فيقال».

(٢) سقط فى أ.

(٣) الآية ٦٠ والآية ٦٦.

(٤) أ ، ب : «وفى» والوجه ما أثبت.

(٥) الآية ٢٧.

(٦) الآية ٢٤.

(٧) أى فأتى به استئنافا من غير الفاء المشعرة بالبناء على الكلام السابق.

(٨) وهو قولهم فى هود : (ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا ..) وفى المؤمنين : (ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ..)

(٩) الآية ٦٢.

(١٠) الآية ٦٨.

(١١) فى الكرمانى سقط الواو.

(١٢) الآية ٩٣ سورة الأعراف.

(١٣) سقط فى أ.

(١٤) ب : «قال».

٢١١

قوله : (أُبَلِّغُكُمْ) فى قصّة نوح وهود بلفظ المستقبل وفى قصّة صالح (١) وشعيب(٢)(أَبْلَغْتُكُمْ) بلفظ الماضى ، لأنّ [ما](٣) فى قصّة نوح وهود وقع فى ابتداء الرّسالة ، و [ما] فى قصّة صالح وشعيب وقع فى آخر الرّسالة ، ودنوّ العذاب.

قوله : (رِسالاتِ رَبِّي) فى القصص إلّا فى قصّة صالح ؛ فإنّ فيها (رِسالَةَ) على الواحدة لأنّه سبحانه حكى عنهم بعد الإيمان بالله والتقوى أشياء أمروا بها إلّا (٤) فى قصّة صالح ؛ فإنّ فيها ذكر الناقة فقط ، فصار كأنّه رسالة واحدة. وقوله : (بِرِسالاتِي (٥) وَبِكَلامِي) مختلف (٦) فيهما.

قوله : (فَكَذَّبُوهُ (٧) فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) وفى يونس (فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ (٨) وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ) لأنّ أنجينا ونجّينا للتّعدّى ، لكنّ التشديد يدلّ على الكثرة والمبالغة ، وكان فى يونس (وَمَنْ مَعَهُ) ولفظ (مَنْ) يقع على أكثر ممّا يقع عليه (الَّذِينَ) لأنّ (مَنْ) يصلح للواحد والاثنين ، والجماعة ، والمذكر ، والمؤنّث ، بخلاف الذين فإنّه لجمع (٩) المذكر فحسب ، وكان (١٠) التّشديد مع (من) أليق.

__________________

(١) الآية ٧٩.

(٢) الآية ٩٣.

(٣) زيادة اقتضاها السياق.

(٤) ب : «لأن».

(٥) الآية ١٤٤.

(٦) فقرأ نافع وابن كثير من السبعة : برسالتى ، وقرأ أبو رجاء : «بكلمى» جمع كلمة ، وهى غير سبعية. وانظر البحر ٤ / ٣٨٧.

(٧) الآية ٦٤.

(٨) الآية ٧٣.

(٩) أ : «يجمع».

(١٠) فى الكرمانى : «فكان» وهو أنسب.

٢١٢

قوله : (وَلا تَمَسُّوها (١) بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) وفى هود ، (وَلا تَمَسُّوها (٢) بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ) وفى الشعراء (وَلا تَمَسُّوها (٣) بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ) لأنّ فى هذه السّورة بالغ فى الوعظ ، فبالغ فى الوعيد ، فقال : (عَذابٌ أَلِيمٌ) ، وفى هود لمّا اتّصل بقوله : (تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ) وصفه بالقرب فقال : (عَذابٌ قَرِيبٌ) وزاد فى الشعراء ذكر اليوم لأنّ قبله : (لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) والتقدير : لها شرب يوم معلوم ، فختم الآية بذكر اليوم ، فقال : عذاب يوم عظيم.

قوله : (فَأَخَذَتْهُمُ (٤) الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ) على الوحدة (٥) وقال : (وَأَخَذَتِ (٦) الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ) حيث ذكر الرّجفة وهى الزلزلة وحّد الدّار ، وحيث ذكر الصّيحة جمع ؛ لأنّ الصّيحة كانت من السّماء ، فبلوغها أكثر وأبلغ من الزلزلة ، فاتّصل كلّ واحد بما هو لائق به.

قوله : (ما نَزَّلَ (٧) اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) وفى غيره (أَنْزَلَ) (٨) لأنّ أفعل كما ذكرنا آنفا للتعدّى ، وفعّل للتعدّى والتّكثير ، فذكر فى الموضع الأوّل بلفظ المبالغة ؛ ليجرى مجرى ذكر الجملة والتفصيل ، أو ذكر الجنس والنّوع ، فيكون الأوّل كالجنس ، وما سواه كالنّوع.

__________________

(١) الآية ٧٣.

(٢) الآية ٦٤.

(٣) الآية ١٥٦.

(٤) الآية ٧٨.

(٥) أ : «الواحدة» وما هنا عن ب والكرمانى.

(٦) الآية ٩٤ سورة هود.

(٧) الآية ٧١.

(٨) كالآية ٤٠ سورة يوسف.

٢١٣

قوله : (وينحتون (١) الجبال بيوتا) فى هذه السّورة ، وفى غيرها (مِنَ الْجِبالِ) لأنّ [ما] فى هذه السّورة تقدّمه (مِنْ سُهُولِها قُصُوراً) فاكتفى بذلك.

قوله : (وَأَمْطَرْنا (٢) عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) وفى غيرها (فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ) لأنّ ما فى هذه وافق ما بعده وهو قوله (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ).

قوله : (وَلُوطاً (٣) إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ) بالاستفهام ، وهو استفهام تقريع وتوبيخ وإنكار ، وقال بعده : (أإنكم (٤) لتأتون) فزاد مع الاستفهام (إنّ) لأن التقريع والتّوبيخ والإنكار فى الثانى أكثر. ومثله فى النّمل : (أتأتون) (٥) وبعده أإنكم وخالف فى العنكبوت فقال : (أإنكم (٦) لتأتون الفاحشة) (أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ) فجمع بين أإنّ وأ إن وذلك لموافقة آخر القصّة ؛ فإنّ فى الآخر (إِنَّا مُنَجُّوكَ) و (إِنَّا مُنْزِلُونَ) فتأمّل فيه ؛ فإنّه صعب المستخرج.

قوله : (بَلْ (٧) أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) هنا بلفظ الاسم ، وفى النّمل (قَوْمٌ (٨) تَجْهَلُونَ) بلفظ الفعل ، أو (٩) لأنّ كلّ إسراف جهل وكلّ جهل إسراف ، ثمّ ختم الآية بلفظ الاسم ؛ موافقة لرءوس الآيات المتقدّمة ، وكلها أسماء :

__________________

(١) الآية ٧٤.

(٢) الآية ٨٤.

(٣) الآية ٨٠.

(٤) هذا فى قراءة غير نافع وحفص وأبى جعفر. أما هؤلاء فقرءوا بهمزة واحدة على الخبر.

(٥) الآية ٥٤.

(٦) الآيتان ٢٨ ، ٢٩. وقراءة ا انكم لتأتون الفاحشة عند غير نافع وابن كثير وابن عامر وحفص وأبى جعفر ويعقوب أما هؤلاء فيقرءون (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ) على الاخبار. وانظر اتحاف فضلاء البشر فى سورة العنكبوت.

(٧) الآية ٨١.

(٨) الآية ٥٥.

(٩) كذا فى أ. وفى ب والكرمانى ، والوجه حذفها.

٢١٤

للعالمين ، الناصحين ، المرسلين ، جاثمين ، كافرون ، مؤمنون ، مفسدون. وفى النّمل وافق ما قبلها من الآيات ، وكلها أفعال : تبصرون ، يتّقون ، يعلمون.

قوله : (وَما كانَ (١) جَوابَ قَوْمِهِ) بالواو فى هذه السّورة. وفى سائر السّور (فما) بالفاء ؛ لأنّ ما قبله اسم ، والفاء للتعقيب ، والتعقيب يكون مع الأفعال. فقال فى النّمل (تَجْهَلُونَ فَما كانَ) وكذلك فى العنكبوت (وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَما كانَ) وفى هذه السّورة (مُسْرِفُونَ وَما كانَ).

قوله : (أَخْرِجُوهُمْ (٢) مِنْ قَرْيَتِكُمْ) فى هذه السّورة وفى النّمل (أَخْرِجُوا (٣) آلَ لُوطٍ) ما فى هذه السّورة كناية فسّرها ما فى السورة الّتى بعدها ، وهى النّمل ويقال : نزلت النّمل أوّلا ، فصرّح فى الأولى ، وكنّى فى الثانية.

قوله : (كانت (٤) من الغارين) (هاهنا (٥) ، وفى النمل : (قَدَّرْناها (٦) مِنَ الْغابِرِينَ) أى كانت فى علم الله من الغابرين).

قوله : (بِما كَذَّبُوا (٧) مِنْ قَبْلُ) هنا وفى يونس (بِما (٨) كَذَّبُوا بِهِ) لأنّ أوّل القصّة هنا (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ (٩) الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا) وفى الآية (وَلكِنْ كَذَّبُوا) وليس بعدها الباء ، فختم القصّة بمثل ما بدأ به ، فقال : كذّبوا من قبل. وكذلك فى يونس وافق ما قبله وهو (فَكَذَّبُوهُ) (فَنَجَّيْناهُ) ثمّ

__________________

(١) الآية ٨٢.

(٢) الآية ٨٢.

(٣) الآية ٥٦.

(٤) الآية ٨٣.

(٥) سقط ما بين القوسين فى أ.

(٦) الآية ٥٧.

(٧) الآية ١٠١.

(٨) الآية ٧٤.

(٩) الآية ٩٦.

٢١٥

(كَذَّبُوا بِآياتِنا) فختم بمثل ذلك ، فقال : (بِما كَذَّبُوا بِهِ). وذهب بعض أهل العلم إلى أنّ ما فى حقّ العقلاء من التكذيب فبغير الباء ؛ نحو قوله : كذّبوا رسلى ، وكذّبوه ، وغيره ؛ وما فى حقّ غيرهم بالباء ؛ نحو كذّبوا بآياتنا وغيرها. وعند المحقّقين تقديره : فكذّبوا رسلنا بردّ آياتنا ، حيث وقع.

قوله : (كَذلِكَ (١) يَطْبَعُ اللهُ) ، وفى يونس (نَطْبَعُ)(٢) بالنون ؛ لأنّ فى هذه السّورة قد تقدّم ذكر الله سبحانه بالتّصريح (٣) ، والكناية ، فجمع بينهما فقال : (وَنَطْبَعُ (٤) عَلى قُلُوبِهِمْ) بالنّون ، وختم الآية بالتّصريح فقال : (كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ) وأمّا فى يونس فمبنىّ على ما قبله : من قوله : (فَنَجَّيْناهُ) (وَجَعَلْناهُمْ) (ثُمَّ بَعَثْنا) بلفظ الجمع ، فختم بمثله ، فقال : (كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ).

قوله : (قالَ (٥) الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ) وفى الشعراء (قالَ (٦) لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ) ؛ لأنّ التقدير فى هذه الآية : قال الملأ من قوم فرعون وفرعون بعضهم لبعض ، فحذف (فرعون) لاشتمال الملأ من قوم فرعون على اسمه ؛ كما قال : (وَأَغْرَقْنا (٧) آلَ فِرْعَوْنَ) أى آل فرعون وفرعون ، فحذف (فرعون) ، لأنّ آل فرعون اشتمل على اسمه. فالقائل هو فرعون نفسه

__________________

(١) الآية ١٠١.

(٢) الآية ٧٤.

(٣) التصريح فى قوله : (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ) والكناية فى قوله : (أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ) وانظر شيخ الاسلام على هامش تفسير الخطيب ١ / ٤٦٩ وما بعدها.

(٤) الآية ١٠٠.

(٥) الآية ١٠٩.

(٦) الآية ٣٤.

(٧) الآية ٥٠ سورة البقرة ، والآية ٥٤ سورة الأنفال.

٢١٦

بدليل الجواب ، وهو (أَرْجِهْ) بلفظ التوحيد ، والملأ هم المقول لهم ؛ إذ ليس فى الآية مخاطبون بقوله : (يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ) غيرهم. فتأمّل فيه فإنّه برهان للقرآن شاف.

قوله : (يُرِيدُ (١) أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَما ذا تَأْمُرُونَ) وفى الشعراء (مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ) (٢) لأنّ الآية (الأولى (٣) فى هذه السورة بنيت على الاقتصار [وليس (٤)] كذلك الآية) الثانية ، ولأنّ لفظ السّاحر يدل على السّحر.

قوله : (وَأَرْسِلْ) ، (٥) وفى الشعراء : (وَابْعَثْ) لأنّ الإرسال يفيد معنى البعث ، ويتضمّن نوعا من العلوّ ؛ لأنه يكون من فوق ؛ فخصّت هذه السّورة به ، لمّا التبس ؛ ليعلم أنّ المخاطب به فرعون دون غيره.

قوله : (بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ) وفى الشّعراء بكلّ (سَحَّارٍ) لأنّه راعى ما قبله فى هذه السّورة وهو قوله : (إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ) وراعى فى الشّعراء الإمام (٦) فإنّ فيه (بِكُلِّ سَحَّارٍ بالألف) وقرئ (٧) فى هذه السّورة (بكلّ سحّار) أيضا طلبا للمبالغة وموافقة لما فى الشعراء.

قوله : (وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قالُوا) وفى الشعراء (فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ) لأنّ القياس فى هذه السّورة وجاء السّحرة فرعون وقالوا ، أو فقالوا ، لا بدّ من ذلك ؛ لكن أضمر فيه (فلمّا) فحسن حذف الواو.

__________________

(١) الآية ١١٠.

(٢) الآية ٣٥.

(٣) سقط ما بين القوسين فى أ.

(٤) زيادة يقتضيها السياق.

(٥) الآية ١١٢.

(٦) أى المصحف الامام المعتمد فى الرسم.

(٧) هى قراءة حمزة والكسائى وخلف ، كما فى اتحاف فضلاء البشر.

٢١٧

وخصّ هذه السّورة بإضمار (فلمّا) لأنّ ما فى هذه السّورة وقع على الاختصار والاقتصار (١) على ما سبق. وأمّا تقديم فرعون وتأخيره فى الشعراء لأنّ (٢) التّقدير فيهما : فلمّا جاء السّحرة فرعون قالوا لفرعون ، فأظهر الأول فى هذه السّورة لأنّها الأولى ، وأظهر الثّانى فى الشّعراء ؛ لأنّها الثانية.

قوله : (قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) وفى الشّعراء (إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) (إذا) فى هذه السّورة مضمرة مقدّرة ؛ لأن (إذا) جزاء ، ومعناه : إن غلبتم قرّبتكم ، ورفعت منزلتكم. وخصّ هذه السّورة بالإضمار اختصارا.

قوله : (إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ) وفى طه (وَإِمَّا أَنْ (٣) نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى) راعى فى السّورتين أواخر الآى. ومثله (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ) فى السّورتين (٤) ، وفى طه (سُجَّداً) وفى (السّورتين) (٥) أيضا (آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ) وليس فى طه (بِرَبِّ الْعالَمِينَ) وفى السّورتين (رَبِّ مُوسى وَهارُونَ) وفى طه (بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى) (وفى (٦) هذه السورة : (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ) [وفى الشعراء : فلسوف تعلمون لأقطعن](٧) وفى طه (فَلَأُقَطِّعَنَّ) وفى السّورتين [ولأصلبنكم أجمعين ، وفى طه](٨) : (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ). وهذا كلّه لمراعاة فواصل الآى ؛ لأنّها مرعيّة يبتنى (٩) عليها مسائل كثيرة.

__________________

(١) أ : «الاختصار» وما أثبت عن ب والكرمانى.

(٢) كذا والمناسب : «فلأن».

(٣) الآية ٦٥.

(٤) يريد الأعراف والشعراء.

(٥) يريد الأعراف والشعراء.

(٦) سقط ما بين القوسين فى.

(٧) زيادة من الكرمانى.

(٨) زيادة من الكرمانى.

(٩) فى الكرمانى : «ينبنى».

٢١٨

قوله : (آمَنْتُمْ بِهِ) ((١) : آمَنْتُمْ) (لَهُ)(٢) لأنّ هنا يعود إلى ربّ العالمين وهو المؤمن (به) سبحانه وفى السورتين يعود إلى موسى ؛ لقوله (إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ) وقيل آمنتم به وآمنتم له واحد.

قوله : (قالَ فِرْعَوْنُ) (وفى السورتين (٣) : (قالَ آمَنْتُمْ) ، لأن هذه السورة مقدّمة على السّورتين فصرّح) (٤) فى الأولى ، وكنى فى الأخريين ، وهو القياس. وقال الإمام (٥) : لأنّ [ما](٦) هنا بعد عن ذكر فرعون فصرّح (٧) وقرب فى السّورتين ذكره فكنى.

قوله : (ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ) وفى السّورتين (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ) ؛ لأنّ (ثمّ) يدلّ على أنّ الصّلب يقع بعد التقطيع ، وإذا دلّ فى الأولى علم فى غيرها ، ولأنّ الواو يصلح لما يصلح له (ثمّ).

قوله : (إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ) وفى الشعراء (لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ) بزيادة (لا ضَيْرَ) لأنّ هذه السّورة اختصرت فيها القصّة ، وأشبعت فى الشعراء ، وذكر فيها أوّل أحوال موسى مع فرعون ، إلى آخرها ، فبدأ بقوله : (٨) (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً) وختم بقوله ثمّ (أَغْرَقْنَا (٩) الْآخَرِينَ) فلهذا وقع زوائد لم تقع فى الأعراف وطه ، فتأمّل تعرف إعجاز التنزيل.

قوله (١٠) (يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُقَتِّلُونَ) بغير واو على البدل. وقد سبق.

__________________

(١) يريد سورتى طه والشعراء.

(٢) سقط ما بين القوسين فى «أ».

(٣) يريد سورتى طه والشعراء.

(٤) سقط ما بين القوسين فى «أ».

(٥) أى الخطيب الاسكافى. وانظر درة التنزيل ١٥٢.

(٦) زيادة اقتضاها السياق. وقد يكون الأصل : «لأن هنا بعد ذكر فرعون» ، كما فى مقابله فى حديث القرب.

(٧) أ ، ب : «وصرح» وما أثبت عن الكرمانى.

(٨) الآية ١٨.

(٩) الآية ٦٦.

(١٠) الآية ١٤١.

٢١٩

قوله : (لا أَمْلِكُ (١) لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللهُ) هنا وفى يونس : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي (٢) ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلَّا ما شاءَ اللهُ) لأنّ أكثر ما جاء فى القرآن من لفظ الضرّ والنفع معا جاء بتقديم لفظ الضّرّ ؛ لأنّ العابد يعبد معبوده خوفا من عقابه أوّلا ، ثمّ طمعا فى ثوابه ثانيا. يقوّيه قوله : (يَدْعُونَ (٣) رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً) ، وحيث تقدم النفع تقدّم لسابقة لفظ تضمّن نفعا. وذلك فى ثمانية مواضع : ثلاثة منها بلفظ الاسم ، وهى هاهنا والرّعد (٤) وسبأ (٥). وخمسة بلفظ الفعل وهى فى الأنعام (ما لا (٦) يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا) وفى آخر يونس (ما لا (٧) يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ) وفى الأنبياء (ما لا يَنْفَعُكُمْ (٨) شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ) وفى الفرقان (ما لا يَنْفَعُهُمْ (٩) وَلا يَضُرُّهُمْ) وفى الشعراء (أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ (١٠) أَوْ يَضُرُّونَ) أمّا فى هذه السورة فقد تقدّمه (مَنْ يَهْدِ (١١) اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ) فقدّم الهداية على الضّلالة. وبعد ذلك (لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ) فقدّم الخير على السّوء ، فكذلك (١٢) قدّم النّفع على الضرّ وفى الرّعد (طَوْعاً وَكَرْهاً) فقدّم الطّوع وفى سبأ (يَبْسُطُ (١٣) الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) فقدّم البسط. وفى يونس قدّم الضّرّ على الأصل ولموافقته ما قبلها (لا يَضُرُّهُمْ (١٤) وَلا يَنْفَعُهُمْ) وفيها (وَإِذا مَسَ (١٥) الْإِنْسانَ الضُّرُّ) فتكرّر فى الآية ثلاث مرّات. وكذلك ما جاء

__________________

(١) الآية ١٨٨.

(٢) الآية ٤٩.

(٣) الآية ١٦ سورة السجدة.

(٤) الآية ١٦ وهو منصوب على نزع الخافض أى فى الرعد.

(٥) الآية ٤٢

(٦) الآية ٧١.

(٧) الآية ١٠٦.

(٨) الآية ٦٦.

(٩) الآية ٥٥.

(١٠) الآية ٧٣.

(١١) الآية ١٧٨.

(١٢) كذا والأنسب : «فلذلك».

(١٣) الآية ٣٦.

(١٤) الآية ١٨.

(١٥) الآية ١٢

٢٢٠