بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ١

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ١

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٧٨

تَشْتَرُوا) وفى البقرة وغيرها (وَاخْشَوْنِي) بإثبات الياء ، لأنّ الإثبات هو الأصل ، وحذف و (اخْشَوْنِ الْيَوْمَ) من الخطّ لمّا حذف من اللفظ ، وحذف (وَاخْشَوْنِ ولا) موافقة لما قبلها.

قوله : (وَاتَّقُوا اللهَ (١) إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) ثمّ أعاد فقال : (وَاتَّقُوا اللهَ (٢) إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) لأنّ الأوّل وقع على النّيّة ، وهى ذات الصّدور ، والثانى على العمل. وعن ابن كثير أنّ الثانية نزلت فى اليهود ، وليس بتكرار.

قوله : (وَعَدَ اللهُ (٣) الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) وقال فى الفتح (وَعَدَ اللهُ (٤) الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) وقع ما فى هذه السّورة موافقة لفواصل الآى ، ونصب ما فى الفتح موافقة للفواصل أيضا ، ولأنّه مفعول (وَعَدَ) ، وفى مفعول(وَعَدَ) فى هذه السّورة أقوال : أحدها محذوف دلّ عليه (وَعَدَ) خلاف ما دل عليه أوعد أى خيرا. وقيل : محذوف ، وقوله : (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) تفسيره. وقيل : (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) جملة وقعت موقع المفرد ، ومحلّها نصب ، كقول الشّاعر :

وجدنا الصّالحين لهم جزاء

وجنّات وعينا سلسبيلا

فعطف (جنات) على محل (لهم جزاء). وقيل : رفع على الحكاية ، لأنّ الوعد قول ؛ وتقديره قال الله : لهم مغفرة. وقيل : تقديره : أن لهم مغفرة ، فحذف (أنّ) فارتفع ما بعده.

__________________

(١) الآية ٧

(٢) الآية ٨

(٣) الآية ٩

(٤) الآية ٢٩

١٨١

قوله : (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ (١) عَنْ مَواضِعِهِ) وبعده (يُحَرِّفُونَ (٢) الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ) لأنّ الأولى فى أوائل اليهود ، والثّانية فيمن كانوا فى زمن النّبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أى حرّفوها بعد أن وضعها الله مواضعها ، وعرفوها وعملوا بها زمانا.

قوله : (وَنَسُوا (٣) حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) كرّر لأنّ الأولى [فى (٤) اليهود] والثانية فى حقّ النّصارى. والمعنى : لن ينالوا منه نصيبا. وقيل : معناه : تركوا بعض ما أمروا به.

قوله : (يا أَهْلَ الْكِتابِ (٥) قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ) ثمّ كرّرها ، فقال : (يا أَهْلَ الْكِتابِ) لأنّ الأولى نزلت فى اليهود حين كتموا (صفات (٦) النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وآية الرجم من التوراة ، والنصارى حين كتموا) بشارة عيسى بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى الإنجيل ، وهو قوله : (يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ) ثمّ كرّر (٧) فقال : (وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى (٨) نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) فكرّر (يا أَهْلَ الْكِتابِ (٩) قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ) أى شرائعكم فإنكم على ضلال لا يرضاه الله ، (عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ) أى على انقطاع منهم ودروس ممّا جاءوا به.

قوله : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ (١٠) وَما بَيْنَهُما يَخْلُقُ ما يَشاءُ) ،

__________________

(١) الآية ١٣

(٢) الآية ٤١

(٣) الآية ١٣

(٤) زيادة من الكرمانى

(٥) الآية ١٥

(٦) سقط ما بين القوسين فى أ

(٧) أ ، ب : «تكرر» وما أثبت عن الكرمانى

(٨) الآية ١٨

(٩) الآية ١٩

(١٠) الآية ١٧

١٨٢

ثم كرّر فقال : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ (١) وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) لأنّ الأولى نزلت فى النّصارى حين قالوا : إنّ الله هو المسيح بن مريم ، فقال : ولله ملك السّماوات والأرض وما بينهما ليس فيهما معه شريك ، ولو كان عيسى إلها لاقتضى أن يكون معه شريكا ، ثمّ من يذبّ عن المسيح وأمّه وعمّن فى الأرض جميعا إن أراد إهلاكهم ، فإنّهم مخلوقون له ، وإنّ قدرته شاملة عليهم ، وعلى كل ما يريد بهم. والثانية نزلت فى اليهود والنصارى حين قالوا : نحن أبناء الله وأحبّاؤه فقال : ولله ملك السّماوات والأرض وما بينهما ، والأب لا يملك (٢) ابنه ولا يعذّبه ، وأنتم مصيركم إليه ، فيعذّب من يشاء منكم ، ويغفر لمن يشاء.

قوله : (وَإِذْ قالَ مُوسى (٣) لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا) وقال فى سورة إبراهيم (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا) (٤) لأنّ تصريح اسم المخاطب مع حرف الخطاب يدلّ على تعظيم المخاطب به (٥) و [لمّا (٦)] كان ما فى هذه السّورة نعما جساما ما عليها من مزيد وهو قوله (جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) صرّح (٧) ، فقال : يا قوم ، ولموافقة ما قبله وما بعده من النداء وهو (يا قَوْمِ ادْخُلُوا) (يا مُوسى إِنَّ فِيها) (يا مُوسى إِنَّا) ولم يكن ما فى إبراهيم بهذه المنزلة فاقتصر على حرف (٨) الخطاب.

__________________

(١) الآية ١٨

(٢) فى الكرمانى : «يهلك»

(٣) الآية ٢٠

(٤) الآية ٦

(٥) سقط فى أ

(٦) زيادة اقتضاها السياق

(٧) أ ، ب : «صريح»

(٨) أ ، ب : «حذف» ويريد بحرف الخطاب داله وهو «اذكروا».

١٨٣

قوله : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ (١) بِما أَنْزَلَ اللهُ) كرّره ثلاث مرّات ، وختم الأولى بقوله : الكافرون ، والثانية بقوله : الظّالمون ، والثالثة بقوله : الفاسقون ، قيل : لأنّ الأولى نزلت فى حكّام المسلمين ، والثانية فى اليهود ، والثالثة فى النّصارى. وقيل : الكافر والظّالم والفاسق كلّها بمعنى واحد ، وهو الكفر ، عبّر عنه بألفاظ مختلفة ؛ لزيادة الفائدة ، واجتناب صورة التكرار. وقيل : ومن لم يحكم بما أنزل الله إنكارا له فهو كافر ، ومن لم يحكم بالحقّ جهلا وحكم بضدّه فهو فاسق ، ومن لم يحكم بالحق مع اعتقاده وحكم بضدّه فهو ظالم ، وقيل : ومن لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر بنعمة الله ، ظالم فى حكمه ، فاسق فى فعله.

قوله : (لَقَدْ كَفَرَ (٢) الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) (لَقَدْ (٣) كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ) كرّر لأنّ النّصارى اختلفت أقوالهم ، فقالت اليعقوبيّة : الله تعالى ربّما تجلّى (٤) فى بعض الأزمان فى شخص ، فتجلّى (٥) يومئذ فى شخص عيسى ، فظهرت منه المعجزات. وقالت الملكانيّة الله (٦) اسم يجمع أبا وابنا وروح القدس ، اختلف (٧) بالأقانيم (٨) والذات واحدة. فأخبر الله عزوجل أنّهم كلّهم كفّار.

قوله : (لَهُمْ جَنَّاتٌ (٩) تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً

__________________

(١) الآية ٤٤

(٢) الآية ٧٢

(٣) الآية ٧٣

(٤) أ ، ب : «يحكى» وما أثبت عن الكرمانى وشيخ الاسلام ١ / ٢٨٧

(٥) أ ، ب : «فحكى» وما أثبت عن الكرمانى

(٦) لم يثبت فى أ

(٧) أ ، ب : «اختلفت» وما أثبت عن الكرمانى

(٨) كذا فى ب. وفى أ : «فى الأقاليم»

(٩) الآية ١١٩

١٨٤

رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) ذكر فى هذه السّورة هذه الخلال جملة ؛ لأنها أوّل ما ذكرت ، ثمّ فصّلت.

فضل السّورة

عن ابن عمر أنّه قال : نزلت هذه السّورة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو على راحلته ، فلم يستطع أن تحمله ، حتى نزل عنها. ويروى بسند (١) ضعيف : من قرأ هذه السّورة أعطى من الأجر بعدد كلّ يهودىّ ونصرانىّ فى دار الدّنيا عشر حسنات ، ومحى عنه عشر سيّئات ، ورفع له عشر درجات. وفى رواية : من قرأ هذه السّورة أعطى بكل يهودىّ ونصرانىّ على وجه الأرض ذرّات ، بكلّ ذرّة منها حسنة ، ودرجات (٢) كلّ درجة منها أوسع من المشرق إلى المغرب سبعمائة ألف ألف ؛ ضعيف (٣). ويروى أنّه قال : يا علىّ من قرأ سورة المائدة شفع له عيسى ، وله من الأجر مثل أجور حواريّى عيسى ، ويكتب له بكلّ آية قرأها مثل ثواب عمّار بيت المقدس.

__________________

(١) قال الشهاب فى حاشيته على البيضاوى ٣ / ٣٠٧ : انه «موضوع كما ذكره ابن الجوزى من حديث أبى رضى الله عنه المشهور»

(٢) أ ، ب : «درجة» والمناسب ما أثبت

(٣) كذا فى أ ، ب ، وقد يكون «ضعف»

١٨٥

٦ ـ بصيرة فى

الحمد لله الذى خلق

السّماوات والأرض ..

هذه السورة مكّيّة ، سوى ستّ آيات منها : (وَما (١) قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) إلى آخر ثلاث آيات (قُلْ (٢) تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ) الى آخر ثلاث آيات. هذه الآيات السّت نزلت بالمدينة فى مرّتين ، وباقى السّورة نزلت (٣) بمكة دفعة واحدة.

عدد آياتها مائة وخمس وستون آية عند الكوفيّين ، وستّ عند البصريّين والشّاميّين ، وسبع عند الحجازىّ.

وعدد كلماتها ثلاثة آلاف واثنتان (٤) وخمسون كلمة وعدد حروفها اثنا عشر ألفا ومائتان وأربعون.

والمختلف فيها أربع آيات (الظُّلُماتِ (٥) وَالنُّورَ) (بِوَكِيلٍ (٦) كُنْ فَيَكُونُ (٧) إِلى صِراطٍ (٨) مُسْتَقِيمٍ).

فواصل آياتها (ل م ن ظ ر) يجمعها (لم نظر).

__________________

(١) الآية ٩١

(٢) الآية ١٥١

(٣) كذا ، وهو خبر عن «باقى» وكأنه ذهب به مذهب الآيات فأنث

(٤) أ ، ب : «اثنان»

(٥) فى الآية ١

(٦) الآية ٦٦

(٧) فى الآية ٧٣

(٨) الآية ١٦١

١٨٦

ولهذه السّورة اسمان : سورة الأنعام ، لما فيه (١) من ذكر الأنعام مكرّرا (وَقالُوا (٢) هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ) (وَمِنَ الْأَنْعامِ (٣) حَمُولَةً وَفَرْشاً) (وَأَنْعامٌ (٤) لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا) ، وسورة الحجّة ؛ لأنّها مقصورة على ذكر حجّة النبوّة. وأيضا تكرّرت فيه الحجّة (وَتِلْكَ (٥) حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ (٦) قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ).

مقصود السّورة على سبيل الإجمال ، ما اشتمل على ذكره : من تخليق السّماوات والأرض ، وتقدير النّور والظلمة ، وقضاء آجال الخلق ، والرّد على منكرى النبوّة ، وذكر إنكار الكفّار فى القيامة ، وتمنّيهم (٧) الرّجوع إلى الدّنيا ، وذكر تسلية الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن تكذيب المكذّبين ، وإلزام الحجّة على الكفار ، والنّهى عن إيذاء الفقراء ، واستعجال الكفّار بالعذاب ، واختصاص الحقّ تعالى بالعلم المغيّب ، وقهره ، وغلبته على المخلوقات ، والنّهى عن مجالسة النّاقضين ومؤانستهم ، وإثبات البعث والقيامة ، وولادة الخليل (٨) عليه‌السلام ، وعرض الملكوت عليه ، واستدلاله حال خروجه من الغار ، ووقوع نظره على الكواكب (٩) ، والشمس ، والقمر ، ومناظرة قومه ، وشكاية أهل الكتاب ، وذكرهم حالة النزع ، وفى (١٠) القيامة ، وإظهار برهان التّوحيد ببيان البدائع والصّنائع ،

__________________

(١) كذا ، فى أ ، ب. ذهب بها مذهب القرآن أو المقروء فذكر

(٢) الآية ١٣٨

(٣) الآية ١٤٢

(٤) الآية ١٣٨

(٥) الآية ٨٣

(٦) الآية ١٤٩

(٧) أ ، ب : «تمناهم»

(٨) ب : «خليل»

(٩) أ : «كواكب»

(١٠) سقط فى أ

١٨٧

والأمر بالإعراض عن المشركين ، والنّهى عن سبّ الأصنام وعبّادها ، ومبالغة الكفّار فى الطّغيان ، والنّهى عن أكل ذبائح الكفّار ، ومناظرة الكفار ، ومحاورتهم (١) فى القيامة ، وبيان شرع عمرو (٢) بن لحىّ فى الأنعام بالحلال والحرام ، وتفصيل محرّمات الشريعة الإسلامية ، ومحكمات آيات القرآن ، والأوامر والنّواهى من قوله تعالى : (قُلْ تَعالَوْا) إلى آخر ثلاث آيات ، وظهور أمارات القيامة ، وعلاماتها فى الزّمن الأخير ، وذكر جزاء الإحسان الواحد بعشرة ، وشكر الرّسول على تبرّيه (٣) من الشرك ، والمشركين ، ورجوعه إلى الحق فى محياه ومماته ، وذكر خلافة الخلائق ، وتفاوت درجاتهم ، وختم السّورة بذكر سرعة عقوبة الله لمستحقّيها ، ورحمته ، ومغفرته لمستوجبيها ، بقوله : (إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ).

النّاسخ والمنسوخ :

الآيات المنسوخة فى السّورة أربع عشرة آية (إِنِّي أَخافُ (٤) إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي) م (لِيَغْفِرَ (٥) لَكَ اللهُ) ن (قُلْ لَسْتُ (٦) عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) م آية السّيف ن (وَإِذا (٧) رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ) إلى قوله (وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ) م (فَلا (٨) تَقْعُدُوا مَعَهُمْ) ن (وَذَرِ (٩) الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ) م (قاتِلُوا (١٠)

__________________

(١) أ ، ب : «مجاورتهم»

(٢) هو جاهلى من خزاعة. ويقال : انه اول من غير دين اسماعيل ، فنصب الأوثان وبحر البحيرة وسيب السائبة ، وفعل بالانعام ما أنكره القرآن ، وانظر سيرة ابن هشام على هامش الروض ١ / ٦١

(٣) كذا بالياء يريد تبرؤه. والتخفيف فى مثل هذا لا ينقاس.

(٤) الآية ١٥

(٥) الآية ٢ سورة الفتح

(٦) الآية ٦٦

(٧) الآية ٦٨

(٨) الآية ١٤٠ سورة النساء

(٩) الآية ٧٠

(١٠) الآية ٢٩ سورة التوبة

١٨٨

الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) ن (قُلِ اللهُ (١) ثُمَّ ذَرْهُمْ) م آية السّيف ن (فَمَنْ (٢) أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ) م آية السّيف ن (وَلا تَسُبُّوا (٣) الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) م آية السّيف ن (فَذَرْهُمْ (٤) وَما يَفْتَرُونَ) م آية السّيف ن (وَلا تَأْكُلُوا (٥) مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) م (الْيَوْمَ (٦) أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) ن (اعْمَلُوا (٧) عَلى مَكانَتِكُمْ) م آية السّيف ن (إِنَّ الَّذِينَ (٨) فَرَّقُوا دِينَهُمْ) م آية السّيف ن.

المتشابهات :

قوله : (فَقَدْ كَذَّبُوا (٩) بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ) وفى (فَقَدْ كَذَّبُوا (١٠) فَسَيَأْتِيهِمْ) لأنّ سورة الأنعام متقدّمة فقيّد (١١) التكذيب بقوله : (بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ) ثمّ قال : (فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ) على التمام ، وذكر فى الشعراء (فَقَدْ كَذَّبُوا) مطلقا ؛ لأن تقييده فى هذه السّورة يدلّ عليه ، ثمّ اقتصر على السّين هناك بدل (فسوف) ليتّفق اللفظان فيه على الاختصار.

قوله (أَلَمْ (١٢) يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا) فى بعض المواضع بغير واو ؛ كما فى هذه السّورة ، وفى بعضها بالواو ، وفى بعضها بالفاء ؛ هذه الكلمة تأتى فى القرآن على وجهين : أحدهما متّصل بما كان الاعتبار فيه بالمشاهدة ، فذكره بالألف

__________________

(١) الآية ٩١

(٢) الآية ١٠٤

(٣) الآية ١٠٨

(٤) الآية ١١٢

(٥) الآية ١٢١

(٦) الآية ٥ سورة المائدة

(٧) الآية ١٣٥

(٨) الآية ١٥٩

(٩) الآية ٥

(١٠) الآية ٦

(١١) أ ، ب : «فمقيد»

(١٢) الآية ٦

١٨٩

والواو ، ليدلّ الألف على الاستفهام ، والواو على عطف جملة على جملة قبلها ، وكذا الفاء ، ولكنّها أشدّ اتّصالا بما قبلها ، والثانى متّصل بما الاعتبار فيها (١) بالاستدلال ، فاقتصر على الألف دون الواو والفاء ، ليجرى مجرى الاستئناف ؛ ولا ينقض هذا الأصل قوله (أَلَمْ (٢) يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ) فى النّحل ؛ لاتّصالها بقوله (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ (٣) مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ) وسبيله (٤) الاعتبار. بالاستدلال ، فبنى عليه (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ).

قوله (قُلْ سِيرُوا (٥) فِي الْأَرْضِ (٦)) (ثُمَّ انْظُرُوا) فى هذه السورة فحسب. وفى غيرها : (سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا) لأنّ ثمّ للتراخى ، والفاء للتعقيب ، وفى هذه السّورة تقدّم ذكر القرون فى قوله (كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ) ثمّ قال (وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ) فأمروا باستقراء (٧) الدّيار ، وتأمّل الآثار ، وفيها كثرة (٨) فيقع ذلك (فى) (٩) سير بعد سير ، وزمان بعد زمان ، فخصّت بثمّ الدّالة (١٠) على التّراخى بعد (١١) الفعلين ، ليعلم أنّ السّير مأمور به على حدة ؛ ولم يتقدّم فى (١٢) سائر السّور مثلها ، فخصّت بالفاء الدّالة (١٣) على التعقيب.

قوله (الَّذِينَ (١٤) خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) ليس بتكرار لأنّ الأوّل فى حقّ الكفّار ، (والثانى) (١٥) فى حقّ أهل الكتاب.

__________________

(١) كذا فى أ ، ب. وقد أوقع (ما) على الآيات فأنث.

(٢) لآية ٧٩

(٣) الآية ٧٨

(٤) أ ، ب : «وسيلة» وما أثبت عن الكرمانى

(٥) الآية ١١

(٦) زيادة من الكرمانى ، وانظر درة التنزيل ٩٣

(٧) أ ، ب : «باستقرار». والتصحيح من درة التنزيل

(٨) أ : «كثيرة»

(٩) سقط فى أ

(١٠) ب : «الدلالة»

(١١) فى الكرمانى : «من»

(١٢) أ ، ب : «على» وما أثبت عن الكرمانى

(١٣) ب : «الدلالة» وسقطت الكلمة فى أ

(١٤) الآية ١٢ ، والآية ٢٠

(١٥) سقط فى أ

١٩٠

قوله (وَمَنْ (١) أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ (٢) الظَّالِمُونَ) وقال فى يونس (فمن) بالفاء ، وختم الآية بقوله (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ (٣) الْمُجْرِمُونَ) لأنّ الآيات الّتى تقدّمت فى هذه السّورة عطف بعضها على بعض بالواو ، وهو قوله (وَأُوحِيَ (٤) إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ... وَإِنَّنِي بَرِيءٌ) ثمّ قال : (وَمَنْ أَظْلَمُ) وختم الآية بقوله : (الظَّالِمُونَ) ليكون آخر الآية موافقا (٥) للأول. وأما فى سورة يونس فالآيات التى تقدمت عطف بعضها على بعض بالفاء وهو قوله : (فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) ثم قال : (فَمَنْ أَظْلَمُ) (بالفاء وختم الآية] بقوله : (الْمُجْرِمُونَ) أيضا موافقة لما قبلها وهو قوله : (كَذلِكَ (٦) نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) فوصفهم بأنّهم مجرمون ، وقال بعده (ثُمَ (٧) جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ) فختم الآية بقوله : المجرمون ليعلم أنّ سبيل (هؤلاء (٨) سبيل) من تقدّمهم.

قوله : (وَمِنْهُمْ (٩) مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) وفى يونس (يَسْتَمِعُونَ) (١٠) لأنّ ما فى هذه السّورة نزل فى أبى سفيان ، والنّضر بن الحارث ، وعتبة ، وشيبة ، وأميّة ، وأبىّ بن خلف ، فلم يكثروا ككثرة قوله (مِنْ) فى يونس لأنّ المراد بهم جميع الكفّار ، فحمل هاهنا مرّة على لفظ (من) فوحّد ؛

__________________

(١) الآية ٢١

(٢) ما بين المعقوفتين سقط فى «أ»

(٣) الآية ١٧

(٤) الآية ١٩

(٥) ما بين المعقوفتين سقط فى «أ»

(٦) الآية ١٣

(٧) الآية ١٤

(٨) ما بين المعقوفتين سقط فى «أ»

(٩) الآية ٢٥

(١٠) الآية ٤٢

١٩١

لقلّتهم ، ومرّة على المعنى ، فجمع ؛ لأنّهم وإن قلّوا جماعة. وجمع ما فى يونس ليوافق اللّفظ المعنى. وأمّا قوله فى يونس : (وَمِنْهُمْ مَنْ (١) يَنْظُرُ إِلَيْكَ) فسيأتى فى موضعه إن شاء الله تعالى.

قوله : (وَلَوْ (٢) تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ) ثمّ أعاد فقال : (وَلَوْ تَرى (٣) إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ) لأنّهم أنكروا النّار فى القيامة ، وأنكروا الجزاء والنّكال ، فقال فى الأولى : (إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ) ، وفى الثّانية (عَلى رَبِّهِمْ) أى جزاء ربّهم ونكاله فى النار ، وختم بقوله : (فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ).

قوله : (إِنْ هِيَ (٤) إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) ليس غيره. وفى غيرها بزيادة (نَمُوتُ وَنَحْيا) لأنّ ما فى هذه السّورة عند كثير من المفسرين متّصل بقوله ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه وقالوا إن هى إلّا حياتنا الدنيا الدنيا وما نحن بمبعوثين ولم يقولوا (٥) ذلك ، بخلاف ما فى سائر السّور ؛ فإنهم قالوا ذلك ، فحكى الله تعالى عنهم.

قوله : (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا (٦) إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) قدّم اللّعب على اللهو فى موضعين هنا ، وكذلك فى القتال (٧) ، والحديد (٨) ، وقدّم اللهو على اللّعب فى الأعراف (٩) ، والعنكبوت (١٠) ، وإنما قدّم اللّعب فى الأكثر لأنّ

__________________

(١) الآية ٤٣

(٢) الآية ٢٧

(٣) الآية ٣٠

(٤) الآية ٢٩

(٥) لان «قالُوا إِنْ هِيَ ..» عطف على جملة (لَعادُوا) التى هى جواب لو الامتناعية التى تدل على امتناع جوابها وانتفائه. وهذا وجه فى الآية ، وراجع البيضاوى

(٦) الآية ٣٢

(٧) الآية ٣٦

(٨) الآية ٢٠

(٩) الآية ٥١

(١٠) الآية ٦٤

١٩٢

اللعب زمانه الصبا واللهو زمانه الشباب ، وزمان الصبا مقدّم على زمان الشباب. يبيّنه ما ذكر فى الحديد (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ) كلعب الصبيان (١) (وَلَهْوٌ) كلهو الشبّان (٢) (وَزِينَةٌ) كزينة النّسوان (وَتَفاخُرٌ) كتفاخر الإخوان (وَتَكاثُرٌ) كتكاثر السّلطان. وقريب من هذا فى تقديم لفظ اللعب على اللهو قوله (وَما بَيْنَهُما (٣) لاعِبِينَ لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا) وقدّم اللهو فى الأعراف لأنّ ذلك فى القيامة ، فذكر على ترتيب ما انقضى ، وبدأ بما به الإنسان انتهى من الحالتين. وأما العنكبوت فالمراد بذكرها زمان الدّنيا ، وأنّه سريع الانقضاء ، قليل البقاء ، وإنّ الدّار الآخرة لهى الحيوان أى الحياة الّتى لا بداية لها ، ولا نهاية لها ، فبدأ بذكر اللهو ؛ لأنّه فى زمان الشّباب ، وهو أكثر من زمان اللعب ، وهو زمان الصّبا.

قوله : (أَرَأَيْتَكُمْ (٤) إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ) ثمّ قال : (أَرَأَيْتَكُمْ (٥) إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً) وليس لهما ثالث. وقال : فيما بينهما (أَرَأَيْتُمْ)(٦) وكذلك فى غيرها ، ليس لهذه الجملة فى العربيّة نظير ، لأنّه جمع بين علامتى خطاب ، وهما التاء والكاف ، والتّاء اسم بالإجماع ، والكاف حرف عند البصريين يفيد الخطاب فحسب ، والجمع بينهما يدلّ على أن ذلك تنبيه على شيء ، ما عليه من مزيد ، وهو ذكر

__________________

(١) ب : «صبيان»

(٢) أ ، ب : «الشباب والانسب بالسجع ما أثبت»

(٣) الآيتان ١٦ ، ١٧ سورة الأنبياء

(٤) الآية ٤٠

(٥) الآية ٤٧

(٦) الآية ٤٦

١٩٣

الاستئصال بالهلاك ، وليس فيما سواهما ما يدلّ على ذلك ، فاكتفى بخطاب واحد والله أعلم.

قوله (لَعَلَّهُمْ (١) يَتَضَرَّعُونَ) فى هذه السورة ، وفى الأعراف : (يَضَّرَّعُونَ) (٢) بالإدغام لأنّ هاهنا وافق ما بعده وهو قوله : (جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا) ومستقبل تضرّعوا يتضرّعون لا غير. قوله : (انْظُرْ (٣) كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ) مكرّر ؛ لأنّ التقدير : انظر كيف نصرّف الآيات ثمّ هم يصدفون عنها ؛ فلا نعرض عنهم بل نكرّرها لعلهم يفقهون.

قوله : (قُلْ (٤) لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ) فكرّر (لَكُمْ) وقال فى هود (وَلا (٥) أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ) فلم يكرّر (لَكُمْ) لأنّ فى هود تقدّم (إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ) وعقبه (وَما نَرى لَكُمْ) وبعده (أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ) فلمّا تكرّر (لكم) فى القصّة أربع مرّات اكتفى بذلك.

قوله : (إِنْ هُوَ (٦) إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ) فى هذه السّورة ، وفى سورة يوسف : (إِنْ هُوَ (٧) إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) منوّنا ؛ لأنّ فى هذه السّورة تقدّم (بَعْدَ (٨) الذِّكْرى) (وَلكِنْ (٩) ذِكْرى) فكان (الذِّكْرى) أليق بها.

قوله : (يُخْرِجُ (١٠) الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ) فى هذه السّورة ، وفى آل عمران : (وَتُخْرِجُ (١١) الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ)

__________________

(١) الآية ٤٢

(٢) الآية ٩٤

(٣) الآية ٤٦ ، والآية ٦٥ ، والآية ١٠٥

(٤) الآية ٥٠

(٥) الآية ٣١.

(٦) الآية ٩٠.

(٧) الآية ١٠٤.

(٨) الآية ٦٨

(٩) الآية ٦٩.

(١٠) الآية ٩٥

(١١) الآية ٢٧.

١٩٤

وكذلك فى الرّوم (١) ، ويونس (٢) (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ) لأنّ [ما](٣) فى هذه السّورة وقعت بين أسماء الفاعلين وهو فالق الحبّ ، فالق الإصباح وجاعل (٤) اللّيل سكنا ، واسم الفاعل يشبه الاسم من وجه ، فيدخله الألف واللّام ، والتنوين ، والجرّ (من وجه) (٥) وغير ذلك ، ويشبه الفعل من وجه ، فيعمل عمل الفعل ، ولا يثنى (٦) و (لا) (٧) يجمع إذا عمل ، وغير ذلك. ولهذا جاز العطف عليه بالاسم نحو قوله : الصّابرين والصّادقين ، وجاز العطف عليه بالفعل نحو قوله : (إِنَ (٨) الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً) ، ونحو قوله : (سَواءٌ (٩) عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ) فلمّا وقع بينهما ذكر (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) بلفظ الفعل و (مُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ) بلفظ الاسم ؛ عملا بالشّبهين (١٠) وأخّر لفظ الاسم ؛ لأنّ الواقع بعده اسمان ، والمتقدّم اسم واحد ، بخلاف ما فى آل عمران ؛ لأنّ ما قبله وما بعده أفعال. وكذلك فى يونس والرّوم قبله وبعده أفعال. فتأمّل فيه ؛ فإنّه من معجزات القرآن.

قوله (قَدْ (١١) فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) ثمّ قال : (قَدْ (١٢) فَصَّلْنَا الْآياتِ

__________________

(١) الآية ١٩.

(٢) الآية ٣١.

(٣) زيادة من الكرمانى.

(٤) هذا فى غير قراءة عاصم وحمزة والكسائى. أما هؤلاء فقراءتهم : «جَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً»

(٥) كذا فى أ ، ب ، وسقط فى الكرمانى ، وهو الوجه ، اذ هو تكرار للعبارة السابقة من غير داع.

(٦) هذا الحكم غير مسلم ، فهو يعمل مع تثنيته وجمعه.

(٧) زيادة من الكرمانى.

(٨) الآية ١٨ سورة الحديد.

(٩) الآية ١٩٣ سورة الأعراف.

(١٠) أ : «بالمشبهتين» وفى ب : «بالمشبهين» وما أثبت عن الكرمانى.

(١١) الآية ٩٧.

(١٢) الآية ٩٨.

١٩٥

لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ) وقال بعدهما (إِنَ (١) فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) لأنّ من أحاط علما بما فى الآية الأولى صار عالما ، لأنّه أشرف العلوم ، فختم بقوله : يعلمون ؛ والآية الثانية مشتملة على ما يستدعى تأمّلا وتدبّرا ، والفقه علم يحصل بالتفكّر والتدبّر ، ولهذا لا يوصف به الله سبحانه وتعالى ، فختم الآية بقوله : (يَفْقَهُونَ) ومن أقرّ بما فى الآية الثالثة صار مؤمنا حقّا ، فختم الآية بقوله (يُؤْمِنُونَ) وقوله (ذلِكُمْ لَآياتٍ) فى هذه السّورة ، لظهور الجماعات وظهور الآيات (عم (٢) جميع) الخطاب وجمع الآيات.

قوله : (أَنْشَأَكُمْ (٣)) ، وفى غيرها (خَلَقَكُمْ) لموافقة ما قبلها ، وهو (أَنْشَأْنا (٤) مِنْ بَعْدِهِمْ) وما بعدها (وَهُوَ (٥) الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ).

قوله : (مُشْتَبِهاً (٦) وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) ، وفى الآية الأخرى (مُتَشابِهاً (٧) وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) لأنّ أكثر ما جاء فى القرآن من هاتين الكلمتين جاء بلفظ التّشابه ، نحو قوله : (وَأُتُوا (٨) بِهِ مُتَشابِهاً) (إِنَّ الْبَقَرَ (٩) تَشابَهَ عَلَيْنا) (تَشابَهَتْ (١٠) قُلُوبُهُمْ) (وَأُخَرُ (١١) مُتَشابِهاتٌ) فجاء (مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) فى الآية الأولى و (مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) فى الآية الأخرى على تلك القاعدة. ثمّ كان لقوله «تشابه» معنيان : أحدهما التبس ، والثانى تساوى ، وما فى

__________________

(١) الآية ٩٩

(٢) فى الكرمانى : «عمم».

(٣) الآية ٩٨.

(٤) الآية ٦.

(٥) الآية ١٤١.

(٦) الآية ٩٩.

(٧) الآية ١٤١.

(٨) الآية ٢٥ سورة البقرة.

(٩) الآية ٧٠ سورة البقرة.

(١٠) الآية ١١٨ سورة البقرة.

(١١) الآية ٧ سورة آل عمران.

١٩٦

البقرة معناه : التبس فحسب ، فبيّن بقوله : (مُشْتَبِهاً) ومعناه : ملتبسا أنّ ما بعده من باب الالتباس أيضا ، لا من باب التساوى والله أعلم.

قوله : (ذلِكُمُ (١) اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) فى هذه السورة ، وفى المؤمن (خالِقُ (٢) كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) ؛ لأنّ فيها قبله ذكر الشركاء ، والبنين ، والبنات ، فدفع قول قائله بقوله : لا إله إلّا هو ، ثمّ قال (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) وفى المؤمن قبله ذكر الخلق وهو (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) لا على (٣) نفى الشّريك ، فقدم فى كل سورة ما يقتضيه ما قبله من الآيات.

قوله : (وَلَوْ شاءَ (٤) رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ) وقال فى الآية الأخرى من هذه السّورة : (وَلَوْ شاءَ (٥) اللهُ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ) لأنّ قوله : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ) وقع عقيب آيات فيها ذكر الرّب مرّات وهى (جاءَكُمْ (٦) بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ) الآيات .. فختمها بذكر الرّب ؛ ليوافق (أخراها (٧) أولاها)

قوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ ما فَعَلُوهُ) وقع بعد قوله (وَجَعَلُوا (٨) لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ) فختم بما بدأ.

قوله : (إِنَّ رَبَّكَ (٩) هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ) وفى (١٠) ن : (إِنَ (١١) رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ) بزيادة الباء ، ولفظ الماضى ؛ لأنّ

__________________

(١) الآية ١٠٢.

(٢) الآية ٦٢.

(٣) كذا. والأولى حذف هذا الحرف وكأن الأصل : «فقدمه على نفى الشريك» فحصل سقط فى النسخ.

(٤) الآية ١١٢.

(٥) الآية ١٣٧.

(٦) الآية ١٠٤.

(٧) فى الكرمانى : «آخرها أولها». وقد سقط فى ب : «أولاها».

(٨) الآية ١٣٦.

(٩) الآية ١١٧.

(١٠) سقط فى أ.

(١١) الآية ٧.

١٩٧

إثبات الباء هو الأصل ؛ كما فى (ن وَالْقَلَمِ) وغيرها من السّور ؛ لأن المعنى (١) لا يعمل فى المفعول به ، فقوّى بالباء. وحيث حذفت أضمر فعل يعمل فيما بعده. وخصّت هذه السّورة بالحذف موافقة لقوله : (اللهُ أَعْلَمُ (٢) حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) وعدل إلى لفظ المستقبل ؛ لأنّ الباء لمّا حذفت التبس اللفظ بالإضافة ـ تعالى الله عن ذلك ـ فنبّه بلفظ المستقبل على قطع الإضافة ؛ لأنّ أكثر ما يستعمل بلفظ (أفعل من) يستعمل مع الماضى ؛ أعلم من دبّ ودرج ، وأحسن من قام وقعد ، وأفضل من حجّ واعتمر. فتنبّه فإنّه من أسرار القرآن.

قوله : (فَسَوْفَ (٣) تَعْلَمُونَ) بالفاء حيث وقع ، وفى هود (سَوْفَ (٤) تَعْلَمُونَ) بغير فاء ؛ لأنّه تقدّم فى هذه السورة وغيرها (قُلْ) فأمرهم أمر وعيد بقوله (اعْمَلُوا) أى اعملوا فستجزون ، ولم يكن فى هود (قُلْ) فصار استئنافا. وقيل : (سَوْفَ تَعْلَمُونَ) فى سورة هود صفة لعامل ، أى إنّى عامل سوف تعلمون (٥) ، فحذف الفاء.

قوله (سَيَقُولُ (٦) الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ) ، وقال فى النحل : (وَقالَ (٧) الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا

__________________

(١) المعنى عند النحاة ما يتضمن معنى الفعل دون حروفه كاسم الاشارة والنداء والاستفهام ، ويلحق بها اسم التفضيل ، لأنه وان كان فيه حروف الفعل لا يتصرف تصرف الفعل ، فهو لا يجاوز الافراد والتذكير فى معظم أمره.

(٢) الآية ١٢٤.

(٣) الآية ١٣٥.

(٤) الآية ٩٣.

(٥) كذا والمناسب : «تعلمونه» ليكون فيه ضمير الموصوف.

(٦) الآية ١٤٨.

(٧) الآية ٣٥.

١٩٨

مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) فزاد (مِنْ دُونِهِ) مرّتين ، وزاد (نَحْنُ) لأنّ لفظ الإشراك (١) يدل على إثبات شريك لا يجوز إثباته ، ودلّ على تحريم أشياء ، وتحليل أشياء من دون الله ، فلم يحتج إلى لفظ (مِنْ دُونِهِ) ؛ بخلاف لفظ العبادة ؛ فإنّها غير مستنكرة ، وإنّما المستنكرة (٢) عبادة شيء مع الله سبحانه وتعالى ولا يدل على تحريم شيء مما (٣) دلّ عليه (أشرك) ، فلم يكن بدّ (من تقييده (٤) بقوله : (مِنْ دُونِهِ) ولمّا حذف (مِنْ دُونِهِ) من الآية مرّتين حذف معه (نَحْنُ) لتطّرد الآية فى حكم التّخفيف.

قوله : (نَحْنُ (٥) نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) وفى سبحان (نَحْنُ (٦) نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ) على الضّدّ ؛ لأنّ التقدير : من إملاق [بكم](٧) نحن نرزقكم وإياهم وفى سبحان : خشية إملاق يقع بهم نحن نرزقهم وإيّاكم.

قوله : (ذلِكُمْ (٨) وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) وفى الثانية (لَعَلَّكُمْ (٩) تَذَكَّرُونَ) وفى الثالثة (لَعَلَّكُمْ (١٠) تَتَّقُونَ) لأنّ الآية (الأولى) (١١) مشتملة على خمسة أشياء ، كلّها عظام جسام ، وكانت الوصيّة بها من أبلغ الوصايا ، فختم الآية بما فى الإنسان من أشرف السّجايا (وهو العقل) (١٢) الّذى امتاز به

__________________

(١) أ ، ب : «الاشتراك». وما أثبت عن الكرمانى.

(٢) أنث باعتبار الخبر (العبادة) وفى شيخ الاسلام ١ / ٣٨٧ والكرمانى : «المستنكر» وهو أولى.

(٣) فى الكرمانى : «كما».

(٤) سقط ما بين القوسين فى أ.

(٥) الآية ١٥١.

(٦) الآية ٣١.

(٧) زيادة من الكرمانى.

(٨) الآية ١٥١.

(٩) الآية ١٥٢.

(١٠) الآية ١٥٣.

(١١) زيادة من الكرمانى.

(١٢) سقط ما بين القوسين فى ب.

١٩٩

الإنسان عن سائر الحيوان ؛ والآية الثانية مشتملة على خمسة أشياء يقبح تعاطيها وارتكابها ، وكانت الوصيّة بها تجرى مجرى الزّجر والوعظ ، فختم الآية بقوله : (تَذَكَّرُونَ) أى تتّعظون بمواعظ الله ؛ والآية الثالثة مشتملة على ذكر الصّراط المستقيم ، والتّحريض على اتباعه ، واجتناب منافيه ، فختم الآية بالتّقوى الّتى هى ملاك العمل وخير الزّاد.

قوله : (جَعَلَكُمْ (١) خَلائِفَ الْأَرْضِ) فى هذه السّورة ، وفى يونس (٢) والملائكة (٣) (جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ) لأنّ فى هذه العشر الآيات تكرّر (٤) ذكر المخاطبين مرّات ، فعرّفهم بالإضافة ؛ وقد جاء فى السّورتين على الأصل ، وهو (جاعِلٌ (٥) فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) (جَعَلَكُمْ (٦) مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ).

قوله : (إِنَّ رَبَّكَ (٧) سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) وقال فى الأعراف (إِنَّ رَبَّكَ(٨) لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) لأنّ ما فى هذه السّورة وقع بعد قوله (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) وقوله : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ) فقيّد قوله : (لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) باللّام ترجيحا للغفران على العقاب. ووقع ما فى الأعراف بعد قوله : (وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ) وقوله : (كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) فقيّد العقاب باللّام لما تقدّم من الكلام. وقيّد المغفرة أيضا بها رحمة منه للعباد ؛ لئلّا يترجّح جانب (٩) الخوف على الرّجاء. وقدّم (سَرِيعُ الْعِقابِ) فى الآيتين مراعاة لفواصل الآى.

__________________

(١) الآية ١٦٥.

(٢) الآية ١٤.

(٣) الآية ٣٩.

(٤) أ ، ب : «مكرر» وما أثبت عن الكرمانى.

(٥) الآية ٣٠ سورة البقرة .. ويبدو أن فى الكلام سقطا ، وأن الأصل «كما جاء الكلام على الاصل فى قوله تعالى : جاعِلٌ ..»

(٦) الآية ٧ سورة الحديد

(٧) الآية ١٦٥

(٨) الآية ١٦٧

(٩) أ : «جالب».

٢٠٠