بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ١

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ١

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٧٨

وأما المتشابهات فقوله : (إِنَّ اللهَ (١) لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) وفى آخرها (إِنَّكَ (٢) لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ) فعدل من الخطاب إلى لفظ الغيبة فى أول السورة ، واستمر على الخطاب فى آخرها ؛ لأن ما فى أول السورة لا يتصل بالكلام الأول ، كاتصال ما فى آخر السورة به ؛ فإن اتصال قوله (إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) بقوله (إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ) معنوىّ ، واتصال قوله (إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ) بقوله (رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا) لفظىّ ومعنوىّ جميعا ؛ لتقدم لفظ الوعد. ويجوز أن يكون الأول استئنافا ، والآخر من تمام الكلام.

قوله (كَدَأْبِ (٣) آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللهُ) كان القياس : فأخذناهم لكن (٤) لما عدل فى الآية الأولى إلى قوله (إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) عدل فى هذه الآية أيضا لتكون الآيات على منهج واحد. قوله (شَهِدَ (٥) اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) ثم كرّر فى آخر الآية ، فقال : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) لأن الأول جرى مجرى الشهادة ، وأعاده ليجرى الثانى مجرى الحكم بصحّة ما شهد به الشهود.

قوله (وَيُحَذِّرُكُمُ (٦) اللهُ نَفْسَهُ) كرّره مرتين ؛ لأنه وعيد عطف عليه وعيد آخر فى الآية الأولى ، فإن قوله (٧) (وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) معناه : مصيركم إليه ، والعقاب معدّ له (٨) ، فاستدركه فى الآية الثانية بوعد وهو قوله (وَاللهُ

__________________

(١) الآية ٩

(٢) الآية ١٩٤

(٣) الآية ١١

(٤) سقط فى أ

(٥) الآية ١٨

(٦) الآية ٢٨ ، والآية ٣٠

(٧) ب : «فى قوله»

(٨) كذا فى أ ، ب. وفى الكرمانى : «لديه» وهو أنسب

١٦١

رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) والرأفة أشد من الرحمة. قيل : ومن رأفته تحذيره.

قوله (قالَ (١) رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ) قدم فى هذه السورة ذكر الكبر وأخر ذكر المرأة ، وقال فى سورة مريم (وَكانَتِ (٢) امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا) فقدم ذكر المرأة لأن فى مريم قد تقدم ذكر الكبر فى قوله (وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي) ، وتأخر ذكر المرأة فى قوله (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً) ثم أعاد ذكرهما ، فأخر ذكر الكبر ليوافق (عِتِيًّا) ما بعده من الآيات وهى (سَوِيًّا) و (عَشِيًّا) و (صَبِيًّا).

قوله (قالَتْ (٣) رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ) وفى مريم (قالَتْ (٤) أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ) لأن فى هذه السورة تقدم ذكر المسيح وهو ولدها ، وفى مريم تقدم ذكر الغلام حيث قال (لِأَهَبَ (٥) لَكِ غُلاماً زَكِيًّا).

قوله (فَأَنْفُخُ (٦) فِيهِ) وفى المائدة (فِيها)(٧) قيل : الضمير فى هذه يعود إلى الطير ، وقيل إلى الطين ، وقيل إلى المهيّأ ، وقيل إلى الكاف فإنه فى (٨) معنى مثل. وفى المائدة يعود إلى الهيئة. وهذا جواب التذكير والتأنيث ، لا جواب التخصيص ، وإنما الكلام وقع فى التخصيص وهل يجوز أن يكون كل واحد منهما مكان الآخر أم (٩) لا. فالجواب أن يقال : فى هذه السّورة إخبار قبل الفعل ، فوحّده ؛ وفى المائدة خطاب من الله له

__________________

(١) الآية ٤٠

(٢) الآية ٨

(٣) الآية ٤٧

(٤) الآية ٢٠

(٥) الآية ١٩

(٦) الآية ٤٩

(٧) الآية ١١٠

(٨) سقط فى ب

(٩) كذا. والمناسب : أو

١٦٢

يوم القيامة ، وقد سبق من عيسى عليه‌السلام الفعل مرّات والطير صالح للواحد والجمع.

قوله (بِإِذْنِ اللهِ) ذكره هنا مرتين ، وفى المائدة (بِإِذْنِي) أربع مرات لأن ما فى هذه السّورة من كلام عيسى ، فما تصور أن يكون من قبل البشر أضافه إلى نفسه ، وهو الخلق الّذى معناه التقدير ، والنفخ الذى هو إخراج الريح من الفم. وما [لا](١) يتصوّر أضافه (٢) إلى الله وهو قوله (فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ) مما [لا](٣) يكون فى طوق البشر ، فإن الأكمه عند بعض المفسرين الأعمش ، وعند بعضهم الأعشى ، وعند بعضهم من يولد أعمى ، وإحياء الموتى من فعل الله فأضافه إليه. وما فى المائدة من كلام الله سبحانه وتعالى ، فأضاف جميع ذلك الى صنعه إظهارا لعجز البشر ، وأن فعل العبد مخلوق الله (٤). وقيل (٥) (بِإِذْنِ اللهِ) يعود إلى الأفعال الثلاثة. وكذلك الثانى يعود إلى الثلاثة الأخرى.

قوله (إِنَ (٦) اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ) وكذلك فى مريم (٧) و [فى](٨) الزخرف فى هذه القصّة (إِنَّ اللهَ (٩) هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ) بزيادة (هو) قال (١٠) تاج القراء إذا قلت : زيد قائم فيحتمل أن يكون تقديره : وعمرو قائم. فإذا قلت زيد هو القائم (١١) خصصت القيام به ، وهو كذلك فى الآية. وهذا مثاله لأن

__________________

(١) زيادة اقتضاها السياق

(٢) فى الأصل : اضافته.

(٣) زيادة اقتضاها السياق

(٤) كذا فى أ ، ب. والأولى «لله» لئلا يتوهم قصر مخلوق الله على فعل العبد

(٥) القائل هو الخطيب الاسكافى. وانظر كتابه ٥٧

(٦) الآية ٥١

(٧) الآية ٣٦

(٨) سقط لفظ (فى) فى أ

(٩) الآية ٦٤

(١٠) هو الكرمانى

(١١) أ : «قائم»

١٦٣

(هو) يذكر فى هذه المواضع إعلاما بأن المبتدأ مقصور على هذا الخبر (وهذا (١) الخبر) مقصور عليه دون غيره والذى فى آل عمران وقع بعد عشر آيات نزلت فى قصة مريم وعيسى ، فاستغنت عن التأكيد بما تقدم من الآيات ، والدّلالة (٢) على أن الله سبحانه وتعالى ربّه وخالقه لا أبوه ووالده كما زعمت النصارى. وكذلك فى سورة مريم وقع بعد عشرين آية من قصتها. وليس كذلك ما فى الزخرف فإنه ابتداء كلام منه فحسن التأكيد بقوله (هو) ليصير المبتدأ مقصورا على الخبر المذكور فى الآية وهو إثبات الربوبيّة ونفى الأبوّة ، تعالى الله عند ذلك علوّا كبيرا.

قوله (بِأَنَّا (٣) مُسْلِمُونَ) فى هذه السورة ، وفى المائدة (بِأَنَّنا (٤) مُسْلِمُونَ) لأن ما فى المائدة أول كلام الحواريين ، فجاء على الأصل ، وما فى هذه السورة تكرار كلامهم (٥) فجاز فيه التخفيف (لأن (٦) التخفيف) فرع والتكرار فرع والفرع بالفرع أولى.

قوله (الْحَقُ (٧) مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ) وفى البقرة (فَلا (٨) تَكُونَنَّ) لأن ما فى هذه السورة جاء على الأصل ، ولم يكن فيها ما أوجب إدخال نون التأكيد [فى الكلمة (٩) ؛ بخلاف سورة البقرة فان فيها فى أول القصة (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها)] بنون التأكيد فأوجب الازدواج إدخال النون فى الكلمة فيصير التقدير : فلنولّينّك قبلة ترضاها فلا تكوننّ من الممترين.

__________________

(١) سقط ما بين القوسين فى أ

(٢) فى الكرمانى : «الدلالات»

(٣) الآية ٥٢

(٤) الآية ١١١

(٥) فى الكرمانى : «لكلامهم»

(٦) سقط ما بين القوسين فى أ

(٧) الآية ٦٠

(٨) الآية ١٤٧

(٩) زيادة اقتضاها السياق

١٦٤

والخطاب فى الآيتين للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمراد (به) (١) غيره.

قوله (قُلْ (٢) إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ) وفى البقرة (قُلْ (٣) إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى) [الهدى](٤) فى هذه السورة هو الدين ، وقد تقدم فى قوله (لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ) (وهدى (٥) الله الإسلام ، وكأنه قال بعد قولهم (وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ) قل إن الدين عند الله الإسلام كما سبق فى أول السورة. والذى فى البقرة معناه القبلة لأن الآية نزلت فى تحويل القبلة ، وتقديره أن قبلة الله هى الكعبة

قوله (مَنْ آمَنَ (٦) تَبْغُونَها عِوَجاً) ليس هاهنا (به) ولا واو العطف وفى الأعراف (مَنْ آمَنَ (٧) بِهِ وَتَبْغُونَها عِوَجاً) بزيادة (به) وواو العطف لأنّ القياس من (٨) آمن به ، كما فى الأعراف ؛ لكنها حذفت فى هذه السورة موافقة لقوله (وَمَنْ كَفَرَ) فإن القياس فيه أيضا (كفر به) وقوله (تَبْغُونَها عِوَجاً) هاهنا حال والواو لا يزيد مع الفعل إذا وقع حالا ، نحو قوله (وَلا (٩) تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) و (دَابَّةُ (١٠) الْأَرْضِ تَأْكُلُ) وغير ذلك ، وفى الأعراف عطف على الحال ؛ والحال قوله (تُوعِدُونَ) و (تَصُدُّونَ) عطف عليه ؛ وكذلك (تَبْغُونَها عِوَجا).

قوله : (وَما (١١) جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) هاهنا بإثبات (لكم) وتأخير (به) وحذف

__________________

(١) سقط ما بين القوسين فى «أ»

(٢) الآية ٧٣

(٣) الآية ١٢٠

(٤) زيادة اقتضاها السياق

(٥) سقط ما بين القوسين فى أ

(٦) الآية ٩٩

(٧) الآية ٨٦

(٨) سقط ما بين القوسين فى أ

(٩) الآية ٦ سورة المدثر

(١٠) الآية ١٤ سورة سبأ

(١١) الآية ١٢٦

١٦٥

(إِنَّ اللهَ) وفى الأنفال (١) بحذف (لَكُمْ) وتقديم (بِهِ) وإثبات (إِنَّ اللهَ) لأن البشرى للمخاطبين ؛ فبين وقال (لكم) وفى الأنفال قد تقدم لكم فى قوله (فَاسْتَجابَ لَكُمْ) فاكتفى بذلك ؛ وقدم (قلوبكم) وأخر (به) إزواجا (بين المخاطبين (٢) «فقال (إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ) وقدم «به» فى الأنفال ازدواجا) بين الغائبين فقال (وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ) وحذف (إِنَّ اللهَ) هاهنا ؛ لأن ما فى الأنفال قصة بدر ؛ وهى سابقة على ما فى هذه السورة ، فإنها فى قصة أحد فأخبر هناك أن الله عزيز حكيم ، فاستقر الخبر. وجعله فى هذه السورة صفة ، لأن الخبر قد سبق قوله : (وَنِعْمَ (٣) أَجْرُ الْعامِلِينَ) بزيادة الواو لأن الاتصال بما قبلها أكثر من غيرها (٤). وتقديره : ونعم أجر العاملين المغفرة ، والجنات ، والخلود.

قوله (رَسُولاً (٥) مِنْ أَنْفُسِهِمْ) بزيادة الأنفس ، وفى غيرها (٦) (رَسُولاً مِنْهُمْ) لأن الله سبحانه منّ على المؤمنين به ، فجعله من أنفسهم ؛ ليكون موجب المنّة أظهر. وكذلك قوله : (لَقَدْ جاءَكُمْ (٧) رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) لمّا وصفه بقوله : (عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) جعله من أنفسهم ليكون موجب الإجابة والإيمان به أظهر ، وأبين.

__________________

(١) الآية ١٠

(٢) سقط ما بين القوسين فى «أ»

(٣) الآية ١٣٦

(٤) يريد الآية ٥٨ من سورة العنكبوت ففيها (نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) دون الواو.

(٥) الآية ١٦٤

(٦) كالآية ١٢٩ سورة البقرة

(٧) الآية ١٢٨ سورة التوبة

١٦٦

قوله (جاؤُ (١) بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ) هاهنا بباء واحدة ، إلا فى قراءة ابن عامر ، وفى فاطر (بِالْبَيِّناتِ (٢) وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتابِ) بثلاث باءات ؛ لأن ما فى هذه السورة وقع فى كلام مبنى على الاختصار ، وهو إقامة لفظ الماضى فى الشرط مقام لفظ المستقبل ، ولفظ الماضى أخفّ ، وبناء (٣) الفعل بالمجهول ، فلا يحتاج إلى ذكر الفاعل. وهو قوله : (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ). [ثم (٤)] حذف الباءات ليوافق الأوّل فى الاختصار بخلاف ما فى فاطر فإنّ الشّرط فيه بلفظ المستقبل والفاعل مذكور مع الفعل وهو قوله : (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ثمّ ذكر بعده الباءات ؛ ليكون كله على نسق واحد.

قوله : (ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) (٥) وفى غيره (٦) : (وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) لأن ما قبله فى هذه السورة (لا يَغُرَّنَّكَ (٧) تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ مَتاعٌ قَلِيلٌ) (أى ذلك (٨) متاع فى الدنيا قليل) ، والقليل يدل على تراخ وإن صغر وقل ، و (ثم) للتراخى وكان (٩) موافقا. والله أعلم.

__________________

(١) الآية ١٨٤

(٢) الآية ٢٥

(٣) أى فى جواب الشرط فى قوله : (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ)

(٤) زيادة اقتضاها السياق. وقد يكون قوله فيما سبق : «لأن ما فى هذه السورة وقع» أصله : «لأن ما فى هذه السورة لما وقع» فسقط فى النسخ «لما» وعلى هذا يكون «حذف» هنا جواب «لما وقع» والاحتمال الأول وهو وضع «ثم» يقربه صنعه الآتى فى آية فاطر

(٥) الآية ١٩٧.

(٦) كالآية ٧٣ سورة التوبة.

(٧) الآيتان ١٩٦ ، ١٧٩

(٨) سقط ما بين القوسين فى «أ».

(٩) فى الكرمانى «مكان» وهو أسوغ.

١٦٧

فضل السّورة

عن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١) (تعلموا البقرة وآل عمران ؛ فإنّهما الزهراوان ، وإنّهما يأتيان يوم القيامة فى صورة ملكين ، يشفعان لصاحبهما ، حتّى يدخلاه الجنة) وتقدّم فى البقرة (يأتيان كأنهما غمامتان ، أو غيايتان ، أو فرقان من طير صواف ، يظلان قارئهما ، ويشفعان) ويروى بسند (٢) ضعيف : من قرأ سورة آل عمران أعطى بكل آية منها أمانا على جسر جهنّم ، يزوره فى كلّ يوم جمعة آدم ونوح وإبراهيم وآل عمران ، يغبطونه بمنزلته من الله ، وحديث علىّ (رفعه) : من قرأها لا يخرج من الدّنيا حتّى يرى ربّه فى المنام ؛ ذكر فى الموضوعات.

__________________

(١) ورد بعضه فى حديث أخرجه أحمد عن بريدة ، كما فى الاتقان.

(٢) بل قال الشهاب فى حاشية البيضاوى ٣ / ٩٥ : أنه «موضوع ، وهو من الحديث الطويل المذكور فيه فضائل جميع السور ، وهو مما اتفقوا على أنه موضوع مختلق. وقد خطئوا من أورده من المفسرين وشنعوا عليه»

١٦٨

٤ ـ بصيرة فى

يا أيّها الناس اتّقوا ربّكم ..

هذه السّورة مدنيّة بإجماع القرّاء.

وعدد آياتها مائة (١) وخمس وسبعون ، فى عدّ الكوفىّ ، وستّ فى عدّ البصرىّ ، وسبع فى عدّ الشّامىّ.

وكلماتها ثلاثة آلاف وسبعمائة وخمس وأربعون. وحروفها ستّة عشر ألفا وثلاثون حرفا (٢).

والآيات المختلف فيها (أَنْ (٣) تَضِلُّوا السَّبِيلَ) ، (٤) (عَذاباً أَلِيماً).

مجموع فواصل الآيات (م ل ا ن) يجمعها قولك (ملنا) فعلى اللام آية واحدة (٥) (السَّبِيلَ) وعلى النّون آية واحدة (٦) (مُهِينٌ) وخمس آيات منها (٧) على الميم المضمومة ، وسائر الآيات على الألف (٨).

واسم السّورة سورة النّساء الكبرى ، واسم سورة الطّلاق سورة النّساء الصّغرى.

__________________

(١) فى ناظمة الزهر أنها عندهم مائة وست وسبعون ، وهو المثبت فى مصحف مصر المراعى فيه عد الكوفيين

(٢) أ : «ألفا» وهو خطأ فى النسخ

(٣) الآية ٤٤

(٤) فى الآية ١٧٣

(٥) الآية ٤٤

(٦) الآية ١٤

(٧) هى الآيات ١٢ ، ١٣ ، ٢٥ ، ٢٦ ، ١٧٦

(٨) فاصلة الآية الثالثة «تعولوا» والظاهر أنها على الواو لا الألف ، ويبدوا أن حصر الفواصل فى (ملنا) فيه نظر

١٦٩

وأمّا ما اشتملت عليه السّورة مجملا فبيان خلقة آدم وحوّاء ، والأمر [بصلة (١)] الرّحم ، والنّهى عن أكل مال اليتيم ، وما يترتّب عليه من عظم (٢) الإثم ، والعذاب لآكليه ، وبيان المناكحات ، وعدد النساء ، وحكم الصّداق ، وحفظ المال من السّفهاء ، وتجربة اليتيم قبل دفع المال إليه ، والرّفق بالأقارب وقت قسمة الميراث ، وحكم ميراث أصحاب الفرائض ، وذكر ذوات المحارم ، وبيان طول الحرّة ، وجواز التّزوّج بالأمة ، والاجتناب عن الكبائر ، وفضل الرّجال على النّساء ، وبيان الحقوق ، وحكم السّكران وقت الصلاة ، وآية التيمّم ، وذمّ اليهود ، وتحريفهم التوراة ، وردّ الأمانات إلى أهلها ، وصفة المنافقين فى امتناعهم عن قبول أوامر القرآن ، والأمر بالقتال ، ووجوب ردّ السّلام ، والنّهى عن موالاة المشركين ، وتفصيل قتل العمد والخطأ ، وفضل الهجرة ، ووزر المتأخّرين عنها ، والإشارة إلى صلاة الخوف حال القتال ، والنّهى عن حماية الخائنين ، وإيقاع الصّلح بين الأزواج والزّوجات ، وإقامة الشهادات ، ومدح العدل ، وذمّ المنافقين ، وذمّ اليهود ، وذكر قصدهم قتل عيسى عليه‌السلام ، وفضل الرّاسخين فى العلم ، وإظهار فساد اعتقاد النّصارى ، وافتخار الملائكة والمسيح بمقام العبوديّة ، وذكر ميراث الكلالة ، والإشارة إلى أنّ الغرض من بيان الأحكام صيانة الخلق من الضّلالة ، فى قوله (يُبَيِّنُ (٣) اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) أى كراهة أن تضلّوا.

وأمّا النّاسخ والمنسوخ فى هذه السّورة ففى أربع وعشرين آية (وَإِذا (٤)

__________________

(١) زيادة اقتضاها السياق

(٢) ب : «أعظم»

(٣) فى آخر السورة

(٤) الآية ٨

١٧٠

حَضَرَ الْقِسْمَةَ) م (يُوصِيكُمُ (١) اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ) ن (وَلْيَخْشَ (٢) الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ) الآية م (فَمَنْ (٣) خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً) ن (إِنَ (٤) الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً) م (قُلْ (٥) إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ) ن (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ (٦) الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ) م (الثيب (٧) بالثيب) ن (٨) (وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ) م (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي (٩) فَاجْلِدُوا) ن (إِنَّمَا (١٠) التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ) بعض الآية م (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) ن والآيتان (١١) مفسّرتان بالعموم والخصوص (لا يَحِلُّ لَكُمْ (١٢) أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً) م والاستثناء فى قوله (إِلَّا ما (١٣) قَدْ سَلَفَ) ن وقيل الآية محكمة (١٤) (وَلا تَعْضُلُوهُنَ (١٥) لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ) م والاستثناء (١٦) فى قوله (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ) ن (وَلا تَنْكِحُوا (١٧) ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ

__________________

(١) الآية ١١

(٢) الآية ٩

(٣) الآية ١٨٢ سورة البقرة. وقد تبع ابن حزم فى هذا وهو غير ظاهر ، ومما يضعفه أن سورة البقرة سابقة فى النزول ، وقد أورد عنها نواسخ كثيرة لآيات فى سورة النساء.

(٤) الآية ١٠

(٥) الآية ٢٢٠ سورة البقرة

(٦) الآية ١٥

(٧) أ : «الست بالست» ب : «البيت بالبيت» وكلاهما تصحيف وما أثبت قطعة من حديث فى حد الزنى فيه : «البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم» وانظر القرطبى ٥ / ٨٥

(٨) الآية ١٦

(٩) الآية ٢ سورة النور

(١٠) الآية ١٧

(١١) الآية ١٨

(١٢) تراه يجرى على أن التخصيص نسخ. والمسألة خلافية. واذا فسر «عن قريب» بما قبل الموت لا يكون نسخ بل تكون الثانية موضحة مفهوم الأولى.

(١٣) الآية ١٩

(١٤) الآية ٢٢

(١٥) وهو الصواب ، فان الاستثناء فى قوله : «إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ» * منقطع أى ولكن ما سلف لا مؤاخذة فيه ، فأما النهى عن النكاح بعد النص فلا استثناء فيه.

(١٦) فى أ ، ب مكان ما بين القوسين : «وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ» وظاهر أنه خطأ من الناسخ ، فالناسخ المذكور لا يتفق معه ، وحكاية الجمع بين الأختين سيأتى بعد. والآية المثبتة بعض الآية ١٩.

(١٧) أ ، ب : «بمثل فى»

١٧١

النِّساءِ) م والاستثناء فى قوله : (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) ن وقيل الآية محكمة (وَأَنْ (١) تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) م والاستثناء منه ن فيما مضى (فَمَا (٢) اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ) م (وَالَّذِينَ (٣) هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ) وقول النّبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٤) (ألا وإنى حرمت المتعة) ن (لا تَأْكُلُوا (٥) أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) م (لَيْسَ (٦) عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ) ن أراد (٧) مؤاكلتهم (وَالَّذِينَ (٨) عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ) م (وَأُولُوا (٩) الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) ن (فَأَعْرِضْ (١٠) عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ) م آية السّيف ن (وَاسْتَغْفَرَ (١١) لَهُمُ الرَّسُولُ) م (اسْتَغْفِرْ (١٢) لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ) ن (خُذُوا (١٣) حِذْرَكُمْ) م (لِيَنْفِرُوا (١٤) كَافَّةً) ن (فَما (١٥) أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) م آية السّيف ن (سَتَجِدُونَ (١٦) آخَرِينَ) م (فَاقْتُلُوا (١٧) الْمُشْرِكِينَ) ن (فَإِنْ كانَ (١٨) مِنْ قَوْمٍ

__________________

(١) الآية ٢٣

(٢) الآية ٢٤

(٣) الآية ٥ سورة المؤمنين

(٤) فى ناسخ ابن حزم المطبوع على هامش تفسير ابن عباس ص ٣٣١ : «انى كنت أحللت هذه المتعة ، الا وأن الله ورسوله قد حرماها ، الا فليبلغ الشاهد الغائب»

(٥) الآية ٢٩

(٦) الآية ٦١ سورة النور

(٧) كان الناس تحرجوا من أن يؤاكل بعضهم بعضا ، خشية أن يقعوا فى أكل مال الناس بالباطل. فرفعت آية النور الحرج فى المؤاكلة.

(٨) الآية ٣٣ وكون الآية منسوخة مبنى على تفسير النصيب بالميراث ، ويحمله بعضهم على النصيب فى العون والنصرة فهى محكمة.

(٩) الآية ٦ سورة الأحزاب

(١٠) الآية ٦٣

(١١) الآية ٦٤

(١٢) الآية ٨٠ سورة التوبة

(١٣) الآية ٧١

(١٤) الآية ١٢٢ سورة التوبة

(١٥) الآية ٨٠

(١٦) الآية ٩١

(١٧) الآية ٥ سورة التوبة

(١٨) الآية ٩٢ ، وظاهر أن موضع النسخ قوله تعالى فى الآية : (وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ)

١٧٢

عَدُوٍّ لَكُمْ) م (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ) ن (وَمَنْ (١) يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً) م (إِنَّ اللهَ (٢) لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) ن وقوله (وَالَّذِينَ (٣) لا يَدْعُونَ) إلى قوله (وَمَنْ (٤) تابَ) ن (إِنَّ الْمُنافِقِينَ (٥) فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) م (إِلَّا (٦) الَّذِينَ تابُوا) ن (فَما لَكُمْ (٧) فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ) وقوله (فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ (٨) اللهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ) م آية السّيف ن.

المتشابهات فى هذه السورة :

(وَاللهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ) (٩) ليس غيره أى عليم بالمضارة ، حليم عن المضارة.

قوله : (خالِدِينَ (١٠) فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) بالواو ، وفى براءة (١١) (ذلِكَ) بغير واو ، لأنّ الجملة إذا وقعت بعد (١٢) أجنبيّة لا تحسن إلّا بحرف العطف. وإن كان بالجملة (١٣) الثانية ما يعود إلى الجملة الأولى حسن إثبات حرف العطف ، وحسن الحذف ؛ اكتفاء بالعائد. ولفظ (ذلِكَ) فى الآيتين يعود إلى ما قبل الجملة ، فحسن الحذف والإثبات فيهما. ولتخصيص هذه السّورة بالواو وجهان لم يكونا فى براءة : أحدهما موافقة

__________________

(١) الآية ٩٣

(٢) الآية ٤٨ سورة النساء. والناسخ فى قوله : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ)

(٣) الآية ٦٨ سورة الفرقان

(٤) الآية ٧١. وتراه يقول بالنسخ فى الأخبار. ومثل هذا تخصيص لا نسخ ، ولكن بعضهم يجعل التخصيص نسخا ، والمؤلف يجرى على هذا الرأى.

(٥) الآية ١٤٥

(٦) الآية ١٤٦ من السورة

(٧) الآية ٨٨

(٨) الآية ٨٤

(٩) الآية ١٢

(١٠) الآية ١٣

(١١) الآية ٨٩

(١٢) أ ، ب : «بعده»

(١٣) ب : «فى الجملة»

١٧٣

ما قبلها ، وهى جملة مبدوءة بالواو ، وذلك قوله (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ) ؛ والثانى موافقة ما بعدها ، وهو قوله : (وَلَهُ) بعد (١) قوله : (خالِداً فِيها) (٢) وفى براءة [أوعد (٣)] أعداء الله بغير واو ، ولذلك قال (ذلِكَ) بغير واو.

وقوله : (مُحْصِنِينَ (٤) غَيْرَ مُسافِحِينَ) فى أوّل السّورة ، وبعدها (مُحْصَناتٍ (٥) غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ) وفى المائدة (مُحْصِنِينَ (٦) غَيْرَ مُسافِحِينَ (٧) وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ) لأنّ ما فى أوّل السورة وقع فى حقّ الأحرار المسلمين ، فاقتصر على لفظ (غَيْرَ مُسافِحِينَ) والثانية فى فى الجوارى ، وما فى المائدة فى الكتابيّات فزاد (وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ) حرمة للحرائر المسلمات ، ولأنهنّ إلى الصّيانة أقرب ، ومن الخيانة أبعد ، ولأنّهنّ لا يتعاطين ما يتعاطاه الإماء والكتابيّات من اتّخاذ الأخدان.

قوله : (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) (٨) فى هذه السّورة وزاد فى المائدة (مِنْهُ) (٩) لأنّ المذكور فى هذه بعض أحكام الوضوء والتيمّم ، فحسن الحذف ؛ والمذكور فى المائدة جميع أحكامهما ، فحسن الإثبات والبيان.

قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) (١٠) ختم الآية مرة بقوله (فَقَدِ افْتَرى) ومرّة بقوله (فَقَدْ ضَلَّ) لأنّ الأوّل نزل فى اليهود ، وهم الّذين افتروا على الله ما ليس فى كتابهم ، والثّانى نزل فى الكفار ، ولم يكن لهم كتاب ، فكان ضلالهم أشدّ.

__________________

(١) أ : «ما بعده»

(٢) الآية ١٤

(٣) زيادة اقتضاها السياق ، ويريد قوله تعالى : (سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)

(٤) الآية ٢٤

(٥) الآية ٢٥

(٦) الآية ٥

(٧) الآية ٤٣

(٨) الآية ٤٣

(٩) الآية ٦

(١٠) الآية ٤٨ ، والآية ١١٦

١٧٤

قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) (١) وفى غيرها (يا أَهْلَ الْكِتابِ) لأنّه سبحانه استخفّ بهم فى هذه الآية ، وبالغ ، ثمّ ختم بالطمس ، وردّ الوجوه على الأدبار ، واللّعن ، وأنّها كلّها واقعة بهم (٢).

قوله (دَرَجَةً) (٣) ثمّ فى الآية الأخرى (دَرَجاتٍ) (٤) لأنّ الأولى فى الدّنيا والثانية فى الجنة. وقيل : الأولى بالمنزلة ، والثانية بالمنزل. وهى درجات. وقيل : الأولى على القاعدين بعذر ، والثانية على القاعدين بغير عذر.

قوله : (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ) (٥) بالإظهار هنا وفى الأنفال (٦) ، وفى الحشر بالإدغام (٧) ، لأنّ الثانى من المثلين إذا تحرّك بحركة لازمة وجب إدغام الأوّل فى الثانى ؛ ألا ترى أنّك تقول اردد بالإظهار ، ولا يجوز ارددا وارددوا وارددي ، لأنها تحركت (٨) بحركة لازمة (والألف (٩) واللام فى «الله» لازمتان ، فصارت حركة القاف لازمة) و (ليس) (١٠) الألف واللّام فى الرّسول كذلك. وأمّا فى الأنفال فلانضمام (الرّسول) إليه فى العطف لم يدغم ؛ لأنّ التقدير فى القاف أن قد اتّصل بهما ؛ فإنّ الواو يوجب ذلك.

قوله (كُونُوا (١١) قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ) ، وفى المائدة : (قَوَّامِينَ (١٢)

__________________

(١) الآية ٤٧

(٢) أ ، ب : «لهم»

(٣) الآية ٩٥

(٤) الآية ٩٦

(٥) الآية ١١٥

(٦) الآية ١٣

(٧) الآية ٤

(٨) فى ب : «تحرك»

(٩) سقط ما بين القوسين فى أ

(١٠) سقط ما بين القوسين فى أ

(١١) الآية ١٣٥

(١٢) الآية ٨

١٧٥

لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ) لأنّ (الله) فى هذه السّورة متصل ومتعلّق بالشّهادة ، بدليل قوله : (وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) أى ولو تشهدون عليهم ، وفى المائدة متّصل ومتعلّق بقوّامين ، والخطاب للولاة بدليل قوله : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ) الآية.

قوله : (إِنْ تُبْدُوا (١) خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ) وفى الأحزاب (إِنْ تُبْدُوا (٢) شَيْئاً) لأنّ هنا وقع الخير فى مقابلة السّوء فى قوله : (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ) والمقابلة اقتضت أن يكون بإزاء السّوء الخير ، وفى الأحزاب بعد (ما فِي قُلُوبِكُمْ) فاقتضى العموم ، وأعمّ الأسماء شىء. ثم ختم الآية بقوله : (فَإِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً).

قوله : (وَإِنْ تَكْفُرُوا (٣) فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وباقى ما فى هذه السّورة (ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) لأنّ الله سبحانه ذكر أهل الأرض فى هذه الآية تبعا لأهل السّماوات ، ولم يفردهم بالذكر لانضمام المخاطبين إليهم ودخولهم فى زمرتهم وهم كفّار عبدة الأوثان ، وليسوا المؤمنين (٤) ولا من أهل الكتاب لقوله (وَإِنْ تَكْفُرُوا) فليس (٥) هذا قياسا مطّردا بل علامة.

قوله (وَيَسْتَفْتُونَكَ (٦) فِي النِّساءِ) بواو العطف وقال فى آخر السّورة (٧) (يَسْتَفْتُونَكَ) بغير واو ، لأنّ الأوّل لمّا اتّصل بما بعده وهو قوله : (فِي النِّساءِ) وصله بما قبله بواو العطف والعائد جميعا ، والثّانى لمّا انفصل عمّا

__________________

(١) الآية ١٤٩

(٢) الآية ٥٤

(٣) الآية ١٧٠

(٤) فى الكرمانى : «بمؤمنين»

(٥) فى الكرمانى : «وليس»

(٦) الآية ١٢٧

(٧) الآية ١٧٦

١٧٦

بعده اقتصر من الاتّصال على العائد وهو ضمير المستفتين و [ليس (١)] فى الآية متّصل بقوله : (يَسْتَفْتُونَكَ) لأنّ ذلك يستدعى : قل الله يفتيكم فيها أى فى الكلالة ، والذى يتّصل بيستفتونك محذوف ، يحتمل أن يكون (فِي الْكَلالَةِ) ، ويحتمل أن يكون فيما بدا لهم من الوقائع.

فضل السّورة

روى عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من قرأ سورة النّساء فكأنّما تصدّق على كلّ من ورث ميراثا ، وأعطى من الأجر كمن اشترى محرّرا ، وبرئ من الشرك ، وكان فى مشيئة الله من الّذين يتجاوز عنهم. وعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم من قرأ هذه السّورة كان له بعدد (٢) كلّ امرأة خلقها الله قنطارا من الأجر ، وبعددهنّ حسنات ودرجات ، وتزوّج بكلّ حرف منها زوجة من الحور العين. ويروى : يا علىّ ، من قرأ سورة النّساء كتب له مثل ثواب حملة العرش ، وله بكلّ آية قرأها مثل ثواب من يموت فى طريق الجهاد.

هذه الأحاديث ضعيفة جدّا وبالموضوعات أشبه والله أعلم.

__________________

(١) زيادة اقتضاها السياق

(٢) يخرج هذا التركيب على زيادة الباء فى (بعدد) وان كان هذا فى غير مواضع الزيادة أو يكون التقدير : قدر بعدد. ويكون (من الأجر) بيانا للمحذوف

١٧٧

٥ ـ بصيرة فى

يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ..

اعلم أنّ هذه السّورة مدنيّة بالإجماع سوى آية واحدة (الْيَوْمَ (١) أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) فإنّها نزلت يوم عرفة فى الموقف ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم راكب على ناقته العضباء ، فسقطت الناقة على ركبتيها من ثقل الوحى ، وشرف الآية.

عدد آياتها مائة وعشرون فى عدّ الكوفىّ ، واثنتان وعشرون فى عد الحجاز والشأم ، وثلاث وعشرون فى عدّ البصرىّ.

وكلماتها ألفان وثمان مائة وأربع ، وحروفها أحد عشر ألفا ، وتسع مائة وثلاثة وثلاثون حرفا.

المختلف فيها ثلاث : بِالْعُقُودِ (٢) ، (وَيَعْفُوا (٣) عَنْ كَثِيرٍ) ، (فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ(٤)).

وفواصل آياتها (ل م ن د ب ر) يجمعها (لم ندبّر) اللام فى ثلاث (٥) كلّها سبيل.

واسمها سورة المائدة ؛ لاشتمالها على قصّة نزول المائدة من السّماء ، وسورة

__________________

(١) الآية ٣

(٢) الآية ١

(٣) الآية ١٥

(٤) الآية ٢٣

(٥) هى الآيات ١٢ ، ٦٠ ، ٧٧

١٧٨

الأحبار ؛ لاشتمالها على ذكرهم فى قوله : (وَالرَّبَّانِيُّونَ (١) وَالْأَحْبارُ) وقوله : (لَوْ لا يَنْهاهُمُ (٢) الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ).

وجملة مقاصد السّورة المشتملة عليها : الأمر بوفاء العهود ، وبيان ما أحلّه الله تعالى من البهائم ، وذكر تحريم المحرّمات ، وبيان إكمال الدّين ، وذكر الصيد ، والجوارح ، وحلّ طعام أهل الكتاب ، وجواز نكاح المحصنات منهن ، وتفصيل الغسل ، والطّهارة ، والصّلاة ، وحكم الشهادات ، والبيّنات وخيانة أهل الكتاب القرآن ، ومن أنزل عليه ، وذكر المنكرات من مقالات النصارى ، وقصّة بنى إسرائيل مع العمالقة ، وحبس الله تعالى إيّاهم فى التّيه بدعاء بلعام (٣) ، وحديث قتل قابيل أخاه هابيل ، وحكم قطّاع الطريق ، وحكم السّرقة ، وحدّ السّرّاق ، وذمّ أهل الكتاب ، وبيان نفاقهم ، وتجسسهم وبيان الحكم بينهم ، وبيان القصاص فى الجراحات ، وغيرها ، والنّهى عن موالاة اليهود والنّصارى ، والرّدّ على أهل الرّدّة ، وفضل الجهاد ، وإثبات ولاية الله ورسوله للمؤمنين ، وذمّ اليهود (فى (٤)) قبائح أقوالهم ، وذمّ النّصارى بفاسد اعتقادهم ، وبيان كمال عداوة الطّائفتين للمسلمين (٥) ، ومدح أهل الكتاب الّذين قدموا من الحبشة ، وحكم اليمين ، وكفّارتها ، وتحريم الخمر ، وتحريم الصّيد على المحرم ، والنهى عن السؤالات الفاسدة ،

__________________

(١) الآية ٤٤

(٢) الآية ٦٣

(٣) سقط فى أ. وكان بلعام بن باعورا. مجاب الدعوة فى زمن موسى عليه الصلاة والسّلام. وفى القرطبى ٧ / ٣١٩ : «وروى أن بلعام بن باعورا ، دعا ألا يدخل موسى مدينة الجبارين فاستجيب له وبقى فى التيه» وقد فسر به الذى انسلخ فى الدين فى قوله تعالى : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ).

(٤) سقط فى أ.

(٥) أ ، ب «المسلمين»

١٧٩

وحكم شهادات أهل الكتاب ، وفصل الخصومات ، ومحاورة الأمم رسلهم فى القيامة ، وذكر معجزات عيسى ، ونزول المائدة ، وسؤال الحقّ تعالى إيّاه فى القيامة تقريعا للنصارى ، وبيان نفع الصدق يوم القيامة للصّادقين.

الناسخ والمنسوخ :

فى هذه السّورة تسع آيات (لا تُحِلُّوا (١) شَعائِرَ اللهِ) م (٢) (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ (٣) حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) ن (إِنَّما جَزاءُ (٤) الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) م]ى (إِلَّا الَّذِينَ (٥) تابُوا) ن للعموم (فَإِنْ (٦) جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ) م (وَأَنِ احْكُمْ (٧) بَيْنَهُمْ) ن للتخيير. وقيل : هى محكمة (ما عَلَى (٨) الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ) م آية السّيف ن (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ)(٩) م آخر الآية ن جمع فيها الناسخ [والمنسوخ (١٠)] وهى من نوادر آيات القرآن (شَهادَةُ بَيْنِكُمْ) فى السّفر من (١٢) الدين م (وَأَشْهِدُوا (١٣) ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) ن نسخت (١٤) لشهاداتهم فى السّفر والحضر (فَإِنْ عُثِر َ) م ذوى عدل منكم ن (ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ) م شهادة أهل الإسلام ن.

المتشابهات :

قوله (وَاخْشَوْنِ (١٥) الْيَوْمَ) بحذف الياء ، وكذلك (وَاخْشَوْنِ (١٦) وَلا

__________________

(١) الآية ٢

(٢) زيادة اقتضاها السياق ، وانظر ناسخ النحاس

(٣) الآية ٥ سورة التوبة

(٤) الآية ٣٣

(٥) الآية ٣٤

(٦) الآية ٤٢

(٧) الآية ٤٩

(٨) الآية ٩٩

(٩) الآية ١٠٥

(١٠) زيادة اقتضاها السياق ، وانظر ناسخ النحاس

(١١) الآية ١٠٦

(١٢) ب : «منه»

(١٣) الآية ٢ سورة الطلاق

(١٤) كذا. والفعل يتعدى بنفسه ، وقد يكون الأصل : ناسخة

(١٥) الآية ٣

(١٦) الآية ٤٤

١٨٠