بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ١

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ١

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٧٨

لأن المعنى : اجمعا بين الإقامة فيها (والأكل (١) من ثمارها) ، ولو كان الفاء مكان الواو لوجب تأخير الأكل إلى الفراغ من الإقامة ، لأن الفاء للتّعقيب والترتيب ، والذى فى الأعراف من السّكنى (٢) التى معناها اتخاذ الموضع مسكنا ؛ لأنّ الله تعالى أخرج إبليس من الجنة بقوله : (اخْرُجْ (٣) مِنْها مَذْؤُماً). وخاطب آدم فقال (وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) أى اتّخذاها لأنفسكما مسكنا ، وكلا من حيث شئتما ، وكان الفاء أولى ، لأن اتّخاذ المسكن لا يستدعى زمانا ممتدّا ، ولا يمكن الجمع بين الاتخاذ والأكل فيه ، بل يقع الأكل عقيبه. وزاد فى البقرة (رَغَداً) لما زاد فى الخبر تعظيما : (وَقُلْنا) بخلاف سورة الأعراف ، فإن فيها (قالَ). وذهب الخطيب (٤) إلى أن ما فى الأعراف خطاب لهما قبل الدّخول ، وما فى البقرة بعده.

قوله (اهْبِطُوا)(٥) كرّر الأمر بالهبوط لأن الأول (من الجنّة) (٦) والثانى من السماء.

قوله (فَمَنْ (٧) تَبِعَ) (٨) وفى طه (فَمَنِ اتَّبَعَ) ؛ (٩) وتبع (١٠) واتّبع بمعنى ، وإنما اختار فى طه (اتَّبَعَ) موافقة لقوله (يَتَّبِعُونَ (١١) الدَّاعِيَ).

__________________

(١) سقط فى أ

(٢) ب : «السكن»

(٣) الآية ١٨

(٤) هو الخطيب الاسكافى صاحب «درة التنزيل» وانظر كتابه ص ٥

(٥) سقط ما بين القوسين فى أوهو فى الآية ٣٦

(٦) ب : «بالجنة»

(٧) سقط قوله : (تبع) الى قوله : «فمن» فى أ

(٨) فى الآية ٣٨

(٩) الآية ١٢٣

(١٠) سقطت الواو عند الكرمانى ، وهو أسوغ

(١١) فى الآية ١٠٨

١٤١

قوله (وَلا يُقْبَلُ (١) مِنْها شَفاعَةٌ) قدّم الشّفاعة فى هذه الآية. وأخّر العدل ، وقدّم العدل فى الآية (٢) الأخرى من هذه السورة وأخر الشفاعة. وإنما قدم الشفاعة قطعا لطمع من زعم أن آباءهم تشفع لهم ، وأن الأصنام شفعاؤهم عند الله ، وأخرها فى الآية الأخرى لأنّ التقدير فى الآيتين معا لا يقبل منها شفاعة فتنفعها تلك الشفاعة ؛ لأنّ النفع بعد القبول. وقدّم العدل فى الآية الأخرى ليكون لفظ القبول مقدّما فيها.

قوله : (يُذَبِّحُونَ) (٣) بغير واو هنا على البدل من (يَسُومُونَكُمْ) ومثله فى الأعراف (يُقَتِّلُونَ)(٤) وفى إبراهيم (وَيُذَبِّحُونَ)(٥) بالواو لأن ما فى هذه السورة والأعراف من كلام الله تعالى ، فلم يرد تعداد المحن عليهم ، والّذى فى إبراهيم من كلام موسى ، فعدّد (٦) المحن عليهم ، وكان مأمورا بذلك فى قوله (وَذَكِّرْهُمْ (٧) بِأَيَّامِ اللهِ).

قوله (وَلكِنْ كانُوا (٨) أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) هاهنا وفى الأعراف (٩) ، وقال فى آل عمران (وَلكِنْ (١٠) أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) لأنّ ما فى السّورتين إخبار عن قوم فاتوا (١١) وانقرضوا [وما (١٢) فى آل عمران] حكاية حال.

قوله (وَإِذْ (١٣) قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا) بالفاء ، وفى الأعراف (وَكُلُوا) (١٤) بالواو ؛ لأن الدّخول سريع الانقضاء فيعقبه الأكل ، وفى

__________________

(١) الآية ٤٨

(٢) الآية ١٢٣

(٣) الآية ٤٩

(٤) الآية ١٤١

(٥) الآية ٦

(٦) أ : «فعد»

(٧) الآية ٥ سورة ابراهيم

(٨) الآية ٥٧

(٩) الآية ١٦٠

(١٠) الآية ١١٧

(١١) فى كتاب شيخ الاسلام على هامش تفسير الخطيب ١ / ٣٨ : «ماتوا»

(١٢) زيادة اقتضاها السياق.

(١٣) الآية ٥٨

(١٤) الآية ١٦١

١٤٢

(الأعراف) (١)(اسْكُنُوا) والمعنى : أقيموا فيها ، وذلك ممتدّ فذكر بالواو ، أى اجمعوا بين السكنى والأكل ، وزاد فى البقرة) رَغَداً) لأنه تعالى أسنده إلى ذاته بلفظ التعظيم ، بخلاف الأعراف ؛ فإنّ فيه (وَإِذْ قِيلَ) وقدّم (ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً) فى هذه السّورة وأخرها فى الأعراف لأن السابق فى هذه السورة (ادْخُلُوا) فبيّن كيفيّة الدّخول ، وفى هذه السّورة (خَطاياكُمْ) بالإجماع وفى الأعراف (خَطِيئاتِكُمْ) لأن خطايا صيغة (٢) الجمع الكثير ، ومغفرتها أليق فى الآية بإسناد الفعل إلى نفسه سبحانه ، وقال هنا (وَسَنَزِيدُ) (بواو ، وفى الأعراف (سَنَزِيدُ) (٣) بغير واو ؛ لأنّ اتصالهما (٤) فى هذه السّورة أشدّ ؛ لاتّفاق اللفظين ، واختلفا فى الأعراف ؛ لأنّ اللائق به (سَنَزِيدُ) بحذف الواو ؛ ليكون استئنافا للكلام [وفى (٥) هذه السورة (الَّذِينَ (٦) ظَلَمُوا قَوْلاً) وفى الأعراف (ظَلَمُوا (٧) مِنْهُمْ) موافقة لقوله (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى) ولقوله (مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ)].

وفى هذه السّورة (فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) وفى الأعراف (فَأَرْسَلْنا) لأن لفظ الرّسول والرسالة كثرت (٨) فى الأعراف ، فجاء ذلك على طبق ما قبله ، وليس كذلك فى سورة البقرة.

__________________

(١) سقط ما بين القوسين فى أ

(٢) ب : «صفة»

(٣) سقط ما بين القوسين فى أ

(٤) فى الكرمانى «اتصالها»

(٥) من هذا الكلام الى قوله : «دون ذلك» سقط فى أ

(٦) الآية ٥٩

(٧) الآية ١٦٢

(٨) فى شيخ الاسلام ١ / ٣٧ : «كثر» وهو المناسب ، وما هنا يصح على ارادة الجنس أى ألفاظ الرسول والرسالة كما قالوا : الدينار الصفر والدرهم البيض ، وان كان هذا بابه السماع.

١٤٣

قوله (فَانْفَجَرَتْ)(١) وفى الأعراف (فَانْبَجَسَتْ)(٢) لأن الانفجار انصباب الماء بكثرة ، والانبجاس ظهور الماء. وكان فى هذه السورة (وَاشْرَبُوا) فذكر بلفظ بليغ ؛ وفى الأعراف (كُلُوا) وليس فيه (وَاشْرَبُوا) فلم يبالغ فيه.

قوله (وَيَقْتُلُونَ (٣) النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ) فى هذه السّورة ؛ وفى آل عمران (وَيَقْتُلُونَ (٤) النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ) ؛ وفيها وفى النساء (وَقَتْلِهِمُ (٥) الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ) لأن ما فى البقرة إشارة إلى الحقّ الذى أذن الله أن يقتل النفس فيه (٦) وهو قوله (وَلا تَقْتُلُوا (٧) النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ) ؛ وكان الأولى بالذكر ؛ لأنه من الله تعالى ؛ وما فى آل عمران والنساء نكرة أى (٨) بغير حقّ فى معتقدهم ودينهم ؛ فكان بالتنكير أولى. وجمع (النَّبِيِّينَ) فى البقرة جمع السّلامة لموافقة ما بعده من جمعى السلامة وهو (الَّذِينَ) (وَالصَّابِئِينَ). وكذلك فى آل عمران (إِنَّ الَّذِينَ وناصِرِينَ) و (مُعْرِضُونَ) بخلاف الأنبياء فى السّورتين.

قوله (إِنَّ الَّذِينَ (٩) آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ) وقال فى الحج (١٠) (الصَّابِئِينَ وَالنَّصارى) وقال فى المائدة (١١) (وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى) لأن النّصارى مقدّمون على الصّابئين فى الرتبة ؛ لأنهم أهل الكتاب ؛

__________________

(١) الآية ٦٠

(٢) الآية ١٦٠

(٣) الآية ٦١

(٤) الآية ٢١

(٥) الآية ١٨١ سورة آل عمران ، والآية ١٥٥ سورة النساء

(٦) كذا فى ب ، وسقط فى أ ، وفى شيخ الاسلام : «به»

(٧) الآية ١٥١ سورة الأنعام ، والآية ١٣٣ سورة الاسراء

(٨) أ : «بخلق بغير حق»

(٩) الآية ٦٢

(١٠) الآية ١٧

(١١) الآية ٦٩

١٤٤

فقدّمهم فى البقرة ؛ والصّابئون مقدّمون على النصارى فى الزمان ؛ لأنهم كانوا قبلهم فقدّمهم فى الحج ، وراعى فى المائدة المعنيين ؛ فقدّمهم فى اللفظ ، وأخرهم فى التقدير ؛ لأن تقديره : والصّابئون كذلك ؛ قال الشاعر : (١)

فمن كان أمسى بالمدينة رحله

فإنى وقيّار بها لغريب

أراد : إنى لغريب بها وقيّار كذلك. فتأمّل فيها وفى أمثالها يظهر لك إعجاز القرآن.

قوله (أَيَّاماً (٢) مَعْدُودَةً) وفى آل عمران (أَيَّاماً (٣) مَعْدُوداتٍ) لأنّ الأصل فى الجمع إذا كان واحده مذكّرا أن يقتصر فى الوصف على التأنيث ؛ نحو : سرر مرفوعة وأكواب موضوعة. وقد يأتى سرر مرفوعات (على (٤) تقدير ثلاث سرر مرفوعة) وتسع سرر مرفوعات ؛ إلا أنه ليس بالأصل. فجاء فى البقرة على الأصل ، وفى آل عمران على الفرع.

وقوله : (فِي أَيَّامٍ (٥) مَعْدُوداتٍ) أى فى ساعات أيام معدودات. وكذلك (فِي أَيَّامٍ (٦) مَعْلُوماتٍ).

قوله (وَلَنْ (٧) يَتَمَنَّوْهُ) وفى الجمعة (٨) (وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ) لأن دعواهم فى هذه السّورة بالغة قاطعة ، وهى كون الجنّة لهم بصفة الخلوص ، فبالغ

__________________

(١) هو ضابئ بن الحارث البرجمى. حبسه عثمان رضى الله عنه بالمدينة لقذف صدر منه وقيار اسم فرسه ، وقوله : «كان» فى الكرمانى : «يك». وانظر اللسان فى قير

(٢) الآية ٨٠

(٣) الآية ٢٤

(٤) سقط ما بين القوسين فى أ

(٥) الآية ٢٠٣

(٦) الآية ٢٨ سورة الحج

(٧) الآية ٩٥

(٨) الآية ٧

١٤٥

فى الردّ عليهم بلن ، وهو أبلغ ألفاظ النفى ، ودعواهم فى الجمعة قاصرة مترددة (١) ، وهى زعمهم أنهم أولياء الله ، فاقتصر على (لا).

قوله (بَلْ أَكْثَرُهُمْ (٢) لا يُؤْمِنُونَ) وفى غيرها (لا يَعْقِلُونَ) (لا يَعْلَمُونَ) لأن هذه نزلت فيمن نقض العهد من اليهود ، ثم قال (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) ؛ لأن اليهود بين ناقض عهد ، وجاحد حق ، إلا القليل ، منهم عبد الله بن سلام وأصحابه ، ولم يأت هذان المعنيان معا فى غير هذه السّورة.

قوله : (وَلَئِنِ (٣) اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) وفيها أيضا (مِنْ (٤) بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) فجعل مكان قوله : (الّذى) (ما) وزاد (من) ؛ لأنّ العلم فى الآية الأولى علم بالكمال ، وليس وراءه علم ؛ لأنّ معناه : بعد الذى جاءك من العلم بالله ، وصفاته ، وبأنّ الهدى هدى الله ، ومعناه : بأنّ دين الله الإسلام ؛ وأنّ القرآن كلام الله ، (وكان) (٥) لفظ (الذى) أليق به من لفظ (ما) لأنه فى التعريف أبلغ ؛ وفى الوصف أقعد ؛ لأن (الذى) تعرّفه صلته ، فلا ينكّر قطّ ، ويتقدّمه أسماء الإشارة ؛ نحو قوله (أَمَّنْ (٦) هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ)(أَمَّنْ هذَا (٧) الَّذِي يَرْزُقُكُمْ) فيكتنف (الذى) بيانان : الإشارة ، والصلة ، ويلزمه الألف واللّام ، ويثنّى ويجمع. وأمّا (ما) فليس له شىء من ذلك ؛ لأنه يتنكّر مرّة ، ويتعرّف أخرى ، ولا يقع وصفا لأسماء الإشارة ، ولا يدخله الألف

__________________

(١) فى شيخ الاسلام ١ / ٤٧ : «مردودة» وهى أولى.

(٢) الآية ١٠٠

(٣) الآية ١٢٠

(٤) الآية ١٤٥

(٥) فى الكرمانى «فكان» وهو أوفق.

(٦) الآية ٢٠ سورة الملك

(٧) الآية ٢١ سورة الملك

١٤٦

واللام ، ولا يثنّى ولا يجمع ، وخصّ الثّانى بـ (ما) لأنّ المعنى : من بعد ما جاءك من العلم بأن قبلة الله هى الكعبة ، وذلك قليل من كثير من العلم. وزيدت معه (من) الّتى لابتداء الغاية ؛ لأن تقديره : من الوقت الذى جاءك فيه العلم بالقبلة ؛ لأن القبلة (١) الأولى نسخت بهذه الآية. وليس الأوّل موقّتا بوقت. وقال فى سورة الرّعد : (بَعْدَ (٢) ما جاءَكَ) فعبّر بلفظ (ما) ولم يزد (من) لأن العلم هاهنا هو الحكم العربىّ أى القرآن ، وكان بعضا من الأوّل ، ولم يزد فيه (من) لأنه غير موقّت. وقريب من معنى القبلة ما فى آل عمران (مِنْ بَعْدِ (٣) ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) فلهذا جاء بلفظ (ما) وزيد فيه (من (٤)).

قوله : (وَاتَّقُوا (٥) يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) هذه الآية والّتى (٦) قبلها متكررتان. وإنما كرّرتا لأن كل واحدة منهما صادفت معصية تقتضى تنبيها ووعظا ؛ لأن كلّ واحدة (٧) منهما وقعت فى غير وقت الأخرى.

قوله (رَبِّ اجْعَلْ (٨) هذا بَلَداً آمِناً) وفى إبراهيم (هَذَا (٩) الْبَلَدَ آمِناً) لأن (هذا) إشارة إلى المذكور فى قوله (بِوادٍ (١٠) غَيْرِ ذِي زَرْعٍ) قبل بناء الكعبة ، وفى إبراهيم إشارة الى البلد بعد البناء ، فيكون (بَلَداً) فى هذه السّورة المفعول الثانى (و (١١) (آمِناً) صفة ؛ و (الْبَلَدَ) فى إبراهيم المفعول الأول

__________________

(١) ب : «قبلة»

(٢) الآية ٣٧

(٣) الآية ٦١

(٤) سقط ما بين القوسين فى أ

(٥) الآية ١٢٣

(٦) الآية ٤٨

(٧) فى أ ، ب : «واحد» والتصحيح من الكرمانى

(٨) الآية ١٢٦

(٩) الآية ٣٥

(١٠) فى الآية ٣٧ سورة ابراهيم

(١١) سقط فى (ا) الى قوله : «المفعول الثانى»

١٤٧

و (آمِناً) المفعول الثانى) و (قيل (١)) : لأنّ النكرة اذا تكرّرت صارت معرفة. وقيل : تقديره فى البقرة : هذا البلد (بلدا) (٢) آمنا ، فحذف اكتفاء بالإشارة ، فتكون الآيتان سواء.

قوله (وَما (٣) أُنْزِلَ إِلَيْنا) فى هذه السّورة وفى آل عمران (عَلَيْنا) (٤) لأنّ (إلى) للانتهاء إلى الشىء من أىّ جهة (٥) كان ، والكتب منتهية إلى الأنبياء ، وإلى أمّتهم جميعا ، والخطاب فى هذه السّورة للأمّة ، لقوله تعالى : (قُولُوا) فلم يصحّ إلّا (إلى) ؛ و (على) مختصّ بجانب الفوق ، وهو مختصّ بالأنبياء ؛ لأنّ الكتب منزّلة عليهم ، لا شركة للأمة فيها. وفى آل عمران (قُلْ) وهو مختصّ بالنبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم دون أمّته ؛ فكان الّذى يليق به (على) وزاد فى هذه السّورة (وَما أُوتِيَ) وحذف من آل عمران (لأنّ) (٦) فى آل عمران قد تقدّم ذكر الأنبياء حيث قال (لَما (٧) آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ).

قوله (تِلْكَ (٨) أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ) كرّرت (٩) هذه الآية لأن المراد بالأول (١٠) الأنبياء ، وبالثانى أسلاف اليهود والنّصارى. قال القفّال (١١) : الأول لإثبات ملّة إبراهيم لهم جميعا ؛ والثانى لنفى اليهوديّة والنصرانية عنهم.

__________________

(١) سقط ما بين القوسين فى ب

(٢) زيادة اقتضاها السياق

(٣) الآية ١٣٦

(٤) الآية ٨٤

(٥) ب : «وجهة»

(٦) سقط فى ب

(٧) الآية ٨١

(٨) الآية ١٣٤ والآية ١٤١

(٩) سقط فى أ

(١٠) ب : «بالأولى»

(١١) هو محمد بن على بن اسماعيل المعروف بالقفال الشاشى ، كان اماما فى الفقه والتفسير مات سنة ٣٥٦ ه‍. عن تاج العروس (قفل)

١٤٨

قوله (وَمِنْ (١) حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ) هذه الآية مكرّرة ثلاث (٢) مرات. قيل : إنّ الأولى لنسخ القبلة (و (٣) الثانية للسبب (٤) ، وهو قوله : (وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) والثالثة للعلّة (٥) ، وهو قوله : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ). وقيل : الأولى فى مسجد (٦) المدينة ، والثانية (٧) (خارج المسجد ، والثالثة) خارج البلد. وقيل فى الآيات خروجان : خروج إلى مكان ترى فيه القبلة ، وخروج إلى مكان لا ترى ، أى الحالتان فيه سواء. وقيل : إنما كرر لأن المراد بذلك الحال والزمان والمكان. وفى الآية الأولى [(وَ (٨) حَيْثُ ما كُنْتُمْ) وليس فيها](وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ) [وفى (٩) الآية الثانية (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ]) وليس فيها (حَيْثُ ما كُنْتُمْ) فجمع فى الآية الثالثة بين قوله (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ) وبين قوله (وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ) ليعلم أن النبى والمؤمنين سواء.

قوله (إِلَّا (١٠) الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا) ليس فى هذه السورة (من بعد ذلك) وفى غيرها (من بعد ذلك) لأن قبله (مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ) فلو أعاد ألبس (١١).

__________________

(١) الآية ١٤٩ ، والآية ١٥٠

(٢) عرفت أن الوارد بهذا اللفظ آيتان فقط. وكأنه يريد بالثالثة قوله تعالى : (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) فى الآية ١٤٤

(٣) سقط ما بين القوسين فى أ.

(٤) كأن الفرق بين السبب والعلة أن العلة يلاحظ فيها ما فيه مصلحة وغرض للعباد ، والسبب لا يلاحظ فيه ذلك.

(٥) ب : «للملة» تحريف

(٦) فى تفسير الفخر الرازى : «المسجد الحرام»

(٧) سقط ما بين القوسين فى ب

(٨) زيادة من الكرمانى

(٩) زيادة من الكرمانى

(١٠) الآية ١٦٠

(١١) ب : «التبس»

١٤٩

قوله (لَآياتٍ (١) لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) خص العقل بالذكر ؛ لأنه (٢) به يتوصّل إلى معرفة الآيات. ومثله فى الرعد والنحل والنور والروم.

قوله (ما أَلْفَيْنا (٣) عَلَيْهِ آباءَنا) فى هذه السورة وفى المائدة ولقمان (ما (٤) وَجَدْنا) لأن ألفيت يتعدى إلى مفعولين ، تقول : ألفيت زيدا قائما. ووجدت يتعدى مرة إلى مفعول واحد : وجدت الضالة ؛ ومرة إلى مفعولين : وجدت زيدا قائما ؛ فهو مشترك. وكان الموضع الأول باللفظ الأخصّ أولى ؛ لأن غيره إذا وقع موقعه فى الثانى والثالث علم أنه بمعناه.

قوله (أَوَلَوْ (٥) كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً) وفى المائدة (لا يَعْلَمُونَ) (٦) لأنّ العلم أبلغ درجة من العقل. ولهذا يوصف تعالى بالعلم ، لا بالعقل ؛ وكانت دعواهم فى المائدة أبلغ ، لقولهم (حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) فادّعوا النهاية بلفظ (حسبنا) فنفى ذلك بالعلم وهو النّهاية. وقال فى البقرة : (بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا) ولم يكن النّهاية ، فنفى بما هو دون العلم ؛ ليكون كلّ دعوى منفيّة بما يلائمها.

قوله (وَما (٧) أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ) قدّم (بِهِ) فى هذه السورة ، وأخرها فى المائدة (٨). والأنعام (٩) ، والنحل (١٠) ؛ لأن تقديم الباء الأصل ؛ فإنها

__________________

(١) الآية ١٦٤

(٢) ب : «لأن»

(٣) الآية ١٧٠

(٤) الآية ١٠٤ سورة المائدة والآية ٢١ سورة لقمان.

(٥) الآية ١٧٠

(٦) الآية ١٠٤

(٧) الآية ١٧٢

(٨) الآية ٣

(٩) الآية ١٤٥

(١٠) الآية ١١٥

١٥٠

تجرى مجرى الألف (١) والتشديد فى التّعدّى ، وكان كحرف من الفعل. وكان الموضع الأول أولى بما هو الأصل ؛ ليعلم ما يقتضيه اللفظ. ثم قدم فيما سواها ما هو المستنكر (٢) ، وهو الذبح لغير الله ، وتقديم ما هو الغرض أولى (٣). ولهذا جاز تقديم المفعول على الفاعل. والحال على ذى الحال. والظرف على العامل فيه ؛ إذا كان (أكثر (٤) فى) الغرض فى الإخبار.

قوله (فَلا إِثْمَ (٥)) (بالفاء وفى (٦) السور الثلاث بغير فاء) لأنه لمّا قال فى الموضع الأوّل : (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) صريحا كان النفى فى غيره تضمينا ؛ لأنّ (٧) قوله : (غَفُورٌ رَحِيمٌ) يدلّ على أنه لا إثم عليه.

قوله (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ). وفى الأنعام (فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) لأن لفظ الرب تكرر فى الأنعام (مرات (٨) ولأن فى الأنعام) قوله (وَهُوَ (٩) الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ) الآية وفيها ذكر الحبوب والثمار وأتبعها بذكر الحيوان من الضأن والمعز والإبل والبقر وبها تربية الأجسام (وكان) (١٠) ذكر الرب بها أليق.

__________________

(١) أ ، ب : «الألف واللام» واتمام اللام هنا خطأ فى النسخ ، فان المراد بالألف وهمزة التعدية. وقد اعتمدت فى التصحيح على ما فى الكرمانى وشيخ الاسلام ١ / ٧١

(٢) أ : «المستكثر»

(٣) أ : «الأولى»

(٤) أ : «اكبر»

(٥) الآية ١٧٣

(٦) هذه العبارة تفيد أن جملة «فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ» * وردت فى السور الأربع. غير أن البقرة انفردت بالفاء ، وهذا غير صحيح فان هذه الجملة لم ترد الا فى البقرة. وجواب الشرط فى السور الثلاث غيرها هو «فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» * الا فى الأنعام فهو «فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» كما سيأتى والصواب عبارة الكرمانى : «وفى السور الثلاث بحذفها» ويريد حذف هذه الجملة. والسور الثلاث هى المائدة فى الآية ٣. والأنعام فى الآية ١٤٥. والنحل فى الآية ١١٥

(٧) ب : «الى»

(٨) سقط ما بين القوسين فى ب

(٩) الآية ١٤١

(١٠) عبارة الكرمانى : «فكان» وهى أولى

١٥١

قوله (إِنَ (١) الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ) الآية هنا على هذا النسق ، وفى آل عمران (أُولئِكَ (٢) لا خَلاقَ لَهُمْ) لأنّ المنكر فى هذه السّورة أكثر ، فالتوعد (٣) فيها أكثر : وإن شئت قلت : زاد فى آل عمران (وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ) فى مقابلة (ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ).

قوله فى آية (٤) الوصيّة (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) خصّ السّمع بالذكر لما فى الآية من قوله (بَعْدَ ما سَمِعَهُ) ؛ ليكون مطابقا. وقال فى الآية الأخرى بعدها (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) لقوله (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) فهو مطابق معنى.

قوله (فَمَنْ (٥) كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ) (قيد) (٦) بقوله (منكم) وكذلك (فَمَنْ (٧) كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ) ولم يقيّد فى قوله (وَمَنْ (٨) كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ) اكتفى بقوله (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ) ؛ لاتّصاله «به» (٩).

قوله (تِلْكَ (١٠) حُدُودُ اللهِ فَلا تَقْرَبُوها) ؛ وقال بعدها : (تِلْكَ (١١) حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها) لأن (حدود) (١٢) الأول نهى ، وهو قوله : (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ) وما كان من الحدود نهيا أمر بترك المقاربة (١٣) ، والحدّ الثّانى أمر وهو بيان

__________________

(١) الآية ١٧٤

(٢) الآية ٧٧

(٣) أ : «فالتوعيد»

(٤) الآية ١٨١

(٥) الآية ١٨٤

(٦) سقط فى ب

(٧) الآية ١٩٦

(٨) الآية ١٨٥

(٩) زيادة من الكرمانى

(١٠) الآية ١٨٧

(١١) الآية ٢٢٩

(١٢) أ : «الحد»

(١٣) ا ، ب : «المقارنة» وما أثبت عن الكرمانى وشيخ الاسلام

١٥٢

عدد الطلاق ، بخلاف ما كان عليه العرب : من المراجعة بعد الطلاق من غير عدد ، وما كان أمرا أمر بترك المجاوزة وهو الاعتداء.

قوله (١) (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ) جميع ما فى القرآن من السؤال وقع الجواب عنه بغير فاء إلّا فى قوله (وَيَسْئَلُونَكَ (٢) عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها) فإنّه بالفاء ؛ لأن الأجوبة فى الجميع كانت بعد السّؤال ؛ وفى طه قبل السّؤال ؛ فكأنه قيل : إن سئلت عن الجبال فقل.

قوله (وَيَكُونَ (٣) الدِّينُ لِلَّهِ) فى هذه السّورة ، وفى الأنفال (كُلُّهُ (٤) لِلَّهِ) ؛ لأن القتال فى هذه السّورة مع أهل مكّة ، وفى الأنفال مع جميع الكفار ، فقيّده بقوله (كُلُّهُ).

قوله (أَمْ حَسِبْتُمْ (٥) أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ) وفى آل عمران (وَلَمَّا (٦) يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ) الآية وفى التوبة (أَمْ حَسِبْتُمْ (٧) أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ) الآية الأولى للنبى والمؤمنين ، والثانى (٨) للمؤمنين ، والثالث (٩) للمجاهدين.

قوله : (لَعَلَّكُمْ (١٠) تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) وفى آخر السّورة (لَعَلَّكُمْ (١١) تَتَفَكَّرُونَ) ومثله فى الأنعام (١٢) ، لأنّه لمّا بيّن فى الاوّل مفعول التفكّر

__________________

(١) الآية ١٨٩

(٢) الآية ١٠٥ سورة طه

(٣) الآية ١٩٣

(٤) الآية ٣٩

(٥) الآية ٢١٤

(٦) الآية ١٤٢

(٧) الآية ١٦

(٨) المناسب : «والثانية» وكذا قوله : «والثالث» المناسب : «والثالثة» وعبارة شيخ الاسلام ١ / ٨٥ : «وفى الثانية للمجاهدين ، وفى الثالثة للمؤمنين» وتراه فى الثانية والثالثة عكس ما هنا

(٩) المناسب : «والثانية» وكذا قوله : «والثالث» المناسب : «والثالثة» وعبارة شيخ الاسلام ١ / ٨٥ : «وفى الثانية للمجاهدين ، وفى الثالثة للمؤمنين» وتراه فى الثانية والثالثة عكس ما هنا

(١٠) الآيتان ٢١٩ ، ٢٢٠

(١١) الآية ٢٦٦

(١٢) الآية ٥٠ ، والذى فيها «أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ»

١٥٣

وهو قوله (فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) حذفه ممّا بعده للعلم. وقيل (١) (فى) متعلقة بقوله (يُبَيِّنُ اللهُ).

قوله (وَلا تَنْكِحُوا (٢) الْمُشْرِكاتِ) بفتح التاء والثّانى بضمّها. لأن الأول من (نكحت) والثانى من (أنكحت). وهو يتعدّى إلى مفعولين والمفعول الأول فى الآية (الْمُشْرِكِينَ) والثانى محذوف وهو (المؤمنات) أى لا تنكحوا المشركين النّساء المؤمنات حتى يؤمنوا.

قوله (وَلا (٣) تُمْسِكُوهُنَّ) أجمعوا على تخفيفه (٤) إلّا شاذّا. وما فى غير هذه السورة قرئ بالوجهين ، لأن قبله (فَأَمْسِكُوهُنَّ) وقبل ذلك (فَإِمْساكٌ) يقتضى (٥) ذلك التخفيف.

قوله (ذلِكَ (٦) يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ) وفى الطّلاق (ذلِكُمْ (٧) يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ) الكاف فى ذلك لمجرّد الخطاب. لا محلّ له من الإعراب فجاز الاقتصار على التّوحيد. وجاز إجراؤه على عدد المخاطبين. ومثله (عَفَوْنا (٨) عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ). وقيل : حيث جاء موحّدا فالخطاب للنبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وخصّ بالتّوحيد فى هذه الآية لقوله : (مَنْ كانَ مِنْكُمْ). وجمع فى الطّلاق لمّا لم يكن بعد (منكم).

قوله (فَلا جُناحَ (٩) عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) وقال فى

__________________

(١) هى قوله : «فى الدنيا والآخرة» وفى ب بدل قوله فى متعلقة : «المتعلقة»

(٢) الآية ٢٢١

(٣) الآية ٢٣١

(٤) أ : «تحقيقه» يريد بالتخفيف عدم تشديد الميم

(٥) عبارة الكرمانى : «فاقتضى» وهى اولى

(٦) الآية ٢٣٢

(٧) الآية ٢

(٨) الآية ٥٢ سورة البقرة

(٩) الآية ٢٣٤

١٥٤

الأخرى (مِنْ مَعْرُوفٍ) (١) ؛ لأن تقدير الأوّل فيما (فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَ) (بأمر الله (٢) وهو المعروف والثانى (فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ) من فعل من أفعالهنّ معروف ، أى جاز (٣) فعله شرعا.

وقوله (وَلَوْ شاءَ (٤) اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ) ثمّ قال (وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا) فكرّر تأكيدا. وقيل ليس بتكرار ؛ لأن الأوّل للجماعة ، والثانى للمؤمنين. وقيل : كرّره تكذيبا لمن زعم أنّ ذلك لم يكن بمشيئة الله.

قوله (وَيُكَفِّرُ (٥) عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ) بزيادة (من) موافقة لما بعدها ؛ لأن بعدها ثلاث آيات فيها (من) على التوالى ؛ وهو قوله : (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ) ثلاث مرات.

قوله (فَيَغْفِرُ (٦) لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) (يغفر) مقدّم هنا ، وفى غيرها إلا فى المائدة ؛ فإنّ فيها (يُعَذِّبُ (٧) مَنْ يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) لأنها نزلت فى حقّ السارق والسارقة ، وعذابهما يقع فى الدنيا فقدّم لفظ العذاب ، وفى غيرها قدّم (٨) لفظ المغفرة رحمة منه سبحانه ، وترغيبا للعباد فى المسارعة إلى موجبات المغفرة ، جعلنا منهم آمين (٩).

__________________

(١) الآية ٢٤٠

(٢) سقط ما بين القوسين فى ب

(٣) كذا والأسوغ : «جائز»

(٤) الآية ٢٥٣

(٥) الآية ٢٧١

(٦) الآية ٢٨٤

(٧) الآية ٤٠

(٨) سقط فى أ

(٩) أ : «آمنين»

١٥٥

فضل السورة

عن أبى بريدة عن أبيه أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : (تعلّموا (١) البقرة ؛ فإن أخذها بركة ، وتركها حسرة ، ولن يستطيعها البطلة). وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم (إنّ (٢) الشّيطان لا يدخل بيتا يقرأ فيه سورة البقرة) وعن عكرمة قال : أول سورة نزلت بالمدينة سورة البقرة ، من قرأها فى بيته نهارا لم يدخل بيته شيطان ثلاثة أيّام. ومن قرأها فى بيته ليلا لم يدخله شيطان ثلاث ليال. وروى أنّ من قرأها كان له بكلّ حرف أجر مرابط فى سبيل الله. وعن أنس قال [كان] الرّجل إذا قرأ سورة البقرة جدّ فينا ، أى عظم فى أعيننا. وعن ابن مسعود قال : كنّا نعدّ من يقرأ سورة البقرة من الفحول. وقد أمّر (٣) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فتى على جماعة من شيوخ الصحابة كان يحسن سورة البقرة. وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (اقرءوا (٤) الزّهراوين : البقرة وآل عمران فإنّهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان (٥) أو فرقان (٦) من طير صوافّ يحاجّان عن

__________________

(١) الحديث أخرجه أحمد عن بريدة ، كما فى الاتقان (النوع ٧٢). وفى شهاب البيضاوى فى آخر سورة البقرة تفسير البطلة بالسحرة أو بالبلغاء

(٢) من حديث رواه الحاكم كما فى الترغيب والترهيب

(٣) من حديث رواه الترمذى كما فى الترغيب والترهيب

(٤) رواه أبو أمامة الباهلى ، كما فى الترغيب والترهيب

(٥) تثنية غياية ، وهى كل شىء أظل الانسان فوق رأسه كالسحابة والغاشية ونحوهما ، كما فى الترغيب والترهيب.

(٦) تثنية فرق ، وهو القطيع من الغنم والظباء ونحوهما

١٥٦

صاحبهما ، وعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : يا علىّ (١) من قرأ سورة البقرة لا تنقطع عنه الرحمة ما دام حيّا ، وجعل الله البركة فى ماله : فإن فى تعلّمها ألف بركة ، وفى قراءتها عشرة آلاف بركة ، ولا يتعاهدها إلا مؤمن من أهل الجنة ، وله بكلّ آية قرأها ثواب شيث بن آدم عليهما‌السلام. فمن مات من يوم قرأها إلى مائة يوم مات شهيدا.

__________________

(١) هذا كحديث أبى من الموضوعات

١٥٧

٣ ـ بصيرة فى الم. الله

من أسمائها سورة آل عمران ، والسّورة التى يذكر فيها آل عمران ، والزّهراء.

وعمران المذكور هو عمران والد موسى وهارون عليهما‌السلام وهو ابن يصهر (١) بن فاهث بن لاوى بن يعقوب. وأما عمران والد مريم فهو ابن ماتان بن أسعراد (٢) بن أبى (٣) ثور.

وهذه السّورة مدنية باتّفاق جميع المفسرين. وكذلك كلّ سورة تشتمل على ذكر أهل الكتاب. وعدد آياتها مائتان بإجماع القرّاء.

وكلماتها ثلاثة آلاف وأربعمائة وثمانون. وحروفها أربعة عشر ألفا وخمسمائة وخمسة وعشرون حرفا.

والآيات المختلف فيها (٤) سبع : الم ، (الْإِنْجِيلَ) (٥) الثانى ، (أَنْزَلَ (٦) الْفُرْقانَ) (وَرَسُولاً (٧) إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ) ، (مِمَّا تُحِبُّونَ) ، (٨) (مَقامُ (٩) إِبْراهِيمَ) ، و (الْإِنْجِيلَ) الأول فى قول بعضهم.

__________________

(١) أ : «يصفر» وفى ب : «يصفر» ، والتصحيح فى تاريخ الطبرى والبيضاوى فى تفسير قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ) الآية.

(٢) كذا فى ب وفى أ : «أسعار» وفى تفسير البيضاوى : «أسعازار» وفى تاريخ الطبرى «اليعازر»

(٣) فى تفسير البيضاوى : «أبى بور» وفى تاريخ الطبرى : «اليوذ»

(٤) سقط فى ب

(٥) الآية ٤٨

(٦) فى الآية ٤

(٧) فى الآية ٤٩

(٨) فى الآية ٩٢

(٩) فى الآية ٩٧

١٥٨

مجموع (١) فواصل آياتها (ل ق د ا ط ن ب م ر) يجمعها قولى : (لقد أطنب مرّ) والقاف آخر آية واحدة (ذُوقُوا (٢) عَذابَ الْحَرِيقِ) والهمز (٣) آخر ثلاث آيات (لا يَخْفى (٤) عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) (إِنَّكَ (٥) سَمِيعُ الدُّعاءِ) (كَذلِكَ (٦) اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ).

ومضمون السّورة مناظرة وفد (٧) نجران ، إلى نحو ثمانين آية من أوّلها ، وبيان المحكم ، والمتشابه ، وذمّ الكفّار ، ومذمّة الدنيا ، وشرف العقبى ، ومدح الصّحابة ، وشهادة التّوحيد ، والرّد على أهل الكتاب ، وحديث ولادة مريم ، وحديث كفالة زكريا ، ودعائه ، وذكر ولادة عيسى ، ومعجزاته ، وقصة الحواريّين ، وخبر المباهلة (٨) ، والاحتجاج على النّصارى ، ثمّ أربعون آية فى ذكر المرتدّين ، ثم ذكر خيانة علماء يهود ، وذكر الكعبة ، ووجوب الحج ، واختيار هذه الأمّة الفضلى ، والنّهى عن موالاة الكفار ، وأهل الكتاب ، ومخالفى الملّة الإسلامية ، ثم خمس (٩) وخمسون آية فى قصّة حرب أحد ، وفى التخصيص (١٠) ، والشكوى من أهل المركز (١١) ، وعذر المنهزمين ، ومنع الخوض فى باطل

__________________

(١) سقط فى ب.

(٢) فى الآية ١٨١.

(٣) ب : «الهمزة».

(٤) فى الآية ٥.

(٥) فى الآية ٣٨.

(٦) فى الآية ٤٠.

(٧) نجران بلد فى اليمن من ناحية مكة.

(٨) من البهلة وهى اللعنة ، وهى المذكورة فى قوله تعالى : (ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ)

(٩) من الآية ١٢١.

(١٠) كذا فى أ ، ب. والظاهر أنه محرف عن «التمحيص» ويكون اشارة الى قوله تعالى : (وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ).

(١١) هو الموضع يؤمر الجند أن يلزموه. وأهل المركز هم الرماة الذين امرهم الرسول عليه الصلاة والسّلام أن يلزموا أماكنهم بجانب أحد.

١٥٩

المنافقين ، (وتقرير (١) قصّة الشهداء ، وتفصيل (٢) غزوة بدر (٣) الصغرى ، ثم رجع إلى ذكر المنافقين) فى خمس وعشرين آية ، والطّعن على علماء اليهود ، والشكوى منهم فى نقض العهد ، وترك بيانهم نعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المذكور فى التّوراة ، ثم دعوات الصحابة ، وجدهم (٤) فى حضور الغزوات ، واغتنامهم درجة الشهادة. وختم السورة بآيات الصبر والمصابرة والرّباط.

وأمّا الناسخ والمنسوخ فى هذه السورة فخمس آيات : (وَإِنْ (٥) تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ). م بآية السّيف ن (كَيْفَ (٦) يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ) إلى تمام ثلاث آيات م (إِلَّا (٧) الَّذِينَ تابُوا) ن نزلت فى الستة الذين ارتدوا ثم تابوا وأسلموا (اتَّقُوا (٨) اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) (وَجاهِدُوا (٩) فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ) م (فَاتَّقُوا (١٠) اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ن.

__________________

(١) سقط ما بين القوسين فى ب

(٢) أ : «تفضيل» وظاهر انه تصحيف.

(٣) لما انتهت غزوة أحد تواعد المسلمون وقريش أن يلتقوا فى العام القابل فى بدر. فلما حل الموعد خافت قريش ودسوا الى المسلمين من يثبطهم عن الذهاب الى بدر فلم يثن ذلك المسلمين وذهب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم الى بدر فلم يجدوا العدو ، فهذه بدر الصغرى. فأما الكبرى فهى السابقة على غزوة أحد ، كان فيها النصر المؤزر للمسلمين. ونزل فى بدر الصغرى قوله تعالى : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً ، وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ). وما بعدها.

(٤) فى أ ، ب «حدهم»

(٥) الآية ٢٠

(٦) الآية ٨٦

(٧) الآية ٨٩ ، وكون الاستثناء ناسخا قول بعض الفقهاء

(٨) الآية ١٠٢

(٩) هذه الآية لامكان لها هنا فانها فى الحج

(١٠) الآية ١٦ سورة التغابن

١٦٠