بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ١

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ١

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٧٨

مدنى ؛ لأنّها فى سورة مدنيّة (١) وفى سورة المائدة (الْيَوْمَ (٢) أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) نزلت يوم عرفة. نزلت فى حال الوقفة والنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ناقته العضباء ، فسقطت العضباء على ركبتيها ، من هيبة الوحى بها ، وسورة المائدة مدنية.

وأمّا التى نزلت بالمدينة وحكمها مكىّ ف ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ) نزلت فى حق حاطب (٣) ، خطابا لأهل مكّة. وسورة الرعد مدنية والخطاب مع أهل مكّة. وأول سورة براءة إلى قوله (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) خطاب لمشركى مكّة والسّورة مدنية.

وأما التى نزلت بالجحفة (٤) فقوله تعالى : (إِنَ (٥) الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ) فى سورة طس القصص.

وأما التى نزلت ببيت المقدس ففى سورة الزخرف (وَسْئَلْ (٦) مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا) نزلت ليلة المعراج ، لمّا اقتدى به الأنبياء فى الصلاة فى المسجد الأقصى ، وفرغ من الصّلاة ، نزل جبريل بهذه الآية.

وأما التى نزلت بالطائف ففى سورة الفرقان (أَلَمْ (٧) تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ

__________________

(١) لأنها نزلت بعد الهجرة / انظر البرهان ١ / ١٩٥

(٢) الآية ٣ سورة المائدة.

(٣) ا ، ب : «خاطب» تصحيف. وحاطب هو ابن أبى بلتعة حليف بنى أسد من قريش وترجمته وقصته فى الاصابة رقم ١٥٣٣ والآية اول سورة الممتحنة.

(٤) يقول ياقوت فى معجم البلدان : انها كانت قرية كبيرة ذات منبر على طريق المدينة من مكة على أربع مراحل. وهى ميقات أهل مصر والشام أن لم يمروا على المدينة ، فان مروا بالمدينة فميقاتهم ذو الحليفة. ويقابلها الآن على البحر الأحمر رابغ ومنها يحرم أهل مصر.

(٥) الآية ٨٥

(٦) الآية ٤٥

(٧) الآية ٤٥

١٠١

مَدَّ الظِّلَّ) ، وفى سورة الانشقاق (بَلِ (١) الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ) يعنى كفار مكّة.

وأما التى نزلت بالحديبية ففى سورة الرعد (وَهُمْ يَكْفُرُونَ (٢) بِالرَّحْمنِ) لما أمر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يكتب فى أوّل كتاب الصّلح : بسم الله الرحمن الرحيم قال سهيل بن عمرو : لا نعرف الرحمن إلّا (٣) رحمن اليمامة ، فنزل قوله تعالى : (وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ).

وأمّا ابتداء سورة الحج فنزلت فى غزوة بنى المصطلق.

وقوله تعالى : (وَاللهُ (٤) يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) نزلت فى بعض الغزوات لما قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من يحرسنى الليلة؟ فنزلت الآية.

وفى سورة القصص (إِنَّكَ (٥) لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) نزلت بالليل وهو فى لحاف عائشة رضى الله عنها وعن أبيها.

وأمّا السّور والآيات التى نزلت والملائكة يشيّعونها ففاتحة الكتاب. نزل بها جبريل وسبعمائة ألف ملك يشيّعها ، بحيث امتلأ منهم ما بين السماء والأرض ، طبّقوا (٦) العالم بزجل (٧) تسبيحهم ، وخرّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لهيبة ذلك الحال ، وهو يقول فى سجوده : سبحان الله والحمد لله.

__________________

(١) الآيتان ٢٢ ، ٢٣

(٢) الآية ٣٠

(٣) هو مسيلمة

(٤) الآية ٦٧ من سورة المائدة

(٥) الآية ٥٦

(٦) أ ، ب : «ظنوا» وانظر البرهان ١ / ١٩٩

(٧) أ ، ب : «زجل» والزجل : رفع الصوت

١٠٢

ونزلت سورة الأنعام (١) وسبعون ألف ملك يشيّعها. ونزلت سورة الكهف واثنا عشر ألف ملك يشيّعها. ونزلت آية الكرسىّ وثلاثون ألف ملك يشيّعها. ونزلت يس واثنا عشر ألف ملك يشيّعها.

وأما الآيات المدنية التى فى سوره المكيّة فسورة الأنعام : مكّية ، سوى ست آيات (وَما قَدَرُوا (٢) اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) الآيتين (وَمَنْ (٣) أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) نزلت فى عبد الله بن سعد (٤) ، وفى مسيلمة الكذاب ، و (قُلْ (٥) تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ) الى آخر الثلاث الآيات نزلت بالمدينة أيضا وسورة الأعراف مكّية ، سوى ثلاث آيات (وَسْئَلْهُمْ (٦) عَنِ الْقَرْيَةِ) الى آخر الثلاث الآيات. وسورة إبراهيم مكّيّة ، سوى قوله تعالى : (أَلَمْ (٧) تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ) إلى آخر الآيتين. وسورة النّحل مكّيّة إلى قوله (وَالَّذِينَ (٨) هاجَرُوا فِي اللهِ) وباقى السّورة مدنى ، وسورة بنى إسرائيل مكّيّة ، سوى (وَإِنْ (٩) كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ). وسورة الكهف

__________________

(١) فى البرهان ١ / ١٩٩ عقب حديث سورة الأنعام : «ذكر أبو عمرو بن الصلاح فى فتاويه أن الخبر المذكور جاء من حديث أبى بن كعب عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفى اسناده ضعف ولم نر له اسنادا صحيحا ، وقد روى ما يخالفه ، فروى أنها لم تنزل جملة واحدة ، بل نزل منها آيات بالمدينة اختلفوا فى عددها فقيل ثلاث هى قوله تعالى : (قُلْ تَعالَوْا) الى آخر الآيات ، وقيل : ست وقيل غير ذلك ، وسائرها نزل بمكة».

(٢) الآيتان ٩١ ، ٩٢ قيل نزلتا فى مالك بن الصيف أو غيره وكان يخاصم الرسول عليه الصلاة والسّلام فى المدينة. وانظر القرطبى ٧ / ٣٧

(٣) الآية ٩٣

(٤) هو ابن أبى سرح

(٥) الآيات ١٥١ ، ٥٢ ، ٥٣

(٦) الآيات ١٦٣ ، ١٦٤ هذا ويظهر أن الآية ١٦٦ متعلقة أشد التعلق بما قبلها ، فهى أيضا مما نزل بالمدينة كسابقاتها. وفى البرهان ١ / ٢٠٠ بعد ذكره أن المدنى ثلاث آيات يجعل النهاية قوله تعالى : (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ) وذلك نحو سبع آيات.

(٧) الآيتان ٢٨ ، ٢٩. وفى البرهان ١ / ٢٠٠ أنها نزلت فى قتلى بدر

(٨) الآية ٤١

(٩) الآية ٧٣

١٠٣

مكيّة سوى قوله : (وَاصْبِرْ (١) نَفْسَكَ (٢) مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) ، وسورة القصص مكيّة سوى قوله : (الَّذِينَ (٣) آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) نزلت فى أربعين رجلا من مؤمنى أهل الكتاب ، قدموا من الحبشة وأسلموا مع جعفر (٤). وسورة الزّمر مكيّة ، سوى قوله (يا عِبادِيَ (٥) الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) والحواميم كلّها مكية ، سوى هذه الآية فى الأحقاف (قُلْ (٦) أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ) نزلت فى عبد الله بن سلام.

وأمّا الآيات المكيّة فى السّور المدنية ففى سورة الأنفال (وَما كانَ (٧) اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) يعنى أهل مكّة. وسورة التوبة مدنيّة. ، سوى آيتين من آخرها (لَقَدْ (٨) جاءَكُمْ رَسُولٌ) إلى آخر السّورة. وسورة الرّعد مدنيّة ؛ غير قوله : (وَلَوْ أَنَ (٩) قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ). وسورة الحجّ مدنيّة سوى أربع آيات (وَما (١٠) أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ) إلى آخر الأربع الآيات. وسورة الماعون مكيّة إلى قوله (فَوَيْلٌ (١١) لِلْمُصَلِّينَ). ومنها إلى آخر السّورة مدنيّة.

وأمّا الّذى حمل من مكة إلى المدينة فسورة يوسف أوّل سورة حملت

__________________

(١) سقط ما بين القوسين فى أ

(٢) الآية ٢٨. وفى البرهان ١ / ٢٠١ أنها نزلت فى سلمان الفارسى فى المدينة

(٣) الآية ٥٢

(٤) أى جعفر بن أبى طالب.

(٥) الآية ٥٣

(٦) الآية ١٠

(٧) الآية ٣٣

(٨) الآيتان ١٢٨ ، ١٢٩

(٩) الآية ٣١

(١٠) الآيات ٥٢ ـ ٥٥

(١١) الآية ٤

١٠٤

من (١) مكّة ، ثمّ سورة (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) ، ثمّ من (٢) سورة الأعراف هذه الآية (يا أَيُّهَا (٣) النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) إلى قوله (يَعْدِلُونَ) وأمّا الّذى حمل من المدينة إلى مكّة فمن سورة البقرة (يَسْئَلُونَكَ (٤) عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ) ، ثم آية (٥) الرّبا فى شأن ثقيف ، ثم تسع آيات من سورة (٦) براءة ، أرسل بها إلى مكّة صحبة على رضى الله عنه ، فى ردّ عهد الكفار عليهم فى الموسم. ومن سورة النّساء (إِلَّا (٧) الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ) إلى قوله (غَفُوراً رَحِيماً) فى عذر تخلّف المستضعفين عن الهجرة.

وأمّا الّتى حملت من المدينة إلى الحبشة فهى ستّ آيات من سورة آل عمران ، أرسلها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى جعفر ، ليقرأها على أهل الكتاب (قُلْ (٨) يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا) إلى آخر الآيات الستّ. فكان سبب إسلام النجاشى.

وأمّا الآيات المجملة فهى مثل قوله فى سورة يونس : (وَلَقَدْ (٩) أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا) ، وفى سورة هود : (ذلِكَ مِنْ (١٠) أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ) وفى سورة الحجّ : (وَافْعَلُوا (١١) الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ، وقوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ (١٢) إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ

__________________

(١) أ : «الى»

(٢) سقط فى أ

(٣) الآية ١٥٨

(٤) الآية ٢١٧

(٥) الآية ٢٧٨

(٦) أى من أولها

(٧) الآية ٩٨.

(٨) الآية ٦٤

(٩) الآية ١٣

(١٠) الآية ١٠٠

(١١) الآية ٧٧

(١٢) الآية ١٥٨ سورة الأعراف

١٠٥

جَمِيعاً) وقوله : (وَتُوبُوا (١) إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ).

وأمّا الآيات المفسّرة فمثل قوله : (وَاضْرِبْ (٢) لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ) و (قوله (٣)) (التَّائِبُونَ (٤) الْعابِدُونَ) و (قَدْ أَفْلَحَ (٥) الْمُؤْمِنُونَ) و (يا أَيُّهَا (٦) الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا). ومن وجه آخر (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ) تفسيره (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) وقوله (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ (٧) هَلُوعاً) تفسيره (إِذا مَسَّهُ (٨) الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً).

وأمّا الآيات المرموزة فمثل طه. قيل : هو الرّجل بلغة عكّ. وقيل : معناه : طوبى وهاوية (٩) .. وقيل : معناه : طاهر ، يا هادى.

وقوله : يس قيل : معناه : يا إنسان. وقيل : يا سيّد البشر.

وقيل : يا سنىّ القدر. وعلى هذا القياس جميع حروف التهجىّ المذكورة فى أوائل السّور.

وقال عروة بن الزّبير : كلّ سورة فيها ضرب المثال ، وذكر القرون الماضية فهى مكّيّة ، وكلّ سورة تتضمّن الفرائض ، والأحكام ، والحدود ،

__________________

(١) الآية ٣١ سورة النور

(٢) الآية ١٣ سورة يس (يريد أن القصة فسرت بقوله بعد : (إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ)

(٣) سقط ما بين القوسين فى ب

(٤) الآية ١١٢ سورة التوبة ويظهر أنه يريد أن هذه الأوصاف تفسير لقوله فى آخر الآية (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ).

(٥) أول سورة المؤمنين

(٦) الآية ٧٧ سورة الحج

(٧) الآية ١٩ سورة المعارج

(٨) سقط ما بين القوسين فى أ

(٩) أ : «عادية»

١٠٦

فهى مدنيّة. وكلّ عبارة فى القرآن بمعنى التوحيد ، ويا أَيُّهَا النَّاسُ خطاب لأهل مكّة. ويا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خطاب لأهل المدينة (١). و (قُلْ) خطاب للنبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

هذه جملة ما لا بدّ من معرفته قبل الشروع فى التفسير. وحسبنا الله ونعم الوكيل.

__________________

(١) ا ، ب : «مدنية»

١٠٧

الفصل السابع

فى أصناف الخطابات والجوابات التى يشتمل عليها القرآن

ولهذا الفصل (١) طرفان : الأوّل فى فنون المخاطبات. والثانى فى الابتداءات والجوابات.

أمّا المخاطبات فإنها ترد فى القرآن على خمسة عشر وجها : عامّ ، وخاصّ ، وجنس ، ونوع ، وعين ، ومدح ، وذمّ ، وخطاب الجمع بلفظ الواحد ، والواحد بلفظ الجمع ، وخطاب الجمع بلفظ الاثنين ، (وخطاب (٢) الاثنين) بلفظ الواحد ، وخطاب كرامة ، وخطاب هوان ، وخطاب عين والمراد به غيره ، وخطاب تلوّن (٣).

أمّا خطاب العام (اللهُ (٤) الَّذِي خَلَقَكُمْ). وأما الخطاب الخاصّ كقوله : (هذا ما كَنَزْتُمْ (٥) لِأَنْفُسِكُمْ) ، (فَأَمَّا (٦) الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ) ، وخطاب الجنس : (يا أَيُّهَا النَّاسُ ، وخطاب النوع : يا بَنِي آدَمَ. وخطاب العين : يا آدَمُ، ويا نُوحُ، ويا إِبْراهِيمُ. (وخطاب المدح : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا. وخطاب الذم : يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا)

__________________

(١) أ : «التفصيل»

(٢) سقط ما بين القوسين فى أ

(٣) ب : «التلون» وفى البرهان ٢ / ٢٤٦ «التلوين» والمراد به ما يعرف فى البلاغة بالالتفات

(٤) الآيتان ٤٠ ، ٥٤ سورة الروم

(٥) الآية ٣٥ سورة التوبة

(٦) الآية ١٠٦ سورة آل عمران

١٠٨

وخطاب الكرامة : يا أيها الرسول ، يا أيها النبىّ. وخطاب الهوان لإبليس : (وَإِنَ (١) عَلَيْكَ لَعْنَتِي) ولأهل النار. (اخْسَؤُا (٢) فِيها) ، ولأبى جهل (ذُقْ (٣) إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ). وخطاب الجمع بلفظ الواحد (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ (٤) إِنَّكَ كادِحٌ) ، (يا أَيُّهَا (٥) الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ). وخطاب الواحد بلفظ الجمع (رَبِ (٦) ارْجِعُونِ) أى ارجعنى (يا أَيُّهَا (٧) الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ) وهو خطاب نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وخطاب الواحد والجمع بلفظ التثنية (أَلْقِيا (٨) فِي جَهَنَّمَ). وخطاب الاثنين بلفظ الواحد (فَمَنْ (٩) رَبُّكُما يا مُوسى).

وأمّا الخطاب العينى الذى يراد به الغير : (فَإِنْ (١٠) كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ) (أَأَنْتَ (١١) قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي) ، (أَأَنْتُمْ (١٢) أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ).

وأمّا التلوّن (١٣) فعلى وجوه :

أمّا الأول فقوله : (هُوَ الَّذِي (١٤) يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) ، ثم قال (وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ) ، وكقوله : (وَما آتَيْتُمْ (١٥) مِنْ رِباً) ، ثم

__________________

(١) الآية ٧٨ سورة ص

(٢) الآية ١٠٨ سورة المؤمنين

(٣) الآية ٤٩ سورة الدخان

(٤) الآية ٦ سورة الانشقاق

(٥) الآية ٦ سورة الانفطار

(٦) الآية ٩٩ سورة المؤمنين

(٧) الآية ٥١ سورة المؤمنين

(٨) الآية ٢٤ سورة ق

(٩) الآية ٤٩ سورة طه

(١٠) الآية ٩٤ سورة يونس

(١١) الآية ١١٦ سورة المائدة

(١٢) الآية ١٧ سورة الفرقان

(١٣) هو المعروف فى علم المعانى بالالتفات

(١٤) الآية ٢٢ سورة يونس

(١٥) الآية ٣٩ سورة الروم

١٠٩

قال (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) ، وكقوله : (وَكَرَّهَ (١) إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ) ثم قال (أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ).

الثانى أن ينتقل من الخبر إلى الخطاب ، كقوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) ثم قال (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) ، وقوله (ثُمَّ لَنَحْنُ (٢) أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا) ثم قال (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) وقوله : (وَسَقاهُمْ (٣) رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً) ثم قال : (إن هذا كان لكم جزاء) ، وقوله : (فَتُكْوى(٤) بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ) ثم قال : (هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ).

الثالث أن يكون الخطاب لمعين ، ثم يعدل إلى غيره ، كقوله : (إِنَّا (٥) أَرْسَلْناكَ شاهِداً) ثم قال (لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ).

الطرف الثانى من هذا الفصل فى الابتداءات والجوابات. ويسمى تراجع الخطاب.

والجواب يكون انتهاء ، والسؤال يكون ابتداء. والسؤال يكون ذكرا ، والجواب يكون أنثى. فإذا اجتمع الذّكر والأنثى يكون منه نتائج وتولّدات.

وترد أنواع الجوابات فى نصّ القرآن على أربعة عشر وجها : جواب موصول بابتداء ، جواب مفصول عنه ، (جواب) مضمر فيه ، (جواب) مجرد عن ذكر ابتداء ، جوابان (٦) لابتداء واحد ، جواب واحد لابتداءين ،

__________________

(١) الآية ٧ سورة الحجرات

(٢) الآية ٧٠ سورة مريم

(٣) الآية ٢١ سورة الانسان

(٤) الآية ٣٥ سورة التوبة

(٥) الآية ٨ سورة الفتح

(٦) ب : «جوابات»

١١٠

جواب محذوف ، جواب إلى فصل غير متصل به ، جواب فى ضمن كلام ، (جواب (١) فى نهاية كلام) ، جواب مداخل فى كلام ؛ جواب موقوف على وقت ، جواب بفاء ، جواب الأمر والنهى وغيرهما ، جواب شرط ، جواب قسم.

أما الجواب الموصول بابتداء فقوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ (٢) عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) ، (وَيَسْئَلُونَكَ (٣) عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ) ، (يَسْئَلُونَكَ (٤) عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) ، (وَيَسْئَلُونَكَ (٥) ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) ، (يَسْئَلُونَكَ (٦) عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ) ، (وَيَسْئَلُونَكَ (٧) عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً).

وأما الجواب المفصول عن الابتداء فنوعان :

أحدهما أن يكون الابتداء والجواب فى سورة واحدة ، كقوله فى الفرقان (وَقالُوا (٨) ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ) جوابه فيها : (وَما أَرْسَلْنا (٩) قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ) ، وكقوله فى البقرة : (كُتِبَ (١٠) عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) جوابه فيها (فَمَنْ(١١) شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ).

والثانى أن يكون الابتداء فى سورة ، والجواب فى سورة أخرى ، كقوله فى الفرقان : (قالُوا (١٢) وَمَا الرَّحْمنُ) جوابه (الرَّحْمنُ (١٣) عَلَّمَ الْقُرْآنَ) ،

__________________

(١) سقط ما بين القوسين فى أ.

(٢) الآية ٨٥ سورة الاسراء

(٣) الآية ٢٢٠ سورة البقرة

(٤) الآية ٢١٧ سورة البقرة

(٥) الآية ٢١٩ سورة البقرة

(٦) الآية ٢١٩ سورة البقرة

(٧) الآية ٢٢٢ سورة البقرة

(٨) الآية ٧ سورة الفرقان

(٩) الآية ٢٠ سورة الفرقان

(١٠) الآية ١٨٣ سورة البقرة

(١١) الآية ١٨٥ سورة البقرة

(١٢) الآية ٦٠

(١٣) أول سورة الرحمن

١١١

وفى الأنفال : (لَوْ نَشاءُ (١) لَقُلْنا مِثْلَ هذا) جوابه فى بنى إسرائيل (قُلْ لَئِنِ (٢) اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا) الآية ، وفى سورة القمر (نَحْنُ (٣) جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ) جوابه فى الصّافات (ما لَكُمْ (٤) لا تَناصَرُون).

وأما الجواب المضمر ففي سورة الرّعد (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً (٥) سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى) جوابه مضمر فيه أى (لكان هذا القرآن) وأما الجواب المجرّد عن ذكر الابتداء فكما فى سورة المائدة : (لَيْسَ (٦) عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ) فإنه فى جواب الصحابة : فكيف من شرب الخمر قبل تحريمها ومات. وفى سورة البقرة (وَما كانَ اللهُ (٧) لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) فى جواب أناس قالوا كيف : بمن صلّى إلى بيت المقدس قبل تحويل القبلة.

وأمّا جوابان لسؤال واحد كقوله (٨) فى الزخرف (لَوْ لا (٩) نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) فله جوابان : أحدهما (أَهُمْ (١٠) يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا) والثانى فى سورة القصص : (وَرَبُّكَ (١١) يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ) ، ونحو قوله (وَيَقُولُ (١٢) الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً) أحد جوابيه (١٣) (يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) وثانيهما (يا أَيُّهَا النَّبِيُ (١٤) إِنَّا

__________________

(١) الآية ٣١

(٢) الآية ٨٨

(٣) الآية ٤٤

(٤) الآية ٢٥

(٥) الآية ٣١

(٦) الآية ٩٣

(٧) الآية ١٤٣

(٨) كذا فى أ ، ب. والواجب ذكر الفاء فى جواب أما. وقد تكرر حذفها فى هذا الباب.

(٩) الآية ٣١

(١٠) الآية ٣٢ سورة الزخرف

(١١) الآية ٩٨

(١٢) الآية ٤٣ سورة الرعد

(١٣) ب : «أجوبته»

(١٤) الآية ٤٥ سورة الأحزاب

١١٢

أَرْسَلْناكَ شاهِداً)(١) وفى سورة الفتح (مُحَمَّدٌ (٢) رَسُولُ اللهِ) ، وكقوله : (وَقالُوا (٣) مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ) جوابه فى السورة (٤) (وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ) وجواب (٥) ثان فى سورة ن (ما أَنْتَ (٦) بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) وجواب ثالث فى سورة الأعراف : (أَوَلَمْ (٧) يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ).

وأما جواب واحد لابتداءين فكقوله فى سورة النور (وَلَوْ لا (٨) فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) وابتداء هذين الجوابين حديث الإفك. ونظير هذا فى سورة الفتح «لَوْ لا (٩) رِجالٌ مُؤْمِنُونَ» الى قوله (لَوْ تَزَيَّلُوا) وابتداؤه صدّ الكفار المسلمين عن المسجد الحرام.

وأما الجواب المحذوف فكقوله فى سورة البقرة (وَلَمَّا جاءَهُمْ (١٠) كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ) جوابه (كفروا به) وهو محذوف ومثل (١١) قوله : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ (١٢) مِنْ رَبِّهِ) جوابه محذوف أى حال هذا الرّجل كحال من يريد زينة الحياة الدّنيا.

وأمّا الجواب الّذى يكون راجعا إلى فصل غير متّصل بالجواب فكقوله

__________________

(١) سقط فى ب

(٢) الآية ٢٩

(٣) الآية ١٤ سورة الدخان

(٤) ظاهره فى سورة الآية السابقة ، وليس كذلك فالآية السابقة فى الدخان ، والآية اللاحقة ٢٢ سورة التكوين

(٥) ب : «جوابه»

(٦) الآية ٢

(٧) الآية ١٨٤

(٨) الآية ٢٠ سورة النور. ولم يتبين أمر هذا التمثيل ، فلم يذكر ابتداءين بل ابتداء واحدا وهو حديث الافك. ثم هو يقول بعده : «وابتداء هذين الجوابين حديث الافك» فتراه ينسى أنه يمثل لجواب واحد لابتداءين. والظاهر أنه يريد جوابين لابتداء واحد وان كان هذا سبق قلم والجوابان هنا «وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ» * الآية ١٤ من سورة النور ، والآية التى ذكرها.

(٩) الآية ٢٥ سورة الفتح

(١٠) الآية ٨٩

(١١) سقط ما بين القوسين فى أ.

(١٢) الآية ١٧ سورة هود

١١٣

فى سورة العنكبوت (وَإِبْراهِيمَ (١) إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ) جوابه (فَما كانَ (٢) جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ) وهذا فى يس : (وَإِذا قِيلَ (٣) لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ) جوابه (وَيَقُولُونَ (٤) مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) وعلى هذا القياس مناظرة موسى وفرعون فى سورة الشعراء فى قوله : (قالَ (٥) فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ).

وأمّا الجواب الّذى يكون فى ضمن كلام فكما فى سورة (ص) لمّا زعم الكفار أنّ محمّدا غير رسول بالحق نزلت الآية مؤكّدة بالقسم لتأكيد رسالته (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) إلى قوله (بَلْ عَجِبُوا) وكذا (٦) قوله (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) الى قوله (إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ) وهكذا فى سورة الملك (أَمَّنْ (٧) هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ) (٨) جوابه فى ضمن هذه الآية (قُلْ هُوَ (٩) الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ) وأما الجواب الذى يكون فى نهاية الكلام فكقوله (إِنَّ الَّذِينَ (١٠) كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ) جوابه فى منتهى الفصل (أُولئِكَ (١١) يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) وفى سورة الحج (إِنَّ الَّذِينَ (١٢) كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) جوابه (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ) وفى سورة الكهف (سَيَقُولُونَ (١٣) ثَلاثَةٌ) جوابه (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ) وفى سورة الأنعام (وَما (١٤) قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ)

__________________

(١) الآية ١٦

(٢) الآية ٢٤ سورة العنكبوت

(٣) الآية ٤٥

(٤) الآية ٤٨

(٥) الآية ٢٣

(٦) سقط فى ب

(٧) الآية ٢١

(٨) سقط ما بين القوسين فى :

(٩) الآية ٢٩

(١٠) الآية ٤١ سورة فصلت

(١١) الآية ٤٤ سورة فصلت

(١٢) الآية ٢٥

(١٣) الآية ٢٢

(١٤) الآية ٩١

١١٤

إلى قوله (مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى) جوابه (قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ) وأمّا الجواب المداخل (١) ففى سورة يوسف (ما ذا (٢) تَفْقِدُونَ قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ) وفى قصة إبراهيم (إِذْ دَخَلُوا (٣) عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ).

وأما الجواب على وقف الوقت فكقوله (ادْعُونِي (٤) أَسْتَجِبْ لَكُمْ) فقالت الصحابة : متى وقت إجابة الدعاء؟ فنزلت (وَإِذا سَأَلَكَ (٥) عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ) وأيضا لمّا نزلت (اسْتَغْفِرُوا (٦) رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً) قالوا : متى وقت الاستغفار؟ فنزلت : (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ (٧) بِالْأَسْحارِ)

وأما جواب الشرط والجزاء بغير فاء فمجزوم كقوله (وَمَنْ (٨) يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) ، من يغز يغنم ، من يكظم غيظا يأجره الله.

وأما جواب الشرط بالفاء فمرفوع (وَمَنْ عادَ (٩) فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ فَمَنْ يُؤْمِنْ (١٠) بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً).

وأما جواب الأمر والنهى والدعاء والتمنّى (١١) والاستفهام والعرض بغير فاء فمجزوم ، وبالفاء منصوب. والأمر كقوله (أَرْسِلْهُ (١٢) مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ) لا تضربنى (١٣) أشتمك ، اللهمّ أعطنى أشكرك وكذا فى غيره.

__________________

(١) أى اشترك فيه لفظ السؤال ولفظ الجواب.

(٢) الآيتان ٧١ ، ٧٢.

(٣) الآية ٢٥ سورة الذاريات.

(٤) الآية ٦٠ سورة غافر.

(٥) الآية ١٨٦ سورة البقرة.

(٦) الآية ١٠ سورة نوح.

(٧) الآية ١٧ سورة آل عمران.

(٨) الآية ١١ سورة التغابن.

(٩) الآية ٩٥ سورة المائدة.

(١٠) الآية ١٣ سورة الجن.

(١١) ا ، ب : «النفى» وظاهر انه تحريف ، فالذى يأتى فى التمثيل التمنى أما النفى فله حكم على حدته سيأتى.

(١٢) الآية ١٢ سورة يوسف.

(١٣) هذا مثال للنهى.

١١٥

وأمّا بفاء فكقولك زرنى فأكرمك ، (فَلا (١) تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) ، (يا لَيْتَنِي (٢) كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً) وكذا فى غيرها لا (٣) جواب النفى ، فإنه إذا كان بلا فاء فمرفوع كقوله (ما كانَ (٤) حَدِيثاً يُفْتَرى).

وأمّا جواب القسم فأقسام القرآن ثلاثة (أنواع : (٥) إما قسم بأسماء) الله تعالى ، كقوله : (فَوَ رَبِّكَ) وإمّا بمفعولاته كقوله : (وَالْفَجْرِ ، وَالشَّمْسِ). (وَالْعَصْرِ). وإما بأفعاله كقوله : (وَالسَّماءِ (٦) وَما بَناها وَالْأَرْضِ وَما طَحاها)

ولا بد للقسم من جواب إما بإثبات أو بنفى. وتأكيد الإثبات يكون بإنّ وباللّام أو بهما. أمّا بإنّ فكقوله (وَالْعَصْرِ (٧) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) وقوله : (وَالْفَجْرِ) (٨) إلى قوله (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ). وأمّا بهما فكقوله (فَوَ رَبِ (٩) السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ).

هذه فنون الجوابات ، وأنواع الخطابات التى نطق بها القرآن.

__________________

(١) الآية ٣٢ سورة الأحزاب.

(٢) الآية ٧٣ سورة النساء.

(٣) فى أ : «الا».

(٤) الآية ١١١ سورة يوسف. وليس «يفترى» واقعا فى جواب النفى ، كما مثل ، بل الجملة صفة للحديث.

(٥) سقط ما بين القوسين فى أما عدا «بأسماء» فهى فى أ : «أسماء».

(٦) الآيتان ٥ ، ٦ سورة الشمس.

(٧) أول سورة العصر.

(٨) أول سورة الفجر.

(٩) الآية ٣٢ سورة الذاريات.

١١٦

الفصل الثامن

فيما هو شرط من معرفة الناسخ والمنسوخ

اعلم أن معرفة النّاسخ والمنسوخ باب عظيم من علوم القرآن. ومن أراد أن يخوض فى بحر التفسير ففرض عليه الشروع فى طلب معرفته ، والاطّلاع على أسراره ، ليسلم من الأغلاط ، والخطإ الفاحش ، والتأويلات المكروهة.

والكلام فى ذلك على سبيل الإجمال من عشرة أوجه : الأوّل فى أصل النسخ ومذاهب النّاس فيه. الثانى فى حدّ النسخ ومعناه. الثالث فى حقيقته من حيث اللغة. الرّابع فى حكمته (١) الحقّ ، والسرّ فى نسخ أمر بأمر. الخامس فى بيان ما يجوز نسخه. السّادس فى سبب نزول آية النسخ. السّابع فى وجوب معرفة النّاسخ والمنسوخ. الثامن فى أنواع ما فى القرآن من المنسوخ. التّاسع فى ترتيب نسخ أحكام القرآن أوّلا فأوّلا. العاشر فى تفصيل سور القرآن الخالية عن الناسخ والمنسوخ.

أمّا أصل النسخ فالنّاس على مذهبين : مثبتون ومنكرون. والمنكرون صنفان :

صنف خارج على ملّة الإسلام. وهم اليهود فإنهم أجمعوا (٢) على أنّه

__________________

(١) فى الأصلين : «حكمة».

(٢) ب : «أجمعون»

١١٧

لا نسخ فى شريعة موسى ، وحكم التوراة باق إلى انقراض العالم. وقالوا : إنّ النسخ (١) دليل على البداء (٢) والنّدامة ، ولا يليق بالحكيم ذلك. هذا مقالهم ، وتحريف التوراة فعالهم. يحرّفون الكلم (٣) عن مواضعه ، ويلبسون الحقّ بالباطل ، ويشترون بآيات الله ثمنا قليلا : ولهذا قال تعالى فى حقّهم : (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ (٤) أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ).

وصنف ثان من أهل الإسلام. وهم الرافضة (٥) فإنهم وافقوا اليهود فى هذه العقيدة ، وقالوا : ليس فى القرآن ناسخ ولا منسوخ ، وقبيح بالحكيم أن يبطل كلامه.

فهم بكلامه (٦) يوادّون من حادّ الله (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ (٧) النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ).

وأمّا أهل السنّة وجماهير طوائف المسلمين فقد أثبتوا النسخ ، وأنّ القرآن مشتمل على الناسخ والمنسوخ ، وأنّ الحكمة الرّبانية تقتضى ذلك ، لأنّ الله تعالى ربّ الأرباب ، ومالك الملوك ، ومتصرّف فى الأعيان ، متحكّم فى الأشخاص ، ونعته وصفته : أحكم الحاكمين ، وطبائع الخلق مختلفة ؛ والأزمنة ، والأوقات متفاوتة ، وبناء عالم الكون والفساد على التغيير والتحوّل. وأىّ حكمة أبلغ وأتمّ من حكمة عدل على وفق طبائع الناس

__________________

(١) ب : «الناسخ».

(٢) هو استصواب شىء علم بعد أن لم يعلم.

(٣) فى ب : «الكل» وسقطت الكلمة فى أ.

(٤) الآية ٣ سورة الصف وفى الحق أن الآية فى خطاب المؤمنين فقبلها : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ).

(٥) أ : «الرفضة» والرافضة فرقة من الشيعة بايعوا زيد بن على ثم قالوا له تبرأ من الشيخين أبى بكر وعمر فأبى فرفضوه.

(٦) سقط فى أ.

(٧) الآية ٨٢ سورة المائدة.

١١٨

بناء على رعاية مصالحهم بحسب الوقت ، والزّمان ، كسائر التّصرّفات الإلهيّة فى العالم : من تكوير (١) الليل والنّهار ، وتغيير الفصول والأيّام ، بالبرد والحرّ ، والاعتدال ، وتبديل أحوال العباد بالإغناء ، والإفقار ، والإصحاح ، والإعلال ، وغير ذلك : من أنواع التصرّفات المختلفة الّتى فى كلّ فرد من أفرادها حكمة بالغة ، وإذا كان تصرّفه تعالى فى ملكه وملكه يقتضى (٢) الحكمة ، ولا اعتراض لمخلوق ، فكذلك الأمر فى الشرائع والفرائض : تارة يأمر ، وتارة ينهى ، ويكلّف قوما بشرع ثقيل ، كبنى إسرائيل ، وآخرين بشرع خفيف كالأمّة المحمّدية. وهو فى كلّ هذه التصرّفات مقدّس الجناب منزّه الحضرة عن لائمة المعترضين ، وسؤال المتعرّضين. ولما كان محمّد خاتم الرّسل ، والقرآن خاتم الكتب ، وشرع القرآن خاتم الشرائع ، نسخ فى عهده بعض القرآن ببعض ، لما عند الله من الحكمة البالغة فى ذلك ، ولما يتضمّن من رعاية ما هو أصلح للعباد ، وأنفع للمعاد. وأيضا كان النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ينسخ بعض شرعه ببعض بواسطة الوحى السّماوى ، والسّنّة (٣) تقضى على القرآن والقرآن لا يقضى على السنّة. وأمّا بعد ما استأثر الله به (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) فقد صار القرآن والسنة محروسين من النّسخ ، والتغيير ، بدليل قوله تعالى (إِنَّا نَحْنُ (٤) نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ).

__________________

(١) تكوير الليل والنهار : الزيادة فى احدهما بالنقصان من الآخر ، وفى هذا تغيير مستمر.

(٢) كذا ، والأسوغ : «بمقتضى»

(٣) هذا يرويه الأوزاعى عن يحيى بن أبى كثير ، على أن أحمد بن حنبل سئل عن هذا ، فقال : ما أجسر على هذا أن أقوله ، ولكنى أقول : أن السنة تفسر الكتاب وتبينه. وانظر تفسير القرطبى ١ / ٣٩

(٤) الآية ٩ سورة الحجر

١١٩

وأمّا حد النسخ (من حيث المعنى) فهو رفع حكم ثابت من قولهم : نسخت الرّياح الأثر إذا درسته. وقيل «النسخ» قصر حكم (١) على لفظ يختصّ بأهل زمان خاصّ ؛ كما أنّ التخصيص قصر حكم لفظ على بعض الأشخاص. وقيل «النّسخ» التّحويل ، والأجود أن يقال «النسخ» بيان نهاية تعبّد بأمر ، أو نهى مجدّد. فى حكم خاصّ ، بنقله إلى حكم آخر.

وللنّاسخ والمنسوخ خمسة شروط : أحدها أن يكون كلّ منهما شرعيّا. الثّانى أن يكون النّاسخ متأخّرا عن المنسوخ. الثالث أن يكون الأمر بالمنسوخ مطلقا غير مقيّد بغاية. والرّابع أن يكون النّاسخ كالمنسوخ فى إيجاب العلم والعمل. الخامس أن يكون النّاسخ والمنسوخ منصوصين بدليل خطاب (أو بمفهوم (٢) خطاب).

وأمّا حقيقة النسخ لغة فقد جاء بمعنيين :

أحدهما النقل ، كما يقال للكتابة نسخ. قال تعالى : (إِنَّا كُنَّا (٣) نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) وعلى هذا يكون جميع القرآن منسوخا ، بمعنى أنه مكتوب نقل من اللّوح المحفوظ إلى صحف مرفوعة مطهّرة ، بأيدى سفرة كرام بررة ، ولمّا نزل من السّماء بواسطة الوحى كتبه الصّحابة ، ونسخوه فى صحفهم ، ثمّ لم يزل ينسخ ، وينقل إلى يوم القيامة.

__________________

(١) ب : الحكم.

(٢) سقط ما بين القوسين فى ب ودليل الخطاب مفهوم المخالفة كما فى دلالة قولك ، أكرم العالم على عدم اكرام الجاهد. فهل يريد من مفهوم الخطاب مفهوم الموافقة وانظر الاسنوى على المنهاج بكتابة الشيخ بخيت ٢ / ٢٠٥. والظاهر أنه يريد بدليل الخطاب دلالة المنطوق ، وبمفهوم الخطاب دلالة المفهوم.

(٣) الآية ٢٩ سورة الجاثية.

١٢٠