الهداية في الأصول - ج ٤

آية الله الشيخ حسن الصافي الإصفهاني

الهداية في الأصول - ج ٤

المؤلف:

آية الله الشيخ حسن الصافي الإصفهاني


المحقق: مؤسسة صاحب الأمر (عج)
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة صاحب الأمر (عج)
المطبعة: اسوة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:

الصفحات: ٤٧٥

وظيفة نفسه ، فيأتي بما يراه جزءا أو شرطا لصلاته ولو لم يكن موافقا للمنوب عنه ، ولذا لو كان النائب رجلا ، يجب عليه الجهر في صلواته الجهريّة ولو كان نائبا عن امرأة ، ولا يجب عليه ستر جميع البدن إلّا ما استثني ، بل يجب عليه ستر خصوص العورتين ، وهكذا في باقي الشرائط.

وثانيهما : أنّه فعل للمنوب عنه ببدنه التنزيلي ، وبهذا الاعتبار لا بدّ أن يراعي موافقته لما فات عنه من أنّه صلاة القصر أو التمام.

والفاعل بفعله بالاعتبار الأوّل يستحقّ الأجرة ، وأصالة الصحّة تجري فيه بهذا الاعتبار ، فيحكم باستحقاقه للأجرة. وهو بالاعتبار الثاني موجب لفراغ ذمّة الميّت ، ولا تجري فيه بهذا الاعتبار أصالة الصحّة ، ضرورة أنّه بهذا الاعتبار ليس فعلا للنائب بل فعلا للمنوب عنه ، فلا يحكم بفراغ ذمّة الميّت حتى يحرز إتيانه صحيحا (١).

وهذا من مثله من الغرائب ، فإنّ الفاعل لو علم أنّه أتى بالفعل وأنّه قصد النيابة وشكّ في صحّة ما أتى به وعدمها ، فجريان أصالة الصحّة في فعله يثبت أنّه صلّى عن الميّت صحيحة ، وليس متعلّق الإجارة إلّا الصلاة عن الميّت صحيحة ، وليس المفرّغ لذمّة الميّت إلّا هي بعينها ، فلو حكم بتحقّقها بأصالة الصحّة ، يترتّب عليها كلا الأثرين.

ولو لم يعلم أنّه أتى بالفعل ، أو علم ذلك لكن لم يعلم أنّه صلّى عن الميّت أو صلاة نفسه ، فلا تثبت أصالة الصحّة أنّه صلّى مع احتمال أنّه لم يصلّ أصلا ، ولا تثبت أنّه صلّى عن الميّت مع احتمال أنّه صلّى صلاة نفسه ، وكما لا يحكم بفراغ ذمّة الميّت لا يحكم باستحقاق الفاعل للأجرة ، إذ لم يثبت إتيانه

__________________

(١) فرائد الأصول : ٤٢٠.

٢٨١

بمتعلّق الإجارة لا بالوجدان ولا بالأصل ، فظهر أنّ التفريق بين الأثرين تحكّم.

بقي شيء ، وهو أنّ قصد الفاعل من أين يستكشف؟ هل يكفي في إحرازه إخبار الفاعل أو الوثوق به أو عدالته؟ أوسطها أوسطها ، فإنّ الأوّل لا دليل على حجّيّته بمجرّده.

ودعوى قبول قوله فيه من جهة أنّه ممّا لا يعلم إلّا من قبله ، مدفوعة : بأنّه لم يدلّ دليل على أنّ كلّ ما لا يعلم إلّا من قبل المخبر يكتفي فيه بإخباره ، وإنّما هو مختصّ ببعض الموارد وليس المقام منه.

وهكذا الثالث ، فإنّ العدالة معتبرة في البيّنة في باب الشهادات تعبّدا وفي بعض موارد أخر كإمام الجماعة ، ولا يكتفى فيها بأعلى مراتب الوثاقة ، ولا دليل على اعتبار العدالة في غير موارد خاصّة منصوصة.

وأمّا الثاني فالاكتفاء به لأجل قيام سيرة العقلاء كافّة على العمل بخبر الثقة وترتيب الآثار عليه.

الجهة السابعة : أنّ أصالة الصحّة بما أنّ حجّيّتها من باب السيرة لا تكون لوازمها وملزوماتها العقليّة أو العاديّة ثابتة ، وإنّما يثبت بها الأثر الشرعي المترتّب على المشكوك بلا واسطة ، سواء قلنا بكونها أمارة أو أصلا محرزا أو أصلا تعبّديّا محضا ، كأصالة البراءة ، لعدم قيام السيرة على إثبات اللوازم والملزومات بها ، فلو رجع النزاع بين المترافعين إلى ثبوت لازم العقد الصحيح وعدمه ، لا يقدّم قول مدّعي صحّة العقد بأصالة الصحّة ، بل لا بدّ له من إقامة البيّنة.

وهنا فروع تعرّض لها الشيخ قدس‌سره :

أحدها : ما فرّعه على عدم حجّيّة مثبتات أصالة الصحّة من أنّه لو شكّ في أنّ الشراء كان بما لا يملك كالخمر والخنزير أو بما يملك كالشاة ، لا يحكم

٢٨٢

بانتقال الشاة إلى ملكه ، فإنّه لازم عقلي لصحّة المعاملة (١).

وظاهر كلامه قدس‌سره أنّ أصالة الصحّة جارية لكن لا يترتّب عليها لازمها العقلي.

وفيه : مسامحة واضحة ، فإنّ أصالة الصحّة لا تجري في المثال ، لما مرّ من أنّ إحراز قابليّة العوضين للتملّك لازم لجريانها ، وعلى فرض التنزّل فلا يثبت بأصالة الصحّة انتقال الشاة إلى البائع ، فإنّه لازم عقلي للصحّة.

ثانيها : ما نقله الشيخ قدس‌سره عن العلّامة (٢) قدس‌سره من أنّه لو قال المالك : آجرتك هذه الدار مثلا كلّ شهر بدرهم ، وقال المستأجر : بل سنة بدينار ، لا يحكم بأصالة الصحّة بكون المالك مستحقّا للدينار والمستأجر مستحقّا لاستيفاء منفعة السنة ، فإنّ كلّا منهما لازم عقليّ للصحّة.

هذا من جهة ربط الفرع بالمقام ، وأمّا الكلام في أصل هذا الفرع : فتارة يقع في حكمه في نفسه ، وأخرى في حكمه في مقام الترافع.

أمّا حكم إجارة كلّ شهر بدرهم ونظائره ممّا هو متعارف في هذه الأزمنة ففيه قولان : البطلان حتى بالقياس إلى الشهر الأوّل ، لجهل مدّة الإجارة ، والصحّة في الشهر الأوّل فقط ، لانحلال هذه الإجارة إلى إجارة الشهر الأوّل وغيره ، فلا مانع من صحّتها في الشهر الأوّل ، لمعلوميّة المدّة ومال الإجارة فيه.

وهذا نظير بيع ما يملك وما لا يملك ، أو بيع ما يملك وما لا يملك صفقة واحدة ، إذ قرّر في محلّه أنّ الصحّة في المملوك وفيما يملك هي مقتضى القاعدة ، لانحلال البيع إلى بعين ، فبطلان أحدهما أو توقّفه على إجازة المالك لا يضرّ بصحّة الآخر ولزومه. وهذا القول هو الحقّ الحقيق بالتصديق.

__________________

(١) فرائد الأصول : ٤٢٠.

(٢) فرائد الأصول : ٤٢٠ ـ ٤٢١ ، وانظر : قواعد الأحكام ١ : ٢٣٦.

٢٨٣

وأمّا الكلام من حيث الترافع : فإن قلنا ببطلان إجارة كلّ شهر بدرهم ، فأحدهما يدّعي الصحّة والآخر ينكرها ، وبما أنّ الصحّة من لوازمها العقليّة تعلّق الإجارة بمدّة سنة وبمبلغ دينار لا يقدّم قول مدّعيها بل عليه البيّنة.

وإن قلنا بصحّتها في الشهر الأوّل فقط ، فيصير من باب التداعي ، إذ كلّ منهما يدّعي شيئا ينكره الآخر ، وليس النفي والإثبات واردين على مورد واحد ، فيعمل على طبق قاعدة التداعي.

وممّا ذكرنا ظهر أن لا خصوصيّة لإجارة كلّ شهر بدرهم في المقام ، بل لو كان صحيحا لصحّ في المقام وغيره ، وإلّا فلا يصحّ في مورد أصلا ، فإضافة لفظة «هنا» ـ كما في كلام جامع المقاصد (١) ـ ليست في محلّها.

ثالثها : ما نقله الشيخ أيضا عن العلّامة (٢) قدس‌سره من أنّه لو ادّعى المالك مجهوليّة مدّة الإجارة ومال الإجارة كليهما أو أحدهما ، وادّعى المستأجر معلوميّتهما أو معلوميّة أحدهما ، فالمستأجر مدّع للصحّة ولكن لا تثبت دعواه من كون المدّة كذا مقدار أو مال الإجارة كذا مبلغ ، فإنّه لازم عقلي للصحّة.

وذكر جامع المقاصد في شرح قول العلّامة : «يقدّم قول مدّعي الصحّة ما لم يتضمّن دعوى» ما حاصله : أنّ المراد أنّه يقدّم قوله إذا لم يدّع المستأجر ثمنا أزيد من أجرة المثل (٣).

وذكر شيخنا الأستاذ قدس‌سره أنّ الكلام في هذه الصورة ، إذ في صورة مساواة أجرة المثل لما يدّعيه المستأجر لا فائدة للنزاع ، إذ المستأجر على كلّ حال

__________________

(١) انظر جامع المقاصد ٧ : ٣٠٩. ولا يخفى أنّ كلمة «هنا» وردت في كلام العلّامة في قواعد الأحكام ١ : ٢٣٦.

(٢) فرائد الأصول : ٤٢١ ، وانظر : قواعد الأحكام ١ : ٢٣٦.

(٣) جامع المقاصد ٧ : ٣١٠.

٢٨٤

ـ سواء كانت الإجارة صحيحة أو باطلة ـ ملزم بردّ مقدار أجرة المثل ، غاية الأمر أنّه على تقدير الصحّة يكون هو المسمّى ، وعلى تقدير البطلان يكون أجرة المثل (١).

وما أفاده تامّ لو كان النزاع بعد استيفاء المنفعة ، أمّا قبله ففائدة النزاع أنّ المالك يدّعي بطلان الإجارة ، فلو لم يقم المستأجر بيّنة على الصحّة ، يحلف المالك ، ويأخذ العين من يد المستأجر ، ويؤجرها شخصا آخر بأزيد ممّا يدّعيه المستأجر.

الجهة الثامنة : لا إشكال في تقدّم أصالة الصحّة على الاستصحاب الحكمي الجاري في موردها ، سواء قلنا بكونها أمارة أو أصلا محرزا أو أصلا تعبّديّا محضا ، وذلك لما مرّ في قاعدة الفراغ من أنّ تقدّم الاستصحابات الجارية في مواردها يوجب اختصاصها بفرد نادر ، فلا يبقى مورد لها إلّا نادرا ، وهو صورة تبادل الحالتين والجهل بالمتأخّرة منهما ، فلا مناص عن تقدّمها على الاستصحاب الحكمي ، غاية الأمر أنّه لو كانت أمارة ، فمن باب الحكومة ، ولو كانت أصلا ، فمن باب التخصيص.

وأمّا تقدّمها على الاستصحابات الموضوعيّة الجارية في مواردها ، وعدمه فقد أطال الشيخ وشيخنا الأستاذ (٢) قدس‌سرهما الكلام فيه إطالة بلا طائل ، وفصّلا تفصيلا ـ بين ما كانت أصالة الصحّة أمارة فتقدّم ، وأصلا محرزا فيتعارضان ، ويرجع إلى الأصل الحكمي ، وأصلا غير محرز فيقدّم الاستصحاب ـ لا يرجع إلى محصّل ، فإنّ كلّ ذلك ـ بعد ما كان مدركها هو السيرة ـ شعر بلا ضرورة ، فاللازم ملاحظة أنّ أيّ مورد تجري فيه السيرة ،

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤٨٨ ـ ٤٨٩.

(٢) انظر : فرائد الأصول : ٤٢١ وما بعدها ، وأجود التقريرات ٢ : ٤٨٩ ـ ٤٩٣.

٢٨٥

فيلتزم بجريان أصالة الصحّة ، سواء كان الأصل المخالف لها أصلا حكميّا أو موضوعيّا ، وأيّ مورد لا تجري فيه مطلقا ، مثلا : نرى أنّ المسلمين يعاملون معاملة الملك فيما إذا اشتراه أحد بوكالة في إجزاء الصيغة ولا يعتنون باحتمال عدم بلوغ مجري الصيغة بناء على اعتباره فيه مع وجود الأصل الموضوعي المقتضي لعدم الملك ، وهكذا يشترون ما يحتملون كونه متنجّسا من الثوب والإناء وغير ذلك ممّا علم أنّه تنجّس في زمان لا محالة ولا يعتنون بهذا الاحتمال ، وهذا بناء على اعتبار الإعلام في بيع المتنجّس ، وبالجملة ، المناط كلّ المناط هو جريان السيرة وعدمه.

* * *

٢٨٦

الكلام في قاعدة اليد

لا إشكال في أنّ الاستيلاء على شيء ـ بمعنى كونه تحت اليد وتحت التصرّف ـ أمارة غالبيّة عند العقلاء على ملك ذي اليد والمتصرّف ، وأنّهم لا يعتنون باحتمال كونه ملكا للغير.

ولا إشكال أيضا في أنّ الشارع أمضى هذه السيرة ، فتقدّم قاعدة اليد على الاستصحابات الحكميّة الجارية في موردها بالحكومة ، ولو كانت أصولا محرزة أو غير محرزة ، تقدّم عليها أيضا ، لما مرّ في أصالة الصحّة من أنّه لولاه لزم تخصيصها بالفرد النادر.

والروايات الدالّة على اعتبار اليد كثيرة :

منها : رواية حفص ، الواردة فيمن سأل عن جواز الشهادة باليد ، فإنّه بعد ما أجاب عليه‌السلام بالجواز قال السائل ما مضمونه : إنّي أشهد بأنّه في يده ولا أشهد بأنّه ملك له ، فأجاب الإمام عليه‌السلام ما مضمونه قريبا : «إنّك إذا اشتريت منه أما تحلف أنّه ملك له؟» قال : نعم ، فقال : «لو لا ذلك لما قام للمسلمين سوق» (١).

وهذه الرواية وإن لم يعمل بها في موردها ، فإنّ المشهور على عدم جواز الشهادة باليد إلّا أنّها تدلّ على اعتبار اليد وأنّه لو لا الحكم بملكيّة ذي اليد لما في يده ، لما قام للمسلمين سوق ، ومن هذه الجهة تكون معمولا بها ، فلا مانع من التمسّك بها.

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٨٧ ـ ١ ، الفقيه ٣ : ٣١ ـ ٩٢ ، التهذيب ٦ : ٢٦١ ـ ٢٦٢ ـ ٦٩٥ ، الوسائل ٢٧ : ٢٩٢ ـ ٢٩٣ ، الباب ٢٥ من أبواب كيفيّة الحكم ، الحديث ٢.

٢٨٧

والمناقشة فيها بأنّها لا تدلّ إلّا على كون اليد أصلا تعبّديّا اعتبره الشارع حفظا لنظام المسلمين تكون في محلّها لو لم يكن للرواية هذا الصدر ، فإنّ صدرها دالّ على أنّه عليه‌السلام أمضى ما كان مرتكزا للسائل من الاشتراء بلا تحقيق عن كونه ملكا لمن في يده ، ومن المعلوم أنّه إمضاء لما عليه العقلاء من كاشفيّة اليد عن الملك.

ومنها : ما ورد فيمن اشترى من السوق عبدا ، فادّعى أنّه كان حرّا قهر فبيع ، فحكم عليه‌السلام بجواز شرائه ما لم يقم بيّنة على كونه حرّا (١). ومثل هذه الرواية ورد في الجارية (٢) أيضا.

ومنها : رواية مسعدة بن صدقة ، ومضمونها أو لفظها أنّ «كلّ شيء لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه ، وذلك مثل الثوب يكون عليك ولعلّه سرقة ، والحرّ يكون عندك ولعلّه عبد قهر فبيع» (٣) إلى آخرها ، فإنّ الظاهر أنّها لبيان قاعدة الحلّ ، والأمثلة المذكورة تنظير لها ، فالإمام عليه‌السلام على هذا في مقام بيان أنّك لا تكون مأمورا بالواقعيّات ، ما شككت في كونه حلالا حلال لك ، وهذا نظير أنّك لا تفتّش في حال اليد وتشتري من ذي اليد الثوب ومن يدّعي كونه عبدا مع احتمال أنّ ما اشتريت لم يكن ملكا له واقعا.

واحتمال كون «حلال» خبرا لمجموع قوله : «كلّ شيء لك» على أن يكون المعنى كلّ شيء عندك وتحت تصرّفك مثل ثوبك وعبدك وامرأتك فهو

__________________

(١) الفقيه ٣ : ١٤٠ ـ ٦١٤ ، التهذيب ٧ : ٧٤ ـ ٣١٧ ، الوسائل ١٨ : ٢٥٠ ، الباب ٥ من أبواب بيع الحيوان ، الحديث ١.

(٢) الكافي ٥ : ٢١١ ـ ١٣ ، الفقيه ٣ : ١٤٠ ـ ٦١٣ ، التهذيب ٧ : ٧٤ ـ ٣١٨ ، الوسائل ١٨ : ٢٥٠ ، الباب ٥ من أبواب بيع الحيوان ، الحديث ٢.

(٣) الكافي ٥ : ٣١٣ ـ ٤٠ ، التهذيب ٧ : ٢٢٦ ـ ٩٨٩ ، الوسائل ١٧ : ٨٩ ، الباب ٤ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٤.

٢٨٨

حلال لك ، ساقط لا يعتنى به ، فإنّه خلاف الظاهر جدّاً.

ومنها : ما ورد في محاجّة أمير المؤمنين عليه‌السلام مع أبي بكر في أمر فدك من أنّه قال لأبي بكر : «تحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين؟» قال : لا ، قال عليه‌السلام : «فإن كان في يد المسلمين شيء يملكونه فادّعيت أنا فيه ، من تسأل البيّنة؟» قال : إيّاك كنت أسأل على ما تدّعيه ، قال عليه‌السلام : «فإذا كان في يدي شيء فادّعى المسلمون تسألني البيّنة على ما في يدي وقد ملكته في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبعده ولم تسأل المؤمنين على ما ادّعوا عليّ كما سألتني البيّنة على ما ادّعيت عليهم؟» (١) إلى آخره ، فتمسّك عليه‌السلام باليد ، وأنّها أمارة على الملك ما لم تقم بيّنة على خلافه.

ودعوى أنّها تدلّ على أنّ من ادّعى ملكيّته لما في يد الغير تطلب منه البيّنة لا أنّه يحكم بملكيّة ذي اليد لما في يده ، مدفوعة بأنّه عليه‌السلام في مقام أنّه ملك لي بمقتضى اليد ومن ادّعى خلافه فعليه البيّنة ، ولو لم يحكم بملكيّة ذي اليد فلما ذا لا تطلب منه البيّنة وتطلب من غيره؟

ومنها : ما ورد من أنّ «البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر» (٢) فإنّه لا وجه لطلب البيّنة من غير ذي اليد إلّا كون ذيها مالكا لما في يده بمقتضاها ما لم يعلم خلافها بالبيّنة.

ومنها : ما ورد موثّقا من أنّ «من استولى على شيء فهو له» (٣) ولو لا صدر

__________________

(١) علل الشرائع : ١٩١ ، الباب ١٥١ ، الحديث ١ ، تفسير القمّي ٢ : ١٥٦ ، الوسائل ٢٧ : ٢٩٣ ، الباب ٢٥ من أبواب كيفيّة الحكم ، الحديث ٣.

(٢) سنن البيهقي ١٠ : ٢٥٢ ، كنز العمّال ٦ : ١٨٧ ـ ١٥٢٨٢ ، تفسير القمّي ٢ : ١٥٦ ، الوسائل ٢٧ : ٢٩٣ ، الباب ٢٥ من أبواب كيفيّة الحكم ، الحديث ٣. وفي الأخيرين بتفاوت يسير.

(٣) التهذيب ٩ : ٣٠٢ ـ ١٠٧٩ ، الوسائل ٢٦ : ٢١٦ ، الباب ٨ من أبواب ميراث الأزواج ، ـ

٢٨٩

هذه الرواية لأمكنت المناقشة فيها بأنّ مساقها مساق «من حاز ملك» وأنّ مفادها أنّ من استولى على شيء من ماء الشطّ أو غيره من المباحات الأصليّة فهو له. وبعبارة أخرى : مفادها هو الملكيّة الواقعيّة بالاستيلاء والحيازة لا الظاهريّة المستكشفة بكونه تحت يده ، فمعنى «له» أنّه له واقعا لا أنّه له ظاهرا ، ولكن صدرها قرينة على المطلوب ، فإنّه في امرأة ماتت عن زوجها أو رجل مات عن زوجته فلا يعلم أنّ أثاث البيت لأيّ منهما ، فحكم عليه‌السلام بأنّ ما كان من مختصّات المرأة أو الرّجل فهو له أو لها ، وما كان مشتركا بينهما فمشترك بينهما.

وجه القرينيّة : أنّه عليه‌السلام حكم بأنّ ما كان من مختصّات المرأة ـ من الزينة والثياب وغيرها ـ وكانت هي تتصرّف فيه فقط وكان تحت يدها لا تحت يد زوجها فهو لها ، لكونها مستولية عليه وكان تحت تصرّفها ، وما كان مشتركا بينهما وتحت تصرّف كليهما كان لهما ، لكون اليد والاستيلاء مشتركا بينهما.

هذه مجموع روايات الباب ، ولا إطلاق لغير الأخيرة منها يمكن أن يتمسّك به في موارد الشكّ ممّا لم تقم سيرة عليه ، لكونها ناظرة إلى الأيادي المتعارفة الموافقة للسيرة ، وبهذا المقدار يحصل النظام ولا يعطّل سوق المسلمين.

نعم ، الرواية الأخيرة يمكن القول بكونها مطلقة قابلة لذلك.

والأولى صرف عنان الكلام إلى تنقيح موارد الشكّ ، ونقتصر على الكلام في جهتين :

الأولى : في أنّ اليد إذا كانت لها حالة سابقة معلومة من كونها يد غصب أو أمانة وعارية أو إجارة واحتمل انقلابها إلى يد الملك بسبب من الأسباب هل

__________________

ـ الحديث ٣.

٢٩٠

تكون حجّة أم لا؟ لا شكّ في عدم جريان السيرة في هذه الموارد ، والظاهر أنّ عدم الاعتبار ممّا هو متسالم عليه بين الفقهاء أيضا.

إنّما الإشكال في وجه علمي محض ، وأنّه لما ذا لا يكون ما ذكر مشمولا لقوله عليه‌السلام : «من استولى على شيء فهو له» (١)؟

ويمكن الجواب بوجهين :

أحدهما : إنكار الإطلاق فيه ، فإنّ ظاهره أنّ من استولى على شيء فهو له من حين استيلائه ، وفي هذه الموارد نعلم أنّه ليس له من حين استيلائه.

ثانيهما : أنّ استصحاب حال اليد من كونها بد غصب مثلا يعارض اليد لو سلّم شمول إطلاق الدليل لهذه الموارد ، فتسقط اليد بالتعارض ويرجع إلى الأصل الحكمي ، وهو أصالة عدم انتقال الملك إلى ذي اليد.

ولكن هذا التقريب غير تامّ ، إذ بعد تسليم إطلاق الرواية لحال الحدوث والبقاء فهو بمنزلة أن يقال : الاستيلاء أمارة للملك في الحدوث والبقاء ، ومعه لا مجال للتمسّك بالاستصحاب ، فإنّ إطلاق الدليل رافع للشكّ ، فيرتفع موضوع الاستصحاب ، فلا معنى لمعارضته لقاعدة اليد ، كما أنّ الوجه الّذي أفاده شيخنا الأستاذ (٢) قدس‌سره أيضا غير تامّ ، وهو أنّ استصحاب حال اليد مقدّم على اليد لو سلّم شمول إطلاق دليلها لهذه الموارد ، وذلك لأنّ ما ذكرنا من تقدّم القاعدة على الاستصحاب هو في الاستصحاب الحكمي النافي لما تثبته اليد من الملكيّة ، وأمّا الاستصحاب الموضوعي ـ مثل أصالة بقاء اليد على ما كانت عليه من كونها يد غصب أو إجارة أو أمانة ـ فهو يثبت حال اليد ويخرجها عن موضوع دليل اليد ، ضرورة أنّ موضوعه هو اليد المشكوكة الحال التي لا يعلم

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٢٨٩ ، الهامش (٣).

(٢) أجود التقريرات ٢ : ٤٥٦ ـ ٤٥٧.

٢٩١

أنّها يد ملك أو غيرها لا ما هو معلوم أنّها يد غصب ، فإذا تعبّدنا الشارع بالتعبّد الاستصحابي أنّها يد غصب مثلا ، يرتفع موضوع دليل اليد ، فيتقدّم الاستصحاب على دليل اليد بالحكومة.

ووجه عدم التماميّة : أنّ دليل اليد لم يؤخذ الشكّ في موضوعه ، كدليل الاستصحاب ، فإنّ قوله : «من استولى على شيء فهو له» (١) شامل حتى لصورة العلم بالخلاف ، ولكن خرجت هذه الصورة عقلا ، فلا يفرق بين الاستصحاب الموضوعي والحكمي في كون كلّ منهما محكوما بدليل اليد.

فالأولى هو الاقتصار في الجواب على الوجه الأوّل ووجه آخر ، وهو : أنّ قوله عليه‌السلام مضمونا : «ألست تشتريه منه وتحلف على أنّه لك؟» في رواية حفص (٢) يدلّ على أنّ العمل باليد وكاشفيّتها عن الملك قضيّة ارتكازيّة أمضاها الشارع.

وشمول «من استولى» وعمومه لهذه الموارد بعد ما ثبت أنّ مجعوليّة قاعدة اليد ليست لمجرّد التعبّد بل لأنّ لها كاشفيّة عند العقلاء بعيد جدّاً ، لضرورة عدم كاشفيّة عند العقلاء لليد المعلوم كونها يد غصب سابقا.

الجهة الثانية : في أنّه هل يعتبر في جريان القاعدة إحراز قابليّة ما في اليد للتملّك أو يكفي عدم العلم بكونه غير قابل للتملّك أو تجري ولو في صورة العلم بكونه غير قابل للتملّك في الزمان السابق واحتمل طروّ القابليّة بعد ذلك كما في الأوقاف؟

والظاهر عدم لزوم إحراز القابليّة ، بل يكفي احتمالها لكن فيما لم يكن

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٢٨٩ ، الهامش (٣).

(٢) الكافي ٧ : ٣٨٧ ـ ١ ، الفقيه ٣ : ٣١ ـ ٩٢ ، التهذيب ٦ : ٢٦١ ـ ٦٩٥ ، الوسائل ٢٧ : ٢٩٢ ـ ٢٩٣ ، الباب ٢٥ من أبواب كيفيّة الحكم ، الحديث ٢.

٢٩٢

مسبوقا بالعلم بعدم القابليّة ، كالأوقاف التي احتملت قابليّتها للتملّك بقاء.

أمّا في غير الأوقاف : فلصريح الروايتين المتقدّمتين (١) إحداهما واردة في رجل يدخل السوق فيشتري عبدا ثمّ يدّعي العبد أنّه كان حرّا قهر فبيع ، فحكم عليه‌السلام بجواز الشراء ما لم يقم البيّنة على كونه حرّا. والأخرى أيضا واردة في حادثة بهذا المضمون ، فمقتضاهما أنّ مجرّد اليد أمارة على الملك وكون ما في اليد قابلا للتملّك.

ولأنّ اليد حيث إنّها أمارة على الملك فبالدلالة الالتزاميّة تدلّ على كون ما في اليد قابلا للتملّك.

وأمّا عدم جريانها فيما كان مسبوقا بالعلم بعدم القابليّة : فلعدم كاشفيّة لمثل هذه اليد عند العقلاء وعدم شمول الروايات له.

أمّا غير رواية «من استولى على شيء فهو له» فظاهر.

وأمّا هي فلا تشمل أيضا بقرينة صدرها الوارد في أثاث البيت ، المانع عن ظهور الذيل في الإطلاق بالإضافة إلى غير ما هو من سنخ أثاث البيت ممّا لا يكون مسبوقا بالعلم بوقفيّتها.

هذا ، ولكنّه فرق بين الأوقاف والأراضي المفتوحة عنوة ، فإنّها وإن كانت ملكا لجميع المسلمين ولا يجوز لهم بيعها وشراؤها إلّا أنّ وليّ الأمر أو نائبه ، له أن يملّكها ويبيعها لمصلحة عامّة راجعة إلى المسلمين ، فإذا احتمل انتقالها ـ ولو بعشرين واسطة ـ إلى ذي اليد ، يحكم بملكيّته.

تذييل : قد ذكرنا أنّ اليد المشكوكة الحال من حين الاستيلاء أمارة للملكيّة بمقتضى سيرة العقلاء والروايات ، وذكرنا أن لا سيرة في الأيادي

__________________

(١) تقدّمتا في ص ٢٨٨.

٢٩٣

المعلومة حالها سابقا ، ولا تكون مشمولة للروايات أيضا ، فهل يلحق بالعلم بحال اليد سابقا العلم بحال المال بأن علمنا أو قام دليل آخر على أنّه كان قبل ذلك لغير ذي اليد يقينا واحتملنا انتقاله إليه حين حدوث اليد؟

صور المسألة تسع ، فإنّ ملكيّة غير ذي اليد للمال إمّا أن يعلم بالعلم الوجداني أو البيّنة أو الإقرار ، وكلّ من هذه الثلاث إمّا أن يكون في مورد الدعوى والمرافعة أو لا ، وفي مورد الدعوى إمّا أن يكون العلم أو البيّنة أو الإقرار متعلّقا بملكيّة المدّعي أو شخص آخر أجنبيّ عن الدعوى.

أمّا ما لم يكن في مورد الدعوى من الصور الثلاث : فلا إشكال في كون اليد أمارة للملكيّة الفعليّة ، ولا يضرّها ثبوت كون المال سابقا للغير ، فإنّ الملكيّة السابقة لغير ذي اليد لا تنافي ملكيّته فعلا بمقتضى اليد.

وأمّا ما كان في مورد الدعوى وكان المدّعي للملكيّة أجنبيّا من الصور الثلاث : فلا إشكال فيه أيضا ، إذ لا ربط له بالمال ، فإنّ المفروض أنّ العلم أو البيّنة أو الإقرار لم يتعلّق بكون المال له بل تعلّق بكون المال لشخص آخر لا يدّعي شيئا.

وأمّا الصور الثلاث التي ثبت بالعلم أو البيّنة أو الإقرار أنّ المدّعي هو الّذي كان سابقا مالكا للمال : فلا إشكال في الصورة الأولى منها ، وهي صورة علم الحاكم بذلك ، سواء قلنا بأنّ الحكم يحكم بالأيمان والبيّنات ولها موضوعيّة بالإضافة إلى الحكم لا بعلمه على ما يستفاد من قوله عليه‌السلام : «إنّما أقضي بينكم بالأيمان والبيّنات» (١) أو قلنا بأنّه يحكم بعلمه الوجداني أيضا ، إذ على كلّ حال لا يعلم الحاكم بالملكيّة الفعليّة للمدّعي ، فيحتاج إلى

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤١٤ ـ ١ ، التهذيب ٦ : ٢٢٩ ـ ٥٥٢ ، الوسائل ٢٧ : ٢٣٢ ، الباب ٢ من أبواب كيفية الحكم ، الحديث ١.

٢٩٤

الاستصحاب ، وقد عرفت أنّه محكوم باليد كما هو المفروض.

وأمّا الصورة الثانية منها ـ وهي صورة الثبوت بالبيّنة ـ فذهب جماعة ، منهم : شيخنا الأستاذ قدس‌سره إلى أنّها كالصورة السابقة وأنّ البيّنة لا تزيد عن العلم الوجداني ، بل ذكر أنّ البيّنة لو شهدت بالملكيّة الفعليّة ، وعلمنا بأنّ مدركها هو الاستصحاب ، لا تنقلب الدعوى ، إذ نعلم بشهادتهما بالاستصحاب المحكوم باليد في نظر الشارع (١).

وذهب جماعة أخرى إلى انقلاب الدعوى وصيرورة ذي اليد مدّعيا والمدّعي منكرا ، نظرا إلى جواز الشهادة بالاستصحاب. وهو الحقّ الحقيق بالتصديق ، للروايات الكثيرة الدالّة على ذلك.

منها : ما ورد في قضاء ابن أبي ليلى الملعون ما مضمونه : أنّ رجلا غاب عن أهله وأولاده ثلاثين سنة فهل يجوز لنا الشهادة عند ابن أبي ليلى بأنّ هذه الدار له ، وأنّه لم يتزوّج ثانيا ولم تكن له أولاد غير هذه مع أنّا نحتمل أنّه نقل داره إلى غيره وتزوّج بزوجة أخرى وصار له أولاد أخر؟ فقال عليه‌السلام : «نعم» (٢) وغير ذلك من الروايات.

مضافا إلى كفاية نفس ما دلّ على أنّ القضاء لا بدّ أن يكون بالأيمان والبيّنات ، ضرورة أنّ الشهادة بالملكيّة الفعليّة تحتاج إلى العلم بالغيب ، وأنّ كلّ بيّنة يشهد بمقتضى الاستصحاب ، فإنّ غايته أنّه يعلم بملكيّة المدّعي قبل يوم أو يومين ويحتمل انتقاله إلى غيره بعد ذلك ، فلولاه لزم تعطيل باب القضاء رأسا.

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤٥٩ ـ ٤٦٠.

(٢) انظر الكافي ٧ : ٣٨٧ ـ ٢ و ٤ ، والتهذيب ٦ : ٢٦٢ ـ ٦٩٦ و ٦٩٨ ، والوسائل ٢٧ : ٣٣٦ ، الباب ١٧ من أبواب الشهادات ، الحديث ١ و ٢.

٢٩٥

وأمّا الصورة الثالثة منها ـ وهي صورة الثبوت بإقرار ذي اليد ـ فالصحيح فيها انقلاب الدعوى ، فعلى ذي اليد أن يثبت انتقاله إليه بسبب من الأسباب ، فإنّ إقرار متضمّن لدعوى الانتقال إليه.

وهل يلحق الإقرار للمورّث بالإقرار لنفس المدّعي؟ الظاهر لا ، لثبوت السيرة على الأخذ بمقتضى اليد في ذلك ومطالبة المدّعي بالإثبات ، ضرورة أنّه لا تسمع عند العقلاء دعوى من يقول : إنّ هذه الدار التي بيد زيد إرث لي من جدّي الأعلى بعشرين واسطة.

والوجه الاعتباري ـ الّذي أفاده شيخنا الأستاذ قدس‌سره من أنّ الملكيّة كخيط اعتباري اتّصل أحد طرفيه بالمالك والآخر بالمال ، وفي البيع يتبدّل الطرف المتّصل بالمال وفي الإرث الطرف المتّصل بالمالك ، فيكون الوارث بمنزلة المورّث ، والإقرار له بمنزلة الإقرار للوارث (١) ـ لا يفيد ولا يمكن إثبات الحكم الشرعي به.

وبذلك ظهر شأن أبي بكر في مطالبة البيّنة عن فاطمة عليها‌السلام في أمر فدك التي أقرّت ـ سلام الله عليها ـ أنّها كانت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وادّعت ـ بأبي وأمّي فداها ـ أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ملّكها إيّاها عليها‌السلام ، فإنّه لو سلّمت بفرض المحال ـ وكيف المحال ـ ولاية أبي بكر على المسلمين ، وفرض أنّ ما ابتدعه واختلقه كذبا على الله ورسوله ـ من أنّه قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ذهبا ولا فضّة ، وإنّما نورّث العلم والحكمة ، وأنّ ما تركناه صدقة وفيء للمسلمين» ـ صدر من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لا تصحّ مطالبة البيّنة ، ضرورة أنّها مخالفة لما هو كالضروري ويعرفه أدنى مسلم من «أنّ البيّنة على المدّعي واليمين على من

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤٦١ ـ ٤٦٢.

٢٩٦

أنكر» وذلك لأنّ غايته بعد التنزيل والتنزيل أنّ أبا بكر ادّعى من قبل المسلمين أنّ فدك فيء للمسلمين وصدقة ولم يدّع أحد أنّ المسلمين وارثون للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله دون ابنته وبضعة منه. والإلحاق لو تمّ إنّما يتمّ في الإرث لا في الوصيّة والصدقة ونحوهما.

وليعلم أنّ هذه الرواية مرويّة عن طرقنا (١) أيضا ، وما قلنا : إنّه كذب وافتراء هو ذيلها ، وهو : «ما تركناه صدقة وفيء للمسلمين» ومعنى الرواية بدون هذا الذيل المجعول ظاهر ، ولا يكاد يخفى عدم دلالتها على أنّ الأنبياء لا يورّثون حتى ثيابهم ، إذ لا أقلّ من أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عند موته ، له ثوب لابسه ، فالمقصود أنّ الأنبياء ليس همّهم كسائر الناس في جمع المال والذهب والفضّة وتوريثهم ذلك ، بل همّهم هو تعليم العلوم الإلهيّة ، وعمدة توريثهم هو العلم والحكمة.

هذا تمام الكلام في قاعدة اليد وأصالة الصحّة. والحمد لله أوّلا وآخرا ، والصلاة على محمّد وآله الطيّبين الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين.

__________________

(١) انظر : الكافي ١ : ٣٤ ـ ١ ، وبصائر الدرجات : ٣ ـ ٢ ، وثواب الأعمال : ١٥٩ ـ ١٦٠ ـ ١ ، وأمالي الصدوق : ٥٨ ـ ٩ ، وعمّا عدا الأوّل في البحار ١ : ١٦٤ ـ ٢.

٢٩٧
٢٩٨

المقصد الثامن :

في تعارض الأدلّة

والأمارات

٢٩٩
٣٠٠