الهداية في الأصول - ج ٣

آية الله الشيخ حسن الصافي الإصفهاني

الهداية في الأصول - ج ٣

المؤلف:

آية الله الشيخ حسن الصافي الإصفهاني


المحقق: مؤسسة صاحب الأمر (عج)
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة صاحب الأمر (عج)
المطبعة: اسوة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:

الصفحات: ٦٠٢

على شرطيّة شيء أو جزئيّته مع إمكان الاحتياط ، أو العمل بكلّ أمارة ظنّيّة ممّا دلّ على الجزئيّة أو الشرطيّة ، لا العمل بخصوص الأخبار الموجودة في المجاميع المعتبرة للشيعة مع عمل جمع بها من غير ردّ ظاهر (١).

وفي نسخة الكفاية هنا العبارة هكذا : فاللازم إمّا الاحتياط أو العمل بكلّ ما دلّ على جزئيّة شيء أو شرطيّته (٢). انتهى.

والظاهر أنّه سهو من القلم ، فإنّ العمل بكلّ ما دلّ على الجزئيّة أو الشرطيّة ليس عدلا للاحتياط ، بل هو عين الاحتياط ، وعدله ما ذكرنا من العمل بكلّ ما أفاد الظنّ بالجزئيّة أو الشرطيّة من الأمارات.

وكيف كان فما أفاده الشيخ تابع لواقع الأمر ولمقدار المعلوم بالإجمال ، فإن كان المعلوم بالإجمال بمقدار لا ينحلّ العلم الإجمالي بالرجوع إلى هذه الأخبار المذكورة ، فالأمر كما أفاده قدس‌سره ، وإن لم يكن بهذا المقدار ، بل كان بمقدار ينحلّ العلم الإجمالي بالرجوع إليها ، وتصير الشبهة بعد ذلك شبهة بدويّة كما لا يبعد ، فلا يتمّ هذا الجواب ، بل الصحيح في الجواب أن يقال : هذا الوجه بعينه هو الوجه الأوّل ، ولا تفاوت بينهما إلّا في كونه مقيّدا بقيد زائد لم يكن في الوجه الأوّل ، وهو قيد «مع عمل جمع به من غير ردّ ظاهر» وقد ذكرنا في الجواب عن الوجه الأوّل أنّ مقتضاه لزوم العمل بخصوص الأخبار المثبتة للتكليف الإلزاميّ ، أو ما يكون متكفّلا للحكم الترخيصي ، ولم يكن في قباله أصل مخالف له لفظي أو عملي ، لا مطلقا حتى فيما يكون نافيا للتكليف الإلزاميّ وكان في قباله الأصل الّذي هو معنى الحجّيّة.

ثالثها : ما ذكره صاحب الحاشية الشيخ محمد تقي ـ قدس‌سره ـ من أنّا نقطع

__________________

(١) فرائد الأصول : ١٠٥.

(٢) انظر كفاية الأصول : ٣٥١ مع الهامش.

٢٤١

بكوننا مكلّفين فعلا بالرجوع إلى الكتاب والسنّة ، فإن تمكّنّا من ذلك بنحو يحصل العلم بالحكم وجدانا أو تعبّدا ، فيتعيّن ذلك ، وإلّا فلا بدّ من التنزّل والرجوع بنحو يحصل الظنّ بالحكم (١).

وفيه : أنّه إن أراد ـ قدس‌سره ـ من السنّة الروايات الحاكية عن قول الإمام عليه‌السلام أو فعله عليه‌السلام أو تقريره عليه‌السلام ، مثل رواية زرارة ومحمد بن مسلم وغيرهما عن المعصوم عليه‌السلام ، فهو راجع إلى الوجه الأوّل ، إذ لا منشأ لهذا القطع إلّا العلم الإجمالي بصدور روايات كثيرة بين ما بأيدينا من الأخبار ، ووجوب العمل بجميع هذه الأخبار بواسطة هذا العلم الإجمالي قد عرفت ما فيه ، فلا نعيده.

وإن أراد ـ قدس‌سره ـ من السنّة نفس قول المعصوم وفعله وتقريره عليه‌السلام ، فمنشأ القطع بوجوب الرجوع إليها هو ما ثبت في علم الكلام من حجّيّة قول الإمام وفعله وتقريره عليه‌السلام ، وحينئذ يرجع هذا القطع إلى القطع بوجود أحكام في الشريعة التي لا يجوز لنا إهمالها ، وهو من إحدى مقدّمات الانسداد ، فلا بدّ من ضمّ سائر المقدّمات إليه ، ولا يكون بدونه دليلا مستقلّا.

__________________

(١) هداية المسترشدين : ٣٩٧.

٢٤٢

فصل :

في الوجوه التي أقاموها على حجّيّة مطلق الظنّ ، وهي أربعة :

الأوّل : أنّ الظنّ بالتكليف يستلزم الظنّ بالضرر في مخالفة التكليف المظنون ، ودفع الضرر المظنون ممّا استقلّ العقل بوجوبه ، فيجب بحكم العقل العمل بالظنّ ، في التكاليف الشرعيّة. وهذا ممّا لا ينكره أحد حتى الأشعري الّذي لا يرى الحسن والقبح في الأفعال مع قطع النّظر عن أوامر الشارع صلى‌الله‌عليه‌وآله ونواهيه ، وإنّما يقول بأنّ كلّ ما أمر به الشارع فهو حسن ، وكلّ ما نهى عنه فهو قبيح ، بل الاحتراز عن محتمل الضرر أيضا فطريّ للإنسان بل جبلّيّ لكلّ شاعر ولو لم يكن إنسانا.

وفيه : أنّ المراد من الضرر لو كان هو العقاب الأخروي ، فالكبرى وإن كانت مسلّمة إلّا أنّ الصغرى ممنوعة ، فإنّ الظنّ بمطلق التكليف لو كان مستلزما للظنّ بالعقاب ، لكان احتمال التكليف أيضا ملازما لاحتمال العقاب ، فيجب الاحتياط في الشبهات البدويّة أيضا ، لما عرفت من استقلال العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل ، كاستقلاله بوجوب دفع المظنون منه.

لا يقال : الوجه في عدم وجوب الاحتياط في الشبهات البدويّة جريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان فيها ، ولولاها لوجب الاحتياط فيها أيضا.

فإنّه يقال : لا وجه لعدم جريان القاعدة في موارد الظنّ بالتكليف ما لم يثبت اعتباره وحجّيّته ، فإنّ موضوعها عدم البيان ، والظنّ الّذي لم يثبت اعتباره شرعا لا يصلح لأن يكون بيانا ، والمفروض أنّه لم تثبت بعد حجّيّته والكلام الآن في إثبات ذلك ، فلا مانع من جريان القاعدة في موارد الظنّ

٢٤٣

بالتكليف أيضا.

وبذلك ظهر : أنّ ما أفاده صاحب الكفاية في المقام ـ من أنّ العقل وإن لم يكن مستقلّا بصحّة العقاب إلّا أنّه لا يكون مستقلّا بعدم صحّة العقاب أيضا ، فيكون العقاب محتملا ، فيجب دفعه (١) ـ لا أساس له ، لما عرفت من أنّ العقل ـ بمقتضى قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، العقليّة ـ يستقلّ بعدم صحّة العقاب ما لم يصل التكليف إلى المكلّف ولم يبيّن له.

وظهر أيضا أنّ الملازمة المذكورة ليست بين مخالفة التكليف الواقعي والعقاب ، وإنّما الملازمة بين مخالفة التكليف الواصل إلى المكلّف والمبيّن له وبين العقاب الأخروي.

وإن كان المراد منه هو المفسدة الموجودة في متعلّق التكليف ، ففيه ـ مضافا إلى أنّ الدليل يكون أخصّ من المدّعى ، فإنّه لا يجري في الواجبات ، إذ ليس في تركها إلّا فوت المصلحة ، ومن المعلوم أنّه غير الضرر والمفسدة ، وهكذا لا يجري في المحرّمات التي هي تابعة للمفاسد النوعيّة ، كالكذب والغيبة وغيرهما ممّا لا يكون ملاك حرمته مفسدة شخصيّة مترتّبة على فعله ، عائدة إلى نفس الفاعل ـ أنّه لا دليل على وجوب دفع هذا الضرر المظنون بحيث يترتّب على مخالفته ـ مضافا إلى وقوع المكلّف في مفسدة الفعل ـ عقاب أخرويّ ، ولا تثبت حجّيّة الظنّ ووجوب العمل به إلّا إذا كان بحيث يصحّ للمولى العقاب على مخالفته ، ومن المعلوم أنّه لا دليل لا عقلا ولا شرعا على وجوب دفع الضرر المظنون الدنيوي ، بل في مقطوعه أيضا كلام وإشكال على إطلاقه ، نعم في بعض موارده ـ مثل القطع بالهلاك وما يشبهه ـ لا إشكال فيه ،

__________________

(١) كفاية الأصول : ٣٥٤.

٢٤٤

وما لا دليل على وجوبه لا شرعا ولا عقلا كيف يحكم العقل ويستقلّ بصحّة المؤاخذة على تركه حتى يجب العمل به!؟

والحاصل : أنّ المستدلّ لو أراد من الضرر الضرر الدنيوي ، لا نسلّم كلّيّة صغرى دليله ، وعلى تقدير تسليمها لا نسلّم كبراه ، وهذا واضح لا سترة عليه.

الثاني : أنّه يدور أمر المكلّف ـ حيث لا يتمكّن من العلم بالتكليف ـ بين العمل بالظنّ وبين الأخذ بالشكّ أو الوهم ، فلو لم يعمل بالظنّ ، لزم ترجيح المرجوح على الراجح ، وهو قبيح.

وفيه : أنّ هذا من إحدى مقدّمات دليل الانسداد ، ولا يكون بنفسه دليلا مستقلّا.

الثالث : أنّه لا شكّ في وجود تكاليف إلزاميّة بين المشتبهات ، ولازمه وجوب الاحتياط في كلّ محتمل التكليف إلّا أنّ الاحتياط الكلّيّ ـ حيث إنّه موجب للعسر والحرج المنفيّين في الشريعة المقدّسة ، بل ربّما يوجب الإخلال بالنظام ـ غير واجب ، فمقتضى الجمع بين القاعدتين ـ أي : قاعدة الاحتياط ، الثابتة بحكم العقل ، وقاعدة نفي العسر والحرج ، الثابتة بحكم الشرع ـ هو العمل بالاحتياط في المظنونات فقط ، وترك المشكوكات والموهومات ، ولا يمكن العكس ، لقبح ترجيح المرجوح على الراجح.

وهذا الوجه أيضا ـ كسابقه ـ من إحدى مقدّمات دليل الانسداد ، ولا يتمّ إلّا بانضمام سائر المقدّمات إليه.

الرابع : دليل الانسداد ، وهو مركّب من مقدّمات أربع (١) يستنتج منها ـ على تقدير تماميّتها ـ جواز الاكتفاء بالظنّ في مقام الامتثال :

__________________

(١) كذا ، ولاحظ ما يأتي في المقدّمة الثالثة.

٢٤٥

الأولى : العلم الإجمالي بوجود تكاليف كثيرة إلزامية.

الثانية : أنّه قد انسدّ علينا باب العلم والعلمي إلى معظمها.

الثالثة : أنّه لا يجوز لنا إهمالها وعدم التعرّض لامتثالها أصلا.

ولا يخفى أنّ هذه المقدّمة عين المقدّمة الأولى وعبارة أخرى عنها ، فلا بدّ من حذف إحداهما.

الرابعة : أنّه لا يجوز لنا الرجوع إلى البراءة ، لاستلزامه الخروج من الدين ، ولا إلى القرعة والاستخارة ، لعدم كونهما طريقين شرعا إلى الأحكام ، والاحتياط إمّا يوجب العسر والحرج المنفيّين في الشريعة ، فلا يجب ، أو اختلال النظام ، فلا يجوز.

الخامسة : أنّ ترجيح المرجوح على الراجح قبيح.

فحينئذ يكشف العقل عن أنّ الشارع جعل لنا طريقا إلى الأحكام ، وهو الظنّ إنّ قلنا بعدم جواز الاحتياط ، وأنّ الشارع لا يرضى بالامتثال الإجمالي بالإتيان بمحتملات تكاليفه. أو يدرك عدم صحّة العقاب لو رفعنا اليد عن الاحتياط بمقدار لزومه العسر والحرج إن قلنا بعدم وجوبه.

فظهر أنّ النتيجة في فرض تماميّة جميع المقدّمات إمّا الكشف أو التبعيض في الاحتياط ، ولا سبيل إلى الحكومة أصلا.

وتوضيح ذلك : أنّ العقاب بلا بيان قبيح من العقلاء محال من الشارع الحكيم ، والبيان إمّا تكويني ، كالقطع ، أو جعليّ ، كالبيّنة ، ومن الواضح أنّ الظنّ لا مبيّنيّة ، ولا كاشفيّة له ذاتا أصلا ، ويستحيل أن يتّصف بالمبيّنية والكاشفيّة بحكم العقل ، ضرورة أنّ العقل ليس شأنه إلّا إدراك الأمور الواقعية وأنّ التكليف وأصل إلى المكلّف بنفسه أو بطريقه الّذي جعله الشارع طريقا حتى يكون العقاب على مخالفته عقابا مع البيان ، أو ليس بواصل لا بنفسه ولا بطريقه حتى

٢٤٦

يكون العقاب على مخالفته عقابا بلا بيان وقبيحا ، وليس مشرّعا حتى يتعبّد بحكمه بحجّيّة الظنّ وطريقيّته إلى الواقع ، ولا معنى لحكم العقل بذلك ، وما لا يكون بنفسه طريقا إلى الواقع كالظنّ كيف يمكن أن يعطيه العقل صفة الطريقيّة!؟

نعم ، العقل يمكن أن يعرف ويدرك ما أعطاه الشارع صفة الكاشفيّة وجعله طريق الوصول إلى تكاليفه.

وحينئذ إن قلنا بعدم جواز الاحتياط وأنّه ممّا لا يرضى به الشارع وأنّ من المقطوع أنّ بناء الشريعة ليس على الاكتفاء بالامتثال الاحتمالي في جميع الأحكام ، فمع ضمّ سائر المقدّمات العقل يكشف عن أنّ الشارع جعل شيئا طريقا إلى تكاليفه ، وإلّا يكون العقاب على ترك امتثال تكليفه عقابا بلا بيان ، إذ المفروض أنّ المكلّف في هذه الحال لا يمكنه الوصول إليها إلّا بالاحتياط الّذي لا يرضى به الشارع ، وعدم بناء الشريعة على الاكتفاء بالامتثال الاحتمالي ، وأنّه لم يجعل له طريقا آخر إليها حتى يتبعه ، ثمّ إذا أدرك العقل طريقيّة شيء في نظر الشارع ، فليس هذا إلّا الظنّ ، لقبح ترجيح المرجوح على الراجح ، ولكنّه لا يرى حجّيّة الظنّ وطريقيّته عند الشارع في هذه الحال مطلقا ، بل بمقدار يكون وافيا بعدّة أحكام لو رجعنا في غيرها إلى الأصول أو الاحتياط ، ما ارتكبنا محذورا.

مثلا : إذا كشف حجّيّة الظنّ الحاصل من الخبر العدل الإماميّ الموثوق الصدور ، فإنّ كان وافيا بمقدار المعلوم بالإجمال ، فهو ، وإن لم يكن وافيا وتحيّر العقل بعد ذلك في حجّيّة شيء آخر أيضا ، فلا بدّ من الاحتياط في البعض ، كالأموال والأعراض والنفوس ، إذ الاحتياط الّذي لا يرضى به الشارع نقطع بأنّه في غير هذه الموارد ، والرجوع إلى الأصل في البعض الآخر لو كان

٢٤٧

مجموع ما أدّى إليه الظنّ الخبري المذكور ، والاحتياط بمقدار المعلوم بالإجمال ، وإلّا نتنزّل عن هذا القسم من الظنّ إلى الأدنى منه وهكذا إلى أن ينحلّ العلم الإجمالي ، فعلى الكشف لا بدّ من الأخذ بالمتيقّن فالمتيقّن ، والتنزّل عن الأعلى إلى الأسفل.

وإن قلنا بجواز الاحتياط وعدم وجوبه ، للزوم العسر والحرج ، فالعقل يحكم ـ والتعبير بالحكم مسامحة ، لما عرفت من أنّ العقل لا يحكم بشيء وإنّما شأنه الإدراك ، فمعنى حكمه أنّه يدرك صحّة العقاب على مخالفة هذا المقدار من التكاليف ، الّذي لا يكون الاحتياط فيه حرجيّا ـ بوجوب الاحتياط بمقدار لا يكون حرجيّا ، لا أنّه يحكم بحجّيّة الظنّ ، وحينئذ نسقط من الأطراف الموهومات ، ونرى بعد ذلك أنّ الاحتياط في جميع المظنونات والمشكوكات حرجيّ أو لا؟ فإن لم يكن حرجيّا ، فلا بدّ من الاحتياط فيهما ، وإن كان حرجيّا أيضا ، فنسقط المشكوكات أيضا ، ونحتاط في خصوص المظنونات ، وهكذا لو كان الاحتياط في جميع المظنونات حرجيّا ، نسقط منها المظنونات بالظنون الضعيفة فالضعيفة حتى يرتفع الحرج عن التكليف بالاحتياط.

فعلى هذا نتنزّل عن الامتثال اليقيني إلى الامتثال الظنّي والعمل بالمظنونات والمشكوكات جميعا ، ثم عن الامتثال الظنّي إلى الامتثال الاحتمالي والعمل بالمظنونات فقط ، ونترقّى فيها ـ لو كان الاحتياط في جميعها حرجيّا ـ من الظنّ الضعيف إلى القويّ حتى يرتفع الحرج ، فأمر المظنونات على التقريرين على التعاكس ، إذ على الكشف نتنزّل عن القويّ إلى الضعيف ، وعلى التبعيض في الاحتياط نترقّى من الضعيف إلى القويّ.

وظهر من جميع ما ذكرنا أمران :

٢٤٨

الأوّل : أنّ النتيجة على تقدير تماميّة جميع المقدّمات هي أحد أمرين : إمّا الكشف ، أو التبعيض في الاحتياط ، وأنّ الحكومة بمعنى حكم العقل بحجّيّة الظنّ لا معنى له.

الثاني : أنّ النتيجة هي حجّيّة الظنّ في الجملة لا كلّيّة ، كما لا يخفى.

ثمّ إنّ المقدّمة الأولى ـ وهو العلم الإجمالي بوجود تكاليف كثيرة إلزاميّة ـ قد عرفت سابقا عدم تماميّتها ، وأنّ هذا العلم منحلّ بالعلم بوجود تكاليف في ضمن الأمارات الظنّيّة ، وهو أيضا منحلّ بوجود تكاليف بمقدار المعلوم بالإجمال في ضمن ما بأيدينا من الأخبار الموجودة في مجاميعنا المعتبرة ، ولازمه هو الاحتياط في خصوص الأخبار ، الّذي لا يلزم منه عسر ولا حرج.

وأمّا المقدّمة الثانية ـ وهو انسداد باب العلم والعلميّ ـ فهي تامّة بالنسبة إلى العلم ، ولا ينبغي الريب فيها ، وأمّا بالإضافة إلى العلميّ فتماميّتها تتوقّف على أحد أمرين على سبيل منع الخلوّ ، وهما : عدم حجّيّة الأخبار سندا أو ظهورا.

وبعبارة أخرى : انسداد باب العلمي منوط بالخدشة في حجّيّة الأخبار الموثوق الصدور إمّا في سندها أو ظهورها.

وقد عرفت من الأدلّة السابقة من الآيات والروايات والسيرة أنّه لا سبيل إلى الخدشة في السند.

أمّا في دلالتها : فقد أنكرها المحقّق القميّ ـ قدس‌سره ـ نظرا إلى أنّ الظهورات تختصّ بمن قصد إفهامه (١).

__________________

(١) قوانين الأصول ١ : ٣٩٨ ـ ٤٠١.

٢٤٩

وقد مرّ أنّه على فرض تسليمه وعدم حجّيّة الظواهر لمن قصد إفهامه لا يمكن إنكار حجّيّة ظواهر الأخبار لنا ، فإنّا مقصودون بالإفهام ، لأنّ الراوي الأوّل الّذي سمع من الإمام كان مقصودا بالإفهام ، والراوي الثاني كان مقصودا بالإفهام للراوي الأوّل ، والراوي الثالث كان مقصودا بالإفهام للراوي الثاني وهكذا إلى أن تصل النوبة إلى أرباب الكتب المعتبرة ، كالصدوق والكليني وغيرهما ، والمقصود بالإفهام لهؤلاء هو كلّ من راجع كتبهم ، فنحن أيضا مقصودون بالإفهام كمن يتحمّل الرواية من الإمام عليه‌السلام ، فلا ريب في حجّيّة الأخبار الموثوق الصدور لنا ، ولا مجال للخدشة فيها لا سندا ولا ظهورا ، وبعد ذلك لا وجه لدعوى انسداد باب العلمي ، لانحلال العلم الإجمالي بما في الأخبار من التكاليف.

ولو فرض أنّ المعلوم بالإجمال أكثر ممّا في الأخبار من التكاليف ، ومقتضاه لزوم الاحتياط في جميع الأمارات ، فنقول : حيث إنّ الاحتياط في جميع الأطراف لا يمكن والفقيه مضطرّ إلى ترك بعض الأطراف ، فالاضطرار إلى ذلك يوجب الانحلال بما في الكتب ، وهذا بناء على ما ذهب إليه صاحب الكفاية من انحلال العلم الإجمالي بذلك (١) ، أمّا بناء على عدم الانحلال ، كما ذهب إليه شيخنا الأستاذ (٢) قدس‌سره وفاقا للشيخ (٣) ، فلا يأتي هذا الجواب.

وأمّا المقدّمة الثالثة ـ وهي أنّا لسنا بمهملين كالبهائم بحيث نفعل ما نشاء ونترك ما نشاء ، بل لا بدّ لنا من التعرّض للأحكام الثابتة في الشريعة ـ فهي مسلّمة ، ولازمها الاحتياط ولو قلنا بمقالة صاحب الكفاية من أنّ العلم الإجمالي

__________________

(١) كفاية الأصول : ٤٠٨ ـ ٤٠٩.

(٢) أجود التقريرات ٢ : ٢٦٧ ـ ٢٦٨.

(٣) فرائد الأصول : ٢٥٤.

٢٥٠

ينحلّ بسبب الاضطرار إلى بعض الأطراف (١) ، لما ذكرنا من أنّ الشارع لا يرضى بإهمال تكاليفه الواقعيّة ، فعلى أيّ حال الاحتياط لازم ، غاية الأمر على هذا القول شرعيّ ، وملاك وجوبه هو القطع بعدم رضى الشارع بإهمال التكاليف ، وحيث انسدّ علينا باب العلم والعلمي إلى تكاليفه ، فلا بدّ له من جعل الاحتياط. وعلى القول بعدم الانحلال عقليّ ، وملاك لزومه هو إدراك العقل صحّة العقاب على مخالفة التكاليف المعلومة بالإجمال.

وأمّا المقدّمة الرابعة ـ وهي أنّ القرعة والاستخارة والتقليد والاحتياط والرجوع إلى الأصل باطلة ـ فهي مسلّمة بالنسبة إلى الثلاثة الأول ، ضرورة أنّ القرعة والاستخارة ليستا طريقين إلى الأحكام ، والتقليد هو رجوع الجاهل إلى العالم ، والقائل بالانسداد يرى الانفتاحي جاهلا ، فكيف يجوز له تقليده!؟

أمّا الرابع ـ وهو الاحتياط ـ فإن كان موجبا لاختلال النظام ، فكذلك ، وإلّا فإن كان موجبا للعسر والحرج ، فيختلف الحكم فيه باختلاف المبنى في تفسير «لا حرج في الدين» و «لا ضرر» وأمثالهما من التراكيب.

وتفصيله : أنّ الشيخ ـ قدس‌سره ـ ذهب في أمثال هذه التراكيب إلى أنّ مفادها نفي الحكم الناشئ منه الحرج (٢) ، فإذا كان وجوب الصوم موجبا للحرج ـ كما في شدّة الحرّ ـ فهو منفيّ بمقتضى دليل «لا حرج» لأنّ الحرج إنّما نشأ من قبل هذا الحكم ، إذ المكلّف في طريق امتثال مثل هذا الحكم يقع في الحرج الشديد.

وذهب صاحب الكفاية ـ قدس‌سره ـ إلى أنّ مفادها نفي الحكم بلسان نفي الموضوع (٣) ، إذ ظاهرها نفي الموضوع الضرري ، ومن الواضح أنّه تكوينا غير

__________________

(١) كفاية الأصول : ٤٠٨ ـ ٤٠٩.

(٢) فرائد الأصول : ٣١٤ ، رسالة قاعدة نفي الضرر (المطبوعة مع المكاسب) : ٣٧٢.

(٣) كفاية الأصول : ٣٥٨.

٢٥١

منفيّ ، فيكون معناه أنّه ليس له حكم في الشريعة المقدّسة.

وتظهر الثمرة بين القولين في مواضع :

منها : في مسألة خيار الغبن ، فإنّ اللزوم ـ حيث إنّه حكم شرعيّ ينشأ منه ضرر المغبون ـ منفيّ على مبنى الشيخ دون صاحب الكفاية ، إذ ليس في البين موضوع ضرري حتى يرتفع حكمه.

ومنها : في مسألة لزوم الاحتياط في المقام ، فإنّه حيث إنّه حكم شرعي ينشأ من قبله الحرج منفيّ على مبنى الشيخ ، وأمّا على مبنى صاحب الكفاية فحيث إنّ موضوع الاحتياط ـ وهو وجود الأحكام الواقعيّة ـ ليس حرجيّا ، وإنّما الحرج نشأ من نفس الاحتياط ـ الّذي هو حكم عقلي ـ والجمع بين المحتملات ، لا يمكن التمسّك بدليل «لا حرج» لإبطال الاحتياط ، إذ لا موضوع حرجيّ لحكم شرعيّ حتى يرتفع حكمه بلسان نفي موضوعه.

هذا ، ولكنّ الظاهر أنّ الاحتياط في المقام منفيّ على كلا المبنيين.

أمّا على مسلك الشيخ قدس‌سره : فظاهر.

وأمّا على مسلك صاحب الكفاية : فلأنّ الجمع بين المحتملات التي لا يكون جميعها فعلا محلا للابتلاء ـ كما في المقام ـ ليس الأمر فيه كما أفاده قدس‌سره ، بل ما أفاده جار فيما إذا كانت الأطراف جميعها فعلا محلا للابتلاء ، كما إذا نذر ناذر وتردّد متعلّق نذره بين صوم الغد وقراءة سورة البقرة فيه ، وكان الجمع بينهما حرجيّا على الناذر دون كلّ واحد منفردا ، وأمّا في مثل المقام الّذي يكون الجمع تدريجيّا فما يأتي به المكلّف من الأطراف في أوّل الأمر لا يكون حرجيّا ، ولكن ربما تصل النوبة إلى محتمل التكليف الّذي يكون حرجيّا.

مثلا : إذا نذر شخص صوم يوم معيّن ، فنسيه وتردّد أمره بين جميع أيّام

٢٥٢

السنة غير اليومين (١) بحيث يكون كلّ يوم من أيّام السنة غيرهما محتملا لكونه منذور الصوم ، فحينئذ يجب عليه صوم جميع أيّام السنة غيرهما حتى يتحقّق الوفاء ، فإذا فرضنا أن لا حرج في صوم شهور ثلاثة من السنة وصامها وصار الصوم بعد ذلك حرجيّا له ، فإن كان المنذور الواقعي في الأيّام الماضيّة فهو ، وإن كان هذا اليوم المخصوص [مثلا] ـ الّذي يكون صومه حرجيّا للناذر ـ أو مردّدا بين أيّام يكون صوم جميع تلك الأيّام حرجيّا ، له ، فهو مرفوع بدليل «لا حرج» فظهر أنّ الاحتياط الحرجي مرفوع على كلا المسلكين ، ولا يجب إلّا بمقدار لا يكون مخلا بالنظام ولا موجبا للعسر.

وأمّا الخامس ـ وهو الرجوع إلى الأصول ـ فالاحتياط في أطراف المعلوم بالإجمال كدوران أمر الصلاة يوم الجمعة بين الظهر والجمعة ، فلا مانع منه (٢).

وأمّا سائر الأصول فإن كانت مثبتة للتكليف ، فلا مانع من جريانها أيضا في المقام بناء على القول بالجريان فيما إذا علم بانتقاض الحالة السابقة في بعضها إذا لم يستلزم مخالفة عمليّة ، كالمقام ، فالعلم الإجمالي بانتقاض الحالة السابقة في بعض موارد الاستصحاب لا يمنع عن الجريان.

هذا بناء على مذهب صاحب الكفاية (٣) ، وأمّا بناء على ما ذهب إليه الشيخ (٤) ـ قدس‌سره ـ وتبعه شيخنا الأستاذ (٥) ـ قدس‌سره ـ من عدم الجريان فلا تجري.

وما توهّمه صاحب الكفاية ـ قدس‌سره ـ من الجريان حتى على هذا المبنى بدعوى أنّ جميع الأطراف ليست محلا للابتلاء ، فإنّ المجتهد يستنبط الأحكام

__________________

(١) أي : العيدين.

(٢) قد مرّ تفصيله.

(٣) كفاية الأصول : ٤٠٨ ـ ٤٠٩.

(٤) فرائد الأصول : ٢٥٤.

(٥) أجود التقريرات ٢ : ٢٦٧ ـ ٢٧٠.

٢٥٣

تدريجا ، فحين الاستنباط ليس محلا لابتلائه إلّا بعض الأطراف (١) فاسد ، وذلك لأنّ المجتهد إذا أجرى الاستصحاب في كلّ مسألة وكتب جميع فتاواه في رسالته وأراد نشرها في مقلّديه ، يعلم إجمالا بأنّ بعض هذه الاستصحابات غير جار ، لانتقاض الحالة السابقة ، ومن الواضح أنّ الآن جميع الأطراف محلّ لابتلائه ، فلا يجوز له فعلا الإفتاء على طبق هذه الاستصحابات التي يعلم بانتقاض الحالة السابقة في بعضها وإن لم يكن جميع الأطراف محلا لابتلائه حين الاستنباط.

وبالجملة بناء على جريان الأصول في المقام فإن كانت موارد الأصول المثبتة بضميمة ما علم تفصيلا وما ثبت بالضرورة من الأحكام بمقدار المعلوم بالإجمال ، فلا محالة ينحلّ العلم الإجمالي بذلك ، ولا مانع من الرجوع إلى الأصول النافية للتكليف بعد ذلك ، ولا يلزم الاحتياط أصلا ، وإن لم تكن تلك بمقدار المعلوم بالإجمال ، فاللازم هو الاحتياط في خصوص موارد الأصول النافية بمقدار لا يلزم منه الاختلال بالنظام ولا العسر بناء على ما اخترناه في محلّه من أنّ الاضطرار إلى بعض غير المعيّن من أطراف العلم الإجمالي لا يوجب انحلال العلم ، بل العلم الإجمالي على منجّزيّته بالإضافة إلى غير المضطرّ إليه من الأطراف ، وأمّا بناء على ما ذهب إليه صاحب الكفاية من انحلاله حينئذ كانحلاله في صورة الاضطرار إلى المعيّن ، فاللازم عدم الاحتياط بمقدار لا يلزم منه الخروج من الدين.

أمّا في غير هذا المقدار فلا مانع من إجراء الأصول النافية ، لانحلال العلم الإجمالي من جهة الاضطرار إلى ترك بعض الأطراف الّذي يرتفع به محذور

__________________

(١) كفاية الأصول : ٣٥٩.

٢٥٤

الاختلال أو العسر ، كما هو ظاهر.

وبذلك ظهر أنّه لا تصل النوبة إلى المقدّمة الخامسة ، وهي قبح ترجيح المرجوح والإطاعة الوهميّة على الراجح والإطاعة الظنّيّة ، لما عرفت من أنّ مقدّمات الانسداد على فرض تماميتها نتيجتها هي التبعيض في الاحتياط لا حجّيّة الظنّ لا كشفا ولا حكومة ، إذ بعد تسليم تمامية المقدّمة الأولى وعدم انحلال العلم الإجمالي بما في الأخبار من الأحكام وتسليم انسداد باب العلمي وبطلان الرجوع إلى الأصول وسائر ما ذكر في المقدّمة الرابعة من بطلان الاحتياط التامّ وعدم وجوب ما يوجب العسر والحرج وغير ذلك يستقلّ العقل بلزوم الاحتياط بمقدار لا يلزم منه محذور ، فإنّ الضرورات تقدّر بقدرها ، وإذا كانت النتيجة على فرض تماميّة المقدّمات هي التبعيض في الاحتياط لا غير ، فلا يبقى مجال بعد ذلك لكثير من المباحث المبحوثة عنها في المقام ، مثل : أنّ قضيّة المقدّمات هل هي حجّيّة الظنّ بالواقع أو بالطريق أو بهما بل لا بدّ من الاحتياط والعمل بالظنّ بالطريق أيضا ولو كان وهما بالواقع ما لم يوجب العمل بهذا القسم من الوهم الاختلال أو العسر ، وأنّه هل يقدّم ظنّ المانع أو الممنوع وغير ذلك من المباحث التي كلّها متفرّعة على أن تكون نتيجة دليل الانسداد حجّيّة الظنّ بنحو الحكومة أو الكشف ، وقد عرفت أنّها ليست كذلك ، بل النتيجة على تقدير تماميّة المقدّمات هي التبعيض في الاحتياط ، فلا موضوع لهذه المباحث مع طولها ، وكلّها بلا موجب. هذا تمام الكلام فيما يتعلّق بالظّن.

والحمد لله أوّلا وآخرا ، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطيّبين الطاهرين ، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.

* * *

٢٥٥
٢٥٦

المقصد السابع :

في الأصول العمليّة

٢٥٧
٢٥٨

بسم الله الرحمن الرحيم

المقصد السابع : في الأصول العمليّة.

لا يخفى أنّ ما يبحث عنه في الأصول على أربعة أقسام :

قسم راجع إلى اللفظ من حيث هو من دون نظر إلى أنّه وارد في الكتاب أو السنّة ، كمباحث الأوامر والنواهي والمشتقّ ، وهي تسمّى بمباحث الألفاظ.

وقسم ثان راجع إلى نفس المداليل والأحكام من غير ملاحظة أنّها مستفادة من الألفاظ ، كمباحث وجوب مقدّمة الواجب ، واجتماع الأمر والنهي ، واقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضدّه ، فإنّ البحث عن أمثال ذلك لا ربط له بمقام اللفظ ، بل هو بحث عقليّ واقعيّ ، كان هناك لفظ أو لم يكن.

مثلا : في باب المقدّمة يبحث عن أنّ العقل هل يرى الملازمة بين وجوب شيء واقعا ـ ولو لم يكن لفظ في البين ـ ووجوب مقدّمته أو لا؟ وهكذا في باب اجتماع الأمر والنهي يبحث عن أنّ العقل هل يجوّز اجتماع الأمر والنهي في فعل واحد شخصي معنون بعنوانين يكون مأمورا به باعتبار أحدهما ومنهيّا عنه باعتبار الآخر أو لا؟

وبالجملة البحث عن أمثال ذلك غير مربوط بمقام الألفاظ ، فلا وجه لعدّ صاحب المعالم ـ قدس‌سره ـ بحث الضدّ ومقدّمة الواجب من مباحث الألفاظ ، كما هو ظاهر قوله : «لو دلّ ـ أي الأمر على النهي عن الضدّ ـ لكانت بواحدة من الثلاث ،

٢٥٩

وكلّها منتفية» (١) إلى آخره ، في باب الضدّ ، وما يشبه هذه العبارة في باب المقدّمة (٢).

وهذا القسم يسمّى بالمباحث العقليّة غير المستقلّة.

وقسم ثالث راجع إلى أحكام الحجج والبحث عن دليليّة الأدلّة ، وهو على قسمين :

أحدهما : راجع إلى أحكام الأدلّة التي متكفّلة لبيان الأحكام والتكاليف بعناوينها الأوّليّة ، كالأمارات ، وتسمّى هذه الحجج والأدلّة بالأدلّة الاجتهادية لمناسبة ما أخذ في تعريف الاجتهاد ـ من أنّه استفراغ الوسع لتحصيل الظنّ بالحكم الشرعي ـ من الظنّ بالحكم الشرعي ، فإنّ الأمارات كلّها مفيدة لذلك.

وثانيهما : راجع إلى ما يكون متكفّلا لبيان الحكم بعنوانه الثانوي وفي ظرف الجهل بالواقع ، وناظرا إلى وظيفة المكلّف في مقام العمل عند الشكّ في الحكم الواقعي من الأدلّة.

وهذه هي التي محطّ البحث في هذا المقصد ، وهو القسم الرابع من أقسام المباحث ، وتسمّى هذه الأدلّة بالأدلّة الفقاهتيّة ، لمناسبة ما أخذ في تعريف الفقه ـ من أنّه العلم بالأحكام الشرعيّة ، إلى آخره ـ من العلم بالأحكام ، فإنّ المراد منه هو العلم بالأحكام الظاهريّة ، ومن الواضح أنّ الأصول كلّها مفيدة لذلك ، وبالأصول العمليّة أيضا ، لمناسبة كونها وظيفة في مقام العمل ، وعمدتها أربعة : الاستصحاب ، والبراءة ، والاحتياط ، والتخيير.

ووجه الحصر فيها هو ما أفاده شيخنا العلّامة الأنصاري من أنّ الشكّ إمّا أن تلاحظ فيه الحالة السابقة ، فهو مورد الاستصحاب ، أو لا ، فإن كان الشكّ في

__________________

(١) المعالم : ٢٦٦.

(٢) المعالم : ٢٥٩.

٢٦٠