الهداية في الأصول - ج ٢

آية الله الشيخ حسن الصافي الإصفهاني

الهداية في الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله الشيخ حسن الصافي الإصفهاني


المحقق: مؤسسة صاحب الأمر (عج)
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة صاحب الأمر (عج)
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣١

بعد ارتفاعه موقوف على أن يكون فرد آخر مقارنا لزوال ذلك الفرد أو حادثا قبله حتّى يكون الطبيعيّ بوجوده باقيا ، والأصل عدم الحدوث.

هذا إذا كان وحدة المطلوب بمقتضى الدليل محرزة معلومة ، وأمّا لو كانت مشكوكة بأن كان الطبيعيّ واجبا قطعا وكذلك القيد لكن شككنا في أنّ وجوب الطبيعيّ كان ضمنيّا ومقيّدا حتى يكون بارتفاع القيد مرتفعا أو كان استقلاليّا والقيد كذلك حتّى يكون باقيا بعد ارتفاع الوجوب المتعلّق بالقيد استقلالا ، فمقتضى حجّيّة الاستصحاب في القسم الثاني أن يكون الطبيعيّ بعد الوقت أيضا واجبا.

وكون هذا الاستصحاب من القسم الثاني واضح ، إذ وجوب القيد قطعيّ كان استقلاليّا أو ضمنيّا ، ويكون بالعصيان مرتفعا ، سواء كان ضمنيّا أو استقلاليّا ، ووجوب [ذات المقيّد] أيضا كان معلوما ، لكن هل كان وجوده في ضمن الفرد المتيقّن الزوال ، وهو الضمنيّ ، أو في ضمن الفرد المتيقّن البقاء ، وهو الاستقلاليّ؟ فبقاء الطبيعيّ يكون محتملا ، والاستصحاب حيث إنّه من القسم الثاني يكون جاريا.

إلّا أنّ الّذي يسهّل الخطب كون هذا الاحتمال موهونا غير معتنى به عند العقلاء ، لأنّ لازم احتمال تعدّد المطلوب وجريان الاستصحاب : التزام عقابين فيما إذا تيقّن الشخص أو احتمل احتمالا عقلائيّا وترك الفعل مع ذلك ، لكونه عاصيا لوجوبين وأمرين ، أحدهما : وجوب القيد الّذي كان فوريّا ، والآخر : وجوب ذات المقيّد استقلالا الّذي صار بمقتضى العلم بالموت فوريّا يعاقب عليه إذا تركه ولم يأت به حتّى خرج الوقت وأدركه الموت ولو لم يكن يعاقب عليه لو لا هذا العلم أو ذلك الاحتمال لو حلّ الأجل وتحقّق الفوت.

٢٠١

وبالجملة ، لو أحرزنا تعدّد المطلوب من الدليل فهو ، ولو كان المطلوب واحدا وصحّ التمسّك بالأصل بعد الوقت ـ على ما ذكرنا في الصورة المفروضة ـ فلا كلام أيضا ، ونتيجته استفادة كون القيد قيدا في صورة خاصّة ـ كحال العلم والالتفات والاختيار مثلا ـ لا مطلقا ، وإلّا فمقتضى القاعدة البراءة من القضاء ، إلّا أن يدلّ دليل خارجيّ على وجوب القضاء ، فالقضاء لا يكون تابعا للأداء ، بل يحتاج إلى أمر جديد.

* * *

٢٠٢

فصل :

في أنّ الأمر بالأمر بالشيء هل هو أمر به أم لا؟

الاحتمالات بحسب مقام الثبوت ثلاثة حيث إنّ المطلوب بقوله : «قل لفلان : افعل كذا» إمّا نفس هذا القول والأمر على نحو الموضوعيّة بحيث يحصل الامتثال بمجرّد أمر المأمور الأوّل المأمور الثاني ، ولا يجب على المأمور الثاني إتيان هذا الفعل المأمور به ، سواء أمر المأمور الأوّل به ، أو لم يأمر ، بل علم المأمور الثاني من طريق آخر ، أو يكون على نحو الطريقيّة الصرفة بحيث لا يحسب الامتثال على المأمور الأوّل إلّا من باب تبليغ الحكم إلى المأمور الثاني ، فلو علم (١) بالتكليف من طريق آخر لا يجب على المأمور الأوّل أمره به ، لحصول الغرض ، وهو وصول التكليف إلى من كلّف به ، ويجب على المأمور الثاني إيجاد الفعل سواء علم ذلك من ناحية أمر المأمور الأوّل أو من طريق آخر. أو يكون وسطا بينهما بحيث يكون المطلوب ذاك الفعل لكن لا على وجه الإطلاق ، بل بشرط أن يكون واصلا إليه من هذا الطريق الخاصّ ، فيجب على المأمور الأوّل الامتثال وإن علم بذلك الثاني ، ولا يجب على الثاني إيجاد الفعل إلّا بعد أن يأمر الأوّل بذلك.

هذا كلّه بحسب مقام الثبوت ، ولكن ليس لنا طريق لإثبات أحدها بحسب الوضع اللغويّ ، فعلى هذا يجب على المأمور الأوّل الأمر ، سواء علم المأمور الثاني به أو لا ، لاحتمال كون المطلوب على نحو الموضوعيّة ، ويجري

__________________

(١) أي : علم المأمور الثاني.

٢٠٣

البراءة من التكليف بالفعل المأمور الثاني.

هذا ، ولكن دعوى الانصراف والظهور العرفي في الطريقيّة المحضة ليست ببعيدة ، فإنّ العرف لا يفهمون من مثل «قل لفلان افعل كذا» أو «مر فلانا بكذا» إلّا مطلوبيّة هذا الفعل للآمر الأوّل وتعلّق غرضه به ، فيجب تحصيله.

* * *

٢٠٤

فصل :

في أنّ الأمر بالفعل ثانيا بعد الأمر به أوّلا وقبل امتثال الأمر الأوّل هل يكون تأكيدا أو تأسيسا؟

والاحتمالات العقليّة في هذه المسألة أربعة ، لأنّ الأمر بالطبيعة الواحدة إمّا أن يكون في كلّ مرّة معلّقا على أمر غير ما علّق عليه في مرّة أخرى ، أو يكون مرّة معلّقا وأخرى غير معلّق على شيء ، أو يكون في كلتا المرّتين معلّقا (١) ، أو يكون كذلك (٢) مطلقا.

ويقع البحث عن الصورة الأولى عند التكلّم في المفاهيم في مقام البحث عن تداخل الأسباب ، وعن الثانية في بحث المطلق والمقيّد غير المتنافيين.

فالبحث هاهنا عن الصورتين الأخريين ، فلو وصلت النوبة إلى الأصول العمليّة فمقتضى القاعدة هي البراءة عن إيجاد الطبيعة مرّة ثانية ، والكلام في أنّه هل تصل النوبة إلى الأصل العمليّ أو لا؟

فنقول : لا إشكال في أنّ مقتضى إطلاق المادّة هو التأكيد ، لأنّ إطلاقها من جميع الجهات حتّى من التقييد بالمرّة الثانية يقتضي أن يكون صرف وجود الطبيعة غير مقيّد بقيد حتّى تعدّد المطلوب ، إذ لو كان المطلوب مرّتين يجب تقييد الأمر الثاني بما يفيد هذا المعنى ، كأن يقول : «افعل مرّة أخرى» وحيث لم يقيّد فمقتضى الإطلاق عدم اعتبار ذلك ، وهذا هو معنى التأكيد. ومقتضى

__________________

(١) هذا في صورة وحدة المعلّق عليه.

(٢) أي : في كلتا المرّتين.

٢٠٥

ظهور الهيئة هو التأسيس ، لأنّ الظاهر من الهيئة هو البعث والتحريك ، وهو يتمّ في الأمر الثاني لو كان متعلّقا بفرد آخر وإيجاد الطبيعة ثانيا ، وإلّا فالبعث إلى الفرد الأوّل بالأمر الأوّل قد حصل ، ولا معنى للبعث ثانيا بالنسبة إلى فعل واحد ، لأنّه كتعلّق الوجوبين بشيء واحد ، وهو غير معقول ، فمقتضى ظهورها في البعث وجوبها ثانيا ، وهذا معنى التأسيس.

فالحاصل : أنّ ظهور الهيئة والمادّة متنافيان متدافعان ، ولا يبعد رفع اليد عن ظهور الهيئة والتمسّك بإطلاق المادّة والالتزام بالتأكيد وعدم وجوب الطبيعة إلّا مرّة واحدة ، إذ الهيئة ظاهرة في المعنى المذكور لو لم تكن أفراد أخر منها تالية ، وإلّا فهي من قبيل الكلام المحفوف بما يصلح للقرينيّة ، فمن جهة الهيئة يكون الأمر الثاني مجملا ، وإطلاق المادّتين يكون مقتضيا لما كان مقتضيا من غير معارض ، بل الظاهر عند العرف كون الأمر الثاني تأكيدا لا تأسيسا.

ولعلّ السرّ في ذلك ما ذكرنا في محلّه من أنّ الوجوب عبارة عن الاعتبار النفسانيّ ، والإنشاء مظهر له ، ولا مانع من تعدّد المظهر مع اتّحاد المظهر بالفتح ، وإذ كان الظاهر التأكيد ، فلا تصل النوبة إلى الأصول ، ولو لم يترجّح كونه تأكيدا ، فلا أقلّ من التساوي ، وتكون البراءة جارية.

هذا تمام الكلام في المقصد الأوّل.

* * *

٢٠٦

المقصد الثاني :

في النواهي

٢٠٧
٢٠٨

المقصد الثاني :

من مقاصد الكتاب

في النواهي فصل :

فصل

فصل (١) في أنّ النهي عن العبادات أو المعاملات يدلّ على الفساد أم لا؟

وليقدّم أمور :

الأوّل : أنّ الفرق بين هذه المسألة ومسألة الاجتماع واضح ، كما عرفت ، وعرفت أنّ البحث هناك صغرويّ وهنا كبرويّ.

الثاني : أنّ مورد البحث هنا هو دعوى التنافي بين الحرمة والعباديّة بمعنى أنّه لا تكون العبادة بعد تعلّق النهي بها في مورد ذات ملاك أصلا ، وهو معنى الفساد ، وحينئذ يكون النزاع عقليّا محضا.

نعم ، لو قلنا بأنّ من لوازم الحرمة عدم الأمر والملاك لزوما بيّنا ، فحينئذ تكون دلالة النهي على الحرمة بالمطابقة وعلى عدم الأمر والملاك بالالتزام ، ولا ريب أنّ الدلالة الالتزاميّة من الدلالات اللفظيّة ، أو قلنا بمقالة صاحب الجواهر (٢) ، وأنّه يكفي في فساد العبادة عدم الأمر ، يكون البحث أيضا لفظيّا ، لوضوح دلالة الحرمة على عدم الأمر ، فيكون كافيا في فسادها ، وأمّا لو لم نقل بهما ، فلا بدّ من جعل النزاع عقليّا ، وأنّ محطّ البحث دعوى ثبوت التنافي بين

__________________

(١) لم يصل إلينا لحدّ الآن من الأصل مباحث الفصلين الأوّلين من النواهي طبقا لمنهج كتاب الكفاية ، ولعلّها فقدت.

(٢) انظر : جواهر الكلام ٨ : ١٤٤ و ١٤٥ و ٢٨٥.

٢٠٩

محبوبيّة شيء ومبغوضيّته بعينه ، وأن لا يمكن التقرّب بما هو مبغوض للمولى ، وأمّا الحرمة فغاية ما تدلّ عليه عدم الأمر لا عدم الملاك.

هذا كلّه في العبادات ، وأمّا المعاملات فحيث إنّ عدم المنافاة بين الحرمة والفساد واضح ولم يدّعه أحد ، فلا جدوى في البحث عنه.

ثمّ إن المسألة أصوليّة حيث تقع نتيجتها صغرى لكبرى حكم شرعيّ ، فيقال : الصلاة في غير المأكول ، أو البيع وقت النداء منهيّ عنه ، وهو يدلّ على الفساد ، فهما فاسدان :

الثالث : لا يخفى أنّه لو كان مورد الكلام إثبات التنافي بين الحرمة والوجوب ، وأنّهما حكمان متضادّان لا يجتمعان ـ ولو فرض اجتماعهما في مورد ، لزم رفع اليد عن أحدهما ـ فكان لتعميم النزاع وشموله للنهي التنزيهيّ مجال ، بل لا اختصاص له ، بل يعمّ الإباحة ـ كما قيل ـ وكذا سائر الأحكام ، إذ كما أنّ الحرمة حكم مضادّ للوجوب كذلك الكراهة وغيرها ، لكن ليس الكلام فيه هنا ، إذ لازمه كون مورد الحكمين واحدا ، فيكون من باب اجتماع الضدّين.

والمدّعى هنا أنّ الأمر لو تعلّق بطبيعة والنهي تعلّق بتطبيقها على مورد ، فهل يدلّ على الفساد أو لا؟ كما سيجيء توضيحه. فكما أن لا إشكال في اجتماع وجوبين كذلك ـ كما إذا صارت الصلاة في أوّل الوقت متعلّقة لنذره ، وليس من اجتماع المثلين ، أو تأكّد الوجوب في شيء ، لأنّ الأوّل محال ، والثاني موجب لعدم الامتثال لو خالف النذر ، بل هو من باب أنّ متعلّق الأمر بالصلاة ومتعلّق النذر متعدّد ، وهو المراد من تعدّد المطلوب ـ فكذلك المقام.

وتوضيحه : أنّه قد سبق مرارا أنّ متعلّق الأوامر هو الطبيعة السارية وليست خصوصيات الأفراد متعلّقة للأوامر ، ولا تقوم بها المصلحة ، بل هي

٢١٠

قائمة بأصل الطبيعة ، فلو تمكّن المكلّف من إتيان الطبيعة غير متخصّصة بخصوصيّة أصلا ، لكان ممتثلا ، لكنّه من المستحيل ، فلا محيص عن اختيار أحد الأفراد ، وهذا معنى كون التخيير في الأفراد عقليّا.

وبالجملة ، متعلّق الأمر هو الطبيعة ، وقد مرّ مرارا أنّ الإطلاق عبارة عن رفض القيود ، لا أخذها حتّى يكون التخيير شرعيّا ، فلا دخل لشيء من الخصوصيّات في الحكم ، بل هي بأسرها ملغاة في نظر الشارع ، والمصلحة قائمة بأصل الطبيعيّ ، فتكون القيود مرفوضة والتخيير عقليّا ، وحينئذ فهذه الخصوصيّات الفرديّة من الزمان والمكان وأمثالهما تكون في نظر الشارع محكومة بحكم آخر غير الحكم المتعلّق بأصل الطبيعة ، ولا منافاة بينهما ، لأنّ الحكمين غير واردين في مورد واحد حتّى يلزم محذور اجتماع الضدّين أو المثلين ، فقد تكون الخصوصيّة واجبة كما إذا نذر إيقاع الصلاة في المسجد ، وقد تكون مكروهة ، وربما تكون محكومة بحكم غيرهما ، فلو كان محرّما ، فمعنى حرمته أنّه مبغوض ، ومعنى وجوب الطبيعي هو الترخيص في الفعل ، ولا شبهة في عدم ملائمة الترخيص مع المنع ، فلا بدّ من تقييد إطلاق الحكم المتعلّق بالطبيعة ، وأنّ طبيعة الصلاة واجبة ـ مثلا ـ إلّا هذه الحصّة منها ، كصلاة الحائض.

فظهر ممّا ذكرنا اختصاص النزاع بالنهي التحريميّ ، إذ هو المنافي مع إطلاق الحكم المتعلّق بالطبيعة ، وأمّا التنزيهي فلا يكون منافيا معه (١) ، ولا نزاع

__________________

(١) أقول : لا يخفى أنّ عدم المنافاة مع الإطلاق يكون في مورد تعلّق النهي بالخصوصيّة ـ وبعبارة أخرى ـ : بتطبيق المأمور به على هذا الفرد المنهيّ عنه ، وهذا وإن كان تامّا إلّا أنّه خلاف المفروض وما هو محلّ النزاع ، بداهة أنّ النهي لم يتعلّق بنفس العبادة بل تعلّق بأمر ـ

٢١١

فيه.

هذا كلّه في النهي النفسيّ ، وأمّا الغيريّ فما كان منه للإرشاد إلى المانعيّة ، فلا إشكال في دلالته على الفساد ، وهو واضح ، كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا تصلّ في وبر ما لا يؤكل لحمه» (١).

وأمّا لو كان لأجل مزاحمته لواجب آخر ، وأنّ الأمر بالواجب كان مقتضيا للنهي عن ضدّه ، فبعد إثبات مقدّميّة الضدّ وإثبات اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن ضدّه لا يكون هذا النهي دالّا على الفساد ، لأنّ هذا النهي ناشئ عن مطلوبيّة الترك لا عن مفسدة في الفعل ، والمدّعى في المقام هو إثبات المفسدة أو عدم المصلحة ، وهذا النهي قاصر عن الدلالة على عدم المصلحة.

نعم ، لو قلنا بأنّ عدم الأمر كاف في فساد العبادة ـ كما ذهب إليه صاحب الجواهر قدس‌سره ـ يكون هذا النهي دالّا على الفساد أيضا ، لوضوح أنّ النهي الدالّ على التحريم يدلّ على عدم الأمر الفعليّ به ، فتكون العبادة فاسدة على هذا المبنى ، ولكن قد سبق في باب اقتضاء الأمر للنهي عن الضدّ في جعل هذا الفرع ثمرة لذاك الباب إنكار هذه الثمرة ، وأنّ هذا القول مردود.

__________________

ـ آخر خارج عن المأمور به ، والكلام في النهي عن العبادة.

نعم ، نفس الخصوصية حيث إنّها لو امر بها لكانت عبادة يمكن إدخالها في محلّ النزاع لو تعلّق النهي بها ، لكنّها تقع فاسدة ، لعدم الأمر الكاشف عن الملاك ، وأمّا لو تعلّق النهي بنفس العبادة فثبوت المنافاة ممّا لا ريب فيه ، فإنّ الفعل الواحد بعنوان واحد يستحيل أن يكون مصداقا للمأمور به والمنهيّ عنه ولو تنزيهيّا ، كما لا يخفى. فالظاهر تعميم النزاع للنهي التنزيهيّ أيضا ، كما أفاده صاحب الكفاية : [٢١٨]. (م).

(١) لم نعثر عليه في المصادر الحديثية ، والّذي وجدناه هكذا : «لا تصلّ في جلد ما لا يشرب لبنه ولا يؤكل لحمه» انظر : الفقيه ٤ : ٢٦٥ ـ ٨٢٤ ، الوسائل ٤ : ٣٤٧ ، الباب ٢ من أبواب لباس المصلّي ، الحديث ٦.

٢١٢

الرابع : لا شبهة في خروج العبادة الفعليّة ـ أي ما امر [به] لأجل التعبّد به فعلا ـ عن محلّ النزاع ، إذ العبادة بهذا الوصف لا يعقل فسادها وتعلّق النهي بها ، فلا بدّ أن يكون المراد بها إمّا العبادة الذاتيّة ، كالسجود والركوع والخضوع والخشوع للمولى ، أو ما لو أمر به لكان عبادة ، أي كسائر أمثاله من عدم تحقّق الامتثال بدون قصد القربة.

مثلا : صلاة الحائض أو ستّ ركعات لو كانت مأمورا بها ، لكانت عبادة محتاجة إلى قصد القربة في تحقّق الامتثال ، كما في صلاة ذات الركعات الأربع وغير الحائض.

هذا بالنسبة إلى العبادات ، أمّا المعاملات : فالظاهر دخول ما كان اعتبار الشارع إيّاه متوقّفا على سبب الإنشاء أو غيره ، عقدا كان أو إيقاعا [في محل النزاع].

مثلا : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : في الخمر : «لعن الله شاربها وبائعها وغارسها» (١) إلى آخره ، الدالّ على حرمة بيع الخمر هل يكون مانعا من إطلاق (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)(٢) و (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(٣) بالنسبة إلى بيع الخمر أم لا؟ وقد ذكر هذا من باب المثال ، وإلّا فبطلان بيع الخمر من المسلّمات في الفقه. وكذا الكلام في الإيقاعات.

وأمّا المعاملات بالمعنى الأعمّ : فلو كان النهي فيها إرشاديّا ، فلا يدخل تحت النزاع ، لما سبق من أنّ النواهي الإرشاديّة تدلّ على الفساد بالمطابقة ، وهذا كالأدلّة الدالّة على المنع من الاستنجاء بالعظم والروث ، وأمّا لو لم يكن

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٤ ـ ١ ، الوسائل ١٧ : ٢٢٤ ، الباب ٥٥ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٥.

(٢) البقرة : ٢٧٥.

(٣) المائدة : ١.

٢١٣

للإرشاد ـ كما في النهي عن الغصب ـ فلا ريب في عدم دلالته على الفساد ، إذ لا يتوهّم أحد أنّ من أراد تطهير نعله بالمشي في الأراضي المغصوبة ومشى ، فلا تطهر ، لدلالة نهي «لا تغصب» على فساد التطهير ، ومن هنا قال بعض الأعاظم : لو استنجى أحد ببعض المحترمات ـ ككلام الله المجيد ـ العياذ بالله ـ أو ما فيه اسم الله تعالى والأنبياء عليهم‌السلام ـ يطهر من النجاسة الخبثيّة ، ويبتلى بالنجاسة الكفريّة.

وبالجملة ، لا شبهة في عدم دلالة النهي التحريميّ المولويّ على الفساد في المعاملات بالمعنى الأعمّ ، فتعميم النزاع للمعاملات بالمعنى الأعمّ ـ كما في الكفاية في آخر الأمر الخامس (١) ـ لا وجه له.

السادس : لا يخفى أنّ الاتّصاف بالصحّة والفساد في الأمور الاعتباريّة باعتبار غيره في الأمور الخارجيّة ، فإنّ الاتّصاف في الأمور الخارجيّة باعتبار الآثار المطلوبة ، فيقال : «هذا الدواء صحيح» أي يترتّب الأثر عليه ، و «هذا فاسد» أي لا يترتّب الأثر عليه. ومنه إطلاق الصحّة والفساد على الخمر ، كما في الرواية الواردة فيمن أخذ الخمر عوضا عن دينه حيث قال عليه‌السلام : «أفسدها» (٢). وبالجملة هما في الأمور الخارجيّة بمعنى ترتيب الأثر وعدمه.

وأمّا في المعاملات : فحيث إنّ المترتّب عليها هو الحكم الشرعيّ ، أي اعتبار الملكيّة ـ مثلا ـ وعدمه ، ومن الواضح أنّه ليس من آثار العقد الصحيح أو الفاسد ، إذ لا يعقل تأثير الأمر الخارجي في اعتبار الشارع ، بل ليس هنا علّيّة ومعلوليّة واقتضاء أبدا ، بل العقد الموجود في الخارج موضوع لحكم الشارع

__________________

(١) كفاية الأصول : ٢١٩ ـ ٢٢٠.

(٢) التهذيب ٩ : ١١٨ ـ ٥٠٨ ، الاستبصار ٤ : ٩٣ ـ ٣٥٨ ، الوسائل ٢٥ : ٣٧١ ، الباب ٣١ من أبواب الأشربة المحرّمة ، الحديث ٦.

٢١٤

بالملكيّة بالفعل ، والشارع قبل وجود بيع في العالم قد حكم بملكيّة المبيع للمشتري والثمن للبائع إذا تحقّق منهما بيع جامع لجميع الشرائط ، وهذا مرتبة الجعل ، وبعد وجود الموضوع يكون الحكم فعليّا ، وهذا ليس من التأثير في الحكم الشرعيّ ، فلا سبب ولا مؤثّر فيه أصلا إلّا ما دعا الشارع لجعل هذا الحكم على هذا الموضوع غير المعلوم لنا في أغلب الموارد.

والحاصل : أنّ وجود الموضوع ليس سببا للحكم الشرعيّ ، فوجود الخمر ليس سببا للحرمة ، وإلّا يلزم كون الاضطرار إلى شرب الخمر سببا لحلّيّته وعدمه سببا لحرمته. وهو كما ترى.

هذا في المعاملات ، وأمّا العبادات : فحيث إنّ المصلحة فيها في المتعلّق ولو كان هو الإعداد للآثار الخاصّة ، كالنهي عن الفحشاء ، وليس كالأحكام الوضعيّة ، إذ المصلحة فيها في نفس الاعتبار ، فيمكن أن يقال : إنّ الصحّة والفساد فيها باعتبار ما يترتّب عليها من آثارها الإعداديّة ، ولكن حيث إنّ الصلاة وأمثالها تتّصف بهما حتّى على مذهب الأشعري المنكر للمصالح والمفاسد في الأحكام وحتى على مذهب من يرى أنّ المصلحة في نفس الأمر لا المأمور به ـ كما عليه صاحب الكفاية قدس‌سره ـ فلا بدّ أن يقال فيها ما قلنا في المعاملات من عدم الإطلاق باعتبار آثارها الخارجيّة ، بل باعتبار انطباق المأمور به على المأتيّ به في الخارج ، كما أنّه في المعاملات باعتبار انطباق ما اعتبره الشارع لحصول الملكيّة ـ مثلا ـ على العقد الواقع في الخارج.

وممّا يؤيّد ذلك أنّه لو أوصى أحد بأزيد من ثلث تركته يحكمون بصحّة الوصيّة ، ولو أوصى بخنزير أو خمر يحكمون بفسادها ، مع أنّ كليهما مساو في عدم ترتّب الآثار فعلا ، فلو كان عدم ترتّب الآثار موجبا للحكم بالفساد ، لكانت

٢١٥

الوصيّة بأزيد من الثلث فاسدة ، لعدم ترتّب الأثر إلّا بعد الموت لو أجاز الوارث.

ثمّ إنّ ما أفاده في الكفاية من أنّهما وصفان اعتباريّان ينتزعان من مطابقة المأتيّ به مع المأمور به وعدمها (١) ، إلى آخره ، خلاف ما جرى الاصطلاح عليه من أنّ الأمور الاعتباريّة في قبال الأمور الخارجيّة والتي هي قسمان : أحدهما : أن تكون متأصّلة جوهرا كانت أو عرضا ، وثانيهما : أن تكون انتزاعيّة من الأمور المتأصّلة ، ولا يكون لها ما بحذاء في الخارج ، مثل الفوقيّة والتقدّم والتأخّر ، فإنّ شيئا منها وأمثالها ليس له ما بحذاء في الخارج ، بل وجوده بوجود منشأ انتزاعه.

وأمّا الأمور الاعتبارية : فقد تكون متأصّلة ، كالملكيّة والزوجيّة والرقّيّة وأمثالها ، وقد تنتزع من الأمور الاعتباريّة المتأصّلة ، كالجزئيّة والشرطيّة والمانعيّة ، ففي إطلاق الاعتباريّة على الأمور التي تنتزع من الأمور المتأصّلة مسامحة واضحة.

تنبيه : اختلفوا في أنّ الصحّة والفساد هل هما أمران مجعولان للشارع أو هما أمران انتزاعيّان ، أو يختلف ففي العبادات انتزاعيّان بخلاف المعاملات. ورابع القول : التفصيل بين الصحّة الواقعيّة والظاهريّة وأنّ الثانية مجعولة دون الأولى؟ كما عليه شيخنا الأستاذ (٢) ـ قدس‌سره ـ وهو الحقّ.

بيانه : أنّه قد عرفت ممّا ذكرنا أنّ الصحّة والفساد بمعنى التماميّة وانطباق المأمور به على المأتيّ به في الخارج أو انطباق المعتبر المجعول سببا على

__________________

(١) كفاية الأصول : ٢٢١.

(٢) أجود التقريرات ١ : ٣٩١ ـ ٣٩٢.

٢١٦

ما يقع في الخارج ، وعدمه ، وعرفت أنّهما ليسا باعتبار الآثار المترتّبة على أسبابها ، فلازم ذلك أن يكون الصحة والفساد في جميع المعاملات أمرا انتزاعيّا لا اختياريا جعليّا ، إذ ليس الصحّة والفساد على ما اخترنا إلّا انطباق ما اعتبره الشارع سببا وأمر به على ما يقع ويؤتى في الخارج وعدم انطباقه ، ومن الواضح أنّه من الأمور الانتزاعيّة التي تنتزع عن أمور ثلاث : وجود اعتبار أو أمر من الشارع ، ووجود عقد أو صلاة ـ مثلا ـ كذلك ، وانطباق الأوّل على الثاني ، ولا ريب في أنّ مثل هذه الأمور لا تنالها يد الجعل أصلا ، فلا محيص إلّا عن القول بعدم كونهما مجعولين في المعاملات مطلقا (١) ، وفي العبادات بالقياس إلى الأحكام الواقعيّة الأوّليّة ، أمّا بالنسبة إلى الأحكام الظاهريّة فحيث إنّ دائرة حكم العقل بالاشتغال في ظرف الشك في الحكم الواقعي الّذي هو موضوع للحكم الظاهري ضيّقة ـ بمعنى أن لا حكم له به إذا عيّن الشارع وظيفة للشاكّ ـ فيمكن للشارع تعيين الوظيفة له في مقام الامتثال ، فإذا كان يده مبسوطة ، فلا إشكال في جعله (٢) ما ينطبق عليه المأمور به بحكمه تعبّدا ، كما في قوله

__________________

(١) أقول : لا وجه لهذا الإطلاق ، فإنّ الصحّة بمعنى انطباق المأمور به على المأتيّ به لو كانت مجعولة في الأحكام الظاهرية ، فلا فرق بين العبادات والمعاملات ، فكما أنّه باستصحاب الطهارة بمقتضى «لا تنقض اليقين بالشكّ» يحكم بصحّة الصلاة تعبّدا كذلك باستصحاب شرائط المعاملة ـ ككون المكلّف عاقلا ومالكا وغير ذلك ـ يحكم بأنّ تلك المعاملة صحيحة تعبّدا.

والحاصل : أنّه لا وجه للفرق بين المعاملات والعبادات في الصحّة بالنسبة إلى الأحكام الظاهرية. (م).

(٢) أقول : بعد القول بأنّ المراد بالصحّة هو انطباق المأمور به على المأتيّ به وهو أمر انتزاعي ليس له ما بحذاء في الخارج ولا يقبل الجعل بنفسه ، بل جعله بجعل منشأ انتزاعه كما في الفوقية والتحتية ، فالقول بأنّها في الأحكام الظاهرية مجعولة تحكّم ، فإنّ ـ

٢١٧

مثلا (١) : «إذا شككت بين الثلاث والأربع فابن علي الأكثر وافعل كذا» فإنّ الشارع عيّن وظيفة الشاكّ ، فبعد ذلك لا يحكم العقل بأنّك كنت مأمورا بإتيان أربع ركعات وما أحرزته فما أتيت بالمأمور به ، وهذا يجري في جميع موارد الأصول والأمارات ، كقاعدة التجاوز والفراغ وأصالة الصحّة ، فقوله : «بلى قد ركعت» (٢) تعبّد بحصول الجزء في مقام الامتثال في قبال حكم العقل بالاشتغال لولاه ، ويدلّ على انطباق المأمور به على المأتيّ به تعبّدا وإن كان الشك موجودا وجدانا ، وكذا في استصحاب الطهارة وأمثاله حيث يحكم الشارع بالبناء العملي على الطهارة المتيقّنة ، وهكذا سائر الأصول والأمارات.

نعم ، يبقى الكلام فيما إذا انكشف الخلاف ، والكلام فيه يقع في موردين :

الأوّل : فيما يلزم الإعادة في الوقت والقضاء في خارج الوقت كما في الركوع.

فنقول : إنّ حكم الشارع بالصحّة وأنّه قد ركع كان موضوعه الشكّ ، والشارع تعبّد بالانطباق ما دام الشكّ باقيا ، أمّا بعد زواله فحيث لا حكم للشارع فيتحقّق موضوع حكم العقل فيحكم بالاشتغال.

الثاني : فيما لا يوجب الإعادة والقضاء ، كما إذا شكّ في قراءة الفاتحة

__________________

ـ ما لا تناله يد الجعل لا يتفاوت حاله بكون ما ينتزع عنه مجعولا أو غير مجعول ، وحكم الشارع بأنّه «بلى قد ركعت» لا ينظر إلّا إلى أنّ الركوع أتي به تعبّدا حال الشكّ ، فالتعبّد إنّما هو بالنسبة إلى كونه مأتيّا به لا الانطباق الّذي ينتزع عنه وعن المأمور به ، نعم هو مجعول بالتبع. (م).

(١) هذا تنظير ، لا مثال. (م).

(٢) التهذيب ٢ : ١٥١ ـ ٥٩٢ ، الاستبصار ١ : ٣٥٧ ـ ١٣٥٤ ، الوسائل ٦ : ٣١٧ ، الباب ١٣ من أبواب الركوع ، الحديث ٣.

٢١٨

وعدمها بعد دخوله في السورة ، فبحكم قاعدة التجاوز يمضي في صلاته ، ولا شيء عليه ، وحينئذ نقول : إنّ مقتضى قوله عليه‌السلام : «لا تعاد الصلاة» (١) إلى آخره ، أنّه لو تيقّن في الركوع أو بعد الصلاة بعدم الإتيان ، فلا يجب عليه الإعادة أو القضاء ، ومقتضى دليل الجزئيّة وجوب الإعادة ، فهذان الدليلان متهافتان لا بدّ من رفع اليد عن أحدهما ، لكن دليل «لا تعاد» حيث إنّه حاكم على دليل الجزئيّة ترفع اليد عن دليل الجزئيّة ، ونقول : إنّ جزئيّة الفاتحة إنّما تكون فيما إذا تذكّر قبل الركوع ، أمّا بعده فلا تكون جزءا أصلا.

فتلخّص ممّا ذكرنا أنّ الصحّة والفساد أمران انتزاعيّان بالنسبة إلى الأمر الواقعي مطلقا ، وبالنسبة إلى الأمر الظاهري فكذلك في المعاملات ، ولكنّه في العبادات أمران مجعولان للشارع.

وبعد ذلك يقع الكلام في تأسيس الأصل في المقام.

فنقول : أمّا الأصل في المسألة الأصوليّة فغير موجود ، إذ لو كان النزاع لفظيّا فدلالة النهي (٢) على الفساد لو كانت لكانت أزليّة ، ولو لم تكن فلم تكن كذلك ، وهكذا الحال لو كان النزاع عقليّا ، إذ الملازمة بين الحرمة والفساد لو كانت لكانت أزليّة أبديّة ، فليست الدلالة أو الملازمة حادثة حتّى تكون مسبوقة بالعدم فتستصحب.

وأمّا في المسألة الفرعيّة فالكلام متمحّض فيما إذا كانت العبادة أو

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٨١ ـ ٨٥٧ و ٢٢٥ ـ ٩٩١ ، الوسائل ٦ : ٩١ ، الباب ٢٩ من أبواب القراءة في الصلاة ، الحديث ٥.

(٢) أقول : دلالة النهي على الفساد حيث إنّها مسبوقة بالعدم قطعا وبعد الوضع مشكوكة حدوثا لا مانع من إجراء الاستصحاب على القول بجريانه في الأعدام الأزليّة ، وهو ـ دام ظلّه ـ بنى على ذلك في بعض مباحثه السابقة ، وأزليّة الدلالة لو كانت وعدمها لو لم تكن ممنوعة ، لأنّها تابعة للوضع والوضع ليس بأزلي. نعم ، في الملازمة العقليّة كذلك. (م).

٢١٩

المعاملة من جميع الجهات صحيحة لو لا النهي ، والشكّ نشأ من ناحية النهي فقط.

فما أفاده في الكفاية من أنّه لو كان الشكّ في ثبوت الأمر أو الشكّ في الصحّة حين إتيانه أو الدوران بين المحذورين (١) ، إلى آخره ، كلّها خارجة عن محلّ النزاع ، كما أنّ ما أفاده شيخنا الأستاذ (٢) ـ قدس‌سره ـ من كون الشكّ تارة من جهة الشبهة المفهوميّة ، وأخرى من جهة الشبهة الموضوعيّة أجنبيّ عمّا نحن بصدده.

وكيف كان ، فالكلام يقع تارة في المعاملات ، وأخرى في العبادات.

أمّا المعاملات فلو لم يكن إطلاق أو عموم يشمل مورد النهي ، كما في بيع الخنفساء ، إذ كونه بيعا مشكوك ، فشمول الإطلاق له أيضا مشكوك ، فليس لنا كلام فيه ، كما عرفت ، إذ لو فرض عدم إطلاق الدليل وعدم شموله للمورد ، فباستصحاب بقاء الملك لمالكه الأصليّ نحكم بالفساد ، كان هناك نهي أم لم يكن ، فالفساد ليس من ناحية النهي ، بل لعدم الدليل على صحّته.

وأمّا لو كان الدليل شاملا للمورد ، كالبيع وقت النداء ، فشكّ في أنّ قوله تعالى : (وَذَرُوا الْبَيْعَ)(٣) الدالّ على حرمة البيع وقت النداء حرمة تكليفيّة هل يقتضي فساده أم لا؟

فنقول : إنّه حيث يكون الإطلاق الناظر إلى الحكم الوضعيّ ك (أَحَلَّ اللهُ

__________________

(١) ما نقله عنه غير موجود في نسختنا من الكفاية ، ومشطوب عليه في بعض نسخ الكفاية انظر : كفاية الأصول المحشّى ٢ : ٢٣٤ ، ونهاية الدراية ٢ : ٣٩١ ، والمحاضرات ٥ : ٢٧.

(٢) أجود التقريرات ١ : ٣٩٤.

(٣) الجمعة : ٩.

٢٢٠