الهداية في الأصول - ج ١

آية الله الشيخ حسن الصافي الإصفهاني

الهداية في الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله الشيخ حسن الصافي الإصفهاني


المحقق: مؤسسة صاحب الأمر (عج)
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة صاحب الأمر (عج)
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٨

العقلاء مترتّب على التلفّظ بلفظ «بعت» و «قبلت» مع قصد معناه لا مجرّدا عن ذلك ، وكلامنا في معناه الّذي إذا استعمل فيه يكون محقّقا لاعتبار الشارع.

وبالجملة (١) : لا يمكن المساعدة على هذا الكلام المعروف من أنّ الإنشاء إيجاد المعنى باللفظ ، بل اللفظ ليس إلّا كاشفا عمّا في نفس المتكلّم ، كالإخبار ، والفرق بينهما في المنكشف ، فإنّه في الإخبار قصد الحكاية ، وفي الإنشاء اعتبار الملكيّة مثلا ، وعلى هذا يكون المدلول في الجملة الخبريّة المستعملة بداعي الإخبار مغايرا للمدلول في الجملة الخبريّة التي استعملت بداعي الإنشاء كما لا يخفى.

وممّا يؤكّد هذا : عدم صحّة استعمال الجملة الاسميّة ، مثل : «زيد قائم» بداعي الإنشاء وفي مقام طلب القيام من زيد مع أنّ لازم وحدة المدلول صحّة الاستعمال ، إذ لا وجه للفرق بين الجملة الفعليّة ، مثل «يعيد صلاته» والجملة الاسميّة ، مثل : «هو يعيد صلاته» فإذا صحّ استعمال الجملة الخبريّة في مدلولها بداعي الإنشاء صحّ في كلتيهما ، وإلّا فلا يصحّ في شيء منهما.

__________________

(١) أقول : لا يصحّ نفي إيجاد المعنى عن الجمل الإنشائية مطلقا ، فإنّ الجملة الإنشائية إيجادية لا بتلك المعاني التي ذكرت في المتن ، بل بمعنى صحّة أن يقال بعد قوله : «بعت» : تحقّق الملكيّة والبيع ، وهو المبدأ ، بخلاف الإخبار ، فإنّه لا يقال بعد قوله : «جاء زيد» : تحقّق المجيء ، بل يصحّ أن يقال : تحقّق الإخبار عن مجيء زيد. وبهذا الاعتبار يصحّ أن يقال : إنّ الجملة الإنشائية إيجادية دون الجملة الخبرية. (م).

٦١

تذييل : اختلف فيما وضع له أسماء الإشارة ونحوها من الضمائر وسائر المبهمات.

فقال بعض ـ كصاحب الكفاية (١) ـ : بأنّ «هذا» مثلا وضع لمعنى عامّ ، وهو المفرد المذكّر ، وإنّما الخصوصيّة جاءت من قبل الاستعمال ، كما في الحروف ، فكما أنّ لفظة «من» وضعت لمعنى كلّي ـ وهو الابتداء ـ لأن يلاحظ آلة وحالة لغيره كذلك لفظ «هذا» وضع لكلّي مفرد مذكّر لأن يشار به إليه.

وفيه : أنّه لو سلّم (٢) ذلك في الحروف لا يسلّم في أسماء الإشارة ، إذ المراد بالإشارة إلى المعنى باسم الإشارة إن كان استعماله في معناه ، فجميع الألفاظ الموضوعة كذلك ، ولا يختصّ هذا بأسماء الإشارة. وإن كان المراد الإشارة الخارجيّة ، فمن الواضح أنّها ليست كاللحاظ الآلي الّذي هو أمر ذهنيّ خارج عن الموضوع له ، فلا محالة يكون داخلا في الموضوع له.

وذهب شيخنا الأستاذ ـ قدس‌سره ـ إلى أنّها وضعت للمعاني المتقيّدة بكونها المشار إليها بنفس هذه الألفاظ (٣).

__________________

(١) كفاية الأصول : ٢٧.

(٢) والحقّ أنّه لا فرق بين المقامين ، وأمّا كون اللحاظ من لوازم الاستعمال فأخذه في الموضوع له لغو ، وعدم كون الإشارة مأخوذة فيه فلا ضير في أخذه فيه ، فكلّ ذلك مسلّم إلّا أنّ ما هو لازم الاستعمال هو أصل لحاظ المعنى ، وأمّا لحاظ الآلية للحروف والاستقلالية للأسماء فهو ليس بلازم للاستعمال. (م).

(٣) أجود التقريرات ١ : ١٣.

٦٢

وقد ظهر ممّا ذكرنا ما فيه ، وأنّ الإشارة (١) بمعنى استعمال اللفظ لا يختصّ بأسماء الإشارة ، وبمعنى آخر فما هو ذلك المعنى؟ والكلام فيه.

وأفاد بعض مشايخنا المحقّقين وجها ثالثا أحسن وأدقّ من الوجهين السابقين ، وهو أنّها وضعت للمعاني التي وقعت موقع الإشارة الخارجيّة أو القلبيّة (٢).

وهذا الوجه متين لو كان استعمال أسماء الإشارة منحصرا في مورد الإشارة بآلة حسّيّة ، كاليد ونحوها ، أو بالقلب ، كما هو الغالب ، لكن نرى بالوجدان صحّة استعمالها بلا إشارة أصلا لا حسّا ولا قلبا ، كما لا يخفى.

فالتحقيق (٣) أنّها وضعت بإزاء الإشارة الخارجيّة.

توضيحه : أنّ الإشارة ـ على ما يظهر من اللغة ـ بمعنى

__________________

(١) ليس لهذا التشقيق وجه ، وهذا ممّا لا يحتمل أصلا ، وما توهّم أحد أنّ اللفظ إشارة إلى المعنى حتى يقال : هذا موجود في جميع الأسماء ولا يختص بأسماء الإشارة. (م).

(٢) نهاية الدراية ١ : ٦٤.

(٣) المتبادر من أسماء الإشارة ليس هو الكلّي إلّا أن يكون المشار إليه كلّيّا ، بل المتبادر واقع الكلّي ، وذلك هو الموضوع له دون المفهوم الكلّي ، فالموضوع له خاص ، وليس بين كون المعنى خاصّا وكونه جزئيّا حقيقيّا ملازمة ، فإنّ المراد من كونه خاصّا هو كونه أخصّ من المعنى المتصوّر ولو كان كلّيّا في نفسه ، وأمّا وضعها لمفهوم مفرد مذكّر كلّيّا فهو يستلزم أن يكون الوضع لغوا محضا ، لعدم استعمالها في هذا أصلا ، ويلزم أن يكون جميع الاستعمالات مجازا. (م).

٦٣

الإيماء في مقابل الصراحة ، فتارة يصرّح الشخص بشيء ، وأخرى يشير إليه ب «هذا» مثلا ويقول في موضع قوله : «جئني بكتاب كذا» مشيرا إلى هذا الكتاب : «جئني» ولفظ «هذا» مثلا بحسب الجعل والمواضعة يستعمل في مقام الإشارة إلى المعنى باللفظ دون التصريح به ، وبه تتحقّق الإشارة ، فهو بمنزلة اليد التي هي آلة للإشارة ، وبما أنّ المعنى المشار إليه مبهم من جهة عدم التصريح به ، فدائما لا بدّ له من معيّن وقرينة لفظيّة أو خارجيّة تعيّنه ، مثل أن يقال : «جئني بهذا الرّجل ولذا يعدّون أهل العربيّة الرّجل في هذا المثال من عطف البيان ل «هذا» ومن هنا أيضا يقال لأسماء الإشارة ونحوها : «المبهمات».

فالصحيح ما هو ظاهر كلام ابن مالك في قوله :

بذا لمفرد مذكر أشر

 ..............................

من أنّ أسماء الإشارة وضعت لنفس الإشارة إلى المعنى ، فهي آلة للإشارة اللفظيّة ، كما أنّ اليد مثلا آلة للإشارة الخارجيّة.

ولازم ما ذكرنا أن يكون «هذا» في قولنا : «هذا زيد» مبتدأ طريقيّا لا مبتدأ حقيقيّا ، فإنّ المبتدأ الحقيقي هو المشار إليه ب «هذا» لا نفس «هذا» كما أنّ المبتدأ في قولنا : «جئني» مشيرا إلى كتاب خاصّ هو المشار إليه لا آلة الإشارة.

وممّا ذكرنا اندفع القول بأنّ لازم وضع «هذا» لنفس الإشارة وكونه آلة لها صحّة قولنا : «الإشارة زيد» أو «آلة الإشارة زيد»

٦٤

وذلك لما عرفت من أنّ «هذا» بمنزلة اليد بعينها ، فهو طريق إلى ما هو المبتدأ كاليد.

الأمر الرابع : لا شبهة في احتياج الاستعمال المجازيّ إلى وضع اللفظ لمعنى يصحّ أن يجعل المعنى المجازي فردا له ادّعاء ، لشدّة المناسبة والارتباط بينهما ، ولذا لو كان لفظ «الأسد» موضوعا للبحر لم يكن استعماله في الرّجل الشجاع صحيحا.

وأمّا احتياجه إلى الوضع المستقلّ فغير واضح بل واضح العدم ، ضرورة عدم احتياج استعمال لفظ «الحاتم» أو «فرعون» أو «أفلاطون» مثلا مجازا في غير ما وضعت له ـ بأن تقول : «هذا الشخص حاتم عصره» أو «فلان فرعون زمانه» أو «فلان أفلاطون وقته» ـ إلى ترخيص واضع لفظ «الحاتم» أو «أفلاطون» أو «فرعون».

وممّا يشهد لذلك وجود هذه المعاني المجازيّة في غير اللغة العربيّة ، فنرى صحّة استعمال مرادف لفظ «الأسد» في لغة أخرى ، في الرّجل الشجاع ، ومن البعيد جدّاً توافق جميع اللغات في ذلك ، وهذه أمارة عدم الوضع للمعاني المجازيّة مستقلّا ، وأنّ صحّة الاستعمال لأجل حسنه الطبعي المسبّب عن شدّة الارتباط والمناسبة بين المعنى الحقيقي والمجازي.

الأمر الخامس : قد ذكروا أنّ استعمال اللفظ وإرادة نوعه أو صنفه أو مثله من قبيل استعمال اللفظ فيما يناسب الموضوع له ،

٦٥

لأنّ الارتباط بين الطبيعي وأفراده والمناسبة بينهما ـ بحيث يصحّ إطلاق الفرد وإرادة الطبيعي منه ـ ممّا لا ريب فيه ، بل أشدّ من الارتباط الحاصل بين الحيوان المفترس والرّجل الشجاع الّذي يباينه ذاتا ويشابهه في بعض الصفات ، والاتّحاد بين الطبيعي وأفراده ذاتيّ ، فاستعمال اللفظ وإرادة طبيعي هذا اللفظ أولى بالصحّة.

وأمّا استعمال اللفظ وإرادة شخصه : فذكر صاحب الفصول أنّه لا يصحّ من دون تأويل بأن يقال : إنّ مثل «زيد ثلاثي» إذا أريد به شخص نفسه ، تقديره : «زيد هو ثلاثي» ف «زيد» جيء به توطئة ومقدّمة للمبتدإ المقدّر الّذي هو «هو» ، وذكر أنّه لو لا التأويل لزم إمّا اتّحاد الدالّ والمدلول لو كان هناك استعمال ، أو تركّب القضيّة من جزءين لو لم يكن استعمال (١).

وشيخنا الأستاذ ـ قدس‌سره ـ قال بامتناعه (٢) ، نظرا إلى أنّ الاستعمال عبارة عن إيجاد المعنى باللفظ ، وجعل اللفظ وجودا تنزيليّا للمعنى ، إذ لا يمكن أن يكون الشيء وجودا تنزيليّا لنفسه ، فإنّه لا اثنينيّة في البين حتّى ينزّل أحدهما منزلة الآخر.

ولنا في هذا المقام كلام ، وحاصله : أنّ الالتزام باستعمال اللفظ في نوعه أو شخصه أو غير ذلك بلا ملزم ، وكلّ ذلك شعر

__________________

(١) الفصول الغرويّة : ٢٢.

(٢) أجود التقريرات ١ : ٣٠ ـ ٣١.

٦٦

بلا ضرورة (١) ، فإنّ فائدة الوضع هو تفهيم ما لا يمكن تفهيمه إلّا باللفظ ، كالقضايا المعقولة والأمور المحسوسة البعيدة التي لا يمكن إحضارها بأنفسها بلا لفظ في ذهن المخاطب ، أمّا إذا أمكن إحضار المعنى في ذهن المخاطب من دون دالّ كما إذا كان المعنى بمرأى من المخاطب ، فلا يحتاج إلى استعمال اللفظ أصلا ، بل يقول : «ملكي» مشيرا إلى كتاب حاضر عنده مثلا.

ففي المقام إذا قال : «زيد اسم» أو «الماء كلمة عربيّة» ينتقل المخاطب بمجرّد سماع لفظ «زيد» أو «الماء» إلى طبيعيّ هذا اللفظ ويحضر في ذهنه ، ويفهم أنّ هذا الحكم لطبيعي هذا اللفظ ، فقد أحضر المعنى بنفسه في ذهن المخاطب ، فأيّة حاجة مع ذلك إلى استعمال اللفظ في طبيعيّة؟ وإذا قال : «زيد اسم» ونصب قرينة على إرادته شخص هذا اللفظ ، فقد أحضر أيضا نفس المعنى في ذهن المخاطب بلا احتياج إلى استعمال اللفظ في شخصه.

وإذا أراد المتكلّم الحكم على حصّة خاصّة من طبيعيّ لفظ «زيد» فيمكنه أن يحضر الطبيعي بنفسه ، ويقيّده بدالّ لفظي من الحرف أو غيره ، كأن يقول : «زيد» في «ضرب زيد» فاعل ،

__________________

(١) والحقّ هو القول بصحّة الاستعمال بلا لزوم اللغوية في الصور الأربع كلّها ، نعم إطلاق اللفظ وإرادة مثله وإن يمكن أن يكون من قبيل الاستعمال المجازي أو إحضار نفس المعنى ، لكنّ الحقّ هو الاستعمال دون إحضار الموضوع له. وصرف عدم الاحتياج لا يوجب اللغوية ، وإلّا يلزم اللغوية من الذّكر فيما يعلم مع أنّ «حذف ما يعلم جائز» لا واجب.

٦٧

ف «زيد» في هذا المثال لم يستعمل في نوع من أنواع طبيعيّ لفظ «زيد» بل هو الطبيعي بعينه وأحضر بنفسه في ذهن المخاطب ، ولمّا تعلّق غرض المتكلّم بإفادة فاعليّة حصّة خاصّة من هذا الطبيعي ، جعل الدالّ عليه لفظة «في» وذلك لما عرفت من أنّ الحروف وضعت لتضييق المعاني الاسميّة.

فاتّضح ممّا ذكرنا أنّه لا حاجة في أمثال ذلك إلى الاستعمال حتّى يقال : إنّ استعمال اللفظ في شخص نفسه مستلزم لاتّحاد الدالّ والمدلول ، وإن كان هذا الإشكال غير وارد من أصله ، ضرورة كفاية التعدّد الاعتباري ، ولذا ورد في بعض الأدعية : «يا من دلّ على ذاته بذاته» (١) بل يؤتى بالمعنى بنفسه من دون حاجة إلى ما يدلّ عليه ، ولا يلزم منه تركّب القضيّة الملفوظة من جزءين وأن تكون بلا موضوع ، فإنّ موضوع القضيّة نفس المعنى.

هذا ، ولو سلّمنا لزوم كون الموضوع لفظا دالّا على المعنى مستعملا فيه ، فلا بدّ (١) من القول بامتناع استعمال اللفظ في شخص

__________________

(١) البحار ٩١ : ٢٤٣ باب إحراز أمير المؤمنين عليه‌السلام من كتاب الذّكر والدعاء.

(٢) هذا منه ـ دام ظلّه ـ يخالف ما مرّ عنه في بحث الوضع ، فإنّ لزوم اجتماع المتقابلين في شيء واحد مبتن على القول بأنّ الاستعمال إيجاد المعنى بالوضع أو غير ذلك ممّا ذكر في المتن.

والحقّ أنّ الاستعمال هو استخدام اللفظ لتفهيم الموضوع له ، ولا إشكال في كون شيء واحد مستعملا ومستعملا فيه باعتبارين.

وبعبارة أخرى : لا فرق بين الدلالة العقلية واللفظية في كفاية التعدّد الاعتباري ، فاستعمال اللفظ وإرادة شخصه لا محذور فيه عقلا. (م).

٦٨

نفسه ، سواء قلنا : إنّ الاستعمال إيجاد المعنى باللفظ وجعل اللفظ وجودا تنزيليّا للمعنى ، أو قلنا : إنّه عبارة عن جعل اللفظ علامة للمعنى ، فإنّ الشيء لا يمكن أن يكون وجودا تنزيليّا أو علامة لنفسه مع أنّه موجود بوجود تحقيقي ، إذ من الواضح لزوم الاثنينيّة الحقيقيّة بين الوجود الحقيقي والتنزيلي ، وهكذا بين العلامة وذو العلامة.

الأمر السادس : هل الدلالة الوضعيّة ـ أي المعلولة للوضع ـ تابعة للإرادة أم لا؟ قد ظهر ممّا اخترناه في حقيقة الوضع أنّها تابعة للإرادة.

توضيحه : أنّ للّفظ دلالات ثلاثا :

الأولى : الدلالة التصوّرية ، وهي الموجبة لخطور المعنى في الذهن بمجرّد سماع اللفظ ولو من لافظ بلا شعور واختيار ، أو من اصطكاك حجر بحجر آخر.

الثانية : الدلالة التصديقيّة ، وهي دلالته على أنّ المتكلّم بمثل «زيد قائم» مثلا في مقام تفهيم ثبوت القيام ل «زيد» في الخارج في مقابل أن يكون في مقام السخريّة والاستهزاء.

الثالثة : دلالته على أنّ معناه مراد جدّي للمتكلّم في مقابل كونه مرادا استعماليّا ، إمّا ضربا للقاعدة بأن أتى بلفظ عامّ تأسيسا لقانون كلّي مع أنّه لا يريد العموم جدّاً ، أو كناية عن لوازم المعنى ، كما في جميع الاستعمالات الكنائيّة ، فإنّها لم تتعلّق

٦٩

بالمعاني المستعمل فيها إرادة جدّية من المستعمل ، وإنّما المتعلّق للإرادة الجدّية لازم المعنى ، مثلا في مثل : «زيد كثير الرماد» المراد الجدّي أنّ زيدا جواد لا أنّه عنده مقدار كثير من الرماد.

وبالجملة لا ريب في استفادة هذه الأمور الثلاث من اللفظ من أيّ لافظ صدر إذا كان ذا شعور وإدراك.

والقوم ذكروا أنّ الدلالة الوضعيّة هي الأولى منها ، والأخريين منها ناشئتان من بناء العقلاء.

وما أفادوه من أنّ الثالثة ناشئة من بناء العقلاء تامّ لا غبار عليه ، وأمّا كون الأولى وضعيّة والثانية أيضا كالثالثة من بناء العقلاء فغير تامّ لوجهين :

الأوّل : ما ذكرنا من أنّ الوضع حقيقته التعهّد والالتزام ، ومن المعلوم أنّ ما يلتزم ويتعهّد به العاقل لا بدّ وأن يكون أمرا اختياريّا له ، وواضح أنّ حصول الانتقال من سماع اللفظ ولو من اصطكاك حجر بحجر ، خارج عن تحت اختيار الواضع ، وليس مسبّبا عن الوضع ، بل إنّما هو مسبّب عن الأنس الحاصل من كثرة استعمال اللفظ (١) في المعنى ، وهذا الانتقال يحصل حتّى إذا صرّح الواضع بأنّ الموضوع له هي الحصّة المتعلّقة للإرادة ، فإذا كان خارجا عن تحت الاختيار ، فلا يمكن أن يكون طرفا للالتزام والتعهّد.

__________________

(١) هذه الدلالة تتوقّف على الوضع والعلم به والالتفات حال السماع لا غير ، فلا تحتاج إلى أصل الاستعمال ولو مرّة واحدة فضلا عن كثرته. (م).

٧٠

وعلى ذلك لا تكون الدلالة الأولى (١) دلالة وضعيّة ، بل دلالة أنسيّة ، وإنّما الدلالة الوضعيّة هي دلالة اللفظ على أنّ المتكلّم به في مقام تفهيم معناه ، فإنّ التفهيم فعل اختياريّ مسبوق بالإرادة لا محالة ، فيمكن أن يكون طرفا للالتزام بأن التزم بأنّي أفهم ذاك المعنى الخاصّ بلفظ كذا ، ومتى أردت ذلك المعنى جئتك بهذا اللفظ.

الثاني : أنّ الوضع لا بدّ وأن يكون لغاية وفائدة حتّى لا يصير لغوا ، ومن المعلوم أن ليس فائدة الوضع إلّا التفهيم والتفهّم ، فلو فرضنا أنّ الوضع حقيقته أمر آخر غير التعهّد من اعتبار كون اللفظ وجودا تنزيليّا للمعنى أو غير ذلك ، مع ذلك نقول : إنّ الدلالة الأولى ليست دلالة وضعيّة ، ضرورة أنّ لحاظ الإطلاق في الموضوع له ووضع اللفظ بإزاء ذات المعنى ـ سواء كان صادرا من لافظ ذي شعور واختيار بداعي التفهيم وإرادته أو صادرا بغير داعي

__________________

(١) إخراج هذه الدلالة عن الوضعيّة غير صحيح ، بل الدلالة الوضعيّة ما لو لم يكن الوضع لم تتحقّق ، والدلالات الثلاث من هذه الجهة مشتركة ، فإنّه لو لا الوضع لم يتحقّق شيء منها ، فحصر الدلالة الوضعيّة في غير الأولى لا وجه له. والانتقال إلى المعنى وإن كان قهريّا في الدلالة الأولى لكنّه لا يضرّ بكونها وضعيّة ، فإنّ ذلك الانتقال القهري معلول للوضع وهذا كما في كلّ فعل توليدي ، فعدم اختيارية الانتقال لا يوجب خروجها عن الدلالة الوضعيّة ، لأنّ علّتها هي الوضع. وكذا عدم وجود هدف الوضع فيها لا يوجب خروجها عن الدلالة الوضعيّة ، غاية الأمر أنّ المتكلّم إذا لم يكن في مقام تفهيم المعنى تخلّف عن داعي الوضع ، وهذا لا يوجب عدم تسمية هذه الدلالة بالوضعية. (م).

٧١

التفهيم ـ لغو محض ، لعدم ترتّب فائدة التفهيم على هذا الوضع بإطلاقه حتّى فيما لم يرد اللافظ تفهيم المعنى ، أو كان اللافظ بلا شعور ، فلا مناص عن كون الدلالة الوضعيّة تابعة للإرادة ، كما أفاده العلمان ، وكلامهما في بحث الدلالات صريح في ذلك غير قابل للتأويل.

وليعلم أنّ الغرض من كون الدلالة الوضعيّة تابعة للإرادة أنّ الموضوع له للّفظ هي تلك الحصّة من المعنى التي تعلّق بها واقع الإرادة ، فلا يحتاج إلى التجريد في مثل قولنا : «زيد قائم» ، كما تخيّل صاحب الكفاية (١) ـ قدس‌سره ـ ، فإنّ الموضوع ذات المعنى والمحمول أيضا كذلك ، لا المعنى المقيّد بكونه مرادا للمتكلّم حتّى يحتاج إلى التجريد في مقام الحمل وإن كان يفهم من الكلام بحسب الوضع أنّ ذات المعنى في الموضوع والمحمول مراد للمتكلّم ، إلّا أنّ هذه الإرادة ليس جزءا للموضوع أو المحمول ، بل هي طريق إلى ما هو الموضوع والمحمول.

الأمر السابع : لا إشكال في أنّ المركّب بما هو مركّب ليس له وضع مستقلّ ، إذ المركّبات غير متناهية ، مضافا إلى أنّ وضع المفردات مغن عن الوضع للمركّب ، مع أنّا نخترع من عند أنفسنا تراكيب لا سابقة لها حتّى يوضع لها ، فالقول بأنّ المركّب بما هو مركّب ، له وضع ممّا لا يتفوّه به ذو مسكة.

__________________

(١) كفاية الأصول : ٣١.

٧٢

نعم ، لا ريب في أنّ الجملة الخبريّة يستفاد منها شيء لا يستفاد من مفرداتها ، وهذه الخصوصيّة المستفادة منها ـ كقصد الحكاية أو ثبوت المحمول للموضوع خارجا ـ من المعلوم أنّها لا تكون ذاتية لها ولا مستفادة منها بالطبع ، بل تكون بالوضع ، ولذا وقع النزاع في أنّها هل تستفاد من الإعراب أو الضمير المستتر فيها أو الهيئة؟.

واختار شيخنا الأستاذ ـ قدس‌سره ـ أنّها مستفادة من الهيئة ، والأمر كما أفاده ، إلّا أنّه خصّه بالجمل الاسميّة (١).

ولا وجه لهذا التخصيص ، فإنّ هناك خصوصيّات ومزايا تستفاد من الجمل الفعليّة ، كاستفادة الحصر من «إيّاك نعبد» واستفادة فاعليّة موسى في قولنا : «ضرب موسى عيسى» ولا ريب [في] أنّها بالوضع لا غير.

ثمّ إنّ المعروف أنّ وضع الموادّ شخصيّ ووضع الهيئات نوعيّ.

فإن كان المراد أنّ المادّة كمادّة «ضرب» بشخصها وضعت لذلك المعنى ، ومن هذه الجهة يقال : إنّ وضعها شخصيّ ، فهذا بعينه متحقّق في وضع الهيئة ، فإنّ هيئة «فاعل» بشخصها وضعت لذات يصدر عنه الفعل.

وإن كان المراد من كون وضع الهيئات نوعيّا أنّ الهيئة بما أنّها

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٣٢.

٧٣

لا تختصّ بمادّة مخصوصة من القيام أو القعود أو الأكل أو غير ذلك ، بل هيئة «فاعل» في ضمن أيّة مادّة تحقّقت موضوعة بخلاف المادّة ، فواضح أنّ المادّة أيضا وضعها كذلك بعينها ، يعني مادّة «ضرب» مثلا وضعت لذلك المعنى الخاصّ في ضمن أيّة هيئة تحقّقت.

والظاهر أنّ هذا الفرق اصطلاح باعتبار أنّ الهيئة لا يمكن تصوّرها بلا مادّة ما ، ففي وضع الهيئات كهيئة «فاعل» مثلا لا بدّ للواضع أن يتصوّرها في ضمن مادّة ، مثل مادّة ف» و «ع» و «ل» ووضع بعد ذلك كلّ ما كان على زنة «فاعل» وبهذه الهيئة لمن يصدر عنه المادّة ، فبما أنّ الواضع تصوّر نوع هذه الهيئة بسبب تصوّر خصوص هيئة «فاعل» ، فالوضع نوعيّ باعتبار أنّ الموضوع أمر كلّي ، وهذا بخلاف المادّة ، فإنّها يمكن تصوّرها مستقلّا بلا أن تتهيّأ بهيئة من الهيئات ، فالموضوع شخص لفظ «ض» و «ر» و «ب» مثلا ، وهو المتصوّر في مقام الوضع ، وبهذا الاعتبار يكون وضعها شخصيّا ، فكما أنّ الوضع له تقسيم باعتبار الموضوع له كذلك له تقسيم باعتبار الموضوع ، فينقسم باعتبار كلّيّة الموضوع وشخصيّته إلى نوعيّ وشخصيّ.

ثمّ إنّه ظهر ممّا ذكرنا : أنّ القول بالمجاز في المركّب فاسد ، لما عرفت من أنّه لا وضع للمركّب حتّى يكون له حقيقة ومجاز ، وليس من هذا الباب «أراك تقدّم رجلا وتؤخّر أخرى» ، بل من باب

٧٤

التشبيه ، فيكون التقدير «أراك مثل من يقدّم رجلا ويؤخّر أخرى» أو من باب الكناية باستعمال الجملة في معناها الحقيقي وإرادة لازمها الّذي هو التحيّر.

وهكذا ليس من هذا الباب قوله تعالى : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً)(١) إلى آخره ، بل من باب تشبيه مجموع أحوال المنافق بمجموع أحوال الّذي استوقد نارا ، إلى آخره ، أو تشبيه كلّ حال من أحواله بحال من أحوال المستوقد ، وكيف كان لا يكون من باب المجاز في المركّب بالضرورة.

الأمر الثامن : في الحقيقة الشرعيّة.

لا يخفى أنّه لا يترتّب على هذا البحث ثمرة عمليّة أصلا ، ولذا نطويه طيّا.

وما ذكر ـ من أنّ ثمرته حمل الألفاظ المستعملة في الروايات والآيات على المعاني الشرعيّة بناء على ثبوتها ، وعلى المعاني اللغويّة بناء على عدم ثبوتها ، وربّما يقال بالتوقّف على تقدير عدم الثبوت نظرا إلى أنّها صارت مجازا مشهورا ـ لا أصل له ، فإنّ أكثر رواياتنا عن الصادقين صلوات الله وسلامه عليهم ، والروايات النبويّة لا نعتمد عليها إلّا إذا نقلت عن أئمّتنا عليهم‌السلام ، ولا ريب في صيرورة هذه الألفاظ في زمان ورود هذه الروايات حقائق في معانيها الشرعيّة التي نفهمها الآن منها.

__________________

(١) البقرة : ١٧.

٧٥

وبالجملة لم نظفر إلى الآن على مورد نشكّ في المراد ، فالبحث علميّ محض ينبغي الاقتصار عليه ، فنقول : الحقيقة الشرعيّة تتصوّر على نحوين :

الأوّل : أن يوضع الألفاظ لهذه المعاني تعيينا.

والثاني : وضعها لها تعيّنا.

والوضع التعييني أيضا يمكن على وجهين :

أحدهما : أن يعيّن الشارع في زمان من الأزمنة هذه المعاني لهذه الألفاظ بأن يقول : «وضعت لفظ الصلاة لكذا ، والصوم لكذا» وهكذا.

والوضع التعييني بهذا المعنى مقطوع العدم ، إذ لو كان ، لبان ، وصار كالعيان ، لتوفّر الدواعي إلى نقله ، فعدم ورود رواية واحدة على ذلك دليل قطعيّ على العدم في أمثال هذه الموارد ، بل النقل بالآحاد أيضا في مثله يشهد بكذبه ، فإنّه نظير ما إذا أخبر واحد أو اثنان بأنّ ملك العراق مثلا جاء في ساعة كذا وصعد المنبر وألقى خطبة ، وواضح أنّ مثل هذه القضيّة لا يمكن عادة أن يخبر بها إلّا واحد أو اثنان ، فنفس نقل الواحد أو الاثنين فقط يشهد بكذبها.

ولا يقاس هذا بقضيّة غدير خمّ ، لكثرة دواعي الإخفاء فيها دون المقام ، مع أنّ الروايات فيها أيضا بحمد الله اشتهرت وتضافرت من الفريقين إلى حدّ لا يقبل الإنكار.

٧٦

ثانيهما : أن يستعملها الشارع في معانيها الشرعيّة ويعيّنها لها بنفس هذا الاستعمال ، كما إذا أراد أحد أن يسمّي ابنه «حسنا» فيقول : «جئني بحسن» مشيرا إلى ولده ، فالوضع التعييني يحصل بنفس هذا الاستعمال.

وأورد على هذا الوجه شيخنا الأستاذ ـ قدس‌سره ـ بأنّ لازمه لحاظ اللفظ آلة واستقلالا في زمان واحد ، وهو محال ، وذلك لأنّ الاستعمال يقتضي لحاظ اللفظ آلة والنّظر إليه مرآة وجعله فانيا في المعنى ، والوضع يقتضي لحاظ اللفظ مستقلّا ، ولا يمكن الجمع بينهما في زمان واحد هو زمان الاستعمال (١).

وفيه ما مرّ من أنّ الاستعمال جعل اللفظ علامة للمعنى ، ولا محذور في كون الشيء علامة لشيئين ، ولا مانع من لحاظ اللفظ مستقلّا حين الاستعمال ، فإنّ من يقول : «جئني بماء» في مقام إظهار أنّه عارف باللسان العربي مع كونه عطشان يريد الماء جدّاً ، قد استعمل هذه الجملة في معناها ولاحظ ألفاظها مستقلّا.

وأفاد صاحب الكفاية أنّ لازم ذلك أنّ الاستعمال الأوّل الّذي يتحقّق به الوضع لا يكون حقيقة ولا مجازا ، نظير استعمال اللفظ في نوعه أو صنفه (٢).

وفيه : أنّ الوضع ـ بأيّ معنى كان ـ سابق على الاستعمال ،

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٣٣ ـ ٣٤.

(٢) كفاية الأصول : ٣٦.

٧٧

فإنّه إمّا التعهّد أو اعتبار كونه موضوعا على المعنى ، كالوضع المقولي ، أو اعتبار كونه وجودا تنزيليّا للمعنى ، وأيّا ما كان هو أمر نفساني يكون الاستعمال الخارجي مبرزا ومظهرا له ، فمن يريد تسمية ولده ويقول في هذا المقام : «جئني بحسن» مشيرا إلى ولده يضع لفظ «الحسن» ابتداء بمعنى أنّه يلتزم في نفسه أنّه متى أراد تفهيم تلك الذات أتى بلفظ «حسن» أو يعتبر كون لفظ «حسن» موضوعا على تلك الذات أو وجودا تنزيليّا لها ، ثمّ يستعمله في معناه ، فيكون هذا الاستعمال كاشفا عن وضعه واستعمالا حقيقيّا لا وضعا بنفسه ، فلا إشكال في إمكان الوضع التعييني بهذا المعنى ، وتحقّقه في زمان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ليس بذلك البعد.

النحو الثاني : الوضع التعيّني ، بأن كانت تلك الألفاظ في زمان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من كثرة استعمالها في المعاني الشرعيّة بحيث يفهم منها هذه المعاني بلا قرينة ووصلت إلى مرتبة الحقيقة.

وهذه الدعوى قريبة جدّاً ، بل لو كان لهذه الكبرى ـ أي صيرورة اللفظ من كثرة استعماله في معناه المجازي حقيقة فيه ـ صغرى ، لكان المقام من أوضح مصاديقها وصغرياتها ، فإنّ لفظ «الصلاة» مثلا كان مستعملا في معناه الشرعي في كلّ يوم مرّات عديدة ، فلا يبعد الالتزام بوصوله إلى مرتبة الحقيقة في يوم أو يومين فضلا عن سنة أو سنوات.

ولا يفرق فيما ذكرنا بين كون هذه المعاني مستحدثة في

٧٨

شرعنا أو ثابتة في الشرائع السابقة ، إذ المناط في كونها حقائق شرعيّة انفهام المعاني الشرعيّة منها بلا قرينة بواسطة الوضع التعييني أو التعيّني في لسان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وتابعيه.

فما أفاده في الكفاية (١) من أنّها حقائق لغويّة إذا كانت المعاني ثابتة في الشرائع السابقة ليس على ما ينبغي.

مع أنّ ثبوت هذه المعاني في الشرائع السابقة يدلّ على إطلاق هذه الألفاظ عليها في ذلك الزمان ، فلعلّها يتلفّظ بها بألفاظ أخر غير لفظ الصلاة والزكاة والصوم والحجّ ، ويقرّب ذلك أنّ لسان غالب أنبياء السلف لم يكن عربيّا.

ثمّ إنّ البحث عن علائم الحقيقة والمجاز بما أنّه لا يترتّب عليه ثمرة عمليّة أصلا وصار المتّبع في الدورات الأخيرة هو ظهور الألفاظ كانت حقيقة أو لم نكن نلغيه ولا نتعرّض له.

الأمر التاسع : في الصحيح والأعمّ.

لا إشكال في انسباق المعاني الشرعيّة من ألفاظ العبادات ، وإنّما الإشكال في أنّ ما ينفهم منها هو خصوص الصحيحة منها أو الأعمّ؟

ولا يخفى أنّ ثمرة هذا البحث هو جواز التمسّك بالإطلاق عند الشكّ في شرطيّة أو جزئيّة شيء للعبادة وعدمه ، فالصحيحي لا يصحّ له التمسّك بإطلاق الخطاب لرفع شرطيّة أو جزئيّة

__________________

(١) كفاية الأصول : ٣٦ ـ ٣٧.

٧٩

المحتمل الشرطيّة أو الجزئيّة ، إذ مرجع الشكّ حينئذ إلى الشكّ في الصدق ، وواضح أنّ التمسّك بالإطلاق لا معنى له مع عدم إحراز أصل المسمّى ، وهذا بخلافه على الأعمّي ، فإنّ فاقد السورة مثلا يصدق عليه الصلاة ، فمع الشكّ في جزئيّة السورة يصحّ التمسّك بإطلاق أدلّة الأجزاء والشرائط.

ثمّ إنّه لا ريب في لزوم تصوير الجامع بين أفراد الصلاة بأجمعها أو خصوص الأفراد الصحيحة منها حتّى يكون لفظ الصلاة مثلا موضوعا لذلك الجامع.

وتوهّم كون وضع هذه الألفاظ من قبيل الوضع العامّ والموضوع له الخاصّ مدفوع :

أوّلا : بأنّه خلاف الوجدان ، لاستعمال هذه الألفاظ كثيرا في الطبيعي والجامع بين الأفراد أينما سرى ، فيقال : (الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ)(١) و «الصوم جنّة من النار» (٢) وليس المراد بالضرورة أنّ فردا خاصّا خارجيّا من الصلاة أو الصوم يترتّب عليه هذا الأثر ، بل المراد أنّ الطبيعي أينما سرى يكون كذلك.

وثانيا : بأنّه لو سلّم كون الموضوع له خاصّا أي ضا ، لا مناص من تصوير الجامع بين الأفراد حتّى يشار به في مقام الوضع إلى ما هو الموضوع له من الأفراد الخارجيّة.

__________________

(١) العنكبوت : ٤٥.

(٢) الكافي ٤ : ٦٢ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٤٤ و ٤٥ ـ ١٩٦ و ٢٠٠ ، الوسائل ١٠ : ٣٩٥ و ٣٩٨ ، الباب ١ من أبواب الصوم المندوب ، الحديث ١ و ٨.

٨٠