الهداية في الأصول - ج ١

آية الله الشيخ حسن الصافي الإصفهاني

الهداية في الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله الشيخ حسن الصافي الإصفهاني


المحقق: مؤسسة صاحب الأمر (عج)
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة صاحب الأمر (عج)
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٨

الشرعي بلا واسطة (١) بنحو الموجبة الجزئية وفي الجملة ، وكلّ مسألة أصولية كذلك ، بخلاف مسائل سائر العلوم التي تعدّ من مبادئ هذا العلم ، فإنّها لا يستنبط منها الحكم الشرعي ولو في الجملة.

بيان ذلك : أنّ مباحث الألفاظ ـ نحو البحث عن أنّ الأمر ظاهر في الوجوب أو لا ـ لا تحتاج دائما إلى تنقيح غيرها من المباحث الأصولية لاستنباط الحكم الشرعي ، إذ نفرض الكلام في الخبر المقطوع الصدور الآمر بوجوب شيء مثلا ، ونفرض أنّه بلا معارض ، فالبحث عن كون الأمر ظاهرا في الوجوب يستنبط منه ـ بعد البناء على ظهوره فيه ـ وجوب ما قام الخبر المذكور على وجوبه ، ولا نزاع بعد إثبات ظهور الأمر في الوجوب ، في حجّيته ، إذ حجّية الظواهر ممّا لا خلاف فيه ولم يشكّ فيه أحد ، وإنّما الخلاف في خصوصيات هذه الكبرى ، أي : حجّية الظواهر ، فذهب منهم إلى حجّيتها مطلقا ، وآخر إلى حجّيتها بالإضافة إلى

__________________

(١) هذا التزام بلا ملزم ، فنقول : استنباط مسائل الفقه ، النظرية يحتاج إلى قياس مركّب من صغرى وكبرى ، وكلّ مسألة كانت دخيلة في تحقّق الصغرى أو الكبرى فهي من علم الأصول ، وما ليس له دخل في واحدة منهما فهو ليس منه سواء كان مذكورا في الكتب الأصولية أم لا ، فلا وجه لخروج المشتقّ والصحيح والأعمّ وغيرهما من الأصول.

فالأصحّ في تعريف الأصول أن يقال : هو العلم بالقواعد المشتركة لاستنباط جعل شرعي.

ومنه يعرف الفرق بين مسائل الأصول وقواعد الفقه. (م).

٢١

خصوص المقصودين بالإفهام دون غيرهم ، وثالث إلى اشتراط الظنّ بالوفاق في حجّيتها ، ورابع إلى اشتراط عدم الظنّ بالخلاف فيها ، وخامس إلى اشتراط عدم كون الظاهر من ظواهر الكتاب.

وبالجملة لا ريب في أصل حجّية الظواهر في الجملة ، ونحن نفرض الكلام فيما لم يستشكل فيه أحد ، نفرض مثلا كونه خبرا ومظنون الوفاق وبالإضافة إلى المقصودين بالإفهام.

والحاصل : أنّا لا ندّعي أنّ كلّ حكم فرعي يستنبط من مسألة واحدة من مسائل علم الأصول بلا واسطة ، بل ندّعي أنّ كلّ مسألة أصولية يستنبط منها الحكم الشرعي بلا واسطة في الجملة وبنحو الموجبة الجزئية ، وهذا المعنى متحقّق في جميع المسائل الأصولية دون غيرها.

ثمّ إنّ المراد من الحكم الشرعي الّذي هو نتيجة المسألة الأصولية هو الحكم الكلّي القابل لإلقائه إلى المقلّدين ، كوجوب الدعاء عند رؤية الهلال ووجوب السورة في الفريضة مثلا.

وبذلك ظهر أنّ قاعدة الطهارة في الشبهات الحكمية مسألة أصولية لا قاعدة فقهية ، إذ الّذي يمكن إلقاؤه إلى المقلّد طهارة الحديد وبول وخرء الخفّاش مثلا ، لا مدرك هذا الحكم الّذي هو أصالة الطهارة في مشكوك الطهارة ، إذ المقلّد عاجز عن تحصيل شرائط جريانها من الفحص عن الدليل أو عن معارضه وإعمال قواعده.

٢٢

نعم قاعدة الطهارة في الشبهات الموضوعية قاعدة فقهية ، وهكذا قاعدة اليد وقاعدة الفراغ وأصالة الصحّة وأمثالها ، فإنّها بأنفسها قابلة لإلقائها إلى المقلّدين وكتابتها في الرسائل العمليّة ، وإنّما المسألة الأصولية هي مداركها.

ثمّ إنّ المراد من الاستنباط معناه اللغوي ، وهو الاستخراج ، ولا حاجة إلى ما تكلّف به بعض (١) مشايخنا المحقّقين من جعله بمعنى تحصيل الحجّة للحكم الشرعي وما يكون منجّزا له عند الإصابة أو معذّرا عنه مع المخالفة ، لما عرفت من تمامية التعريف من دون تغيّر فيه ، وشموله لجميع ما يكون من مسائل علم الأصول ، فارتكاب مثل هذا التكلّف والخلاف الظاهر لإدخال الأصول العملية والظنّ الانسدادي على تقدير الحكومة ، بلا وجه.

مضافا إلى عدم تماميته في نفسه ، إذ يخرج من التعريف حينئذ جميع ما يستنبط منه الأحكام غير الإلزامية مع الموافقة للواقع بمعنى أنّه إذا قام خبر على إباحة شيء مثلا وكان في الواقع مباحا أيضا لا يكون البحث عن مثل هذا الخبر من مسائل علم الأصول على هذا التعريف ، وهكذا فيما إذا قام الخبر على وجوب أو حرمة ما هو مباح واقعا ، إذ لا معنى لتحصيل ما يكون منجّزا أو معذّرا في أمثال هذه الموارد ، فإنّه إنّما يتصوّر فيما إذا كان الحكم الواقعي حكما إلزاميّا وقام الخبر مثلا على خلافه ، أو كان

__________________

(١) نهاية الدراية ١ : ٤٢.

٢٣

حكما غير إلزامي ودلّ دليل على وجوبه أو حرمته.

الأمر الثالث : في الوضع.

ربّما يقال (١) : إنّ دلالة الألفاظ على معانيها ليست بالوضع بل ذاتية ، وفساده من الوضوح بمكان ، إذ لازمه أن لا يجهل أحد معنى أيّ لفظ من أيّة لغة وإن كان المقصود أنّ بين اللفظ والمعنى مناسبات ذاتية يعلمها الواضع ويلاحظها في مقام الوضع ، وإلّا يلزم الترجيح بلا مرجّح ، فهو وإن كان محتملا ممكنا سيّما إذا كان الواضع هو الله تعالى ، إلّا أنّ الجزم به ممنوع.

أوّلا : بأنّ الترجيح بلا مرجّح ليس بقبيح فيما إذا كان الطبيعي ، له مصلحة ولم يكن لبعض أفراده مزيّة على آخر ، فاختيار فرد دون آخر ليس من القبيح بالضرورة.

ألا ترى أنّ المريض الّذي علاجه بالمشي إلى أحد جوانبه بلا تفاوت بين الجوانب في إيفائها لهذا الغرض لا يتوقّف حتّى يموت من مرضه لأجل الفرار عن ترجيح بعض الجوانب ـ الّذي لا مرجّح له ـ على البعض الآخر.

وثانيا : لا يلزم أن يكون المرجّح ذاتيا ، لارتفاع القبح ـ على فرض تسليمه ـ بوجود المرجّح أيّا ما كان ولو بجعل اسم ولده اسم والده المرحوم تحفّظا على بقاء اسم والده ، كما هو متعارف.

__________________

(١) القائل هو سليمان بن عباد الصيمري كما في الفصول الغروية : ٢٣.

٢٤

ثمّ إنّ المحقّق صاحب الكفاية (١) أفاد في المقام أنّ الوضع نحو اختصاص بين اللفظ والمعنى وارتباط خاصّ بينهما ناش من تخصيصه به تارة ومن كثرة استعماله فيه أخرى.

وهذا الّذي أفاده لا يمكن المساعدة عليه ، لأنّ الأمور الحقيقيّة التي ليست تابعة لاعتبار معتبر وفرض فارض إمّا من قبيل الجواهر أو الأعراض التي داخلة تحت المقولات الحقيقيّة والخارج ظرف لوجودها لا لأنفسها ، وإمّا من قبيل الأمور الواقعيّة والنّفس الأمريّة التي يكون الخارج ظرفا لأنفسها لا لوجودها كنفس الوجود واستحالة اجتماع النقيضين والملازمات الواقعيّة ، ومن الواضح أنّ الربط بين اللفظ والمعنى ليس من شيء منها.

أمّا عدم كونه من الجواهر : فواضح.

وأمّا عدم كونه من الأعراض : فلأنّ العرض لا يوجد إلّا في موضوعه ، والربط يكون بين طبيعي اللفظ والمعنى لا الموجود منهما ، مع أنّ بعض المعاني من الممتنعات ، كمعنى الدور واستحالة اجتماع النقيضين.

ثمّ إنّه ذكر بعض أنّ الوضع أمر اعتباريّ ، وله تقريبان :

أحدهما (٢) : أنّ اللفظ وجود تنزيلي للمعنى ، نظير تنزيل الرّجل الشجاع منزلة الأسد ، واستعارة لفظ الأسد ، فكما يعتبر

__________________

(١) كفاية الأصول : ٢٤.

(٢) نهاية النهاية ـ للإيرواني ـ ١ : ٧ ، وأجود التقريرات ١ : ١٣ و ٢٩ و ٣١.

٢٥

المعتبر الشجاع حيوانا مفترسا ويطلق لفظ الأسد عليه كذلك يعتبر الواضع اللفظ هو المعنى تنزيلا.

وفيه أوّلا : أنّ إفادة المقاصد بالألفاظ أمر لا يختصّ بالعلماء بل يعمّ العوامّ والأطفال بل الحيوانات حيث نرى البزّون (١) مثلا له صوتان بأحدهما يجذب أولاده وبالآخر يزجرها ، وهذا المعنى بعيد عن أذهان العوامّ فضلا عن الأطفال فضلا عن الحيوانات.

وثانيا : أنّ التنزيل يحتاج إلى ما به التنزيل وأثر للمنزّل عليه حتى يترتّب ذلك الأثر على المنزّل ، ضرورة أنّه لا يصحّ تنزيل أيّ شيء منزلة أيّ شيء ، فينزّل مثلا الخشب أو البعوضة منزلة الأسد ، وأيّ أثر لواقع الجبل العظيم يترتّب على لفظه الّذي نزّل منزلته؟ وبالجملة لا بدّ وأن لا يكون لغوا ولا يعدّ غلطا.

ثانيهما (٢) : أنّ الوضع له واقع ، كوضع العمامة على الرّأس ووضع العلامة على رأس الفرسخ ، وله وجود اعتباري ، وهو : اعتبار كون اللفظ موضوعا على المعنى ، نظير الملكيّة التي لها وجودان : حقيقي واعتباريّ.

وفيه أوّلا : ما مرّ من بعده عن الأذهان.

وثانيا (٣) : أنّ في الوضع الحقيقي موضوعا وموضوعا عليه

__________________

(١) أي الهرّة ، لغة شعبية.

(٢) نهاية الدراية ١ : ٤٧.

(٣) هذا أيضا يمكن أن يناقش فيه بأنّ وجود ثلاثة عناوين في وضع العلم ممّا ـ

٢٦

وغرض الوضع ، فالعمود مثلا موضوع ، والمكان المخصوص موضوع عليه ، وغرض الوضع كون هذا المكان رأس الفرسخ ، وغرض الوضع في الألفاظ نفس المعنى ، فالمعنى موضوع له لا موضوع عليه.

فالتحقيق ـ الّذي هو موافق للّغة والوجدان وفطريّ الإنسان والحيوان ـ أنّ الوضع حقيقة هو البناء والالتزام بأنّه متى أراد معنى خاصّا أتى بذلك اللّفظ ، فهو بمعنى الجعل والتعهّد والالتزام ، ومنه وضع القانون ، ونظيره في الأفعال أيضا موجود ، فيجعل فعل خاصّ ـ كحركة الرّأس أو وضع العمامة على الرّأس أو رفعها عنه وأمثال ذلك ـ علامة لإرادته شيئا خاصّا ، فليس الارتباط والاختصاص بحقيقة الوضع ، كما أفاده صاحب الكفاية (١) بل من شئونه وتوابعه.

__________________

ـ لا ريب فيه ، وهي عبارة عن الموضوع وهو العلم ، والموضوع عليه وهو المكان المنصوب فيه العلم ، والموضوع له وهو كون المكان رأس الفرسخ. وأيضا لا ريب في اتّحاد الموضوع عليه والموضوع له في الوضع التكويني ، فإنّ ذلك المكان بعينه هو رأس الفرسخ ، هذا كلّه في الوضع التكويني.

ويجري ذلك كلّه في الوضع الاعتباري أيضا ، فإنّ اللفظ موضوع والمعنى موضوع عليه وكون المعنى مدلولا عليه هو الموضوع له ، فاتّحد الموضوع عليه والموضوع له ، فكما أنّ المعنى يصدق عليه أنّه الموضوع له كذلك يصدق عليه أنّه الموضوع عليه سواء اتّحد هذان العنوانان أم لا ، وهذا هو المطلب الصحيح. (م).

(١) كفاية الأصول : ٢٤.

٢٧

وقد ظهر من ذلك أنّ إطلاق الواضع على شخص خاصّ ـ كيعرب بن قحطان مثلا ـ لمكان أسبقيته وإلّا فعلى ما ذكرنا كلّ شخص واضع ، إذ ذاك الالتزام ـ الّذي قلنا : إنّه حقيقة الوضع ـ موجود في كلّ من يكون من أهل لغة واحدة ، غاية الأمر أنّ بعضهم يلتزم ابتداء والباقي يتبعه في ذلك.

وظهر أيضا أنّ الوضع التعيّني أيضا كالوضع التعييني حقيقته هو الالتزام والتعهّد المزبور إن كان ابتدائيّا يسمّى تعيينيّا ، وإن كان ناشئا من كثرة استعمال المستعملين بحيث تكون كاشفة عن التزامهم وتعهّدهم يسمّى تعيّنيّا ، ولا يفرق بين أن يكون الكاشف للالتزام هو اللفظ أو الفعل.

ثمّ إنّ شيخنا الأستاذ ـ قدس‌سره ـ ذكر أنّ الوضع واسطة بين الأمور التكوينيّة المحضة والاعتباريّة أي التشريعيّة الصرفة ، فإنّ من الأمور ما هو تكوينيّ محض لا يحتاج إلى إرسال رسل وإنزال كتب ، كحدوث الجوع والعطش عند احتياجه إلى الطعام والشراب ، فإنّه جبلّي له.

ومنها : اعتباري وجعلي تشريعيّ صرف ، كالأحكام الشرعيّة التكليفيّة والوضعيّة ، إذ لا طريق للإنسان إليها إلّا بتبليغ الأنبياء والأوصياء.

ومنها : ما هو واسطة بينهما ، وهو وضع الألفاظ لمعانيها ، فإنّه لا تكويني صرف حتى لا يحتاج إلى جاعل أصلا ، ولا جعلي

٢٨

تشريعي محض حتى يحتاج إلى تبليغ الأنبياء ، بل الله تعالى خلق الإنسان علّمه البيان وألهمه بالتلفّظ بلفظ مخصوص عند إرادة معنى خاصّ ، فالواضع في الحقيقة هو الله تعالى ، فوضع ألفاظا خاصّة لمعان خاصّة بمناسبات لا نعلمها (١).

وفيه أوّلا : أنّ ما أفاده من وجود المناسبات بين المعاني والألفاظ معلومة له تعالى ، مجهولة عندنا ، قد مرّ أنّه وإن كان ممكنا محتملا إلّا أنّه لا يمكن إثباته بالبرهان.

وثانيا : لا نتعقّل واسطة بين الأمور التكوينيّة والتشريعيّة الاعتباريّة ، فإنّ الشيء إن كان له مطابق في الخارج ونفس الأمر ، فهو من التكوينيّة ، وإن لم يكن كذلك ، فلا يكون منها ، بل يكون من الأمور الاعتباريّة التّابعة لاعتبار معتبر من شارع وغيره.

ومجرّد كون الوضع بإلهام منه تعالى [لا يوجب كونه] واسطة بينهما ، فإنّ صنائع البشر بأجمعها بإلهام منه تعالى ، وجميع ما تفعله المخلوقات لرفع حوائجها حتى في الحيوانات بإلهام منه تعالى.

ثمّ إنّ إطالة الكلام في المقام ـ مع أنّ هذا البحث ليس له ثمرة عمليّة ـ لأجل أمرين:

الأوّل : أنّه ـ بناء على المختار من كون الوضع هو التعهّد ـ لا مانع من استعمال اللفظ المشترك في أكثر من معنى ، ولا يلزم

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ١٠ ـ ١٢.

٢٩

منه أن يكون المستعمل أحول العينين ، إذ لا يلاحظ اللفظ على هذا المبنى وجها لمعنيين وفانيا في الاثنين ، بل يكون اللفظ علامة لمعنيين ، وكاشفا عن تعلّق إرادة المتكلّم بتفهيم اثنين ، وهذا ممّا لا محذور فيه أصلا.

نعم سيجيء في ذلك المبحث إن شاء الله أنّ هذا خلاف الظاهر ، فيحتاج إلى قرينة دالّة عليه.

الثاني : أنّه بناء عليه تكون الدلالة الوضعيّة ـ كما ذكره العلمين : المحقّق الطوسي وبو علي سينا (١) تابعة للإرادة ، فإنّ الوضع على هذا فعل اختياري للواضع ، وقد ذكرنا أنّ كلّ شخص واضع ، فلا بدّ من تعلّقه بما يكون تحت اختياره ، ومن المعلوم أنّ نفس المعنى ممّا هو خارج عن تحت اختياره ، فلا يمكن أن يكون تحت اختياره ، وأنّ المقدور له هو تفهيم المعنى عند إرادته بذلك اللّفظ ، فالقول بأنّ الموضوع له اللفظ هو المعنى مسامحة ، بل هو تفهيم المعنى المراد به.

والإشكال على العلمين بأنّا ننتقل إلى معنى اللفظ ولو سمعنا من لافظ بلا شعور واختيار ، واضح الدفع ، حيث إنّ هذا الانتقال منشؤه أنس الذهن بالمعنى من كثرة استعمال اللفظ فيه ، ولذا يحصل ولو وجد اللفظ باصطكاك حجر على حجر ، ونسمّي هذه الدلالة بالدلالة الأنسيّة.

__________________

(١) كما في كفاية الأصول : ٣١.

٣٠

ثمّ إنّ الوضع ينقسم باعتبار اللفظ الموضوع ، إلى أقسام تأتي إن شاء الله.

وله تقسيم آخر باعتبار المعنى الملحوظ في مقام الوضع ، فإنّه إمّا أن يكون معنى كلّيّا أو جزئيّا.

وفي الأوّل إمّا أن يوضع اللفظ بإزاء ذلك المعنى الكلّي ، فيكون الوضع عامّا والموضوع له أيضا عامّا ، وإمّا أن يوضع اللفظ بإزاء مصاديق ذلك المعنى العامّ ، فيكون الوضع عامّا والموضوع له خاصّا.

وفي الثاني لا مناص عن وضع اللفظ بإزاء نفس ذلك المعنى الجزئي ، فيكون الوضع خاصّا والموضوع له أيضا خاصّا ، وأمّا وضع اللفظ بإزاء الكلّي بعد لحاظ الجزئي بحيث يكون الوضع خاصّا والموضوع له عامّا فغير معقول ، فإنّ الوضع من دون تصوّر لطرفيه : اللفظ والمعنى ، غير قابل لتعلّق القدرة عليه.

وهذا القسم الرابع لازمه وضع اللفظ بإزاء المعنى العامّ من دون تصوّر للمعنى ، فإنّ الخاصّ لا يمكن أن يكون بما هو خاصّ مرآة ووجها للعامّ.

وربّما يقال : إن كان اللازم في الوضع تصوّر المعنى بكنهه ، فكما لا يمكن الوضع الخاصّ والموضوع له العامّ كذلك لا يمكن العكس ، يعني الوضع العامّ والموضوع له الخاصّ ، بداهة أنّ تصوّر العامّ ليس تصوّر الخاصّ بكنهه وإن كان يكفي تصوّر المعنى بوجه ،

٣١

فيمكن كلا القسمين ، لإمكان تصوّر العامّ بوجه من تصوّر الخاصّ.

والجواب : أنّ ما يحمل على الكلّي على قسمين ، فإنّه إمّا يحمل عليه بما هو كلّي ، كقولنا : الإنسان كلّي ، أو نوع ، فإنّ الموضوع في هذه القضيّة هو الطبيعي بما هو طبيعي لا بما هو موجود فلا يصحّ أن يقال : «زيد إنسان ، والإنسان نوع ، فزيد نوع» وإمّا أن يحمل عليه بما هو موجود في الخارج بحيث لم يلحظ في مقام الحكم إلّا وجود الطبيعي في الخارج ملغى عنه جميع الخصوصيّات ، كقولنا : «النار حارّة محرقة» ، فإنّ الحكم بالإحراق ليس حكما لطبيعيّ النار بما هو طبيعيّ ، وإلّا يلزم الاحتراق بمجرّد تصوّر النار ، بل هو حكم الطبيعي بلحاظ وجوده في الخارج ، وملغى عنه جميع خصوصيّات الفرديّة من كون النار من الخشب أو الحديد وفي وقت كذا ومكان كذا وأمثال ذلك ، ومن هذا القسم جميع القضايا الحقيقيّة ، ولذا قلنا في بحث التعارض : لو قال أحد : «كلّ مؤمن فاسق» فقد ارتكب المحرّم : الغيبة أو التهمة بعدد أفراد المؤمنين ، ويستحقّ العقاب على حسب عددهم ، فإذا كان الحكم على الطبيعي لا يخلو من أحد هذين القسمين ، فجعل طبيعي المعنى موضوعا لوضع اللفظ بإزائه أيضا كذلك ، فتارة يتصوّر الطبيعي بما هو طبيعي ، ويوضع له اللفظ ، فهو الوضع العامّ والموضوع له العامّ ، وأخرى يتصوّر الطبيعي بلحاظ وجوده في الخارج ملغى عنه جميع خصوصيّات الأفراد ، فيوضع اللفظ بإزائه ،

٣٢

فيكون من الوضع العامّ والموضوع له الخاصّ ، فإنّ المعنى المتصوّر في مقام الوضع كلّي صادق على كثيرين ، واللفظ وضع بإزاء واقع هذا الكلّي ، وهو مصاديقه من حيث هي مصاديقه بلا دخل أيّة خصوصيّة من الخصوصيّات ، وهذا كما إذا تصوّر الواضع معنى كلّيّا ، وهو من يتولّد يوم الجمعة ، ووضع لفظ «علي» [مثلا] بإزاء واقع هذا الكلّي ، فاللازم في الوضع تصوّر الموضوع له ولو بوجه ، وهو موجود في الوضع العامّ والموضوع له الخاصّ ، إذ العامّ وإن لم يكن مرآة ووجها لأفراده بخصوصيّاته الفرديّة ولكنّه مرآة ووجه لأفراده ملغى عنها الخصوصيّات ، وقد عرفت أنّ الموضوع له في الوضع العامّ والموضوع له [الخاصّ] هي الأفراد ملغى عنها الخصوصيّات لا الأفراد بخصوصيّاتها الفرديّة ، وغير معقول في الوضع الخاصّ والموضوع له العامّ ، إذ الخاصّ بما هو خاصّ ليس وجها ومرآة لعامّه بلا ريب.

نعم يمكن أن يكون تصوّر الخاصّ واسطة في الثبوت وعلّة للانتقال إلى العامّ ، وتصوّره بنفسه لا بوجهه ، بل الغالب [أن] يتصوّر الكلّي بتصوّر جزئياته ويعرف بمعرفة أفراده ، ولكن حينئذ يكون الوضع عامّا لا خاصّا.

وما قيل في تصوير هذا القسم من أنّا إذا رأينا من البعيد شيئا لا نعلم أنّه إنسان أو بقر أو غنم أو غير ذلك ، فقد تصوّرنا جزئيّا خارجيّا ، فإذا وضعنا لفظا بإزاء كلّي هذا الجزئي ، يكون الوضع

٣٣

خاصّا والموضوع له عامّا ، مخدوش بأنّ رؤية الفرد من البعيد سبب للانتقال إلى كلّي هذا الفرد الّذي هو مفهوم عامّ لا نعلم مصداقه ، ولكنّه معيّن معلوم يعلمه الله تعالى ، فإذا وضعنا لفظا بإزاء واقع كلّي هذا الفرد الّذي معلوم عند الله ، يكون الوضع عامّا ، كما أنّ الموضوع له عامّ ، فإنّ ما تصوّر الواضع في مقام الوضع هو معنى كلّي ومفهوم عامّ ، وهو مفهوم كلّي هذا الفرد ، ووضع اللفظ بإزاء واقعه الّذي هو أيضا كلّي قابل للصدق على كثيرين.

وبالجملة يكفي في الوضع تصوّر الموضوع له بوجه بحيث يمتاز عمّا عداه ، فلو سمع صوتا من وراء الجدار ، له أن يضع لفظا بإزاء المتصوّت بهذا الصوت أيّا ما كان.

وفي المثال المذكور الفرد الّذي نراه من بعيد سبب للانتقال إلى معنى عامّ يمكننا أن نشير به إلى واقعه بحيث يمتاز عمّا عداه ، فوضع اللفظ بإزائه ، وهذا أجنبي عن الوضع الخاصّ والموضوع له العامّ.

ثمّ إنّ الأقسام الثلاثة التي عرفت إمكانها لا ريب في وقوع قسمين منها ، وهما : الوضع الخاصّ والموضوع له الخاصّ والوضع العامّ والموضوع له العامّ.

أمّا الوضع العامّ والموضوع له الخاصّ فقد وقع الخلاف فيه ، وادّعي أنّ وضع الحروف والهيئات من هذا القبيل ، فيقع الكلام في مقامين :

٣٤

الأوّل : في معاني الحروف ، وأنّها وضعت لأيّ شيء؟

الثاني : في أنّ الموضوع له فيها خاصّ أو لا؟

أمّا المقام الأوّل : فاختلف فيه على أقوال ثلاث :

الأوّل : ما نسب إلى الرضي ـ قدس‌سره ـ من أنّ الحروف لا معنى له أصلا ، بل هي علامات لخصوصيّات مدخولها كالإعراب (١).

مثلا : كلمة «دار» تارة تلاحظ مستقلّة وبما أنّها موجودة عينية ، فيقال : هذه الدار قيمتها كذا ، وأخرى تلاحظ بما أنّها ظرف مكان شيء آخر وموجود أينيّ ، فيقال : ضربت في الدار ، فلفظة «في» في هذا المثال علامة لكون مدخولها ظرفا لشيء آخر ، وهو الضرب.

وفيه : أنّ الظرفيّة إمّا مستفادة من مفهوم الدار ، أو من لفظة «في» لا مجال للأوّل ، فلا محالة تستفاد من لفظة «في».

وهذه الدلالة إمّا طبيعيّة ، كدلالة «أح أح» على وجع الصدر ، أو عقليّة ، كدلالة الدخان على وجود النار ، أو وضعيّة ، لا ريب في بطلان الأوّلين ، ضرورة أنّ لازمهما أن يعرفها كلّ أحد ولم يكن عارفا بهذه اللغة ، فيتعيّن الثالث ، أي : كونها وضعيّة.

الثاني من الأقوال : ما نسب إلى الرضي (٢) ـ قدس‌سره ـ أيضا ، واختاره صاحب الكفاية (٣) ـ قدس‌سره ـ وهو : أنّه لا فرق بين الحروف

__________________

(١) شرح الكافية ١ : ١٠.

(٢) شرح الكافية ١ : ١٠.

(٣) كفاية الأصول : ٢٥.

٣٥

والأسماء الموضوعة لمعانيها أصلا ، بل الموضوع له في كلتيهما واحد بمعنى أنّ ما وضع له لفظ «ابتداء» بعينه ما وضع له لفظة «من» بلا تفاوت بينهما أصلا.

ويرد عليه ما أورده هو ـ أي صاحب الكفاية قدس‌سره ـ على نفسه من أنّ لازم ذلك صحّة استعمال الحروف مكان الأسماء الموضوعة لمعانيها وبالعكس ، يعني مقتضاه صحّة قولنا : «من سيري البصرة وإلى الكوفة» وهكذا صحّة قولنا : «سرت ابتداء الكوفة انتهاء البصرة» مع أنّه من أفحش الأغلاط (١).

وأجاب هو ـ قدس‌سره ـ بأنّ الفرق إنّما هو اختصاص كلّ منهما بوضع ، حيث إنّه وضع الاسم ليراد منه معناه بما هو هو وفي نفسه ، والحرف ليراد منه معناه لا كذلك ، بل بما هو حالة لغيره (٢).

وعبارته هذه ذات وجوه ذهب كلّ إلى وجه ، فقال بعض : إنّ المراد أنّ الواضع اشترط أن يستعمل لفظ «الابتداء» عند إرادة معناه استقلالا ، وتستعمل لفظة «من» في عين هذا المعنى ، لكن عند إرادته حالة للغير.

وفيه : أنّه بما ذا ثبت هذا الاشتراط؟ وعلى تقدير ثبوته أيّ دليل على وجوب الوفاء بهذا الشرط؟ وعلى فرض وجوب الوفاء به ، لكون الواضع المشترط هو الله تعالى ، أو لكون الاشتراط في

__________________

(١) كفاية الأصول : ٢٦.

(٢) كفاية الأصول : ٢٧.

٣٦

ضمن العقد اللازم مثلا ، فمخالفته كمخالفة سائر الأحكام لا توجب إلّا استحقاق العقاب ، فالغلطيّة لما ذا؟

وحمل بعض آخر هذه العبارة على أنّ المراد منها أنّ الموضوع له في الحروف والأسماء التي هي بمعناها متّحد بحسب الجنس والنوع ، وإنّما الفرق في أنّ الاسم كلفظ «ابتداء» وضع لحصّة خاصّة من معنى الابتداء ، وهي الحصّة المتقيّدة بكونها ملحوظة استقلالا ، ولفظة «من» وضعت لحصّة أخرى منه ، وهي المتقيّدة بكونها ملحوظة آلة ، ولأجل ذلك لا يصحّ استعمال أحدهما مكان الآخر.

وفيه ـ مضافا إلى أنّ لازمه كون الموضوع له خاصّا وهو خلاف ما صرّح ـ قدس‌سره ـ في مواضع متعدّدة من أنّ ما وضع لها الحروف عامّ كوضعها ـ أنّ المراد من الحصّة إن كان الحصّة بما هي حصّة بمعنى خروج القيد الّذي هو اللحاظ ودخول التقيّد ، فلازمه أن لا يصدق الموضوع له على الخارجيّات إلّا بالتجريد ، لتقيّده بالآخر الذهني ، مع أنّ صدق مثل «سرت من البصرة إلى الكوفة» على الخارجيّات ممّا لا يحتاج إلى عناية تجريد أصلا.

وإن كان المراد منها ذات الحصّة بلا شرط حتّى من حيث التقيّد باللحاظ ، يعود إشكال صحّة استعمال الحروف مكان الأسماء التي بمعانيها.

والظاهر أنّ مراده ـ قدس‌سره ـ أنّ الآليّة والاستقلاليّة قيد لحصول

٣٧

العلقة الوضعيّة بنحو الواجب المشروط ، كما لعلّه صريح كلامه في بحث المشتقّ.

توضيحه أنّ الوضع ـ سواء كان حقيقته الاعتبار أو التعهّد والبناء ـ كما يمكن بنحو الإطلاق بأن اعتبر لفظا خاصّا وجودا تنزيليّا لمعنى خاصّ على الإطلاق مثلا ، أو التزم بأنّه متى أراد ذلك المعنى أتى بهذا اللفظ ، كذلك يمكن الوضع على تقدير خاصّ بأن يلتزم تفهيم معنى خاصّ من لفظ خاصّ في يوم الجمعة فقط ، فإذا كان التزامه بذلك مقيّدا بيوم الجمعة فقط فليس لأحد أن يحمل كلامه هذا بعينه إذا أتى به يوم الخميس على ذلك المعنى بعينه ، وحينئذ إن كان بناء الواضع على تفهيم معنى الابتداء بلفظة «من» على تقدير خاصّ وتفهيم معنى الابتداء بلفظ «ابتداء» على تقدير آخر بأن قال : إذا لاحظت معنى الابتداء مستقلّا وأردت تفهيم معنى الابتداء ، اجعل مبرزه لفظ «ابتداء» وإذا لاحظته آلة وحالة للغير وأردت تفهيم معنى الابتداء ، اجعل مبرزه لفظة «من» فعلى ذلك «ابتداء» و «من» كلاهما موضوعان لشيء واحد ، وهو تفهيم معنى الابتداء لكن مع ذلك لا يصحّ استعمال أحدهما مكان الآخر ، لأنّ الأوّل وضع لتفهيم معنى الابتداء عند لحاظه استقلالا ، والثاني عند لحاظه لا كذلك ، بل آلة وحالة للغير.

ومن ذلك ظهر أنّ المراد من الاستقلال وعدمه هو لحاظ المعنى استقلالا في مقابل لحاظه آلة وحالة ، فلا يلزم أن يكون

٣٨

المعنى لا مستقلّا ولا غير مستقلّ ـ كما أفاده شيخنا الأستاذ (١) قدس‌سره ـ حتّى يكون من ارتفاع النقيضين ، بل لازمه أن يكون المعنى غير متعلّق للّحاظ الاستقلالي ، بل كان متعلّقا للّحاظ الآلي ، فالمقصود من خروج الاستقلال وعدمه من حريم الموضوع له أنّ شيئا من اللحاظين غير داخل في الموضوع له ، وأين هذا من ارتفاع النقيضين؟

هذا ، ولكن يرد عليه أن لا معنى معقول للآليّة إلّا كون المعنى مرآة ومعرّفا للجزئيّات الخارجيّة بأن يكون معنى الابتداء معرّفا للابتداء الجزئي الخاصّ الخارجي ، وهكذا معنى الانتهاء المستفاد من لفظ «إلى» معرّفا للانتهاء الجزئي الخارجي ، ولازم ذلك أن يكون جميع ما أخذ موضوعا ومعرّفا للوجودات الخارجيّة في القضايا الحقيقيّة ، كقضيّة «النار حارّة» من العناوين الكلّيّة حروفا.

وهكذا لا نتعقّل للحاليّة معنى إلّا دخل وصف القيام بالغير في العلقة الوضعيّة بمعنى أنّ الفرق بين الحروف والأسماء التي هي بمعانيها هو الفرق بين المصادر وأسماء المصادر ، حيث إنّ المصادر وضعت للأعراض بما هي أعراض ، وأسماء المصادر وضعت لذوات الأعراض بلا دخل وصف العرضيّة في وضعها أصلا.

مثلا : الابيضاض والاحمرار والاسوداد وضعت للبياض

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ١٥.

٣٩

والحمرة والسواد بما هي أعراض ، ووجوداتها في أنفسها عين وجوداتها لموضوعاتها. وبعبارة أخرى : بما هي قائمة بموضوعاتها ، وهذا بخلاف لفظ البياض والسواد والحمرة ، فإنّه وضع لذاك العرض الخاصّ بما أنّه موجود في نفسه ، ولم يلحظ في وضعه وجوده لموضوع أصلا.

وهكذا المصدر وضع لذاك العرض بما هو منتسب إلى فاعل ما وبما هو قائم بالغير ، وأمّا اسم المصدر فلم يوضع إلّا لنفس المعنى الحدثي بلا دخل قيامه بالغير في وضعه.

وفي اللغة أمثلة كلا القسمين كثيرة : «پاك بودن وپاكيزگى. گفتن ، گفتار. رفتن ، رفتار. كردن. كردار» فمعنى كون لفظ «ابتداء» وضع لمعنى الابتداء ليستعمل مستقلّا أنّ لفظ «ابتداء» وضع لمعنى بما هو موجود في نفسه ، ومعنى كون لفظ «من» وضع ليستعمل حالة للغير أنّه وضع لمعنى الابتداء بما هو عرض قائم بالغير ، فوصف العرضيّة والقيام بالغير دخيل في وضع الحروف.

وهذا المعنى وإن كان في نفسه متينا إلّا أنّ لازمه أن يكون جميع المصادر معاني حرفيّة ، لما عرفت من أنّها وضعت لمعانيها بما أنّها أوصاف لمعروضاتها وبلحاظ قيامها بموضوعاتها.

القول الثالث : أنّ الحروف وضعت لمعان ، وهذه المعاني معان غير مستقلّة في أنفسها ومتدلّيات في حدّ ذواتها ، وهي النسب الكائنة بين الجواهر والأعراض ، والروابط الموجودة بينهما

٤٠