المنتخب من تفسير القرآن - ج ٢

أبو عبدالله محمّد بن أحمد بن إدريس الحلّي

المنتخب من تفسير القرآن - ج ٢

المؤلف:

أبو عبدالله محمّد بن أحمد بن إدريس الحلّي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي الكبرى
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٦
الجزء ١ الجزء ٢

ومعنى الأبواب قال ابن عباس (١) : أراد به منزل السماء. وقال قتادة : معناه أبواب طرق السماء.

وقوله (وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ) يعني : في هلاك ، والتباب الهلاك بالانقطاع ، ومنه قوله (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ) أي : خسرت بانقطاع الرجاء ، ومنه قوله «تبا له».

فصل : قوله (لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللهِ) الاية : ٤٣.

قال الزجاج : هو رد لكلام ، كأنه قال : لا محالة أن لهم النار.

وقال الخليل : لا جرم لا يكون الا جوابا ، تقول : فعل فلان كذا ، فيقول المجيب : لا جرم. وقال المبرد : معناه حق واستحق.

فصل : قوله (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) الاية : ٦٠.

يعني : أستجب لكم إذا اقتضت المصلحة اجابتكم ، ومن يدعو الله ويسأله فلا بد أن يشرط المصلحة ، اما لفظا أو إضمارا ، والا كان قبيحا ، لأنه إذا دعى بما يكون فيه مفسدة ولا يشترط انتفاؤها كان قبيحا.

فصل : قوله (ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً) الاية : ٦٧.

العلقة هي القطعة من الدم ، لأنها تعلق بما يمر به لظهور أثرها فيه وخلقكم منها.

(ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً) أي : أطفالا واحدا واحدا ، فلهذا ذكره بالتوحيد ، كما قال (بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً) (٢) لان لكل واحد منهم أعمالا قد خسر بها.

فصل : قوله (ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ) الاية : ٧٢.

السجر إلقاء الحطب في معظم النار ، كالتنور الذي يسجر بالوقود ، فهؤلاء

__________________

(١). في التبيان : ابن عامر.

(٢). سورة الكهف : ١٠٤.

٢٤١

الكفار لجهنم كالسجار للتنور.

فصل : قوله (فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) الاية : ٧٦.

انما أطلق عليه اسم «بئس» مع كونه حسنا ، لان الطبع ينفر عنه كما ينفر العقل من القبيح بالذم عليه ، فحسن لهذه العلة اطلاق اسم «بئس» عليه.

فصل : قوله (اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ) الاية : ٨٠ ـ ٧٩.

الانعام من الإبل والبقر والغنم ، واللام في قوله (لِتَرْكَبُوا مِنْها) لام الغرض ، فإذا كان الله تعالى خلق هذه الانعام ، وأراد أن ينتفع خلقه بها ، وكان تعالى لا يريد القبيح ولا المباح ، فلا بد أن يكون أراد انتفاعهم بها على وجه الطاعة والقربة اليه.

«ولكم فيها منافع» أخر من ألبانها وأصوافها وأشعارها.

سورة فصلت

قيل : في وجه الاشتراك في أسماء هذه السور السبعة ب (حم) أنه للمشاكلة التي بينها بما يختص به ليس لغيرها ، لأنه اسم علم أجري على الصفة الغالبة بما يصح فيه الاشتراك ، والتشاكل الذي اختصت به هو أن كل واحد منها استفتح بصفة الكتاب مع تقاربها في الطول والقصر ، ومع شدة تشاكل الكلام في النظام.

وقوله (كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ) أي : هو كتاب ، وانما وصف القرآن بأنه كتاب ، وان كان المرجع فيه الى كلام مسموع ، لأنه مما ينبغي أن يكتب ويدون ، لان الحافظ ربما نسيه أو نسي بعضه فيتذكر ، وغير الحافظ فيتعلم منه.

وقوله (فُصِّلَتْ آياتُهُ) معناه ميزت دلائله ، وانما وصفه بالتفصيل دون الإجمال ، لان التفصيل يأتي على وجه البيان ، لأنه يفصل جملة عن جملة ومفرد عن مفرد ، ومدار أمر البيان على تفصيل التمييز فيما يحتاج اليه من أمور الدين ، إذ العلم

٢٤٢

علمان : علم دين وعلم دنيا ، وعلم الدين أجلهما وأشرفهما لشرف النفع به.

فصل : قوله (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ. الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) الآيات : ٦ ـ ١٠.

قال الفراء : الزكاة في هذا الموضع ان قريشا كانت تطعم الحاج وتسقيهم ، فحرموا ذلك على من آمن بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وقال قوم : انما توعدهم على ترك الزكاة الواجبة عليهم ، لأنهم متعبدون بجميع العبادات ويعاقبون على تركها ، وهو الظاهر.

وقال : الزكاة معناه وويل للمشركين الذين لا يؤمنون بأن الزكاة واجبة ، وانما خص الزكاة بالذكر تقريعا لهم على شحهم الذي يأنف منه أهل الفضل.

وقد بينا أن الأقوى قول من قال : الذين لا يؤدون زكاة أموالهم ، لان هذا هو حقيقة هذه اللفظة.

وقوله (وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ) قال أبو عبيدة : الأقوات جمع قوت ، وهي أرزاق الخلق. قيل : انما خلق ذلك شيئا بعد شيء في هذه الاربعة أيام لتعتبر به الملائكة.

وقيل : بل لاعتبار العباد في الاخبار عن ذلك إذا تصوروه على تلك الحال.

وقال الزجاج : الوجه فيه تعليم الخلق التأني في الأمور وأن لا يستعجل فيها ، فان الله تعالى كان قادرا على أن يخلق ذلك في لحظة ، لكن خلقها في هذه المدة لما قلناه.

وقال قوم : انما خلق ذلك في هذه المدة ، لتعتبر بذلك على أنها صادرة من قادر مختار عالم بالمصالح وبوجوه الأحكام ، إذ لو كان صادرا عن مطبوع أو موجب لحصلت في حالة واحدة.

فصل : قوله (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ) الآيات : ١١ ـ ١٥.

٢٤٣

قال السدي (١) : معناه ثم استوى أمره ولطفه الى السماء.

وقال غيره : معنى الاستواء الى السماء العمد والقصد اليها ، كأنه قال : ثم قصد اليها. وأصل الاستواء الاستقامة والقصد للتدبير المستقيم تسوية له.

وقوله (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) (٢) معناه : ثم استوى تدبيره بتقديم (٣) القادر عليه. وقيل : ان الاستواء بمعنى الاستيلاء كما قال الشاعر :

ثم استوى بشر على العراق

من غير سيف ودم مهراق

وقوله (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) يفيد أنه خلق السماء بعد خلق الأرض وخلق الأقوات فيها ، ولا ينافي ذلك قوله (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها) الى قوله (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) (٤) لان ذلك يفيد أن الأرض كانت مخلوقة غير مدحوة ، فلما خلق الله السماء دحى بعد ذلك الأرض فسطحها.

وقوله (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) انما قال (طائِعِينَ) ولم يقل طائعتين ، لأنه لما أسند اليهما ما يكون من العقلاء أخبر عنهما بالياء والنون.

وقال قطرب : لان المعنى أتينا بمن فينا من العقلاء فغلب حكم العقلاء.

فان قيل : قوله (خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) وخلق الجبال والأقوات في أربعة أيام ، وخلق السماوات في يومين يكون ثمانية أيام ، وذلك مناف لقوله (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ).

قلنا : لا تنافي بين ذلك ، لأنه خلق الأرض وخلق الجبال والأشجار والأقوات في تمام أربعة أيام منها اليومان المتقدمان ، كما يقول القائل : خرجت من البصرة

__________________

(١). في التبيان : الحسن.

(٢). سورة الاعراف : ٥٣ وغيرها.

(٣). في التبيان : بتقدير.

(٤). سورة النازعات : ٣٠.

٢٤٤

الى بغداد في عشرة أيام ، ثم الى الكوفة في خمسة عشر يوما ، أي : في تمام هذه المدة.

ويكون قوله (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ) تمام ستة أيام ، وهو الذي ذكره في قوله (فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) وزال الاشكال.

فصل : قوله (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ) الاية : ١٩.

أي : يستحثون (١) من التفرق ويحسبون ويكفون ، يقال : وزعت الرجل إذا منعته ومنه قول الحسن : لا بد للناس من وزعة وقوله (أَوْزِعْنِي) ألهمني ، وقول الشاعر :

وانى بها بإذا المعارج موزع

أي : مولع.

فصل : قوله (وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) الآيات : ٢١ ـ ٢٤.

النطق ادارة اللسان في الفم بالكلام ، ولذلك لا يوصف تعالى بأنه ناطق ، وان وصف بأنه متكلم. والفائدة في الاخبار عنهم بذلك التحذير من مثل حالهم فيما ينزل بهم من الفضيحة بشهادة جوارحهم عليهم بما كان من فواحشهم.

وقوله (فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ) معنى الاية : فان تصبروا على ما هم فيه فمقامهم في النار (وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا) أي : وان تطلبوا العتبى وهي الرضا.

(فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ) أي : ليسوا بمرضي عنهم ، لان السخط من الله تعالى بكفرهم قد لزمهم وزال التكليف عنهم ، فليس لهم طريق الى الاعتاب.

فصل : قوله (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) الاية : ٢٩.

__________________

(١). في التبيان : يمنعون.

٢٤٥

قيل : أراد به إبليس الابالسة ، وهو رأس الشياطين ، وابن آدم الذي قتل أخاه وهو قابيل ، روي ذلك عن علي عليه‌السلام لأنه أسس الفساد في ولد آدم.

وقيل : هم الدعاة الى الضلال من الجن والانس.

فصل : قوله (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) الاية : ٣٤.

أمر للنبي عليه‌السلام أن يدفع بالتي هي أحسن. وقيل : معنى الحسنة هاهنا المداراة والسيئة المراد بها الغلظة ، فأدب الله عباده بهذا الأدب.

ثم قال (فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) معناه دار القوم ولا تغلظ عليهم حتى كأن عدوك الذي يعاديك في الدين بصورة وليك من حسن عشرتك وبشرك إياه ، ويدعو ذلك عدوك الى أن يصير لك كالولي الحميم.

فصل : قوله (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا) الاية : ٤٠.

معناه : الذين يميلون عن الحق في أدلتنا ، يقال : ألحد يلحد إلحادا وقيل : لحد يلحد أيضا.

فصل : قوله (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ) الآيات ٤١ ـ ٤٤.

سمي القرآن ذكرا لأنه يذكر به وجوه الدلائل المؤدية الى الحق والمعاني التي يعمل عليها فيه. وأصل الذكر ضد السهو ، وهو حضور المعنى للنفس.

قوله (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) قيل : في معناه أقوال :

أحدها : أنه لا تعلق به الشبهة من طريق المشاكلة ، ولا الحقيقة من جهة المناقضة ، فهو الحق المخلص الذي لا يليق به الدنس.

الثاني : قال قتادة والسدي : لا يقدر الشيطان أن ينتقص منه حقا ولا يزيد فيه باطلا.

الثالث : أن معناه لا يأتي بشيء يوجب بطلانه مما وجد قبله ولا معه ولا مما

٢٤٦

يوجد بعده.

الرابع : قال الحسن : (١) معناه لا يأتيه الباطل من أول تنزيل ولا من آخره.

وقوله (وَلَوْ جَعَلْناهُ) يعني : الذكر الذي قدم ذكره (قُرْآناً أَعْجَمِيًّا) أي : مجموعا بلغة العجم ، يقال : رجل أعجمي إذا كان لا يفصح وان كان عربي النسب وعجمي إذا كان من ولد العجم وان كان فصيحا.

فصل : قوله (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) الاية : ٤٦.

انما قال (بِظَلَّامٍ) على وجه المبالغة في نفي الظلم عن نفسه مع أنه لا يفعل مثقال ذرة لامرين :

أحدهما : أنه لو فعل فاعل الظلم وهو غير محتاج اليه مع علمه بقبحه وبأنه غني عنه لكان ظلاما ، وما هو تعالى بهذه الصفة لأنه غني عالم.

الثاني : انه على طريق الجواب لمن زعم أنه يفعل ظلم العباد ، فقال : ما هو بهذه الصفة التي يتوهمها الجهال ، فيأخذ أحدا بذنب غيره ، والظلام [هو الفاعل] لما هو من أفحش الظلم ، والظالم من فعل الظلم وظالم صفة ذم.

فصل : قوله (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ) الاية : ٥١.

(إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ) يعني : إذا ناله مرض أو مصيبة في مال أو نفس (فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ) قال السدي : يدعو الله كثيرا عند ذلك.

وانما قال (فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ) ولم يقل طويل لأنه أبلغ ، لان العرض يدل على الطول ، ولا يدل الطول على العرض ، إذ قد يصح طويل ولا عرض له ، ولا يصح عريض ولا طول له ، لان العرض الانبساط في خلاف جهة الطول ، والطول الامتداد في أي جهة كان.

__________________

(١). في التبيان : ابن عباس.

٢٤٧

وفي الاية دلالة على بطلان قول المجبرة أنه ليس لله على الكافر نعمة ، لأنه أخبر تعالى عنه بأنه ينعم عليه وأنه يعرض عن موجبها من الشكر.

سورة الشورى

فصل : قوله (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) الاية : ٦.

معناه انك لم توكل بحفظ أعمالهم ، فلا يظن ظان هذا ، لأنه ظن فاسد ، وانما بعثك الله نذيرا لهم وداعيا الى الحق ومبينا لهم سبيل الرشاد.

وقيل : معناه انك لم توكل عليهم أن تمنعهم من الكفر بالله ، لأنه قد يكفر بما لا يتهيأ له منعه من كفره بقتله.

فصل : قوله (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) الاية : ١١.

قيل : في معناه ثلاثة أقوال :

أحدها : أن الكاف زائدة ، وتقديره : ليس مثل الله شيء من الموجودات ولا المعدومات ، كما قال أوس بن حجر :

وقتلي كمثل جذوع النخيل

يغشاهم سيل منهمر

وقال آخر :

سعد بن زيد إذا أبصرت فضلهم

ما ان كمثلهم في الناس من أحد

الثاني : قال الرماني : أنه أبلغ في نفي التشبيه إذا نفى مثله ، لأنه يوجب نفي الشبه على التحقيق والتقدير ، وذلك أنه لو قدر له مثل بأن يكون له مثل صفاته ، لبطل أن يكون له مثل ولا تفرد بتلك الصفات ، وبطل أن يكون مثلا له.

فيجب أن يكون من له مثل هذه الصفات على الحقيقة لا مثل له أصلا ، إذ لو كان له مثل لم يكن هو بصفاته ، وكان ذلك الشيء الاخر هو الذي له تلك الصفات ، لأنها لا تصح الا لواحد في الحقيقة ، وهذا لا يجوز أن يشبه تشبيه حقيقة

٢٤٨

ولا بلاغة ، فوجب التبعيد من الشبه لبطلان شبه الحقيقة.

الثالث : وجه كان المرتضى علي بن الحسين الموسوي رحمة الله عليه حار انا فيه فاتفق لي بالخاطر وجه قلته فاستحسنه واستجاده ، وهو أن لا تكون الكاف زائدة ، ويكون المعنى أنه نفى أن يكون لمثله مثل ، وإذا ثبت أنه لا مثل لمثله ، فلا مثل له أيضا ، لأنه لو كان له مثل لكان له أمثال ، لان الموجودات على ضربين :

أحدهما : لا مثل له كالقدرة ، فلا أمثال لها أيضا.

والثاني : له مثل كالسواد والبياض وأكثر الأجناس ، فله أمثال أيضا ، وليس في الموجودات ماله مثل واحد فحسب ، فعلم بذلك أن المراد أنه لا مثل له أصلا من حيث لا مثل لمثله.

فصل : قوله (حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ) الاية : ١٦.

حجتهم داحضة وهي شبهة ، وانما سماها حجة على اعتقادهم ، فلشبهها بالحجة أجرى عليها اسمها.

و (داحِضَةٌ) معناه : باطلة (عِنْدَ رَبِّهِمْ).

فصل : قوله (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) الاية : ٢٣.

اختلفوا في قوله (الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) فقال علي بن الحسين عليه‌السلام وسعيد ابن جبير وعمرو بن شعيب : معناه الا أن تؤدوا قرابتي ، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام.

وقوله (وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ) أي : يثبت الحق بأقواله التي ينزلها على أنبيائه.

فصل : قوله (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) الاية : ٣٠.

قال الحسن : ذلك خاص في الحدود التي تستحق على وجه العقوبة. وقال

٢٤٩

قتادة : هو عام.

وقال قوم : ذلك خاص وان كان مخرجه مخرج العموم ، لما يلحق من مصائب الأطفال والمجانين ومن لا ذنب له من المؤمنين.

وقال قوم : هو عام بمعنى أن ما يصيب المؤمنين والأطفال ، فإنما هو من شدة محبة تلحقهم وعقوبة للعاصين ، كما يهلك الأطفال والبهائم مع الكفار بعذاب الاستئصال ، لأنه قد يكون فيه استصلاح.

فصل : قوله (وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) الاية : ٣٩.

يعني : من بغى عليهم من غير أن يعتدوا فيها ، فيقتلوا غير القاتل ويجنوا على غير الجاني ، وفيه ترغيب في انكار المنكر.

فصل : قوله (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ. إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) الاية : ٤١ ـ ٤٢.

اخبار من الله سبحانه أن من انتصر لنفسه بعد أن كان ظلم وتعدي عليه ، فأخذ لنفسه بحقه فليس عليه سبيل.

قال قتادة : بعد ظلمه فيما يكون فيه القصاص بين الناس في النفس أو الأعضاء أو الجراح. فأما غير ذلك فلا يجوز أن يفعل لمن ظلمه.

وقال قوم : معناه أن له أن ينتصر على يد سلطان عادل ، بأن يحمله اليه ويطالبه بأخذ حقه ، لان السلطان هو الذي يقيم الحدود ويأخذ من الظالم للمظلوم.

ويمكن أن يستدل بذلك على أن من ظلمه غيره بأخذ ماله كان له إذا قدر أن يأخذ من ماله بقدره ولا اثم عليه ، والظالم هو الفاعل للظلم.

فصل : قوله (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً) الاية : ٥١.

يكون كلام الله لعباده على ثلاثة أقسام :

٢٥٠

أولها : أن يسمع منه كما يسمع من وراء حجاب ، كما خاطب الله به موسى عليه‌السلام.

الثاني : بوحي يأتي به الملك الى النبي من البشر كسائر الأنبياء.

الثالث : بتأدية الرسول الى المكلفين من الناس.

وقيل : في الحجاب ثلاثة أقوال :

أحدها حجاب عن ادراك الكلام لا المكلم وحده.

الثاني : حجاب لموضع الكلام.

الثالث : أنه بمنزلة ما يسمع من وراء حجاب.

(فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ) معناه : ان ذلك الرسول الذي هو الملك يوحي الى النبي من البشر بأمر الله ما يشاؤه الله (إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) معناه ان كلامه المسموع منه لا يكون بمخاطبه يظهر فيها المتكلم بالرؤية ، لأنه العلي عن الإدراك بالأبصار

سورة الزخرف

فصل : قوله (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) الاية : ٤.

يعني القرآن (فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا) يعني اللوح المحفوظ الذي كتب الله فيه ما يكون الى يوم القيامة لما فيه من مصلحة ملائكته بالنظر فيه وللخلق فيه من اللطف بالأخبار عنه ، وأم الكتاب أصله ، لان أصل كل شيء أمه.

فصل : قوله (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ. الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً) الاية : ٩ ـ ١٠.

(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ) يعني الكفار (مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) بأن أنشأها واخترعها لم يكن جوابهم في ذلك ، الا أن يقولوا (خَلَقَهُنَّ) يعني السماوات والأرض (الْعَزِيزُ) الذي لا يقهر (الْعَلِيمُ) بمصالح الخلق وهو الله تعالى ، لأنه

٢٥١

لا يمكنهم أن يحيلوا (١) في ذلك على الأجسام والأوثان لظهور فساد ذلك.

وليس في ذلك ما يدل على أنهم كانوا عالمين بالله ضرورة ، لأنه لا يمتنع أن يكونوا عالمين بذلك استدلالا وان دخلت عليهم شبهة في أنه يستحق العبادة سواه.

وقال الجبائي : لا يمتنع أن يقولوا ذلك تقليدا ، لأنهم لو علموه لعلموا أنه لا يجوز أن يعبد معه غيره ، وهو الذي يليق بمذهبنا في الموافاة.

فصل : قوله (أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ. وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ. أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ) الآيات : ١٦ ـ ١٨.

أخبر الله تعالى عن الكفار أنهم جعلوا له من عباده جزءا ، ثم فسر ذلك وهو أنهم قالوا : بل (اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ) وفي هذا القول حجة عليهم ، لأنه ليس يحكم من يختار لنفسه أدون المنزلتين ولغيره أعلاهما ، فلو كان على ما يقول المشركون من جواز اتخاذ الولد عليه لم يتخذ لنفسه البنات ويصفيهم بالبنين.

ثم قال (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً) يعني إذا ولد لواحد منهم بنت حسب ما أضافوها الى الله ، ونسبوها اليه على وجه المثل لذلك (ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا) أي : يتغير مما يلحقه من الغم بذلك حتى يسود وجهه ويريد (وَهُوَ كَظِيمٌ).

وفي هذا أيضا حجة عليهم ، لان من اسود وجهه لما يضاف اليه مما لا يرضى فهو أحق أن يسود وجهه بإضافته مثل ذلك الى من هو أجل منه ، فكيف الى ربه.

ثم قال تعالى على وجه الإنكار لقولهم (أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ) قال ابن عباس أو من ينشأ في الحلية المرأة ، وبه قال مجاهد والسدي.

__________________

(١). في التبيان : يحلفوا.

٢٥٢

ثم قال تعالى (وَجَعَلُوا) يعني هؤلاء الكفار (الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ) متذللون له خاضعون (إِناثاً) فقال لهم على وجه الإنكار (أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ) ثم قال (سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ) بذلك (وَيُسْئَلُونَ) عن صحتها.

وفائدة الاية أن من شهد بما لا يعلم ، فهو حقيق بأن يوبخ ويذم على ذلك وشهادته بما هو متكذب به على الملائكة أعظم من الفاحشة ، للاقدام على تنقصهم في الصفة وان كانوا في ذلك على جهالة.

ثم حكى عنهم أنهم قالوا (لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ) كما قالت المجبرة بأن الله تعالى أراد كفرهم ، ولو لم يشأ ذلك لما كفروا ، فقال الله لهم على وجه التكذيب (ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ) أي : ليس يعلمون صحة ما يقولونه وليس هم الا كاذبين.

ففي ذلك إبطال مذهب المجبرة في أن الله تعالى يريد القبيح من أفعال العباد لان الله تعالى قطع على كذبهم في أن الله يشأ عبادتهم للملائكة ، وذلك قبيح لا محالة ، وعند المجبرة فالله شاء له ، وقد نفاه تعالى عن نفسه وكذبهم في قولهم فيه.

فصل : قوله (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) الاية : ٣١.

حكى الله تعالى عن الكفار أنهم قالوا : لو كان القرآن حقا هلا نزل (عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ) يعني بالقريتين مكة والطائف.

ويعنون بالرجل العظيم من أحد القريتين في قول ابن عباس الوليد بن المغيرة المخزومي القرشي من أهل مكة ، أو حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي.

وقال مجاهد : يعني بالذي من أهل مكة عقبة بن أبي ربيعة ، والذي من أهل الطائف ابن عبد ياليل.

٢٥٣

وقال قتادة : الذي من أهل مكة يريدون الوليد بن المغيرة ، والذي من أهل الطائف عروة بن مسعود.

فصل : قوله (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) الاية : ٣٦.

يقال : عشى الى النار إذا تنورها فقصد لها ، وعشى عنها إذا أعرض عنها قاصدا لغيرها ، كقولهم مال اليه ومال عنه.

وقوله (نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً) قيل : في معناه ثلاثة أقوال :

أحدها : قال الحسن : نخل بينه وبين الشيطان الذي يغويه ويدعوه الى الضلالة ولا يمنعه منه.

وقيل : نجعل له شيطانا قرينا ، يقال : قيض له كذا وكذا أي سهل له ويسر.

الثالث : قال قتادة : نقيض له شيطانا في الاخرة يلزمه حتى يصير به الى النار فحينئذ يتمني البعد منه.

فصل : قوله (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) الاية : ٤٤.

قيل : في معناه قولان :

أحدهما : أن هذا القرآن شرف لك بما أعطاك الله عزوجل من الحكمة ولقومك بما عرضهم له من ادراك الحق به وانزاله على رجل منهم.

الثاني : أنه حجة يودي الى العلم لك ولكل أمتك. والاول أظهر.

وقوله (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا) قال قتادة والضحاك : يعني أهل الكتابين التوراة والإنجيل. وقال ابن زيد : يريد الأنبياء الذين جمعوا له ليلة الاسراء وهو الظاهر.

فصل : قوله (فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ) الآيات : ٥٥ ـ ٥٧.

قال ابن عباس ومجاهد والسدي وقتادة وابن زيد : معنى (آسَفُونا) أغضبونا

٢٥٤

لان الله تعالى يغضب على العصاة بمعنى يريد عقابهم ، ويرضى عن المطيعين بأن يريد ثوابهم بما يستحقونه من طاعاتهم ومعاصيهم.

وقوله (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ) المثل بيان عن أن حال الثاني كحال الاول بما قد صار في الشهرة كالعلم.

وقوله (يَصِدُّونَ) بكسر الصاد وضمها وقد قرئ بهما. وقيل : معنى «يصدون» بكسر الصاد يضجون ، أي : ضجوا سرورا منهم. ومن ضمها أراد يعرضون.

وقوله (ما ضَرَبُوهُ) يعني : المسيح مثلا (إِلَّا جَدَلاً) أي : خصومة ودفعا لك عن الحق ، لان المجادلة لا تكون الا وأحد المجادلين مبطلا. والمناظرة قد تكون بين المحقين ، لأنه قد يعارض ليظهر الحق.

ثم قال تعالى (بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ) أي : جدلون في دفع الحق بالباطل.

فصل : قوله (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها) الآيات : ٦١ ـ ٦٣.

الضمير في قوله (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) يحتمل أن يكون راجعا الى عيسى عليه‌السلام لان ظهوره يعلم به مجيء الساعة ، لأنه من أشراطها ، وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك والسدي وابن زيد.

وقيل : انه عليه‌السلام يعود غير مكلف في دولة المهدي عليه‌السلام ، وان كان التكليف باقيا على أهل ذلك الزمان.

وقوله (قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ) قال قوم : البعض هاهنا يراد به الكل ، كأنه قال : ولا بين لكم جميع ما تختلفون فيه. وقيل : أراد به من أمر دينكم دون أمر دنياكم.

والاختلاف أصل كل عداوة. والوفاق أصل كل ولاية ، لان الخلاف يوجب البغضة.

فصل : قوله (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ) الاية : ٧٠.

٢٥٥

(تُحْبَرُونَ) أي : تسرون فيها. والحبور السرور الذي يظهر في الوجه أثره ، وحبرته حسنته بما يظهر أثر السرور به.

وقال قتادة وابن زيد : معنى (تُحْبَرُونَ) تنعمون وقال السدي : معناه تكرمون.

فصل : قوله (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ. لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) الاية : ٧٤ ـ ٧٥.

أي : آيسون من رحمة الله وفرجه ، وهو قول قتادة.

والإبلاس اليأس من الرحمة مع شدة الحيرة ، يقال : أبلس فلان إذا تحير عند انقطاع الحجة.

فصل : قوله (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) الآيات : ٨١ ـ ٨٥.

قيل : في معنى قوله (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) أقوال :

أحدها : فأنا أول الانفين من عبادته ، لان من كان له ولد لا يكون الا جسما محدثا ، ومن كان كذلك لا يستحق العبادة ، لأنه لا يقدر على النعم التي يستحق بها العبادة ، تقول العرب : عبدت فصمت ، قال الفرزدق :

واعبد أن يهجى كليب بدارم

وقال آخر :

ألا هذيت أم الوليد وأصبحت

لما أبصرت في الرأس مني تعبد

الثاني : ما قاله ابن زيد بن أسلم وقتادة : ان «ان» بمعنى «ما» وتقديره : ما كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين لله.

الثالث : هو أنه لو كان له ولد لعبدته على ذاك ، كما تقول : لو دعت الحكمة الى عبادة غير الله لعبدته ، لكنها لا تدعو الى عبادة غيره ، وكما تقول : لو دل الدليل على أن له ولدا لقلت به لكنه لا يدل ، فهذا تحقيق نفي الولد ، لأنه تعليق محال بمحال.

٢٥٦

انما لم يجز على الله تعالى الولد ، لأنه لا يخلو أن يضاف اليه الولد حقيقة أو مجازا ، وحقيقة أن يكون مخلوقا من مائه أو مولودا على فراشه ، وذلك يستحيل عليه تعالى. ومجازه أن يضاف اليه على وجه التبني ، وانما يجوز ذلك في من يجوز عليه حقيقته ، ألا ترى أنه لا يقال : تبنى شاب شيخا لما لم يمكن أن يكون له ولدا له حقيقة ، وان جاز أن يضاف الى شيخ شاب أنه تبناه لما كانت حقيقته مقدرة فيه.

وانما جاز أن يقال : روح الله ، ولم يجز أن يقال : ولد الله ، لان روح الله بمعنى ملك الله للروح ، وانما أضيف اليه تشريفا ، وان كانت الأرواح كلها لله ، بمعنى أنه مالك لها ولا تعارف مثل ذلك في الولد.

ثم قال (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ) أي : تحق له العبادة في السماء وتحق له العبادة في الأرض. وانما كرر لفظ (إِلهٌ) في قوله (وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) لاحد أمرين :

أحدهما : للتأكيد ليتمكن المعنى في النفس لعظمه في باب الحق.

الثاني : أن المعنى هو في السماء اله يجب على الملائكة عبادته ، وفي الأرض اله يجب على الآدميين عبادته.

وقوله (تَبارَكَ) هو مأخوذ من الثبوت ، ومعناه جل الثابت الذي لم يزل ولا يزال. وقيل : معناه جل الذي عمت بركة ذكره.

سورة الدخان

فصل : قوله (رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) الاية : ٧.

يجوز أن يكون المراد ان كنتم موقنين ، أي : ان كنتم ممن يطلب اليقين فهذا طريقه ، واليقين ثلج الصدر بالعلم ، وهو حال يجده الإنسان من نفسه عند

٢٥٧

التفقد (١) ، ولهذا يقال : من وجد برد اليقين ، ولذلك لا يوصف الله تعالى باليقين ، وان وصف بأنه عالم وعليم.

فصل : قوله (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً) الآيات : ٢٤ ـ ٢٧.

أي : ساكنا على ما هو به من كثرته إذا قطعه ولا يرده الى ما كان ، ويقال : عيش راه إذا كان خفضا وادعا.

وقال قوم : معناه اترك البحر يبسا. وقيل : طريقا يابسا. وقال ابن الاعرابي معناه واسعا ما بين الطاقات.

وقوله (وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ) النعمة بفتح النون التنعم ، وبكسرها منفعة يستحق بها الشكر وان كانت مشقة ، لان التكليف نعمة وان كان فيه مشقة. والفاكهة المتمتع بضروب اللذة ، كما يتمتع الاكل بضروب الفاكهة.

سورة الجاثية

فصل : قوله (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) الآيات : ٧ ـ ١٠.

الويل قيل : انه واد سائل من صديد جهنم. وقيل : ان الويل كلمة يتلقى بها الكفار والفساق يتضمن استحقاقهم العقاب. والأفاك الكذاب ، ويطلق ذلك على من يكثر كذبه.

ثم قال (مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ) أي : من بين أيديهم ، يعني يوم القيامة جهنم معد لهم ، وانما قيل لما بين أيديهم.

(مِنْ وَرائِهِمْ) والوراء هو الخلف ، لأنه يكون في مستقبل أوقاتهم بعد تقضيهم ، فيصلح لهذه العلة فيه الوجهان.

فصل : قوله (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا

__________________

(١). في التبيان : التعقل.

٢٥٨

وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) الآيات : ٢١ ـ ٢٣.

الاجتراح الاكتساب ، اجترح السيئة اجتراحا أي اكتسبها من الجراح ، لان له تأثيرا كتأثير الجراح ، ومثله الافتراف ، وهو مشتق من قرف القرحة ، والسيئة هي التي يسوء صاحبها ، وهي الفعلة القبيحة.

قال الرماني : القبيح ما ليس للقادر عليه فعله ، والحسن هو ما للقادر عليه أن يفعله ، وكل فعل وقع لا لأمر من الأمور فهو لغو لا ينسب الى الحكمة ولا الى السفه.

ثم قال (أَفَرَأَيْتَ) يا محمد (مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) وانما سمى الهوى إلها من حيث أن العاصي يتبع هواه ، ويرتكب ما يدعوه اليه ، ولم يرد أنه يعبد هواه ، أو يعتقد أنه يحق له العبادة ، لان ذلك لا يعتقده أحد.

قال الحسن : معناه اتخذ إلهه بهواه ، لان الله تعالى يحب أن يعرف بحجة العقل لا بالهوى. وقال ابن عباس : معناه أفرأيت من اتخذ دينه ما يهواه ، لأنه يتخذه بغير هدى من الله ولا برهان.

وقوله (وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ) معناه حكم بضلاله عالما بعدوله عن الحق. ويحتمل أن يكون المعنى يعدل الله به عن طريق الجنة الى طريق النار جزاء على فعله عالما بأنه يستحق ذلك.

(وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ) وقد فسرناه فيما مضى ، ومعناه أنه يجعل عليهما علامة تدل على كفره وضلاله واستحقاقه للعقاب ، لا أنه يفعل فيهما ما يمنع من فعل الايمان والطاعات.

سورة الأحقاف

فصل : قوله (قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) الآيات : ٩ ـ ١٠.

٢٥٩

البدع الاول في الامر ، يقال : هو بدع من قوم أبداع ، قال عدي بن زيد :

فلا أنا بدع من حوادث تعتري

رجالا عرت من بعد موسى (١) وأسعد

وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة : معناه ما كنت بأول رسول بعث.

وقوله (ما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) قال الحسن : معناه لا أدري ما يأمرني الله تعالى فيكم من حرب أو سلم أو تعجيل عقابكم أو تأخيره.

وقوله (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) يحتمل أمرين :

أحدهما : أنهم لا يهديهم الى الجنة لاستحقاقهم العقاب.

والثاني : أنه لا يحكم بهداهم لكونهم ضلالا ظالمين ، ولا يجوز أن يكون المراد لا يهديهم الى طريق الحق لأنه تعالى هدى جميع المكلفين ، بأن نصب لهم الادلة على الحق ودعاهم الى اتباعه ورغبهم في فعله وقد قال (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) (٢) فبين أنه هداهم الى الحق ، وان اختاروا هم الضلال.

فصل : قوله (قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ) الاية : ١٥.

الإيزاع المنع من الانصراف عن الشيء ، فايزاع الشكر المنع من الانصراف عنه باللطف ، ومنه قولهم : يزع الله بالسلطان ما لا يزع بالقرآن ، قال النابغة : «والشيب وازع» أي : مانع.

وقيل : ايزاع الشكر الهام الشكر. وقيل : الإغراء بالشكر.

فصل : قوله (أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا) الاية : ١٦.

يعني : ما يستحق به الثواب من الواجبات والمندوبات ، لان المباحات وان كانت حسنة لا يستحق بها الثواب ولا توصف بأنها متقبلة ، لأنه لا يتقبل الا ما ذكرناه

__________________

(١). في التبيان : بؤس.

(٢). سورة فصلت : ١٧.

٢٦٠