المنتخب من تفسير القرآن - ج ٢

أبو عبدالله محمّد بن أحمد بن إدريس الحلّي

المنتخب من تفسير القرآن - ج ٢

المؤلف:

أبو عبدالله محمّد بن أحمد بن إدريس الحلّي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي الكبرى
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٦
الجزء ١ الجزء ٢

بالجان ، ولا يجوز أن تكون مثله على كل حال.

والثاني : أنه وصفها بالثعبان في عظمها ، وبالجان في سرعة حركتها ، فكأنها مع كبرها في صفة الجان بسرعة الحركة ، وذلك أبلغ في الاعجاز.

وثالثها : أنه أراد أنها صارت مثل الجان في أول حالها ، ثم تدرجت الى أن صارت مثل الثعبان ، وذلك أبلغ أيضا في الاعجاز.

ومعنى (وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ) بياضا نوريا ، كالشمس في إشراقها للناظرين اليها من غير برص.

وقوله (أَرْجِهْ وَأَخاهُ) أي : أخرهما ، فالارجاء التأخير تقول : أرجأت الامر أرجأته إرجاء ، وهم المرجئة لأنهم قالوا بتأخير حكم الفساق في لزوم العقاب.

فصل : قوله (وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ) الاية : ٦٤.

قال ابن عباس وقتادة : معناه قربنا الى البحر فرعون ، ومنه قوله (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ) (١) أي : قربت وأدنيت ، قال العجاج :

ناج طواه الأين مما وجفا

طي الليالي زلفا فزلفا

أي : منزلة تقرب من منزله ، ومنه قيل : ليلة المزدلفة.

وقال أبو عبيدة : معنى (أَزْلَفْنا) جمعنا ، وليلة مزدلفة ليلة جمع.

والاخر بفتح الخاء الباقي (٢) من قسمي أحد ، كقولك نجى الله أحدهما وغرق الاخر. وبكسر الخاء هو الثاني من قسمي الاول ، كقولك نجى الاول وهلك الاخر.

فصل : قوله (قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً) الاية : ٧١.

العبادة خضوع بالقلب في أعلى مراتب الخضوع ، ولا تستحق الا بأصول النعم ، وبما كان في أعلى المراتب من الإنسان.

__________________

(١). سورة الشعراء : ٩٠.

(٢). كذا وفي التبيان : الثاني.

١٦١

فصل : قوله (وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ. وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) الاية : ٨١ ـ ٨٢.

هذا انقطاع منه عليه‌السلام الى الله تعالى دون أن يكون له خطيئة يحتاج أن يغفر له يوم القيامة لان عندنا أن القبائح كلها لا تقع منهم عليهم‌السلام ، وعند المعتزلة الصغائر التي تقع ، منهم تقع محبطة ، فليس شيء منها ليس بمغفور يحتاج أن يغفر لهم يوم القيامة.

وقيل : ان الطمع هاهنا بمعنى العلم دون الرجاء.

قوله (وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ) الاية : ٨٦.

عند أصحابنا أن أباه الذي استغفر له كان جده لامه ، لان أبا النبي عليه‌السلام الى آدم كلهم مؤمنون بأدلة ليس هذا موضع ذكر الدلالة عليه.

فصل : قوله (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً) الاية : ١٢٨.

الريع الارتفاع من الأرض ، وجمعه أرياع وريعة ، قال ذو الرمة :

طراق الخزامي مشرف فوق ريعة

بذي ليلة في ريشه يترقرق

ومنه الريع في الطعام ، وهو ارتفاعه بالزيادة والنماء.

فصل : قوله (قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) الاية : ١١١.

حكى الله عن قوم نوح أنهم قالوا لنوح حين دعاهم الله : أنصدقك فيما تدعونا اليه وقد اتبعك الأرذلون. يعني السفلة وأوضاع الناس.

وقيل : انهم نسبوهم الى صناعات دنيئة ، كالحياكة والحجامة.

فصل : قوله (فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ) الاية : ١٤٧ ـ ١٤٨.

زروع هو جمع زرع ، وهو نبات الحب الذي يبذر في الأرض زرعه ، أي بذره في الأرض كما يزرع البذر.

فالبذر المبدد في الأرض على وجه مخصوص يسمى زرعا.

١٦٢

(وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ) فالهضيم اللطيف في جسمه ، ومنه هضيم الحشى أي : لطيفة الحشى ، ومنه هضمه حقه إذا نقصه.

فصل : قوله (وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ) الاية : ١٦٦.

الزوجة المرأة التي وقع عليها العقد بالنكاح الصحيح ، يقال : زوجة وزوج.

فصل : قوله (وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ) الاية : ١٨٢.

الوزن وضع الشيء بإزاء المعيار بما يظهر منزلته منه في ثقل المقدار ، اما بالزيادة أو النقصان أو التساوي.

والقسطاس العدل في التقويم على المقدار. وقال الحسن : القسطاس القبان. وقال غيره : الميزان.

فصل : قوله (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ) الاية : ١٩٣.

هو جبرئيل عليه‌السلام في قول ابن عباس والحسن وقتادة والضحاك وابن جريح ، ووصف بأنه روح من ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه تحيى به الأرواح بما ينزل من البركات.

الثاني : لان جسمه روحاني.

الثالث : أن الحياة أغلب عليه وكأنه روح كله.

فصل : قوله (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) الاية : ٢١٤.

قيل : انما خص في الذكر إنذار عشيرته الأقربين ، لأنه يبدأ بهم ثم الذين يلونهم ، كما قال تعالى (قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ) (١) لان ذلك هو الذي يقتضيه حسن الترتيب.

وقيل : ذكر عشيرته الأقربين أي عرفهم انك لا تغني عنهم من الله شيئا ان عصوه.

وقوله (الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) أي تصرفك في المصلين

__________________

(١). سورة التوبة : ١٢٤.

١٦٣

بالركوع والسجود والقيام والقعود ، في قول ابن عباس وقتادة ، وفي رواية أخرى عن ابن عباس أن معناه أنه أخرجك من نبي الى نبي حتى أخرجك نبيا.

وقال قوم من أصحابنا : أنه أراد تقلبه من آدم الى أبيه عبد الله في ظهور الموحدين لم يكن فيهم من سجد لغير الله.

فصل : قوله (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) الاية : ٢٢٤.

قيل : ان الشعراء المراد به القصاص الذين يكذبون في قصصهم ويقولون ما يخطر ببالهم.

وقوله (أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ) أي : هم لما يغلب عليهم من الهوى كالبهائم على وجهه في كل واد يعن له ، وليس هذا من صفة من عليه السكينة والوقار ، ومن هو موصوف بالحكم والعقل. والمعنى أنهم يخوضون في كل فن من الكلام والمعاني التي تعن لهم.

وقال ابن عباس وقتادة : في كل لغو يخوضون ويمدحون ويذمون بفنون (١) بالباطل.

وقال الجبائي : معناه يصغون الى ما يلقيه الشيطان اليهم على جهة الوسوسة.

وقيل : انما صار الأغلب على الشعراء الغي باتباع الهوى ، لان الذي يثبت الشعر في الأكثر العشق ، ولذلك يفتتح بالتشبيب ، مع أن الشاعر يمدح للصلة ويهجو على جهة الحمية ، فيدعوه ذلك الى الكذب ووصف الإنسان بما ليس فيه من الفضائل والرذائل.

سورة النمل

فصل : قوله (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ) الاية : ٤.

__________________

(١). في التبيان : يعنون.

١٦٤

قيل : في معناه قولان :

أحدهما ـ قال الحسن والجبائي : زينا لهم أعمالهم التي أمرناهم بها ، فهم يتحيرون بالذهاب عنها.

الثاني : زينا لهم أعمالهم بخلقنا فيهم شهوة القبيح الداعية لهم الى فعل المعاصي ليجتنبوا المشتهى ، فهم يعمهون عن هذا ، أي : يتحيرون بالذهاب عنها.

فصل : قوله (إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ) الاية : ٧.

انما قال لامرأته «لعلي (آتِيكُمْ)» لأنه أقامها مقام الجماعة في الانس بها والسكون اليها في الامكنة الموحشة.

فصل : قوله (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) الاية : ١٦.

أخبر الله تعالى أن سليمان ورث داود ، واختلفوا فيما ورث منه ، فقال أصحابنا : انه ورثه المال والعلم. وقال مخالفونا : انه ورثه العلم ، لقول النبي عليه‌السلام : نحن معاشر الأنبياء لا نورث.

وحقيقة الميراث هو انتقال تركة الماضي بموته الى الثاني من ذوي قرابته ، وحقيقة ذلك في الأعيان. فإذا قيل ذلك في العلم كان مجازا ، وقولهم «العلماء ورثة الأنبياء» مجاز لما قلناه ، والخبر المروي عن النبي عليه‌السلام خبر واحد لا يجوز أن يخص به عموم القرآن ولا نسخه به.

فصل : قوله (وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ. حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ) الاية : ١٧ ـ ١٨.

قال محمد بن كعب القرطي : كان عسكره مائة فرسخ ، خمسة وعشرون من الانس ، وخمسة وعشرون من الجن ، وخمسة وعشرون من الطيور ، وخمسة

١٦٥

وعشرون من الوحش.

وقوله (فَهُمْ يُوزَعُونَ) قال ابن عباس : يمنع أولهم على آخرهم.

قيل كانت معرفة النملة لسليمان على سبيل المعجزة الخارقة للعادة له عليه‌السلام على غيره ، لأنه لا يمتنع أن تعرف البهيمة هذا الضرب ، كما تعرف كثيرا مما فيه نفعها وضرها ، فمن معرفة النملة أنها تكسر الحبة بقطعتين لئلا تنبت ، الا الكربزة فإنها تكسرها بأربع قطع ، لأنها تنبت إذا كسرت بقطعتين ، فمن هداها هو الذي يهديها الى ما يحطمها.

فصل : قوله (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ) الاية : ٢٠.

قيل : كان سبب تفقده الهدهد أنه احتاج اليه في سيره ليدله على الماء ، لأنه يقال : انه يرى الماء في بطن الأرض كما نراه في القارورة ، ذكره ابن عباس.

وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك : تعذيب الهدهد نتف ريشه وطرحه في الشمس.

قال الجبائي : لم يكن الهدهد عارفا بالله ، وانما أخبر بذلك كما يخبر مراهقوا صبياننا ، لأنه لا تكليف الأعلى الملائكة والانس والجن.

وهذا الذي ذكره خلاف الظاهر ، لان الاحتجاج الذي حكاه عن الهدهد احتجاج عارف بالله ، وبما يجوز عليه وما لا يجوز ، لأنه قال (وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ).

ولا يجوز أن يفرق بين الحق في السجود لله وبين الباطل الذي هو السجود للشمس ، وأن أحدهما حسن والاخر قبيح ، الامن كان عارفا بما يجوز عليه وما لا يجوز وذلك ينافي حال الصبيان ، ثم نسب تزيين عملهم الى الشيطان ، وهذا قول من عرفه وعرف ما يجوز عليه في عدله ، وأن القبيح لا يجوز عليه.

١٦٦

ومعنى الخبء ما يخرجه من العدم الى الوجود ، فهو بهذه المنزلة ، فخبأ السماء الأمطار والرياح ، وخبأ الأرض النبات والأشجار.

فصل : قوله (اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ) الاية : ٢٨.

قيل : في الكلام تقديم وتأخير ، وتقديره : فألقه اليهم فانظر ما ذا يرجعون ، ثم تول عنهم. وهذا لا يحتاج اليه ، لان الكلام صحيح على ما هو عليه من الترتيب.

والمعنى : فألقه اليهم ثم تول عنهم قريبا فانظر ما ذا يرجعون ، على ما قال وهب بن منبه وغيره ، فإنهم قالوا : معنى (تَوَلَّ عَنْهُمْ) استتر منهم.

ومعنى «كتاب كريم» قيل : انه كان مختوما ، فلذلك وصفه بأنه كريم.

وقيل : أرادت بكريم أنه من كريم يطيعه الانس والجن والطير.

فصل : قوله (قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ) الاية : ٣٢.

أي : أشيروا علي. والفتيا هي الحكم بما هو صواب بدلا من الخطأ ، وهو الحكم بما يعمل عليه ، كما يسأل العامي العالم ليعمل على ما يجيبه به.

ثم حكى أنها قالت (إِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ) فأدبر الامر في ذلك لا نظر ما عند القوم فيما يلتمسون من خير أو شر.

وقيل : انها أرسلت بوصائف وغلمان على زي واحد ، فقالت : ان ميز بينهم ورد الهدية إباء الا المتابعة على دينه فهو نبي ، وان قبل الهدية فإنما هو من الملوك وعندنا ما يرضيه ، ذكره ابن عباس.

فصل : قوله (قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ. قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ. قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) الاية : ٣٨ ـ ٤٠.

١٦٧

معنى عفريت مارد قوي داهية.

وقوله (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ) أي : من مجلسك الذي تقضي فيه ، في قول قتادة.

(وَإِنِّي عَلَيْهِ) يعني : على الإتيان به في هذه المدة.

(لَقَوِيٌّ أَمِينٌ) وفي الاية دلالة على بطلان قول من يقول القدرة مع الفعل ، لأنه أخبر أنه قوي عليه ولم يجئ بعد بالعرش. وقال ابن عباس : أمين على فرج المرأة.

فقال عند ذلك (الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ) قال ابن عباس وقتادة : هو رجل من الانس كان عنده علم اسم الله الأعظم الذي إذا دعى به أجاب.

وقيل : هو «يا الهنا واله كل شيء يا ذا الجلال والإكرام».

وقال الجبائي : الذي عنده علم من الكتاب سليمان عليه‌السلام قال ذلك للعفريت ليريه نعمة الله عليه. والمشهور عند المفسرين الاول.

وقوله (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) قيل : في معناه قولان :

أحدهما : قال مجاهد : ان ذلك على وجه المبالغة في السرعة.

الثاني : قال قتادة معناه قبل أن يرجع اليك ما يراه طرفك.

وقيل : قبل أن يرجع اليك طرفك خاسئا إذا فتحتها وأدمت فتحها.

وقال قوم : يجوز أن يكون الله أعدمه ثم أوجده في الثاني بلا فصل بدعاء الذي عنده علم من الكتاب.

سورة القصص

فصل : قوله (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ. نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ) الاية : ٢ ـ ٣.

١٦٨

قيل : في معنى (الْمُبِينِ) قولان : أحدهما ـ قال قوم : المبين أنه من عند الله.

وقال قتادة : المبين عن الرشد من الغي ، وأضاف الآيات الى الكتاب وهي الكتاب كما قال (إِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ) (١).

والتلاوة الإتيان بالثاني بعد الاول في القراءة تلاه يتلوه تلاوة فهو تال لمقدم والمقدم والتالي مثل الاول والثاني.

والنبأ الخبر عما هو عظيم الشأن.

والحق هو ما يدعو اليه العقل ، ونقيضه الباطل وهو ما صرف عنه الحق.

ثم وعد تعالى وحكم بأنه يريد أن يمن على الذين استضعفوا في الأرض ، وهو عطف على قوله (يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً) ونحن نريد أن نمن.

وقال قتادة : يعني من بني إسرائيل (وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً) يقتدى بهم (وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ) لمن تقدمهم من قوم فرعون.

وروى قوم من أصحابنا أن الاية نزلت في شأن المهدي عليه‌السلام وأن الله يمن عليه بعد أن استضعف ، ويجعله اماما ممكنا ويورثه ما كان في أيدي الظلمة.

فصل : قوله (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى) الاية : ٧.

أي : ألهمناها وقذفنا في قلبها وليس بوحي نبوة (٢) ، في قول قتادة وغيره.

وقال الجبائي : كان الوحي رؤيا منام عبر عنه من يوثق به من علماء بني إسرائيل.

وقوله (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ) والالتقاط اصابة الشيء من غير طلب ، ومنه اللقطة

__________________

(١). سورة الحاقة : ٣١.

(٢). في التبيان : نوم.

١٦٩

قال الراجز :

ومنهل وردته التقاطا

لم ألق إذ وردته فراطا

وقوله (لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) اللام لام العاقبة ، لأنهم لم يلتقطوه لان يصير لهم عدوا وحزنا ، بل التقطوه ليكون قرة عين لهما ، ومثله قول الشاعر :

لدوا للموت وابنوا للخراب

ومثله قوله (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً) (١).

وقوله (وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً) قال ابن عباس وقتادة والضحاك : معناه فارغا من كل شيء الا من ذكر موسى.

وقيل : فارغا من الحزن لعلمها بأن ابنها ناج ، سكونا الى ما وعدها الله به.

وقوله (إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ) قال ابن عباس وقتادة والسدي : معناه ان كادت لتبدي بذكر موسى وتقول : يا ابناه. وقيل : ان كادت لتبدي بالوحي.

فصل : قوله (وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ) الاية : ١١.

معنى (قُصِّيهِ) أي : اتبعي أثره يقال : قصه يقصه قصا إذا اتبع أثره ، ومنه القصص لأنه حديث يتبع فيه الثاني للأول ، والاقتصاص اتباع الجاني في الأخذ بمثل جنايته.

وقوله (فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ) معنى (فَبَصُرَتْ بِهِ) أي : رأته عن بعد ، ومثله أبصرته عن جنابة ، قال الأعشى :

أتيت حريثا تائبا عن جنابة

فكان حريث عن عطائي جامدا (٢)

أي : عن بعد.

قوله (فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ) أي : دفع في صدره بجمع كفه ، ومثله

__________________

(١). سورة الاعراف : ١٧٨.

(٢). ديوان الأعشى ص ٤٣.

١٧٠

لكزه ولهزه (فَقَضى عَلَيْهِ) أي : مات.

فقال عند ذلك موسى (هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) أي : من اغوائه حتى زدت من الإيقاع به وان لم أقصد قتله.

وقيل : ان الكناية عن المقتول ، فكأنه قال : ان المقتول من عمل الشيطان أي عمله عمل الشيطان ، ثم وصف الشيطان بأنه عدو للبشر.

فصل : قوله (قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الاية : ١٦.

حكى الله تعالى عن موسى أنه حين قتل القبطي ندم على ذلك ، وقال : يا رب اني ظلمت نفسي بقتله وسأله أن يغفر له ، وعند أصحابنا أن قتله القبطي لم يكن قبيحا وكان الله قد أمره بقتله ، لكن الاولى تأخيره الى وقت آخر لضرب من المصلحة ، فلما قدم قتله كان ترك الاولى والأفضل ، فاستغفر من ذلك ، لا أنه فعل قبيحا.

وقوله (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي) على الوجه الاولى ، أي : بخست نفسي حقها بأن لم أفعل ما كنت أستحق به ثوابا زائدا ، وعلى المذهب الثاني من يقول بالموازنة يقول : لأنه نقص من ثوابه ، فكان بذلك ظالما نفسه.

فأما من قال : ان ذلك كان كبيرة منه وظلما فخارج عما نحن فيه ، لان أدلة العقل دلت على أن الأنبياء لا يجوز عليهم شيء من القبائح ، لا كبيرها ولا صغيرها.

قوله (فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ) أي : يطلب نصرته ، فقال له موسى (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) أي : عادل عن الرشد ظاهر الغواية ، ومعناه : انك لغوي في قتالك من لا تطيق رفع شره عنك من أصحاب فرعون خائب فيما تقدر.

فصل : قوله (فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى) الاية : ٣٨.

١٧١

الصرح البناء العالي كالقصر ، ومنه التصريح شدة ظهور المعنى ، قال الشاعر :

بهن نعام بناه الرجال

تحسب اعلامهن الصروحا

جمع صرح وهن القصور. قال قتادة : أول من طبخ الأجر وبنى به فرعون.

فصل : قوله (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ) الاية : ٤١.

أخبر الله تعالى أنه جعل فرعون وقومه أئمة يدعون الى النار ، قيل : في معناه قولان :

أحدهما : أنا عرفنا الناس أنهم كانوا كذلك ، كما يقال : جعله رجل سوء بتعريفه حاله.

والثاني : أنا حكمنا عليهم بذلك ، كما قال (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ) (١) وكما قال (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ) (٢) وانما أراد أنهم حكموا بذلك وسموه.

فصل : قوله (وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) الاية : ٥١.

يقول الله تعالى : أنا وصلنا لهؤلاء الكفار القول. وقيل : في معناه قولان :

أحدهما : قال ابن زيد : وصلنا لهم القول في الخبر عن أمر الدنيا والاخرة.

الثاني : قال الحسن : وصلنا لهم القول بما أهلكنا من القرون قرنا بعد قرن ، فأخبرناهم أنا أهلكنا قوم نوح بكذا وقوم هود بكذا وقوم صالح بكذا ، لعلهم يتذكرون ، فيخافوا أن ينزل بهم ما نزل بمن قبلهم. وأصل التوصيل من وصل الجبال.

ثم أخبر أن هؤلاء الذين وصفهم يعطيهم الله أجرهم ، يعني ثوابهم على ما

__________________

(١). سورة المائدة : ١٠٦.

(٢). سورة الانعام : ١٠٠.

١٧٢

صبروا في جنب الله مرتين : أحدهما لفعلهم الطاعة. والثاني : للصبر عليها لما يوجبه العقل من التمسك بها.

والصبر حبس النفس عما ينازع اليه مما لا يجوز أن يتخطئ اليه ، ولذلك مدح الله الصابرين. والصبر على الحق مر الا أن يؤدي الى الثواب الذي هو أحلى من الشهد.

فصل : قوله (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) الاية : ٥٦.

هذه الاية نزلت لان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يحرص على ايمان قومه ويوثر أن يؤمنوا كلهم ، ويجب أن ينقادوا له ويقروا بنبوته وخاصة أقاربه ، فقال الله تعالى له : انك لا تقدر على ذلك ، ولا في مقدورك ما تلطف لهم في الايمان ، بل ذلك في مقدور الله يفعله بمن يشاء إذا علم أنهم يهتدون عند شيء فعل بهم ، فلا ينفع حرصك على ذلك.

وروي عن ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة وغيرهم أنها نزلت في أبي طالب ، وعن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام أن أبا طالب مات مسلما ، وعليه اجماع الامامية لا يختلفون فيه ، ولها على ذلك أدلة قاطعة موجبة للعلم ليس هذا موضع ذكرها.

ثم قال حاكيا عن الكفار أنهم قالوا : ان نتبع محمدا وما يدعونا اليه ، ونقول انه هدى وموصل الى الحق «نتخطف من أرضنا» فقال الله لهم (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً).

وقيل : في وجه جعله الحرم آمنا وجهان : أحدهما ـ بما طبع النفوس عليه من السكون اليه وترك النفور مما ينفر عنه في غيره ، كالغزال مع الكلب والحمام مع الناس وغيرهم ، والوجه الاخر بما حكم به على العباد وأمرهم أن يؤمنوا من

١٧٣

يدخله ويلوذ به ولا يتعرضوا له.

وفائدة الاية انا جعلنا الحرم آمنا لحرمة البيت ، مع أنهم كفار يعبدون الأصنام حين آمنوا على نفوسهم وأموالهم فلو آمنوا لكان أحرى بأن يؤمنهم الله وأولى بأن يمكن من مراداتهم.

وقوله (أُمَّ الْقُرى) قيل : في معنى أمها قولان : أحدهما ـ مكة ، والاخر في معظم القرى.

وقوله (ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ) قيل : ان كلا هاهنا البعض ، لأنا نعلم أنه ليس يجبى كثير من الثمرات الى مكة.

وقال قوم : ظاهر ذلك يقتضي أنه يجبى اليه جميع الثمرات اما رطبا واما يابسا ولا مانع يمنع منه.

فصل : قوله (فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ) الاية : ٦٦.

معنى (فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ) أي : هم لانسداد طريق الاخبار عليهم لم يجيبوا عما سئلوا عنه ، ولا يسأل بعضهم بعضا عنه لانقطاعهم عن الحجة.

ولا ينافي قوله (فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ) قوله في موضع آخر (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) (١) لان يوم القيامة مواطن يختلف حالهم فيها ، فمرة يطبق عليهم الحيرة فلا يتساءلون ، ومرة يفيقون فيتساءلون.

فصل : قوله (إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) الاية : ٧٦.

حكاية عما قال قوم قارون لقارون حين خوفوه بالله ونهوه عن الفرح بما آتاه الله من المال وأمروه بالشكر عليه.

والفرح المرح الذي يخرج الى الأشر وهو البطر ، ولذلك قال تعالى (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) لأنه إذا أطلق صفة فرح ، فهو الخارج بالمرح الى البطر.

__________________

(١). سورة الصافات : ٢٧.

١٧٤

فأما قوله (فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) (١) فحسن جميل بهذا التقييد.

وقوله (وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) قال الفراء : تقديره لا يسأل المجرمون عن ذنوبهم ، فالهاء والميم للمجرمين ، كما قال (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ) (٢).

وقال الحسن : لا يسأل عن ذنوبهم المجرمون ليعلم ذلك من قبلهم وان سئلوا سؤال توبيخ وتقريع.

قوله (اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ) حكى الله ان الذين تمنوا مكانه بالأمس حين خرج عليهم على زينته لما رأوه خسف الله به أصبحوا يقولون (وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ) أي : يوسع رزقه على من يشاء ويضيق على من يشاء اعترفوا بذلك.

ومعنى «وي» التنبيه على أمر من الأمور ، وهي حرف مفصول من كأن ، في قول الخليل وسيبويه واختيار الكسائي.

وقيل : (وَيْكَأَنَّهُ) بمنزلة ألا كأنه ، وأما كأنه.

وقيل : هي ويك بأن الله كأنه قال تنبيهك بهذا الا أنه حذف ، قال عنترة :

ولقد شفى نفسي وابدا (٣) سقمها

قتل الفوارس ويك عنتر أقدم (٤)

ثم قال تعالى (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ) يعني الجنة (نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ) وانما قبح طلب العلو في الأرض ، لأنه ركون اليها وترك طلب العلو في الاخرة ومعاملة لها بخلاف ما أراده الله بها من أن تكون دار ارتحال لا دار مقام فيها.

__________________

(١). سورة آل عمران : ١٧٠.

(٢). سورة الرحمن : ٣٩.

(٣). في التبيان : وأذهب.

(٤). ديوان عنترة ص ٣٠.

١٧٥

سورة العنكبوت

فصل : قوله (الم. أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) الاية : ١ ـ ٢.

الحسبان والظن واحد ، ومثله التوهم والتخيل (وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) أي : لا يظنون أنهم لا يختبرون إذا قالوا آمنا.

والمعنى أنهم يعاملون معاملة المختبر لتظهر الافعال التي يستحق عليها الجزاء.

وقال مجاهد : معنى (يُفْتَنُونَ) يبتلون في أنفسهم وأموالهم.

وقيل : معنى (يُفْتَنُونَ) يصابون بشدائد الدنيا ، أي : ان ذلك لا يجب أن يرفع في الدنيا لقولهم آمنا.

فصل : قوله (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) الاية : ٧.

معنى ذلك أنهم إذا اعترفوا بما جاء به من عند الله (لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) التي اقترفوها قبل ذلك.

ومن قال بالإحباط تبطل السيئة بالحسنة التي هي أكبر منها حتى يصير بمنزلة ما لم يعمل ، كما قال (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) (١) والإحباط هو إبطال الحسنة بالسيئة التي هي أكبر منها.

فصل : قوله (وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ) الاية : ١٣.

معناه : انهم يسألون سؤال تعنيف وتوبيخ وتبكيت وتقريع ، لا سؤال استعلام كسؤال التعجيز في الجدل ، كقولك للوثني : ما الدليل على جواز عبادة الأوثان؟ وكما قال تعالى (هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٢).

الطوفان الماء الكثير الغامر ، لأنه يطوف بكثرته في نواحي الأرض.

__________________

(١). سورة هود : ١١٥.

(٢). سورة البقرة : ١١١.

١٧٦

فصل : قوله (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي) الاية : ٢٦.

حكى الله أنه صدق به لوط عليه‌السلام وآمن به ، وكان ابن أخته وابراهيم خاله ، وهو قول ابن عباس وابن زيد والضحاك وجميع المفسرين.

(وَقالَ) لوط (إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي) ومعناه : اني خارج من جملة الظالمين على جهة الهجر لهم لقبيح أفعالهم الى حيث أمرني ربي.

ومن هذا هجرة المسلمين من مكة الى المدينة والى أرض الحبشة ، لأنهم هجروا ديارهم وأوطانهم لاذى المشركين لهم بأن يخرجوا عنها.

وقيل : هاجر ابراهيم ولوط من كوثى ، وهي من سواد الكوفة الى أرض الشام.

قوله (وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا) قال ابن عباس : الأجر في الدنيا الثناء الحسن والولد الصالح.

وقال الجبائي : هو ما أمر الله به المكلفين من تعظيم الأنبياء.

قال البلخي : وذلك يدل على أنه يجوز أن يثيب الله في دار التكليف ببعض الثواب.

قوله (وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) قال ابن عباس : كانوا يضرطون في مجالسهم.

وقال السدي : كانوا يحذفون من مر بهم.

وقال مجاهد : كانوا يأتون الرجال في مجالسهم.

وقال الكلبي : منها الصفير ومضغ العلك والرمي بالبندق وحل أزرار القباء والقميص ، وهي ثمانية عشرة خصلة.

فصل : قوله (وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى) الاية : ٣١.

البشرى البيان والخبر بما يظهر سروره في بشرة الوجه.

وقيل : الاخبار بما يظهر سروره ، أو غمه في البشرة بشرى ، ويقوى ذلك قوله

١٧٧

(فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (١) غير أنه غلب عليه البشارة بما يسر به.

فصل : قوله (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ) الاية : ٣٨.

في الاية دلالة على بطلان قول المجبرة الذين ينسبون ذلك الى الله ، ثم أخبر أن الشيطان صدهم ومنعهم عن طريق الحق.

(فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ) اليه لاتباعهم دعاء الشيطان وعدو لهم عن الطريق الواضح.

(وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) أي : وكانوا عقلاء يمكنهم تمييز الحق من الباطل.

ثم أخبر أنه لم يظلمهم بما فعل معهم (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) بجحودهم نعم الله واتخاذهم مع الله آلهة وطغيانهم وافسادهم في الأرض ، وذلك يدل على بطلان قول المجبرة الذين قالوا : ان الظلم من فعل الله ، لأنه لو كان من فعله لما كانوا هم الظالمين لنفوسهم ، بل كان الظالم لهم من فعل فيهم الظلم.

فصل : قوله (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ) الاية : ٤١.

شبه الله تعالى حال من اتخذ من دونه أولياء ينصرونه عند الحاجة في الوهن والضعف بحال العنكبوت التي تتخذ بيتا لتأوي اليه ، فكما أن بيت العنكبوت في غاية الوهن والضعف ، فكذلك حال من اتخذ من دون الله أولياء.

والمثل قول سائر يشبه فيه حال الثاني بالأول.

قوله (وَأَقِمِ الصَّلاةَ) بحدودها «ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر» يعني في فعلها لطف للمكلف في فعل الواجب والامتناع عن القبيح ، فهي بمنزلة الناهي بالقول إذا قال : لا تفعل الفحشاء ولا المنكر ، وذلك لان فيها التكبير والتسبيح والقراءة وصنوف العبادة ، وكل ذلك يدعو الى شكله ويصرف عن ضده ، كالامر والنهي بالقول.

__________________

(١). سورة آل عمران : ٢١ ، وغيرها.

١٧٨

وقوله (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) معناه : ولذكر الله إياكم برحمته أكبر من ذكركم إياه بطاعته.

وقيل : معناه ذكر العبد لربه أفضل من جميع عمله ، وهو قول قتادة وابن زيد.

فصل : قوله (وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ) الاية : ٤٨.

معناه : وما كنت أيضا تخط بيمينك ، وفيه اختصار وتقديره : ولو كنت تتلو الكتاب وتخطه باليمين (إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ). وقال المفسرون : انه لم يكن النبي عليه‌السلام يحسن الكتابة.

والاية لا تدل على ذلك ، بل فيها أنه لم يكن يكتب الكتاب وقد لا يكتب الكتاب من يحسنه ، كما لا يكتب من لا يحسنه. وليس ذلك بنهي ، لأنه لو كان نهيا لكان الأجود أن يكون مفتوحا ، وان جاز الضم على وجه الاتباع لضمة الخاء كما تقول : رده ورده بالفتح والضم.

ثم بين تعالى أنه انما لم يكتب ، لأنه لو كتب لشك المبطلون في القرآن وقالوا : هو قراء الكتب أو هو يصنفه ويضم شيئا الى شيء في حال بعد حال ، فإذا لم يحسن الكتابة لم يسبق اليه الظن ، ثم قال (بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ).

فصل : قوله (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ) الاية : ٥١.

الكفاية بلوغ حد ينافي الحاجة ، يقال : كفى يكفي كفاية فهو كاف.

وقيل : ان الاية نزلت في قوم كتبوا شيئا من كتب أهل الكتاب شبه الخرافات فقال الله تعالى (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ) القرآن ، تهديدا لهم ومنعا من التعرض لغيره.

والشاهد والشهيد واحد ، وفيه مبالغة ، والشهادة هي الخبر بالشيء عن مشاهدة تقوم به الحجة في حكم من أحكام الشرع ، ولذلك لم يكن خبر من لا تقوم به حجة في الزنا شهادة وكانوا قذفه.

فصل : قوله (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ) الاية : ٦٤.

١٧٩

أي : الحياة على الحقيقة ، لكونها دائمة باقية لو كانوا يعلمون صحة ما أخبرناك به. وقال أبو عبيدة : الحيوان والحياة واحد.

سورة الروم

فصل : قوله (الم. غُلِبَتِ الرُّومُ. فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) الاية : ١ ـ ٣.

السبب في ذلك معروف ، وهو أن الروم لما غلبهم فارس فرح مشركوا قريش بذلك ، من حيث أن أهل فارس لم يكونوا أهل كتاب وساء ذلك المسلمين فأخبر الله تعالى أن الروم وان غلبهم فارس ، فان الروم ستغلب فيما بعد فارس.

«في بضع سنين» أي : فيما بين ثلاث الى عشر ، والبضع القطعة من العدد ما بين الثلاث الى العشر ، اشتقاقه من بضعته إذا قطعته تبضيعا ، ومنه البضاعة القطعة من المال تدور في التجارة.

وقال المبرد : البضع ما بين العقدين في جميع الاعداد.

ثم أخبر تعالى بأن لله الامر من قبل ومن بعد ، تقديره : من قبل غلبهم ومن بعد غلبهم ، فكان كما أخبر ، وكان ذلك معجزة ظاهرة باهرة للنبي عليه‌السلام.

وروي أن سبب ذلك أن الروم لما غلبتها فارس فرح المشركون بذلك وقالوا : أهل فارس لا كتاب لهم غلبوا أهل الروم وهم أهل كتاب ، فنحن لا كتاب لنا نغلب محمدا الذي معه كتاب ، فأنزل الله تعالى هذه الآيات تسلية للنبي والمؤمنين ، وأن الروم وان غلبها فارس ، فإنها ستغلب فارس فيما بعد.

فصل : قوله (وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ. يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ) الاية : ٦ ـ ٧.

معنى (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) صحة ما أخبرنا به لجهلهم بالله وتفريطهم

١٨٠