المنتخب من تفسير القرآن - ج ١

أبو عبدالله محمّد بن أحمد بن إدريس الحلّي

المنتخب من تفسير القرآن - ج ١

المؤلف:

أبو عبدالله محمّد بن أحمد بن إدريس الحلّي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي الكبرى
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٦
الجزء ١ الجزء ٢

مسجد المدينة.

فصل : قوله (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ) الاية : ١١١.

حقيقة الاشتراء لا تجوز على الله تعالى ، لان المشتري انما يشتري ما لا يملك والله تعالى مالك للأشياء كلها ، وانما هو كقوله (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) (١) أنه أجرى بحسن المعاملة والتلفظ في الدعاء الى الطاعة مجرى ما لا يملكه المعامل فيه.

ولما كان الله تعالى رغب في الجهاد وقتال الاعداء وضمن على ذلك الثواب عبر عن ذلك بالاشتراء ، فجعل الثواب ثمنا والطاعات مثمنا على ضرب من المجاز.

فصل : قوله (السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ) الاية : ١١٢.

السائحون الصائمون. وقال المؤرج : السائحون الصائمون بلغة هذيل. والاول قول قتادة.

وروي عن النبي عليه‌السلام أنه قال : سياحة أمتي الصوم. وهو قول ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن جبير والحسن ومجاهد.

فصل : قوله (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ) الاية : ١١٤.

بين الوجه في استغفار ابراهيم لأبيه مع أنه كان كافرا ، سواء كان أباه الذي ولده أوجده لامه أو عمه على ما يقوله أصحابنا.

قيل : في معنى الموعدة التي كانت عليه في حسن الاستغفار قولان :

أحدهما : أن الموعدة كانت من أبي ابراهيم لإبراهيم أنه يؤمن ان استغفر له فاستغفر له لذلك وطلب له الغفران بشرط أن يؤمن ، فلما تبين بعد ذلك أنه عدو لله تبرأ منه.

والثاني : أن الوعد كان من ابراهيم بالاستغفار ما دام يطمع منه بالايمان.

فصل : قوله (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ)

__________________

(١). سورة البقرة : ٢٤٥.

٣٨١

الاية : ١١٨.

فان قيل : ما معنى التوبة عليهم واللائمة لهم وهم قد خلفوا ، فهلا عذروا.

قيل : ليس المعنى أنهم أمروا بالتخلف ، أو رضي منهم به ، بل كقولك لصاحبك : أين خلفت فلانا؟ فيقول : بموضع كذا. ليس يريد أنه أمره بالتخلف هناك ، بل لعله أن يكون نهاه ، وانما يريد أنه تخلف هناك.

فصل : قوله (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ) الاية : ١٢٢.

التفقه : تعلم الفقه. والفقه فهم موجبات المعنى المتضمنة بها من غير تصريح بالدلالة. وصار بالعرف مختصا بمعرفة الحلال والحرام وما طريقه الشرع.

واستدل جماعة بهذه الاية على وجوب العمل بخبر الواحد ، بأن قالوا : حث الله تعالى الطائفة على النفور والتفقه حتى إذا رجعوا الى غيرهم أنذروهم ليحذروا فلولا أنه يجب عليهم القبول منهم لما وجب عليهم الانذار والتخويف.

والطائفة تقع على جماعة لا يقع بخبرهم العلم ، بل تقع على واحد ، لان المفسرين قالوا في قوله (وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) أنه يكفي أن يحضر واحد.

وهذا الذي ذكروه ليس بصحيح ، لان الذي يقتضيه ظاهر الاية وجوب النفور على الطائفة من كل فرقة ووجوب التفقه والانذار إذا رجعوا.

ويحتمل أن يكون المراد بالطائفة الجماعة التي يوجب خبرهم العلم ، ولو سلمنا أنه يتناول الواحد أو جماعة قليلة ، فلم إذا وجب عليهم الانذار وجب على من يسمع القبول؟ والله تعالى انما أوجب على المنذرين الحذر ، والحذر ليس من القبول في شيء ، بل الحذر يقتضي وجوب البحث عن ذلك حتى تعرف صحته من فساده بالرجوع الى الادلة.

٣٨٢

ألا ترى أن الخاطر (١) إذا ورد على المكلف وخوفه من ترك النظر ، فانه يجب عليه النظر ، ولا يجب عليه القبول منه قبل أن يعلم صحته من فساده.

وكذلك إذا ادعى مدع النبوة وان معه شرعا وجب عليه أن ينظر في معجزته ولا يجب عليه القبول منه.

فصل : قوله (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً) الاية : ١٢٤.

قال الجبائي : يقوله المنافقون لضعفة المؤمنين على وجه الاستهزاء ، فأخبر الله تعالى أنه متى نزلت سورة من القرآن قال المنافقون على وجه الاستهزاء والإنكار : «أيكم زادته هذه ايمانا».

ثم قال تعالى (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً) بمعنى ازدادوا عندها ايمانا ، وانما أضافه الى السورة لان عندها ازدادوا.

ووجه زيادة الايمان أنهم يصدقون بأنها من عند الله ويعترفون بذلك ويعتقدونه وذلك زيادة اعتقاد على ما كانوا معتقدين.

فصل : قوله (ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) الاية : ١٢٧.

(صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) يعني : من رحمته عقوبة لهم (بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) مواعظ الله ولا أمره ونهيه.

والفقه فهم موجب المعنى المضمن به ، وقد صار علما على علم الفتيا في الشريعة لان معتمده على المعنى ، وكان القوم عقلاء يفقهون الأشياء.

وانما نفى عنهم الله ذلك لأنهم لم ينظروا فيه ولم يعملوا بموجبه ، فكأنهم لم يفقهوه ، كما قال (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) (٢) لما لم ينتفعوا بما سمعوه ورأوه.

__________________

(١). في التبيان : المنذر.

(٢). سورة البقرة : ١٨.

٣٨٣

سورة يونس

فصل : قوله (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ) الاية : ٥.

انما وحد في قوله (وَقَدَّرَهُ) ولم يقل وقدرهما لاحد أمرين :

أحدهما : أنه أراد القمر ، لان بالقمر يحصى شهور الاهلة التي يعمل الناس عليها في معاملاتهم.

والاخر : أن معناه التثنية ، غير أنه وحده للإيجاز اكتفاءا بالمعلوم ، كقوله (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) (١).

فصل : قوله (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) الاية : ٣.

قيل : في الوجه الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام بلا زيادة ولا نقصان مع قدرته على انشائهما دفعة واحدة قولان :

أحدهما : أن في إظهارهما كذلك مصلحة للملائكة وعبرة لهم.

__________________

(١). سورة التوبة : ٦٣.

٣٨٤

والثاني : لما فيه من الاعتبار إذا أخبر عنه فتصورت (١) الحال ، كما صرف الله الإنسان من حال الى حال ، لان ذلك أبعد من توهم الاتفاق فيه.

وقوله (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) معناه : استولى عليه بإنشاء التدبير من جهته كما يستوي الملك على سرير ملكه بالاستيلاء على تدبيره ، قال الشاعر :

ثم استوى بشر على العراق

بغير سيف ودم مهراق

وقيل : ان العرش المذكور هاهنا هو السموات والأرض ، لأنهن من بنائه والعرش والبناء ، ومنه قوله «يعرشون» أي : يبنون. وأما العرش المعظم الذي تعبد الله الملائكة بالحفوف به والإعظام له وعناه بقوله (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ) (٢) فهو غير هذا.

فصل : قوله (إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) الاية : ٦.

الليل عبارة عن وقت غروب الشمس الى طلوع الفجر الثاني ، وهو جمع ليلة كتمرة وتمر. والنهار عبارة عن اتساع الضياء من طلوع الفجر الثاني الى غروب الشمس.

والنهار واليوم معناهما واحد ، الا أن في النهار فائدة اتساع الضياء.

فصل : قوله (يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ) الاية : ٩.

معنى «تجري من تحتهم الأنهار» تجري بين أيديهم وهم يرونها من على ، كما قال تعالى (قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا) (٣) ومعلوم أنه لم يحصل السري تحتها وهي قاعدة عليه ، لان السرى هو الجدول ، وانما أراد أنه جعل بين يديها.

__________________

(١). في التبيان : بتصرف.

(٢). سورة غافر : ٧.

(٣). سورة مريم : ٢٣.

٣٨٥

ومعنى الهدى هنا الإرشاد الى طريق الجنة ثوابا على أعمالهم الصالحة. ألا ترى أنه قال (يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ) يعني جزاء على أيمانهم ، وذلك لا يليق الا بما قلناه.

فصل : قوله (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ) الاية : ١١.

الفرق بين التعجيل والاسراع أن التعجيل بالشيء عمله قبل وقته الذي هو أولى به. والاسراع عمله في وقته الذي هو أحق به.

فصل : (قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ) الاية : ١٥.

ومن استدل بهذه الاية على أن نسخ القرآن بالسنة لا يجوز فقد أبعد ، لأنه إذا نسخ ما تضمنه القرآن بالسنة ، فالسنة لا يقولها النبي الا بوحي من الله ، وليس ينسخه من قبل نفسه ، بل يكون ذلك النسخ مضافا الى الله.

وانما لا يكون قرانا لأنه تعالى قد يوحي الى نبيه ما هو قرآن وما ليس بقرآن لان جميع ما بينه النبي عليه‌السلام من الشريعة لم يبينها الا بوحي من الله ، لقوله (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) (١) وان كان تفصيل ذلك ليس بموجود في القرآن فالاستدلال بذلك على ما قالوه بعيد.

فصل : قوله (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) الاية : ٢٢.

تسيره إياهم : اما في البحر فلانه بالريح ، والله المحرك لها دون غيره ، فلذلك نسبه الى نفسه واما في البر ، فلانه كان (٢) باقداره وتمكينه وتسبيبه ، فلذلك نسبه الى نفسه.

والبحر مستقر الماء الواسع حتى يرى من وسطه حافتاه.

__________________

(١). سورة النجم : ٣ ـ ٤.

(٢). في التبيان : كائن.

٣٨٦

فصل : قوله (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) الاية : ٣١.

والرزق العطاء الجاري ، يقال : رزق السلطان الجند ، الا أن كل رزق فالله رازق له ، لأنه لو لم يطلقه على يد الإنسان لم يجئ منه شيء.

والواحد منا يرزق غيره ، الا أنه لا يطلق اسم رازق الا على الله ، كما لا يقال رب بالإطلاق الا في الله وفي غيره بقيد ، فيقال : رب الدار ويطلق فيه ، لأنه يملك الجميع غير مملك ، وكذلك هو تعالى رازق الجميع غير مرزوق.

ولا يجوز أن يخلق الله حيوانا يريد تبقيته الا ويرزقه ، لأنه إذا أراد بقاءه فلا بد له من الغذاء ، فان لم يرد تبقيته كالذي يولد ميتا ، فانه لا رزق له في الدنيا.

فصل : قوله (كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا) الاية : ٣٣.

قال أبو علي : من قرأ على التوحيد احتمل ذلك وجهين :

أحدهما : أن يكون جعل ما أوعد به الفاسقين كلمة وان كانت في الحقيقة كلمات لأنهم قد يسمون القصيدة والخطبة كلمة ، فكذلك ما ذكرناه.

والثاني : أن يريد بذلك الجنس وقد وقع على بعض الجنس ، كما أوقع اسم الجنس على بعضه في قوله (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ) (١) ومن جمع فانه جعل الكلم التي توعد بها كل واحدة منها كلمة ثم جمع فقال كلمات.

فصل : قوله (وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) الاية : ٣٦.

الظن حقيقته ما قوى كون المظنون عند الظان على ما ظنه مع تجويز أن يكون على غيره ، فإذا كان معه تجويز كون المظنون على خلاف ما ظنه ، فلا يكون مثل العلم.

وقد يكون للظن حكم إذا قام على ذلك دليل اما عقلي أو سمعي ، ويكون صادرا عن أمارات معروفة بالعادة أو الخبر ، أو رده الى نظيره عند من قال بالقياس

__________________

(١). سورة الصافات : ١٣٧.

٣٨٧

وكل ذلك إذا اقترن به دليل يوجب العمل به.

وكل موضع يمكن أن يقوم عليه دليل ويعلم صحته من فساده ، فلا يجوز أن يعمل فيه على الظن ، لأنه بمنزلة من ترك العلم وعمل على ظن غيره.

وقوله (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) معناه : أنه لا يقوم مقام العلم مع وجوده أو إمكان وجوده.

وانما تعبد الله في الشرع في مواضع بالرجوع الى الظن مع أنه كان يمكنه أن ينصب عليه دليلا يوجب العلم ، لما في ذلك من المصلحة.

فصل : قوله (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ) الاية : ٤٠.

انما جاز أن يقول «أعلم» وان لم يكن هناك كثرة علوم لاحد أمرين :

أحدهما : أن الذات تغني عن كل علم.

والثاني : أنه يراد به كثرة المعلوم.

فصل : قوله (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً) الاية : ٤٤.

وفي الاية دلالة على أنه لا يفعل الظلم ، لان فاعل الظلم ظالم ، كما أن فاعل الكسب كاسب ، وليس لهم أن يقولوا : يفعل الظلم ولا يكون ظالما به ، كما يفعل العلم ولا يكون به عالما.

وذلك أن معنى قولنا «ظالم» أنه فعل الظلم ، كقولنا ضارب أنه يفيد أنه فعل الضرب ، ولذلك يكون ظالما بما يفعله من الظلم في غيره. ولا يكون عالما بما يفعل في غيره من العلم ، وليس كذلك الظلم ، فبان الفرق بينهما.

فصل : قوله (أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) الاية : ٥٥.

السماوات سقف الأرض وهي طبقات ، كما قال (سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً) (١) وجمعت السماوات ووحدت الأرض في جميع القرآن ، لان طبقاتها السبع خفية

__________________

(١). سورة نوح : ١٥.

٣٨٨

عن الحس ، وليس كذلك الأرض (١).

فصل : قوله (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ) الاية : ٥٧.

الموعظة : ما يدعو الى الصلاح ويزجر عن القبيح ، لما يتضمنه من الرغبة والرهبة ، ويدعو الى الخشوع والنسك ويصرف عن الفسوق والإثم ، ويريد بذلك القرآن وما أتى به النبي عليه‌السلام من الشريعة.

والشفاء معنى كالدواء لازالة الداء ، فداء الجهل أضر من داء البدن ، وعلاجه أعسر وأطباؤه أقل والشفاء منه أجل.

فصل : قوله (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) الاية : ٥٨.

فان قيل : كيف جاء الامر للمؤمنين بالفرح؟ وقد ذم الله ذلك في مواضع من القرآن ، كقوله (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) (٢) وقال (إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ) (٣) وغير ذلك.

قيل : أكثر ما جاء مقترنا بالذم من ذلك ما كان مطلقا ، فإذا قيد لم يكن ذما ، كقوله (يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ) (٤) وفي الاية مقيد بقوله «فبذلك» فأما قوله (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهِ) (٥) فانه مقيد ، ومع ذلك فهو مذموم ، لكنه مقيد بما يقتضي الذم ، كما جاء مقيدا بما لا يقتضي الذم ، فمطلقه يقتضي الذم ومقيده بحسب ما يقيد به ، فان قيد بما يقتضي الذم أفاد الذم ، وان قيد بما يقتضي المدح أفاد المدح.

__________________

(١). في التبيان : السماوات.

(٢). سورة القصص : ٧٦.

(٣). سورة هود : ١٠.

(٤). سورة آل عمران : ١٧٠.

(٥). سورة التوبة : ٨٢.

٣٨٩

فصل : قوله (فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً) الاية : ٥٩.

الرزق منسوب كله الى الله ، لأنه لا سبيل للعبد اليه الا باطلاقه بفعله له ، أو اذنه فيه اما عقلا أو سمعا ، ولا يكون الشيء رزقا بمجرد التمكين ، لأنه لو كان كذلك لكان الحرام رزقا ، لان الله مكن منه.

قال الرماني : التحريم عقد بمعنى النهي عن الفعل والتحليل حل معنى النهي بالاذن.

فصل : قوله (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) الاية : ٦٢.

على ما نذهب اليه من أنه يجوز أن يعاقب الله بعض المساق ثم يردهم الى الثواب ينبغي أن نقول : الاية مخصوصة بمن لا يستحق العقاب أصلا. أو نقول : المراد بذلك لا خوف عليهم بعقاب الأبد ولا هم يحزنون لذلك.

فصل : قوله (لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) الاية : ٦٤.

قيل : في ذلك ثلاثة أقوال :

أحدها : قال قتادة والزهري والضحاك والجبائي : هو بشارة الملائكة عليهم‌السلام المؤمنين عند موتهم بما لهم عند الله من الفوز.

الثاني : ما روي في الخبر عن النبي عليه‌السلام انها الرؤيا الصادقة الصالحة يراها الرجل أو ترى له.

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : البشرى في الدنيا الرؤيا الصالحة يراها المؤمن ، أو ترى له وفي الاخرة الجنة.

فصل : قوله (قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ) الاية : ٦٨.

لا يجوز اتخاذ الولد على الله على وجه التبني ، كما لا يجوز عليه اتخاذ آلة على التعظيم ، لأنه لما استحال حقيقته عليه استحال مجازه المبني عليه.

وحقيقة الولد من ولد على فراشه ، أو خلق من مائه ، ولذلك لا يقال : تبنى الشاب

٣٩٠

شيخا ، ولا تبنى الإنسان بهيمة لما كان ذلك مستحيلا ، وهذه الحقيقة مستحيلة فيه تعالى ، فاستحال مجازها أيضا.

واتخاذ الخليل جائز ، لان الخلة اصفاء المودة التي يوجب الاطلاع على سره ثقة به ، وان كان مشتقا من الخلة بفتح الخاء ، فهو لافتقاره اليه ، لان الخلة هي الحاجة.

ويجوز أن يقال : المسيح روح الله ، لان الأرواح كلها ملك لله ، وانما خص المسيح بالذكر تشريفا له بهذا الذكر ، كما خص الكعبة بأنها بيت الله وان كانت الأرض كلها لله تعالى.

فصل : قوله (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ) الاية : ٧٤.

معناه : انا جعلنا على قلوب هؤلاء الكفار سمة وعلامة على كفرهم ، يلزمهم الذم بها ، وتعرفهم بها الملائكة ، وانا مثل ذلك نفعل بقلوب المعتدين.

وليس المراد بالطبع في الاية المنع من الايمان ، لان مع المنع من الايمان لا يحسن تكليف الايمان. والطبع جعل الشيء على صفة غيره بمعنى فيه.

فصل : قوله (وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ) الاية : ٨٨.

هذه لام العاقبة ، وهي ما يؤول اليه الامر ، كقوله (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) (١).

ويحتمل أن يكون المعنى : لئلا يضلوا عن سبيلك ، فحذفت «لا» كقوله (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما) (٢) أي : لئلا تضل.

__________________

(١). سورة القصص : ٨

(٢). سورة البقرة : ٢٨٢.

٣٩١

فصل : قوله (قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما) الاية : ٨٩.

انما قال «أجيبت دعوتكما» والداعي موسى ، لان دعاء موسى كان مع تأمين هارون على ما قاله الربيع وابن زيد وعكرمة ومحمد بن كعب وأبو العالية. والمؤمن داع لان معنى التأمين اللهم أجب هذا الدعاء.

فصل : قوله (حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ) الاية : ٩٠.

اخبار منه تعالى أن فرعون حين لحقه الغرق والهلاك قال ما حكاه الله ، وكان ذلك ايمان الجاء لا يستحق به الثواب ، كما لا يستحق بالايمان الضروري.

فصل : قوله (وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ) الاية : ٩٣.

التبوء توطئة المنزل الذي يأوي اليه.

فصل : قوله (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ) الاية : ٩٤.

قال البلخي : ذلك راجع الى قوله (فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) فأمره بأن يسألهم هل الامر على ذلك ، فإنهم لا يمتنعون من الاخبار به ، ولم يأمره بأن يسألهم هل هو محق فيه أم لا؟ ولا أن ما أنزله عليه صدق أم لا.

ووجه آخر وهو أنه انما أمره بأن يسألهم ان كان شاكا ولم يكن شاكا ، فلا يجب عليه مسألتهم. وهذا معنى ما روي عنه عليه‌السلام أنه قال : ما شككت ولا أسأل (١).

فصل : قوله (فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) الاية : ٩٨.

فان قيل : كشفنا عنهم العذاب يدل على نزول العذاب بهم ، فكيف ينفع مع

__________________

(١). في التبيان : أنا شاك.

٣٩٢

ذلك الايمان؟ وهل ذلك إلا ضد قوله (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) (١)؟

قلنا : ليس يجب أن يكون العذاب نزل بهم ، بل لا يمتنع أن يكون ظهرت لهم دلائله وان لم يروا العذاب ، كما أن العليل المدنف قد يستدرك التوبة ، فيقبل الله توبته قبل أن يتحقق الموت ، فإذا تحققه لم يقبل بعد ذلك توبته.

فصل : قوله (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) الاية : ١٠٠.

معناه : أنه لا يمكن أحدا أن يؤمن الا بإطلاق الله له في الايمان وتمكينه منه ودعائه اليه بما خلق فيه من العقل الموجب لذلك. وقال الحسن وأبو علي الجبائي : اذنه هنا أمره. وقيل : معناه وما كان لنفس أن يؤمن الا بعلم الله.

وأصل الاذن الإطلاق في الفعل. وأما الاقدار على الفعل فلا يسمى اذنا فيه ، لان النهي ينافي الإطلاق.

فصل : قوله (أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً) الاية : ١٠٥.

قيل : في معنى الحنيف قولان : أحدهما ـ الاستقامة. وقيل للمائل القدم أحنف تفاؤلا.

الثاني : الميل. وقيل : الحنف في الدين ، لأنه ميل الى الحق.

__________________

(١). سورة غافر : ٨٥.

٣٩٣

سورة هود

فصل : قوله (الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ) الاية : ١.

قيل : في معناه ثلاثة أقوال :

أحدها : قال الحسن : أحكمت بالأمر والنهي ، وفصلت بالثواب والعقاب.

الثاني : قال قتادة : أحكمت آياته من الباطل ، ثم فصلت بالحلال والحرام.

وقال الجبائي : في الاية دلالة على أن كلام الله محدث ، لأنه وصفه بأنه أحكمت آياته ، والأحكام من صفات الافعال. ولا يجوز أن يكون أحكامه غيره ، لأنه لو كان أحكامه غيره لكان قبل أن يحكمه غير محكم ، ولو كان كذلك كان باطلا ، لان الكلام متى لم يكن محكما وجب أن يكون باطلا فاسدا.

وهذا باطل.

فصل : قوله (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ) الاية : ٥.

قيل : في معناه ثلاثة أقوال : أحدها ـ قال الفراء والزجاج : يثنونها على عداوة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وقال الحسن : يثنونها على ما هم عليه من الكفر.

وقال الجبائي : يثني الكافر صدره على سبيل الانحاء في خطابه لكافر مثله ممن

٣٩٤

يختصه لئلا يعرف الله ما أضمره.

فصل : قوله (كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ) الاية : ٦.

يعني : اللوح المحفوظ ، وانما أثبت تعالى ذلك مع أنه عالم لا يعزب عنه شيء ، لما فيه من اللطف للملائكة ، أو يكون فيه لطف لمن يخبر بذلك.

فصل : قوله (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) الاية : ٧.

انما خلقهما في هذا المقدار من الزمان مع قدرته أن يخلقهما في أقل من لمح البصر ، ليتبين بذلك أن الأمور جارية في التدبير على منهاج ، ولما علم في ذلك من مصالح الخلق من جهة اقتضاء تنشئتها (١) على ترتيب يدل على أنها كانت عن تدبير عالم بها قبل فعلها مثل سائر الافعال المحكمة.

قال الجبائي : في الاية دلالة على أنه كان قبل خلق السماوات والأرض الملائكة قال : لان خلق العرش على الماء لا وجه لحسنه الا أن يكون فيه لطف لمكلف ، أو يمكنه الاستدلال به ، فلا بد اذن من حي مكلف.

والأقوى أنه يقال : انه لا يمتنع أن يتقدم خلق الله لذلك إذا كان في الاخبار بتقدمه مصلحة للمكلفين ، وهو الذي اختاره الرماني.

وكان علي بن الحسين الموسوي المعروف بالمرتضى رحمة الله عليه ينصره.

وظاهر الاية يقتضي أن العرش الذي تعبد الله الملائكة بحمله كان مخلوقا قبل السماوات والأرض ، وهو قول جميع المفسرين.

فصل : قوله (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً) الاية : ٩.

الإنسان حيوان على الصورة الانسانية ، لا الصورة الانسانية بانفرادها ، قد تكون للتمثال ولا يكون إنسانا ، فإذا اجتمعت الحيوانية والصورة لشيء فهو انسان.

وقال الرماني : وكل ما لا حياة فيه ، فليس من الإنسان كالشعر والظفر وغيرهما.

__________________

(١). في التبيان : أن ينشأها.

٣٩٥

فصل : قوله (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) الاية : ١٧.

اختلفوا في معناه على أقوال :

أحدها : شاهد من الله محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله روي ذلك عن الحسين بن علي عليهما‌السلام وذهب اليه ابن زيد ، واختاره الجبائي.

الثاني : قال ابن عباس ومجاهد وابراهيم والفراء والزجاج : جبرئيل يتلو القرآن على النبي عليه‌السلام.

الثالث : شاهد منه لسانه.

الرابع : روي عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين عليهم‌السلام أنه علي بن أبي طالب. ورواه الرماني ، وذكره الطبري بإسناده عن جابر بن عبد الله عن علي عليه‌السلام.

فصل : قوله (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً) الاية : ١٩.

فالعوج العدول عن طريق الصواب في الدين عوج بالكسر ، وفي العود عوج بالفتح ، فرقوا بين ما يرى وما لا يرى ، فجعلوا السهل للسهل والصعب للصعب بالفتح والكسر.

فصل : قوله (وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ) الاية : ٢٠.

معناه : أنه كان يثقل عليهم سماع الحق ورؤيته ، كما يقال : فلان لا يستطيع النظر الى فلان.

وحقيقة الاستطاعة القوة التي تنطاع بها الجارحة للفعل ، ولذلك لا يقال في الله : انه مستطيع ، وليس المراد بنفي الاستطاعة في الاية نفي القدرة بل ما ذكرناه لأنه لو لم يكن فيهم قدرة لما حسن تكليفهم.

فصل : قوله (لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) الاية : ٢٢.

معناه : لا بد أنهم ، أولا محالة أنهم.

٣٩٦

وقيل : معناه حقا أنهم ، وأصل الجرم القطع ، فكأنه قال : لا قطع عن أنهم في الاخرة هم الأخسرون.

وقوله «لا جرم فعل وتقديره : لا قطع قاطع عن ذا الا أنه كثر حتى صار كالمثل.

فصل : قوله (فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ) الاية : ٢٧.

قال أبو علي الفارسي : حدثنا محمد بن السري أن اللحياني قال يقال : أنت بادي الرأي تريد ظلمنا ، لا يهمز بادي ، وبادىء الرأي مهموز ، فمن لم يهمز أراد أنت فيما بدا في الرأي ، أى : أنت ظاهر الرأي. ومن همز أراد أنت أول الرأي ومبتدؤه ، وهما في القرآن.

وقال أبو علي : من قال بادي الرأي بلا همز جعله من بدو الشيء إذا ظهر وما اتبعك الا الأرذال فيما ظهر لهم من الرأي ، أي : لم يفعلوه بنظر فيه ولا تبين لهم. ومن همز أراد اتبعوك في أول الامر من غير فكر فيه وروية.

فصل : قوله (وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ) الاية : ٢٩.

معناه : لست أطرد المؤمنين من عندي ولا أبعدهم على وجه الاهانة.

وقيل : انهم كانوا سألوه طردهم ليؤمنوا له أنفة من أن يكونوا معهم على سواء ذكره ابن جريح والزجاج.

وقوله (وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ) معناه : أراكم تجهلون أنهم خير منكم لايمانهم بربهم وكفركم به. وقال قوم : انهم قالوا له : ان هؤلاء اتبعوك طمعا في المال على الظاهر دون الباطن ، فقال لهم نوح : انهم ملاقوا جزاء أعمالهم فيجازيهم على ما يعلم من بواطنهم وليس لي الا الظاهر ، فأحملهم على ظاهر الايمان

٣٩٧

وأنتم تجهلون ذلك.

فصل : قوله (وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ) الاية : ٣١.

الغيب : ذهاب الشيء عن الإدراك ، ومنه الشاهد خلاف الغائب ، وإذا قيل : علم غيب ، كان معناه علم من غير تعليم ، وهو جمع الغيب ، وعلى هذا لا يعلم الغيب الا الله تعالى.

فصل : قوله (وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ) الاية : ٣٤.

يحتمل ذلك أمرين : أحدهما ـ ان كان الله يريد أن يخيبكم من رحمته بأن يحرمكم ثوابه ويعاقبكم لكفركم به ولا ينفعكم نصحي ، يقال : غوى يغوي غيا ، ومنه قوله (فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) (١) أي : خيبة وعذابا ، وقال الشاعر :

ومن يلق خيرا يحمد الناس أمره

ومن يغو لا يعدم على الغي لائما

ومنه قوله (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) (٢) أي : خاب من الثواب الذي كان يحصل له بتركه.

فصل : قوله (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا) الاية : ٣٧.

الصناعة : الحرفة التي يتكسب بها.

وقوله «بأعيننا» معناه : بحيث نراها فكأنها يرى بأعين على طريق المبالغة. والمعنى بحفظنا إياك حفظ من يراك ، وقيل : معناه بعلمنا.

فصل : قوله (حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ) الاية : ٤٠.

قيل : في معنى التنور أقوال : أحدها ـ منها أن الماء إذا فار من تنور الخابزة وقيل : التنور عين معروفة. وقيل : ان التنور وجه الأرض.

__________________

(١). سورة مريم : ٥٩.

(٢). سورة طه : ١٢١.

٣٩٨

فصل : قوله (سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ) الاية : ٤٣.

العصمة المنع من الآفة. والمعصوم في الدين الممنوع باللطف من فعل القبيح لا على وجه الحيلولة.

فان قيل : كيف دعا نوح ابنه الى الركوب معه في السفينة مع أن الله نهاه أن يركب فيها كافر؟

قلنا : عنه جوابان : أحدهما ـ أنه دعاه بشرط أن يؤمن. الثاني : قال الحسن والجبائي : انه كان ينافق بإظهار الايمان.

فان قيل : هلا كان ما صار اليه ابن نوح من تلك الحال الهائلة إلجاء.

قلنا : لا يكون الإلجاء الا بأحد شيئين :

أحدهما : أن يخلق الله فيه العلم بأنه متى رام خلافه منع منه.

الثاني : تتوفر الدواعي من ترغيب وترهيب ، ولم يحصل له واحد من الامرين لأنه جوز أن يكون من عجائب الزمان.

ومعنى «لا عاصم» أي : لا معصوم ، مثل دافق بمعنى مدفوق.

تم التعليق من الجزء الخامس من التبيان.

الى هنا تم استنساخ الجزء الاول من الكتاب تحقيقا وتصحيحا وتعليقا عليه في اليوم الاول من ذي القعدة الحرام سنة ألف وأربعمائة وثمان هجرية على يد العبد السيد مهدي الرجائي في مشهد مولانا ومولى الكونين الامام علي بن موسى الرضا عليه آلاف التحية والثناء.

٣٩٩

فهرس الكتاب

ترجمة المؤلف..................................................................... ٤

قوله تعالى (آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا)............................................. ١٩

معنى الاسباط.................................................................. ١٩

معنى الشقاق................................................................... ٢٠

قوله تعالى (صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً)................................. ٢١

معنى كتمان الشهادة............................................................ ٢٢

قوله تعالى (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ)....................... ٢٣

قوله تعالى (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ)........................... ٢٤

الوجوه الاربعة في قوله تعالى (إِلَّا لِنَعْلَمَ)......................................... ٢٥

قوله تعالى (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ)........................................ ٢٦

قوله تعالى (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ)................................... ٢٧

كيفية صلاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الى بيت المقدس........................................... ٢٨

(وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ)...................................... ٢٩

(وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ).......................... ٣٠

٤٠٠