المنتخب من تفسير القرآن - ج ١

أبو عبدالله محمّد بن أحمد بن إدريس الحلّي

المنتخب من تفسير القرآن - ج ١

المؤلف:

أبو عبدالله محمّد بن أحمد بن إدريس الحلّي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي الكبرى
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٦
الجزء ١ الجزء ٢

تميز أهل الحق مع قلة عددهم من المشركين مع كثرة عددهم بنصر الله المؤمنين.

وقيل : كان يوم السابع عشر من شهر رمضان.

وقيل : التاسع عشر سنة اثنتين من الهجرة ، وهو المروي عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

فصل : قوله (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى) الاية : ٤٢.

العدوة شفير الوادي ، ومنه قولهم عدوتا الوادي وهما شفيراه وجانباه. والدنيا بمعنى الأدنى الى المدينة.

والقصوى بمعنى الأقصى منها.

وقوله (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) معناه : ليهلك من هلك عن قيام حجة عليه بما رأى من المعجزات الباهرات للنبي عليه‌السلام في حروبه وغيرها.

(وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) يعني : ليستبصر من استبصر عن قيام حجة ، فجعل الله المتبع للحق بمنزلة الحي ، وجعل الضال بمنزلة الهالك.

فصل : قوله (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) الاية : ٤٦.

معناه : كالمثل ، أي : ان لكم ريحا تنصرون بها ، يقال : ذهب ريح فلان أي كان يجري في أمره على السعادة بريح تحمله اليها ، فلما ذهبت وقف أمره فهذه بلاغة حسنة.

وقيل : المعنى ريح النصرة التي يبعثها الله مع من ينصره على من يخذله في قول قتادة وابن زيد.

وقيل : يذهب دولتكم في قولهم ذهب ريحه أي ذهبت دولته ، في قول أبي عبيدة وأبي علي.

٣٦١

قوله (فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ) يحتمل معنيين :

أحدهما : إذا أسرتهم فنكل بهم تنكيلا يشرد غيرهم من ناقضي العهد خوفا منك ، وهو قول الحسن وقتادة وسعيد بن جبير والسدي.

فصل : قوله (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ) الاية : ٥٨.

ان قيل : كيف جاز نبذ العهد ونقضه بالخوف من الخيانة؟

قيل : انما فعل ذلك لظهور أمارات الخيانة التي دلت على نقض العهد ولم تشتهر ، ولو اشتهرت لم يجب النبذ ، كما حارب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أهل مكة لما نقضوا العهد بقتل خزاعة وهم في ذمة النبي عليه‌السلام.

فلما فعلوا ذلك فعلا ظاهرا مشهورا أغنى ذلك عن نبذ العهد اليهم ، ولو نقضوه على خفى لم يكن بد من النبذ اليهم لئلا ينسب الى نقض العهد والغدر.

فصل : قوله (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ) الاية : ٦٠.

الاعداد اتخاذ الشيء لغيره. والاستطاعة معنى تنطاع بها الجوارح للفعل مع انتفاء المنع.

وقوله «من قوة» أي : مما تقوون به على عدوكم. وقيل : معناه ومن الرمي.

وقوله (وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ) فالرباط شد أيسر من العقد ، ربطه يربطه ربطا ورباطا ، وارتبطه ارتباطا ورابطة ومرابطة.

فصل : قوله (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها) الاية : ٦١.

السلم بفتح السين واللام على ثلاثة أوجه ، تقول : أخذت الأسير سلما ، أي : على الاستسلام.

والسلم السلف على السلامة. والسلم شجر واحده سلمة تقول له بالسلامة.

وقوله «وان جنحوا للسلم» معناه : ان مالوا الى المسالمة تقول : جنح يجنح جنوحا ، وجنحت السفينة إذا مالت ، ولا جناح عليه في كذا ، أي : لا ميل الى مأثم.

٣٦٢

فان قيل : إذا جاز الهدنة مع الكفار ، فهلا جازت المكافة في أمر الامامة حتى يجوز تسليمها الى من لا يستحقها؟

قلنا : تسليم الامامة الى من لا يستحقها فساد في الدين ، كفساد تسليم النبوة الى مثله.

فصل : قوله (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا) الاية : ٦٧.

العرض : متاع الدنيا ، وسماها عرضا لقلة لبثه ، لأنه بمعنى العرض في اللغة.

فصل : قوله (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً) الاية : ٦٩.

الاكل : تناول الطعام بالفم مع المضغ والبلع ، فمتى فعل الصائم هذا فقد أكل في الحقيقة.

والفرق بين الحلال والمباح : أن الحلال من حل العقد في التحريم ، والمباح من التوسعة في الفعل ، وان اجتمعا في الحل والطيب المستلذ.

فصل : قوله (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى) الاية : ٧٠.

يعني : من حصل في وثاقة وسماه في يده ، لأنه بمنزلة ما قبض على يده بالاستيلاء عليه ، ولذلك يقال في الملك المتنازع فيه : لمن اليد؟

فصل : قوله (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ) الاية : ٧٢.

الهجرة : فراق الوطن الى غيره من البلاد فرارا من المفتنين في الدين ، لأنهم هجروا دار الكفر الى دار الإسلام.

والجهاد : تحمل المشاق في قتال أعداء الدين والإيواء ضم الإنسان صاحبه اليه بانزاله عنده وتقويته له.

واختلفوا في هل تصح الهجرة في هذا الزمان أو لا؟

فقال قوم : لا تصح ، لان النبي عليه‌السلام قال : لا هجرة بعد الفتح ، ولان الهجرة الانتقال من دار الكفر الى دار الإسلام على هجر الأوطان ، وليس يقع مثل هذا في

٣٦٣

هذا الزمان لاتساع بلاد الإسلام ، الا أن يكون نادرا لا يعتد به.

وقال الحسين : بقيت هجرة الاعراب الى الأمصار الى يوم القيامة.

والأقوى أن يكون حكم الهجرة باقيا ، لان من أسلم في دار الحرب ثم هاجر الى دار الإسلام كان مهاجرا.

فصل : قوله (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) الاية : ٧٥.

قيل : في معنى «كتاب الله» قولان :

أحدهما : في كتاب الله من اللوح المحفوظ ، كما قال (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ) (١).

والثاني : قال الزجاج : يعني في حكم الله.

ومعنى «أولوا» ذووا وواحده ذو ، ولا واحد له من لفظه.

وفي الاية دلالة على أن من كان قرباه أقرب الى الميت كان أولى بالميراث سواء كان عصبة أو لم يكن ، أو له تسمية أو لم يكن ، لأنه مع كونه أقرب تبطل التسمية.

ومن وافقنا في توريث ذوي الأرحام يستثني العصبة وذوي السهام.

__________________

(١). سورة الحديد : ٢٢.

٣٦٤

سورة براءة

فصل : قوله (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) الاية : ١.

قيل : في علة ترك افتتاح هذه السورة ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) قولان :

أحدهما : ما روي عن أبي بن كعب أنه قال : ضمت هذه السورة الى الانفال بالمقاربة ، فكانت كسورة واحدة ، لان الاولى في ذكر العهود ، والاخرى في رفع العهود. وقال عثمان : لاشتباه قضيتهما.

الثاني : قال المبرد : لان (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) أمان وبراءة نزلت برفع الامان. ومعنى البراءة انقطاع العصمة برى براءة.

فصل : قوله (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) الاية : ٢.

ومعنى الأشهر الحرم المحرم وحده ، وانما جمعه لأنه متصل بذي الحجة وذي القعدة ، فكأنه قال : فإذا انقضت الثلاثة أشهر. وقال أبو عبد الله : أول الاربعة الأشهر يوم النحر وآخرها العاشر من شهر ربيع الاخر ، وهو قول محمد بن كعب القرطي ومجاهد.

وقرأ براءة على الناس يوم النحر بمكة علي بن أبي طالب عليه‌السلام لان أبا بكر كان على الموسم في تلك السنة ، فأتبعه النبي عليه‌السلام بعلي ، وقال : لا يبلغ عني الأرجل

٣٦٥

مني ، في قول الحسن وقتادة ومجاهد والجبائي.

وروى أصحابنا أن النبي عليه‌السلام كان ولاه أيضا الموسم ، وأنه حين أخذ براءة من أبي بكر رجع أبو بكر فقال : يا رسول الله أنزل في قرآن؟ فقال : لا ولكن لا يؤدي عني الا أنا أو رجل مني.

فصل : قوله (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ) الاية : ٥.

قيل : في الأشهر الحرم قولان :

أحدهما : رجب وذو القعدة وذو الحجة.

والثاني : الأشهر الاربعة التي جعل الله لهم أن يسيحوا فيها آمنين ، وهي عشرون من ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الاول وعشر من شهر ربيع الاخر ، في قول الحسن والسدي وغيرهما.

فصل : قوله (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) الاية : ٧.

المسجد الموضع المهيئ لصلاة الجماعة ، والمراد هاهنا مسجد مكة خاصة وأصله موضع السجود ، كالمجلس موضع الجلوس.

والحرم المحظور بعض أحواله ، فالخمر حرام لحظر شربها وسائر أنواع التصرف فيها. والام حرام لحظر نكاحها ، والمسجد الحرام لحظر صيده وسفك الدم به وابتذاله بما يبتذل به غيره.

فصل : قوله (فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ) الاية : ١١.

التوبة هي الندم على القبيح لقبحه مع العزم على ترك العود الى مثله في القبح.

وفي الناس من قال الى مثله في صفته ، فمن قال ذلك قال : توبة المجبوب من الزنا هي الندم على الزنا مع العزم على ترك المعاودة الى مثله ما يصح ويجوز من الإمكان ، وهو أنه لو رد الله عزوجل عضوه ما زنا.

فصل : قوله (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا

٣٦٦

أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ) الاية : ١٢.

فان قيل : كيف نفى فقال (إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ) وقد أثبتها في أول الاية بقوله (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ)؟

قلنا : اليمين التي أثبتها هي ما حلفوا بها وعقدوا عليها ، وما نفى انما أراد به أنهم لا ايمان لهم يفون بها ويتمسكون بموجبها.

فصل : قوله (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا) الاية : ١٦.

المعنى : ظننتم أن تتركوا ، فالظن والحسبان نظائر. والحسبان قوة المعنى في النفس من غير قطع ، وهو مشتق من الحساب ، لدخوله فيما يحتسب به.

ومعنى الترك هو ضد ينافي الفعل المبتدأ في محل القدرة عليه ويستعمل بمعنى «ألا يفعل» كقوله (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ) (١).

والوليجة والدخيلة والبطانة نظائر ، وكل شيء دخل في شيء ليس منه فهو وليجة.

وفي الاية دلالة على أنه لا يجوز أن يتخذ من الفساق وليجة ، لان في ذلك تأنيسا (٢) بالفسق يجري مجرى الدعاء اليه ، مع أن الواجب معاداة الفساق والبراءة منهم ، ومع ذلك فهر غير مأمون على الاسرار والاطلاع عليها.

فصل : قوله (ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ) الاية : ١٧.

قرأ ابن كثير وأبو عمرو «مسجد» على التوحيد ، الباقون على الجمع.

ويحتمل أن يكون أراد المساجد كلها ، لان لفظ الجنس يدل على القليل والكثير ، ومن قرأ على الجمع يحتمل أن يكون أراد جميع المساجد.

ويحتمل أن يكون أراد المسجد الحرام ، وانما جمع لان كل موضع منه مسجد

__________________

(١). سورة البقرة : ١٧.

(٢). في التبيان : تأليفا.

٣٦٧

يسجد عليه والأصل في المسجد هو موضع السجود ، وفي العرف يعبر به عن البيت المهيئ لصلاة الجماعة فيه.

فصل : قوله (إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ) الاية : ١٨.

يدخل في عمارة المساجد عمارتها بالصلاة فيها والذكر لله والعبادة له ، لان تجديد أحوال الطاعة لله من أوكد الأسباب التي تكون بها عامرة ، كما أن إهمالها من أوكد الأسباب في إخراجها.

فصل : (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) الاية : ١٩.

خاطب الله تعالى بهذه الاية قوما جعلوا القيام بسقي الحجيج وعمارة المسجد الحرام من الكفار مع مقامهم على الكفر مساويا ، أو أفضل من ايمان من آمن بالله واليوم الاخر وجاهد في سبيل الله ، فأخبر تعالى أنهما لا يستويان عند الله في الفضل.

والسقاية : آلة يتخذ لسقي الماء. وقيل : كانوا يسقون الحجيج الماء والشراب.

وروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام أن الاية نزلت في أمير المؤمنين عليه‌السلام والعباس رضي الله عنه.

وروى الطبري بإسناده عن ابن عباس أنها نزلت في العباس حين قال يوم بدر : ان سبقتمونا الى الإسلام والهجرة لم تسبقونا الى سقاية الحاج وسدنة البيت فأنزل الله الاية.

فصل : قوله (الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ) الاية : ٢٠.

فان قيل : كيف قال (أَعْظَمُ دَرَجَةً) من الكفار بالسقاية والسدانة؟

قلنا : على ما روي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام وابن عباس وغيرهم

٣٦٨

لا يتوجه السؤال ، لان المفاضلة جرت بينهم ، لان لجميعهم الفضل عند الله ، ومن لا يقول بذلك يجيب عنه بجوابين : أحدهما ـ أنه على تقدير أن لهم بذلك منزلة كما قال (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) (١) هذا قول الحسن وأبي علي.

فصل : قوله (خالِدِينَ فِيها أَبَداً) الاية : ٢٢.

الأبد الزمان المستقبل من غير آخر ، كما أن «قط» للماضي ، تقول : ما رأيته قط ولا أراه أبدا.

وجمع الأبد آباد وأبود ، وتأبد المنزل إذا أقفر وأتى عليه الأبد ، والاوابد الوحش (٢) سميت بذلك لطول أعمارها وبقائها. وقيل : لم يمت وحشي حتف أنفه وانما يموت بآفة. والأبد قطعة من الزمان متناهية في اللغة ، قال جرير :

أتى أبد من دون حدثان عهدها

وجرت عليها كل نافحة شمل (٣)

ومن الدليل على أن الأبد قطعة من الدهر أنه ورد مجموعا في كلامهم ، قال صفية بنت عبد المطلب تخاطب ولدها الزبير :

خالجت آباد الدهور عليكم

وأسماء لم تشعر بذلك أيم

فلو كان زبر مشركا لعذرته

ولكن زبرا يزعم الناس مسلم

فصل : قوله (قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ) الاية : ٢٤.

أزواجكم جمع زوجة ، وهي المرأة التي عقد عليها عقد نكاح صحيح ، لان ملك اليمين والمعقود عليها عقد شبهة لا تسمى زوجة.

__________________

(١). سورة الفرقان : ٢٤

(٢). في التبيان : الوحوش.

(٣). اللسان «شمل».

٣٦٩

فصل : قوله (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ) الاية : ٢٥.

معنى «كثيرة» روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنها كانت ثمانين موطنا. والكثرة عدة زائدة على غيرها ، فهي كثيرة بالاضافة الى ما دونها.

فصل : قوله (ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) الاية : ٢٧.

انما علق قبول التوبة بالمشيئة ، لان قبول التوبة وإسقاط العقاب عندها تفضل عندنا ولو كان ذلك واجبا لما جاز تعليق ذلك بالمشيئة ، كما لم يعلق الثواب على الطاعة والعوض على الألم في موضع بالمشيئة.

فصل : قوله (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) الاية : ٢٨.

كل شيء مستقذر في اللغة يسمى نجسا ، فإذا استعملت هذه اللفظة مع الرجس قيل : رجس نجس بخفض الراء والنون. وإذا استعمل مفردا قيل : نجس بفتح النون والجيم معا.

وقال عمر بن عبد العزيز : لا يجوز لهم دخول المسجد الحرام ولا يدخل أحد من اليهود والنصارى شيئا من المساجد بحال ، وهذا هو الذي نذهب اليه.

فصل : قوله (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) الاية : ٢٩.

انما قيل «عن يد» ليفارق حال الغضب على الأخذ.

وقال أبو علي : معناه يعطونها من أيديهم يجيئون بها بنفوسهم لا ينوب فيها عنهم غيرهم إذا قدروا عليه ، فيكون أذل لهم.

وقال قوم : معناه عن نقد كما يقال : باع يدا بيد.

وقال آخرون : عن يد لكم عليهم ونعمة تسدونها اليهم بقبول الجزية منهم.

والجزية لا تؤخذ عندنا الا من اليهود والنصارى والمجوس.

وأما غيرهم من الكفار على اختلاف مذاهبهم ، فلا يقبل منهم غير الإسلام أو

٣٧٠

القتل والسبي ، وانما كان كذلك لما علم الله تعالى من المصلحة من اقرار هؤلاء على كفرهم ، ومنع ذلك في غيرهم لان هؤلاء على كفرهم يقرون بألسنتهم بالتوحيد وببعض الأنبياء ، وان لم يكونوا على الحقيقة عارفين ، وأولئك يجحدون ذلك كله.

فان قيل : إعطاء الجزية منهم لا يخلو أن يكون طاعة أو معصية فان كان معصية فكيف أمر الله بها؟ وان كان طاعة وجب أن يكونوا مطيعين لله.

قلنا : اعطاؤهم الجزية ليس بمعصية ، فأما كونها طاعة لله فليس كذلك ، لأنهم انما يعطونها دفعا لقتل أنفسهم لا طاعة لله.

فان الكافر لا يقع منه طاعة عندنا بحال ، لأنه لو فعل طاعة لله لاستحق الثواب والإحباط باطل ، فكان يجب أن يكون مستحقا للثواب ، وذلك خلاف الإجماع.

فصل : قوله (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ) الاية : ٣٠.

فان قيل : كيف أخبر الله عن اليهود بأنهم يقولون : ان عزير ابن الله واليهود تنكر هذا؟

قلنا : انما أخبر الله تعالى بذلك عنهم ، لان منهم من كان يذهب اليه ، والدليل على ذلك أن اليهود في وقت ما أنزل الله القرآن سمعت هذه الاية فلم تنكرها ، وهو كقول الخوارج تقول بتعذيب الأطفال وانما يقول بذلك الازارقة منهم خاصة.

فصل : قوله (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) الاية : ٣١.

الأحبار جمع حبر ، وهو العالم الذي صناعته تحبير المعاني بحسن البيان عنها. وقيل : حبر وحبر بفتح الحاء وكسرها.

وروي عن النبي عليه‌السلام أن معنى اتخاذهم إياهم أربابا أنهم قبلوا منهم التحريم والتحليل بخلاف ما أمر الله ، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام ، فسمى الله ذلك اتخاذهم إياهم أربابا من حيث كان التحريم والتحليل لا يسوغ الا لله تعالى ، وهو

٣٧١

قول أكثر المفسرين.

والاية تدل على أن المشرك مع الله في التحليل والتحريم على مخالفة أمر الله ، كالمشرك في عبادة الله ، لان استحلال ما حرم الله كفر بالإجماع وكل كافر مشرك.

ولا يلزم على ذلك قبول العامي من العالم ، لان العامي تعبد بالرجوع الى العالم فيقبل منه ما أدى اجتهاده اليه وعلمه ، فإذا قصد العالم وأفتاه بغير ما علمه ، فهو المخطئ دون المستفتي.

وليس كذلك هؤلاء لأنهم ما كانوا تعبدوا بالرجوع الى الأحبار والرجوع والقبول منهم ، لأنهم لو كانوا تعبدوا بذلك لما ذمهم الله على ذلك.

فصل : قوله (وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ) الاية : ٣٢.

الاباء : الامتناع مما طلب من المعنى ، قال الشاعر :

وان أرادوا ظلمنا أبينا

أي : منعناهم من الظلم ، وليس الاباء من الكراهة في شيء على ما تقوله المجبرة لأنهم يقولون : فلان يأبى الضيم فيمدحونه ، ولا مدحة في كراهية الضيم ، لتساوي الضعيف والقوي في ذلك ، وانما المدح في المنع منه ، ولذلك مدح عورة بن الورد بأنه أبي الضيم بمعنى أنه ممتنع منه.

فصل : قوله (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ) الاية : ٣٤ معناه : الذين يخبئون أموالهم من غير أن يخرجوا زكواتها ، لأنهم لو أخرجوا زكواتها وكنزوا ما بقي لم يكونوا ملومين بلا خلاف ، وهو قول ابن عباس وجابر وابن عمر والحسن والسدي والجبائي وقال : هو اجماع.

وقوله (وَلا يُنْفِقُونَها) انما لم يقل ولا ينفقونهما لاحد أمرين :

أحدها ـ أن يكون الكناية عائدة الى مدلول عليه ، وتقديره : ولا ينفقون الكنوز أو الأموال.

٣٧٢

والاخر ـ أن يكون اكتفى بأحدهما عن الاخر للإيجاز ، ومثله (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها) (١) قال الشاعر :

نحن بما عندنا وأنت بما

عندك راض والرأي مختلف (٢)

فصل : قوله (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ) الاية : ٣٧.

قال أبو زيد : انسأته الدين إنساء إذا اخترته ، واسم ذلك النسيئة والنسأ ، وكان النسيء في الشهور تأخير حرمة شهر الى شهر آخر ليست له تلك الحرمة ، فيحرمون بهذا التأخير ما أحل الله ، ويحلون ما حرم الله.

وكان النسيء المنهي عنه في الاية تأخير الأشهر الحرم عما رتبها الله ، وكانوا في الجاهلية يعملون ذلك وكان الحج يقع في غير وقته ، واعتقاد حرمة الشهر في غير أوانه ، فبين تعالى أن ذلك زيادة الكفر.

فصل : قوله (ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها) الاية : ٤٠.

قيل : في من يعود الهاء اليه قولان :

أحدهما ـ قال الزجاج : انها تعود على النبي عليه‌السلام.

والثاني قال الجبائي : يعود على أبي بكر ، لأنه كان الخائف واحتاج الى الامن ، لا من قد وعد بالنصر فهو ساكن القلب.

والاول أصح ، لان جميع الكنايات قبل هذا وبعده راجعة الى النبي عليه‌السلام ألا ترى أن قوله «الا تنصروه» الهاء راجعة الى النبي عليه‌السلام بلا خلاف.

وقوله «فقد نصره الله» فالهاء أيضا راجعة الى النبي أيضا.

وقوله «إذ أخرجه» يعني : النبي «إذ يقول لصاحبه» يعني : صاحب النبي

__________________

(١). سورة الجمعة : ١١.

(٢). معاني القرآن ١ / ٤٣٤.

٣٧٣

عليه‌السلام.

ثم قال «فأنزل الله سكينته عليه» وقال بعده «وأيده بجنود» يعني : النبي عليه‌السلام فلا يليق أن يتخلل ذلك كله كناية عن غيره.

وليس في الاية ما يدل على فضل لابي بكر ، لان قوله تعالى «ثاني اثنين» مجرد الاخبار أن النبي خرج ومعه غيره.

وكذلك قوله «إذ هما في الغار» خبر عن كونهما فيه.

وقوله «إذ يقول لصاحبه» لا مدح فيه أيضا ، لان تسمية الصاحب لا يفيد فضله ألا ترى أن الله تعالى قال في صفة المؤمن والكافر (قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ) (١) وقد تسمى البهيمة بأنها صاحب الإنسان ، كقول الشاعر :

وصاحبي بازل شمول

وقد يقول الرجل المسلم لغيره : أرسل اليك صاحبي اليهودي ، ولا يدل ذلك على الفضل.

وقوله «لا تحزن» ان لم يكن ذما فليس بمدح بل هو نهي محض عن الخوف.

وقوله «ان الله معنا» قيل : ان المراد به النبي عليه‌السلام ، ولو أريد به أبو بكر معه لم يكن فيه فضيلة ، لأنه يحتمل أن يكون ذلك على وجه التهديد ، كما يقول القائل لغيره إذا رآه يفعل القبيح : لا تفعل ان الله معنا. يريد أن الله مطلع علينا عالم بحالنا.

والسكينة قد بينا أنها نزلت على النبي عليه‌السلام لما بيناه من أن التأييد بجنود الملائكة كان يختص النبي عليه‌السلام فأين موضع الفضيلة للرجل لو لا العناد ، ولم نذكر هذا للطعن على أبي بكر ، بل بينا أن الاستدلال بالاية على الفضل غير صحيح.

فصل : قوله (وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللهُ

__________________

(١). سورة الكهف : ٣٨.

٣٧٤

يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) الاية : ٤٢.

في الاية دلالة على أن الاستطاعة قبل الفعل ، لأنهم لا يخلون من أحد أمرين :

اما أن يكونوا مستطيعين من الخروج وقادرين عليه ولم يخرجوا ، أو لم يكونوا قادرين عليه. وانما حلفوا أنهم لو قدروا في المستقبل لخرجوا.

فان كان الاول فقد ثبت أن القدرة قبل الفعل ، وان كان المراد الثاني فقد أكذبهم الله في ذلك ، وبين أنه لو فعل لهم الاستطاعة لما خرجوا.

وفي ذلك أيضا تقدم القدرة على المقدور ، وليس لهم أن يحملوا الاستطاعة على آلة السفر وعدة الجهاد ، لان ذلك ترك الظاهر من غير ضرورة ، فان حقيقة الاستطاعة القدرة ، وانما يشبه غيرها بها على ضرب من المجاز.

فصل : قوله (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) الاية : ٤٣.

قال أبو علي : في الاية دلالة على أن النبي عليه‌السلام كان وقع منه ذنب في هذا الاذن ، قال : لأنه لا يجوز أن يقال : لم فعلت ما جعلت لك فعله؟ كما لا يجوز أن يقول : لم فعلت ما أمرتك بفعله.

وهذا الذي ذكره غير صحيح ، لان قوله «عفى الله عنك» انما هي كلمة عتب له عليه‌السلام لم فعل ما كان الاولى به ألا يفعله ، لأنه وان كان له فعله من حيث لم يكن محظورا ، فان الاولى ألا يفعله ، كما يقول القائل لغيره إذا رآه يعاتب أخا له : لم عاتبته وكلمته بما يشق عليه؟ وان كان له معاتبته وكلامه بما يثقل عليه.

وكيف يكون معصية؟ وقد قال الله في موضع آخر (فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ) (١).

فصل : قوله (لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) الاية : ٤٤.

__________________

(١). سورة النور : ٦٢.

٣٧٥

أجاز الرماني الجهاد مع الفساق إذا عاونوا على حق في قتال الكفار ، لأنهم مطيعون في ذلك الفعل ، كما هم مطيعون في الصلاة والصيام وغير ذلك من شريعة الإسلام.

والظاهر من مذهب أصحابنا أنه لا يجوز ذلك الا ما كان على وجه الدفع عن النفس وعن بيضة الإسلام.

فصل : قوله (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) الاية : ٤٩.

لا يدل ذلك على أنها لا تحيط بغير الكفار من الفساق ، ألا ترى أنها تحيط بالزبانية والمتولين للعذاب ، فلا تعلق للخوارج بذلك.

فصل : قوله (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) الاية : ٥٥.

قيل : في معنى ذلك وجوه :

أحدها وهو ثالث الوجوه ـ قال الجبائي : تقديره انما يريد الله ليعذبهم في الحياة الدنيا عند تمكن المؤمنين من أخذها وغنمها فيتحسرون عليها ويكون ذلك جزاء على كفرهم نعم الله تعالى بها.

الرابع : قال البلخي والزجاج : انما معناه فلا تعجبك أموالهم وأولادهم ، فإنها وبال عليهم ، لان الله يعذبهم بها ، أي : بما يكلفهم من إنفاقها في الوجوه التي أمرهم بها ، فتزهق أنفسهم لشدة ذلك عليهم.

فصل : قوله (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ) الاية : ٥٨.

اللمز : العيب على وجه المساترة.

والهمز : العيب بكسر العين وغمزها في قول الزجاج.

والصدقات جمع صدقة ، وهي العطية للفقير على وجه البر والصلة. والصدقة الواجبة في الأموال حرام على آل الرسول عليه‌السلام كأنهم جعلوا في تقدير الأغنياء.

٣٧٦

فأما البر على وجه التطوع ، فهو مباح لهم.

فصل : قوله (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ) الاية : ٦٧.

معناه : تركوا أمر الله حتى صار بمنزلة المنسي بالسهو عنه ، فجازاهم الله بأن صيرهم بمنزلة المنسي من ثوابه ورحمته ، وذكر ذلك لازدواج الكلام.

فصل : قوله (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) الاية : ٧٣.

اختلفوا في كيفية جهاد الكفار والمنافقين ، فقال ابن عباس : جهاد الكفار بالسيف ، وجهاد المنافقين باللسان والوعظ والتخويف ، وهو قول الجبائي.

وقال الحسن : جهاد الكفار بالسيف ، وجهاد المنافقين باقامة الحدود عليهم.

وروي في قراءة أهل البيت جاهد الكفار بالمنافقين.

فصل : قوله (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً) الاية : ٨٠.

تعليق الاستغفار بالسبعين مرة المراد به المبالغة لا العدد المخصوص ، ويجري ذلك مجرى قول القائل : لو قلت لي ألف مرة ما قبلت. والمراد بذلك أني لا أقبل وكذلك الاية المراد بها نفي الغفران جملة.

وما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : والله لأزيدن على السبعين. خبر واحد لا يلتفت اليه ، ولان في ذلك أن النبي استغفر للكفار ، وذلك لا يجوز بالإجماع.

فصل : قوله (وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ) الاية : ٨٦.

قال الرماني : السورة جملة من القرآن تشتمل على آيات قد أحاطت بها ، كما يحيط سور القصر بما فيه ، وسؤر الهر بقيته من الماء.

والجهاد بالقتال دفعا عن النفس معلوم حسنه عقلا ، لأنه مركوز في العقل وجوب التحرز من المضار ، وليس في العقل ما يدل على أنه يجب على الإنسان أن يمنع غيره من الظلم ، وانما يعلم ذلك سمعا.

فصل : قوله (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) الاية : ٩١.

٣٧٧

الإحسان هو إيصال النفع الى الغير لينتفع به مع تعريه من وجوه القبح ، ويصح أن يحسن الإنسان الى نفسه ويحمد على ذلك ، وهو إذا فعل الافعال الجميلة التي يستحق بها المدح والثواب.

فصل : قوله (الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً) الاية : ٩٧.

أخبر الله تعالى في هذه الاية أن الاعراب الجفاة الذين لا يعرفون الله تعالى ورسوله حق معرفتهما أشد كفرا وجحودا لنعم الله ، وأعظم نفاقا من غيرهم.

وقيل : انها نزلت في أعراب كانوا حول المدينة من أسد وغطفان ، فكفرهم أشد لأنهم أقسى وأجفى من أهل المدن ، ولأنهم أبعد من سماع التنزيل ومخالطة أهل العلم والفضل ، وتقول : رجل عربي إذا كان من العرب وان سكن البلاد ، وأعرابي إذا كان ساكنا في البادية.

وروي أن زيد بن صوحان كانت يده اليسرى قطعت يوم اليمامة ، وكان قاعدا يوما يروي الحديث والى جانبه أعرابي ، فقال له : ان حديثك يعجبني وأن يدك تريبني ، فقال زيد : انها الشمال ، فقال : والله ما أدري اليمين يقطعون أو الشمال فقال زيد : صدق الله وقرأ «الاعراب أشد كفرا» الاية.

فصل : قوله (وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ) الاية : ٩٩.

القربة هي طلب الثواب والكرامة من الله تعالى بحسن الطاعة وهي تدني من رحمة الله.

فصل : قوله (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ) الاية : ١٠٢.

معناه : انهم يفعلون أفعالا جميلة ، ويفعلون أفعالا قبيحة سيئة فيجتمعان ، وذلك يدل على بطلان القول بالإحباط ، لأنه لو كان صحيحا لكان أحدهما إذا طرأ على

٣٧٨

الاخر أبطله (١) ، فلا يجتمعان ، فكيف يكون خلطا؟

وقوله (عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) قال الحسن وكثير من المفسرين : ان «عسى» من الله واجبة.

وقال قوم : انما قال «عيسى» حتى يكونوا على طمع واشفاق ، فيكون ذلك أبعد في الاتكال على العفو وإهمال التوبة. والتقدير في قوله (خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً) أي : بآخر سيئ.

ومثله قولهم : خلطت الماء واللبن. وقد يستعمل ذلك في الجمع من غير امتزاج ، كقولهم : خلطت الدراهم والدنانير. وقال أهل اللغة : خلط في الخير مخففا ، وخلط في الشر مشددا.

فصل : قوله (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ) الاية : ١٠٤.

معناه : انه يأخذها بتضمن الجزاء عليها ، كما تؤخذ الهدية كذلك.

وقال أبو علي الجبائي : جعل الله أخذ النبي والمؤمنين للصدقة أخذا من الله على وجه التشبيه والمجاز من حيث كان بأمره.

وقد روي عن النبي عليه‌السلام أن الصدقة قد تقع في يد الله قبل أن تصل الى يد السائل والمراد بذلك أنها تنزل هذا التنزيل ترغيبا للعباد في فعلها ، وذلك يرجع الى تضمن الجزاء عليها.

فصل : قوله (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) الاية : ١٠٥.

روي في الخبر أن أعمال العباد تعرض على النبي عليه‌السلام في كل اثنين وخميس فيعلمها ، وكذلك تعرض على الائمة عليهم‌السلام فيعرفونها ، وهم المعنيون بقوله

__________________

(١). في التبيان : أحبطه.

٣٧٩

(وَالْمُؤْمِنُونَ).

وانما قال (فَسَيَرَى اللهُ) على وجه الاستقبال ، وهو عالم بالأشياء قبل وجودها لان المراد بذلك أنه سيعلمها موجودة بعد أن علمها معدومة ، وكونه عالما بأنها ستوجد هو كونه عالما بوجودها إذا وجدت لا يجدد حال له بذلك.

فصل : قوله (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ) الاية : ١٠٦.

لفظة (إِمَّا) لوقوع أحد الشيئين ، والله عالم بما يصير اليه أمرهم ، الا أن هذا للعباد خوطبوا بما يعملون. والمعنى ولكن (١) أمرهم عندكم على هذا ، أي : على الخوف والرجاء.

والاية تدل على صحة قولنا في جواز العفو عن العصاة ، لأنه تعالى بين أن قوما من هؤلاء العصاة أمرهم مرجا الى الله ان شاء عذبهم وان شاء قبل توبتهم ، فعفى عنهم.

فلو كان سقوط العقاب عند التوبة واجبا لما جاز تعليق ذلك بالمشيئة على وجه التخيير ، لأنهم ان تابوا وجب قبول توبتهم عند الخصم وإسقاط العقاب عنهم.

وان أصروا ولم يتوبوا فلا يعفى عنهم ، فلا معنى للتخيير على قولهم.

وانما يصح ذلك على ما نقوله من أن مع حصول التوبة تحسن المؤاخذة ، فان عفى فبفضله ، وان عاقب فبعدله.

فصل : قوله (لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ) الاية : ١٠٨.

قال ابن عباس والحسن وعطية : انه مسجد قبا. وقال ابن عمر وابن المسيب :

__________________

(١). في التبيان : وليكن.

٣٨٠