المنتخب من تفسير القرآن - ج ١

أبو عبدالله محمّد بن أحمد بن إدريس الحلّي

المنتخب من تفسير القرآن - ج ١

المؤلف:

أبو عبدالله محمّد بن أحمد بن إدريس الحلّي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي الكبرى
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٦
الجزء ١ الجزء ٢

آياتي من العسر والكرامة بالدلالة التي كسبت الرفعة في الدنيا والاخرة.

ويجوز أن يكون معناه : اني أحكم عليهم بالانصراف وأسميهم بأنهم منصرفون عنها ، لأنهم قد انصرفوا عنها ، كما قال (ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) (١).

ويحتمل أن يكون المراد انى سأصرفهم عن التوراة والقرآن وما أوحى الله من كتبه ، بمعنى أمنعهم من إفساده وتغييره وإبطاله ، لأنه قال في أول الاية «وكتبنا له في الألواح» الى قوله «سأصرف عن آياتي».

ويجوز أن يكون المراد سأريهم آياتي فينصرفون عنها ، وهم الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق ، كما يقول القائل : سأحير فلانا أي أسأله عن شيء ، فيتحير عند مسألتي ، وسأنجل فلانا أي : أسأله ما ينجل عنده.

وكذلك يقال : سأقطع فلانا بكلامي ، والمراد أنه سينقطع عند كلامي ، وكل ذلك واضح بحمد الله.

ومن قال من المجبرة : ان الله تعالى يصرفه عن الايمان.

قوله باطل ، لأنه تعالى لا يجوز أن يصرف أحدا عن الايمان ، لأنه لو صرفه عنه ثم أمره به لكان كلفه ما لا يطيقه ، وذلك لا يجوز عليه تعالى. وأيضا فان الله تعالى بين أنه يصرفهم عن ذلك مستقبلا جزاء لهم على كفرهم الذي كفروا ، فكيف يكون ذلك صرفا عن الايمان.

وقيل : معناه سأصرف عن ابطالها والطعن فيها بما أظهره من حججها ، كما يقال : سأمنعك من فلان ، أي من أذاه ، ذكره البلخي.

فصل : قوله (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) الاية : ١٤٧.

قوله (حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) اخبار من الله تعالى أن من كذب بآياته ويجحد البعث والنشور تنحبط أعماله ، لأنها تقع على خلاف الوجه الذي يستحق بها المدح

__________________

(١). سورة التوبة : ١٢٨.

٣٤١

والثواب ، فيصير وجودها وعدمها سواء.

والحبوط : سقوط العمل حتى يصير بمنزلة ما لم يعمل ، وأصل الإحباط الفساد مشتق من الحبط ، وهو داء يأخذ البعير في بطنه من فساد الكلا عليه ، وإذا عمل الإنسان عملا على خلاف الوجه الذي أمر به ، يقال : أحبطه بمنزلة من يعمل شيئا ثم يفسده.

فصل : قوله (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ) الاية : ١٤٨.

في كيفية خوار العجل مع أنه مصوغ من الذهب خلاف ، فقال الحسن : قبض السامري قبضة من تراب من أثر فرس جبرئيل عليه‌السلام يوم قطع البحر ، فقذف ذلك التراب في فم العجل فتحول لحما ودما ، وكان ذلك معتادا غير خارق للعادة وجاز أن يفعل ذلك لمجرى العادة.

وقال الجبائي والبلخي : انما احتال بإدخال الريح فيه حتى سمع له كالخوار كما قد يحتال قوم اليوم لذلك.

فصل : قوله (وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ) الاية : ١٤٩.

معنى قوله «سقط في أيديهم» وقع البلاء في أيديهم ، أي : وجدوه وجدان من يده فيه ، يقال ذلك للنادم عند ما يجده مما كان خفي عليه ، ويقال أيضا : أسقط في يديه ، أي : صار الذي يضربه لقى في يديه.

فصل : قوله (وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ) الاية : ١٥٠.

قيل : في معناه قولان :

أحدهما : قال الجبائي : انما هو كقبض الرجل منا على لحيته وعضه على شفته أو إبهامه ، فأجرى موسى هارون مجرى نفسه ، فقبض على لحيته كما يقبض على لحية نفسه اختصاصا.

وقال أبو بكر ابن الاخشاذ : ان هذا امر يتغير بالعادة ، ويجوز أن تكون

٣٤٢

العادة في ذلك الوقت أنه إذا أراد الإنسان أن يعاقب غيره لا على وجه الهوان أخذ بلحيته وجره اليه ، ثم تغيرت العادة الآن.

وقال قوم : انما أخذ برأسه اليه ليسر اليه شيئا أراده.

فصل : قوله (قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي) الاية : ١٥١.

كان هذا الدعاء من موسى انقطاعا منه الى الله تعالى وتقربا اليه ، لا أنه كان وقع منه أو من أخيه قبيح صغير أو كبير يحتاج أن يستغفر منه.

ومن قال : انه استغفر من صغيرة كانت منه أو من أخيه ، فقد أخطأ ويقال له الصغيرة على مذهبكم تقع مكفرة محبطة ، فلا معنى لسؤال المغفرة لها.

وقد بينا في غير موضع أن الأنبياء لا يجوز عليهم شيء من القبائح ، لا كبيرها ولا صغيرها ، لان ذلك يؤدي الى التنفير عن قبول قولهم ، والأنبياء منزهون عما ينفر عنهم على كل حال.

فصل : قوله (وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا) الاية : ١٥٣.

التوبة : طاعة يستحق بها الثواب بلا خلاف ، ويسقط العقاب عندها بلا خلاف الا أن عندنا يسقط ذلك تفضلا من الله بورود السمع بذلك ، وعند المعتزلة العقل يوجب ذلك.

فان قيل : كيف قال (تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا) والتوبة هي ايمان؟

قلنا : عنه ثلاثة أجوبة :

أحدها : تابوا من المعصية وآمنوا بتلك التوبة.

الثاني : استأنفوا عمل الايمان.

الثالث : آمنوا بأن الله قابل التوبة.

فصل : قوله (إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ) الاية : ١٥٥.

معناه : ان هي الا اختبارك وابتلاؤك لخلقك. والمعنى ان هي الا تشديدك

٣٤٣

التعبد علينا بالصبر على ما أنزلته بنا من هذه الرجفة والصاعقة اللتين جعلتهما عقابا لمن سأل الرؤية وزجرا لهم ولغيرهم.

ومثله قوله (أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ) (١) يعني بذلك الأمراض والاسقام التي شدد الله بها التعبد على عباده ، فسمي ذلك فتنة من حيث يشتد الصبر عليها.

وقوله (تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ) معناه : تضل بترك الصبر على فتنتك وترك الرضا بها من تشاء عن نيل ثوابك ودخول جنتك ، وتهدي بالرضا بها والصبر عليها من تشاء.

وانما نسب الضلال الى الله ، لأنهم ضلوا عند أمره وامتحانه ، كما أضاف زيادة الرجس الى السورة في قوله (فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ) (٢) وان كانوا هم الذين ازدادوا عندها.

فصل : قوله (قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) الاية : ١٥٦.

قيل : انما علقه بالمشيئة ولم يعلقه بالمعصية لامرين :

أحدهما : الاشعار بأن وقوعه بالمشيئة له دون المغفرة (٣).

الثاني : أنه لا يشاء ذلك الا على المعصية ، فأيهما ذكر دل على الاخر.

وعندنا أنه علقه بالمشيئة ، لأنه كان يجوز الغفران عقلا بلا توبة.

«ورحمتي وسعت كل شيء» قيل : المعنى أنها تسع كل شيء ان دخلوها ، فلو دخل الجميع لوسعتهم الا أن فيهم من يمتنع منها من الضلال بما لا يدخل معه فيها.

فصل : قوله (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) الاية : ١٥٩.

__________________

(١). سورة التوبة : ١٢٧.

(٢). سورة التوبة : ١٢٦.

(٣). في التبيان : المعصية.

٣٤٤

قال ابن عباس والسدي : هم قوم وراء الصين. وقال أبو جعفر عليه‌السلام : قوم خلف الرمل لم يغيروا ولم يبدلوا.

وأنكر الجبائي قول ابن عباس وقال : شرع موسى عليه‌السلام منسوخ بشرع عيسى وشرع محمد عليهما‌السلام ، فلو كانوا باقين لكفروا بنبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وليس هذا بشيء ، لأنه لا يمتنع أن يكون قوم لم يبلغهم الدعوة من النبي عليه‌السلام فلا نحكم بكفرهم.

قال الجبائي : يحتمل ذلك وجهين :

أحدهما : أنهم كانوا قوما متمسكين بالحق في وقت ضلالتهم بقتل أنبيائهم.

والاخر : أنهم الذين آمنوا النبي عليه‌السلام.

فصل : قوله (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ) الاية : ١٦٥.

أخبر الله تعالى أنه لما ترك أهل هذه القرية الرجوع عن ارتكاب المعصية بصيد السمك يوم السبت بعد أن ذكرهم الواعظون ذلك ولم ينتهوا عن ذلك أنه أنجى الناهين وأخذ الذين ظلموا أنفسهم.

وروي عن عطاء أن رجلا دخل على ابن عباس وبين يديه المصحف وهو يبكي وقد أتى على هذه الاية الى آخرها ، فقال ابن عباس : قد علمت أن الله أهلك الذين أخذوا الحيتان وأنجى الذين نهوهم ، ولا أدري ما صنع بالذين لم ينهوهم ولم يواقعوا المعصية وهي حالنا.

و «نسوا» في الاية معناه تركوا.

ويحتمل أن يكون تركهم القبول في منزلة من نسي ، ولا يجوز أن يكون المراد النسيان الذي هو السهو ، لأنه ليس من فعلهم ، فلا يذمون عليه.

قال الحسن : ان أهل المسخ يتناسلون. وقال ابن عباس : لا يتناسلون. وأجاز

٣٤٥

الزجاج كلا الامرين ، وقول ابن عباس أصح ، لان المعلوم أن القرد ليس من أولاد آدم ، كما أن الكلاب ليست من أولاد آدم.

فصل : قوله (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ) الاية : ١٦٧.

قيل : في معنى البعث ها هنا قولان : أحدهما الامر والإطلاق. والاخر التخلية وان وقع على وجه المعصية ، كما قال تعالى (أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) (١).

فصل : قوله (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ) الاية : ١٦٩.

يقال للقرن الذي يجيء في أثر قرن : خلف ، والخلف ما أخلف عليك بدلا مما أخذ منك ، ويقال في هذا : خلف أيضا.

فأما ما أخلف عليك بدلا مما ذهب منك ، فهو بفتح اللام أفصح وأكثر ما يجيء في المدح بفتح اللام ، وفي الذم بتسكينها ، وقد يحرك في الذم ويسكن في المدح.

والدرس تكرر الشيء ، يقال : درس الكتاب إذا كرر قراءته ، ودرس المنزل إذا تكرر عليه مرور الأمطار والرياح حتى يمحى أثره.

فصل : قوله (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ) الاية : ١٧١.

معناه : رفعناه فوقهم حتى صار كأنه ظلة.

فصل : قوله (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ) الاية : ١٧٢.

اختلفوا في هذا الأخذ وفي هذا الاشهاد.

فقال البلخي والرماني : أراد بذلك البالغين من بني آدم وإخراجه إياهم ذرية

__________________

(١). سورة مريم : ٨٤.

٣٤٦

قرنا بعد قرن وعصرا بعد عصر ، واشهاده إياهم على أنفسهم تبليغه إياهم وإكماله عقولهم ، وما نصب فيها من الادلة الدالة بأنه مصنوع (١) ، وأن المصنوع لا بدله من صانع.

وبما أشهدهم مما يحدث فيهم من الزيادة والنقصان والآلام والأمراض الدال بجميع ذلك على أن لهم خالقا رازقا تجب معرفته والقيام بشكره.

فأما ما روي من أن الله تعالى أخرج ذرية آدم من ظهره وأشهدهم على أنفسهم وهم كالذر ، فان ذلك غير جائز ، لان الأطفال فضلا عمن هو كالذر لا حجة عليهم ولا يحسن خطابهم بما يتعلق بالتكليف.

ثم ان الاية تدل على خلاف ما قالوه ، لان الله تعالى قال : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ) فقال : (مِنْ ظُهُورِهِمْ) ولم يقل من ظهره وقال : (ذُرِّيَّتَهُمْ) ولم يقل ذريته.

ثم قال (أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) فأخبر أن هذه الذرية قد كان قبلهم انا (٢) مبطلون وكانوا هم بعدهم.

فصل : قوله (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ) الاية : ١٧٦.

ضرب الله مثل التارك لآياته والعادل عنها بأخس مثل في أخس أحواله ، فشبهه بالكلب ، لان كل شيء يلهث فإنما يلهث في حال الاعياء والكلال الا الكلب ، فانه يلهث في حال الراحة وحال الصحة وحال المرض وحال الري وحال العطش وجميع الأحوال ، فقال تعالى ان وعظته فهو ضال وان لم تعظه فهو ضال.

وقال الجبائي : انما شبهه بالكلب ، لأنه لما كفر بعد إيمانه صار يعادي المؤمنين ويؤذيهم ، كما أن الكلب يؤذي الناس طردته أو لم تطرده ، فانه لا يسلم من أذاه.

__________________

(١). في التبيان : مصنوعون.

(٢). كذا في النسخ الثلاث ، وفي التبيان : آباء.

٣٤٧

فصل : قوله (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) الاية : ١٧٨.

قال الجبائي : معنى الاية من يهديه الله الى نيل الثواب ، كما يهدي المؤمن الى ذلك والى دخول الجنة ، فهو المهتدي للايمان والخير ، لان المهتدي هو المؤمن ، فقد صار مهتديا الى الايمان والى نيل الثواب ، ومن يضلله الله عن الجنة وعن نيل ثوابها عقوبة على كفره أو فسقه (فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) لأنهم خسروا الجنة ونعيمها.

وقيل : معنى ذلك من حكم الله بهدايته فهو المهتدي ، ومن حكم بضلاله فهو الخاسر الخائب.

فصل : قوله (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) الاية : ١٧٩.

اللام في قوله (لِجَهَنَّمَ) لام العاقبة ، والمعنى أنهم لما كانوا يصيرون اليها بسوء اختيارهم وقبح أعمالهم ، جاز أن يقال : انه ذرأ لهم.

والذي يدل على أن ذلك جزاء على أعمالهم قوله (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها) فأخبر عن ضلالهم الذي يصيرون به الى النار.

وهو مثل قوله (إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) (١) ومثله قوله (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) (٢) وانما التقطوه ليكون قرة عين ، قال الشاعر :

وللموت تغذوا الوالدات سخالها

كما لخراب الدهر تبنى المساكن

وقال آخر :

وام سماك فلا تجزعي

فللموت ما تلد الوالدة

ولا يجوز أن يكون معنى الاية أن الله خلقهم لجهنم وأراد منهم أن يفعلوا الكفر

__________________

(١). سورة آل عمران : ١٧٨.

(٢). سورة القصص : ٨.

٣٤٨

والمعاصي ، فيدخلوا بها النار ، لان الله تعالى لا يريد القبيح ، لان ارادة القبيح قبيحة ، ولان مريد القبيح منقوص عند العقلاء ، تعالى الله عن صفة النقص ، ولأنه قال (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (١).

فصل : قوله (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ) الاية : ١٨٢.

يحتمل أن يكون المراد أني سأفعل بهم ما يدرجون في الفسوق والضلال عنده ، ويكون ذلك اخبارا عن نفاقهم الكفر (٢) عند إملائه لهم.

فسمي ذلك استدراجا ، لأنهم عند البقاء كفروا وازدادوا كفرا ومعصية ، وان كان الله لم يرد منهم ذلك ولا بعثهم عليه ، كما قال : (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ) (٣) وكما يقول القائل : أبطر فلان فلانا بانعامه عليه ، ولقد أبطرته النعمة وأكفرته السلامة ، وان كان المنعم لا يريد ذلك ، بل أراد أن يشكره عليها.

وأصل الاستدراج اغترار المستدرج من حيث يرى أن المستدرج محسن اليه حتى يورطه مكروها. والاستدراج أن يأتيه من مأمنه من حيث لا يعلم.

وأملى بمعنى أؤخر.

ووجه الحكمة في أحدهم من حيث لا يعلمون أنه لو أعلمهم وقت ما يأخذهم وعرفهم ذلك لامنوه قبل ذلك وكانوا مغرين بالقبيح قبله ، تعويلا على التوبة فيما بعد ، وذلك لا يجوز عليه تعالى.

فصل : قوله (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي) الاية : ١٨٧.

قال الجبائي : وفي الاية دليل على بطلان قول الرافضة من أن الائمة معصومون

__________________

(١). سورة الذاريات : ٥٦.

(٢). في التبيان : اخبار عن بقائهم على الكفر.

(٣). سورة فاطر : ٤٧.

٣٤٩

منصوص عليهم واحدا بعد الاخر الى يوم القيامة ، لان على هذا لا بد أن يعلم آخر الائمة أن القيامة تقوم بعده ويزول التكليف عن الخلق ، وذلك خلاف قوله (قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي).

وهذا الذي ذكره الجبائي باطل ، لأنه لا يمتنع أن يكون آخر الائمة يعلم أنه لا امام بعده وان لم يعلم متى تقوم الساعة ، لأنه لا يعلم متى يموت ، فهو يجوز أن يكون موته عند قيام الساعة ، إذا أردنا بذلك أنه وقت فناء الخلق.

وان قلنا : ان الساعة عبارة عن وقت قيام الناس في الحشر فقد زالت الشبهة ، لأنه إذا علم أنه يفني الخلق بعده لا يعلم متى يحشر الخلق.

على أنه قد روي أن بعد موت آخر الائمة يزول التكليف ، لظهور اشتراط الساعة وتواتر أماراتها ، نحو طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة وغير ذلك ، ومع ذلك فلا يعلم وقت قيام الساعة.

ولهذا قال الحسن وجماعة من المفسرين : بادروا بالتوبة قبل ظهور الست : طلوع الشمس من مغربها ، والدجال ، والدابة ، وغير ذلك مما قدمناه فعلى هذا سقط السؤال.

فصل : قوله (فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ. فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) الاية : ١٨٩ ـ ١٩٠.

اختلفوا في الكناية الى من ترجع في قوله «جعلا».

فقال قوم : هي راجعة الى الذكور والإناث من أولادهما ، أو الى جنسين ممن أشرك من نسلهما ، وان كانت الادلة تتعلق بهما.

ويكون تقدير الكلام : فلما أتى الله آدم وحوا الولد الصالح الذي تمنياه وطلباه جعل كفار أولادهما ذلك مضافا الى غير الله ، ويقوي ذلك قوله (فَتَعالَى

٣٥٠

اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) فلو كان الكناية عن آدم وحوا لقال : عما يشركان.

وانما أراد تعالى الله عما يشرك هذان النوعان أو الجنسان ، وجمعه على المعنى.

وقد ينتقل الفصيح من خطاب مخاطب الى خطاب غيره ومن كناية الى غيرها ، قال الله تعالى (إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) (١) فانصرف من مخاطبة الرسول الى مخاطبة المرسل ، ثم قال (وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ) يعني الرسول ، ثم قال «وتسبحوه» يعني الله تعالى ، قال الهذلي :

يا لهف نفسي كان جده خالد

وبياض وجهك للتراب الأعفر

ولم يقل وبياض وجهه ، وقال كثير :

أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة

لدنيا ولا مقلية ان تقلت

وقال الاخر :

فدى لك ناقتي وجميع أهلي

ومالي أنه منه أتانى

ولم يقل منك أتاني.

فصل : قوله (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ) الاية : ١٩٤.

انما قال «ان الذين» وهو يريد الأصنام ، لأنها لما كانت عندهم معبوده تنفع وتضر ، جاز أن يكنى عنها بما يكنى عن الحي ، كما قال في موضع آخر (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ) (٢) ولم يقل فعله كبيرها فاسألوها.

وقال (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) (٣) لما أضاف السجود اليهما جمعهما بالواو والنون التي يختص العقلاء.

__________________

(١). سورة الفتح : ٨.

(٢). سورة الأنبياء : ٦٣.

(٣). سورة يوسف : ٤.

٣٥١

فصل : قوله (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) الاية : ١٩٨.

في الاية دلالة على أن النظر غير الرؤية ، لأنه تعالى أثبت النظر ونفى الرؤية.

فصل : قوله (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الاية : ٢٠٤.

اختلف المفسرون في الوقت الذي أمروا بالإنصات والاستماع :

فقال قوم : أمروا حال كون المصلي في الصلاة خلف الامام الذي يأتم به وهو يسمع قراءة الامام ، فعليه أن ينصت ولا يقرأ ويتسمع لقراءته.

ومنهم من قال : لأنهم كانوا يتكلمون في صلاتهم ويسلم بعضهم على بعض ، وإذا دخل داخل وهم في الصلاة قال لهم : كم صليتم فيخبرونه وكان مباحا فنسخ ذلك.

ذهب اليه عبد الله بن مسعود وأبو هريرة والزهري وعطاء وعبيد بن أبي عمير ومجاهد وقتادة وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والضحاك وابراهيم وعامر الشعبي وابن عباس وابن زيد ، واختاره الجبائي.

وقال قوم : أمر بالإنصات للإمام إذا قرأ القرآن في خطبته ، روي ذلك عن مجاهد ، وأقوى الأقوال الاول ، لأنه لا حال يجب فيها الإنصات لقراءة القرآن الا حال قراءة الامام في الصلاة ، فان على المأموم الإنصات لذلك والاستماع له. فأما خارج الصلاة ، فلا خلاف أنه لا يجب الإنصات والاستماع.

وقال الزجاج : يجوز أن يكون الامر بالاستماع للقرآن العمل بما فيه وأن لا يتجاوزه ، كما تقول : سمع الله لمن حمده ، بمعنى أجاب الله دعاءه ، لان الله سميع عليم.

والإنصات : السكوت مع الاستماع.

فصل : قوله (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ) الاية : ٢٠٦.

٣٥٢

بين الله تعالى أن الذين عنده وهم الملائكة ، ومعناه : أنهم عنده بالمنزلة الجليلة لا يقرب المسافة ، لأنه تعالى ليس في مكان ولا جهة ، فيقرب غيره منه ، لان ذلك من صفات الأجسام.

٣٥٣

سورة الانفال

فصل : قوله (وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ) الاية : ١.

قال الزجاج «ذات بينكم» معناه : حقيقة وصلكم. والبين : الوصل ، لقوله تعالى (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) (١) أي : وصلكم.

فصل : قوله (وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ. لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) الاية : ٧ ـ ٨.

معناه : أن الله يريد أن يظهر محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن معه على الحق «ويبطل الباطل» أي : يبطل ما جاء به المشركون.

وفي الاية دلالة على أن الله لا يريد الباطل ولا يريد إبطال الحق ، بخلاف ما يقوله المجبرة من أن كل ما في الأرض من باطل وسفه وفسق فان الله يريده ، لان ذلك خلاف الاية.

فصل : قوله (وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرى) الاية : ١٠.

الجعل على ضروب :

أولها : أن يكون بمعنى القلب ، كقولك جعلت الطين خزفا وبمعنى الحكم

__________________

(١). سورة الانعام : ٩٤.

٣٥٤

كقولك جعله الحاكم فاسقا.

وبمعنى الظن ، كقولك جعلته كريما بحسن ظني به.

وبمعنى الامر ، كقولك جعله الله مسلما بمعنى أمره بالإسلام.

فصل : قوله (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) الاية : ١١.

الغشيان : لباس الشيء ما يتصل به ، ومنه غشى الرجل امرأته ، وكان النعاس قد لا بسهم بمخالطته إياهم. والنعاس ابتداء حال النوم قبل الاستثقال فيه.

والامنة : الدعة التي تنافي المخافة ، تقول : أمن أمنا وأمانا.

وقوله (لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ) قال ابن عباس : معناه : يذهب عنكم وسوسة الشيطان ، بأنه غلبكم على الماء المشركون حتى تصلوا وأنتم مجنبين لان المسلمين باتوا ليلة بدر على غير ماء فأصبحوا مجنبين ، فوسوس اليهم الشيطان فيقول : تزعمون أنكم على دين الله وأنتم على غير الماء تصلون مجنبين وعدوكم على الماء.

فأرسل الله عليهم السماء فشربوا واغتسلوا ، وأذهب به وسوسة الشيطان وكانوا في رمل تغوص فيه الاقدام ، فشدد المطر حتى ثبت عليه الرجال ، فهو قوله (وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ).

والهاء في «به» راجعة الى الماء.

وقال الجبائي لان الاحتلام وسوسة الشيطان.

فصل : قوله (فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ) الاية : ١٢.

قيل : في معناه ثلاثة أقوال :

أحدها : اضربوا الاعناق ، ذهب اليه عطية.

وقال غيره : اضربوا أعلى الاعناق.

٣٥٥

وقال قوم : اضربوا جلدة الاعناق.

فصل : قوله (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ) الاية : ١٣.

قال الزجاج : معناه جانبوا الله ، أي : صاروا في جانب غير جانب المؤمنين ومثله حاربوا الله.

والشقاق أصله الانفصال ، من قولهم انشق انشقاقا وشقه شقا واشتق القوم إذا مر بينهم ، وشاقه شقاقا إذا صار في شق عدوه عليه.

فصل : قوله (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً) الاية : ١٧.

نفى الله تعالى أن يكون المؤمنون قتلوا المشركين يوم بدر ، فقال : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ) وانما نفى عمن هو فعله على الحقيقة ونسبه الى نفسه ، وليس بفعل له من حيث كانت أفعاله تعالى ، كالسبب لهذا الفعل والمؤدي اليه من أقداره إياهم ومعونته لهم ، وتشجيع قلوبهم فيه ، وإلقاء الرعب في قلوب أعدائهم المشركين حتى خذلوا وقتلوا على شركهم عقابا لهم.

وقوله (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) مثل الاول في أنه نفى الرمي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وان كان هو الرامي ، وأضافه الى نفسه من حيث كان بلطفه وأقداره.

وهذه الرمية ذكر جماعة من المفسرين ، كابن عباس وغيره أن النبي عليه‌السلام أخذ كفا من الحصباء فرماها في وجوههم ، وقال : شاهت الوجوه.

وقال بعضهم : أراد بذلك رمي النبي عليه‌السلام أبي بن أبي خلف الجمحي يوم أحد فأصابه فقتله.

وقال آخرون : أراد بذلك رمية سهمه يوم خيبر ، فأصاب ابن أبي الحقيق في فراشه فقتله ، والاول أشهر الأقوال.

فصل : قوله (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ) الاية : ٢٢.

٣٥٦

الدواب جمع دابة ، وهي ما دب على وجه الأرض ، الا أنه تخصص في العرف بالخيل.

فصل : قوله (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) الاية : ٢٤.

قيل : في معناه ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه يفرق بين المرء وقلبه وبالموت أو الجنون وزوال العقل ، فلا يمكنه استدراك ما فات.

الثاني : أن معناه بادروا بالتوبة ، لأنه أقرب الى المرء من حبل الوريد ، لا يخفى عليه خافية من سره وعلانيته.

الثالث : بتبديل قلبه من حال الى حال ، لأنه مقلب القلوب من حال الا من الى حال الخوف.

فأما من قال من المجبرة : ان المراد أن الله يحول بين المرء والايمان بعد أمره إياه.

فباطل ، لأنه تعالى لا يجوز أن يأمر أحدا بما يمنعه منه ويحول بينه وبينه ، لان ذلك غاية السفه ، تعالى الله عن ذلك.

وأيضا فلا أحد من الامة يقول : ان الايمان مستحيل من الكافر ، فإنهم وان قالوا :

انه لا يقدر على الايمان ، يقولون : يجوز منه الايمان ويتوهم (١) منه ذلك ، ومن ارتكب ذلك فقد خرج من الإجماع.

فصل : قوله (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) الاية : ٢٥.

معنى ذلك أنها تعم ، لان الهرج إذا وقع دخل ضرره على كل أحد ، ويجوز أن يقال : يخص الظالم ولا يعتد بما وقع بغيره للعوض الذي يصل اليه. ويحتمل أن يكون أراد أن هذه العقوبة على فتنتكم ليس يخص الظالمين منكم ، بل كل ظالم

__________________

(١). في التبيان : ويتوقع.

٣٥٧

منكم كان أو من غيركم.

فصل : قوله (وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) الاية : ٢٨.

الولد حيوان يتكون من حيوان بخلق الله له ، فعلى هذا لم يكن آدم ولدا ، وكان عيسى ولد مريم.

فصل : قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) الاية : ٢٩.

قيل : في معنى الفرقان أقوال :

أحدها : قال ابن زيد وابن إسحاق : يجعل هداية في قلوبكم ، يفرق (١) بها بين الحق والباطل.

وقال مجاهد : يجعل لكم مخرجا في الدنيا والاخرة.

وقال السدي : يجعل لكم نجاة. وقال الفراء : يجعل لكم فتحا ونصرا كقوله «يوم الفرقان» (٢).

فصل : قوله (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ) الاية : ٣٠.

المكر : القتل الى جهة الشر في خفي ، وأصله الالتفات من قول ذي الرمة :

عجزاء مكسورة خمصانة قلق

عنها الوشاح وتم الجسم والقصب (٣)

أي : ملتفة. والمكر والختل نظائر.

وقوله «ليثبتوك» قيل : في معناه قولان :

أحدهما : ليثبتوك في الوثاق ، في قول ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة.

والثاني : قال أبو علي الجبائي : معناه ليخرجوك ، يقال : أثبته في الحرب إذا جرحه جراحة مثقلة.

__________________

(١). في التبيان : تفرقون.

(٢). سورة الانفال : ٤١.

(٣). مقاييس اللغة ٤ / ١٣٣.

٣٥٨

فصل : قوله (فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ) الاية : ٣٢.

كل شيء من العذاب يقال : أمطرت. ومن الرحمة يقال : مطرت.

فصل : قوله (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) الاية : ٣٣.

انما لم يعاقب الله تعالى الخلق مع كون النبي عليه‌السلام بينهم على سلامته مما ينزل بهم ، لأنه تعالى أرسله رحمة للعالمين ، وذلك يقتضي أن لا يعذبهم وهو فيهم.

(وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) قيل : في معناه أقوال :

أحدها : أن النبي عليه‌السلام لما خرج من مكة بقي فيها بقية من المؤمنين يستغفرون ، وهو قول ابن عباس وعطية وأبي مالك والضحاك واختاره الجبائي.

وقال آخرون : أراد بذلك لا يعذبهم بعذاب الاستئصال في الدنيا وهم يقولون : يا رب غفرانك.

فصل : قوله (وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) الاية : ٣٤.

فان قيل : كيف تجمعون بين الآيتين على قول من لا ينسخ الاولى؟ فان في الاولى نفى أن يعذبهم وهم يستغفرون ، وفي الثانية أثبت ذلك؟.

قلنا : عنه ثلاثة أجوبة :

أحدها : أن يكون أراد وما لهم ألا يعذبهم الله في الاخرة.

والثاني : أن يكون يعني بالأول عذاب الاصطلام (١) كما فعل بالأمم الماضية وبالثانية أراد عذاب السيف والأسر وغير ذلك.

ويكون قوله (وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) أي : أنهم لا يعذبهم بعذاب دنيا ولا آخرة إذا تابوا واستغفروا.

فصل : قوله (وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً) الاية : ٣٥.

__________________

(١). في التبيان : الاستئصال.

٣٥٩

قال ابن عباس وابن عمر والحسن وعطية ومجاهد وقتادة والسدي : المكاء الصفير ، والتصدية التصفيق.

فصل : قوله (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) الاية : ٤١.

خمس الغنيمة يقسم عندنا ستة أقسام : فسهم لله وسهم رسوله للنبي.

وهذان السهمان مع سهم ذي القربى للقائم مقام النبي عليه‌السلام ينفقها على نفسه وأهل بيته من بني هاشم ، وسهم لليتامى ، وسهم للمساكين ، وسهم لأبناء السبيل من أهل بيت الرسول.

لا يشركهم فيها باقي الناس ، لان الله تعالى عوضهم ذلك عما أباح لفقراء المسلمين ومساكينهم وأبناء سبيلهم من الصدقات إذا كانت الصدقات محرمة على أهل بيت الرسول عليه‌السلام ، وهو قول علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ومحمد بن علي الباقر ابنه عليهم‌السلام ، رواه الطبري بأسناده عنهما.

والذين يستحقون الخمس عندنا من كان من ولد عبد المطلب ، لان هاشما لم يعقب الا منه من الطالبيين والعباسيين والحارثيين واللهبيين.

فأما ولد عبد مناف من المطلبين فلا شيء لهم فيه.

وعند أصحابنا الخمس يجب في كل فائدة تحصل للإنسان من المكاسب وأرباح التجارات والكنوز والمعادن والغوص ، وغير ذلك مما ذكرناه في كتب الفقه.

ويمكن الاستدلال على ذلك بهذه الاية ، لان جميع ذلك يسمى غنيمة. وأجمعوا على أن سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل شائع في الناس بخلاف ما قلناه.

واليتيم من مات أبوه ، وهو صغير قبل البلوغ ، وكل حيوان يتيم من قبل أمه الا ابن آدم ، فانه من قبل أبيه.

ومعنى (يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) يوم بدر ، وسمي يوم الفرقان لأنه

٣٦٠