درر الفوائد - ج ١ و ٢

آية الله الشيخ عبدالكريم الحائري اليزدي

درر الفوائد - ج ١ و ٢

المؤلف:

آية الله الشيخ عبدالكريم الحائري اليزدي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٣٥

بعد خطائه امضاء من الشارع ، فاذا تم السبب فرفع المسبّب يحتاج الى المزيل.

وفيه انه بحسب الثبوت وان كان وجها متينا ، لكن بعد عدم الاثبات لا يثمر نتيجة ، اذ القاعدة الاوّلية تقتضى عدم الاجزاء.

الثالث ما اختاره صاحب الكفاية «قدس‌سره» في مبحث الاجزاء (١) من التفصيل بين ما اذا قام الامارة او الطريق المعتبر على تنقيح ما هو شرط المكلّف به او جزئه ، كما اذا قامت البينة على طهارة بدن المصلّي او لباسه ، او قام خبر الثقة على طهارة الغسالة او عرق الجنب من الحرام ، مع اصابة احدهما بدن المصلّي او لباسه ، او على حلّية لحم الحيوان المشكوك اللحم كالارنب الذي اتخذ من وبره لباس المصلّي ، فالحق عدم الاجزاء ، وما اذا قام الاصل على تنقيح ذلك ، كما اذا حكم بالطهارة في المثالين الاوّلين او بالحليّة في الاخير ، بقاعدة الطهارة او الحليّة ، بل واستصحابهما في وجه قوى ـ وهو كون مؤداه ترتيب الاثر في موضوع الشك كما هو مؤدّى الاصول دون كونه ناظرا الى الواقع كما هو مؤدّى الامارة ـ فالحق الاجزاء ، ووجه هذا التفصيل ان التنزيل في دليل الاصل حيث انه عامّ لكلتا صورتي المطابقة واللامطابقة فيمكن جعله في صورة اللامطابقة معمما لدائرة الشرطية في الدليل الواقعي ، واما دليل الأمارة فحيث انه بلسان تصديق الحاكي في حكايته والغاء احتمال الكذب فلا تنزيل فيه لصورة عدم المطابقة حتى يجيء فيه احتمال الاجزاء ؛ هذا محصّل ما افاده.

وفيه ان تنزيل الاصل وان شمل الصورتين إلّا انه يمكن بنحوين : الاوّل ان يكون في عرض الواقع ، بان يكون المأخوذ في موضوعه الشك في الموضوع البحث ، والثاني ان يكون في طول الواقع ودستورا عمليّا لاجل رعايته ، بان يكون المأخوذ فيه الشك في الموضوع بلحاظ الانجرار الى الشك في الحكم ؛ ولا شك ان اللازم في النحو الاوّل هو الاجزاء ، وفي الثاني عدمه. ونحن ان لم

__________________

(١) الكفاية ، المقام الثاني من الموضع الثاني من مبحث الاجزاء «ص ٤ ـ ١٣».

٧٠١

نقل بظهور ادلة الاصول في النحو الثاني فلا اقلّ من تساوي الاحتمالين وحصول الاجمال ، فيبقى مقتضى الادلة الاوّلية من عدم الاجزاء بحاله.

فصل

«في مناط صحة عمل المقلّد ، ودليل جواز التقليد له»

لا يخفى ان التقليد الذي ، هو مناط صحة العمل في العامي عبارة عن متابعة المجتهد في العمل ، بان يكون معتمدا على رأيه في العمل ، ولا يترتب الاثر المطلوب من العمل من تفريغ الذمة إلّا بالعمل مع الاستناد المذكور ، ولا يتفاوت الحال في ذلك بين ان يكون لفظ التقليد اسما لخصوص الالتزام الحاصل باخذ الرسالة ، اوله مع اخذ المسألة ، او لكليهما مع العمل ، اذ على كلّ حال ليس المفرّغ للذمة الا العمل والاستناد المذكورين ، لوضوح ان الالتزام الخالي غير مفرغ ، وكذا مع الاخذ من دون عمل ، وكذا العمل الخالي عن الاستناد ، فلا يترتب في هذا المقام الذي يبحث فيه عمّا هو مناط صحة العمل اثر على البحث المذكور ، نعم يترتب عليه في المبحث الآتي.

هذا بناء على اخذ التقليد من الارتكاز.

واما بناء على اخذه من التعبد والاخبار كما ياتي بيانه ان شاء الله تعالى فلا يبعد ايضا تفسيره بالعمل مع الاستناد كما يأتي ولا يتوهم ان تفسيره بالعمل بعد توقف صحة العمل على التقليد مستلزم للدور ، اذ لزوم الدور مبني على قيام دليل على اشتراط العمل بوقوعه مسبوقا بالتقليد ، بحيث صحّ ان يقال انه وقع عن تقليد ، وهو في محلّ المنع ، فلا محذور في كونه اسما للكيفية المنتزعة من نفس العمل.

ثمّ الدليل على التقليد عند العامي لا يمكن ان يكون تعبديا ، من كتاب وسنّة واجماع ، لعدم قدرته على الاستفادة منه لا اجتهادا ، كما هو الفرض ، ولا

٧٠٢

تقليدا ، لان التقليد في نفس مسألة التقليد اما دور او تسلسل ، فلا بد ان يكون دليله الارتكاز ، والحق ثبوت الارتكاز وبناء العقلاء على رجوع الجاهل في كل باب الى العالم به وكون قول ذلك العالم ظنا خاصّا عندهم ، وبضميمة عدم الردع الشرعي يصير ظنا خاصّا شرعيا ، وبذلك يجاب عمن تمسك بمقدّمات الانسداد في حقّ العامي ، كالمحقق القمي اعلى الله مقامه.

واما الاخباريون فان كان مورد تشنيعهم جعل العامي المجتهد في عرض الامام عليه‌السلام او النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ذا حظّ من التشريع ، كما هو دأب العامّة بالنسبة الى ائمتهم الاربعة ، فهذا بمعزل عن مرام الاصوليين ، فان مرامهم انه لما احتاج الاجتهاد بواسطة بعد العهد عن زمان المعصومين صلوات الله عليهم الى مقدّمات صعبة ، من اعمال القوة في تشخيص مداليل الالفاظ ، ثم في الفحص عن المعارض ، ثم في علاج التعارض ، والعامي ليس اهلا لهذا الشأن ، والاهل له هو المجتهد ، فيرجع العامي اليه ، كما في سائر موارد الرجوع الى اهل الخبرة ، فان اراد الاخباريّون التشنيع على هذا المعنى فهو غير متوجّه ، لكونه امرا حقّا يدلّ عليه الارتكاز القطعي. مضافا الى الادلة التعبدية المذكورة في محلّها.

فصل

[في اشتراط الحياة في مرجع التقليد]

قد عرفت ان دليل العامي على اصل التقليد هو الارتكاز ، واما في خصوصياته التي منها الاستواء بين الحيّ والميّت او لزوم كونه حيا ، فان جزم باحد الطرفين بواسطة ارتكازه ايضا فلا كلام ، وان حصل له الترديد فلا محالة في هذه المسألة ايضا يستريح بباب العالم ، فالمقصود من عقد هذا الفصل بيان انّ ما هو مقتضى القاعدة ما ذا حتى يجيب به المجتهد عن هذا السؤال فنقول :

وان كان مقتضى الاصل الاولى عدم الحجية عند الشك ، إلّا انه قد

٧٠٣

يتمسك للجواز باستصحاب حجية الرأي : امّا بان يقال : ان رأي هذا المجتهد كان في حياته حجة على كلّي المكلّف ، فالآن كما كان ، ثم تسريته الى الافراد لازم للاعمّ من الظاهريّ والواقعي ، وامّا بان يقال : هذا العامي على تقدير وجوده وبلوغه وعقله في زمن ذلك المجتهد كان محكوما بحجية رأيه ، فالآن ايضا كما كان ، وهذان التقريبان كما ترى جاريان في كل من قسمي التقليد ، البدويّ والاستمراريّ.

وهنا تقريب ثالث جار ايضا في كلا القسمين ، وهو استصحاب نفس الاحكام الفرعية المتعلقة بهذا العامي في حياة المقلّد ، من نجاسة الغسالة والعصير وامثالهما ممّا ادّى اليه رأى ذلك المجتهد. هذا.

وقد يناقش في الاستصحاب بجميع تقريراته : اما على الاولين فلاجل الشك في ان الموضوع لحجية الرأي هل هو الرأي بوجوده الحدوثي ، او هو بوجوده الفعلي ، فان كان الاوّل كان باقيا ، وان كان الثاني فهو بنظر العرف يزول بالموت ، لخراب البدن وقواها المدركة ومدركاتها جميعا بالموت ، ويكون الحشر في المعاد بنظرهم من اعادة المعدوم ، وان كان مقتضى الدقة خلاف ذلك ، لبقاء النفس وتجردها ، إلّا ان المدار في الاستصحاب على النظر العرفي ، مضافا الى امكان دعوى القطع بان الموضوع هو الوجود الفعلي ، للاجماع على سقوط رأي المجتهد عن الحجية بالتبدّل الى رأي آخر أو إلى الشك او بزوال الملكة لهرم ونحوه ، وذلك آية قطعية على كون العبرة بوجوده الفعلي.

واما التقريب الاخير فجريانه مبني على جعل ظن المجتهد جهة تعليلية ، بان كان النجاسة ثابتة للعصير بما هو بعلّة ظن المجتهد ، وفيه انه من المحتمل لو لا المقطوع كونه مقوّما ، بحيث يكون ارتفاع الحكم عند ارتفاعه من قبيل الارتفاع بارتفاع الموضوع ، لا ارتفاعه عن الموضوع ، مضافا الى ان التحقيق عدم جعل الحكم في مورد الطرق والامارات التي منها ظن المجتهد ، بل المجعول صرف الحجية والعذر ، ولا حكم حتى يستصحب.

٧٠٤

هذا ما يقال في المناقشة على تقريبات الاستصحاب (١).

وفيه منع الشك ، بل الموضوع هو الظن بوجوده الحدوثي قطعا ، وذلك لان عمدة الادلّة في باب التقليد هو الارتكاز الحاكم برجوع الجاهل الى العالم ، وبعد القطع بان قطع العالم وظنه ليس بحجة عند العقلاء بملاك السببية ، بل بملاك الطريقية ، نقطع بان طريقيته قائمة بحدوثه من غير نظر الى بقائه بحيث يكون بقائه كضم الحجر ، وكذا يكون نظر العقلاء في اعتمادهم ايضا الى حدوثه ، اما ان طريقيته قائمة بمحض الحدوث فلاجل انا نرى انهم يستفيدون الشهرة والاجماع من فتاوى الاموات ، وكذلك يؤيّدون مدّعاهم في المسائل العلمية برأي شيخنا الانصاري «قدس‌سره» بعد موته واما كونه موردا لاعتماد العقلاء فلاجل انا نراهم يرتّبون الاثر على قول المعمار بعد موته كما في حال حياته بلا فرق.

وامّا ما ذكرت من الاستشهاد بتبدّل الرأي وزوال الملكة على كون المعيار هو الظنّ الفعلي ، ففيه ان التبدل موجب لزوال الكشف والطريقية ، والمقصود اثبات الحجية للحدوث مع حفظها ، وامّا زوال الملكة بالهرم ونحوه فليس حاله الا كحال ملكة العدالة والذكورة والعقل ، فكما ان اعتبار هذه الاخيرة لا ينافي كون الموضوع حدوث الظن كذلك الاول بلا فرق.

ثم لو خلّينا وانفسنا لم نفرق في حجية الرأي بين حالي الحياة والموت ، لكن لمّا رأينا هذه القيود التعبّدية من الشارع انقدح الشك في انه لعلّ منها ايضا قيد الحياة فحينئذ نتمسك في دفعه بالاستصحاب.

وامّا ما ذكره في دفع التقريب الثالث فبعد الغض عن الخدشة في مجعولية الحجية بنفسها ، يرد على ما ذكره على تقدير تسليم جعل الحكم ان نفسه صرّح

__________________

(١) المناقشات لصاحب الكفاية «قدس‌سره» في بحث الاجتهاد والتقليد منها ، ص ٤٤١ ـ ٤٤٥.

٧٠٥

في حاشية الاستصحاب من الكفاية (١) ، فيما اذا قام الطريق المعتبر على ثبوت الحكم وقصر عن الدلالة على البقاء ، «بامكان الرجوع الى الاستصحاب ، بتقريب انه من المحتمل اصابة ذلك الحكم الظاهري مع الواقع مع كون الواقع ممّا يبقى ، وحيث ان الظاهري متحد مع الواقعي في صورة الاصابة شخصا فيمكن استصحاب شخص ذلك الحكم» فيتوجّه عليه سؤال الفرق بين المقامين.

هذا تمام الكلام في مقتضى الاصل الاوّلى في المقام ، وقد عرفت انه الجواز.

وحينئذ فلا بدّ من التكلّم في مقدار دلالة الدليل المانع حتى يرجع في المقدار الزائد الى مقتضى الاصل فنقول :

الدليل المانع هو الاجماع المحقق ظاهرا القائم على المنع عن الاخذ بفتوى الميّت والرجوع اليه وتقليده ، والمعلوم المتيقن من مورده هو الابتدائي ، واما الاستمراري فيكون مشكوكا فيرجع فيه الى مقتضى الاصل ، وحينئذ نقول حيث ان التقليد ـ كما مرّ الاشارة اليه وسيأتي تفصيله ان شاء الله تعالى ـ لا يبعدان يكون عبارة عن العمل ، فلو التزم حال حياة المجتهد ومات المجتهد قبل اتفاق العمل لا يبعدان يكون عمله بعد الموت داخلا في التقليد الابتدائي ، نعم لو عمل في حياته ببعض المسائل مما ابتلى به مع الالتزام الاجمالي في سائر المسائل ثم مات المجتهد فلا يبعدان يكون عمله ولو في سائر المسائل خارجا عن التقليد الابتدائي ، وعلى هذا ففي صورة تحقق الالتزام حال الحياة من دون العمل اصلا الاحوط الرجوع الى الحي ، فانه مطابق للاحتياط على كلّ حال ، ولا يحتاج في الحكم بجوازه الى اثبات الاجماع.

بيان ذلك يبتني على تعيين ان مفاد الاستصحاب هل هو ايجاب البقاء او

__________________

(١) في الحاشية على التنبيه الثاني من تنبيهات الاستصحاب ، ص ٣١٠.

٧٠٦

جوازه او التفصيل بين صورة اعلمية الميت فالايجاب ومساواته فالجواز؟ فان كان مفاده الجواز فالاحتياط بالرجوع الى الحي ، وإلّا فبأحوط القولين ، والظاهر من الوجوه المذكورة هو الاخير :

اما في صورة المساواة فلأن تعيين ذلك الميت حال الحياة كان من باب عدم الدليل على جواز العدول الى صاحبه ، والمفروض انه بعد الممات وجد الدليل على الجواز ، وهو الارتكاز القطعي.

والقول بانه انما جاز في هذه المسألة اعني مسألة البقاء والعدول خاصّة دون المسائل الفرعية تحكّم بارد ، فهل خبرويته مخصوصة بالاولى دون الثانية؟! او دليل حجية قوله خاصّ كذلك؟ بل الحق انه بحكم الارتكاز الصحيح جاء الى باب هذا العالم ، فاذا كان لهذا العالم في مقام تعيين الوظيفة فتويان ، فبايّ منهما افتاه كان واقعا في المحلّ ، وعلى هذا فالحجية المستصحبة لقول الميّت حجية ذاتية لا تعيينية ، فيصير قوله بواسطة الاستصحاب مع قول الحي بواسطة الارتكاز كقول الحيين المتساويين ، فيجئ فيهما ما يجيء فيهما من التخيير البدوي او الاستمراري.

واما في صورة اعلمية الميّت فحيث ان تعيين قول الاعلم يكون من جهة الدليل التعبدي على ما يأتي ان شاء الله تعالى فالمستصحب حينئذ هو الحجية التعيينية.

فتحصّل مما ذكرنا انه اذا اخذ الفتوى من الميت ومات المجتهد قبل العمل فالاحوط مع المساواة الرجوع الى الحي ، ومع اعلمية الميت الاخذ باحوط القولين.

واما اذا اخذ الفتوى وعمل في مقدار من المسائل بانيا على ذلك في سائر المسائل عند الابتلاء ثم مات المجتهد فالاقوى مع المساواة جواز البقاء وجواز العدول مع كون الثاني احوط ، ومع اعلمية الميت وجوب البقاء. والله تعالى هو العالم بحقيقة الحال.

٧٠٧

تذييلات

الأوّل : اذا قلد مجتهدا ثم مات مجتهده فقلد في مسألة البقاء والعدول مجتهدا آخر ثم مات هذا المجتهد ايضا فقلد ثالثا في هذه المسألة ، فان توافق رأيه مع رأي الثاني في المسألة المذكورة فلا كلام ، وكذا اذا كان رأي الثاني البقاء والثالث العدول اذ الحكم هو العدول من المسائل التى بقي عليها بحكم الثاني على فتاوى الاوّل الى الثالث. انّما الكلام في عكس هذه الصورة اعني ما اذا كان رأي الثاني العدول والثالث البقاء.

فقد يقال : بان اللازم البقاء بحكم الثالث على فتوى الثاني في خصوص المسائل الفرعية ، دون فتواه في مسألة العدول ، اذ لو قيل بالبقاء فيه يلزم من حجيته عدم حجيته ، اذ كما ان مفاده عدم حجية الفتاوى الفرعية كذلك عدم حجية نفسه.

وقد يستشكل بان المحذور انما يلزم من اخذه في جميع مداليله ، واما اذا اخرج عنه هذا المدلول اعني عدم حجية نفسه بالتخصيص العقلي ، واخذ بسائر مداليله اعني عدم حجية فتاواه الفرعية ، فلا يلزم محذور ، ويكون الاستصحاب في هذه الفتوى بالنسبة الى بقية المداليل حاكما على الاستصحاب في الفتاوى الفرعية ، وعلى هذا فاللازم العدول في الفروع الّتي عدل فيها من الاول الى الثاني الى الثالث ثانيا.

وفيه ان المفروض ان العامي استراح في مسألة البقاء والعدول الى باب هذا العالم الحي ، ونحن ايضا صوّبناه في هذا النظر ، ولازم ذلك ان يكون ما يؤدّى اليه نظر هذا العالم من حجية الفتاوي الفرعية مأخوذا واستصحابه حجة لا محكوما لاستصحاب حجية قول من خالفه في هذه المسألة ، وعلى هذا فاللازم من جريان الاستصحاب في فتوى المجتهد الثاني في مسألة البقاء والعدول ولو

٧٠٨

بالنسبة الى سائر المداليل هو الاداء الى خلاف مفاده ، اذ مفاده عدم حجية الفتاوى الفرعية لنفسه ، فيلزم الرجوع قهرا الى الحي ، والمفروض انه يفتيه بالبقاء على فتاوى الميت في الفروع ، فينجر الامر بالاخرة الى خلاف المفاد ، وما يلزم من حجيته ذلك لا يمكن حجيته ، هذا. مضافا الى امكان ان يقال : ان حجية قول الميّت في مسألة البقاء والعدول قد انتقضت حالتها السابقة بنقيضها ، لاجل الارتكاز القطعي القائم بتعين المرجع فيها في الحي دون الميّت ، وانما الترديد في الفتاوى الفرعية.

الثاني : هنا اشكال في عامة الموارد التي يكون مدرك فتوى الفقيه هو الاستصحاب ، وحاصله انه لا يمكن ان يكون المجرى للاستصحاب هو العامي ولا الفقيه : اما الاوّل فلعدم تحقق الموضوع من اليقين السابق والشك اللاحق ، اذ المعتبر من الشك هو ما كان بعد الفحص ، والعامي غير قادر عليه ، ولم يجر دأب ارباب الفتوى ايضا بالاخبار اولا بالفحص وعدم الظفر ثم الفتوى بعدم نقض اليقين بالشك بل يفتون اولا بالحكم الواقعي بتّا. واما الثاني فلعدم صحة جعله مدركا للفتوى بالنسبة الى العامي بعد عدم تحقق الموضوع في حقه وهل هو الا مثل ان يفتي الفقيه المستطيع العامّي الغير المستطيع بوجوب الحج ، هذا. مضافا الى عدم العمل في مقامنا بالنسبة الى المجتهد نفسه ايضا.

وحاصل الجواب على وجه يصح به ما هو المرسوم بين ارباب الفتوى ان المجرى للاستصحاب هو الفقيه ولكن الاثر العملي الملحوظ ترتبه هو الاعم من الاركاني والقلبي الجناني ، اعني التجزم بالواقع المدلول عليه بالقضية الاخبارية ، فكما كان يجب على الفقيه في حال اليقين التجزم بالواقع والافتاء به كذلك يجب في حال الشك ، وكما كان في حال اليقين يفتي بان هذا حكم الله الواقعي في حق كل احد فكذلك في حال الشك ، ثم بعد ذلك يأخذ به العامي ، لكونه قولا صادرا من اهل الخبرة.

الثالث : قد عرفت اعتبار قيد الحياة في جواز التقليد الابتدائي ، فاعلم انه

٧٠٩

يعتبر في جواز الابتدائي والاستمراريّ معا وجود ملكة الاجتهاد وملكة العدالة ، فلو زال إحداهما لا يجوز التقليد ، لا ابتداء ولا استدامة ، ويدلّ عليه ظهور الدليل المعلق لجواز التقليد على العنوانين في دوران الحكم مدارهما ثبوتا وبقاء ، وامّا اعتبار البلوغ والعقل فالدليل عليه منحصر بالاجماع ، كما يظهر من ارسالهم له ارسال المسلّم ، وإلّا فليس في الادلة اللفظية تعرّض لهما مع صراحة دليل الارتكاز بعدم الاشتراط ، كما ان هذا هو الحال في اعتبار الذكورة والحرية على ما ارسله بعضهم ، واما اضافة بعض زيادة على وصف العدالة اشتراط عدم الاقبال على الدنيا بجمع اموالها ، مستدلا بقوله عليه‌السلام في رواية الاحتجاج : «مخالفا على هواه» (١)

ففيه ان الظاهر كما يشهد به سائر فقرات الرّواية ان المراد اعتبار العدالة في مقابل الفسق ، ومخالفة الهوى في مقابل الامر والنهي الشرعيين ، ألا ترى ان من يأكل الجبن عن متابعة الهوى لا يخرج بذلك عن اهلية الافتاء.

فصل

«هل يشترط الاعلمية في مرجع التقليد؟»

اذا تعدّد المجتهد الحي فاما ان يتفقا في الفتوى واما ان يختلفا ، لا كلام على الاوّل ، وعلى الثاني اما ان يتفاوتا في مرتبة العلم والفضيلة واما ان يتساويا ،

الأوّل في حكم صورة التفاضل ، والثاني في حكم صورة التساوي ، والثالث في حكم الشبهة الموضوعية وانه هل الاصل المرجع فيها ما ذا؟ وانه هل يجب لفحص اولا؟

__________________

(١) الوسائل ، الباب ١٠ من ابواب صفات القاضي ، الحديث ٢٠.

٧١٠

امّا المقام الاوّل

فاعلم اوّلا ان تعيّن الرجوع الى الافضل في نفس مسألة تعين الافضل ، فيما اذا حصل التردّد للعامي ، حيث ان رجوعه الى المفضول فيها مستلزم للدور ، خارج عمّا نحن فيه ، فان كلا منافي ان مقتضى الضوابط ما ذا حتى يجيب به الافضل عن السؤال المذكور فنقول :

لا كلام في الحجية الشانية لكلّ واحد من المتفاضلين ، بمعنى انا لا نحتمل ان يكون قول المفضول بمثابة قول العامي ، بل الكلام في الحجية الفعلية الناظرة بحال التعارض ، فاطلاقات بعض الادلّة الناظرة الى الحجية الذاتية كاطلاق دليل الارتكاز غير مفيدة لما نحن بصدده ، وحينئذ فنقول :

لا اشكال في ان مقتضى القاعدة الاولية مع قطع النظر عن ورود التعبد الشرعي بالتعيين او التخيير هو التساقط المقتضي للزوم الاخذ باحوط القولين ، كما انه لا اشكال ايضا فيما لو قام التعبّد الشرعي على التخيير ولكن كان المتيقن منه غير صورة التفاضل ، في ان المتعيّن قول الافضل ، لدوران الامر بين التعيين والتخيير.

انما الكلام في انه لو قام الدليل على التخيير بنحو الاطلاق فهل هنا دليل يدلّ على تقييده وتعيين الرجوع الى الافضل أو لا؟ وعلى فرض الوجود ما مقدار دلالته؟ فالكلام في هذا المقام ممحض في بيان هذا الدليل ، واما بيان الدليل على اصل التخيير فضلا عن اطلاقه فموكول الى المقام الثاني كما يأتي ان شاء الله تعالى فنقول :

الدليل على التقييد المذكور مقبولة عمر بن حنظلة (١) المصرّحة بتعيّن الرجوع الى الافقه عند معارضته مع غيره.

__________________

(١) الوسائل ، الباب ٩ من ابواب صفات القاضي ، الحديث ١.

٧١١

لكن قد يستشكل في دلالتها على المدّعى في المقام ، بانّها واردة في مقام الحكومة ، والترجيح في ذلك المقام ـ حيث إنّ الخصومة لا ترتفع الا به لا بالتخيير ـ لا يستلزم التخيير في مقام الفتوى.

والجواب انك عرفت فيما تقدم ظهور صدرها في اعطاء منصب القضاء لمن كان عارفا لا بما هو هذا العنوان وان لم يكف عرفانه لتميز الحق عن الباطل في مورد التنازع ، بل بما هو طريق للتميز في مورد النزاع ، كما يشهد بذلك قوله عليه‌السلام : «فاذا حكم بحكمنا» وحينئذ فنقول : الظاهر ان السؤال في الذيل راجع الى هذا الذي جعل موضوعا في الصدر ، فكانه قال : اذا اتّحد الفرد لهذا العنوان فلا اشكال ، واما اذا اختلف الفرد ان منه فلا نعرف ان ايّهما ميزان لمعرفة الواقع حتى يكون هو المنصوب للقضاء؟ فاذا اجاب بتعيّن الافقه فهو في قوّة انه هو الميزان لمعرفة الواقع ، ويشهد لذلك قوله عليه‌السلام : «الحكم ما حكم به افقههما ـ الى ان قال : ـ ولا يلتفت الى ما يحكم به الآخر «الخ» ، فان المراد بالحكم هو الرأي والقول كما يشهد به سائر الفقرات.

فان قلت : هذه المقبولة لا تفيد المدّعى ، لان المدّعى هو الترجيح بصرف الافقهية ، ومفادها الترجيح بمجموع الامور الاربعة من الأفقهية واخواتها.

قلت : بل مفادها الترجيح بمطلق الرجحان الحاصل باحد من الامور المذكورة ، كما يشهد به قول السائل بعده : «لا يفضل واحد منهما على الآخر». نعم اللازم من هذا لزوم الترجيح بصرف الاورعية ولو مع المساواة في العلم ، ولا بأس بالقول به.

فان قلت : الظاهر ان هذه الامور مرجحات الرواية كما هو المراد قطعا في الفقرات المتأخرة ، وذلك لعدم مناسبة الأصدقيّة لباب الفتوى ، بل وكذا الافقهية مع اختلاف مدرك الفقيهين وكونه حديثين كما هو مورد الرواية ، والمناسب لباب الفتوى هو الترجيح بالافقهية مع فرض كون المدرك لهما حديثا واحدا وكان الاختلاف في فهم المراد.

٧١٢

قلت : اما مناسبة الأصدقية فهي عين مناسبة العدالة بمعنى ملكة الاجتناب عن مطلق الكبائر التي منها شرب الخمر ، فكما اتفقت الكلمة على اعتبارها بهذا المعنى في اصل جواز التقليد فايّ مانع في اعتبار الأصدقية في مقام الترجيح. واما الأفقهية مع اختلاف الحديثين فلا يخفى مناسبتها للفتوى ، اذ ربما اوجب الأفقهية طرح احدهما لخدشة في سنده او جهته او دلالته وقد خفيت على الآخر. وبالجملة الظاهر عدم الخدشة في دلالة المقبولة على المدّعى.

وامّا مقدار دلالتها فاعلم ان غاية ما تدلّ عليه ترجيح الافقه في صورة العلم بالاختلاف ، إما تفصيلا وإمّا اجمالا على وجه الشبهة المحصورة ، فيبقى صورة الشك البدوي والعلم الاجمالي المندرج في الشبهة الغير المحصورة باقية تحت اطلاقات التخيير المنفصلة عن هذه المقبولة ، نعم في موضوع العلم بالاختلاف قد اعتبر الأفقهية الواقعية ، وعلى هذا فيجب الفحص عن الاعلمية مع العلم بالاختلاف ، ولا يجب الفحص لا عن الاختلاف ولا عن الاعلمية مع الشك فيه.

وبهذا يفترق المقام عن اخبار الثقة ، حيث يجب الفحص هناك عن اصل وجود المعارض وكذا عن اقوائيته بعد فرض الفراغ عن وجوده ، وجه الفرق ان دليل اصل حجية الخبر ناظر الى صورة عدم المعارضة الواقعية ، ودليل العلاج ما دلّ منه على التخيير علّقه على المعارضة الواقعية مع عدم الاقوائية كذلك ، وما دلّ على الترجيح علّقه على المعارضة الواقعية مع الاقوائية كذلك ، فلا جرم يجب الفحص في كلّ من المقامين. وامّا في مقامنا فلم يرد الحكم بترجيح الافقه في صورة الاختلاف في كلام الامام عليه‌السلام ابتداء ، بل فرض السائل اوّلا اختلاف الفقيهين بعد مراجعة المترافعين ثم ورد الجواب بتعيّن الافقه ، ولا يمكن الاخذ باطلاق هذا الجواب بواسطة سبق السؤال المذكور ، وليس هذا من باب مانعية القدر المتيقن في مقام التخاطب عن الاخذ بالاطلاق حتى يقال : انك لا تقول به ، بل من باب احتفاف الكلام بما يصلح

٧١٣

للقرينية ، فليس المقام من قبيل ما اذا قيل في جواب السؤال عن حال زيد : اكرم العالم ، بل من قبيل ما اذا ورد الجواب عن سؤال الشرب عن الاناء المفضّض بقوله : اعزل فمك عن موضع الفضة.

المقام الثاني

في حكم صورة التساوي ، والاقوى فيه التخيير ، ويدلّ عليه طوائف ثلاث من الاخبار :

الاولى : المقبولة المتقدمة صدرا وذيلا : اما صدرها فلدلالته على اعتبار قول العارف بالاحكام مطلقا من غير فرق بين وجود فرد آخر متصف بالعنوان المذكور في العالم وعدمه ، وعلى الاوّل كان موافقا معه في الرأي ام مخالفا ، وعلى الثاني كان مساويا معه ام افضل ، خرج الصورة الاخيرة بحكم الذيل وبقى الباقي ، والمقبولة بهذا الاعتبار داخلة في الطائفة الثالثة الآتية ، فعدها في قبالها انما هو باعتبار الذيل. واما ذيلها فلدلالته على الترجيح بالامور الاربعة مقتصرا عليها ، فيدلّ على التخيير مع عدمها جميعا اذ الترجيح فرع وجود الملاك في الطرف الآخر ايضا.

الثانية : بعض الاخبار التي ذكرت في باب علاج الخبرين المتعارضين ، ولكن بعض ذلك خاصّ بباب الفتوى وبعضه عامّ لكلا البابين :

امّا الاول فموثقة سماعة المروية عن الكافي عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن رجل اختلف عليه رجلان من اهل دينه في امر كلاهما يرويه ، احدهما يامره باخذه ، والآخر ينهاه ، كيف يصنع؟ قال عليه‌السلام : يرجيه حتى يلقى من يخبره فهو في سعة حتى يلقاه : (١) حيث ان الاختلاف انما يسند الى الشخصين اذا كان لهما اعمال النظر ، واما اذا كان شأنهما صرف نقل الالفاظ

__________________

(١) الوسائل ، الباب ٩ من ابواب صفات القاضي ، الحديث ٥.

٧١٤

فلا يسند الاختلاف الّا الى الحديثين ، ولا ينافي ذلك قوله : «كلاهما يرويه» اذ مفاده ان وجه اختلاف نظرهما اختلاف الرواية.

وامّا الثاني فمرفوعة زرارة (١) الواردة في الخبرين او الحديثين المتعارضين الحاكمة بالتخيير بعد ذكر المرجّحات بقوله عليه‌السلام : «اذن فتخيّر» : تقريب الاستدلال ان الصدر الاوّل كما كانوا يراجعون الى الرواة في مورد نقل الفاظ الامام عليه‌السلام اما بعينها واما بالفاظ أخر مرادفة لها كما هو المعبّر عنه بالرواية المصطلحة ، كذلك كانوا يراجعون اليهم في مورد نقل المضمون الذي حصّلوه من عدّة روايات متشتّتة ، مع ضمّ أمارات أخر عندهم ، ونحن ان لم نقل بظهور قوله ارواحنا فداه في التوقيع الشريف (٢) : «واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة احاديثنا» في القسم الاخير فلا اقلّ من التعميم وحينئذ فنقول : ما المانع من القول بتعميم الخبرين المتعارضين للفتويين المتعارضتين أيضا. وان ابيت الا عن اختصاصه بالرواية المصطلحة نقول : لنا الاخذ بعموم التعليل المصرّح به في بعض اخبار التخيير من قولهم عليهم‌السلام : «بايّهما اخذت من باب التسليم وسعك» (٣) فان المجتهدين ايضا ثقاتهم ، وفتاويهم كاشفة عن آرائهم ، فالتسليم والانقياد المتحقق في حق الرواة متحقق في حقّهم ايضا.

الثالثة : الاخبار الدالّة على الارجاع الى العلماء ، كصدر المقبولة المتقدمة ، والتوقيع الشريف ، بناء على اختصاصه بباب الفتوى كما لا يبعد ، ورواية الاحتجاج (٤) ، والمحكي في البحار عن المحاسن (٥) ، فان اطلاق هذه الطائفة شاملة لحال المعارض سواء كان مساويا ام افقه.

__________________

(١) مستدرك الوسائل ، الباب ٩ من ابواب صفات القاضي ، الحديث ٢.

(٢) الوسائل ، الباب ١١ من ابواب صفات القاضي ، الحديث ٩.

(٣) الوسائل ، الباب ٩ من ابواب صفات القاضي ، الحديث ٦.

(٤) الوسائل ، الباب ١٠ من ابواب صفات القاضي ، الحديث ٢٠

(٥) البحار ، الباب ١٤ من كتاب العلم ، الحديث ٥١ (ج ٢ ، ط جديد ، ص ٩٨).

٧١٥

فان قلت : ما الفرق بين هذه الاخبار وما دلّ على حجيّة خبر الثقة؟ فكما قلتم ان تلك الاخبار غير ناظرة الى حال المعارضة فكذا هذه ، وبعبارة اخرى : مفاد هذه الاخبار تقرير الارتكاز ، ومن الواضح عدم وفاء الارتكاز في صورة المعارضة بحكم.

قلت : الفرق بين المقامين أن الحجية في ذلك المقام تعلقت بطبيعة الخبر باعتبار الوجود السّاري اللازم منه تعلّق الحجية التعيينية بكل فرد من الخبر ، ومن المعلوم عدم تمشيها في كلّ من المتعارضين ولا في احدهما ، لانه ترجيح بلا مرجّح. واما هنا فالحجية متعلقة بطبيعة العالم باعتبار صرف الوجود الممكن التمشي في حال المعارضة : وجه الفرق ان كلّ فرد من الخبر غير كاف الا لمسألة واحدة ، دون غيرها من المسائل ، واما هنا فكل فرد من العالم كاف من اوّل الفقه الى آخره.

نعم غاية ما يلزم من هذا البيان امكان الاطلاق ، واما اثباته فلا ، فلأحد ان يقول : ليس مفاد الاخبار الا مفاد الارتكاز ، ولكن لنا اثبات الاطلاق ايضا ، بدعوى ان من المستبعد جدا اهمالهم عليهم‌السلام لحال هذه المعارضات ، مع كثرتها وكثرة ابتلاء العوام بها ، خصوصا في عصر الغيبة ، وبهذا البيان تقدر على اثبات الاطلاق بالنسبة الى صورة التفاضل ايضا ، نظرا الى كثرة وقوعه بين علماء العصر في كلّ عصر ، غاية الامر تقييده بواسطة ذيل المقبولة بصورة العلم بالاختلاف ، فيبقى الباقي تحت الاطلاق.

وهل التخيير بدوي او استمراريّ؟ الظاهر الاوّل ، فانا متى اخذنا باحدى الفتويين لا يبقى في الزمان الثاني بالنسبة الى هذه الفتوى اخذ آخر حتى يقع موردا للتخيير ، بل المتحقّق بقاء الاخذ ، واما بالنسبة الى فتوى الفقيه الآخر فالاخذ وان كان يتحقق ولكنه خارج عن مفاد الدليل ، لان مفاده على ما عرفت ، اما التخيير بين احداث الاخذ بهذا او احداثه بذاك وإما الاخذ بصرف الوجود المفروض تحققه بالاخذ بالفتوى الاولى ، فلا يمكن تحققه ثانيا في

٧١٦

الثانية ، فالمتحقّق في الفتوى الثانية ـ لو كان ـ إما التخيير بين احداث هذا وبقاء ذاك ، واما تعيينه ، بشخصه ، او بعنوان صرف الوجود ولكن مقيّدا بالزمان الثاني ، وكلاهما خارج عن مفاد الدليل.

ومن هنا تعرف عدم جريان الاستصحاب ايضا بعد مغايرة القضية المشكوكة مع المتيقنة ، واما استصحاب الجامع فإما محكوم لاستصحاب عدم الفرد الثاني واما معارض له.

هذا بناء على تفسير الاخذ بالفتوى بصرف الالتزام.

وامّا ان فسّرناه بصرف العمل غاية الامر عن استناد الى القول ، فاللازم التفصيل بين الواقعة الواحدة والواقعتين ، وفي الواقعة الواحدة بين صورة الالتزام المنفك عن العمل وبين الالتزام المقرون به ، بالقول بعدم جواز العدول في الاخيرة وجوازه في الاوليين ، ووجهه واضح.

وحاصل الكلام ان الاخذ والتقليد الواقعين في اخبار المقام كالاخذ الواقع في اخبار حجية الخبر ، سواء ما ورد في اصل حجيّته او في علاج التعارض بقولهم عليهم‌السلام «بايّهما اخذت من باب التسليم وسعك» بعد القطع بان المراد به التصديق العملى لا الجناني ، يدور الامر بين ان يراد بالتصديق العملى صرف الالتزام والبناء على العمل الخارجي ، مع كون نفس العمل خارجا عن مفهومه ، وبين ان يراد به العمل الخارجي بالقول المتحقق بان يأتي بالعمل ويكون استناده حين العمل الى القول ، ولا يبعد الذهاب الى الثاني بحكم التبادر.

فان قلت : بل لا بدّ من تفسيره بالالتزام ، اذ يلزم في الخبرين او الفتويين المتعارضين الدالّ احدهما على الوجوب والآخر على الحرمة ـ بناء على التفسير بالعمل ـ ان يكون التخيير بين الفعل والترك. وايضا يلزم تعلّق الحجية بالجامع المبهم بين المتعارضين ، ولا معنى لحجيته بالنسبة الى المدلول المطابقي ، وأما ان فسرّناه بالالتزام فالحجة حينئذ هو ما التزمه المكلّف ، وحجيته في المدلول المطابقي في غاية الوضوح.

٧١٧

قلت : اما ما ذكرت من لزوم التخيير بين الفعل والترك فغير وارد بعد اخذ قيد الاستناد في العمل ، اذ التخيير حينئذ بين الفعل استنادا الى قول الوجوب ، او الترك استنادا الى قول الحرمة ، ولا محذور فيه. واما ما ذكرت من قيام الحجية بالجامع المبهم ، فلا مانع فيه ، وهل هو الا كقيام الملكية بالكسر المشاع؟

فكما ان اختيار تعيين الكسر هناك بيد المكلّف ، فما المانع في المقام ايضا من جريان مثله؟

المقام الثالث

في حكم صورة الشك في اعلمية احد الفقيهين ، سواء كان في ابتداء الأمر ام حصل في الاثناء ، بعد الفراغ عن مساواتهما في اوّل الامر ، وسواء حصل في كلّ منهما على البدل ام في واحد معيّن دون صاحبه.

وهل يجري في جميع الصور استصحاب عدم الاعلمية او لا؟. قد يقال بالعدم ، نظرا الى عدم الحالة السابقة لهذا العدم بما هو مفاد ليس الناقصة ، اذ كما يعتبر فيه بهذا المعنى تحقق الموضوع المفروغ ، كذلك يعتبر تحقق المفضل عليه المتّصف بمبدإ العلم ، والجواب ان قولنا : فلان افقه الرجلين ، تارة يقال بمعنى افضليته من ذلك الآخر ، وهذا يعتبر فيه اتصاف ذلك الآخر بمبدإ الفقه ، واخرى يقال بمعنى انه افقه الناس من بينهما ، وعلى هذا التقدير لا يعتبر اتصاف ذلك الآخر بالمبدإ ، ومقامنا من القبيل الثاني.

ثمّ هل يشترط العمل بالاصل المذكور بالفحص اولا ، نظرا الى ان الشبهة موضوعية؟ وجهان ، مبنيان على ان الشك الماخوذ موضوعا في الاصول الشرعيّة هل هو اعمّ مما قبل الفحص وما بعده ، غاية الامر الاجماع على عدم جريانها في الشبهات الحكمية قبل الفحص ، فمقتضى القاعدة عدم الفحص الى ان يقوم الدليل على لزومه؟ او انه خصوص الشك الحاصل بعد الفحص ، غاية الامر قام الاجماع على اجراء احكام الاصول في بعض الشبهات الموضوعية فيما قبل

٧١٨

الفحص ، فمقتضى القاعدة على هذا هو الفحص الى ان يقوم الدليل على عدمه؟. الّذي قواه سيّد الاساتيذ العظام الميرزا الشيرازي عند بحثه عن لزوم التروّي في الشكوك الصّلاتيّة هو الثاني ، على ما نقله عنه شيخنا الاستاذ جزاهما الله تعالى عن الاسلام واهله خير الجزاء والله هو العالم بحقائق الاحكام.

وقد فرغ من تحريره مقرّره العبد محمّد علي العراقي «عفي عنه وعن والديه» في الخامس من شهر جمادي الثانية ، من السنة السابعة والخمسين والثلاثمائة بعد الألف (١٣٥٧)

٧١٩
٧٢٠