درر الفوائد - ج ١ و ٢

آية الله الشيخ عبدالكريم الحائري اليزدي

درر الفوائد - ج ١ و ٢

المؤلف:

آية الله الشيخ عبدالكريم الحائري اليزدي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٣٥

فالاولى في الدوران بين التخصيص والتقييد ملاحظة الخصوصيات الموجودة في المقام ان كانت.

ومنها : انه لو دار الامر بين النسخ والتخصيص فالثاني مقدم ، نظرا الى قلة الاول وشيوع الثاني حتى اشتهر انه ما من عام إلّا وقد خص.

اقول : ندرة الاول وشيوع الثاني ان كانا مرتكزين في ذهن العرف بحيث يصيران كالقرائن المكتنفة بالكلام فهو ، وإلّا فمجرد الظن لا ينفع ولا دليل على اتباعه.

نعم يمكن ان يقال في الخصوصيات الواردة في كلام الائمة بالنسبة الى عمومات الكتاب او السنة النبوية يتعين التخصيص ، لان النسخ وان أمكن وقوعه عقلا ، بان كان الناسخ مودعا عندهم عليهم‌السلام ، لكن وقوعه ولو نادرا غير محقق ، مضافا الى ما ورد عنهم عليهم‌السلام من ان حلال محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله حلال الى يوم القيامة ، وكذا حرامه عليه‌السلام (١) الظاهر في ان جنس الحكم المودع عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يتغير ولا يتبدل اصلا ، كما لا يخفى ، مضافا الى ارتكاز هذا المعنى في ذهن المسلمين.

فان قلت : كيف يحمل على التخصيص؟ مع حضور وقت العمل بتلك العمومات ، وهل هو الا تاخير البيان عن وقت الحاجة القبيح عقلا؟!

قلت : قبح ذلك نظير قبح الكذب يمكن ان يرفع بالوجوه والاعتبار ، فقد تقتضى المصلحة اخفاء القرينة على الحكم الواقعي ، كما انه قد تقتضى عدم بيانه وايكال الناس الى العمل بحكم الشك ، وبعبارة اخرى : تأخير البيان عن وقت العمل ليس علة تامة للقبح كالظلم حتى لا يمكن تخلفه عنه ، واذا لم يكن كذلك فقبحه فعلا منوط بعدم جهة محسّنة تقتضى ذلك.

الرابع : تعيين النص والاظهر فيما لو كان التعارض بين المتعارضين لا

__________________

(١) اصول الكافي ، باب البدع والرأى والمقاييس ، الحديث ١٩ ج ١ ، ص ٥٨.

٦٨١

اشكال فيه ، واما اذا كان التعارض بين ازيد منهما فقد يشكل الامر ، من حيث ان ملاحظة علاج التعارض بين اثنين منهما قد توجب انقلاب النسبة مع الآخر ، مثلا لو ورد اكرم العلماء ، وورد ايضا لا تكرم الفساق من العلماء ، ونعلم من الاجماع ونحوه عدم وجوب اكرام النحويين ، فقد يتخيل ان العام بعد القطع بخروج النحويين منه يصير بمنزلة قولنا : اكرم العلماء الغير النحويين ، والنسبة بينه وبين الخاص الآخر اعنى : لا تكرم الفساق من العلماء ، تكون عموما من وجه.

وهذا فاسد من جهة أن ورود كل من الخاصين على العام انما يكون في مرتبة واحدة وان كان احدهما قطعيا والآخر دليلا لفظيا قطعي الاعتبار.

نعم لو كان دليل التخصيص مكتنفا بالكلام ، بحيث انعقد للكلام ظهور واحد ، ودليل التخصيص الآخر منفصلا عنه يجب ان يلاحظ نسبة ذلك المخصص المنفصل مع ذلك العام المخصص ، لكن مع كونهما منفصلين لا وجه لملاحظة احدهما قبل الآخر وتخصيص العام به ثم ملاحظة الخاص الآخر مع العام المخصص ، وهذا واضح.

وقال شيخنا الاستاذ «دام بقائه» في وجه عدم انقلاب النسبة : ان النسبة انما هي بملاحظة الظهورات ، وتخصيص العام بمخصص منفصل ولو كان قطعيا لا ينثلم به ظهوره وان انثلم به حجيته «انتهى» (١).

اقول : الذي لا ينثلم هو ظهوره في المعنى التصورى ، اعنى الملقى في ذهن السامع حين سماعه ، وأما ظهوره في ارادة المتكلم فلا شك في اختلافه بعد التخصيص بالمنفصل ، اذ قبله ظاهر في ارادة الجميع على حد سواء ، وبعده يقطع بعدم ارادة البعض المخرج ويصير ظهوره في ارادة الباقي اقوى ، ولذا قد يصير كثرة التخصيص الى مرتبة يقطع بارادة الباقي.

__________________

(١) كفاية الاصول مبحث التعادل والترجيح ، ج ٢ ، (ص ٤٠٦ ، ط المشكينى).

٦٨٢

والعمدة في عدم الانقلاب ما ذكرنا من كون الخصوصات في عرض واحد لا وجه لملاحظة بعضها قبل الآخر حتى يوجب انقلاب النسبة.

ومن هنا يظهر انه لو كان النسبة بين المتعارضين عموما مطلقا بعد تخصيص احدهما بخاص يعامل مع ذلك العام المخصص ومقابله معاملة العام والخاص المطلق ، وان كان بينهما التباين قبل ذلك التخصيص (١) ، كما لو ورد : ثمن العذرة سحت ، وورد ايضا : ثمن العذرة لا بأس به ، وورد ايضا : ثمن عذرة المأكول اللحم لا باس به ، يجب تخصيص الدليل الاول واخراج عذرة المأكول اللحم منه ثم ملاحظته مع الدليل الثاني ، اعنى قوله : ثمن العذرة لا بأس به ، والسرّ في ذلك انه ليس تعارض المقيد مع المطلق والمطلق الآخر معه على نسق واحد ، فيجب تقييد المطلق بذلك المقيد ، وبعد التقييد يصير في حكم المقيد ، فيقيد اطلاق الآخر به ، فليتأمل جيدا.

ثم انه في الفرض الاول اعنى صورة تعارض العام مع الخصوصات اذا بقى من العام بعد خروج تلك الخصوصات مقدار لم يكن ارادته منه بشيعة فالحكم ما ذكرنا ، واما اذا لم يكن كذلك بان يكون الخصوصات مستوعبة لافراد العام ، او لم يبق بعد اخراجها مقدار يصح حمل العام عليه ، فيقع التعارض بين العام ومجموع الخصوصات ، وحالهما حال المتباينين ، فحينئذ لا يخلو إما ان يكون كل من العام والخصوصات متساويين في السند ، وإمّا لا ، وعلى الثاني إمّا ان يكون العام ارجح سندا من جميع الخصوصات ، وإمّا بالعكس ، وإمّا ان يكون راجحا

__________________

(١) قد عرفت في بعض الحواشي السابقة خروج المتباينين عن قانون المحاورة العرفية وان كان بينهما قدر متيقن ، ووجود الشاهد الخارجي لا يخرجهما عن ذلك وعلى هذا فلا بد من الرجوع الى الاخبار العلاجية فيهما وجعل ذلك الخاص مرجّحا لما وافقه ، فالمتعين التمثيل للمقام بالعامين من وجه مع الخاص المطلق ، كما في اكرم العلماء ، ويستحب اكرام العدول ، ويحرم اكرام فساق العلماء ، فانه بعد تخصيص الاول بالثالث يصير النسبة بينه وبين الثاني عموما مطلقا. (آية الله العظمى الحاج الشيخ محمّد علي الاراكى مدّ ظلّه العالى).

٦٨٣

بالاضافة الى بعض الخصوصات ، ومتساويا بالاضافة الى الباقي ، او مرجوحا كذلك ، وإمّا ان يكون مرجوحا بالنسبة إلى بعض ، ومساويا بالنسبة الى الآخر.

ففي الصورة الاولى : يحكم بالتخيير ، فان اخذنا بالخصوصات يطرح العام كلية ، وان اختير العام فلا وجه لطرح الخصوصات رأسا ، اذ التباين مع المجموع ، لا مع كل واحد فحينئذ يطرح منها مقدار لم يكن للاخذ بالباقي محذور ، فحينئذ يقع التعارض بين الخصوصات ، فيحكم بالتخيير ، لعدم الترجيح ، كما هو المفروض.

وفي الصورة الثانية : يؤخذ بالعام ، بناء على الاخذ بالترجيح ، ويطرح من الخصوصات ما لم يكن في الاخذ بالباقي محذور ، فحينئذ يلاحظ الترجيح في الخصوصات ان كان ، وإلّا فالتخيير.

وفي الثالثة : يؤخذ بجميع الخصوصات ويطرح العام.

والصور الباقية متحدة في الحكم مع الصورة التى لم يوجد ترجيح في البين اصلا ، اذ التباين انما يكون بين العام والبعض المبهم من بين الخصوصات ، وترجيح احد هذين المتباينين على الآخر لا يكون إلّا بترجيح العام على تمام الخصوصات او ترجيحها عليه ، فليتدبر

الخامس : لو بنينا على الترجيح واقتصرنا على المرجحات المنصوصة مع ملاحظة الترتيب بينها فلا اشكال في وجوب الاخذ بالمزية الملحوظة سابقة وعدم الاعتناء بالاخرى الملحوظة لاحقة ، وان لم نقتصر عليها بل تعدينا الى كل ما يوجب الاقربية الى الواقع او الأبعدية عن الخلاف ، او قلنا بناء على الاقتصار : ان ادلة الترجيح انما تكون في بيان ذكر المرجحات دون الترتيب بينها ، فمتى وجدت في احد المتعارضين احدى المزايا الموجبة لاحد المناطين بناء على الاول ، ووجدت اخرى في الآخر كذلك ، او وجدت احدى المزايا المنصوصة في احدهما ، واخرى في الآخر يحكم بالتخيير ، سواء كانت المزيتان راجعتين الى الصدور ، او احداهما اليه والاخرى الى جهته.

٦٨٤

والوجه في ذلك بناء على التعدى ان ملاك الاخذ باحدهما معينا كونه ـ لو فرض كذب احد المتعارضين وصدق الآخر ـ اولى بالمطابقة للواقع ، او كونه منضما الى شيء يوجب اقربيته الى الواقع ، على الاختلاف الذي ذكرناه سابقا في فهم الملاك من الاخبار ، وعلى كل حال مخالفة العامة عدّت في الاخبار مما يتحقق به ملاك الترجيح ، كالاعدلية وامثالها ، فلو كان احد الخبرين موافقا للعامة والآخر مخالفا لهم وكان رواة المطابق لهم اعدل يحكم بالتخيير ، لان ملاك الترجيح في كل منهما على نهج واحد لا مزية لأحدهما على الآخر.

وهكذا الكلام على القول بالاقتصار على المرجحات المنصوصة ، بناء على ان الاخبار ليست في بيان الترتيب ، بل هي في مقام تعداد المرجحات ، لانه كما ان الاعدلية عدّت في الاخبار من المرجحات كذلك مخالفة العامة ايضا عدّت منها ، فلا وجه لترجيح خبر الاعدل المطابق للعامة على غيره المخالف لهم ، خلافا لشيخنا المرتضى «قدس‌سره» حيث قدّم الخبر الارجح سندا المطابق للعامة على غيره المخالف لهم.

قال في باب التعادل والتراجيح ما لفظه : اما لو زاحم الترجيح بالصدور الترجيح من حيث جهة الصدور ، بان كان الارجح صدورا موافقا للعامة ، فالظاهر تقديمه على غيره وان كان مخالفا لهم ، بناء على تعليل الترجيح بمخالفة العامة باحتمال التقية في الموافق ، لان هذا الترجيح ملحوظ في الخبرين بعد فرض صدورهما قطعا كما في المتواترين ، او تعبدا كما في الخبرين بعد عدم امكان التعبد بصدور احدهما وترك التعبد بصدور الآخر ، وفيما نحن فيه يمكن ذلك بمقتضى ادلة الترجيح من حيث الصدور.

فان قلت : ان الاصل في الخبرين الصدور ، فاذا تعبّدنا بصدورهما اقتضى ذلك الحكم بصدور الخبر الموافق تقية ، كما يقتضى ذلك الحكم بارادة خلاف الظاهر في اضعفهما دلالة ، فيكون هذا المرجح نظير الترجيح بحسب الدلالة مقدما على الترجيح بحسب الصدور.

٦٨٥

قلت : لا معنى للتعبد بصدورهما مع وجوب حمل احدهما المعين على التقية ، لانه الغاء لاحدهما في الحقيقة «انتهى موضع الحاجة من كلامه» «رفع مقامه» (١).

اقول : قوله «او تعبدا كما في الخبرين ، الخ» ان اراد كونهما حجة فعلا فلا معنى له بعد وجوب الغاء احدهما المعين ، كما صرح به «قدس‌سره» في جواب المستشكل ، وإن اراد تساويهما بملاحظة دليل الحجية من دون ترجيح لاحدهما على الآخر بحيث يشمله الادلة الواردة في علاج المتعارضين فما نحن فيه من هذا القبيل ، لان الخبر الصادر من الاعدل الموافق لهم مع الخبر الصادر من غيره المخالف لهم سيّان بملاحظة دليل الحجية ، اما تساويهما بملاحظة الدليل الاول فواضح ، لان المفروض كونهما جامعين للشرائط المعتبرة في دليل الحجية ، واما تساويهما بملاحظة دليل العلاج فلأن المفروض اشتمال كل منهما على مزية خاصة موجبة للترجيح ، هذا.

والحمد لله على ما تيسر لى من تحرير هذه المسائل ، واصلى واسلّم على محمّد وآله اشرف الاواخر والاوائل ، واللعنة الدائمة على اعدائهم ومخالفيهم ومبغضيهم ما تنافرت الاضداد والاماثل.

__________________

(١) الفرائد ، المقام الرابع ، ذيل البحث عن المرجحات الداخلية ، الامر الخامس ، ص ٤٦٨ (طبعة رحمة الله).

٦٨٦

٦٨٧
٦٨٨

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، وصلّى الله على محمّد وآله الطّاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين ، من الآن الى يوم الدّين ، وبعد ، فهذا ما كتبه العبد ، محمّد علي العراقي «عفى عنه وعن والديه» في مباحث الاجتهاد والتقليد ، من إفادات آية الله في العالمين ، الحاج الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي «أعلى الله مقامه ، ورفع في الخلد أعلامه» متوسّلا بأذيال أهل بيت العصمة والطهارة ، صلوات الله عليهم أجمعين فإن جاء محمودا فمن بركاتهم ، صلوات الله عليهم ، وإلا فمن سوء حظّي وسقوطي عن درجة القبول ، ولا حول ولا قوّة إلا بالله العلي العظيم.

٦٨٩

خاتمة فيما يتعلق بالاجتهاد والتقليد

فصل

الاجتهاد لغة تحمّل المشقّة واصطلاحا عرّف بتعريفين :

أحدهما انه استفراغ الوسع في تحصيل الظن بالحكم الشرعي.

والثاني انه ملكة يقتدر بها على استنباط الحكم الشرعي الفرعى عن الأصل فعلا أو قوة قريبة.

وفي كليهما نظر ، لعدم صدقهما في موارد الاصول العقلية ، وكذا في موارد الطرق الشرعية ، بناء على القول بعدم جعل الحكم فيها.

فالعبارة الجامعة أن يقال : انه ملكة يقتدر بها على تحصيل القطع بالوظيفة العملية ، فالخبروية مثلا في تشخيص الطرق الصحيحة الموصلة الى الظهور النفس الأمريّ للكلام عن الطرق السقيمة الموصلة الى ما هو صورة الظهور لا حقيقته ، والمعرفة بصواب تلك الطرق عن خطائها وغثها عن سمينها ، وكذا تشخيص المقدّمات الصحيحة الموصلة الى الحكم النفس الأمري للعقل عن الطرق الفاسدة الموصلة الى ما هو صورة حكم العقل لا حقيقته ، هو المسمّى بالاجتهاد.

ولا وجه لمضايقة الاخباري عن الاجتهاد بالمعنى المذكور ، لأنها إن كانت لأجل أن الظهور العرفي والحكم العقلي ليسا بأمرين واقعيين حتى يحتاج معرفة صحاح طرقهما عن غيرها الى البحث والتفتيش ، فهو بمكان من الفساد ، وان كانت لأجل ورود المنع عن الخوض في مقدّمات معرفتهما مع كونهما أمرين واقعيين ، فهو أيضا محلّ المنع ، وانما ورد المنع عن القول بالقياس والاستحسان والرأي ، وبين ذلك ومقامنا بون بعيد ، وعدم البحث والتدوين في الصدر الأوّل

٦٩٠

عن قواعد الاستنباط المذكورة في علم الاصول بواسطة كثرة امارات الواقع وسهولة امر الاستنباط في تلك الأعصار لا يوجب اندراج البحث والتدوين لها في مثل زماننا الذي مسّت الحاجة اليها في عنوان البدعة ، كما هو الحال في تدوين الفقه والنحو والصرف.

فصل

«الاجتهاد المطلق والتجزّي»

ينقسم الاجتهاد الى مطلق وتجزّ : فالاول ملكة الاقتدار على تعيين الوظيفة العمليّة بالنسبة الى جميع الاحكام ، والثاني ملكة ذلك بالنسبة الى بعضها.

ولا اشكال في إمكان الأول وحصوله للاعلام ، وما يرى من كثرة الاختلاف بينهم في غالب المسائل غير مناف مع إطلاق الملكة وغير كاشف عن عدمه في بعضهم ، ببيان أن إطلاق الملكة يوجب قلّة خطاء صاحبها ، كقلة خطاء الحسّ في المحسوسات ، وجه عدم المنافاة ان كثيرا من هذه الاختلافات صورة اختلاف ، وليس اختلافا حقيقة ، وذلك ما كان منها من قبيل الفتوى واللافتوى ، والجزم واللاجزم ، إما بواسطة فحص أحدهما عن امارات الواقع بالمقدار المتعارف وعدم العثور ، وعثور الآخر من جهة فحصه زائدا عن المتعارف أو من باب الاتفاق ، وإمّا مع فحص كلّ منهما بالمقدار المتعارف لكن حصل القطع لاحدهما ، ولم يحصل للآخر ، مع عدم خروجهما عن المتعارف ، كما هو أمر ممكن. وما كان منها من قبيل اختلاف الفتويين بحيث كان كلّ منهما مخطئا لمدارك الآخر ، فأوّلا نمنع كثرة وقوع هذا الخطاء في شخص واحد ، وإنما كثرته بكثرة الأشخاص ، وثانيا نمنع مضريته اذا كان مما يليق بشان الفاضل ، نعم لو كان خطاء فاحشا لا يليق صدوره عن الفاضل فكثرة مثله عن شخص كاشف عن عدم اطلاق الملكة. وأما مقايسة قلّة الخطأ في حدس المجتهد بقلّة

٦٩١

الخطاء في الحس فممنوعة ، وانما المسلّم إلغاء العقلاء احتمال خطائه وعدم اعتنائهم بشأنه لا عدم تحقّقه في أنفسهم وجدانا.

ثمّ إن التكلم في المجتهد المطلق في مقامات ثلاثة : الأول في جواز عمل نفسه بمقتضى اجتهاده ، والثاني في جواز تقليد العامي له ، والثالث في جواز قضائه وفصل خصومته.

أما الأوّل : فهو من صغريات حجية القطع في حق القاطع ، حتى لو حصل لغير الأهل بمعرفة موازين الاستنباط ومن ليس له ملكته ، غاية الأمر ان خوضه في مقدّمات حصول القطع على هذا التقدير لو كان عن اختياره فهو غير معذور.

وأمّا الثاني : فإن كان كلّ من اصابة رأى المجتهد وصدقه في اخباره عن رأيه مقطوعين لدى العامّي فهو أيضا من صغريات حجية القطع ، ولا ربط له بباب التقليد ، ولا يفرق بين حال الحياة والممات ، كما هو واضح ، نعم لو كان أحد الامرين أو كلاهما غير معلوم لديه جاء حينئذ محل أدلة التقليد ، والتقييد بحال الحياة دون الممات ، على ما يأتى تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى.

ثم لو كان المجتهد قائلا بالانفتاح فهو المتيقن من الأدلة.

وأمّا لو كان قائلا بالانسداد فربما يقال : ان تقليده محلّ إشكال ، من جهة عدم كونه رجوعا للجاهل الى العالم ، بل الى الجاهل ، هذا مع عدم انحصار المجتهد فيه ، أو عدم تمكّن العاميّ من رفع الاحتياط العسري كما هو المفروض ، وأمّا مع الانحصار وتمكّنه من ذلك بان كان متجزيا في تلك المسألة جاز حينئذ رجوعه إليه ، لا من باب التقليد ، بل من باب أن ظنون ذلك المجتهد أقوى من الظنون الفعلية لذلك العاميّ ، هذا على فرض الحكومة ، وأما على تقرير الكشف فالرجوع إليه وإن كان رجوعا الى العالم ، لكونه عالما إمّا بالحكم الواقعي تعبدا بناء على القول بجعل الحكم في موارد الطرق ، أو بقيام الحجة الشرعية على الحكم الواقعي ، بناء على العدم ، كما هو الحال في المجتهد الانفتاحي ، كما أن الرجوع في موارد الاصول العقلية من جهة كونه عالما بفقد الحجة والبيان

٦٩٢

الشرعي ، وأما حكم العقل فهو شيء يرجع الى عقل نفس العاميّ فهو المرجع له ، وان كان على خلاف ما ذهب اليه مجتهده ، ولكن مع ذلك في شمول أدلة التقليد له اشكال من جهة اختصاص حجية تلك الطرق بمن جرت في حقه المقدمات دون غيره. هذا حال تقليد الانسدادي.

وأمّا حكومته فمحلّ اشكال ايضا بناء على الصحيح من الحكومة ، نعم لو فرض عرفانه بجملة معتدّ بها من المسائل الاجماعيات والضروريات في المذهب أو الدّين والمتواترات ، بحيث صدق عليه عنوان أنه ممّن روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا ـ كما وقع في المقبولة ـ (١) جاز حينئذ حكومته ، ولا ينافيه قوله عليه‌السلام في ذيل المقبولة «فاذا حكم بحكمنا آه» حيث يظهر منه اعتبار عرفانه في الواقعة المتنازع فيها ، وذلك لان الظاهر ان نسبة الحكم اليهم عليهم‌السلام من باب كونه حكم من هو منصوب من قبلهم ، لا اوّلا وبالذات ، ألا ترى ان الحكم في الوقائع الجزئية مثل ملكية دار لزيد وزوجية هند لعمرو لم يصدر منهم عليهم‌السلام قطعا ، ومع ذلك اسندوه الى انفسهم من جهة صدوره عمن هو منصوب من قبلهم هذا ما يقال. وفيه مواقع للنظر والاشكال :

امّا أوّلا فما ذكره من منع جريان المقدّمات مع عدم انحصار المجتهد محلّ منع ، إلّا اذا كان القائل بالانفتاح اعلم ، اما مع اعلمية القائل بالانسداد وتخطئته للانفتاحى فللعامى طريق تعبدي تفصيلي الى خطأ القائل بالانفتاح ، لتقليده في هذه المسألة القائل بالانسداد ، واما مع المساواة والتخطئة فالامر اوضح لتحقق الانسداد الوجداني حينئذ ، وذلك لانه بعد تساقط القولين في هذه المسألة الاصولية لا يبقى قول الانفتاحي في الفروع المتفرعة على هذا الاصل تحت ملاك الحجية ، فان قول الخبرة انما يكون حجة اذا كانت خبرويته دافعة لاحتمال

__________________

(١) الوسائل ، الباب ١١ من ابواب صفات القاضي ، الحديث ١.

٦٩٣

الخلاف في شخص المسألة المستفتى عنها ، وامّا اذا سقط عن هذا الشأن بواسطة التعارض في الاصل الذي ابتنى عليه المسألة فلا يبقى له حجية ، وان صدق عليه عنوان الخبرة ، هذا بناء على ما هو مقتضى القاعدة في صور المساواة مع قطع النظر عن التعبّد الشرعي بالتخيير ، واما بملاحظته فالحال حينئذ هو الحال في صورة الاعلمية ، حرفا بحرف ، اذ له اختيار القائل بالانسداد ليتحقق في حقه الانسداد التعبدي.

وامّا ثانيا فما ذكره من عدم التمكن من رفع عسر الاحتياط الا بكون العامي متجزّيا في هذه المسألة ممنوع ، لان تقليد المجتهد الانسدادى إما وحده وإما مع الانفتاحي ايضا سبيل ، وكونها مسألة اصولية غير مانع.

وامّا ثالثا فما ذكره من انه بعد تمامية المقدمات يرجع بناء على الحكومة الى ظنون المجتهد المذكور وان كان بالنسبة الى الظنون الفعلية الحاصلة للعامي من اعتبارات نفسه حقا ، ولكن بالنسبة الى ظنونه الفعلية الحاصلة له من قول الاموات الذين هم اوثق في نفسه من هذا الحي فمحلّ منع.

وامّا رابعا فما يستفاد من كلامه بناء على الكشف من رجوع العامي الى المجتهد الانسدادي ـ في تقدير جريان المقدّمات في حقه ـ وانه من رجوع الجاهل الى العالم يمكن منعه والقول بان حال العامي حينئذ مع المجتهد المذكور حال المجتهد الآخر الانسدادي معه ، في ان تكليفه الرجوع الى الظنون الفعلية لنفسه ، فلو كان ما يحصله من قول الاموات اوثق في نفسه واقوى من ظنون هذا المجتهد تعيّن اخذ تلك وطرح هذه.

وامّا خامسا فما ذكره في موارد الطرق من تعيّن التقليد في المسألة الاصولية اعني قيام الحجة على الحكم الواقعي ـ يمكن منعه ، لامكان التقليد في المسألة الفرعية ، لصدق كونه عارفا فيها ايضا بالاحكام الواقعية ، غاية الامر بالحجة التعبدية لا الوجدانية.

هذا بناء على ان الحجية وان كانت مجعولة بنفسها لكنها مستتبعة

٦٩٤

للحكم الطريقي المولوي ، وامّا بناء على عدم كونها كذلك كما ليست بمستتبعة ـ بالفتح ـ فلا مجال للاشكال ، اذ الحجية الصرفة غير مستلزمة لجواز النسبة الى الشرع ، كما هو واضح.

واما سادسا فما ذكره من منع التقليد في المستقلات العقلية ، ان كان في صورة كون العامي متجزيا في هذه المسألة العقلية فهو خروج عن الفرض من كونه عاميا ، وان كان لاجل منع جريان ادلة التقليد في العقليات واختصاصها بالنقليات ، ففيه انه لا وجه لذلك بعد اشتراك الكل في تعيين الوظيفة العملية الّتي هي المهمّ للعامي.

واما سابعا فما ذكره من جواز قضاء الانسدادي بناء على الحكومة اذا كان عارفا بجملة معتد بها من موارد الاجماع والتواتر والضرورة مستندا الى قوله عليه‌السلام في المقبولة : «انظروا الى رجل روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف احكامنا الخ» عجيب ، فانا كما لا نفهم من قوله تعالى : «فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ»(١) إلّا انه لا بدّ من السؤال لكي يحصل العلم للسائل امّا وجدانا واما تعبّدا ، كذلك لا نفهم من قوله عليه‌السلام في المقبولة إلّا انّه عند التنازع لا بدّ من الترافع الى من هو عارف باحكامهم عليهم‌السلام وموازين قضائهم ، حتى يكون ما يصدر منه من القضاء في شخص الواقعة المتنازع فيها مطابقا مع حكمهم وموازين قضائهم عليهم‌السلام بحيث نعلم ذلك منه اما وجدانا واما تعبّدا.

وامّا ثامنا فما ذكره في تاويل قوله عليه‌السلام «فاذا حكم بحكمنا الخ» مستشهدا بما اذا حكم بملكية دار لزيد وزوجية امرأة لعمرو غريب ، لوضوح ان ما يصدر من الحاكم ابدا لا يخلو اما ان يكون بنفسه حكمهم عليهم‌السلام ، كما في الشبهة الحكمية ، واما منطبقا على موازينهم عليهم‌السلام ، كما في الشبهة

__________________

(١) سورة النحل ، الآية ٤٣ ـ سورة الانبياء ، الآية ٧.

٦٩٥

الموضوعية.

هذا كلّه هو الكلام في الاجتهاد المطلق.

واما التجزي فامكانه مما ينبغي القطع به ، وان وقع محلا للخلاف ، بل يستحيل عادة حصول الملكة المطلقة الا مع سبق التجزي ، لاستحالة الطفرة ، وبساطة الملكة وعدم قبولها للتجزية غير مانعة بعد وضوح اختلاف مدارك المسائل ، سهولة وصعوبة ، عقلية ونقلية ، فربّ شخص ماهر في مدارك باب ليس له تلك المهارة في باب آخر ، واحتمال وجود مدرك للمسألة في باب آخر اجنبي بعد تبويب الفقه ليس محلا لاعتناء العقلاء.

ثمّ يقع الكلام في المتجزي ايضا في مقامات ثلاثة : الاوّل في جواز عمل نفسه بمقتضى نظره ، والثاني في جواز رجوع الغير اليه ، والثالث في جواز قضائه.

امّا الأوّل فان فرض كونه مجتهدا في مدارك المسألة الفقهية ، اعني الاستظهار من الخبر مثلا ، دون مداركها ، اعني حجية السند والظهور ، يتعين تقليده في المسألة الاصولية للمجتهد المطلق ، فان افتاه بالحجية في حقّة كما هو الحق رجع في المسألة الفقهية الى اجتهاد نفسه ، وان خالف اجتهاد المجتهد المطلق ، وان فرض كونه مجتهدا في مدارك المدارك ايضا كان من صغريات حجية القطع في حق القاطع.

وامّا الثاني فحيث ان عمدة دليل التقليد ، هو الارتكاز وبناء العقلاء يمكن ان يقال : يشك في بنائهم في المقام ، بمعنى صيرورة قول المتجزي عندهم بمثابة يدفع به لو خلّي وطبعه احتمال خلافه في اذهانهم ، كما هو الشأن في الظنون الخاصّة العقلائية ، ومع الشك الاصل عدم الحجية.

وامّا الثالث فحاله حال التقليد لانهما من واد واحد على ما عرفت ، نعم بناء على كونه بابا مستقلا بالتأسيس ـ كما عرفته من القائل المتقدم ـ يمكن ان يقال : حاله اشكل من التقليد إلّا اذا عرف جملة معتدّا بها من الاحكام بحيث صدق عنوان «من عرف احكامنا».

٦٩٦

فصل

في التخطئة والتصويب

اختلفت الامة ـ بعد اتفاقهم على التخطئة في العقليات ـ في الشرعيات ، فذهبت العامة الى التصويب ، والخاصّة الى التخطئة. ومجمل الكلام ان للتصويب بحسب التصوّر ثلاثة وجوه ، بعضها باطل عقلا ، وبعضها باطل شرعا :

الاوّل ان يكون الحكم مطلقا تابعا لقيام الأمارة ، وكان قيام الأمارة قطعا كانت او ظنا محدثا للحكم ، وهذا مستلزم للدور في نظر القاطع والظّانّ.

الثاني ان يكون الحكم تابعا لقيامها ، لكن كان قيامها كاشفا عن جعل الحكم سابقا على قيامها ، وهذا وان كان سالما عن الدور وعن محذور عقلي آخر ، حتى في الظن ، غاية الامر لزوم انقلابه في مرحلة البقاء علما ، ولا محذور فيه ، لكن انعقد اجماع الامامية على بطلانه.

الثالث ان يكون الحكم الواقعي مشتركا بين العالم والجاهل ، لكن كان قيام الأمارة على الخلاف موجبا لشأنيته وانكسار مصلحته في جنب مصلحة هذا العنوان الطاري ، وهذا ايضا وان لم يستلزم محذور الدور ؛ اما بالنسبة الى الحكم الواقعي فواضح ، واما بالنسبة الى الحكم الثانوي المخالف فلأن الدور انما يلزم من اخذ العلم او الظن في موضوع شخص الحكم المتعلق لهما ، لا في مثله ، والمقام من الثاني

لكن قد ادّعي الاجماع ايضا على بطلانه ، مضافا إلى كونه خلاف ظاهر الادلة ؛ من عدم ايراث الامر الظاهريّ مصلحة في متعلقه اصلا ، وكونه ممحضا في الطريقية.

ثم بعد البناء على الطريقية فهنا ثلاثة وجوه :

٦٩٧

الأوّل اختيار صاحب الكفاية «قدس‌سره» (١) ، وهو القول بان المجعول في موارد الطرق إمّا الحجية الصرفة ، وإما الحكم الطريقي الناشي عن المصلحة في نفسه مع عدم ارادة او كراهة في متعلقه ، وفي موارد الاصول هو الحكم الفعلي من جميع الجهات مع كون الحكم الواقعي فعليا من غير جهة الشك. وباحد هذه الوجوه اجاب عن محذور منافاة الحكمين ، مع السلامة عن التصويب باختيار الطريقية.

وفيه ان القول بجعل الحجية مبني على تعقّل ما يقولون من الامور الاعتبارية التي لا واقعية ولا تحقق لها غير انشاء من يعتبر العقلاء بانشائه ، وقد ناقشنا فيه في محله ، وامّا الامر الطريقي فان اريد صرف ما هو مدلول الصيغة الذي يعبّرون عنه بالطلب الايقاعي فهو وان لم يكن منافيا مع الحكم الواقعي المخالف لكنه ليس موضوعا لحكم العقل بلزوم الاطاعة ، وان اريد به الحالة النفسانية الباعثة والزاجرة ـ وان انفكّت عن الارادة والكراهة في المتعلق ، بناء على ما هو التحقيق من كونه امرا اختياريا يمكن ايجاده لاجل المصلحة في نفسه ـ فهو وان كان موضوعا لحكم العقل ، ولكن المنافاة بينه وبين الحكم الواقعي بحالها اوّلا ، ولا يوجب تنجيز عقوبة الواقع ثانيا ، بل العقوبة على مخالفة نفسه ، لكونه امرا مولويا. وامّا تعدد المرتبة ، ففيه انا لم نتعقل للحكم مرتبة غير مرتبة البعث والزجر.

الوجه الثاني ما اختاره في الدرر قديما (٢) وهو الالتزام بطولية رتبة الحكم الظاهري بالنسبة الى الواقعي.

وفيه ان اطلاق الذات للحكم الواقعي محفوظ في الرتبة الثانية ، ومعه يبقى المنافاة بحالها.

__________________

(١) الكفاية ، في الامر الثاني من الامور التي قدمها على البحث عن الامارات ، ج ٢ ص ٥٢ ـ ٤٤ ط المشكيني.

(٢) الدرر ، ج ٢ ص ٨ ـ ٣٥٥.

٦٩٨

فينحصر المخلص عن جميع الاشكالات في الوجه الثالث الذي اختاره في حواشي الدرر جديدا (١) ، وهو القول باخذ التجريد عن الشك في موضوع الحكم الواقعي لحاظا ، لا قيدا ، كأخذ التجريد عن الخصوصيّات في موضوع الكلية. واما التصويب فيجاب عنه بان الحكم الظاهري ليس ناشيا عن مصلحة في متعلّقه ، حتى يوجب كسر مصلحة الواقع ، بل عن مصلحة في نفسه ، وهي تسهيل الامر على العباد ورفع كلفة تحصيل العلم والاحتياط الكليّ عنهم ، مع كون ظنونهم الفعلية غالب المخالفة وعدم ايتمارهم بارشاد الشارع اياهم الى ما يراه طريقا ، فعند ذلك اوجبت الحكمة جعل عدة اوامر مولوية بلسان الامارة ، واخرى بلسان الاصل ، ثم العقوبة في صورة المخالفة عند الاصابة تكون على مخالفة هذا الامر الظاهريّ ، لكونه امرا مولويا ، لا على مخالفة الواقع ، لانّ الفرض عدم تنجزه ، لا بالعلم ولا بطريق آخر يراه العبد طريقا ، وفي صورة عدم الاصابة لا عقوبة لأجل عدم فوت غرض من المولى.

فصل

في تبدّل رأى المجتهد

لو تبدّل رأى المجتهد الى رأى آخر فلا اشكال في لزوم اتباع الرأى الثاني في الوقائع اللاحقة ، وامّا بالنسبة الى الوقائع السابقة فهل يرتّب عليها اثر الصحة اولا؟. لا بدّ اوّلا من تحرير محلّ النزاع فنقول :

هو ما اذا لم يكن مدرك الاجتهاد الاوّل هو القطع بالحكم الاوّلى ولا الظن الاجتهادي به وقد ظهر في الاجتهاد الثانوي خطاء نفس الاجتهاد ، كما اذا تبين انه توهّم ما ليس بظهور ظهورا ، اذ ليس في هاتين الصورتين امر ظاهريّ حتى

__________________

(١) الدرر ، ج ٢ ، تعليقة ص ٣٢٨.

٦٩٩

يختلف في اجزائه وعدمه بل المتحقق في الاولى صرف المعذورية العقلية ، وفي الثانية تخيّل الامر ، فمحل الكلام ما اذا كان مدرك الاجتهاد الاوّل ظنا اجتهاديا لم يتبيّن خطائه في نفس الاجتهاد ، وان تبيّن خطاء الطريق ، كما اذا عمل بالعموم بعد الفحص عن مظان المخصص بالقدر المتعارف مع عدم الظفر به ، ثم على خلاف المتعارف او على سبيل الاتفاق حصل العثور به فيتكلّم حينئذ في ان ذلك الامر الظاهريّ المتوجّه اليه قبل العثور ، هل يجزي عن الواقع اولا؟. وحينئذ نقول : لا اشكال في ان مقتضى القاعدة الاوّلية عدم الاجزاء على ما بيّن في مبحث الاجزاء ، والمقصود في المقام انما هو التعرّض عن ثلاثة وجوه ربما يقال لاجلها بالاجزاء في بعض الصّور :

الاوّل ما اختاره السيّد الطباطبائي صاحب العروة الوثقى «قدس‌سره» (١) من التفصيل بين ما اذا تبين خطاء الطريق الاوّل علما فعدم الاجزاء ، او ظنا فالاجزاء ، مستندا الى انهما فردان من الظن في مشمولية دليل الحجية سيّان ، فلا وجه لترجيح الثاني على الاوّل.

وفيه ان الوجه مجىء غاية الحجية بالنسبة الى الظنّ الاوّلى ، فالمقام اشبه شيء بما اذا تبدّل القطع بالقطع او الاطمينان بالاطمينان.

الثاني ما ربما يمكن ان يقال من التفصيل بين التكليفيات الصرفة ، كالصلاة بلا سورة ، والامور الواقعية التي كشف عنها الشارع ، كالطهارة والنجاسة ، فعدم الاجزاء ، وبين الامور التى لها اسباب خاصة عند العرف وقد امضاها الشرع ، كالملكية والزوجية وامثالهما ، ففي هذا القسم ان قلنا بان امضاء الشرع تصديق لنظر العرف فالحق ايضا عدم الاجزاء ، وان قلنا بانه كامضاء المالك المجازي تتميم للسبب فالحق هو الاجزاء ، لان الحكم الظاهري في موطن ثبوته الذي لم ينكشف

__________________

(١) في حاشية المكاسب ، على الفرع المعنون قبل بحث المضمون بالبيع الفاسد ، «ص ٨٩ ، ٩٠».

٧٠٠