درر الفوائد - ج ١ و ٢

آية الله الشيخ عبدالكريم الحائري اليزدي

درر الفوائد - ج ١ و ٢

المؤلف:

آية الله الشيخ عبدالكريم الحائري اليزدي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٣٥

صلاتك الخ» فليس هناك شكان حتى يكون احدهما مسببا عن الآخر ، بل علق الحكم في احدى القاعدتين على الشك في الجزء او القيد بعد انقضاء المحل ، وعلق في الاخرى عليه ايضا بعد الفراغ عن مجموع العمل.

واما تطبيق القاعدة على الشك في بعض افعال الوضوء كما في الموثقة فتصحيحه إمّا بما افاده شيخنا المرتضى «قدس‌سره» ، وقد عرفت عدم ورود ما اورده عليه شيخنا الاستاذ «دام بقاه» ، وإمّا بان يقال : ان المستفاد من الموثقة ان الشك في شيء من الوضوء بعد الوضوء لا يعتنى به من جهة انه من افراد الشك في الشيء بعد التجاوز ، ولا يستفاد منها ومن غيرها ان الشك في شيء من الوضوء قبل الفراغ عن اصل الوضوء يعتنى به من جهة انه شك في الشيء قبل التجاوز ، بل يمكن ان يكون الشك قبل تمام الوضوء مع كونه من افراد الشك بعد المحل يعتنى به ، لكون هذه القاعدة مخصصة بالنسبة اليه ، اذ لا منافاة بين بقاء فرد من افراد الشك بعد المحل في باب الوضوء تحت القاعدة ، وخروج الباقي ، وحينئذ نقول : ذكر القاعدة في الموثقة انما هو من جهة الاجراء على الفرد الباقي ، لا انها تدل على ان الشك في باب الوضوء داخل تحت القاعدة من دون تخصيص اصلا.

والحاصل انه لم يظهر من الاخبار أن الاعتناء بالشك في جزء من الوضوء ما دام مشتغلا به من حيث كونه داخلا في افراد الشك قبل التجاوز ، وأن الشك بعد التجاوز في باب الوضوء منحصر بالشك بعد تمام العمل ، حتى يحتاج في التوجيه الى ما افاده شيخنا المرتضى «قدس‌سره» ، او الى ما افاده شيخنا الاستاذ «دام بقاه» ، غاية الامر ان الموثقة السابقة تدل على ان الشك في شيء من الوضوء بعد الفراغ عنه لا يعتنى به لكونه من جزئيات الشك في الشيء بعد المحل ، ولو لا الاجماع والاخبار الصحيحة بوجوب الاعتناء بالشك ما دام مشتغلا بالوضوء لقلنا بمقتضى القاعدة : ان الشك في غسل اليد اليمنى بعد الشروع في اليسرى ، وكذا الشك في جزء منها بعد الفراغ عنها ، لا يعتنى به ،

٦٠١

لكن الاخبار والاجماع يخصصان القاعدة في الشكوك المتعلقة باجزاء الوضوء بعد المحل غير الشك الذي يكون كذلك بعد الوضوء هذا.

المقام الخامس : قد عرفت مما ذكرنا سابقا أن الشك في الشرط حكمه حكم الشك في الجزء ، لان الشرط ايضا امر يشك في وجوده ، وله محل خاص ، فلو تجاوز محله يشمله العمومات ، والكلام هنا في أنه ان احرز الشرط بهذه القاعدة بواسطة مضى محله هل يكفى للمشروط الآخر الذي محله باق بالنسبة اليه اولا؟ مثلا لو شك بعد صلاة الظهر في انها كانت مقرونة بالطهارة ام لا ، فلا شبهة في مضى محل الطهارة بالنسبة الى صلاة الظهر ، فتشمله العمومات ، فهل يكون المكلف بمقتضى تلك الادلة واجدا للطهارة حتى يجوز له الدخول في العصر من دون تحصيل الطهارة ، ام لا تدل الا على صحة صلاة الظهر ، لان محل الطهارة مضى بالنسبة اليها ، واما بالنسبة الى صلاة العصر فمحلها باق ، فيدخل بالنسبة اليها في الشك في الشيء قبل انقضاء المحل.

ويمكن تفريع هذا المطلب على ان الادلة هل يستفاد منها الطريقية بمعنى أن الشاك في شيء بعد التجاوز جعل له طريق الى احراز الواقع ، اولا يستفاد منها الا حكم الشك ، كسائر القواعد المقررة للشاك ، نظير اصالة البراءة والاستصحاب وغير ذلك؟ فان قلنا بالاول فيكتفى به لمشروط آخر ايضا ، لان الشخص المفروض واجد للشرط واقعا بحكم الطريق الشرعي ، والمفروض انه ما ارتفع على تقدير وجوده ، ويستلزم وجوده اوّلا بقاءه ، ومثل هذا اللازم يؤخذ به في الطرق الشرعية ، واما ان قلنا بالثاني فلا يكتفى به لمشروط آخر لان الشرط من هذه الجهة ليس مما تجاوز محله ، وهذا ظاهر.

ولما كان المطلب متفرعا على طريقية القاعدة وعدمها فليتكلم في ذلك :

ونقول : ان ظاهر الاخبار المذكورة فى صدر المبحث كونها من القواعد المقررة للشاك. نعم ما يوهم كونها معتبرة من باب الطريقية تعليل الحكم في بعض الاخبار بكونه حين العمل اذكر ، مثل رواية بكير بن اعين في الرجل

٦٠٢

يشك بعد ما يتوضأ قال عليه‌السلام : هو حين يتوضأ اذكر منه حين يشك (١) فان الظاهر منه أن الوجه في الغاء الشك وقوع المشكوك فيه في محله بموجب العادة والغلبة.

وفيه منع ، اذ فرق واضح بين جعل الظن الحاصل من العادة معتبرا ، كما هو مفاد الطريق ، او كونها علة لتشريع الحكم للشاك ، ولا يستفاد من الخبر الاول ، فيبقى ظهور الاخبار السابقة من كون هذا الحكم من الاحكام المقررة للشاك بحاله ، فليتدبر (٢).

المقام السادس : قد يتراءى في بادئ النظر لزوم التهافت في الاخبار السابقة ، اذ لفظ الشيء كما انه يصدق على جزء المركب كذلك يصدق على مجموعه ، فحينئذ لو شك في جزء من المركب بعد الفراغ منه فذلك الجزء مشكوك فيه ، ومجموع المركب ايضا مشكوك فيه ، اذ الشك في الجزء يستلزم الشك في الكل ،

__________________

(١) الوسائل ، الباب ٤٢ من ابواب الوضوء ، الحديث ٧.

(٢) هذا هو الكلام في الشك في الطهارة الحدثية بعد الفراغ عن العمل ، ولو فرض هذا الشك في الاثناء فهل يجري القاعدة لاحرازها بالنسبة الى الاجزاء اللاحقة أو لا؟ الظاهر ابتناء المسألة على اختصاص قاعدة التجاوز بخصوص باب الصلاة او عمومها لسائر الابواب ايضا ، ان قلنا بالاول. فحيث ان المشكوك الراجع الى الصلاة في باب الشروط انما هو التقيد بها ، ومحله بالنسبة الى كل جزء مقارن لذلك الجزء ، فمحل تقييد الاجزاء اللاحقة بالطهارة الحدثية باق. وان قلنا بالثاني فلنا اجرائها في الوضوء بناء على استفادة المحل الشرعي من قوله تعالى : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) دون كونه مسوقا لبيان الشرطية فقط ، اذ حينئذ نقول : محل الوضوء حتى بالنسبة الى الاجزاء اللاحقة جعل شرعا قبل الصلاة وقد انقضى ، فاذا حكم بمقتضى القاعدة بتحقق الوضوء ترتب عليه اثره الشرعي وهو الطهارة ، وبهذا التقرير يمكن القول بجواز الدخول في عمل آخر مشروط بالطهارة ، اذ بعد الحكم بتحقق الوضوء بمقتضى القاعدة لعمل بواسطة انقضاء محله بالنسبة الى ذلك العمل يترتب عليه اثره الشرعي ـ وهو الطهارة ـ ولو للعمل الذي لم ينقض المحل بالنسبة اليه ، لان أثر الوضوء ولو كان لغاية مخصوصة هو الطهارة مطلقا ولو لغير تلك الغاية. (م. ع. مدّ ظلّه).

٦٠٣

فههنا فردان من الشك : احدهما الشك في الجزء ، والآخر الشك في الكل ، والاول داخل في الشك في الشيء بعد تجاوز محله ، والثاني داخل في الشك فى الشيء ، قبل تجاوز محله ، وبالاعتبار الثاني يجب الاعتناء به دون الاول.

والجواب ان الظاهر من الشك في الشيء هو ان يكون الشك متعلقا به ابتداء لا ان يكون مشكوكا بواسطة امر آخر ، وما شك فيه ابتداء هو الجزء ، وان كان يصدق نسبة الشك الى الكل ، من جهة استلزام الاول للثاني.

وان ابيت فنقول : لزوم الاعتناء بالشك اذا كان قبل الخروج المستفاد من الاخبار ليس حكما تعبديا حتى يقع التعارض في مدلول الاخبار ، بل انما هو على طبق القاعدة العقلية المقتضية لوجوب اتيان كل ما شك فيه مما اعتبر في المأمور به ، غاية الامر خروج ما شك فيه بعد انقضاء المحل ، واما المشكوك فيه قبل انقضاء محله فلزوم الاتيان به من باب القاعدة الاولية ، وحينئذ نقول : الشك المفروض من حيث انه شك في الجزء لو شمله الدليل الدال على عدم لزوم الاعتناء به فليس في البين ما يعارضه ، لان الشك في الكل وان كان شكا في الشيء قبل انقضاء محله ، لكن عرفت ان الحكم بالاعادة فيه من باب قاعدة الاشتغال ، وبعد ما حكم الشارع بالغاء الجزء المشكوك فيه ـ كما هو مفاد اجراء الدليل في الشك في الجزء ـ لا يبقى محل لحكم العقل كما هو ظاهر.

المقام السابع : لا اشكال في ان المراد بالشك الوارد في الاخبار هو الشك الحادث بعد التجاوز لا الاعم منه ومن الباقي من اول الامر ، فلو شك من حين الدخول في الصلاة في كونه متطهرا فلا يجوز له الدخول فيها ، بملاحظة ان هذا الشك يصير بعد انقضاء العمل شكا في الشيء بعد تجاوز المحل ، وهذا واضح.

وهذا الشك الحادث بعد العمل على اقسام احدها ان يكون المكلف غافلا عن صورة العمل بمعنى انه لا يعلم الآن هل حرك خاتمه حين غسل اليد ام لا وهذا على قسمين : احدهما انه يعلم انه على تقدير عدم تحريكه الخاتم كان هذا مستندا الى السهو ، والثاني انه يعلم انه على هذا التقدير كان مستنده العمد ،

٦٠٤

وهنا قسم ثالث وهو انه على هذا التقدير لا يعلم انه مستند الى السهو او العمد ، لكن حكم هذا القسم يعلم بعد بيان القسمين الاولين ، والقسم الثالث ان يعلم كيفية العمل مثل انه يعلم بان كيفية غسل يده كانت بارتماس يده في الماء وانه لم يحرك خاتمه قطعا وانه كان غافلا حين العمل ولكن شك الآن في ان ما تحت خاتمه ينغسل بالارتماس ام لا؟

اذا عرفت هذا فنقول : اما القسم الاول فدخوله في الادلة مما لا اشكال فيه.

واما القسم الثاني فشمول الاخبار المطلقة له مما لا اشكال فيه ايضا ، واما تطبيق ما علل فيه بكونه حين العمل اذكر فتقريبه أن قوله عليه‌السلام : «هو حين يتوضأ اذكر» بمنزلة الصغرى للكبرى المطوية ، فكانه قال عليه‌السلام : هو حين يتوضأ اذكر ، وكل من كان متذكرا حين العمل فلا يتركه عمدا ، فعلى هذا تنفع هذه القضية لمن احتمل ترك الشيء سهوا ، وكذا لمن احتمل تركه عمدا ، كما لا يخفى.

وفيه : ان الظاهر من التعليل المذكور عدم الاعتناء بترك الشيء سهوا ، لكون الانسان متذكرا حين العمل غالبا ، واما عدم تركه عمدا فهو مفروغ عنه في الأسئلة والاجوبة الواردة في الاخبار.

ومن هنا يظهر الاشكال في القسم الآخر الذي ذكرنا انه يعلم حكمه ، والحاصل ان قوله عليه‌السلام هو حين يتوضأ «الخ» ليس متعرضا لالغاء احتمال التعمد.

واما القسم الثالث ففي شمول الادلة له وعدمه وجهان : من الاطلاق ، وظهور التعليل المذكور فيما اذا احتمل التذكر حين العمل.

ويمكن ان يقال : ان قوله عليه‌السلام «هو حين يتوضأ الخ» ليس من قبيل العلة بحيث يكون الحكم دائرا مداره ، بل هو من قبيل الحكمة لاصل تشريع الحكم للشك بعد الفراغ بنحو الاطلاق ، والدليل على ذلك امران :

٦٠٥

احدهما خلو ساير الاخبار المطلقة مع كونها في مقام البيان عن ذكر تلك العلة.

والثاني : ما رواه ثقة الاسلام ، عن العدة ، عن احمد بن محمد ، عن على بن الحكم ، عن الحسين بن ابى العلاء ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الخاتم اذا اغتسلت ، قال عليه‌السلام : حوّله من مكانه ، وقال في الوضوء تديره ، فان نسيت حتى تقوم في الصلاة فلا آمرك ان تعيد الصلاة (١). واحتمال ان يكون السؤال عن الخاتم الوسيع الذي يصل الماء تحته قطعا وانما امره بالتحويل والادارة استحبابا ، او حمل النسيان على الغفلة بعد العمل عن الادارة وعدمها حينه بعيد في الغاية.

وعلى هذا يمكن قويا الاخذ باطلاقات الاخبار ، وحمل التعليل المذكور على الحكمة ، والحكم بان الشك الحادث بعد التجاوز مطلقا ، سواء كان غافلا عن صورة العمل ام كان ملتفتا اليها ، وسواء كان احتمال تركه مستندا الى السهو ام كان مستندا الى العمد ، لا اعتبار به. هذا تمام الكلام في المقام وعليك بالتأمل التام.

[في اصالة الصحة]

وبقى الكلام في اصالة الصحة في فعل الغير وبيان مدركها ، وقد استدل عليها بالادلة الاربعة.

اما الكتاب فمنه آيات :

منها قوله تعالى : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) (٢) ومبنى الاستدلال على ان المراد من القول هو الظن والاعتقاد ، ووجه الدلالة على هذا ان التكليف المتعلق بالاعتقاد لكونه امرا غير اختياري راجع الى ترتيب الاثر ، فيجب على المكلفين

__________________

(١) الوسائل ، الباب ٤١ من ابواب الوضوء ، الحديث ٢.

(٢) سورة البقرة ، الآية ٨٣.

٦٠٦

ان يعاملوا مع الناس في افعالهم معاملة الفعل الصحيح.

لا يقال : تحصيل الاعتقاد امر اختياري اذا كانت مقدماته اختيارية.

لانا نقول : نعم قد يكون كذلك ، وقد يحصل قهرا ، بل في غالب الاحوال يكون كذلك ، فلا يمكن جعله موضوعا للالزام بنحو الاطلاق.

ومنها قوله تعالى : (اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) (١) تقريب الاستدلال أن ظن الخير ليس اثما قطعا ، فالظن الذي يكون اثما ومنهيا عنه هو ظن السوء ، والنهى عنه راجع في الحقيقة الى النهى عن ترتيب الاثر السوء حين الظن به ، لما مضى من عدم قابلية الظن للالزام ، فيجب ترتيب آثار الحسن والصحة لعدم الواسطة

ومنها قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٢) بناء على ان الخارج من عمومه ليس إلّا ما علم فساده لانه المتيقن.

ومنها قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) (٣) بالتقريب المقدم.

وانت خبير بما في المجموع من الضعف :

اما الآية الاولى ، فلانّ الظاهر منها مطلوبية قول حسن في مقام المعاشرة ، ولا ربط لها بترتيب آثار الصحة على فعل الغير ، وهي نظير قوله تعالى في توصية موسى وهارون على نبينا وآله وعليهما‌السلام : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) (٤).

واما الثانية فلان عدم الواسطة بين السوء والحسن او الصحة والفساد لا يلازم عدم الواسطة في المعاملة وترتيب الاثر ، اذ رب عقد لا يعامل معه

__________________

(١) سورة الحجرات ، الآية ١٢.

(٢) سورة المائدة ، الآية ١.

(٣) سورة النساء ، الآية ٢٩.

(٤) سورة طه ، الآية ٤٤.

٦٠٧

الانسان لا معاملة الصحة ولا معاملة الفساد ، وان كان في الواقع لا يخلو من احدهما.

واما الآيتان الاخيرتان مضافا الى عدم شمولهما لتمام المدعى اذ هى ليست خصوص العقود فالاستدلال بهما مبنى على جواز التمسك بعموم العام في الشبهات المصداقية ، وهو خلاف المشهور.

واما السنة فمنها ما في الكافي عن امير المؤمنين عليه‌السلام «ضع أمر اخيك على احسنه حتى يأتيك ما يقلبك عنه ، ولا تظنّن بكلمة خرجت من اخيك سوء وانت تجد لها في الخير سبيلا» (١).

ومنها قول الصادق عليه‌السلام لمحمد بن الفضل : «يا محمد كذّب سمعك وبصرك عن اخيك ، فان شهد عندك خمسون قسامة انه قال وقال لم اقل فصدقه وكذبهم» (٢).

ومنها ما ورد مستفيضا «ان المؤمن لا يتهم اخاه» (٣) وانه «اذا اتهم اخاه انماث الايمان فى قلبه كانمياث الملح في الماء» (٤) وان «من اتهم اخاه فلا حرمة بينهما» (٥) وان «من اتهم اخاه فهو ملعون» (٦) الى غير ذلك من الاخبار.

ولا يخفى ما في الكل ، خصوصا رواية ابن الفضل ، فان رد شهادة خمسين قسامة في مقابل انكار الاخ المؤمن وتصديقه فيما يترتب عليه الحكم الشرعي مما يقطع بخلافه ، فان القسامة هي البينة العادلة ، والاولى حملها على مورد لم يكن

__________________

(١) اصول الكافي ، ج ٢ ، باب التهمة وسوء الظن ، الحديث ٣ ، ص ٣٦٢.

(٢). الوسائل ، الباب ١٥٧ من احكام العشرة الحديث ٤. وفيه «عن محمّد بن فضيل عن أبى الحسن موسى عليه‌السلام» مع اختلاف يسير.

(٣) الظاهر أنّه مستفيض معنى راجع بحار الأنوار ج ٧٥ ص ١٩٤ ، الحديث ٤ نقلا بالمضمون.

(٤ و ٥) الوسائل ، الباب ١٦١ من احكام العشرة ، الحديث ١ و ٢

(٦) الوسائل ، الباب ١٣٠ من احكام العشرة ، الحديث ٥.

٦٠٨

لما يشهد به القسامة اثر شرعى ، فتكون هذه الرواية واردة في مقام آداب المعاشرة ، ومحصل مفادها على ما ذكرنا انه اذا رأيت او سمعت ولو من خمسين قسامة صدور قول او فعل من اخيك لا ينبغى صدوره في مقام المعاشرة فلا ترتب الاثر على ذلك ، واجعل المعاملة بينك وبينه كما لم يصدر منه شيء.

واما الاجماع القولى : فيظهر لمن تصفح فتاوى الفقهاء ، فانهم لا يختلفون في ان قول مدعى الصحة مطابق للاصل.

والاجماع العملى يعرف من ان سيرة المسلمين في جميع الاعصار على حمل الاعمال على الصحيح وترتيب آثار الصحة في عباداتهم ومعاملاتهم ، وهذا واضح من دون سترة.

والظاهر بناء العقلاء على ذلك من دون اختصاص بالمسلمين ، ويستكشف رضاء الشرع بضميمة عدم الردع.

ويمكن ان يكون هذا ايضا مدركا للفتاوى ، لا انهم اطلعوا على ما لم نطلع عليه.

وكيف كان اعتبار اصالة الصحة في فعل الغير اجمالا اظهر من ان يحتاج الى تكلف الاستدلال.

ولا يخفى ان بناء العقلاء والسيرة المستمرة على ان المحمول عليه هو الصحة الواقعية دون الصحة عند الفاعل ، وهذا واضح عند من نظر الى حالهم في المعاملات والعبادات ، ولكن الحمل على الصحة الواقعية في بعض الصور مشكل ، وتفصيل الصور : أن الشاك في الفعل الصادر من غيره ، إمّا ان يعلم بعلم الفاعل بصحيح الفعل وفاسده واقعا ، وإمّا ان يعلم بجهله بذلك ، وإمّا ان لا يعلم حاله اصلا. والصورة الثانية على اقسام : لانه إمّا ان يعلم باستناد جهله الى خطائه في الاجتهاد المعذور فيه او التقليد كذلك ، وإمّا أن يعلم بكونه عن تقصير ، وإمّا ان يجهل ذلك ، وحيث انه ليس في البين دليل لفظي ينظر فيه من حيث العموم والاطلاق فلا بد من ان يؤخذ بالمقدار المتيقن من السيرة ، ولا اشكال في تحققها في الصورة الاولى ، والظاهر تحققها في الصورة الاخيرة ايضا ،

٦٠٩

وأمّا تحققها في الوسطى بتمام اقسامها ففي غاية الاشكال ، وعليك بالتتبع في هذا المجال.

خاتمة

في تعارض الاستصحاب مع ساير القواعد المقررة للشاك

وفي تعارض الاستصحابين

ويذكر ذلك في ضمن مقالات

الاولى : في تعارضه مع القاعدة المقتضية لعدم الاعتناء بالشك بعد التجاوز :

ومجمل القول في ذلك : انه ان قلنا باعتبار القاعدة من باب الطريقية فوجه تقديمها على الاستصحاب واضح ، وان قلنا به من باب التعبد فمقتضى تقديمه على ساير الاصول وان كان تقديمه عليها ايضا إلّا انه لو قلنا به لزم لغوية القاعدة ، اذ قل ما يتفق عدم استصحاب في موردها ، مخالفا كان او موافقا ، ولو بنى على تقديم الاستصحاب على القاعدة كتقديمه على ساير الاصول لم يبق لها مورد الا نادرا غاية الندرة (١) فاللازم تقديمها عليه من هذه الجهة.

__________________

(١) وذلك لان الشك اما واقع في القيد او واقع في الجزء ، والثاني باسره مورد للاستصحاب ، والقيد اما راجع الى الفاعل او الى الفعل ، والاول ايضا مع الحالة السابقة مورد للاستصحاب ، نعم في الثاني حيث ان التقيد محتاج اليه ، ولا يمكن اثباته بالاستصحاب المثبت للقيد ، كان الجاري هو القاعدة ، كما في الاول مع عدم الحالة السابقة ، ولا يبعد ندرة هذين الموردين في جنب غيرهما ، ولكن الاشكال في ان ندرة المورد لا يوجب الاستهجان واللغوية في مقامنا كما يوجبه في سائر المقامات ، وذلك لان تقديم الامارة او الاستصحاب على قاعدة ظاهرية اخرى ليس من باب التخصيص او الحكومة المصطلحة ، لعدم التنافي المدلولي بينهما وبين تلك القاعدة ، اذ كل وجه يختار للجمع بين الحكم الواقعي والظاهري آت في الحكم الظاهري المقدم على مثله ، فلو فرض ندرة المورد من جهة كثرة الامارات الدالة على الواقع لم يكن هذا من التخصيص المستبشع في القاعدة المجعولة للشاك المنقطع اليد عن الامارات الواقعية ، لكن العمدة في المقام تطبيق قاعدة التجاوز والفراغ في الاخبار على خصوص مورد الاستصحاب ، وكفى بذلك وجها للتقديم. (م. ع. مدّ ظلّه).

٦١٠

الثانية : في تعارضه مع اصالة الصحة في فعل الغير :

ومجمل القول في ذلك : ان الشك في صحة الفعل الذي وقع في الخارج ناش من الشك في اخلال ما اعتبر فيه شرطا او شطرا ، وهذا على قسمين : احدهما ما يكون مجرى الاستصحاب ، كالبلوغ واعتبار المبيع بالرؤية او الكيل او الوزن ، والثاني ما لا يكون كذلك ، كما اذا شك في الصحة لاجل الشك في تحقق ما اعتبر قيدا للعقد ، كالعربية مثلا ، اذ لا يكون له حالة سابقة ، كما لا يخفى.

اما القسم الثاني فمجرى الاستصحاب فيه هو المجموع الملتئم من ما اعتبر فيه ، اذ هو مسبوق بالعدم ، ولكن الشك في بقاء ذلك على العدم مستند الى الشك في أن هذا الموجود هل هو مصداق لما رتب عليه الاثر شرعا ام لا؟ ومقتضى اصالة الصحة كونه مصداقا له ، فهي حاكمة على الاستصحاب.

واما القسم الاول : فان قلنا باعتبار اصالة الصحة من باب الطريقية فتقدمها عليه واضح ، وأمّا ان قلنا بكونها من الاصول العملية فتقدمها عليه مشكل ، لانه كما ان مقتضاها كون الواقع جامعا لتمام ما اعتبر فيه كذلك مقتضاه عدم تحقق الشرط الكذائى مثلا.

ولا يتوهم ان الاستصحاب حاكم على القاعدة ، من حيث ان الشك في الصحة مستند الى الشك في تحقق ما اعتبر فيه ، ومقتضى الاستصحاب عدمه ، كما هو المفروض ، لان ما يصح بالقاعدة ليس عنوان الصحة حتى يقال : ان الشك فيها ناش من الشك فيما اعتبر في الموضوع ، بل مفادها تحقق ما يكون مصداقا للصحيح في الخارج ، مثلا لو شك في صحة عقد وقع في الخارج من جهة الشك في بلوغ العاقد فمقتضى اصالة الصحة صدوره من البالغ ، ومقتضى الاستصحاب عدم بلوغ العاقد ، ومن المعلوم عدم حكومة احدهما على الآخر.

ويمكن ان يقال : بحكومة الاستصحاب من جهة ان مجراه نفس القيد المشكوك فيه ، ومجرى أصالة الصحة هو العقد من حيث تقيده بما اعتبر فيه ، ومن

٦١١

المعلوم ان الشك في تقيد العقد بكونه صادرا من البالغ ناش من الشك في بلوغ العاقد.

وقد يتوهم تقدم القاعدة على الاستصحاب من جهة أن أصالة عدم بلوغ العاقد لا تثبت إلّا ان هذا العقد صدر من غير البالغ ، وعدم الاثر انما هو مستند الى عدم وقوع العقد الصادر من البالغ اصلا ، وهذا الاصل لا يثبت ذلك الاعلى القول بالاصل المثبت ، اذ المفروض انحصار الكلى في الفرد الموجود الذي حكم عليه بمقتضى الاستصحاب انه من غير البالغ ، وحيث لا نقول بالاصل المثبت ولا نحكم بعدم صدور العقد الصادر من البالغ مطلقا فان اقتضت القاعدة وقوع ما هو سبب مؤثر اعنى العقد الصادر من البالغ فلا يعارضه شيء.

وفيه : أن استصحاب عدم البلوغ يقتضى عدم حصول النقل بواسطة العقد الموجود ، والمفروض عدم عقد آخر مؤثر في النقل ، فيصح الحكم بعدم النقل مطلقا ، لان أسبابه بين مقطوع العدم وما هو بمنزلة العدم.

لا يقال : ترتب عدم الكلى على عدم الافراد ترتب عقلى ، فلا يمكن المصير اليه إلّا بالاصل المثبت.

لانا نقول : لا نحتاج في الحكم بعدم النقل الى الحكم بعدم الجامع بين الخصوصيات ، بل يكفى في ذلك عدم الوجودات الخاصة ، اذ ليس المؤثر الا تلك ، نعم لو كان المؤثر هو الجامع من دون ملاحظة الخصوصيات ما صح الحكم بعدمه باجراء الاصل في الافراد الا على القول بالاصل المثبت.

والحاصل تنافي مقتضى الاصلين واضح ، ومقتضى ما قلنا سابقا حكومة الاستصحاب على القاعدة ، إلّا ان يقال : بتقدم اصالة الصحة ، من جهة ورودها غالبا في موارد الاستصحابات الموضوعية ، ولو لم نقل بذلك تصير كاللغو (١).

__________________

(١) لا يخفى انا ولو سلمنا ذلك لقاعدتي التجاوز والفراغ واغمضنا عن الاشكال السابق ، لكنه في المقام محل منع ، بملاحظة ان الدليل في المقام المتقدم لفظي فيجري فيه التخصيص المستبشع لو قلنا بتقديم الاستصحاب ، واما في المقام فعمدة الدليل هو بناء العقلاء وارتكازهم ، ـ

٦١٢

الثالثة : في تعارضه مع ادلة القرعة (١).

ومجمل القول في ذلك ان موضوع القرعة جعل في بعض الاخبار الامر المشكل (٢) ، وفي آخر المجهول والمشتبه (٣) فان اخذنا بمفاد الاول فتقدم الاستصحاب عليها واضح ، لارتفاع الاشكال فيما اذا ورد حكم من الشرع ولو ظاهرا ، وان اخذنا بالثاني فنقول : بتقدم الاستصحاب ايضا ، لا عمية دليلها منه ، فلا بد من تخصيص دليلها بدليله.

ومن هنا يعرف حالها مع ساير الاصول العملية التى كان مدركها تعبد الشارع بها ، اذ ما قلنا في تقديم الاستصحاب عليها جار في الكل ، نعم ان كان مدركها العقل فالقرعة واردة عليها ، لكن بشرط الانجبار بعمل الاصحاب ، لان كثرة التخصيص اوجبت وهنا في عموم ادلتها.

فان قلت : كثرة التخصيص ان وصلت الى حد الاستهجان فلا يجوز العمل به اصلا ، للعلم بعدم كون العام المفروض على الصورة التى وصلت بايدينا ، بل كان محفوفا بقرينة حالية او مقالية لم يلزم بملاحظتها هذا المحذور ، فيصير اللفظ

__________________

ولو قيل بتقدم الاستصحاب فلا يلزم الا الردع في البناء المذكور ، ولا محذور فيه ، فالصواب في وجه تقدم اصالة الصحة عدم كفاية اطلاقات الاستصحاب للردع. (م. ع. مدّ ظلّه).

(١) لا يخفى ان ما قلنا من عدم لزوم التخصيص المستبشع فيما تقدم غير جار هنا ، فيما كان من ادلة القرعة بلسان انها لكل امر مجهول او مشتبه ، وذلك لان الاصول الموضوعية او الحكمية التي مفادها ان المشكوك حكمه كذا لو قيل بتقدمها على القرعة مع كثرة مواردها يلزم التخصيص المستبشع ، نعم ما كان بلسان أن القرعة لكل امر مشكل سالم عن هذا المحذور ، بناء على ارتفاع الاشكال بواسطة وجود حكم في البين ولو كان ظاهريا عقليا ، لعدم العلم بالتخصيص في هذا العنوان في غير مورد الدرهم الودعي ، فلو عمل بها في غير هذا المورد يمكن القول بعدم الحاجة الى الجبر بعمل الاصحاب. (م. ع. مدّ ظلّه).

(٢) المستدرك ، الباب ١١ من ابواب كيفية الحكم ، الحديث ١.

(٣) الوسائل ، الباب ١٣ من ابواب كيفية الحكم ، الحديث ١١ و ١٨.

٦١٣

مجملا بالنسبة الينا ، لعدم علمنا بتلك القرينة تفصيلا. وان لم تصل الى الحد المذكور فهى ان لم توجب قوة الظهور لا توجب وهنا فيه ، فلا يحتاج الى عمل الاصحاب به ، بل يحتج به على من لم يعمل به.

قلت : نختار الشق الاول ونقول : إنّ عمل الاصحاب يكشف عن ان اللفظ المفروض مع تلك الضميمة التى كانت معه يشمل المقام ، كما ان إعراضهم عنه مع كونه نصب اعينهم يكشف عن عدم شموله للمقام كذلك. ولنا ان نختار الشق الثاني ونقول : ان كثرة التخصيص على هذا وان لم تكن موجبة للوهن بنفسها ، لكنها لا توجب الوهن اذا علم تفصيلا موارد التخصيص بالمقدار الذي علم اجمالا به ، واما اذا لم يعلم ذلك المقدار فلا يجوز العمل بالعام إلّا اذا أحرز أن مورد العمل ليس من اطراف العلم الاجمالي ، وعمل الاصحاب يوجب ذلك كما لا يخفى ، فلو احتملنا تخصيص المورد المفروض ايضا بعد خروجه عن اطراف العلم الاجمالي كان احتمالا بدويا غير مانع من الاخذ باصالة العموم.

الرابعة : في تعارضه مع اليد :

اعلم ان مقتضى التامل ان اعتبار اليد من باب الطريقية ، لبناء العرف والعقلاء على معاملة الملكية مع ما في ايدى من يدعى الملكية ويحتمل في حقه ذلك ، ومعلوم أن ذلك ليس من جهة التعبد ، كما في ساير الطرق المعمولة فيما بينهم ، ولا اختصاص لذلك بيد المسلم ايضا ، كما هو ظاهر.

ويشهد لما قلنا «رواية حفص بن غياث عن ابى عبد الله عليه‌السلام ، قال : قال له عليه‌السلام رجل : اذا رأيت شيئا في يدى رجل يجوز لى ان اشهد انه له؟ قال عليه‌السلام : نعم ، قال الرجل : اشهد انه في يده ولا اشهد انه له ، فلعله لغيره ، فقال ابو عبد الله عليه‌السلام : ا فيحل الشراء منه؟ قال : نعم ، فقال ابو عبد الله عليه‌السلام : فلعله لغيره ، فمن اين جاز لك ان تشتريه ويصير ملكا لك ثم تقول بعد الملك : هو لى ، وتحلف عليه ، ولا يجوز ان تنسبه الى من صار ملكه من قبله اليك؟ ثم قال ابو عبد الله عليه‌السلام : لو لم يجز هذا لم يقم

٦١٤

للمسلمين سوق» (١).

فان الظاهر أن السؤال عن جواز الشهادة على انه مالك واقعا ، اذ السائل عالم بالملكية الظاهرية بمقتضى اليد ، ولذا قال : نعم ، في جواب قول الامام عليه‌السلام : «ا فيحل الشراء منه؟» وجواز الشهادة على الملكية واقعا لا يمكن إلّا مع كون اليد معتبرة على نحو يعامل معها معاملة العلم ، ولا ينافي ما قلنا قوله عليه‌السلام : في ذيل الخبر : «لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق» فان الظاهر ان هذا المطلب صار سببا لامضاء الشارع ما هو مرسوم بين الناس من جعل اليد طريقا الى الملكية ، وعلى هذا تقدمها على الاستصحاب واضح ، كما انه يقدّم كل أمارة اعتبرت من جهة كشفها عن الواقع ، وسيأتى الوجه في تقديم الامارات على الاستصحاب ان شاء الله ، هذا.

مع انه لو قلنا باعتبارها من باب التعبد لزم ايضا تقديمها لورودها موردا يقتضى الاستصحاب خلاف مقتضاها غالبا ، فلو بنى على العمل بالاستصحاب في تلك الموارد الكثيرة لما قام للمسلمين سوق ، وهذه العلة هى التى صارت موجبة لاعتبار اليد كما في الخبر.

فان قلت : مقتضى كون اليد أمارة انه لو علم بانحصار سبب الملك في امر خاص حكم بواسطة تلك الامارة بوقوع ذلك السبب ، لان من شأن الامارة الاخذ بلوازمها وملزوماتها وملازماتها ، مع أن المشهور حكموا بانه لو اعترف ذو اليد بكونه سابقا ملكا للمدعى ينتزع منه العين وعليه ان يقيم البينة على انتقالها اليه ، ومقتضى أمارية اليد على الملكية أماريتها على موجبها ، وهو الانتقال من الخصم اليه ، فدعوى ذي اليد الانتقال مطابقة للامارة ، فكيف ينتزع منه العين ويطالب بالبينة؟

قلت : إنّ الوجه في ذلك أن الشارع جعل في باب المخاصمة اقامة البينة على

__________________

(١) الوسائل ، الباب ٢٥ من ابواب كيفية الحكم ، الحديث ٢.

٦١٥

المدعى ، والحلف على المنكر ، وحصر فصل الخصومة بذلك ، وفهم مصاديق هذين المفهومين موكول الى العرف اذ ليس لهما حقيقة شرعية كما هو الحق ، وعلى هذا نقول : إنّ كل من صدق عليه عنوان المدعى عرفا يطالب بالبينة ، سواء طابق قوله ظاهرا من الظواهر واصلا من الاصول ام خالف ، وكل من صدق عليه عنوان المنكر فعليه اليمين كذلك ، وتعريف الفقهاء «رضوان الله تعالى عليهم» بان المدعى : هو الذي لو ترك ترك ، او الذي يدعى خلاف الاصل ، او الذي يدعى امرا خفيا ، محمول على بيان الافراد الغالبية ، وتميزه عن المنكر في الجملة اذا عرفت هذا فنقول : ان كان مال تحت يد احد يعامل معه معاملة الملكية فادعى الغير انه ما له فهذا الغير مدع عرفا ، لانه هو الذي انشأ الخصومة ، واما لو اقر ذو اليد باستناد يده الى انتقال العين اليه من الخصم فيصير مصب الدعوى هو الانتقال ويصير ذو اليد بذلك مدعيا ، لانه لا نزاع بينهما الا دعوى ذي اليد الانتقال ، وهذه خصومة انشأها بكلامه ، وليس طريق فصل الخصومة الا اقامة البينة منه او الاستحلاف لمن ينكر الانتقال (١) نعم لو لم تكن في البين خصومة وادعى ذو اليد ملكية ما في يده بسبب خاص يقبل منه بواسطة اليد.

تنبيه : اعلم ان ما قلنا : من ان طريق رفع الخصومة في باب القضاء منحصر بالبينة والايمان ، انما هو فيما اذا كان المنكر في مقابل المدعى ، واما اذا لم يكن في مقابله منكر ، بان يقول الخصم لا ادرى صدق ما تقول او كذبه ، كالدعوى على المورث مع اظهار الورثة الجهل بذلك ، وتصديق المدعى لهم ، فان كانت

__________________

(١) فيه ان هذا البيان وان كان وافيا لسقوط اليد عن مقام فصل الخصومة ، لكنه غير واف بسقوطها عن الحجية رأسا ، فلا يجوز لاحد التصرف في المال بغير اذن ذي اليد قبل فصل الخصومة ، فكيف ينطبق على هذا البيان قولهم بانتزاع العين من ذي اليد ولو بغير رضاه. فالصواب ان يقال بان الاعتراف المذكور من ذي اليد موجب لسقوط يده عن الحجية رأسا ، وأن هذا من خاصية اعترافه اللساني ، فلو علم من الخارج ذلك لم يقدح في حجية يده ، لعدم احراز بناء العقلاء على حجيتها مع هذا الاعتراف. (م. ع. مدّ ظلّه).

٦١٦

البينة للمدعى على ما يقول يؤخذ بها ، وإلّا فلا مانع من الاخذ بسائر القواعد الموجودة من قبيل الاستصحاب او اليد ، ويتفرع على ذلك ان العين لو كانت في يد المدعى ويدعى انتقالها من الميت في حال حياته اليه ولا ينكر ذلك الورثة جزما يحكم بكونها ملكا لذى اليد ، اذ لا منكر في قباله حتى يقال : ان طريق توصل المدعى الى المال منحصر في اقامة البينة ، والادلة الدالة على ذلك موردها وجود المنكر في قباله ، وفي غيره يعمل على القواعد.

ومما ذكرنا يعلم وجه محاجّة امير المؤمنين عليه‌السلام مع ابي بكر المروية في الاحتجاج (١) فان دعوى سيدة النساء عليها‌السلام ان فدك اعطاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حياته لم ينكرها احد على سبيل الجزم حتى يلزم عليها عليها‌السلام اقامة البينة ، فانتزاع فدك منها مع كون يدها ثابتة عليها ليس له وجه الا العناد.

الخامسة : في حاله مع الطرق المعتبرة شرعا ، اعنى ما اعتبر من جهة كشفه عن الواقع ، وتسمى في الاحكام أدلة اجتهادية ، وفي الموضوعات أمارة :

ولو ورد في مورد الاستصحاب دليل معتبر او أمارة معتبرة على خلاف الحالة السابقة فلا اشكال في انه يترك الاستصحاب ويعمل بمقتضى ذلك الدليل او تلك الامارة ، إنما الكلام في وجه ذلك ، وقد قال شيخنا المرتضى «قدس‌سره» في غير مورد من كلامه : ان تقديم الادلة او الامارات على الاستصحاب انما هو من باب الحكومة لا التخصيص ولا التخصيص ، وهي على ما فسرها في مبحث التعادل والتراجيح (٢) «ان ينظر دليل بمدلوله اللفظى الى دليل آخر ويكون مبينا لمقدار مدلوله ، مسوقا لبيان حاله ، نظير الدليل على أنه لا حكم لكثير الشك او للشك في النافلة وامثال ذلك بالنسبة الى الادلة الدالة على حكم الشك في عدد

__________________

(١) الوسائل ، الباب ٢٥ من ابواب كيفية الحكم ، الحديث ٣.

(٢) الصفحة الثانية منه ، ص ٤٣٢.

٦١٧

ركعات الصلاة». وعلى هذا فبيان حكومة الادلة والامارات على الاستصحاب انه في موردهما وان كان الشك موجودا ولم يقطع بخلاف الحالة السابقة وعموم لا تنقض يشمله لفظا إلّا ان دليل اعتبارهما قد جعل مؤداهما واقعا اوليا بالتنزيل ، ولازم ذلك جعل الشك فيه ملغى بحسب الآثار ، فصار مفاد قول الشارع : «صدق العادل فيما أخبرك به» او «صدّق الامارة فيما حكته» ان شكك في المورد المفروض بمنزلة العدم ، ومعنى كونه بمنزلة العدم انه لا يترتب عليه ما يترتب على الشك ، نظير ما اذا ورد حكم على عنوان العالم ودل دليل على عدم كون النحوى عالما ، فان مرجع هذا الدليل الى ان ما جعلنا للعالم في ذلك الدليل لا يترتب على النحوى ، هذا.

ويشكل : بان الضابط المذكور لا ينطبق على دليل حجية الامارات والادلة ولا على ساير الموارد التى جعل تقديمها من باب الحكومة ، كدليل لا ضرر ولا ضرار ، ولا شك لكثير الشك ، ودليل نفى الحرج ، وامثال ذلك ، اذ ليس واحد منها بمدلوله اللفظى ناظرا الى مدلول دليل آخر ، بل يحكى كل واحد منها عن الواقع ، ولذا لو لم يكن في البين إلّا هذه القواعد التى جعلت حاكمة على ساير القواعد لم يلزم كونها بلا مورد ، ولو كانت مبينة لمقدار مدلول قاعدة اخرى للزم كونها لغوا وبلا مورد عند عدم تلك القاعدة ، لان الدليل الحاكم على ما ذكره «قدس‌سره» بمنزلة قول القائل : اعنى ، ولا يكون هذا صحيحا الا مع كلام آخر يكون هذا شارحا له ، ونحن نرى انه لو لم يكن الشك موضوعا للحكم الشرعي اصلا ، وكذا لو لم يدل دليل على حكم الشك في عدد ركعات الصلاة ، وكذا لو لم يكن العمومات او الاطلاقات تقتضى ثبوت الحكم الضررى والحرجى ، ما كان حجية الامارات والادلة ، وكذا قول الشارع لا حكم لكثير الشك ، ولا ضرر ولا ضرار في الاسلام ، وما جعل عليكم في الدين من حرج ، لغوا ، وبلا مورد ، كما هو واضح ، فعلم ان ما ذكر ليس بمدلوله اللفظى متعرضا لحال الدليل الآخر ، هذا.

٦١٨

[ضابط الحكومة]

ولنقدم الكلام في بيان ضابط الحكومة بما عندنا ، ثم نتعرض لوجه تقديم الامارات والادلة على الاستصحاب وعلى ساير الاصول التعبدية ، وانه هل هو من جهة الحكومة او الورود؟ وما توفيقى الا بالله.

اعلم أن المراد من قولنا : دليل كذا حاكم على كذا ، انه يقدم عليه من دون ملاحظة الاخصية والاظهرية ، بل يقدم بواسطة أدنى ظهور انعقد له.

اذا عرفت هذا فنقول : ان كل دليل يكون متعرضا للحكم المستفاد من الدليل الآخر وان لم يكن متعرضا له بعنوان انه مدلول ذلك الدليل ، سواء كان تعرضه لذلك الحكم ابتداء ام كان بلسان تنزيل الموضوع فهو مقدم عليه عند العرف ، وان لم يكن اخص ، بل كانت النسبة بينهما عموما من وجه ، كما اذا قال المتكلم : اكرم العلماء ، ثم قال في مجلس آخر : ما حكمت ، اولا أحكم باكرام الفاسق قطّ ، فانا نرى ان اهل العرف يجعلون الكلام الثاني قرينة على الاول ، ويحكمون ان المراد من العلماء ، العدول منهم مع كون النسبة بين الكلامين عموما من وجه ، وان لم يكن الثاني بمدلوله اللفظي شارحا للكلام الاول ، ولذا لو لم يكن الاول ايضا لكان الثاني تاما في مفاده ، ولعل السر في ذلك أن مدلول قول المتكلم : اكرم العلماء ليس إلّا جعل ايجاب متعلق باكرام العلماء (١) واما ان وجوب اكرام كل فرد منهم مراد للمتكلم فهو مفهوم آخر غير

__________________

(١) وبتقريب آخر الدليل الحاكم اما مساوق مع الاصل العقلائي في المحكوم ، وهو فيما اذا كان مفاد احد الدليلين اثبات حكم لموضوع مثلا ومفاد الآخر الحكم بنفي ذلك الحكم الاول من بعض افراد الموضوع ، او مع الحكم العقلي الجاري في المحكوم ، وهو ما اذا كان الحاكم نافيا للازم العقلي للحكم في بعض الافراد ، مثلا دليل جزئية السورة مثبت للجزئية في حالتي العمد والسهو ، ودليل لا تعاد اما حاكم بنفي الحكم بالجزئية عنها في حال السهو ، لكن بنحو التعبير عن هذا المعنى بلازمه ، وهو عدم لزوم الاعادة بناء على غير مبنى الشيخ ـ

٦١٩

المفهوم الاولى من القضية ، نعم يحكم السامع بملاحظة عموم اللفظ وعدم صدور شيء من ناحية المتكلم يدل على عدم كون فرد خاص موردا للايجاب بان وجوب اكرام ذلك الفرد مراد ايضا ، وبعد ما صدر من ناحيته لفظ يدل بمدلوله المطابقى على عدم صدور هذا الحكم منه ـ وان لم يكن هذا اللفظ شارحا للفظ الاول بل يكون حاكيا عن نفس الامر ـ فلا يبقى مجال للاخذ باصالة العموم في الكلام الاول.

نعم لو كان الكلام الثاني غير متعرض للحكم بمدلوله الاولى ، بل يدل على جعل الحكم المنافي ، كقول المتكلم : «لا تكرم الفساق» فلا بد من التعارض بين الكلامين في مورد الاجتماع ، لانه كما ان كون اكرام العالم الفاسق مرادا للمتكلم ليس مدلولا اوليا لقضية اكرم العلماء ، بل يحكم السامع بذلك من جهة القاعدة المسلمة ، كذلك كونه مرادا له من قضية لا تكرم الفساق ، فيقع التعارض ، فيحتاج الى ملاحظة الاظهرية ان كانت في البين ، وإلّا فيحكم بالتساقط ، ويرجع الى قاعدة اخرى.

وبعبارة اخرى : في القسم الاول لا يقع التعارض بين الكلامين في ذهن العرف حتى يحتاج الى الترجيح بالاقوائية ، ولذا قلنا فيه بانه يكفى انعقاد اول ظهور للكلام ، بخلاف القسم الثاني.

ويحتمل ان يكون هذا ايضا مراد شيخنا المرتضى «قدس‌سره» لكنه قد قال في مبحث التعادل والتراجيح في ذيل بيان الضابط للحكومة ما ينافي ما ذكرنا ، هذا.

واما وجه تقديم الادلة والامارات على الاستصحاب وساير الاصول العملية ، فكونه من باب الحكومة يبتنى على ان يكون دليل حجيتها متعرضا لحكم الشك ، بمعنى ان قول الشارع : صدق العادل ، او اعمل بالبينة يرجع الى

__________________

«رحمه‌الله». واما حاكم بنفي لازمه العقلي بناء على مبناه «قدس‌سره». (م. ع. مدّ ظلّه).

٦٢٠