درر الفوائد - ج ١ و ٢

آية الله الشيخ عبدالكريم الحائري اليزدي

درر الفوائد - ج ١ و ٢

المؤلف:

آية الله الشيخ عبدالكريم الحائري اليزدي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٣٥

عدالته بعد ما علم سابقا بها ايضا وظيفة له ، ولا اشكال في شيء من ذلك. وان اراد استصحاب عنوان الشرطية والمانعية او عدمهما فله وجه من حيث ان هذه العناوين ليست بمجعولة في حد انفسها ، ولا تكون موضوعة لاثر شرعى ، مع امكان ان يقال بصحة الاستصحاب فيما ذكر ايضا ، لانه وان كان غير مجعول ولا موضوع لاثر شرعى ، إلّا انه يكفى في شمول ادلة الاستصحاب لشيء كونه بحيث تناله يد التصرف من قبل الشرع ، ولو بان يجعل ما هو منشأ لانتزاعه ، وعلى هذا ايضا لا فرق في صحة الاستصحاب بين ان لوحظت هذه العناوين في المكلف به او فى التكليف.

وعبارة شيخنا الاستاذ دام بقاه في المقام لا تخلو من اضطراب فراجع (١).

ومنها : الاستصحاب في الموضوعات الخارجية بتوهم انه لا اثر لها شرعا الا بواسطة انطباق العناوين الكلية عليها ، ضرورة ان الاحكام الشرعية لها لا للموضوعات الخارجية الشخصية ، فيكون اثباتها بملاحظة تلك الاحكام مثبتا ، وهذا الايراد نقله شيخنا الاستاذ في تعليقته عن بعض الاعاظم من معاصريه (٢).

اقول : يحتمل ان يكون مراده ان الجزئى الخارجي لم يترتب عليه حكم في الشرع بل انما يسرى الحكم اليه عقلا للانطباق ، فترتب الحكم على الجزئى الخارجي عقلى لا شرعى ، ويحتمل ان يكون مراده ان الاعيان الخارجية كالخمر ونحوها ليست بنفسها موضوعة للحكم التكليفى ، ضرورة ان موضوع التكليف انما هو فعل المكلف ، فالحرام شرب الخمر مثلا لانفسها ، فكون المائع المخصوص خمرا لا يترتب عليه شيء الا كون شربه شرب الخمر ، وهو موضوع للحرمة ، فاستصحاب خمرية شيء لاثبات ان شربه شرب الخمر من الاصول المثبتة.

والجواب ان كون المائع الخارجي خمرا موجب لصيرورته حراما بنفس الحرمة المجعولة المتعلقة بشرب الخمر ، لان الحكم المتعلق بالعناوين الكلية عين الحكم

__________________

(١ و ٢) المصدر المذكور ، ص ٧ ـ ٢٠٦.

٥٦١

المتعلق بجزئياتها ، فالمائع الخارجي على تقدير كونه خمرا يكون شربه حراما ، لاتحاد شربه مع شرب الخمر وهو واضح. هذا تمام الكلام في المقام.

[في أصالة تأخّر الحادث]

الامر الثامن : لا فرق في المستصحب بين ان يكون مشكوك الارتفاع في الزمان اللاحق رأسا وبين ان يكون مشكوك الارتفاع في جزء من الزمان اللاحق مع القطع بارتفاعه بعد ذلك الجزء ، وهو الذي يعبر عنه بأصالة تاخر الحادث ، والمقصود ان الحادث الذي نقطع بوجوده في زمان ونشك في مبدإ وجوده فمقتضى الاستصحاب عدم تحققه في الازمنة التي يشك فيها ، فيرتب عليه آثار عدمه في تلك الازمنة وان لم يترتب عليه آثار حدوثه فيما بعد تلك الازمنة ، لان حدوثه فيه لازم عقلى للعدم في تلك الازمنة ، ومطلق وجوده المعلوم بالفرض ، إلّا ان يقال : ان الحدوث في زمان خاص ليس عنوانا بسيطا متحققا من اصل وجوده فيه وعدمه فيما قبل ، بل هو عبارة ـ ولو عند العرف ـ من الوجود في ذلك الزمان مقيدا بعدمه في الازمنة السابقة ، فيصير كسائر الموضوعات المقيدة التى يمكن احراز قيدها بواسطة الاصل. وكيف كان فلا اشكال في اثبات الآثار الشرعية المترتبة على عدم الحادث المفروض في الازمنة المشكوك فيها ان كان لعدم ذلك اثر شرعي.

هذا حال الحادث المعلوم وجوده في زمن وشك في مبدإ وجوده بالنسبة الى نفسه.

واما حاله بالنسبة الى حادث آخر كما اذا علم بحدوث حادثين وشك في تقدم احدهما على الآخر ؛ فاما ان يجهل تاريخهما ، او يعلم تاريخ احدهما ، واما لو علم تاريخ حدوث كل منهما فلا يبقى للشك مجال ، فهو خارج عن محل الكلام.

اما في صورة الجهل بتاريخ كليهما فاصالة عدم كل منهما في الازمنة المشكوكة التي منها زمان حدوث الآخر وان كانت جارية في حد ذاتها ، إلّا انها معارضة

٥٦٢

بالمثل ان كان لعدم كل منهما في زمن حدوث الآخر اثر شرعي ، وان كان الاثر لعدم احدهما بالخصوص فتجرى فيه بلا معارض.

واما اذا كان تاريخ احدهما معلوما والآخر مشكوكا فيجرى الاصل في مجهول التاريخ ويحكم بعدمه في الازمنة المشكوكة التي منها زمن وجود معلوم التاريخ ان كان لذلك العدم في زمنه اثر شرعي ، ولا يجرى الاصل في طرف معلوم التاريخ ، للعلم بعدمه قبل ذلك الزمان المعين الذي قطع بوجوده ، والعلم بانقطاع ذلك العدم في ذلك الزمان فليس له زمان شك في بقاء عدمه ، نعم وجوده الخاص اعنى وجوده المقارن لوجود ذاك مشكوك فيه فيمكن استصحاب عدمه بنحو ليس التامة ، لانه مسبوق بالعدم الازلى فيترتب عليه الاثر ان كان له اثر بهذا النحو من الوجود ، واما ان كان الاثر لعدمه في مورد الوجود المفروض للآخر بنحو ليس الناقصة فليس له حالة سابقة ، لان اصل وجوده معلوم في زمان معلوم ، واما كون هذا الوجود في زمان وجود الآخر فلا يعلم نفيا واثباتا ، مثاله لو علم بحدوث ملاقاة النجس الماء المعين في يوم الخميس وعلم بصيرورته كرا لكن لا يعلم تاريخ كريته فيحتمل كونه كرا في يوم الخميس ويحتمل صيرورته كرا في يوم الجمعة ، فاستصحاب عدم الكرية في زمن الشك اعنى يوم الخميس الذي هو زمان حدوث الملاقاة لا اشكال فيه ، فيكون في يوم الخميس ملاقاة النجاسة للماء الذي لم يكن كرا محرزة ، اما ملاقاته فبالوجدان واما عدم كريته في زمن الملاقاة اعنى يوم الخميس فبالاصل ، فيعامل مع هذا الماء معاملة الماء الذي لاقى نجسا ولم يكن كرا في زمن الملاقاة.

واما استصحاب عدم الملاقاة فان اريد استصحابه من دون اضافة الى الآخر فهو باطل قطعا ، اذ ليس لها زمان شك في وجودها وعدمها ، لان المفروض ان مبدأ وجودها وانقطاع عدمها معلوم ، وان اريد استصحابه مع الاضافة الى الآخر بان يلاحظ الملاقاة المتحققة في زمن الكرية ويستصحب عدمها ـ لان الوجود الخاص غير معلوم وان كان مطلق الوجود معلوما ـ فهو مبنى

٥٦٣

على كون الاثر مرتبا على الوجود الخاص على نحو كان التامة ، واما اذا كان الاثر مرتبا عليه على نحو الوجود الربطي بمعنى ان الملاقاة لها اثر شرعى اذا وقعت في زمن وقوع الكرية المفروض وجودها وكذا عدم الملاقاة فليس للملاقاة على هذا النحو ولا لعدمها حالة سابقة لعدم العلم بانه في زمن الكرية وقع الملاقاة او لم تقع ، بخلاف مجهول التاريخ ، مثل الكرية في المثال ، فانه يمكن اثبات عدمها وان كان الاثر مرتبا على العدم المرتبط بالوجود الآخر على نحو ليس الناقصة ، لان الكرية بهذا النحو وان لم تكن مسبوقة بالعدم بحيث يمكن ان يكون المستصحب هو عدم الكرية بهذا النحو ، إلّا ان استصحاب عدم الكرية مع قطع النظر عن اضافتها الى الملاقاة يكفى في اثبات عدمها الربطي ، لان مقتضاه عدمها في يوم الخميس الذي هو احد الازمنة المشكوكة ، وهو ايضا زمن الملاقاة بالفرض فيصح ان يقال : انه في يوم الخميس وقع الملاقاة وهو غير كرّ وهذا واضح لا سترة عليه.

ولشيخنا الاستاذ دام بقاه في المقام ردا على شيخنا المرتضى «قدس‌سره» كلام لا بأس بذكره والنظر فيه ، قال «دام بقاه» عند قول شيخنا المرتضى «قدس‌سره» في مجهولى التاريخ : «ان اصالة عدم احدهما في زمان حدوث الآخر معارضة بالمثل» ما هذا لفظه : لا يخفى انه لا مجال لاصالة عدم احدهما في زمان حدوث الآخر في نفسها مع قطع النظر عن المعارضة بها في الآخر ، للقطع بوجود كل منهما في زمان واما انه كان في زمان الآخر وان كان مشكوكا إلّا انه غير مسبوق بالعدم ، فانه حدث اما فيه او في غيره من زمان سبقه او لحقه ، وبالجملة ما ذكره في دفع جريان الاصل في طرف المعلوم ومعارضته في طرف المجهول به من قوله «قدس‌سره» : ويندفع «الخ» جار هاهنا في الطرفين.

والتحقيق حسبما يساعد عليه التدقيق ان الغرض ان كان متعلقا بمجرد عدم احدهما في زمان الآخر فالاصل في نفسه يجرى في الطرفين مطلقا ولو كان احدهما معلوم التاريخ ، ضرورة ان وجودهما الخاص وهو الوجود في زمان الآخر

٥٦٤

مشكوك الحدوث لاحتمال ان لا يوجدا به وان علم تحققهما بوجود ما فيكون مسبوقا بالعدم فيستصحب لمكان اركان الاستصحاب بلا ارتياب حتى فيما علم زمان حدوث احدهما ، وكون وجود كل منهما معلوما لا ينافي الشك في تحققه بوجود خاص وهو الوجود في زمان الآخر المسبوق بنقيضه وهو سلب هذا الوجود الخاص ونفيه في الازل ، فليتعبد به باستصحابه ما لم يعلم بانقلابه وان علم بانقلاب عدمه في الجملة ، الى ان قال : وان كان الغرض متعلقا بانه لم يكن وجوده الثابت في زمان معلوم او مجهول في زمان الآخر او كان فلا مجال للاصل اصلا ، فان الوجود المحقق في كل واحد منهما المشكوك كونه في زمان الآخر غير مسبوق بعدم كونه فيه ، بل اما حدث مسبوقا او ملحوقا او فيه ، واما سبق وجود مجهول التاريخ في زمان معلومه بالعدم فهو ايضا بالنسبة الى اصل تحققه لا بالنسبة الى وجوده المعلوم ، فانه اما كان في زمان معلوم التاريخ او في زمان آخر فلم يكد يكون مسبوقا بعدم كونه في زمانه ثم شك في انه على ما كان فيستصحب العدم وانما يصح استصحاب عدم وجوده الخاص وهو وجوده فيه كما مر ، وبالجملة لا حالة سابقة في البين لو شك في انه متى كان وجود احد الحادثين اللذين كان كل منهما مجهول التاريخ او كان احدهما وتعلق الغرض بتعيين ذلك وانه كان في زمان الآخر او في زمان آخر ، فلا استصحاب ، والحالة السابقة انما تكون لو شك في انه هل تحقق بوجود خاص وهو وجوده في زمان الآخر الذي هو مفاد كان التامة ، من دون نظر الى وجوده المحقق وانه متى كان؟ الذي هو مفاد كان الناقصة ، لما عرفت من احتمال عدم تحققه به وان تحقق بوجود آخر ، فلا مانع من استصحابها في احدهما الا استصحابها في الآخر ، فيجرى لو لا هذه المعارضة «انتهى ما اردنا من نقل كلامه دام بقاه» (١).

اقول : المقصود في المقام كون الحادثين على نحو لو فرض عدم وجود كل منهما

__________________

(١) تعليقة المحقق الخراساني ، ص ٩ ـ ٢٠٨.

٥٦٥

في زمان الثبوت المفروض للآخر يترتب عليه اثر ، وعلى هذا لو فرضنا كليهما مجهول التاريخ يتعارض الاصل في كل منهما ، ولو فرض احدهما معلوم التاريخ دون الآخر يجرى الاصل في مجهول التاريخ اعنى يستصحب عدمه الى زمن وجود هذا المعلوم ، ففي كلا القسمين مجرى الاستصحاب محقق (١) ، من جهة تحقق اليقين في السابق والشك في اللاحق ، إلّا انه في القسم الاول معارض بالمثل وفي الثاني لا معارضة.

اما بيان ان مجرى الاصل محقق في كلا القسمين ـ مع ان الاثر مرتب على عدم كل منهما في زمان الثبوت الخارجي المفروض للآخر ، ولا حالة سابقة لعدم واحد منهما على هذا النحو ، لان اصل الوجود للآخر معلوم ، واما كونه مقارنا مع عدم الآخر او وجوده فليس مما له حالة سابقة ـ فبأنّ المستصحب ليس العدم في زمان وجود الآخر بلحاظ هذا المجموع حتى يقال بعدم الحالة السابقة لهذه السالبة ، بل المستصحب نفس عدم ذلك الحادث ، فيحكم ببقائه الى زمان

__________________

(١) الحق عدم المجرى له في القسم الاول ، لكونه شبهة مصداقية لنقض اليقين بالشك ، بيانه انا لو فرضنا القطع بوجود كل من الملاقاة والكرية في اول النهار مثلا ، ولكن نشك انه هل هو زمان حدوث كل منهما او بقائه او حدوث احدهما وبقاء الآخر فنحن اذا استصحبنا عدم كل منهما الى الزمان الواقعي لحدوث الآخر نحتمل ان يكون ذلك الزمان هو أول النهار الذي قطعنا بوجود كل منهما فيه فيكون نقض اليقين بالعدم حينئذ باليقين بالوجود لا بالشك ، هذا كله في الحادثين الممكن اجتماعهما ، واما في الحالتين المتضادتين فلتقريب عدم المجرى وجه آخر ، وهو انا لو فرضنا امتداد كل من الطهارة والحدث في ساعة واحدة مثلا ، لا ازيد ولا انقص ، فاستصحاب كل منهما الى الساعة الثانية لا يفيد إلّا تعيين تلك الساعة التى فرضناها ظرف امتداد الطهارة في الساعة الثانية وهذا اعني تعيين زمان الامتداد المتيقن للمستصحب وتطبيقه على زمان خارجي ليس من مفاد الاستصحاب ، بل مفاده اضافة الامتداد المشكوك الى الامتداد المقطوع ، وان شئت قلت ليس لنا زمان يشك فيه بين الارتفاع والبقاء ، فان الساعة الثالثة اما زمان البقاء للطهارة مثلا واما انه ارتفعت من اول الساعة الثانية. (م. ع. مدّ ظلّه).

٥٦٦

الثبوت الخارجي لحادث آخر ، ففي زمان الثبوت الخارجي للآخر تحقق ما هو الموضوع للاثر الشرعي وهو وجود حادث في حال عدم الآخر ، الاول منهما وجدانا والآخر تعبدا ، مثلا لو فرضنا ترتب الاثر على ملاقاة النجس للماء في حال عدم كونه كرا فلو تيقن بتحقق الملاقاة وشك في الكرية مع العلم بعدمها في السابق فلا اشكال في اثبات عدم الكرية حال الملاقاة بالاصل وان لم يكن عدم الكرية بهذا العنوان اعنى حال الملاقاة له حالة سابقة ، لان المستصحب نفس عدم الكرية المعلوم سابقا فتتم باستصحاب بقاء ذلك العدم الى زمان الملاقاة اجزاء الموضوع للحكم الشرعي ، بعضها بالوجدان وبعضها بالتعبد ، فظهر ان مجرى الاستصحاب محقق في كلا القسمين.

واما التفصيل الذي قلنا بان الاصلين يتعارضان في مجهولى التاريخ بخلاف ما اذا كان احدهما معلوم التاريخ فيجرى الاصل في مجهوله فبيانه انه بعد فرض ان لكل من الحادثين اثرا في حال عدم الآخر ففي مجهولي التاريخ يحتمل انتقاض عدم كل منهما قبل الآخر وبعده ، ففي حال وجود كل منهما يحتمل بقاء عدم صاحبه وعدم انتقاضه بالوجود ، فيتعارض الاصلان ، واما لو كان احدهما معلوم التاريخ كما لو علم بحدوث الملاقاة في اول يوم الجمعة وشك في ان الكرية هل حدثت قبله او بعده مثلا فاستصحاب عدم الكرية الى اول يوم الجمعة الذي هو زمان ثبوت الملاقاة الخارجي لا مانع منه ، واما الاستصحاب في طرف الملاقاة المعلوم مبدأ حدوثها فلا يمكن ، لعدم زمان شك في بقاء عدمها ، لانها قبل يوم الجمعة كانت معدومة قطعا وفي اول يوم الجمعة انتقض عدمها بالوجود قطعا ، فلم يبق في البين زمان يشك بقاء عدم الملاقاة حتى يستصحب ، نعم كون الملاقاة في زمن الكرية مشكوك ، إلّا انها على هذا النحو ليس لها حالة سابقة ان اريد اثباتها او نفيها على نحو الربط ، وان لم يرد على النحو الربطي فيمكن استصحاب عدم هذا الوجود الخاص اعنى الملاقاة في زمن الكرية ، إلّا ان هذا الاستصحاب محكوم لان منشأ الشك في وجود هذا

٥٦٧

الخاص هو ان اوّل يوم الجمعة الذي هو مبدأ وجود الملاقاة هل كان كرا اولا؟ فلو كان الاصل جاريا في الخصوصية يتعين حال هذه الملاقاة باحراز اصلها وجدانا وقيدها تعبدا.

ولعمرى ان ما قلنا واضح وان اشتبه على من لا يليق لمثله هذا الاشتباه ، وكأنّه «دام بقاه» توهم من عبارة الشيخ «قدس‌سره» في بيان تساقط الاصلين في مجهولى التاريخ : «واما اصالة عدم احدهما في زمان حدوث الآخر فهي معارضة بالمثل» ان المقصود اجراء الاصل في عدم احدهما في زمن الآخر ، ملاحظا كونه في زمن الآخر جزء للمستصحب ، لكنه من الواضح ان مراده «قدس‌سره» ليس ذلك بل هو ما ذكرنا ، فتأمل في المقام تجد صدق ما ادعيناه ، هذا.

[الرجوع الى العام او استصحاب حكم المخصص]

الامر التاسع : ان الدليل الدال على الحكم لو دل عليه في الزمان الثاني اثباتا او نفيا فلا اشكال في عدم جريان الاستصحاب ، لان مورده عدم وجود الدليل الاجتهادي ، انما الكلام في انه لو كان لنا عام يدل على ثبوت الحكم لافراده ثم خرج منه فرد في زمان ففي ما بعد ذلك الزمان هل يرجع الى استصحاب حكم المخصص؟ او الى عموم العام؟ مثلا ، لو قال : اكرم العلماء ، ثم علمنا بالاجماع عدم وجوب اكرام زيد في يوم ، ففي ما بعد ذلك اليوم هل يرجع الى استصحاب عدم وجوب الاكرام؟ او الى عموم اكرام العلماء.

وملخص الكلام في المقام انه ان لاحظ المتكلم بالقضية قطعات الازمنة افرادا كما لو قال : اكرم العلماء في كل زمان ، فلا شبهة في انه اذا خرج فرد في زمان يحكم بدخوله في حكم العام فيما بعد ذلك الزمان ، سواء جعل تلك القطعات بحسب اعتبار الدليل قيدا للفعل المأمور به ام ظرفا للنسبة الحكمية ، فانه على الفرض الاول يصير الاكرام بالنسبة الى كل فرد من افراد العام متعددا

٥٦٨

بالنسبة الى الازمنة ، فاكرام زيد في يوم الجمعة فرد من افراد العام ، وفي يوم السبت فرد آخر ، وهكذا ، وعلى الثاني يصير نفس القضية متعددة بتعدد افراد الزمان ، فكأنّ المتكلم في كل زمان تكلم بهذه القضية.

ولا شبهة في ان خروج زيد يوم الجمعة لا يوجب سقوط القضية عن الحجية فيما بعده على التقديرين ، فانه على الاول : اكرام زيد في يوم الجمعة فرد من الاكرام ، واكرامه في يوم السبت فرد آخر ، خرج من العموم فرد ، فيتمسك في الباقي بأصالة العموم. وعلى الثاني : القضية في حكم القضايا المتعددة ، فكأنه صدرت من المتكلم قضية في يوم الجمعة ، فخرج منها زيد ، وايضا صدرت منه تلك القضية في يوم السبت ، ولم يعلم بخروجه من تلك القضية الثانية ، والحاصل ان المقام مقام الاخذ بالعموم دون الاستصحاب.

بل قال شيخنا المرتضى «قدس‌سره» انه في هذا المورد لم يجز التمسك بالاستصحاب ، وان لم يتمسك بعموم العام ايضا (١).

لكن فيما افاده نظر : لان المانع من الاخذ بالاستصحاب مع قطع النظر عن العموم ليس إلّا عدم اتحاد الموضوع ، والموضوع في الاستصحاب بعد عدم اخذه من العقل ـ كما سيجىء ـ إمّا مأخوذ من الدليل ، وإمّا من العرف ، فان اعتبرنا الاول فالمعيار هو الموضوع المأخوذ في دليل حكم المستصحب ، وربما يكون الزمان قيدا بحسب الدليل الدال على العموم وظرفا للحكم بحسب الدليل الدال على المخصص ، وان اعتبرنا الثاني فالامر اوضح فانه قد يكون الزمان بالنسبة الى دليل حكم المستصحب ايضا قيدا ، لكن العرف يراه ظرفا للحكم ، مع ما عرفت من عدم ملازمة ملاحظة الازمنة افرادا مع كونها قيدا للمأمور به ، لما مضى من وجه آخر ايضا.

هذا على تقدير ملاحظة الازمنة أفرادا.

__________________

(١) الفرائد ، التنبيه العاشر ، ص ٣٩٥.

٥٦٩

واما على تقدير عدم ملاحظة ذلك فالظاهر ان الحكم في القضية المفروضة يتعلق بكل فرد ويستمر ذلك دائما ، حيث انه لم يحدده بحد خاص ولم يقيده بزمان خاص بالفرض ، فاذا خرج الفرد من تحت العام في زمان لم يكن العام دليلا على دخوله في الزمان الآتى ، لان دلالة العام على استمرار الحكم المتعلق بالفرد فرع دلالته على نفس الفرد ، فاذا خرج الفرد من تحته يوم الجمعة فأنّى لنا بالعموم الذي يشمل ذلك الفرد يوم السبت ، حتى يشمله الحكم ونحكم باستمرار ذلك الحكم ايضا من اول يوم السبت.

والحاصل انه على الفرض الاول كان الفرد الخارج يوم الجمعة فردا ، والفرد الذي يتمسك بالعموم له في السبت فردا آخر ، أو كان لنا في اليوم الجمعة قضية عامة خرج منها فرد ، وفي يوم السبت ايضا قضية عامة كذلك نشك في خروج الفرد منها ، ولا اشكال في كلا الاعتبارين في التمسك بالعموم في المشكوك ، لان الفرد المفروض على تقدير عدم دخوله تحت العام يستلزم تخصيصا آخر زائدا على التخصيص المعلوم ، وهذا واضح ، بخلاف الفرض الثاني ، فان الفرد المفروض خروجه يوم الجمعة لو كان خارجا دائما لم يستلزم الا مخالفة ظاهر واحد ، وهو ظهور وجوب اكرامه دائما.

فان قلت : كيف يتمسك بالاطلاقات بعد العلم بالتقييد ، ويقتصر في عدم التمسك بها على المقدار الذي علم بخروجه ، والحال أن مفادها واحد ، وبعد العلم بالتقييد يعلم انه ليس بمراد ، مثلا ، لو فرضنا ورود الدليل على وجوب عتق الرقبة وعلمنا بالدليل المنفصل أن الرقبة الكافرة عتقها غير واجب ، فيلزم ان لا يكون الموضوع في الدليل الاول المفهوم من اللفظ المذكور فيه ، وبعد ما لم يكن هذا المعنى مرادا منه لا يتفاوت في كونه خلاف الظاهر ، بين ان يكون المراد منه الرقبة المؤمنة ، او مع كونها عادلة ، وليست مخالفة الظاهر على تقدير ارادة المفهوم الثاني من اللفظ اكثر ، حتى يحمل اللفظ بواسطة لزوم حفظ مراتب الظهور بقدر الإمكان على الاول ، اذ ليس في البين إلّا تقييد واحد ، كثرت

٥٧٠

دائرته او قلّت ، والمفروض انا نرى ان ديدن العلماء «قدس‌سرهم» على التمسك بالاطلاق في المثال المذكور ، والحكم ببقاء الرقبة المؤمنة سواء كانت عادلة ام فاسقة تحت الاطلاق.

قلت : الفرق بين المطلق وما نحن فيه أن المطلق يشمل ما تحته من الجزئيات في عرض واحد ، والحكم انما تعلق به بلحاظ الخارج ، فظهور القضية استقر في الحكم على كل ما يدخل تحت المطلق بدلا او على سبيل الاستغراق ، على اختلاف المقامات ، فاذا خرج بالتقييد المنفصل شيء بقى الباقي بنفس ذلك الظهور الذي استقر فيه اوّلا ، وهذا بخلاف ما نحن فيه ، فان الزمان في حد ذاته أمر واحد مستمر ليس جامعا لافراد كثيرة متباينة ، إلّا ان يقطّع بالملاحظة وجعل كل من قطعاته ملحوظا في القضية ، كما في قولنا : اكرم العلماء في كل زمان ، واما اذا لم يلاحظ على هذا النحو كما في قولنا : اكرم العلماء ، ومقتضى الاطلاق ان هذا الحكم غير مقيد بزمان خاص ، فلازمه الاستمرار من اول وجود الفرد الى آخره ، فاذا انقطع الاستمرار بخروج فرد في يوم الجمعة مثلا ، فليس لهذا العام المفروض دلالة على دخول ذلك الفرد يوم السبت ، اذ لو كان داخلا لم يكن هذا الحكم استمرارا للحكم السابق ، كما هو واضح (١).

__________________

(١) لكن مع ذلك قد يستشكل في المقام بانه بعد البناء على اجراء المقدمات في المراد الاستعمالى وصيرورة مفادها في خصوص المقام هو معنى الدوام والبقاء ، وبعد البناء على ان التقييد المنفصل لا يوجب تصرفا في المراد الاستعمالي ، فيصير معنى الدوام المستفاد بسبب المقدمات بعد التقيّد المذكور كالدوام المصرح به في اللفظ المتعقب بالاستثناء بكلمة الّا ونحوها ، فكما لو قال هذا الحكم دائم بدوام الفرد إلّا انه خرج يوم الجمعة نقول ان هذا تصرف في اللب مع محفوظية المعنى الاستعمالي لكلمة الدوام ، فهكذا نقول في معنى الدوام المستفاد في مقامنا ببركة المقدمات ، وبعد محفوظية المراد الاستعمالي يقتصر في الخروج عن مطابقته مع اللب على المقدار المتيقن.

ويمكن الجواب عن ذلك بانا نمنع محفوظية المراد الاستعمالي مع التعقب بكلمة إلّا ، ألا ـ

٥٧١

هذا كله فيما اذا خرج فرد من العام في الاثناء.

واما اذا علم بخروجه من اول الامر الى زمان معين ، فمقتضى القاعدة الحكم بشمول العام له بعد ذلك الزمان ، لان اصالة عموم الافراد تقتضى دخول الفرد المفروض في حكم العام في الجملة ، وبعد العلم بعدم دخوله من اول الوجود الى زمن معين يجب تقييده بما بعد ذلك الزمان ، بخلاف ما اذا خرج في الاثناء فان العموم الافرادى قد عمل به.

هذا غاية ما يمكن ان يقال ، او قيل في الفرق بين المنقطع الوسط والابتداء وعندي فيه نظر : لان اصالة العموم بالنسبة الى الافراد لا تقتضى الا دخول الفرد في الجملة ، واما استمرار الحكم المتعلق به فانما هو من جهة اطلاق الزمان ، والمفروض كونه معنى واحدا ، وهو استمرار الحكم من اول وجود الفرد الى آخره (١) ولا فرق في ارتفاع هذا المعنى بين ان يخرج الفرد في الاثناء او من اول الوجود ، فانه في كلا الحالين الحكم في القضية ما استمر بالنسبة الى هذا الفرد من اول وجوده الى آخره ، وتقييد الفرد بغير الزمان المقطوع خروجه

__________________

ترى انه لو قال : استمر المرض من الصبح الى الغروب الا ساعة الزوال ، فلا بد من حمله على التجوز ، ولا يقال هنا بمثل ما يقال في ما لو قال : تحقق المرض في جميع ساعات اليوم الا ساعة الزوال ، من سلامة الكلام عن التجوز ، فاذا فرضنا ان مفاد المقدمات معنى الاستمرار في خصوص المقام فلا يتمشى حفظه بعد الانقطاع من الوسط. (م. ع. مدّ ظلّه).

(١) فيه ان استمرار الحكم باستمرار الزمان وان كان مستفادا من المقدمات لكن ليس من مفادها تعيين مبدإ هذا الاستمرار ولا منتهاه في زمان من الازمنة ، وانما يتعينان بوجود المانع وعدمه ، فاذا تحقق المانع في اليوم الاول دون اليوم الثاني من ازمنة وجود الفرد تعين المبدا قهرا في اليوم الثاني ، واذا تحقق في اليوم الاخير من ازمنة وجوده تعين المنتهى قهرا في اليوم السابق ، وهذا بخلاف الحال فيما لو انقطع من الوسط ، فان الاستمرار المذكور قد عمل بمقتضاه فيما قبل وجود المانع ، وليس ثبوت الحكم فيما بعده استمرارا للحكم السابق (م. ع. مدّ ظلّه).

٥٧٢

مبنى على ظهور الدليل في كل واحد من الازمنة ، حتى يقتصر في الخارج على القدر المتيقن ، وهذا خلاف المفروض ، على انه لو صح هذا التقيد فيما خرج في الابتداء لصح فيما اذا خرج في الاثناء ايضا ، بان يقال : بعد العلم بخروج زيد مثلا يوم الجمعة عن عموم اكرم العلماء إن الواجب هو الاكرام في غير يوم الجمعة ، فيوم السبت فرد من هذا العنوان المقيد ، كما ان اليوم السابق على يوم الجمعة ايضا فرد له.

والحاصل ان الامر دائر بين تخصيص العام بالنسبة الى الفرد او التصرف في ظهور الاطلاق الذي يقتضى استمرار الحكم ، ولو فرضنا ان الثاني متعين من جهة انه ظهور اطلاقى يرفع اليد عنه في مقابل الظهور الوضعى ، فلا يجوز ان يقيد موضوع الحكم بما بعد ذلك الزمان الخارج ويقال بثبوت الحكم لذلك الموضوع دائما ، لان ذلك فرع انعقاد ظهورات بالنسبة الى الازمان ، حتى تحفظ فيما لم يعلم بالخروج والمفروض خلافه ، بل اللازم على فرض القول بدخول الفرد في الجملة القول بعدم دلالة القضية على زمان الحكم. فافهم.

[اعتبار بقاء الموضوع في الاستصحاب]

الامر العاشر : يشترط في استصحاب كل شيء بقاء موضوعه على نحو ما كان في القضية المتيقنة.

فان كان الموضوع فيها الشيء المفروض وجوده فاللازم ان تكون القضية المشكوكة هي ثبوت العرض لذلك الشيء المفروض وجوده ، وان كان الموضوع ذات الشيء اعنى الطبيعة المقررة ، كما اذا تيقن بوجود زيد ، فاللازم ان يكون في القضية المشكوكة ايضا كذلك ، مثلا لو تيقن بقيام زيد في السابق ثم شك في ذلك ، فتارة يشك في القيام مع اليقين بوجود زيد في الخارج ، واخرى مع الشك ، والثاني على قسمين : لان الشك تارة يستند الى الشك في وجود زيد ، واخرى لا يستند اليه ، بل يشك في كل من وجوده وقيامه مستقلا. هذه اقسام

٥٧٣

الشك المتصورة في قيام زيد ثانيا.

والقضية الموضوعة للحكم الشرعي في نحو قيام زيد يمكن تصورها على قسمين : احدهما ان يكون الموضوع ثبوت هذا المفهوم ، كما اذا قال اذا تحقق قيام زيد في الخارج فافعل كذا ، وثانيهما ان يكون الموضوع ثبوت القيام لزيد على فرض وجوده في الخارج ، كما هو مفاد قولك : ان كان زيد قائما فافعل كذا.

اذا عرفت هذا فنقول :

ان كان موضوع الحكم الشرعي القيام على النحو الاول فلا اشكال في جريان الاستصحاب اذا شك في ذلك في الآن الثاني ، سواء كان الشك في القيام وحده او فيه مع المحل ، وسواء كان الشك في القيام ناشيا عن الشك في وجود المحل ام لا ، لان جميع تلك الصور شك في قيام زيد ، والمفروض ان موضوع الحكم تحققه في الخارج ، فيحكم بالاستصحاب بتحققه.

وان كان موضوع الحكم الشرعي ثبوت القيام لزيد على النحو الثاني فلو شك في القيام مع اليقين بوجود زيد فاستصحاب القيام لا اشكال فيه ، لوحدة موضوع القضية المتيقنة والمشكوكة ، وهو زيد ، مع الفراغ عن وجوده ، وأمّا لو شك في قيام زيد مع الشك في وجوده ، سواء كان الشك في قيامه مستندا الى الشك في وجوده ام لا ، فلا يمكن استصحاب القيام ، لعدم احراز موضوعه (١) ، نعم لو كان الاثر مرتبا على وجوده وقيامه على تقدير الوجود يمكن اجراء استصحابين لاحراز جزئى الموضوع فيما كان كل منهما مشكوكا مستقلا ، ولا يكفى استصحاب وجود المحل (٢) فيما اذا كان الشك في

__________________

(١) نعم يمكن في بعض الصور استصحاب عدم قضية «زيد قائم» اذا كان المقصود رفع الاثر المرتب عليها ، لا اثبات ما رتب على نقيضها ، اعني قضية «زيد ليس بقائم» فلو كان لهذا النقيض ايضا اثر يجرى استصحاب عدم هذه القضية ايضا ، فيتعارض الاستصحابان لو كان هناك مخالفة عملية. (م. ع. مدّ ظلّه).

(٢) هذا راجع الى ما قبل قوله : «نعم لو كان الامر» اعني ما اذا اعتبر الموضوع ثبوت القيام لزيد المفروغ الوجود ، فان استصحاب الوجود حينئذ غير كاف لرفع الشك عن القيام ـ

٥٧٤

القيام مسببا عن الشك فيه ، فان احراز المسبب بواسطة اجراء الاصل في طرف السبب يكون فيما كان المسبب من الآثار الشرعية ، دون مثل القيام وامثاله. هذا حاصل مرادنا من بقاء الموضوع في الاستصحاب.

ويظهر من كلام شيخنا الاستاذ ، «دام بقاه» (١) جواز استصحاب قيام زيد ، وان كان الشك فيه مسببا عن الشك في وجود زيد مطلقا ، على اى نحو فرض موضوع الحكم الشرعي.

وانت خبير بان الموضوع لو كان القيام لزيد بعد ملاحظة الوجود لم يكن في المثال مشكوكا حتى يستصحب ، والذي هو مشكوك لم يكن له اثر شرعي ، كما هو المفروض.

وكيف كان : دليلنا على اعتبار بقاء الموضوع على النحو الذي قلنا أن الملاك في شمول ادلة الاستصحاب الشك في بقاء ما كان متحققا سابقا ، بشرط ان يكون هذا المشكوك على تقدير بقائه إمّا حكما شرعيا ، او موضوعا لحكم شرعي ، فلو كان المشكوك قيام عمرو والمتيقن سابقا قيام زيد فليس هذا الشك شكا في البقاء ، ولو كان المشكوك قيام زيد وكان الشك مستندا الى الشك في وجود زيد ، فان كان موضوع الحكم الشرعي تحقق هذا المفهوم ، اعنى قيام زيد ، يصدق انه شك في بقاء ما هو موضوع لحكم الشارع ، وان كان في هذه الصورة موضوع الحكم الشرعي ثبوت القيام لزيد بعد تحققه فهذا المعنى ليس مشكوكا فيه ، للعلم بقيامه بعد تحققه ، والمعنى المشكوك فيه اعنى قيام زيد بعدم التسبب الشرعي في البين ، واستصحاب القيام على تقدير الوجود منضما الى استصحاب الوجود مبنى على صحة الاستصحاب التعليقي في الموضوع ، وهو محل اشكال ، وهذا بخلاف ما لو اعتبر الموضوع وجود زيد وقيامه على تقدير الوجود ، فان استصحاب قيامه بصورة التعليق حينئذ خال عن الاشكال ، لوقوعه بهذه الصورة موردا للاثر ، لا بصورة الفعلية كما في الفرض الاول. (م. ع. مدّ ظلّه).

__________________

(١) في تعليقته على الفرائد ، على مسألة اعتبار بقاء الموضوع ، ص ٢٢١.

٥٧٥

ليس بموضوع للحكم الشرعي.

وانت اذا امعنت النظر فيما ذكرنا تعرف بان المدعى لا يحتاج في اثباته الى مزيد برهان وان تكلف به شيخنا المرتضى «قدس‌سره» ، قال في هذا المقام : الدليل على اعتبار هذا الشرط في جريان الاستصحاب واضح ، لانه لو لم يعلم تحققه لاحقا فاذا اريد ابقاء المستصحب العارض له المتقوم به ، فاما ان يبقى في غير محل وموضوع وهو محال ، واما ان يبقى في موضوع غير الموضوع السابق ، ومن المعلوم ان هذا ليس ابقاء لنفس ذلك العارض ، وانما هو حكم بحدوث عارض مثله في موضوع جديد ، فيخرج عن الاستصحاب ، بل حدوثه للموضوع الجديد كان مسبوقا بالعدم ، فهو المستصحب دون وجوده ، وبعبارة اخرى : بقاء المستصحب لا في موضوع محال ، وكذا في موضوع آخر ، اما لاستحالة انتقال العرض ، واما لان المتيقن سابقا وجوده في الموضوع السابق ، والحكم بعدم ثبوته لهذا الموضوع الجديد ليس نقضا للمتيقّن السابق «انتهى كلامه «قدس‌سره» (١).

واعترض عليه شيخنا الاستاد «دام بقاه» بان المحال انما هو الانتقال والكون في الخارج بلا موضوع بحسب وجود العرض حقيقة ، لا بحسب وجوده تعبدا ، كما هو قضية الاستصحاب ، ولا حقيقة لوجوده كذلك الا ترتيب آثاره الشرعية واحكامه العملية ، ومن المعلوم ان مئونة هذا الوجود خفيفة ، مع انه اخص من المدعى ، فان المستصحب ليس دائما من مقولات الاعراض ، بل ربما يكون هو الوجود ، وليس هو من احدى المقولات العشر ، فلا جوهر بالذات ولا عرض وان كان بالعرض.

ان قلت : نعم لكنه مما يعرض على الماهية كالعرض.

قلت : نعم إلّا ان تشخصه ليس بمعروضه ، فيستحيل بقائه مع تبدله ، بل تكون القضية بالعكس ويكون تشخص معروضه به ، كما حقق في محله ، بحيث

__________________

(١) فرائد الاصول ، الامر الاوّل من خاتمة الاستصحاب ، ص ٤٠٠.

٥٧٦

لا ينثلم وحدته وتشخصه بتعدد الموجود وتبدله من نوع الى نوع آخر ، فينتزع من وجود واحد شخصى ماهيات مختلفة حسب اختلافه نقصا وكمالا وضعفا وشدة ، فصح استصحاب هذا الوجود عند الشك في بقائه وارتفاعه ولو مع القطع بتبدل ما انتزع عنه سابقا من الماهية الى غير ما ينتزع عنه الآن لو كان هذا «انتهى كلامه دام بقاه» (١).

اقول : ظاهر كلام الشيخ وان كان يوهم ما يرد عليه الاعتراض ، إلّا انه يمكن توجيه كلامه على نحو يسلم من المناقشة ، وتوضيح ذلك : يحتاج الى بيان مقدمة ، وهي ان القضايا الصادرة من المتكلم سواء كانت من سنخ انشاء الاحكام ام من قبيل الاخبار مشتملة على نسب ربطية متقومة بالموضوعات الخاصة ، مثلا قولنا اكرم زيدا مشتمل على ارادة ايقاعية مرتبطة باكرام زيد ، وكذا قولنا زيد قائم مشتمل على نسبة تصديقية حاكية متقومة بهذا المحمول الخاص والموضوع كذلك ، وحال هذه النسب في الذهن حال الاعراض في الخارج في الاحتياج الى الغير في التحقق ، وكذا في عدم امكان انتقالها من محل الى آخر وهذا واضح.

اذا عرفت ما بينا لك فنقول : لو فرضنا ان المتيقن في السابق هو وجوب الصلاة فالجاعل للحكم في الزمان الثاني إمّا ان يجعل الوجوب للصلاة وهو المطلوب هنا ، من لزوم اتحاد الموضوع ، وإمّا ان ينشئ هذه الارادة الحتمية الربطية من دون موضوع ، وهو محال ، ضرورة تقومها في النفس بموضوع خاص ، وإمّا ان ينشئ لغير الصلاة ، وحينئذ اما ان ينشئ تلك الارادة المتقومة بموضوع الصلاة لغيرها ، واما أن ينشئ ارادة مستقلة ، والاول محال ايضا ، لاستحالة انتقال العرض ، وقد عرفت ان حالها في النفس حال الاعراض في الخارج ، والثاني ممكن ، لكنه ليس بابقاء ، لما سبق.

__________________

(١) تعليقة المحقق الخراساني «قدس‌سره» في محل الكلام ، ص ٢ ـ ٢٢١.

٥٧٧

هذا في الشبهة الحكمية.

واما تقريب هذا الكلام في الشبهة الموضوعية فلنفرض ان المتيقن في السابق خمرية هذا المائع الخاص ، ففي الثاني لو اوقع تلك النسبة التصديقية المرتبطة بالخمرية وهذا المائع تعبدا فان كان طرف النسبة المذكورة هذا المائع فقد ثبت المطلوب وإلّا فان لم يكن لها طرف يلزم تحقق العرض اعنى هذه النسبة الربطية في النفس من دون محل ، وهو محال ، وان كان لها طرف فان اوقع تلك النسبة المتقومة بطرف خاص لمحل آخر فهو محال ايضا ، للزوم انتقال العرض ، وان اوقعها لمحل آخر فهو ممكن ، ولكنه ليس بابقاء للحالة السابقة ، كما هو واضح وعلى هذا ينبغى ان يحمل كلام شيخنا المرتضى «قدس‌سره».

ومن ما ذكرنا تعرف عدم الفرق بين كون المستصحب عرضا خارجيا او وجودا.

واما ما افاده «دام بقاه» في ذيل كلامه : من عدم انثلام وحدة الوجود مع انتزاع ماهيات مختلفة بحسب المراتب ضعفا وشدة ، لعدم تشخصه بها ، بل الامر بالعكس ، فيصح استصحاب هذا الوجود اذا شك في بقائه وارتفاعه مع القطع بتبدل ما انتزع عنه سابقا الى غيره ففيه : ان الوجود وان لم يتشخص بالماهية ، ولكنه يتشخص بحدوداته الخاصة ، لان وجود زيد ووجود عمرو وجودان متعددان قطعا ، وحينئذ لو انتزع عنوان السواد الضعيف من حد خاص من وجود السواد وعنوان السواد الشديد من حده الآخر يكشف ذلك عن اختلاف الوجودين اللذين انتزع العنوانان المختلفان منهما ، اذ لا يعقل اختلاف العنوان المنتزع من دون الاختلاف في منشأ الانتزاع.

فان قلت : كيف ينتزع من وجود زيد مثلا ضارب تارة ، وغير ضارب اخرى ، وجالس تارة ، وقائم اخرى ، مع بقائه على الوحدة.

قلت : العناوين المذكورة لا تنتزع عن مرتبة الذات بل هي منتزعة من امر خارج عنها ، وثبوت ذلك الامر الخارج عن الذات يختلف ، قد يكون الذات

٥٧٨

متصفة بعرض ، وقد تكون متصفة بضده ، بخلاف مثل السواد الضعيف والشديد ، فانهما منتزعان من حد خاص من الوجود من دون دخل امر خارجي ، فحينئذ لو لم يتعدد الوجود الذي هو منشأ لانتزاع كل من المفهومين فكيف يختلف المعنى المنتزع ، ومن هنا ظهران استصحاب بقاء السواد فيما قطع بتبدله على تقدير البقاء مبنى على احد امرين : اما جواز استصحاب الكلى الذي يكون من القسم الثالث ، واما القول بوحدة هذين الوجودين بنظر العرف ، وان كانا متعددين في نظر العقل ، فاحفظ ذلك.

ثم بعد ما علمت من لزوم اتحاد الموضوع في القضية المتيقنة والمشكوكة ؛ هل الحاكم بالاتحاد هو العقل؟ او الدليل؟ او العرف؟ والفرق بين الاول والاخيرين غير محتاج الى البيان ، والفرق بين الثاني والثالث أنه بناء على الثاني ينظر فيما جعل موضوعا للقضية عند العرف ، فان اخذ فيها الشيء المقيد فبارتفاع القيد يختلف ذلك الشيء ويصير موضوعا آخر ، وان اخذ فيها ذات الشيء وجعل امر آخر شرطا للحكم فالموضوع هو تلك الذات ، ولا يختلف بارتفاع ذلك الامر الذي جعل شرطا فيها للحكم ، مثلا الموضوع في قضية «الماء المتغير نجس» هو الماء المتغير ، دون قضية «الماء نجس اذا تغير» ، فان الموضوع بفهم العرف هو الماء والتغير علة لثبوت النجاسة للماء ، واذا زال التغير وشك في ارتفاع النجاسة او بقائها من جهة الشك في أن حدوثه علة للنجاسة حدوثا وبقاء او أن الحكم دائر مداره فلا مانع لاستصحابه ، واما بناء على الاخير يلاحظ المناسبة بين الحكم الوارد من الشارع وموضوعه ، فربما يكون الموضوع في القضية اللفظية هو المقيد ، كالماء المتغير ، لكن العرف بواسطة المناسبة بين الحكم والموضوع يرى ان موضوع النجاسة هو الماء ، وان التغير خارج منه وعلة لثبوت الحكم ، وربما يكون الامر بالعكس.

وكيف كان فالحق هو الاخير ، لان الاحكام المتعلقة بالعناوين تتعلق بها بلحاظ مصاديقها العرفية ، لان الشارع انما يتكلم بلسان العرف ، وهو حين

٥٧٩

التكلم كاحد من العرف ، فاذا قال احد من اهل العرف لآخر : لا تنقض اليقين بالشك ، يحمل كلامه على ما هو نقض عند اهل العرف ، وكذلك حال الشارع في التكلم مع اهل العرف ، وحينئذ فبعد كون الموضوع في قضية الماء المتغير نجس هو الماء ، فلو زال التغير يحكم العرف بان هذا الماء ان كان نجسا فقد بقيت نجاسته السابقة ، وإلّا فقد ارتفعت ، فمعاملة النجاسة مع هذا الماء ابقاء للحالة السابقة عملا ، وعدمها نقض لها كذلك.

ومن هنا ظهر ان توهم عدم جواز كون العرف مرجعا عند العلم بخطائه ناش عن الغفلة ، اذ بناء على ما قلنا ليس موضوع الحكم واقعا وبالدقة العقلية الا ما هو مصداق للعناوين بنظر العرف ، وهذا واضح جدا.

ثم بعد ما علمت ان موضوع الحكم ماخوذ من العرف : فاعلم انه قد يرد الحكم في الدليل على عنوان ولكن العرف يحكم بان الموضوع اعم مما يصدق عليه ذلك العنوان ، بحيث لو زال العنوان عنه واطلق عليه عنوان آخر يرى ان هذا الباقي في كلا الحالين هو الذي كان موضوعا للحكم ، وقد يحكم بان زوال العنوان موجب لزوال الموضوع الاول وحدوث موضوع آخر ، والاول على قسمين ، احدهما انه لا يحتاج في حكمه ببقاء الحكم الاول الى وجود دليل آخر مثل الاستصحاب ، بل يحكم بالبقاء بمقتضى نفس الدليل الاول ، والثاني انه يحتاج في ذلك الى دليل آخر ، ووجه الاحتياج مع فرض انه احرز ان الموضوع هو الموجود في الحالين احتمال ان يكون الحكم في القضية دائرا مدار وجود اسم العنوان ، بحيث يكون هو الواسطة في ثبوت حكمها لموضوعها حدوثا وبقاء ، فلا ينافي بقاء الموضوع عدم الحكم ، وغالب الاحكام المستفادة من القضايا من قبيل الثاني ، اعنى لو زال العنوان الذي كان الموضوع متصفا به لم يكن الدليل الاول كافيا في اثبات الحكم ، ولعل ما اشتهر في السنتهم من ان الاحكام تدور مدار الاسماء محمول على الغالب في مقام الاثبات ، بمعنى ان الادلة المثبتة لحكم لمسمى باسم يجوز التمسك بها لاثبات ذلك الحكم ما دام الاسم باقيا ، وبعد

٥٨٠