درر الفوائد - ج ١ و ٢

آية الله الشيخ عبدالكريم الحائري اليزدي

درر الفوائد - ج ١ و ٢

المؤلف:

آية الله الشيخ عبدالكريم الحائري اليزدي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٣٥

ويثبت الباقي (١) كما ذكرنا هذا.

وينبغى التنبيه على امور :

الأوّل : اذا دار الامر بين التعيين والتخيير ، بان يكون تعلق الوجوب على موضوع معلوما ، وشك في انه على نحو التعيين او التخيير ، فهل الاصل يقتضى ايهما؟ فيه وجهان : وجه الاول ان تعلق التكليف بهذا الموضوع معلوم ، ويشك في انه هل يسقط باتيان شيء آخر ام لا ، فمقتضى الاشتغال بالحكم الثابت فراغه عن عهدة التكليف يقينا ، ووجه الثاني ان الشك في المقام راجع الى الشك في الاطلاق والتقييد ، ووجهه ان الشيئين اذا اتحدا في الاثر فاللازم عند العقل ان يكون ذلك الاثر مستندا الى القدر الجامع ، فحينئذ مرجع الشك في التعيين والتخيير الى ان التكليف هل هو متعلق بالجامع بين الفردين او بخصوص ذلك الفرد ، ولما قلنا بالبراءة هناك نقول بها هنا ايضا.

والحق هو الاول لان التخيير وان كان راجعا الى تعلق الحكم بالجامع عقلا وفي عالم اللب ولكن لو كان مراد المولى ذلك العنوان الخاص الذي جعله موردا للتكليف على وجه التعيين لم يكن للعبد عذر ، وليست المؤاخذة عليه مؤاخذة من دون حجة وبيان ، حيث انه يعلم توجه الخطاب بالنسبة الى العنوان المخصوص.

ومن هنا تعرف الفرق بين المقام وبين دوران الامر بين المطلق والمقيد ، حيث إنه في الثاني لا يعلم بتوجه الخطاب بالمقيد فيؤخذ بالمتيقن ويدفع القيد بالبراءة ، بخلاف ما نحن فيه حيث ان المفروض العلم بصدور الخطاب المتعلق

__________________

(١) فيه ان هذا تقريب الانحلال ، والمفروض التكلم على مذاق القائل بالعدم ، فالصواب التمسك بناء على هذا المذاق بجريان الحديث في الشك في القيدية والشرطية ، بناء على عمومه لجميع الآثار ، ثم التمسك لاثبات وضع الباقي بالبيان المتقدم. (م. ع. مدّ ظلّه).

٤٨١

بالعنوان المخصوص فلا تغفل.

الثاني : لما فرغنا عن الشك في الجزئية والقيدية في الشبهة الحكمية فاللازم التكلم في الموضوعية منها مفصلا ، لكون بعض مصاديقها محلا للابتلاء ، وموردا لأنظار العلماء.

فنقول وبالله المستعان : انّ جعل طبيعة جزءا للمأمور به يتصور على انحاء :

منها ، جعلها باعتبار صرف الوجود اعنى الوجود اللابشرط من جميع الخصوصيات الذي يكون نقيضا للعدم المطلق وبعبارة اخرى : الذي ينتقض به العدم ، فيكتفى باتيانه في ضمن فرد واحد ، ضرورة تحقق ذلك المعنى اللابشرط في ضمن فرد واحد.

ومنها ، جعلها باعتبار وجودها الساري في جميع الافراد.

ومنها ، جعلها باعتبار مجموع الوجود بحيث يكون مجموع افراد الطبيعة جزءا واحدا للمأمور به.

والاقسام المذكورة كلها متصورة بالنسبة الى الشرط والمانع.

اذا عرفت هذا فنقول : ان جعل شيء جزءا او شرطا للمأمور به بالاعتبار الاول فلا ريب في وجوب احرازه وعدم جواز الاكتفاء بالمشكوك ، لان الاشتغال بالمركب من اجزاء معلومة او المشروط بالشرط المعلوم معلوم بالفرض ، ولا يتحقق البراءة إلّا باتيان ما يعلم انطباقه عليه ، وهذا في الوضوح والبداهة بمكان.

وان جعل جزءا او شرطا بالاعتبار الثاني فلا اشكال في ان مرجع هذا النحو من الجعل الى جعل كل واحد من افراد الطبيعة جزء مستقلا او شرطا كذلك ، وان القضية الدالة على ذلك تنحل الى قضايا متعددة ، فهل يحكم في الفرد المشكوك كونه جزءا وشرطا من جهة الشك في انطباق المفهوم المعلوم كونه جزءا وشرطا عليه بالبراءة او الاحتياط ، وجهان تعرف الحال بعد بسط المقال في الشك في المانع ايضا.

٤٨٢

وكذا الحال فيما اذا جعل بالاعتبار الثالث.

وإن جعل شيء مانعا بالاعتبار الثالث ، أعنى اعتبار مجموع الوجود ، فيرجع الى اشتراط ترك واحد من افراد ما جعل مانعا ، ولا اشكال في وجوب احراز ذلك الترك ، لان اصل الاشتراط معلوم فاللازم العلم بوجود الشرط ، وهذا ايضا واضح.

وان جعل مانعا باحد الاعتبارين الاولين ، اعنى اعتبار صرف الوجود او الوجود السارى ، فلو شك في كون شيء مصداقا للمفهوم الذي جعل مانعا فهل الاصل يقتضى الاحتياط والاجتناب عن ذلك الشيء المشكوك كونه فردا او البراءة ، مثال ذلك : اذا علمنا ان الشارع جعل لبس الجلد او الصوف او الوبر لغير ما يؤكل لحمه من الحيوان مانعا للصلاة ، وشككنا في ان اللباس المخصوص هل هو مأخوذ من ما يؤكل لحمه او من غيره ، المشهور ـ كما قيل ـ على الاحتياط ، وذهب بعض الاساطين الى البراءة وعدم وجوب الاحتياط منهم سيد مشايخنا الميرزا الشيرازي في اواخر عمره ، وهذا هو الاقوى.

وتوضيح المقام على نحو يكشف الستر عن وجه المرام ان جعل اجزاء ما لا يؤكل لحمه مانعا في الصلاة بعد القطع بعدم كون المانع هو مجموع وجودات تلك الطبيعة لا يخلو من امرين :

إمّا جعله على نحو السريان ، فالمجعول مانعا على هذا كل فرد من افراد تلك الطبيعة ، والمفروض ان لتلك الطبيعة افرادا معلومة قد علم تقييد الصلاة بعدم كل واحد منها ، فمرجع الشك هنا الى ان المأمور به هل قيّد بعدم هذا الفرد زائدا على ما علم اعتباره فيه اولا؟ وبعبارة اخرى : مرجع هذه الشبهة الى الشبهة في اشتراط امر آخر سوى الامور المعلومة ، غاية الامر أن هذه الشبهة نشأت من امور خارجية.

وحينئذ نقول : ان لهذه الشبهة جهتين : إحداهما انها من مصاديق الشبهة في الاقل والاكثر. والثانية انها من مصاديق الشبهة الموضوعية.

٤٨٣

فان كان المانع من اجراء البراءة فيها الجهة الاولى فقد فرغنا عنها ، وان الحق فيها من هذه الجهة البراءة ، وكل ما اقمناه حجة هناك جار هنا ، فلا نطيل الكلام باعادته.

وان كان المانع الجهة الثانية فقد مر ايضا الكلام فيه ، وأن ما يشك كونه محرما من جهة الشك في انطباق العنوان عليه حكمه حكم ما يشك كونه محرما من جهة الشبهة الحكمية.

والحاصل انه بعد ما فرضنا قبح المؤاخذة على ارتكاب المحرم المجهول فلا فرق في ذلك بين ان يكون المرتكب جاهلا بالصغرى وان هذا خمر مثلا وبين ان يكون جاهلا بالكبرى بان لا يعلم حرمتها ، فالقائل بوجوب الاحتياط ان كان نظره الى ان هذا المورد مما دار الامر فيه بين الاقل والاكثر ، فقد اجبنا عن اشكاله في الشبهة الحكمية ، وان كان نظره الى كون المقام من الشبهات الموضوعية ، فقد اجبنا عن اشكاله في الشبهة الموضوعية ، ولا يعقل ان يحدث اجتماع الجهتين اللتين ليست واحدة منهما موجبة للاحتياط ايجاب الاحتياط ، هذا ان حملنا دليل المانع على الوجود السارى ، كما هو ظاهر النواهى الشرعية عرفا سواء كانت نفسية او غيرية.

وان حملناه على صرف الوجود فقد يتوهم ان مقتضى القاعدة الاحتياط ، حيث ان تقييد الصلاة بعدم تلك الحقيقة معلوم ، وهو تقييد واحد سواء كثرت افرادها ام قلّت ، ولا يتحقق ذلك العدم الا بعدم جميع الافراد ، كما اذا قيّدت الصلاة بالطهارة عن الحدث ولم يعلم بانه هل يتحقق بالمركب من الغسلتين والمسحتين او به وبشيء آخر ، والحاصل انه لو كان التكليف بشيء واحد معلوما ودار الامر في محصل ذلك الشيء بين الاقل والاكثر فلا شك في لزوم الاحتياط ، والسر في ذلك أن محط التكليف ليس هذا المركب حتى يؤخذ فيه بالقدر المتيقن ويكون الشك في الباقي شكا في اصل التكليف ، بل التكليف متعلق بذلك المعنى الواحد ، فالذمة مشغولة به يجب الفراغ عنه.

٤٨٤

لكن التحقيق يقتضى عدم الفرق بين الصورتين ، ومقايسة ذلك بالطهارة ومحصلها ليست في محلها ، وتوضيح ذلك : انه قد يكون التكليف متعلقا بالعنوان المتولد من السبب الخارجي ويشك في ان سبب حصول ذلك العنوان المكلف به هل هو الاقل او الاكثر ، فيجب حينئذ الاحتياط باتيان الاكثر ، حتى يعلم تحقق ذلك العنوان ، والامر بالطهارة من هذا القبيل ، لانها امر معنوى يتحصل من افعال خارجية ، وكذلك لو امرنا بالتأديب ولم نعلم انه يحصل بضربة او بضربتين مثلا ، وهكذا ، وقد يكون التكليف متعلقا بما هو عين الخارج ، لا أنه يتحصل به ، كما فيما نحن فيه ، فان صرف الوجود الذي جعلناه متعلقا للنهى الغيري هو عين الوجودات الخارجية ، والنهى المتعلق به في الحقيقة راجع الى النهى عن تلك التحصلات الخارجية ، فحينئذ يقال : انا نعلم من جهة ذلك النهى تقييد الصلاة بعدم تلك التحصلات المعلومة ، ونشك في تقييدها بالزائد ، ومقتضى الاصل البراءة ، والفرق بين هذا الفرض وسابقه انه في السابق كانت الشبهة من مصاديق الشبهة في الاقل والاكثر من حيثية واحدة ، وفي هذا الفرض من حيثيتين : إحداهما من جهة ارتباط القيد بالصلاة ، والثانية من جهة الارتباط الموجود في نفس القيد ، ولا ضير بعد ما لم تكن هذه الجهة منشأ للاحتياط ، هذا ما استفدنا من سيدنا الاستاذ طاب ثراه في بيان الاصل العقلى (١) نقلا عن سيد

__________________

(١) هذا. ويمكن ان يقال تارة نجعل الطبيعة اشارة الى الافراد ويكون بمنزلة هؤلاء ، فلا شك حينئذ ان الدوران في الافراد بين الاقل والاكثر يكون في نفس الموضوع ، واخرى نجعل الموضوع نفسها بما هي شيء بحيال الافراد ، وحينئذ فان جعلت موضوعا بلحاظ صرف الوجود فلا محيص عن الاشتغال عند دوران امر الافراد بين الاقل والاكثر ، لان ما هو الموضوع وهو صرف الوجود الذي يستوي فيه القليل والكثير غير مشكوك ، وما هو المشكوك غير موضوع ، وان جعلت باعتبار الوجود السارى موضوعا فاللازم القول بالبراءة عند الدوران المذكور ، لان مرجع هذا النحو من الاعتبار الى قضايا تعليقية بعدد الافراد ، فقوله لا تشرب الخمر في قوة قوله كل ما لو وجد في الخارج وكان خمرا فهو على تقدير وجوده حرام ، ومن المعلوم ان الحكم التعليقي ـ

٤٨٥

مشايخنا الميرزا الشيرازي «قدس‌سره».

فان قلت : ان ما ذكرته صحيح على تقدير جعل لبس غير مأكول اللحم مانعا في الصلاة ، واما لو جعل اللباس على تقدير كونه من اجزاء الحيوان شرطا سواء كان ذلك الشرط كونه من مأكول اللحم ام عدم كونه من غير مأكول اللحم فالقاعدة تقتضى الاحتياط ، فانه بعد حصول التقدير ـ وهو ما اذا لبس المصلى شيئا من اجزاء الحيوان ـ اشترط هذا اللباس الخاص بشيء معلوم ، وهو كونه مما يؤكل او عدم كونه مما لا يؤكل ، والشك انما هو في وجود الشرط ، وليس هنا قدر متيقن حتى يؤخذ به ويصير الشك في الزائد شكا في اصل الاشتراط ، كما لا يخفى على المتأمل ، وحينئذ نقول : ان موثقة ابن بكير (١) التى هى الاصل في عدم جواز لبس غير مأكول اللحم في الصلاة وان كان صدرها ظاهرا في مانعية لبس غير مأكول اللحم في الصلاة ، ولكن بعض فقراتها يدل على خلاف ذلك وهو قوله عليه‌السلام «لا يقبل الله تلك الصلاة حتى تصلى في غيره مما

__________________

لا يصير منجزا الا بعد احراز المعلق عليه ، واما بناء على اعتبار صرف الوجود فيكفى وجود خمر في الدنيا مع صيرورته محلا لابتلائنا في تنجز الحكم حتى في الافراد المشكوكة.

ومن هنا يعرف الحال فيما لو جعل الطبيعة شرطا او جزء باعتبار الوجود السارى ، فان الحق فيه البراءة لعين التقريب المتقدم.

ولو جعلت كذلك باعتبار مجموع الوجود ، فتارة يجعل الجامع بمنزلة هؤلاء ويكون حال الافراد كاجزاء الصلاة ، حيث لا وحدة ملحوظة بينها الا في مجرد اسم الصلاة ، فحينئذ يجري النزاع المتقدم في مبحث الاقل والاكثر ، واخرى يجعل بما هو شيء في نفسه بالاعتبار المذكور ، فحينئذ لا محيص عن الاشتغال لعين ما تقدم من التقريب في صرف الوجود.

وقد انقدح ممّا ذكرنا انه لو جعل عدم كون اللباس ممّا لا يؤكل قيدا في الصلاة باعتبار الوجود السارى فاللازم القول بالبراءة ، سواء جعل كونه ممّا لا يؤكل مانعا في الصلاة ، ام عدم كونه ممّا لا يؤكل شرطا في اللباس على تقدير كونه حيوانيا ، لاشتراك ما قدمنا من التقريب بينهما ، وان كان ظاهر المتن خلافه. (م. ع. مدّ ظلّه).

(١) الوسائل ، الباب ٢ من ابواب لباس المصلى ، الحديث ١.

٤٨٦

أحل الله اكله» ، لان هذه الفقرة بعد القطع بعدم كون ظاهرها مرادا ، كما هو واضح ، يلزم ان يحمل على الشرطية التقديرية ، والمعنى على هذا : «لا يقبل الله تلك الصلاة على تقدير لبسك شيئا من الحيوان حتى تصلى فيما أحل الله اكله» فحينئذ لا يجوز الاكتفاء بالصلاة في اللباس المشكوك.

قلت : لا يخفى على العارف باسلوب الكلام أن هذه الفقرة ليست بما تفيد مطلبا آخر سوى ما استفدنا من صدر الرواية ، لان قول الامام عليه‌السلام هذا تفريع على ما مر منه عليه‌السلام في صدر الرواية ، ومحصل المعنى : «أنه لما كانت الصلاة في اجزاء ما لا يؤكل فاسدة لا يقبل الله تلك الصلاة حتى يصلى في غيره» وانما ذكر ما احله الله من جهة كون الصلاة فيه احد مصاديق الصلاة المقرونة بعدم المانع.

ثم على تقدير تسليم كونه في مقام بيان الاشتراط نقول : الظاهر منه توقف صحة الصلاة على كونها في مأكول اللحم ، وبعد القطع بعدم اشتراط ذلك بقول مطلق فاللازم حمله على الاشتراط المعلق ، يعنى ان المصلى على تقدير لبسه شيئا من اجزاء الحيوان فلا تصح صلاته إلّا ان يصلى فيما احله الله ، وحينئذ نقول يكفى في صدق هذا الشرط ان يكون معه لباس مما احله الله يقينا ، وان كان معه ايضا ما يشك كونه كذلك ، فانه بعد احراز الشرط المستفاد من ذيل الرواية على الفرض ليس لنا شك الا من جهة مانعية اللباس الآخر للصلاة ، وقد قلنا انه من تلك الجهة مورد للاصل.

اللهم إلّا ان يدعى انه على تقدير القول بان ذيل الرواية تفيد الشرطية ليس معناه مجرد اشتراط الصلاة فيما احله الله ، بل المراد ان المصلى على تقدير لبسه جزء من الحيوان يشترط كون ذلك الجزء الملبوس مما يؤكل ، ففي الجزء المشكوك اصل الاشتراط معلوم وانما الشك في وجود الشرط ، واللازم في مثله الاحتياط. وكيف كان نحن في سعة مما ذكر لما قلنا من وضوح ان العمدة مفاد صدر الرواية وان الذيل لا يفيد شيئا الا التفريع على ما ذكر ، هذا تمام الكلام في

٤٨٧

الاصل العقلى.

واما الاصل النقلى (١) فيدل على المقصود كل ما دل على البراءة في الشبهة

__________________

(١) وقد يتمسك للجواز باستصحاب عدم كون الصلاة الصادرة من الشخص واقعة في ما لا يؤكل ، للقطع بذلك قبل لبس المشكوك ، كاستصحاب عدم مضريّة الصوم الحاصل في اليوم للقطع بذلك في اليوم السابق. وفيه ان الجواز هناك متعلق بالامر التعليقي اعني كون الصوم بحيث لو وجد لم يكن مضرا ، وهنا اعتبر مفهوم الصلاة مقيدا بعدم كونها في ما يؤكل ثم وقع هذا المقيد تحت الامر ، فالقيد هناك عدم اضرار الصوم بنحو التعليق ، وهنا عدم وقوع الصلاة فيما لا يؤكل بنحو الفعلية ، واثبات الفعلية في الموضوع بعد استصحابه بنحو التعليق مبنى على الاصل المثبت ، وليس كالاستصحاب التعليقي في نفس الحكم الذي قرر في محله عدم مثبتيته.

إلّا ان يجاب بان هذا مبني على ارجاع التعليق في القضايا الاخبارية التعليقية الى المخبر عنه وفي الانشائية الى المنشأ ، وقد تقرر في محله خلاف ذلك ، وانه راجع في الاولى الى الاخبار ، وفي الثانية الى الانشاء ، مع كون المخبر عنه والمنشأ فعليا مطلقا ، وعلى هذا فالتقريب الذي ذكر لعدم مثبتية الاستصحاب التعليقي في نفس الحكم جار في الاستصحاب التعليقي في الموضوع ، حرفا بحرف.

إلّا ان يفرق بين المقامين ، بان التعليق اذا كان في حكم الشرع فاليقين من المكلف بهذا الحكم التعليقي فعلي ، واما اذا كان في الموضوع فاليقين تعليقي لا محالة ، ويمكن دعوى انصراف ادلة الاستصحاب عن اليقين التقديري.

ويمكن ان يقال بعدم ارجاع المقام الى الاستصحاب التعليقي ، بدعوى ان المقام حاله كحال القضايا الحقيقية ، فان الحكم فيها وان كان معلقا على الافراد المقدرة الوجود ، لكنها مع ذلك حملية وليست بشرطية ، للفرق بين الحكم على الماهية باشراب الوجود ، والحكم عليها بتقديره ، فيقال في المقام : صلاة هذا الشخص كانت في السابق صلاة غير واقعة في ما لا يؤكل ، كما يقال عقد هذا الشخص كان عقدا صادرا من غير البالغ.

وقد يجاب عن اصل الاشكال بمنع اعتبار تقيد الصلاة بهذا الامر العدمي ، فان الظاهر من الادلة كون الوقوع في ما لا يؤكل مانعا ، لا كون عدمه شرطا ، وشأن المانع تخريب اثر المقتضي لا شرطية عدمه في تاثيره ؛ وفيه انه وان كان الامر بحسب اللبّ كذلك لكن في مقام ـ

٤٨٨

الحكمية بالتقريب الذي مر بيانه هناك فلا نطيل الكلام باعادته.

مضافا الى امكان ان يقال : ان مثل قوله عليه‌السلام «كل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه» (١) ايضا يدل على المقصود ، وتقريبه ان الحل والحرمة كما يطلقان على النفسيين كذلك يطلقان على الغيريين ، وقد شاع استعمالهما في هذا المعنى في الاخبار.

مثل قوله عليه‌السلام في رواية عبد الله بن سنان : كل ما كان عليك او معك مما لا يجوز فيه الصلاة منفردا الخ (٢).

وكذا قوله عليه‌السلام لا تجوز الصلاة في شيء من الحديد (٣).

وفي رواية ابراهيم بن محمد الهمداني لا يجوز الصلاة فيه (٤)

وفي صحيحة محمد بن عبد الجبار لا تحل الصلاة في الحرير المحض (٥).

وفي صحيحة اخرى له لا تحل الصلاة في حرير محض (٦).

وفي صحيحة على بن مهزيار هل تجوز الصلاة في وبر الارنب الى ان قال فكتب عليه‌السلام لا تجوز الصلاة (٧).

__________________

الاثبات لا بد من درج هذا العدم في المامور به اما بنحو التركيب واما بنحو التقييد ، وحيث ان الاول مقطوع الخلاف في المقام ، لانا نقطع بان اجزاء الصلاة امور وجودية اولها التكبير وآخرها التسليم ، فيتعين الثاني ، اذ لا يعقل عدم لحاظ شيء في المأمور به بنحو من الوجهين ، ومع ذلك يحكم بعدم الاجزاء لعدم مراعاته. (م. ع. مدّ ظلّه).

(١) الوسائل ، الباب ٤ من ابواب ما يكتسب به ، الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ٣١ من ابواب النجاسات ، الحديث ٥.

(٣) الوسائل ، الباب ٣٢ من ابواب لباس المصلى الحديث ٦.

(٤) الوسائل ، الباب ٢ ، من ابواب لباس المصلّى الحديث ٤.

(٥) الوسائل الباب ١٤ من ابواب لباس المصلى ، الحديث ٤.

(٦) الوسائل الباب ١٤ من ابواب لباس المصلى ، الحديث ٢

(٧) الوسائل الباب ٧ من ابواب لباس المصلى ، الحديث ٣.

٤٨٩

وفي رواية الحلبى كل ما لا تجوز الصلاة فيه وحده (١).

الى غير ذلك من الموارد التى يقف عليها المتتبع.

والحاصل ان الحل والحرمة في لسان الائمة عليهم‌السلام اعم من النفسى والغيرى كما يشهد به ما ذكرنا من الاخبار وحينئذ نقول مقتضى ظاهر الحديث جواز الصلاة في المشكوك فانه شيء لا يعلم أيحل الصلاة فيه ام لا؟ (٢) وقد قال كل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال وللجلود والاصواف قسم تحل فيه الصلاة وقسم لا تحل فيه الصلاة فيحكم في المشكوك بالحل بمقتضى ظاهر الحديث هذا محصل الكلام في المقام وفقنا الله واخواننا المؤمنين لمراضيه بحق محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله خير الانام.

الثالث : اذا ثبت جزئية شيء في الجملة وشك في ان نقصه سهوا يوجب بطلان الصلاة ام لا فهل الاصل العقلى يوجب الاعادة او الاكتفاء بالناقص؟ وجهان :

اختار اولهما شيخنا المرتضى «قدس‌سره» (٣) واحتج على ذلك بما حاصله :

__________________

(١) الوسائل الباب ١٤ من ابواب لباس المصلى ، الحديث ٢.

(٢) قد يقال لازم ذلك جواز التمسك بالخبر في موارد الشك في وجود الشرط او وجود الموضوع ، فلو شككنا في ماء انه مطلق او لا نقول انه شيء لا يعلم أيحل الوضوء منه او لا ، ومقتضى الحديث جوازه ، وكذا مقتضى حديث الرفع ارتفاع شرطية الاطلاق.

وقد يجاب عن الثاني بان مقتضى اجراء حديث الرفع في الشك في وجود الشرط هو الحكم بعدمه ، وهو خلاف المنة ، بخلاف الشك في وجود المانع. وفيه ان المرفوع في الاول احتياج العمل الى تحصيل جديد للشرط ، وهو موافق للمنة. فالاولى ان يقال بمنع شمول الحديث لرفع الآثار الوضعية ، واما الخبر الاول فاما ان يقال باختصاصه بموارد دوران الامر بين الحل والحرمة ، كما في الشك في المانع ، لا بين الحل والعدم ، فلا يجري في الشك في وجود الشرط ، او يقال باختصاصه بالحل والحرمة التكليفيين ، ولا ينافيه الاستعمال في الوضعيين بقرينة ، فلا يجري في شيء من المقامين. (م. ع. مدّ ظلّه).

(٣) الفرائد ، المسألة الاولى من التنبيه الاول «هنا» ص ٢٨٦.

٤٩٠

ان ما كان جزء حال العمد كان جزء حال الغفلة ، فلو لم يأت به نسيانا لم يأت بالمركب المامور به ، والدليل على ما قلنا انه لو كانت جزئية الجزء المغفول عنه مختصة بحال العمد لزم تخصيص الغافل بخطاب خاص ، وهو غير معقول ، لعدم امكان انبعاث الغافل بالخطاب المتوجه الى عنوانه ، لان انبعاثه يتوقف على التفاته الى انه داخل في العنوان الذي نعلق عليه الخطاب ، ولا يعقل التفاته الى ذلك ، لانه مناف للغفلة ، فمتى التفت يخرج عن كونه غافلا ، فينتفى الخطاب المتعلق بهذا العنوان ، لعدم موضوعه ، وما لم يلتفت لم يعقل انبعاثه بذلك الخطاب ، فالخطاب المتوجه اليه لغو مطلقا ، نعم يمكن ان يسقط الشارع الاعادة عن المكلف الآتى بالناقص ، كما نقول به في بعض اجزاء الصلاة بواسطة القاعدة المستفادة من الشرع ، لكن الكلام في الاصل العقلى مع قطع النظر عما استفدنا من الشرع ، ولا شك في أن الاصل العقلى لزوم الاحتياط وعدم الاكتفاء بالمركب الناقص هذا محصل ما افاده «قدس‌سره» في المقام.

واورد عليه (١) سيدنا الاستاذ نقلا عن سيد مشايخنا الميرزا الشيرازي «قدس‌سره» بوجهين :

احدهما انه على تقدير تسليم قبح اختصاص الغافل بخطاب لا يلازم كونه مشاركا للعامد في الخطاب ، لجواز ان لا يكون له خطاب اصلا حين الغفلة ، لا بالتام المغفول عنه ولا بالناقص المأتى به ، بل هو كذلك ، لانه غير قادر على المغفول عنه وغير قابل للخطاب بالناقص ، فتوجه الخطاب اليه لغو ، وان اريد

__________________

(١) وقد يجاب ايضا بتخصيص الخطاب بالعنوان الملازم للناسي.

وفيه انه انّما يدفع الاشكال في الاوامر الشخصية دون النوعية ، اذ ليس هناك عنوان ملازم مع افراد الناسي دائما ، كما ان توجيه الخطاب بالناقص الى عامة المكلفين وتخصيص الذاكر بخطاب الجزء الزائد لا يدفع الاشكال ايضا بعد تنويع الخطاب العام بواسطة ورود الخاص ، بصيرورته خطابا ضمنيا بالنسبة الى الذاكر ، واستقلاليا بالنسبة الى الناسي في اللب وان كان الاستقلال محفوظا فيهما صورة. (م. ع. مدّ ظلّه).

٤٩١

من الخطاب مجرد الاقتضاء والمصلحة فنسبة الامكان الى الناقص والتام سواء.

فان قلت : بعد الاجماع على ان لكل احد خطابا كان خطاب الغافل كخطاب الذاكر ، لعدم امكان اختصاصه بخطاب ، غاية الامر ان الخطاب عام ، والمكلف ما دام غافلا لم يتنجز عليه ، كالشاك بعد الفحص.

قلت : دعوى الاجماع بالنسبة الى الغافل بالموضوع كما هو محل الكلام ممنوعة ، نعم ، الغفلة عن الحكم لا توجب اختلاف الحكم وإلّا لزم التصويب.

وملخص الكلام انا نشك بعد ارتفاع العذر ان الغافل صار مكلفا بغير المركب الناقص الذي أتى به ، والاصل عدمه ، وثبوت الاقتضاء بالنسبة الى الجزء الفائت لا دليل عليه ، فالاصل البراءة عنه ، كما هو الشأن في كل مورد دار الامر فيه بين الاقل والاكثر.

لا يقال : انا نستصحب بقاء الارادة الذاتية التى كانت ثابتة في حال الغفلة.

لانا نقول : المعلوم منها ـ وهي المتعلق بالقدر المشترك بين الاقل والاكثر ـ مقطوع الامتثال ، والزائد مشكوك الحدوث ، فالاصل البراءة منه.

الوجه الثاني : انه يمكن تصور اختصاص الغافل وامثاله بخطاب ، مثل ان يخاطب في ضمن مطلق الانسان بالصلاة ويشرح له الاجزاء والشرائط على ما هو عليه من العموم والاختصاص بالذاكر ، وحينئذ فان لم يلتفت من اول الامر الى جزء فلا محالة ينوى الاجزاء المطلقة المفصلة في ذهنه بعنوان أنها عين الصلاة ، وان التفت الى ان من تلك الاجزاء ما يختص بالذاكر ينوى الاتيان بالعبادة بحسب ما يجب عليه على حسب حالته الطارية عليه ، فيكون داعيه المرتكز في ذهنه الامر الواقعي الذي تصوره بالعنوان الاجمالى ، واعتقاد انه لا يعرض عليه النسيان لا يضر بالنية ، كما لا يخفى ، هذا ما سمعنا منه «طاب ثراه» ونقلنا في هذه الرسالة عباراته في الرسالة التى صنفها في الخلل شكر الله سعيه واجزل مثوبته.

٤٩٢

هذا حال نقص الجزء الذى ثبت جزئيته في الجملة سهوا.

ولو زاد فمقتضى القاعدة الاولية مع قطع النظر عن ادلة ابطال الزيادة عدم بطلان العمل بها ولو كانت عن عمد ، لان الزيادة في العمل المأمور به لا يمكن ان تكون مبطلة ، إلّا ان يشترط عدمها ، فيرجع الى النقيصة ، فالشك في بطلان العمل بالزيادة يرجع الى الشك في اعتبار عدمها او عدمه ، والمرجع البراءة لانه من مصاديق الشك في التقييد.

نعم لو دل دليل على بطلان العمل بها في الجملة فعلى ما افاده شيخنا المرتضى «قدس‌سره» لا بد من القول بالبطلان بها بحسب الاصل العقلى في حال العمد والسهو ، لعدم امكان اختصاص الساهي بخطاب خاص على ما نقلناه منه «قدس‌سره» ، واما على ما ذكرنا فلو لم يكن للادلة الدالة على ابطال الزيادة اطلاق يشمل حال السهو لم تكن في تلك الحالة مضرة بالعمل ، لما ذكر من الوجه.

هذا تمام الكلام فيما يقتضيه الاصل العقلى.

فتلخص مما ذكرنا ان مقتضى الاصل العقلى عدم بطلان العمل بنقص الجزء سهوا فيما لم يدل دليل على جزئيته حتى في حال السهو ، كما ان مقتضى الاصل عدم البطلان اذا زاد على المركب المامور به ما لم يدل دليل على ابطال الزيادة ، ولو دل دليل على ذلك ولم يكن له اطلاق يشمل حال السهو فالاصل عدم البطلان بزيادة في حال السهو.

بقي الكلام في الاصل المستفاد من الشرع في خصوص باب الصلاة فنقول : روى محمد بن على بن الحسين باسناده عن زرارة ، قال : قال ابو جعفر عليه‌السلام : لا تعاد الصلاة الا من خمسة : الطهور ، والوقت ، والقبلة ، والركوع ، والسجود (١).

__________________

(١) الوسائل ، الباب ٢٩ من ابواب القراءة في الصلاة ، الحديث ٥.

٤٩٣

والتكلم فيه يقع في مواقع :

احدها : أنّ الظاهر بمقتضى العموم المستفاد من الخبر عدم التفاوت بين اسباب الخلل وأن وقوعه في غير الخمسة المستثناة لا يوجب الاعادة ، سواء كان منشؤه السهو عن الحكم او عن موضوعه ، او النسيان كذلك ، او الجهل كذلك ، نعم ليس الخلل الواقع عن علم بالحكم والموضوع داخلا في نفي الاعادة ، لمنافاة ذلك الجزئية او الشرطية الثابتتين بحسب الفرض ، هذا.

ولكن كلمات الاصحاب لا تلائم ما ذكرنا من العموم (١) فلاحظ.

الثاني : الظاهر من الاعادة هو الاتيان ثانيا بعد تمام العمل ، فلا يعم اللفظ بظاهره الاستيناف في الاثناء ، ولكن استعماله في الاعم شايع في الاخبار وفي لسان المتشرعة ، مضافا الى شهادة تعليل عدم الاعادة في الخبر بان «القراءة سنة والتشهد سنة ولا تنقض السنة الفريضة» فانه ظاهر في ان تركه سهوا لكونه سنة لا تنقض الفريضة حين حصوله لا انه مراعى باتمام العمل.

الثالث : هل يعم الخبر الزيادة الواقعة في الصلاة عن سهو او يختص مدلوله بالنقيصة؟ وجهان : من ان الزيادة ايضا راجعة الى النقيصة لكون عدمها معتبرا في الصلاة ، وإلّا لم يعقل كونها موجبة للبطلان ، فعلى هذا مقتضى العموم عدم الاعادة بكل نقص حصل في الصلاة ، سواء كان بترك ما اعتبر وجوده ام بايجاد ما اعتبر تركه ، ومن انه ظاهر من حيث الانصراف في الوجوديات ، واما العدميات المعتبرة في الصلاة فلا يشملها.

وهو الاقوى وعلى هذا ان ثبت عموم يدل على ابطال الزيادة مطلقا لم تكن الرواية حاكمة عليه.

وعلى الاول هل يدل على بطلان العمل بزيادة الركوع والسجود اولا؟

__________________

(١) قد بيّن «رحمه‌الله» وجه التوفيق بين مفاد الحديث وكلمات الاصحاب في صلاته في مبحث الخلل. (م. ع. مدّ ظلّه).

٤٩٤

يمكن ان يقال : ان زيادتهما داخلة في المستثنى منه ، فان مدلول الخبر على هذا عدم الاعادة من النقص الحاصل في الصلاة ، سواء كان بترك شيء معتبر وجوده ام بايجاد شيء معتبر عدمه ، الا من نقص الركوع والسجود مثلا ، فيكون زيادتهما داخلة في المستثنى منه ، ويمكن ان يقال : ان الزيادة صفة مضافة الى الجزء ، كما ان النقيصة ايضا كذلك فهما اعتباران متواردان عليه ، وان كانت الزيادة عدمها معتبرا في الصلاة فهي من جهة الاعتبار الاول تدخل في المستثنى ، ويصير حاصل مدلول الخبر على هذا : «لا تعاد الصلاة بفوت شيء من الأمور المعتبرة فيها سواء كانت وجودية ام عدميّة إلّا اذا نشأ الخلل الواقع فيها من جهة الركوع والسجود مثلا والخلل الواقع فيها من جهتهما على قسمين احدهما تركهما في الصلاة والثاني زيادتهما فيها» ، هذا.

ولكن الانصاف ان ظهور الرواية فيما قلنا مشكل ، والاظهر ما قلنا اولا من عدم شمولها للعدميات المعتبرة في الصلاة.

الرابع : لو شك في ان سبب النقص عمدا وسهو فالتمسك بالعموم مبنى على الاخذ بالعمومات في الشبهة المصداقية ، إلّا ان يقال : ان التخصيص هنا عقلى ، والمتيقن منه هو المعلوم كونه عن عمد ، وهو غير بعيد.

هذا بعض الكلام في الحديث الشريف ، وقد عرفت عدم تعرضه للزيادة ، فلو فرض ما يدل على ابطال الزيادة مطلقا لم يكن منافيا له.

ثم لو فرضنا شموله للزيادة كالنقيصة فالنسبة بينه وبين الاخبار الدالة على ابطال الزيادة مطلقا وان كان عموما من وجه إلّا ان الظاهر حكومة هذه القاعدة عليها (١) كما لا يخفى.

وكذا الحال فيما اذا دل دليل على بطلان الصلاة بالزيادة في خصوص

__________________

(١) قد استشكل في حكومة الحديث على دليل الزيادة في مبحث الخلل من الصلاة فليراجع. (م. ع. مدّ ظلّه).

٤٩٥

حال السهو مثل قوله عليه‌السلام : «اذا استيقن انه زاد في المكتوبة استقبل الصلاة» (١) لان الدليل المذكور وان كان مختصا بحال السهو ، لكنه من حيث الزيادة يعم الركوع والسجود وغيرهما ، والقاعدة تدل على عدم لزوم الاعادة في غير الركوع والسجود ، فمورد التعارض غيرهما ، ومقتضى حكومة القاعدة اخراج مورد التعارض عن ذلك الدليل ، ويتعين مورده في الركوع والسجود فما افاده شيخنا المرتضى «قدس‌سره» (٢) من كون الدليل المذكور اخص من القاعدة لا وجه له فتدبر جيدا.

الامر الرابع : اذا ثبت جزئية شيء او شرطيته في الجملة فهل يقتضى الاصل جزئيته او شرطيته مطلقا ، بحيث لو تعذرا سقط التكليف ، او اختصاص اعتبارهما بحال التمكن ، فلو تعذرا لم يسقط التكليف بالمقدور؟ وجهان.

وينبغى تعيين محل الكلام ثم التكلم بما يقتضيه القاعدة فيه.

فنقول : محل الكلام ما اذا لم يكن للدليل الدال على الجزئية او الشرطية اطلاق ، اذ لو كان كذلك لا اشكال في سقوط التكليف حال تعذرهما ، وكذا لم يكن للدليل الدال على وجوب المركب او المقيد اطلاق يشمل حال العجز عنهما ، اذ لو كان كذلك يتمسك بالاطلاق في بقاء التكليف.

ثم انه قد يفرض طروّ العجز مع كونه قادرا قبل ذلك ، وقد يفرض كونه عاجزا من اول الامر ، كما اذا كان في اول زمن التكليف عاجزا عن اتيان تمام المأمور به.

ثم ان القدرة والعجز تارة يفرضان في واقعة واحدة كما اذا كان في اول الظهر قادرا على اتيان الصّلاة مع تمام ما له دخل فيها فصار عاجزا عن اتيان شيء منه في الوقت ، واخرى في واقعتين كما اذا كان قادرا في الايام السابقة

__________________

(١) الوسائل ، الباب ١٩ من ابواب الخلل ، الحديث ١. والحديث منقول بالمعنى.

(٢) الفرائد ، في المسألة الثالثة من التنبيه الاول «هنا» ، ص ٢٩٣ (طبعة رحمة الله).

٤٩٦

فطرأ عليه العجز في يومه.

فلو كان عاجزا من اول الامر لم تجر في حقه الا قاعدة البراءة (١) اذ قاعدتا

__________________

(١) لا يخفى ان جريان البراءة العقلية في المقام مبنى على احتمال كون القدرة شرعية ، بمعنى كون العاجز عن التام خارجا عن التكليف وعن مصلحته رأسا ، وهو خلاف الظاهر في عامة التكاليف ، فليس القدرة والعجز كالحضر والسفر بمنوعين للتكليف ، وعلى هذا فالعلم حاصل بثبوت الارادة الذاتية للمولى في حق العاجز ، اما منفكا عن الفعلية لو كانت متعلقة بالتام ، واما مقرونة بها لو كانت متعلقة بالناقص ، والحكم في مثله الاشتغال عقلا كما في مورد الشك في القدرة.

فان قلت : فرق بين صورة الشك في القدرة على فعل نعلم بكونه متعلقا للارادة الذاتية وبين المقام الذي تردد امر الارادة الذاتية بين التعلق بالمقدور او التام المعجوز عنه ، اذ في الثاني نعلم بانفكاكها عن الفعلية لو كانت متعلقة بالتام ، واما احتمال تعلقها بالناقص المقدور فمدفوع باستصحاب عدم تعلق الارادة الفعلية به.

قلت : الفعلية ليست امرا وراء حكم العقل بلزوم الامتثال ، وقد تقرّر في محلّه عدم قبوله للتصرف الشرعي ، والقابل انّما هو ذات الارادة دون وصفها ، واستصحاب عدمها في طرف الناقص معارض باستصحاب عدمها في التامّ ، ولا يتوهم عدم الاثر للثاني ، وذلك لترتب سقوط القضاء عليه وان قلنا بان القضاء معلق على الفوت ، اذ كما يكفى في صدق الفوت مطلق الوجوب ولو ظاهريا كذلك يكفى في صدق عدمه عدم الوجوب كذلك ، نعم ما ذكرنا لا يتم في صورة العجز الطارئ ، فان استصحاب عدم الارادة في طرف الناقص غير معارض بالمثل في طرف التام ، اذ الجاري فيه استصحاب الثبوت الذي يترتب عليه القضاء ، نعم يمكن ان يقال هناك بلزوم الاتيان بالناقص مع لزوم القضاء عليه بعد التمكن ، اما لزوم القضاء فللاستصحاب المذكور ، واما لزوم الناقص فلقوله عليه‌السلام في حديث الرفع : «رفع ما لا يطيقون» بناء على شموله للعجز العقلي ، اذ يستفاد من رفع ما لا يطاق وضع غيره ، كما استفاد الامام عليه‌السلام في رواية عبد الاعلى من رفع المباشرة بقاء اصل المسح.

لا يقال : فعلى هذا لا بد في صورة العجز عن المسح على راسه من القول بلزوم المسح على رأس غيره وهو ممّا لا يمكن التفوّه به.

لانا نقول : فرق بين ايجاب الشيء مستقلا وايجاب قيده بانشاء آخر وبين ايجابهما بانشاء ـ

٤٩٧

الاستصحاب والميسور اللتان يتمسك بهما في المسألة الآتية لا تجريان في حقه ، ضرورة توقفهما على الثبوت في الزمان السابق ، اللهم إلّا ان يكتفى في تحقق قاعدة الميسور بتحقق مقتضى الثبوت.

ولو كان العجز طاريا عليه في واقعة واحدة فالحق وجوب الاتيان بالمقدور عقلا ، لانه يعلم بتوجه التكليف اليه (١) فان لم يأت بالمقدور لزم المخالفة القطعية.

فالمقصود بالبحث هنا صورة طرو العجز في واقعة اخرى ولم يكن للدليل الدال على المركب او المقيد اطلاق ، وكذلك لم يكن للدليل الدال على الجزئية او القيدية اطلاق.

اذا عرفت هذا فنقول : لا اشكال في ان مقتضى الاصل الاولى البراءة (٢) ، للشك في ثبوت اصل التكليف ، لكن هنا امور تقدم على قاعدة البراءة :

منها استصحاب بقاء التكليف على المقدور ، إما من جهة المسامحة في المستصحب ، بمعنى ان التكليف المتعلق بالمقدور في الزمن السابق وان كان

__________________

واحد ، ففي الصورة الاولى اذا حصل العجز عن القيد نقول بان المتفاهم عرفا من حديث الرفع بقاء وجوب اصل الشيء ، وفي الصورة الثانية لا يتفاهم ذلك عرفا ، وهو الوجه في عدم التفاهم فيما ذكرته من المثال ، اذ لم يتعلق الامر اوّلا بمسح الراس ثم بانشاء آخر بكونه رأس نفسه. (م. ع. مدّ ظلّه).

(١) فهذا نظير ما لو علم في اثناء اليوم مثلا بتوجه الامر باكرام زيد من اول الصبح توصليا ولكنه يحتمل صدور الاكرام منه فيما مضى من اليوم مع غفلته عن الامر ، فهو في حالته الفعلية غير عالم بالتكليف الفعلي ، لكنه غير مستريح عقلا ، فليس المعيار في الاشتغال العلم بالتكليف مع تحقق شرائط الفعلية في زمان واحد ، بل يكفى العلم به في زمان ، مع تحقق الشرائط في الزمان المتأخر عن المعلوم المقارن مع العلم. (م. ع. مدّ ظلّه).

(٢) مقتضى ما قدمناه في العجز الابتدائي كون الاصل الاولى هنا ايضا الاشتغال لا البراءة ، فقد تلخص من جميع ما ذكرنا في المواقع الثلاثة ان حكم العقل في جميعها هو الاشتغال ، غاية الامر ان له في صورة العجز الطارئ في واقعة واحدة تقريبين ، على سبيل منع الخلو ، وفي الصورتين الاخريين تقريبا واحدا. (م. ع. مدّ ظلّه).

٤٩٨

غيريا وقد انتفى قطعا ، وهذا التكليف المشكوك نفسي على تقدير ثبوته ، لكن العرف لا يرى الغيرية والنفسية معددة للتكليف ، واما من جهة المسامحة في الموضوع ؛ بان يقال : ان المستصحب هو التكليف النفسي ، والمركب التام والناقص بجزء واحد وكذا المقيد والفاقد للقيد ليسا بموضوعين عند العرف ، بل هما شيء واحد ، وهذا الاختلاف نظير الاختلاف في حالات موضوع واحد ، نظير استصحاب الكرية مع ان موضوع الكرية لم يكن هذا الماء الموجود عقلا.

وكل منهما صحيح (١) ولكن الثمرة بينهما انه على الاول يجرى الاستصحاب في المقدار المقدور ، سواء كان قليلا ام كثيرا ، وبعبارة اخرى سواء كان المعجوز عنه بالنسبة الى المقدور قليلا بحيث يفرض كالمعدوم ام لا ، وعلى الثاني لا يجرى

__________________

(١) بل الحق عدم صحة شيء منهما ، اما الاول فلانا اذا راجعنا وجداننا فيما اذا تبدل حالة طلبنا لشراء السلّم مثلا لنفسه الى حالة طلبه مقدمة للغير لا نرى ان العرف يحكمون ببقاء شخص الحالة الاولية في النفس ، وانما المتبدل وصف من اوصافها ، بل نراهم يعدّونه من التبدل الفردي ، كما في صورة تبدل موضوع الحب بموضوع آخر ، واما الثاني فلان تبدل بعض الاوصاف العارضية في الموضوع الشخصي وان كان غير موجب لتبدل الموضوع بنظر العرف لكن اذا اخذ عين ذلك التبدل في المفهوم الكلي فلا اشكال انهم يرونه موجبا لتعدد المفهوم ، مثلا الموضوع الشخصي اذا تبدل بياضه الى السواد لا يرونه من تعدد الموضوع قطعا ، ومع ذلك مفهوم الابيض مع مفهوم الاسود مفهومان متقابلان ، ولا شك ان موضوع الامر هو المفهوم الكلي قبل تشخصه بالوجود الخارجي ، فكيف يكون مفهوم الواجد مع مفهوم الفاقد او مفهوم التام مع مفهوم الناقص واحدا.

وهنا تقريب آخر للاستصحاب ، وهو استصحاب جامع الطلب بوصف الفعلية في جامع الموضوع ، بناء على جريان استصحاب القسم الثالث من استصحاب الكلي ، كما هو الحق ، لكن فيه انه معارض باستصحاب عدم الفرد المحتمل الحدوث.

وانت خبير بان هذه التقريبات الثلاثة باسرها جارية في قاعدة الميسور مع اجوبتها ، غير ما ذكر اخيرا جوابا عن استصحاب الجامع ، فانه غير وارد هناك ، والوجه ان القاعدة دليل اجتهادي فلا يعارض بالاستصحاب. (م. ع. مدّ ظلّه).

٤٩٩

إلّا اذا كان المقدور بمقدار يصح اطلاق اسم التام عليه بالمسامحة العرفية.

وايضا الاستصحاب على الوجه الاول يختص بصورة فقدان الجزء ولا يجرى في صورة فقدان القيد ، لان المطلق لا يكون مكلفا به بالتكليف الغيرى في ضمن المقيد ، لعدم كونه مقدمة له ، بخلاف الاجزاء بالنسبة الى الكل ، فالاستصحاب في صورة فقدان القيد مختص بالوجه الثاني.

ولكن لا يخفى انه ليس كل قيد بحيث يكون فقدانه غير قادح في جريان الاستصحاب ، بل القيود مختلفة في ذلك ، فرب قيد لا يكون عدمه مغيرا للموضوع في نظر العرف ، كالطهارة بالنسبة الى الصلاة ، فانها مع الطهارة ليست امرا مباينا لها مع عدمها ، بخلاف الايمان بالنسبة الى الرقبة ، فان الرقبة المؤمنة والرقبة الغير المؤمنة متباينان بنظر العرف ، ومجرى الاستصحاب في صورة العجز عن القيد هو القسم الاول كما لا يخفى.

ومنها النبوى الذي في غوالى اللئالي : «اذا امرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم» (١).

ومنها العلوى : الميسور لا يسقط بالمعسور (٢) ، وما لا يدرك كله لا يترك كله (٣) وضعف اسنادها مجبور باشتهار التمسك بها بين العلماء في الكتب الفقهية.

تقريب الدلالة في النبوى ان كلمة من ظاهرة في التبعيض لا التبيين لان كونها بيانية فيما اذا كان لسابقها اجمال يرتفع بسبب متعلقها ، كما في قولك خاتم من فضة ، وكونها بمعنى الباء خلاف الظاهر مطلقا ، وحينئذ كلمة ما موصولة ، لا مصدرية زمانية ، فيصير المعنى : «اذا أمرتكم بمجموع مركب من اجزاء ولم تقدروا على اتيان الكل فأتوا بالبعض الذي استطعتم» هذا.

ولكن هذا المعنى وان كان ظاهرا من الرواية إلّا انه مستلزم لتخصيص

__________________

(١) غوالى اللئالى : ج ٤ ، ص ٥٨ مع اختلاف يسير.

(٢ و ٣) غوالى اللئالى : ج ٤ ، ص ٥٨.

٥٠٠