درر الفوائد - ج ١ و ٢

آية الله الشيخ عبدالكريم الحائري اليزدي

درر الفوائد - ج ١ و ٢

المؤلف:

آية الله الشيخ عبدالكريم الحائري اليزدي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٣٥

المفروض ودليل الوفاء بالنذر اما باستكشاف رجحانهما الذاتي (١) وانما المانع في تعلق الامر الاستحبابى او الوجوبي بالعنوان الاولى ، واما بصيرورتهما راجحين بنفس النذر بعد ما لم يكونا كذلك ، لكشف دليل صحتهما عن عروض عنوان راجح ملازم لتعلق النذر بهما ، واما بالالتزام بالتخصيص في عموم دليل النذر المقتضى لعدم انعقاده الا فيما اذا كان المنذور راجحا ، وعلى الاخير يقصد التقرب بامتثال امر النذر ، ولا يضر تحقق القدرة بنفس الامر ، كما حقق في محله ، واما صحة النافلة في وقت الفريضة بالنذر وان قلنا بكونها محرمة بدونه فلانّ النذر مخرج لها عن موضوع الحرمة ، فلا مانع لرجحانها حينئذ فيعمها دليل الوفاء بالنذر.

ان قلت : خروج النافلة المفروضة عن كونها محرمة يتوقف على تعلق الوجوب بها ، وهو يتوقف على خروجها عن كونها محرمة ، وهذا دور.

قلت : خروجها عن موضوع الحرمة لا يتوقف على تعلق الوجوب الفعلى ، بل يكفى كونها بحيث لو لا جهة عروض الحرمة لكانت واجبة وهذه القضية التعليقية متحققة بالنذر قطعا ، ووجه خروجها بعد صدق هذه القضية التعليقية عن موضوع الحرمة ان النافلة المحرمة هي النافلة التي لو لا عروض جهة الحرمة كانت متصفة بالنفل الفعلى ، فتدبر فيه جيدا.

الثاني : لو ورد عام وعلمنا بعدم كون فرد محكوما بحكم العام ولكن نشك في كونه فردا له حتى يكون تخصيصا ، او ليس بفرد له ، مثلا لو علمنا بعدم وجوب اكرام زيد ونشك في انه عالم حتى يكون تخصيصا في العام المقتضى

__________________

(١) فيه ان مطلق الرجحان الذاتي وان لم ينضم اليه الامر التشريعى غير كاف في صحة النذر ، لعدم تحقق الطاعة مع عدم الجعل المذكور ، وما لم يتحقق الطاعة لم ينعقد النذر ، ألا ترى عدم صحة نذر صلاة الظهر في اربع ركعات من آخر الوقت ، ومن هنا يظهر الاشكال في صحة نذر النافلة في وقت الفريضة ، فينحصر الجواب في سائر الامثلة في الوجه الاخير وهو التخصيص «منه».

٢٢١

لوجوب اكرام العلماء ، او ليس بعالم فهل يحكم بواسطة عموم العام بعدم دخول ذلك الفرد المعلوم الحكم في افراد العام او لا؟.

يظهر من كلماتهم التمسك باصالة عموم العام واستكشاف ان الفرد المفروض ليس فردا له ، اذ بعد ورود الدليل على وجوب اكرام كل عالم يصح ان يقال : كلّ عالم يجب اكرامه ، وينعكس بعكس النقيض الى قولنا : كل من لا يجب اكرامه ليس بعالم ، وهو المطلوب ، ومن ذلك استدلالهم على طهارة الغسالة بانها لا تنجّس المحل ، فان كانت نجسة غير منجسة لزم التخصيص في قضية «كل نجس ينجّس» وامثال ذلك غير عزيز في كلماتهم وكلمات شيخنا المرتضى «قدس‌سره» ، هذا.

ولكن للتأمل فيه مجال ، لامكان ان يقال : ان التمسك باصالة عدم التخصيص عند العقلاء مخصوص بحال الشك في ارادة المتكلم ، فلو كان المراد معلوما ويشك في كيفية استعمال اللفظ لم يعلم من بناء العقلاء التمسك بها ، وهذا نظير ما يقال من ان الاصل في الاستعمال الحقيقة عند تميز المعنى الحقيقى من المجازي والشك في ارادة المعنى الحقيقي ، واما لو علمنا بمراد المتكلم ولم نعلم بانه معنى حقيقى للفظ او مجازي فبناء المشهور على عدم التمسك باصالة الحقيقة ، وبالجملة يمكن التفكيك بين الموردين في التمسك ، وبعد امكان ذلك يكفى في عدم جواز التمسك الشك في بناء العقلاء (١).

الثالث : الحكم المتعلق بالعام اذا علل بعلة لو علم بعدم العلة في بعض افراد العام يقيّد مورد الحكم بغيره ، واما لو شك في ذلك فيتمسك بظاهر العموم ويستكشف وجود العلة في الافراد المشكوك فيها ، ومن هنا علم ان تقييد مورد

__________________

(١) ولكن الانصاف الفرق بين التمسك باصالة الحقيقة في مورد القطع بالمراد لان المراد الجدي هناك معلوم بخلاف المقام فيصح التمسك باصالة العموم لتعيين المراد الجدي ولازم ذلك كشف حال الموضوع «منه».

٢٢٢

الحكم بواسطة العلة المنصوصة ليس بمثابة ورود موضوع الحكم مقيدا من اول الامر ، فلو قال اكرم العلماء العدول لم يصح لنا التمسك به في مشكوك العدالة والفسق واما لو قال اكرم العلماء فانهم عدول فلو شككنا في عدالة فرد نحكم بعدالته بحكم القضية ، فان الظاهر منها تحقق العدالة في كل فرد من العام.

[في التمسك بالعام قبل الفحص]

فصل : هل يجوز التمسك بالعام قبل الفحص عن مخصصه؟ ، فيه خلاف ، الاقوى عدم الجواز ، لعدم سيرة العقلاء على التمسك ما دام العموم في معرض ان يكون له مخصص بحيث لو تفحص عنه لظفر به ، ولا اقل من الشك فيه ويكفى ذلك في عدم الحجيّة ، نعم العمومات التى ليست في معرض ذلك كغالب العمومات الواقعة في ألسنة اهل المحاورة لا شبهة في ان السيرة التمسك بها بلا فحص عن المخصص ، وهذا مما لا ينبغى الاشكال فيه.

انما الاشكال في ان بنائهم على الفحص في القسم الاول هل من قبيل الفحص عن المعارض كما يجب الفحص عن معارض الخبر الجامع لشرائط الحجية ، او من جهة احراز شرط الحجية؟ لا يبعد ان يكون الفحص من قبيل الثاني (١) فانه بعد ما يرى من حال المتكلم ذكر قرائن كلامه غير متصلة به غير مرة فحال المخصص المنفصل في كلامه تصير كحال المتصل في كلام غيره ، فكما انه لا يجوز التمسك بالعام قبل احراز عدم المخصص المتصل اما بالعلم او بالاصل فكذلك لا يجوز التمسك به قبل احراز عدم المخصص المنفصل في كلام المتكلم المفروض ، فلما كان الاصل غير جار الا بعد الفحص عن مظان الوجود يجب الفحص عن المخصص.

وتظهر الثمرة فيما اذا اطلع على مخصص مردد بين الاقل والاكثر فعلى الاول

__________________

(١) بل الاقوى ان يكون من قبيل الاول كما مر في بعض الحواشي المتقدمة «منه».

٢٢٣

يؤخذ بالمتيقن من التخصيص ويرجع الى عموم العام في غيره ، وعلى الثاني يسرى اجماله الى العام ، وقد تقدم بعض الكلام في ذلك :

[في الخطاب الشفاهي]

فصل : هل الخطابات الشفاهية من قبيل «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» تختص بالمشافهين والحاضرين لمجلس الخطاب ، او تعم الغائبين والمعدومين؟ والذي يمكن ان يكون محلا للكلام وموردا للبحث بين الاعلام امور :

احدها : هل يصح الخطاب للمعدومين والغائبين بالالفاظ الدالة عليه وتوجيه الكلام نحوهم او لا؟.

والثاني : هل يصح تعلق الحكم بالمعدومين كما يصح تعلقه بالموجودين او لا؟.

والثالث : هل الالفاظ المشتملة على الخطاب تعم غير المشافهين بعد الفراغ عن الامكان او لا؟.

والنزاع على الاولين عقلى وعلى الثالث لفظي.

اذا عرفت ذلك فنقول : لا اشكال في عدم صحة التكليف فعلا على نحو الاطلاق للمعدوم ، كما انه لا اشكال في عدم صحة توجيه الكلام نحوه بداعى التفهيم فعلا ، سواء كان بالاداة الدالة على الخطاب ام بغيرها ، وهذا لا يحتاج الى بيان وبرهان ، واما انشاء التكاليف فعلا لمن يوجد بملاحظة زمان وجوده واستجماعه ساير شرائط التكليف فهو بمكان من الامكان ، نظير انشاء الوقف فعلا للطبقات الموجودة بعد ذلك في الازمنة اللاحقة بملاحظة ظرف وجودها ، كما ان توجيه الخطاب نحو المعدوم لا لغرض التفهيم بل لاغراض أخر بعد تنزيله منزلة الموجود خال عن الاشكال ، كمن يخاطب ولده الميت او اباه الميت تأسفا وتحسرا ، ولا يوجب التجوز اللغوى في الاداة الدالة على الخطاب كما لا يخفى ، والظاهر ان توجيه الخطاب نحو المعدوم حين الخطاب بملاحظة ظرف وجوده

٢٢٤

وصيرورته قابلا للمخاطبة لا اشكال فيه ، فيكون حال النداء المشروط بوجود المنادى ـ بالفتح ـ كالوجوب المشروط بوجود من يجب عليه ، نعم نفس هذا النداء الصادر في زمان عدم وجود المنادى ـ بالفتح ـ لا يمكن ان يكون موجبا لتفهيمه حتى في زمان وجوده ، لعدم ثباته وبقائه في الخارج الى ذلك الزمان ، بل يحتاج الى شيء آخر يحكى عنه ، كالكتابة التى تبقى الى حال وجوده ، ومثل ذلك.

اذا عرفت ذلك فنقول : لو كان الكلام في التكليف للمعدوم على نحو الاطلاق وكذا الخطاب لهم بغرض التفهيم فعلا فلا اشكال في عدم امكانه عقلا ، وان كان على نحو آخر مر بيانه فالظاهر ايضا عدم الاشكال في امكانه ، واما دلالة الفاظ الكتاب العزيز على شمول التكليف والخطابات للمعدومين ايضا على نحو ما تصورنا فلا يبعد دعواها ، حيث انزل لانتفاع عامة الناس إلى يوم القيمة ، وما كان هذا شأنه بعيد جدا ان يكون خطاباته والتكاليف المشتمل هو عليها مختصة بطائفة خاصة ، ثم علم من الخارج اشتراك سائر الطوائف معها في التكليف فتدبر.

ثم انهم ذكروا لعموم الخطابات الشفاهية ثمرتين :

إحداهما ، حجيّة ظهور خطابات الكتاب لنا ايضا كما انّها حجة للمشافهين.

وفيه اولا ان هذا مبنى على اختصاص حجية الظواهر بمن قصد افهامه كما يظهر من المحقق القميّ «قدس‌سره» وقد ذكر في محله عدم صحة المبنى ، وثانيا لا ملازمة بين كون المشافهين مخصوصين بالخطاب وكونهم مخصوصين بالافهام ، بل الناس كلهم مقصودون بالافهام الى يوم القيمة وان قلنا بعدم شمول الخطاب الا لخصوص المشافهين.

الثانية ، صحة التمسك باطلاق الكتاب لمن وجد وبلغ منا وان كان مخالفا في الصنف مع تمام المشافهين ، وتقريب ذلك انه لو خصصنا الخطابات الواردة في القرآن العزيز بهم فلا بد في اثبات التكاليف الواردة فيه لنا من التمسك

٢٢٥

بدليل الاشتراك ، وهو لا ينفع إلّا بعد احراز كل ما له دخل في التكليف المتوجه اليهم ، فاذا احتملنا ان التكليف المتوجه اليهم كان مشروطا بشرط كانوا واجدين له دوننا فلا يثمر دليل الاشتراك في التكليف.

فان قلت : يدفع الشرط المحتمل باصالة الاطلاق ، لان المفروض عموم حجيتها بالنسبة الينا ، فيثبت التكليف بضميمة دليل الاشتراك.

قلت : اصالة الاطلاق لا تجرى بالنسبة الى الامر الموجود الذي يحتمل دخله في التكليف ، والسر في ذلك انه على تقدير شرطيته لا يحتاج الى البيان اذ لا يوجب عدم بيان شرطيته على تقدير كونه شرطا نقضا للغرض.

وفيه أنه ليس في الخارج امر يشترك فيه جميع المشافهين الى آخر عمرهم ولا يوجد عندنا وحينئذ لو احتملنا اشتراط شيء يوجد في بعضهم دون آخر ، او في بعض الحالات دون بعض يدفعه أصالة الاطلاق ، والله أعلم بالصواب.

[في العام المتعقب بضمير البعض]

فصل : هل تعقب العام بضمير يرجع الى بعض افراده يوجب تخصيصه به او لا؟ فيه خلاف ، ولا بد من ان يكون محل الخلاف ما اذا كان هناك قضيتان إحداهما ذكر فيها اللفظ الدال على العموم والاخرى ذكر فيها ضمير يرجع اليه مع امكان شمول الحكم في القضية الاولى لتمام افراد العام والعلم بعدم شموله لها في الثانية ، مثال ذلك قوله تعالى «وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ الى ـ قوله تعالى ـ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَ)(١) ، حيث ان الحكم في القضيّة المشتملة على الضمير متعلق بخصوص الرجعيات ، فيدور الامر بين التصرف في العام بحمله على البعض ، او التصرف في الضمير بارجاعه الى بعض مدلول ما ذكر سابقا ، مع كون الظاهر منه ان يرجع الى ما هو المراد من اللفظ الاول.

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ٢٢٨.

٢٢٦

والحق ان يقال لو دار الامر بين احد التصرفين في الكلام تصير القضية المذكورة او لا مجملة ، لان القضيتين لاشتمال الثانية على الضمير الراجع الى الموضوع في الاولى في حكم كلام متصل واحد ، وقد ذكر في محله انه لو ذكر في الكلام الواحد ما يصلح لصرف سابقه عن ظاهره يصير مجملا ، ولكن يمكن ان يقال : ان مجرد القطع باختصاص الحكم المذكور في الثانية ببعض افراد العام لا يوجب التصرف في احدى القضيتين في مدلولهما اللفظي ، بل يصح حمل كلتا القضيتين على ارادة معناهما اللغوى في مرحلة الاستعمال ، مع الالتزام بخروج بعض افراد العام في الثانية عن الارادة الجدية ، كما انه لو كان في القضية الثانية الاسم الظاهر مكان الضمير مثل. «وبعولة المطلقات» فان مجرد العلم بخروج بعض الافراد من القضية الثانية لا يوجب الاجمال في الاولى ، فكذلك حال الضمير من دون تفاوت فتدبر جيدا.

[في تخصيص العام بالمفهوم المخالف]

فصل : اختلف في جواز تخصيص العام بالمفهوم المخالف بعد الاتفاق على الجواز في المفهوم الموافق ، ومجمل الكلام فيه ان اظهر ما قيل فيه بالمفهوم القضية الشرطية ، وقد قلنا في محله : ان ظهورها في مدخلية الشرط لثبوت الحكم مما لا يقبل الانكار ، واما دلالتها على الحصر فهى قابلة للانكار ، والمدعي للمفهوم لا بد له من ادعاء دلالتها على الحصر ، وان سلمت هذه الدلالة فلا اشكال في انها ليست بالمرتبة التى لا يصلح رفع اليد عنها بواسطة عام او اطلاق ونحوهما.

اذا عرفت ذلك فنقول : اذا ورد عام وقضية شرطية دالة بمفهومها على خلاف الحكم الثابت في العام لبعض افراده فان كان المفهوم اخص مطلقا فالحق تخصيص العام به ، فان التعارض وقع بين عموم العام ودلالة القضية على اناطة الحكم بالشرط ، ولو لم نقل بالحصر ، فان العام يدل على ان الحكم لكل فرد من دون الاناطة بشيء ، ومقتضى القضية اناطته به ، وظهور القضية في

٢٢٧

ذلك اقوى من ظهور العام كقوله عليه‌السلام : «خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شيء» (١) وقوله عليه‌السلام : «اذا بلغ الماء قدر كر لا ينجسه شيء» (٢) واما ان كان بينهما عموم من وجه كالدليل الدالّ على عدم انفعال الجاري مطلقا وما دل على توقف عدم الانفعال على الكرية فالحق رفع اليد عن المفهوم ، لان العام المذكور يعارض حصر الشرط لا اصل الاشتراط ، لعدم المنافاة بين كون الكرية شرطا وكون الجريان شرطا آخر ، وقد عرفت ان دلالة القضية الشرطية على حصر العلة على فرض الثبوت ليست بدلالة قويّة ، وحينئذ فهل يرفع اليد عن المفهوم مطلقا بحيث لو احتملنا سببا ثالثا لعدم الانفعال لا تكون القضية الشرطية دالة على نفيه او يرفع اليد في خصوص ما ورد الدليل ، وجهان.

[في تخصيص الكتاب بخبر الواحد]

فصل : هل يجوز تخصيص الكتاب بالخبر الواحد المعتبر او لا؟ مقتضى القاعدة الاول ، لان الخاص بواسطة دليل اعتباره يصلح لان يكون قرينة على التصرف في العام بخلاف العكس ، وكون العام قطعى الصدور لا ينافي جواز رفع اليد عن عمومه بعد ورود الخاص المعتبر ، لان هذا الجمع مما يشهد بصحته العرف ، وقد ادعوا سيرة الاصحاب على العمل بالاخبار الآحاد في قبال العمومات الكتابية الى زمن الائمة عليهم‌السلام ، هذا.

ولكن العمدة في المقام الاخبار الكثيرة المتواترة على ان الاخبار المخالفة للقرآن يجب طرحها او ضربها على الجدار او انها زخرف اوانها مما لم يقل به الامام عليه‌السلام.

__________________

(١) الوسائل ، الباب ١ من ابواب الماء المطلق ، الحديث ٩ ، ج ١ ، ص ١٠١.

(٢) الوسائل ، الباب ٩ من ابواب الماء المطلق ، الحديث ١ و ٢ ، ج ١ ، ص ١١٧ ، ولفظ الحديث : «اذا كان الماء قدر كرّ لم ينجسه شيء».

٢٢٨

والجواب عنها بعد القطع بورود اخبار كثيرة مخالفة لعمومات الكتاب واطلاقه منهم عليهم‌السلام بحمل الاخبار المانعة من الاخذ بمخالف الكتاب على غير المخالفة على نحو العموم والخصوص ومثله ، كما اذا ورد الخبر في مقابل الكتاب بحيث لا يكون بينهما جمع عرفى ، وعدم وجود مثله في الاخبار التي بايدينا لا ينافى وجوده في ذلك الزمان ، وما وصل بايدينا انما يكون بعد تهذيبه مما يخالف الكتاب بالمعنى الذي ذكرنا.

ويمكن حمل مورد الاخبار المانعة على ما لا يشمله دليل الحجية مثل ما ورد في اصول العقائد او خبر غير الثقة.

[في دوران الامر بين النسخ والتخصيص]

فصل : العام والخاص اما ان يكونا متقارنين واما ان يكونا مختلفين بحسب التاريخ ، وعلى الثاني اما ان يكون العام مقدما على الخاص او بالعكس ، لا اشكال في التخصيص في الصورة الاولى ، كما ان الظاهر كذلك في الصورتين الاخيرتين لو كان ورود الثاني قبل حضور وقت العمل بالاول ، فان الالتزام بالنسخ قبل حضور وقت العمل وان لم يكن بمستحيل بناء على امكان وجود المصلحة في جعل حكم ونسخ ذلك قبل زمان العمل به لكنه بعيد ، بخلاف التخصيص فانه شائع متعارف فيحمل الكلام عليه.

واما لو كان ورود احدهما بعد مضى زمان العمل بالاول ، فان كان المقدم خاصا فالعام المتأخر يمكن ان يكون ناسخا له ويمكن ان يكون الخاص المقدم مخصصا للعام ، وتظهر الثمرة في العمل بعد ورود العام فانه على الاول على العام وعلى الثاني على الخاص ، والظاهر ايضا البناء على التخصيص لشيوعه وندرة النسخ ، واما لو كان المقدم عاما والمؤخر خاصا فيشكل الحمل على التخصيص ، من حيث استلزام ذلك تأخير البيان عن وقت الحاجة ، وهو وان لم يكن محالا ، من جهة امكان وجود مصلحة في ذلك ، لكنه بعيد ، نظير النسخ

٢٢٩

قبل حضور وقت العمل ، واشكل من ذلك حمل الخاص الوارد في اخبار الائمة عليهم‌السلام المتأخر عن العام على النسخ مع كثرته ، وكذلك حال المقيدات الواردة في كلامهم عليهم‌السلام بالنسبة الى المطلقات ، فان الالتزام بالنسخ في جميع هذه الموارد الكثيرة في غاية الاشكال نعم الخاص المتأخر عن العام في كلام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله حمله على النسخ ليس ببعيد ، فيرجح على التخصيص ، لاستلزامه تأخير البيان عن وقت الحاجة ، فلا محيص عن حمل الخاص المتأخر في كلام الائمة عليهم‌السلام على التخصيص ايضا ، ولو كان واردا بعد مضى زمان العمل بالعام ، والالتزام بان حكم العام الى زمان صدور الخاص كان حكما ظاهريا للمكلفين اقتضت المصلحة ان يجعل لهم ذلك ولا يكشف لهم الواقع الى حين صدور الخاص ، وهذا غير بعيد بعد العلم بانه في الشرع احكام ظاهرية وواقعية فتدبر جيدا.

ثم انه لو بنينا على تقديم التخصيص على النسخ في تمام الصور المذكورة فلا اشكال في مجهولى التاريخ ، واما لو بنى على النسخ في الخاص المتاخر بعد مضى زمان العمل بالعام فلو شك في تاريخهما او علم تأخر الخاص في الجملة لكنه لم يعلم انه ورد بعد حضور وقت العمل بالعام او قبله فالوجه الرجوع الى الاصول العملية ، لان الشرط في الحمل على التخصيص عدم مضى زمان العمل بالعام ، كما ان الشرط في النسخ مضى زمان العمل به ، وما لم يحرز احد الشرطين لا يجوز الحمل على احدهما ، ومجرد اغلبية التخصيص وندرة النسخ وان كان يوجب الظن بالاول دون الثاني لكنه لا دليل على اعتبار هذا الظن ، والله العالم.

٢٣٠

[في المطلق والمقيد](١)

فصل : فيما وضع له بعض الالفاظ

فمنها اسم الجنس كالانسان والبقر والفرس والضرب والضارب وغير ذلك ، مما هو نظيرها ، اعلم ان المفهوم العام قد ينقسم الى الاقسام الخارجية كقولنا الانسان اما ابيض واما اسود ، وقد ينقسم الى اقسام ذهنية كقولنا الانسان اما مطلق اي غير مشروط بشيء ، او مقيد بشيء ، او مقيد بعدم شيء ، والمقسم وان كان في الواقع القسم الاول من هذه الاقسام إلّا انه لم يلاحظ كيفية ثبوته في ذهن اللاحظ ، بل اخذ مرآة لما يتحقق في ذهن آخر ، وقد ينقسم الى موجود ومعدوم ، والموجود اعم من أن يكون في الذهن او في الخارج ، وكذلك المعدوم ، كما تقول الانسان اما موجود واما معدوم ، والموجود اما موجود في الذهن او في الخارج ، والموجود في الذهن اما كذا واما كذا ، والموجود في الخارج اما كذا واما كذا.

اذا عرفت هذا فنقول : الموضوع له في اسماء الاجناس هو المفهوم المعرى عن الوجود والعدم والذهن والخارج ، فضلا عن كيفية الوجود في الذهن من الاطلاق والتقييد ، وكيفية الوجود في الخارج من الطول والقصر والسواد والبياض ونحو ذلك ، والشاهد على ذلك هو الوجدان لحاكم بصحة تقسيم مفاد لفظ الانسان بنحو ما قسمناه اخيرا من دون عناية ، والله اعلم بالصواب.

__________________

(١) هذا البحث مما زيد على الكتاب في الطبعة الثالثة المنقحة في زمن المصنّف «قدس‌سره». «المصحح».

٢٣١

ومنها علم الجنس :

كاسامة ، والمشهور انه موضوع للطبيعة لا بما هى هي ، بل بما هي متعينة بالتعيّن الذهنى ، ولذا يعامل معه معاملة المعرفة بدون أداة التعريف ، واستشكل على هذه المقالة شيخنا الاستاذ «قدس‌سره» بما محصله انه لو كان كذلك لما صح حمله على الافراد بلا تصرف وتجريد ضرورة ان المفهوم مع ملاحظة وجوده في الذهن كلى عقلى لا ينطبق على الخارج ، مع انا نرى صحة الحمل بلا عناية وتصرف اصلا ، مع ان وضعه لمعنى يحتاج الى تجريده عن الخصوصية عند الاستعمال لا يصدر عن جاهل فضلا عن الحكيم انتهى (١).

اقول : وفيما افاده نظر لا مكان دخل الوجود الذهنيّ على نحو المرآتية في نظر اللاحظ ، كما انه ينتزع الكلية عن المفاهيم الموجودة في الذهن لكن لا على نحو يكون الوجود الذهني ملحوظا للمتصور بالمعنى الاسمى ، اذ هي بهذه الملاحظة مباينة مع الخارج ولا تنطبق على شيء ، ولا معنى لكليّة شيء لا ينطبق على الخارج اصلا. اذا عرفت هذا فنقول : ان لفظ اسامة موضوع للاسد بشرط تعينه في الذهن على نحو الحكاية عن الخارج ، ويكون استعمال ذلك اللفظ في معناه بملاحظة القيد المذكور كاستعمال الالفاظ الدالة على المعانى الحرفية ، فافهم وتدبر.

ومنها النكرة : نحو رجل في قوله تعالى : (وَجاءَ رَجُلٌ)(٢) او قولنا جئنى برجل ، وقد يقال بجزئية الاول وكلية الثاني ، اما جزئية الاول فواضحة ، واما كلية الثاني فلان المادة تدل على الطبيعة الكلية والتنوين على مفهوم الوحدة وهو ايضا كلى ، وضم الكلى الى الكلى لا يصيره جزئيا ، فمعنى رجل على هذا طبيعة الرجل مع قيد الوحدة ، وهذا يصدق على افراد الطبيعة المقيدة في عرض واحد ،

__________________

(١) الكفاية : ج ١ ، ص ٣٧٩.

(٢) سورة القصص ، الآية ٢٠

٢٣٢

وعدم صدقه على اثنين فصاعدا انما يكون لعدم المصداقية ، كما ان مفهوم الانسان لا يصدق على البقر مثلا هذا.

ولكن يمكن دعوى كون النكرة مستعملة في كلا الموردين بمعنى واحد ، وانه في كليهما جزئى حقيقي ، بيانه نه لا اشكال في ان الجزئية والكلية من صفات المعقول في الذهن ، وهو ان امتنع فرض صدقه على كثيرين فجزئى وإلّا فكلى ، وجزئية المعنى في الذهن لا تتوقف على تصوره بتمام تشخصاته الواقعية ، ولذا لو رأى الإنسان شبحا من البعيد وتردد في انه زيد او عمرو بل انسان او غيره لا يخرجه هذا التردد عن الجزئية ، وكون احد الاشياء ثابتا في الواقع لا دخل له بالصورة المنتقشة في الذهن ، فاذا كان هذه الصورة جزئية كما في القضية الاولى فكذلك الصورة المتصورة في القضية الثانية ، اذ لا فرق بينهما الا في ان التعيين في الاولى واقعى وفي الثانية بيد المكلف ، وعدم امكان وجود الفرد المردد في الخارج بداهة عدم معقولية كون الشيء مرددا بين نفسه وغيره لا ينافى اعتبار وجوده في الذهن ، كما يعتبر الكسر المشاع مع عدم وجوده بوصف الاشاعة في الخارج.

ومنها المعرف باللام والمعروف بين اهل الادبية ان اللام او الهيئة الحاصلة منها ومن المدخول موضوعة لتعريف الجنس ، وللعهد باقسامه من الذهنى والذكرى والحضوري ، وللاستغراق ، والظاهر ان اقسام العهد راجعة الى معنى واحد وهو المعهودية في الذهن ، غاية الامر ان منشأ العهد قد يكون هو الذكر ، وقد يكون الحضور ، وقد يكون غيرهما ، بل يمكن ان يقال : ان مرجع الجنس والاستغراق ايضا الى ذلك ، وتوهم ان المعهود الذهني كلى عقلي ولا موطن له الا الذهن ولا ينطبق على الخارج مدفوع لما مر آنفا في علم الجنس.

[مقدمات الحكمة]

ثم انه قد ظهر ان اسم الجنس وضع للمقسم بين المطلق والمقيد ، وكذا

٢٣٣

النكرة وان قلنا بجزئيتها ، انما الكلام في المقام في انه عند عدم قرينة على احدى الخصوصيتين من الاطلاق والتقييد هل يحتاج الى مقدمات في الحمل على الاطلاق او لا؟ قد يقال بالاول وبيانه انه لا اشكال في ان الاصل في كل كلام صادر عن كل متكلم صدوره بغرض الافادة وتفهيم المعنى ، ولا يكفى هذا المقدار لتعيين الاطلاق في المقام اذ لا يثبت بهذا إلّا ارادة الطبيعة المهملة ، وقد فرضنا انها قابلة للاطلاق والتقييد ، فاللازم في المقام احراز كون المتكلم بصدد بيان تمام مراده الجدي ، وبعد احراز هذه الحالة للمتكلم نقول : لو كان للمراد الجدي قيد لكان اللازم ذكره ، فحيث لم يذكر القيد يعلم ان المراد بحسب الجد هو المطلق الخالى عن القيد ، وعلى هذا فالحمل على الاطلاق بعد الفراغ عن الاصل المتقدم يتوقف على امور : منها كونه في مقام بيان تمام مراده الجدي ، ومنها عدم ذكر قيد في الكلام. ومنها عدم انصراف اللفظ الى مقيّد ، ومنها انتفاء القدر المتيقن في مقام التخاطب على قول يأتى ويأتى الخدشة فيه ان شاء الله تعالى هذا.

ويمكن ان يقال بعدم الحاجة الى احراز كون المتكلم في مقام بيان تمام المراد في الحمل على الاطلاق عند عدم القرينة ، بيانه ان المهملة مرددة بين المطلق والمقيد ، ولا ثالث ، ولا اشكال انه لو كان المراد المقيد يكون الارادة متعلقة به بالاصالة ، وانما ينسب الى الطبيعة بالتبع لمكان الاتحاد ، فنقول : لو قال القائل جئنى بالرجل او برجل يكون ظاهرا في ان الارادة او لا وبالذات متعلقة بالطبيعة ، لا ان المراد هو المقيد ثم اضاف ارادته الى الطبيعة لمكان الاتحاد ، وبعد تسليم هذا الظهور تسرى الارادة الى تمام الافراد ، وهذا معنى الاطلاق.

ان قلت : ان المهملة ليست قابلة لتعلق الارادة الجدية بها ، كيف؟ وقد فرضناها مرددة بين المطلق والمقيد ، ولا يعقل كون موضوع الحكم مرددا عند الحاكم ، فنسبة الارادة الى المهملة عرضية في كل حال ، فيبقى تعيين الاطلاق

٢٣٤

بلا دليل.

قلت : عروض الاطلاق للمهملة ليس كعروض القيد لها في الاحتياج الى الملاحظة ، وإلّا لزم عدم الحمل على الاطلاق حتى بعد احراز كونه في مقام البيان ، لعدم الترجيح بعد كونه بمثابة ساير القيود ، فاذا فرضنا عدم دخل شيء سوى المهملة في تعلق الحكم يحصل وصف الاطلاق قهرا وان لم يكن ملحوظا للحاكم ، وبعبارة اخرى وصف الاطلاق متقوم بعدم لحاظ قيد في المهملة وان لم يكن الاطلاق ايضا ملحوظا بنفسه.

ان قلت : سلمنا لكنه من الممكن تقدير القيد او جعل الطبيعة مرآة للمقيد ويحتاج في نفي هذين الى احراز كونه بصدد البيان.

قلت : يمكن نفى كل من الامرين بالظهور اللفظي ولو لم يحرز كونه بصدد البيان كما لا يخفى على المتأمل.

ثم ان وجود القدر المتيقن في مقام التخاطب لا يضر بالحمل على الاطلاق ما لم يصل الى حد الانصراف ، سواء قلنا بعدم الاحتياج الى احراز كون المتكلم بصدد البيان ، كما مر بيانه ، او قلنا بالاحتياج اليه ، اما على الاول فواضح ، واما على الثاني فلانه بعد فرض كونه كذلك فاللازم ان يكون اللفظ الملقى الى المخاطب كاشفا عن تمام مراده ، وهذا ملازم لصحة حكم المخاطب بان هذا تمام مراده ، والمفروض عدم صحة حكم المخاطب بكون القدر المتيقن تمام مراده ، فيقال لو كان مراده مقصورا على المتيقن لبيّنه لكونه في مقام البيان ، كما هو المفروض ، وحيث لم يبينه يكشف ان مراده نفس الطبيعة مطلقا ، ويشهد لذلك انه لم يعهد من احد من اهل اللسان التوقف في حمل المطلقات الواردة في الموارد الخاصة والاقتصار عليها فقط لانها المتيقن ، بل يتجاوزون عنها حتى انه قد اشتهر ان العبرة بعموم اللفظ لا خصوص المورد.

اشكال ، ودفع ، اما الاول : فهو انه اذا كان الحمل على الاطلاق بمئونة المقدمات على كلا الطريقين فيلزم بطلانها فيما اذا ورد بعد المطلق مقيّد منفصل

٢٣٥

موافقا كان او مخالفا وعدم امكان دفع ما سواه من القيود المحتملة بالاطلاق ، بيانه اما على طريقة المشهور فهو ان من جملة المقدمات عندهم كون المتكلم في مقام البيان ، وبعد ظهور المقيد منفصلا يعلم انه لم يكن بصدده ، واما على ما ذكرنا فلانه بعد ما علم بصدور القيد المنفصل ينكشف احد الامرين : اما تبعية ارادته المتعلقة بالطبيعة ، واما اخذ الطبيعة مرآة ومعرفا للمقيد.

واما الثاني : فهو ان الاطلاق سواء على طريقة القوم أم على طريقنا انما يلاحظ بالنسبة الى المراد الاستعمالى ، واما تطبيق الاستعمالى مع الجدى فانما يحرز باصل عقلائى آخر ، وظهور القيد انما ينكشف به عدم التطابق في هذا المورد ، مع بقاء الاستعمالى مطلقا ، والاصل العقلائى في غير هذا المورد بحالهما.

[في حمل المطلق على المقيد]

فصل : اذا ورد مطلق ومقيد ؛ فاما يكونان متخالفين في الايجاب والسلب ، واما متوافقين ، لا محيص عن التقييد في الاول كاعتق رقبة ولا تعتق رقبة كافرة ، سواء كان النهى بعنوان الكراهة او الحرمة ، لان الظاهر من قوله : لا تعتق رقبة كافرة مثلا تعلق النهى بالطبيعة المقيدة ، لا باضافتها الى القيد ، فلو كان مورد الامر هو المطلق لزم اجتماع الراجحية والمرجوحية في مورد واحد ، نعم لو احرز ان الطبيعة الموجودة في المقيد مطلوبة كما في العبادة المكروهة فاللازم صرف النهى الى الاضافة بحكم العقل ، وان كان خلاف الظاهر.

واما الثاني فان لم يحرز وحدة التكليف فالمتعين حمل كل منهما على التكليف المستقل اخذا بظاهر الامرين ، وان احرز وحدته فان كان الاحراز من غير جهة وحدة السبب فيدور الامر بين حمل الامر المتعلق بالمطلق على ظاهره من الوجوب والاطلاق ، والتصرف في الامر المتعلق بالمقيد ، إما هيئة بحملها على الاستحباب ، وإما مادة برفع اليد عن ظاهر القيد من دخله في موضوع الوجوب وجعله اشارة الى الفضيلة الكائنة في المقيد ، وبين حمل المطلق على المقيد ،

٢٣٦

وحيث لا ترجيح لاحدها لاشتراك الكل في مخالفة الظاهر فيتحقق الاجمال ، وان كان الاحراز من جهة وحدة السبب فيتعين التقيد ، ولا وجه للتصرف في المقيد باحد النحوين ، فانه اذا فرض كون الشيء علة لوجوب المطلق فوجود القيد اجنبى عن تأثير تلك العلّة ، فلا يمكن ان يقال ان وجوب المقيد معلول لتلك فلا بد له من علة اخرى ، والمفروض وحدتها ، وكذا كون الشيء علة لوجوب المطلق ينافى كونه علة الاستحباب للفرد الخاص ، اذ استناد المتباينين الى علة واحدة غير معقول ، هذا.

وقد عرفت مما ذكرنا انه لا بد في حمل المطلق على المقيد من احراز وحدة السبب ، ولا يكفى احراز وحدة التكليف مع عدم احراز وحدة السبب كما ذهب اليه المشهور ، ولعل وجهه ما ذكره شيخنا المرتضى «طاب ثراه» في باب التعادل والتراجيح من انه اذا دار الامر بين التقييد ومخالفة ظاهر آخر فالتقييد اولى ، لان ظهور المطلق متقوم بعدم البيان فبورود ما يصلح للبيانية يصير موهونا (١) ، وفيه ما لا يخفى ، نعم يتم ما ذكروه بناء على ما احتملناه سابقا من المعاملة مع القيود المنفصلة في كلام الشارع معاملة القيود المتصلة في كلام غيره ، لكن اللازم منه سراية الاجمال من المقيد المنفصل المردد بين الاقل والاكثر مفهوما الى المطلق ولا يلتزمون به «تم بالخير».

__________________

(١) الفرائد ، عند البحث عن المرجحات في الدلالة ، طبعة المؤسسة ، ص ٧٩٢. وطبعة رحمة الله ص ٤٥٧.

٢٣٧

تعليقات

شيخ الفقهاء والاصوليين

آية الله العظمى الشيخ الأراكي «دام ظلّه» على مباحث الألفاظ من درر الفوائد

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسّلام على خير خلقه محمّد وآله الطاهرين ، ولعنة الله على اعدائهم اجمعين ، من الآن الى يوم الدين.

وبعد فهذه نبذ من المطالب استفدتها من بحث شيخ الطائفة الامامية ورئيسهم ، مولانا آية الله الحاج الشيخ عبد الكريم اليزدي الحائري ، حين بحثه عن الاصول ، وقد ابرزتها بصورة التعليقة على كتابه المستطاب المسمى بالدرر ، وارجو من الله سبحانه ان يمن عليّ بالاتمام والتسديد. واني وان كنت غير اهل لهذا الشأن لقلة الاستعداد ، مضافا الى ضيق الوقت ، ولكن اعتمادي على توجه الحضرة المقدسة الفاطمية ، والعتبة المطهرة المعصومية ، على ساكنتها وآبائها الاطهار واخيها وابنائه المعصومين الابرار آلاف التحية والتسليم من رب البرية ، حيث اتفق ذلك في جوار تلك البقعة المنورة مع توسلي باذيال لطفهم ، فان جاء مطلوبا كان من بركات تلك القبة المنورة ، وإلّا فمن سوء حظي وقلة استعدادي.

(*١ ، ص ٣١) قوله «دام ظله» فاعلم ان علم الاصول هو العلم «الخ» لما كان التعريف المعروف غير منعكس لخروج مسائل الاصول العمليّة ومسألة حجية الظن حال الانسداد على الحكومة عنه : اما الثانية كالاصول العقلية فواضح ، لكونها قواعد عقلية مفادها قبح العقاب بلا بيان او وجوب دفع الضرر المحتمل ، او تعيين كيفية الامتثال ، وقاعدة الملازمة غير جارية هنا كما قرر في محله. واما الاصول الشرعية فهي احكام مجعولة في موضوع الشك كوجوب البناء على الحالة السابقة ، او الحلية في حال الشك ، فلا يستنبط منها الحكم الواقعي ، لعدم طريقية الشك. وغير مطرد لدخول بعض القواعد الفقهية مثل قاعدة كلّ ما يضمن «الخ» حيث يستنبط منها ضمان المقبوض بالبيع الفاسد مثلا.

فان قلت : هذا تطبيق الكلي على مصاديقه ، مثل تطبيق حرمة الخمر على الخمور الجزئية ، ولا يسمى ذلك استنباطا.

قلت تشخيص صغريات القاعدة يحتاج الى النظر والاجتهاد ، واي فرق بينها وبين قاعدتي

٢٣٨

الملازمة بين ارادة الشيء وارادة مقدماته ، وبين حكمي العقل والشرع؟ واين هذا من تطبيق الخمر على جزئياتها؟ فانه امر ضروري غير محتاج الى النظر ، ونظيره في طرف العكس تطبيق وجوب الصلاة والصوم وحرمة الغناء والغيبة ، حيث ان الاجتهاد انما هو محتاج اليه في تشخيص الموضوعات المذكورة بحدودها ، واما اجراء الاحكام المذكورة بعد التشخيص فغير محتاج الى النظر ، فوقوع نتيجة المسألة في طريق الاستنباط لا يصدق مع كون واحدة من الصغرى او الكبرى غير نظرية ولو كانت الاخرى كذلك ، اما لعدم احتياج نفسها الى الاستخراج والاستنتاج لضرورتها فلا تعد من ابحاث العلم ، او لعدم الوقوع في طريق الاستنباط ، وانما يصدق فيما كانتا معا نظريتين ، فحينئذ يصدق على كل منهما انها قاعدة تقع بعد استخراج نفسها عن ادلتها في طريق الاستنباط.

فلهذا عدل في الكتاب عن التعريف المذكور الى ما ذكره.

ومن هنا تعرف ورود الاشكال المذكور في جانب الطرد على تعريف الكفاية ايضا ، وان سلم عن الانتقاض العكسي.

واما وجه سلامة تعريف الكتاب عنه فهو ان القاعدة المذكورة بعد ضمّها الى صغراها لا تفيد فائدة بالنسبة الى حكم آخر وراء نفسها ، وهذا بخلاف القواعد الاصولية ، فان كلّها اذا انضمت الى صغرياتها فالنتيجة الحاصلة تنفع بحال حكم شرعي آخر وراء نفسها ، اما لكونها طريقا علميّا لثبوته او لا ثبوته ، واما سببا لتنجزه او لا تنجزه ، وبعبارة اخرى : ان المكلف اذا التفت الى حكم شرعي فاما ان يحصل له العلم او الظن او الشك فكل قاعدة تفيد استراحة خاطره من ناحية ذلك الحكم الشرعي تسمى اصولية ، وكل قاعدة تكون مطلوبة لنفسها مثل وجوب صلاة الجمعة وقاعدة ما لا يضمن «الخ» ولو كانت ماخوذة من القواعد الاصولية ولو العقلية منها تسمى فقهية ، حيث ان مفاد الاولى وجوب الاركان المخصوصة والثانية ضمان المقبوض بالعقد الفاسد اذا كان صحيحه موجبا للضمان ، وامر هذين دائر بين الثبوت في نفس الامر واللاثبوت ، لا انهما تنفعان بعد ضم الصغرى اليهما بحال حكم آخر وراء انفسهما بنحو من الانحاء.

والحاصل ان القواعد الاصولية بعد تنقيح مدركها والفراغ عن دليلها ، اذا تحقق صغراها فنتيجتها مثمرة بحال الاحكام الواقعية ، اما للكشف عن ثبوتها وعدم الثبوت ، واما للكشف عن تنجزها على تقدير الثبوت من غير تعرض للثبوت وعدمه ، واما للكشف عن سقوط العقاب عليها على تقدير الثبوت من غير تعرض للثبوت وعدمه ايضا ، مثلا القواعد العقلية مثل وجوب مقدمة الواجب وجواز الاجتماع وجواز الترتب بعد الفراغ عن مدركها

٢٣٩

وتحقق صغراها فنتيجتها ـ وهي الاحكام الشخصية ، مثل ان هذا الفعل واجب بحكم العقل ، او الصلاة في الدار المغصوبة صحيحة بحكم العقل ، او الصلاة في سعة الوقت مع ترك الازالة او الدين المضيق صحيحة بحكم العقل ـ مثمرة بحال الحكم الواقعي من جهة الكشف عن الثبوت وعدمه من باب الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع ، وهكذا قاعدة حجيّة خبر الواحد الثقة بعد الفراغ عن برهانها وقيام خبر الواحد الثقة على اباحة شرب التتن مثلا ، فنتيجتها التي هي حجية هذا الخبر الشخصي التي مرجعها الى اباحة الشرب ، رافعة للعقاب عن المكلف من جهة تكليف لا تشرب على تقدير ثبوته ، وكذا قاعدة الاستصحاب بعد طي طريق اثباتها وتحقق اليقين السابق والشك اللاحق في عدم وجوب فعل مثلا فالنتيجة ـ وهي عدم نقض هذا اليقين الشخصي بهذا الشك الشخصي ـ التي مرجعها الى عدم وجوب هذا الفعل يكون رافعة للعقاب عن المكلف من جهة تكليف افعل على تقدير ثبوته واقعا ، وهكذا سائر القواعد الاصولية ، وهذا بخلاف القواعد الفقهية فان قاعدة حرمة الخمر بعد الفراغ عن ثبوتها وتحقق صغراها ـ وهي كون هذا المائع خمرا ـ فالنتيجة ـ وهي حرمة شرب هذا المائع ـ هي نفس حكم الله الواقعي ، لا كاشفة عن حال حكم آخر مستور تحت الحجاب ، فالمعيار في القواعد الاصولية ان يكون الحكم الشخصي المستفاد من الكبرى ، والصغرى اذا نظرنا الى وجوده في اللوح المحفوظ كان ورائه حكم آخر مستور ، وفي القواعد الفقهية ان يكون الحكم الشخصي المستفاد من الكبرى والصغرى فيها ـ اذا نظرنا الى وجوده في اللوح المحفوظ ـ لم يكن ورائه حكم آخر ، فالوضوء الشيني محكوم بحكم لا يجب بقاعدة لا ضرر ، والفعل المسبوق بعدم الوجوب محكوم ايضا بحكم لا يجب بقاعدة لا تنقض ، ولكن اذا نظرنا الى وجود هذين الحكمين الشخصيين في اللوح المحفوظ وجدنا وراء احدهما حكما آخر اما يجب واما لا يجب ، ولا نجد وراء الآخر شيئا ، والحاصل ان حجيّة خبر الثقة مثلا تطلب لاجل حكم آخر ، واما حرمة شرب الخمر فليست مطلوبة لاجل حكم آخر ، وان كانت حجيّة خبر الثقة في طريقها ماخوذة فلا يوجب ذلك كون حرمة الشرب مطلوبة لاجل حكم آخر ، بل اعمال حجيّة خبر الثقة في طريقها يكون لاجل حكم آخر ، فالقواعد الاصولية لو لم يكن في البين الاحكام الواقعية كانت بلا فائدة رأسا ، وليست هكذا القواعد الفقهية مثل وجوب الصلاة وحرمة الشرب ونحوها ، فانها قواعد مفيدة ، كانت في البين احكام واقعية ام لم تكن.

نعم يبقى على تعريف الكتاب النقض طردا بقاعدة الطّهارة حيث انها قاعدة معمولة في الشبهات الحكمية ، مع انها ليست مدونة في الاصول ، وبعامة الاصول العملية الجارية في الشبهات الموضوعية ، او الامارات كذلك ومنها اصالة الصحة وقاعدة الفراغ وقاعدة اليد

٢٤٠