تفسير كتاب الله العزيز - ج ٤

هود بن محكم الهوّاري الأوراسي

تفسير كتاب الله العزيز - ج ٤

المؤلف:

هود بن محكم الهوّاري الأوراسي


المحقق: بالحاج بن سعيد الشريفي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار البصائر للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٠

تفسير سورة الانشقاق وهي مكّيّة كلّها

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله تعالى : (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) (١) : وذلك يوم القيامة عند النفخة الآخرة. (وَأَذِنَتْ لِرَبِّها) : أي سمعت لربّها فأطاعت. (وَحُقَّتْ) (٢) : أي وحقّ لها أن تفعل.

قال تعالى : (وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ) (٣) : قال ابن عبّاس : تمدّ كما يمدّ الأديم العكاظيّ. وعكاظ سوق باليمن (١). وهذا إذا أبدلت ، تبدّل الأرض بأرض بيضاء وكأنّها فضّة لم تعمل عليها خطيئة ، ولم يسفك عليها محجم دم حرام.

قال تعالى : (وَأَلْقَتْ ما فِيها) : أي أخرجت ما فيها من الأموات فظهروا على ظهرها. (وَتَخَلَّتْ) (٤) : أي إلى الله منهم. (وَأَذِنَتْ لِرَبِّها) : أي سمعت وأطاعت. (وَحُقَّتْ) (٥) : أي وحقّ لها أن تفعل.

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً) : أي ساع إلى ربّك سعيا بالعمل ، كقوله تعالى : (لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى) (١٥) [طه : ١٥].

قال تعالى : (فَمُلاقِيهِ) (٦) : أي فملاق ثواب ذلك العمل إن خيرا فخير ، وإن شرّا فشرّ.

قال تعالى (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ (٧) فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً) (٨).

ذكروا عن عائشة رضي الله عنها أنّها سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الذي يحاسب حسابا يسيرا فقال : ذلكم العرض. قال : ولكن من نوقش الحساب فهو هالك (٢). ذكروا عن عبد الله بن عمر

__________________

(١) كذا في ق وع ، وهو خطأ من ناسخ فيما يبدو ، فعكاظ ليست باليمن ، وإنّما هي سوق من أسواق العرب بين نخلة والطائف بالحجاز. وقال أبو عبيدة حسبما نقله البكريّ : «عكاظ فيما بين نخلة والطائف إلى موضع يقال له العتق ، وبه أموال ونخل لثقيف ؛ بينه وبين الطائف عشرة أميال». قال ياقوت في معجم البلدان : «وأديم عكاظيّ نسب إليه ، وهو ممّا يحمل إلى عكاظ فيباع فيها». انظر : البكري ، معجم ما استعجم ، ج ٢ ص ٩٥٩. وانظر : ياقوت الحموي ، معجم البلدان (عكاظ).

(٢) كذا في ق وع : «من نوقش الحساب فهو هالك» ، وروي في بعض كتب الحديث : «ولكن من نوقش ـ

٤٤١

أنّه قال : يوقف الله عبده المؤمن يوم القيامة على ذنوبه فيقول : أتعرف ذنب كذا وذنب كذا؟ فيقول : نعم يا ربّ ، أعرف. فيقول : أتعرف ذنب كذا؟ فيقول : نعم يا ربّ ، أعرف ، حتّى إذا قرّره بذنوبه ورأى العبد في نفسه أنّه قد هلك قال : فإنّي سترتها عليك في الدنيا ، وإنّي سأغفرها لك اليوم وأحطّها عنك. ثمّ يعطى كتاب حسناته. وأمّا المنافقون والمشركون فإنّه ينادي الأشهاد : (هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (١٨) [هود : ١٨] أي : الكافرين.

قال تعالى : (وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ) أي إلى أزواجه من الحور العين (مَسْرُوراً) (٩).

قال تعالى : (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ) (١٠) : فإنّه تخلع كفّه اليسرى وتجعل خلفه فيأخذ بها كتابه. قال تعالى : (فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً) (١١) : أي بالويل والهلاك في النار. (وَيَصْلى سَعِيراً) (١٢) : [أي : يكثر عذابه] (١) ويشوى في النار.

قال تعالى : (إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ) : أي في الدنيا (مَسْرُوراً) (١٣). قال الحسن : [قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم] (٢) : الدنيا سجن المؤمن ، وجنّة الكافر.

قال تعالى : (إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ) (١٤) : أي إنّه حسب أن لن يرجع إلى ربّه. (بَلى إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً) (١٥) : أي : إنّه سيبعثه.

قال تعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ) (١٦) : وهو شفق النهار إذا غابت الشمس. وتفسير الحسن : الشفق : الحمرة ، وهو هذا الشفق عينه.

ذكروا أنّ جبريل صلّى بالنبيّ عليه‌السلام العشاء في الوقت الأوّل حين غاب البياض من الشفق.

قال تعالى : (وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ) (١٧) : أي وما جمع ، جمع خيرا كثيرا وشرّا كثيرا ممّا عمل فيه الخلق.

__________________

ـ الحساب عذّب» ، أو «هلك». وانظر الإشارة إليه فيما سلف ، ج ٢ ، تفسير الآية ٢١ من سورة الرعد.

(١) زيادة من ز ، ورقة ٣٨٩.

(٢) زيادة لا بدّ منها. لأنّ هذا نصّ حديث صحيح أورده ابن سلّام مرارا. وقد أخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقائق ، وهو أوّل أحاديث الكتاب (رقم ٢٩٥٦).

٤٤٢

قال تعالى : (وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ) (١٨) : أي استوى واستدار (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) (١٩) : قال الحسن : حالا بعد حال.

ذكروا عن عبد الله بن مسعود قال : (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) قال : النبيّ عليه‌السلام ليلة أسري به ، أي : سماء بعد سماء. وبعضهم قال : أمرا بعد أمر ؛ السماء تنشقّ مرّة ، ومرّة تكون وردة كالدهان ، ومرّة كالمهل.

قال تعالى : (فَما لَهُمْ) : يعني المشركين ، (لا يُؤْمِنُونَ (٢٠) وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ) (٢١) : أي لا يصلّون.

قال : (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (٢٢) وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ) (٢٣) : أي بما يخفون في صدورهم من الكفر. (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (٢٤) : أي موجع ، يعني عذاب جهنّم. (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) : استثنى الله من آمن وعمل الصالحات (لَهُمْ أَجْرٌ) : أي ثواب. وهو الجنّة (غَيْرُ مَمْنُونٍ) (٢٥) : أي غير محسوب. كقوله تعالى : (يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ) (٤٠) [غافر : ٤٠] وتفسير الحسن : غير ممنون عليهم منّ أذى. والحمد لله رب العالمين.

* * *

٤٤٣

تفسير سورة (وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ) وهي مكّيّة كلّها

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله تعالى : (وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ) (١) : ذكروا عن ابن عبّاس قال : ذات النجوم (١).

قال تعالى : (وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ) (٢) : قال الحسن قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اليوم الموعود يوم القيامة (٢).

قال تعالى : (وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) (٣) : قال الحسن : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (وَشاهِدٍ) يوم الجمعة (وَمَشْهُودٍ) يوم عرفة.

قوله تعالى : (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (٤) النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ (٥) إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ (٦) وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ) (٧). قال الحسن : كان أصحاب الأخدود ثمانين بين رجل وامرأة. فأخذهم المشركون وحفروا لهم أخدودا في الأرض ، ثمّ أوقدوا لهم نارا ضخمة ، ثمّ امتحنوهم فجعلوا يقولون للرجل والمرأة منهم : إمّا أن تترك دينك وإمّا أن نقذفك في النار. فيقول : ما أنا بتارك ديني لشيء ، فيقذف فيها ، فيحترق ، حتّى أتوا على آخرهم. فبقيت امرأة ومعها صبيّ لها فتهيّبت (٣). فقال لها الصبيّ : يا أمّاه ، امضي ولا تنافقي ، فمضت واحترقت. [قال يحيى : كان صغيرا لم يتكلّم قبل ذلك] (٤) وقال مجاهد : وذلك بنجران.

__________________

(١) كذا في ق وع وز : «ذات النجوم». وهو قول نسب إلى الحسن وقتادة ومجاهد. ونسب القرطبيّ إلى أبي عبيدة ويحيى بن سلّام قولا آخر قالا : «ذات المنازل» ، قال أبو عبيدة في المجاز ، ج ٢ ص ٢٩٣ : «البروج : كلّ برج يومين وثلث ، وهو للشمس شهر ، وهو اثنا عشر برجا ، يسير القمر في كلّ برج يومين وثلث (كذا) فذلك ثمانية وعشرون منزل ، ثمّ يستسرّ ليلتين. ومجرى الشمس في كلّ برج منها شهر». وهذا القول الأخير هو ما اختاره الطبريّ وابن قتيبة ، وهو أولى بالتأويل وأقرب إلى الصواب.

(٢) حديث حسن ، أخرجه الطبرانيّ عن أبي مالك الأشعريّ في حديث واحد بلفظ أطول ، وأخرجه الترمذيّ في التفسير عن أبي هريرة بلفظ أطول من الأوّل. انظر : تفسير ابن كثير ، ج ٧ ص ٢٥٣ ـ ٢٥٤.

(٣) كذا في ز ، وهو أنسب ، وفي ق وع : «فبهتت».

(٤) زيادة من ز ، ورقة ٣٩٠.

٤٤٤

قال تعالى : (وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ) (٧) : أي من تحريقهم إيّاهم بالنار.

قال تعالى : (وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ) : أي ما كرهوا منهم (إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (٨) : [ما سفكوا لهم دما ولا أخذوا لهم مالا] (١). (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (٩) : أي شاهد على كلّ نفس بعملها.

قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) : يعني أحرقوهم بالنار في تفسير السدّيّ (ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ) (١٠).

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ) (١١) : أي النجاة العظيمة من النار إلى الجنّة.

قوله تعالى : (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ) : [أي عقوبة ربك] (٢) (لَشَدِيدٌ (١٢) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ) (١٣) : أي يبدئ الخلق ويعيده ، أي : يبعثه يوم القيامة. كقوله : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) [الروم : ٢٧].

قوله عزوجل : (وَهُوَ الْغَفُورُ) : أي للذنوب ، ولا يغفر إلّا لمن تاب وآمن.

قال عزوجل : (الْوَدُودُ) (١٤) : أي يودّ أهل طاعته. وتفسير الحسن إنّه يتودّد إلى خلقه بما يعطيهم من النعم في عيشهم وأرزاقهم (٣) ، وبما يغفر لهم من الذنوب ويودّهم.

قال تعالى : (ذُو الْعَرْشِ) : أي ربّ العرش (الْمَجِيدُ) (١٥) : أي الكريم ، يجعله من صفة العرش (٤). كقوله عزوجل : (رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) (١١٦) [المؤمنون : ١١٦].

قال تعالى : (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) (١٦).

__________________

(١) زيادة من ز ، ورقة ٣٩٠.

(٢) زيادة من ز ، ورقة ٣٩٠.

(٣) في ق وع : «بما يعطيهم من النعيم في دنياهم وأرزاقهم» ، وأثبتّ ما جاء في ز ، وكلّ صحيح.

(٤) هذا على مقرأ من قرأ بالجرّ. ومن قرأ (الْمَجِيدُ) بالرفع ، مثل نافع ، جعله في نسق واحد مع الأوصاف السابقة : (الْغَفُورُ) (الْوَدُودُ) (ذُو الْعَرْشِ) (الْمَجِيدُ).

٤٤٥

قال تعالى : (هَلْ أَتاكَ) : أي قد أتاك (حَدِيثُ الْجُنُودِ (١٧) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ) (١٨) : أي كيف أهلكهم الله حين كذّبوا رسلهم.

قال تعالى : (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (١٩) وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ) (٢٠) : حتّى يجزيهم بأعمالهم.

(بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ) (٢١) : أي : كريم على الله (فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) (٢٢) : وهو أمّ الكتاب.

* * *

٤٤٦

تفسير سورة والطارق ، وهي مكّيّة كلّها

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله تعالى : (وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ (١) وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ (٢) النَّجْمُ الثَّاقِبُ) (٣) : أي المضيء ، كقوله : (فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ) (١٠) [الصافّات : ١٠] أي مضيء.

وقال مجاهد : يتوهّج. والنجم في هذا الموضع جماعة النجوم ، يعني النجوم المضيئة. وهذا قسم.

(إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) (٤) : وهي تقرأ على وجهين : (لما) مخفّفه و (لَمَّا) مثقّلة ؛ فمن قرأها بالتخفيف فهو يقول : لعليها حافظ [وما صلة] (١) ومن قرأها بالتثقيل فهو يقول : إلّا عليها حافظ. وتفسير حافظ يعني حافظا من الملائكة يحفظ عليها عملها.

قال : (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ (٥) خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ) (٦) : يعني النطفة (يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ) (٧) : أي من بين صلب الرجل وترائب المرأة ، وهو نحرها (٢).

(إِنَّهُ) : أي إنّ الله (عَلى رَجْعِهِ) : أي على أن يبعثه بعد موته (لَقادِرٌ) (٨) : وبعضهم يقول : (إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ) أي على رجع ذلك ، أي النطفة ، في الإحليل لقادر.

قوله : (يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ) (٩) : أي تختبر وتظهر ، يعني سرائر القلوب. وهو قوله : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (٧٢) [الأحزاب : ٧٢].

ذكروا أنّ ابن أسلم قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ائتمن الله ابن آدم على ثلاث : على الصلاة ، ولو شاء قال : صلّيت ، وعلى الصوم ، ولو شاء قال : صمت ، وعلى الاغتسال من الجنابة ، ولو شاء قال : قد اغتسلت. ثمّ تلا هذه الآية : (يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ) (٣).

__________________

(١) زيادة من ز ، ورقة ٣٩٠ ، بمعنى زائدة.

(٢) الترائب جمع تريبة ، وقد أحسن الفرّاء تعريفها فقال : «وهو ما اكتنف لبات المرأة ممّا يقع عليه القلائد».

(٣) انظر الإشارة إليه فيما سلف ج ٣ ، تفسير الآية ٧٢ من سورة الأحزاب.

٤٤٧

قال تعالى : (فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ) : من عذاب الله (وَلا ناصِرٍ) (١٠) : أي ينصره ، وهذا المشرك.

ثمّ أقسم فقال : (وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ) (١١) : أي بالمطر عاما فعاما (وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ) (١٢) : أي بالنبات (إِنَّهُ) : يعني القرآن (لَقَوْلٌ فَصْلٌ) (١٣) : أي لقول حقّ (وَما هُوَ بِالْهَزْلِ) (١٤) : أي بالكذب وقال مجاهد : بالعبث.

ثمّ قال : (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً) (١٥) : يعني المشركين ، يكيدون بالنبيّ عليه‌السلام ، وذلك لمّا اجتمعوا في دار الندوة في أمر النبيّ عليه‌السلام ، وهو قوله تعالى : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) (٣٠) [الأنفال : ٣٠]. قال تعالى : (وَأَكِيدُ كَيْداً) (١٦) : أي : أعذّبهم في الدنيا والآخرة ، فعذّبهم يوم بدر بالسيف ، ويعذّب كفّار آخر هذه الأمّة بالنفخة الأولى ، ولهم عذاب النار في الآخرة. قال تعالى : (فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) (١٧) : أي قليلا. وهذا وعيد في تفسير الكلبيّ. وقال قتادة : قليلا ، (أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) أي : ليوم بدر.

* * *

٤٤٨

تفسير سورة (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ) ، وهي مكّيّة كلّها

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله تعالى : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) (١) : أي : صلّ لربّك الأعلى (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى) (٣) : أي قدّره في خلقه نطفة ، ثمّ علقة ، ثمّ مضغة ، ثمّ عظما ، ثمّ لحما ، ثمّ شعرا ، ثمّ نفخ فيه الروح. قال (فَهَدى) أي فبيّن له سبيل الهدى وسبيل الضلالة في تفسير الحسن.

وبعضهم يقول (قَدَّرَ فَهَدى) أي : علّم الذكر كيف يأتي الأنثى.

(وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى) (٤) : أي الكلأ (فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى) (٥) : وفيها تقديم ؛ أي جعله أحوى غثاء. والغثاء : المهشّم اليابس ، كقوله تعالى : (فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ) [الكهف : ٤٥] أي صار هشيما بعد أن كان أخضر.

والأحوى عند الحسن : الأسود من شدّة الخضرة.

قوله تعالى : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (٦) إِلَّا ما شاءَ اللهُ) : وذلك أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا نزل عليه القرآن يجعل يقرأه ويذيب فيه نفسه مخافة أن ينساه. وهو قوله عزوجل : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) (١٧) [القيامة : ١٦ ـ ١٧] أي : نحن نحفظه عليك. وقوله في هذه الآية : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى إِلَّا ما شاءَ اللهُ) (١) هو كقوله : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها) [البقرة : ١٠٦] أي : ينسيها الله نبيّه عليه‌السلام.

قال تعالى : (إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ) : أي العلانية (وَما يَخْفى) (٧) : أي السرّ. قال تعالى : (وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى) (٨) أي : لعمل الجنّة. (فَذَكِّرْ) : أي بالقرآن (إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى) (٩) أي إنّما ينتفع بالتذكرة من يقبلها.

__________________

(١) قال الفرّاء في المعاني ج ٣ ص ٢٥٦ : (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) لم يشأ أن ينسى شيئا ، وهو كقوله : (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) [هود : ١٠٧] ولا يشاء. وأنت قائل في الكلام : لأعطينّك كل ما سألت إلّا ما شئت ، وإلّا أن أشاء أن أمنعك ، والنية ألّا تمنعه. وعلى هذا مجاري الأيمان يستثنى فيها ، ونية الحالف التمام».

٤٤٩

قال تعالى : (سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى) (١٠) : أي من يخشى الله تعالى (وَيَتَجَنَّبُهَا) : أي يتجنّب التذكرة (الْأَشْقَى) (١١) : أي المشرك والمنافق (الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى) (١٢) : وهي نار جهنّم ، والصغرى نار الدنيا ، كقوله : (نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً) [الواقعة : ٧٣] أي من النار الكبرى. قال : (ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى) (١٣) : أي ثمّ لا يموت فيها فيستريح ، ولا يحيى حياة تنفعه.

قال عزوجل : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) (١٤) : أي من آمن (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) (١٥) وكانت الصلاة يومئذ ركعتين غدوة وركعتين عشيّة. وقال بعضهم : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) أي زكاة الفطر (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) أي : صلاة العيد أي : أدّى زكاة الفطر قبل أن يخرج إلى المصلّى.

ذكروا عن عمر بن عبد العزيز ، وذكر بعضهم قال : كان صوم رمضان وأداء زكاة الفطر بعده (١) بالمدينة ، ولكن في القرآن أشياء نزلت بما يكون حتّى تبلغ حدّها ثمّ يعمل بها.

قال : (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا) (١٦) : وهي تقرأ على وجهين : (تُؤْثِرُونَ) و (يؤثرون) ؛ فمن قرأها : (تُؤْثِرُونَ) يقولها للمشركين ، أي : تزعمون أنّ الدنيا باقية وأنّ الآخرة لا تكون. ومن قرأها : (يؤثرون) فهو يقول للنبيّ عليه‌السلام : (بل يؤثرون) ، يعني المشركين (الْحَياةَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى) (١٧) : أي : هي خير من الدنيا ؛ الدنيا لا تبقى والآخرة باقية ، يعني بهذا الجنّة.

قال تعالى : (إِنَّ هذا) : تفسير الحسن : يعني القرآن (لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى (١٨) صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى) (١٩) : تفسير بعضهم : فيها أنّ الآخرة خير من الدنيا وأبقى لكم.

* * *

__________________

(١) في ق وع : «وأداء الفطرة بعدها».

٤٥٠

تفسير سورة الغاشية ، وهي مكّيّة كلّها (١)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله تعالى : (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ) (١) تفسير الحسن : الغاشية : القيامة تغشى الناس بعذابها وعقابها. وتفسير الكلبيّ : الغاشية غاشية النار.

قال تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ) (٢) : أي ذليلة ، يعني وجوه أهل النار.

(عامِلَةٌ ناصِبَةٌ (٣) تَصْلى ناراً حامِيَةً) (٤) : أي حارّة. كقوله عزوجل : (يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ) (٤٤) [الرحمن : ٤٤] ؛ فهم في عناء وفي معالجة السلاسل والأغلال. وكان ابن عبّاس يقرأ هذه الآية في حم : (إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ (٧١) فِي الْحَمِيمِ) [غافر : ٧١ ـ ٧٢] وكان يقول : إذا سحبوها فهو أشدّ عليهم.

قال تعالى : (تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ) (٥) : قال الحسن : أنى حرها (٢) فاجتمع. قد أوقد عليها منذ خلق الله السماوات والأرض. وقال بعضهم : الآني الذي قد انتهى حرّه. وقال مجاهد : بلغ أناها وحان شربها.

وقال تعالى : (لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ) (٦) : تفسير مجاهد : الضريع : اليابس. وقال الكلبيّ : هو الشبرق الذي ينبت في الربيع تأكله الإبل أخضر ؛ فإذا كان في الصيف يبس فلم تذقه ، يدعى بلسان قريش : الضريع ؛ فإذا كان عليه ورقه فهو الشبرق ، وإذا تساقط عنه ورقه فهو الضريع.

قال عزوجل : (لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ) (٧) : وبلغنا عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يسلّط على أهل النار الجوع حتّى يعدل جوعهم ما بهم من العذاب. قال فيستغيثون فيغاثون بطعام ذي غصّة (٣).

قال تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ) (٨) : فهؤلاء أهل الجنّة. (لِسَعْيِها) : أي : لعملها

__________________

(١) كذا في ق وع ، وفي ز ورقة ٣٩١ : «تفسير سورة (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ).

(٢) في ق وع : «آن حرها» ، والصحيح ما أثبتّه : «أنى» أي انتهى حرّها وبلغ غايته.

(٣) أخرجه ابن مردويه عن أبي الدرداء ، كما في الدرّ المنثور ، ج ٢ ص ٣٤٢.

٤٥١

(راضِيَةٍ) (٩) : أي لثواب عملها راضية. أي : أثيب عليه الجنّة على قدر أعمالهم.

قال تعالى : (فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ) (١٠) : أي في السماء. قال تعالى : (لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً) (١١) أي لغوا ، يعني باللغو الباطل. ويقال الحلف. وتفسير الحسن : المعصية.

قال تعالى : (فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ) (١٢) : وهي جماعة العيون ، وهي الأنهار. (فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ) (١٣) : قال بعضهم : لو هوى شيء من أعلاها لهوى مائة خريف. قال تعالى : (وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ) (١٤) : والأكواب واحدها كوب ، وهو المدوّر القصير العنق ، القصير العروة.

قال : (وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ) (١٥) : وهي الوسائد (١) (وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ) (١٦) : أي مبسوطة.

بلغنا أنّها منسوجة بالدرّ والياقوت ، وحشوها فيما ذكر بعضهم مسك وزعفران وألوان الأنوار ممّا لا عين رأت ولا أذن سمعت.

قال تعالى : (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) (١٧). وقال بعضهم : هي السحاب (٢). (وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ) (١٨) : أي بينكم وبينها مسيرة خمسمائة عام.

قال تعالى : (وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (١٩) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) (٢٠) : يقول : أفلا ينظرون إلى هذا فيعلمون أنّ الذي خلق هذه الأشياء قادر على أن يبعثهم يوم القيامة.

قال تعالى : (فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) (٢٢) : حتّى تكرههم على الإيمان. وبعضهم يقول : لست عليهم بمسلّط. وتفسير مجاهد : لست عليهم بجبّار. وقال الحسن : لست عليهم بمسيطر حتّى تكرههم على الإيمان.

__________________

(١) واحدها : نمرقة. قال الفرّاء : «وسمعت بعض كلب يقول : نمرقة ، بكسر النون والراء».

(٢) لم يذكر المؤلّف التفسير الظاهر للإبل ، وهي هذه الجمال والنوق ، لشهرته ، ويبدو لي أنّه مذكور في الأصل ولكن ناسخا أسقطه سهوا فتبعه في ذلك من جاء بعده. فإن ابن أبي زمنين زاد بعدها : «قيل : أراد أنّها تنهض بأحمالها وهي باركة ، وليس يفعل ذلك غيرها من الدوابّ». وهذا هو التأويل الذي ارتضاه جمهور المفسّرين. أمّا من فسّرها بالسحاب فعلى قراءة من قرأ (الإبلّ) بكسر الباء وتشديد اللام. وهو السحاب الذي يحمل الماء ، وهي قراءة نسبت إلى أبيّ بن كعب وإلى عليّ وابن عبّاس ، من رواية أبي عمرو والكسائيّ وغيرهما.

٤٥٢

قال : (إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ) (٢٣) : تفسير الحسن : إلّا من كفر بربّه ، أي فلست له بمذكّر لأنّه لا يقبل التذكرة.

وقال الحسن : (إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ) فكله إلى الله ، وكان هذا قبل أن يؤمر بقتالهم ، وقد أمر بقتالهم بعد هذا ؛ ولكن ليس عليه أن يهديهم ولكنّ الله يهدي من يشاء.

قال تعالى : (فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ) (٢٤) : أي جهنّم. يعني بالذي تولّى المنافق ، وبالذي كفر المشرك ، فيعذّبه الله العذاب الأكبر.

(إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ) (٢٥) : أي رجوعهم ، يعني البعث ، (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ) (٢٦).

* * *

٤٥٣

تفسير سورة الفجر ، وهي مكّيّة كلّها

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله تعالى : (وَالْفَجْرِ) (١) : يعني الصبح.

(وَلَيالٍ عَشْرٍ) (٢) : يعني عشر ذي الحجّة ، أيّاما عظمها الله (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) (٣) : قال بعضهم : الشفع الخلق ، والوتر الله. ذكروا عن عمران بن حصين أنّه قال : إنّ من الصلاة شفعا ومنها وترا. وتفسير الحسن : العدد كلّه منه الشفع ومنه الوتر ، يعني بالشفع الاثنين ، وبالوتر الواحد.

قال تعالى : (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) (٤) : أي إذا ذهب ، وهذا كلّه قسم. ثمّ قال : (هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) (٥) : أي لذي عقل ولبّ. أي : فيه قسم لذي عقل. وقال مجاهد : لذي نهى ، وهو المؤمن. [وجواب القسم : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ)] (١).

قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ (٦) إِرَمَ) : وهذا على وجه الخبر ؛ أي : أهلكهم حين كذّبوا رسولهم. وإرم : هي من صفة عاد. وتفسير الحسن : إن لعاد اسمين : عاد وإرم. [وتفسير بعضهم : إرم قبيلة من عاد] (٢).

قال تعالى : (ذاتِ الْعِمادِ) (٧) : قال : كانوا أصحاب عمود. وتفسير الحسن : ذات البناء الرفيع. وقيل : يعني ذات الطول. تقول العرب للرجل الطويل : المعمد.

(الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ) (٨) : يعني عادا في طول أجسامهم.

قال : (وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ) (٩) : أي الذين نقبوا الصخر بالوادي. جابوه ، أي : نقبوه فجعلوه بيوتا. كقوله تعالى : (وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ) (٨٢) [الحجر : ٨٢] و (بُيُوتاً فارِهِينَ) (١٤٩) [الشعراء : ١٤٩].

قال تعالى : (وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ) (١٠) : أي وكيف فعل ربّك بفرعون ذي الأوتاد ،

__________________

(١) زيادة من ز ، ورقة ٣٩٢.

(٢) زيادة من ز ، ورقة ٣٩٢.

٤٥٤

أهلكه الله بالغرق. وكان إذا غضب على أحد أوتد له في الأرض أربعة أوتاد على يديه ورجليه ، ولذلك سمّي ذا الأوتاد (١).

قال تعالى : (الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ (١١) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ (١٢) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ) (١٣) : أي لونا من العذاب فأهلكهم.

(إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) (١٤) : بلغنا ـ والله أعلم ـ أنّ على جسر جهنّم سبع محابس : أوّلها يسأل العبد عن الإيمان فإن تمّ إيمانه جاز ، والثاني يسأل عن الصلاة ، فإن أقامها جاز ، والثالث يسأل عن الزكاة ، فإن أدّاها جاز ، والرابع يسأل عن صوم رمضان ، فإن كان صامه جاز ، والخامس عن الحجّ ، فإن كان أدّاه جاز ، والسادس عن العمرة ، فإن كان أدّاها جاز ، والسابع عن المظالم ، فإن لم يكن ظلم أحدا جاز.

قال تعالى : (فَأَمَّا الْإِنْسانُ) : وهذا المشرك (إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ) : أي وسّع عليه من الدنيا (فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ) (١٥) : أي فضّلني (وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ) : أي ضيّق عليه (٢) رزقه (فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ (١٦) كَلَّا) : قال الحسن : أكذبهما الله جميعا بقوله : (كُلا) أي : لا بالغنى أكرمت ، ولا بالفقر أهنت. ثمّ قال : (بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (١٧) وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) (١٨) : وهي تقرأ على وجهين : (تُكْرِمُونَ) و (يكرمون) ؛ فمن قرأها بالياء فهو يقول للنبيّ عليه‌السلام ، ومن قرأها بالتاء فهو يقول للمشركين ، يقول لهم : (كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) ، لأنّ المشركين قالوا (أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ) [يس : ٤٧].

قال تعالى : (وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ) : أي الميراث (أَكْلاً لَمًّا) (١٩) : أي أكلا شديدا. قال الحسن : (لَمًّا) أي لا تبالون من حلال أو حرام.

(وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا) (٢٠) : أي كثيرا.

قال تعالى : (كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا) (٢١) : أي : سوّيت بالجبال فذهبت

__________________

(١) قيل : إنّه فعل ذلك بامرأته آسية بنت مزاحم أيضا.

(٢) كذا في ق وع : «ضيّق» ، وفي ز : «قتّر» ، والمعنى واحد. يقال : قتر وقتّر على عياله.

٤٥٥

الجبال وصارت الأرض مستوية.

قال تعالى : (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) (٢٢) : أي : جاء أمر ربّك والملك ، وهم جماعة الملائكة ، أي بأمره وبالملائكة صفّا صفّا ، لا كما زعمت المشبّهة أعداء الله أنّ ربّهم يذهب ويجيء ، لأنّ الله ليس بزائل ولا منتقل.

عن ابن عبّاس عن عائشة رضي الله عنهما أنّها قالت : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : أشدّ الناس عذابا يوم القيامة قوم يضاهون الربّ. قالت : فقلت : بأبي أنت وأمّي ، كيف يضاهون الربّ؟ قال : يشبّهون الله بخلقه ، يشبهون بذلك قول اليهود حيث زعموا أنّ الله على صورة آدم (١).

قوله تعالى : (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ). قال : (يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ) : أي يتوب الإنسان ، يعني : المشرك والمنافق (وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى) (٢٣) : أي وكيف له التوبة ، أي : لا تقبل توبته يوم القيامة.

قوله تعالى : (يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ) : أي في الدنيا (لِحَياتِي) (٢٤) : يعني بعد الموت ، التي فيها خيرها وشرّها. يتمنّى لو آمن في الدنيا فيحيا في الجنّة. كقوله تعالى : (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ) [العنكبوت : ٦٤] أي الجنّة (٢).

__________________

(١) انظر الإشارة إليه فيما سلف : ج ٣ ، تفسير الآية ١٤ من سورة (المؤمنون). وقد أورد ابن سلّام في تفسير الآية وصفا لمجيء الله تتقدّمه ملائكة كلّ سماء صفوفا صفوفا في موكب كأنّه موكب بشريّ ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا. أورد ذلك بسند واه بقوله : «حدّثني رجل من أهل الكوفة عن ليث عن شهر بن حوشب قال ... إذا كان يوم القيامة ...» إلى آخر القصّة ، ثمّ روى مشهدا من مشاهد الحساب عن أبان بن أبي عياض عن أبي العالية عن أبيّ بن كعب وصف فيه كيف يجاء بجهنّم إلى موقف الحساب إلى آخر ما هنالك ممّا لا يكاد يصدّقه عاقل. وقد حذف الشيخ هود بن محكّم هذه الروايات التي ينكرها. ارجع إليها إن شئت في مخطوطة ابن أبي زمنين ورقة ٣٩٢ ـ ٣٩٣. ونحن نؤمن بظاهر ألفاظ القرآن وبدلالاتها اللغويّة من غير تأويل للكيف ، وننزّه الباري جلّ وعلا تنزيها مطلقا عن كلّ ما لا يليق به ممّا يؤدّي إلى التشبيه أو التجسيم ، ولا نؤمن إلّا بما جاء به صريح الكتاب مجملا من غير تفصيل ، وبما ثبت عن الصادق المصدوق صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصحّ من أحاديثه.

(٢) قال الفرّاء في المعاني ، ج ٣ ص ٢٦٢ : (يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي) لآخرتي التي فيها الحياة والخلود».

٤٥٦

قوله تعالى : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ) (٢٥) : أي عذاب المشرك أحد. وهي تقرأ على وجهين : (لا يُعَذِّبُ). فمن قرأها : (لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ) ، فهو يقوله : لا يعذّب عذاب المشرك أحد ، وهذا الحرف يذكر عن النبيّ عليه‌السلام. ومن قرأه : (لا يُعَذِّبُ) فهو يقول : لا يعذّب عذاب الله أحد. (وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ) (٢٦) : أي وثاق المشرك. [وقيل لا يوثق وثاق الله أحد] (١).

قال تعالى : (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) (٢٧) : وهذا المؤمن ، نفسه مطمئنّة راضية بثواب الله. وتفسير مجاهد : (الْمُطْمَئِنَّةُ) أي : المحبّبة إلى الله ، وهي في حرف أبيّ بن كعب : (يا أيّتها النّفس الآمنة المطمئنّة). (ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً) : أي قد رضيت الثواب.

(مَرْضِيَّةً) (٢٨) : أي قد رضي عنك (فَادْخُلِي فِي عِبادِي) (٢٩) : هذا حين يرجع الروح إلى الجسد يوم القيامة (وَادْخُلِي جَنَّتِي) (٣٠) : وتفسير الحسن : فادخلي في عبادي الصالحين وادخلي جنّتي.

* * *

__________________

(١) زيادة من ز ، ورقة ٣٩٣.

٤٥٧

تفسير سورة (لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ) ، وهي مكّيّة كلّها

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله تعالى : (لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ) (١) : يعني مكّة. و (لا أُقْسِمُ) وأقسم واحد إذا أردت القسم.

قال تعالى : (وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ) (٢) : يعني مكّة. وهذا حين أحلّت للنبيّ عليه‌السلام ساعة من النهار يوم الفتح. قال النبيّ عليه‌السلام : إنّما أحلّت لي ساعة من نهار (١). وتفسير الحسن : أي : لا تؤاخذ بما فعلت فيه ، يعني مكّة ، أي : ليس عليك فيه ما على الناس.

قال عزوجل : (وَوالِدٍ وَما وَلَدَ) (٣) : أي : آدم وما ولد. وهذا كلّه قسم من أوّل السورة إلى هذا الموضع.

قال عزوجل : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ) (٤) : أي في انتصاب. وقيل : في شدّة ، وذلك أنّ الخلق كلّهم منكبّ إلّا ابن آدم. وقال بعضهم : يكابد الدنيا حتّى يموت ، أي : يكابد عمل الدنيا والآخرة حتّى يموت ، فإن كان مؤمنا كابد أيضا عمل الآخرة.

قال عزوجل : (أَيَحْسَبُ) الإنسان ، وهذا على الاستفهام.

(أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ) (٥) : أي أن لن يقدر عليه الله ، ، وهذا المشرك يحسب أن لن يبعثه الله بعد الموت.

قال عزوجل : (يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً) (٦) : أي : مالا كثيرا ، أي : أتلفت وأكلت مالا كثيرا فمن ذا الذي يحاسبني.

__________________

(١) هذا جزء من حديث صحيح متّفق عليه ، أخرجه البخاريّ في كتاب الحجّ من أبواب العمرة ، باب لا ينفّر صيد الحرم ، عن ابن عبّاس وأبي شريح العدوى في حديث طويل. وأخرجه مسلم في كتاب الحجّ ، باب تحريم مكّة وصيدها وخلاها من أحاديث لابن عبّاس وأبي شريح وأبي هريرة. (رقم ١٣٥٣ ـ ١٣٥٥). وأخرجه الربيع بن حبيب في الجامع الصحيح في كتاب الحجّ ، باب في الكعبة والمسجد والصفا والمروة ، (رقم ٤١٩) ولفظه : «مكّة حرام حرّمها الله تعالى إلى يوم القيامة ، لم تحلّ لأحد قبلي ولا تحلّ لأحد بعدي ، وإنّما أحلّت لي ساعة من نهار ...».

٤٥٨

قال الله : (أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ) (٧) : أي أن لم يره الله ، أي : حين أهلك ذلك المال. أي : بلى ، قد علمه الله.

ثمّ قال عزوجل : (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ) (٨) : أي ألم يعلم أنّ الله جعل له عينين (وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ) (٩) : أي فالذي جعل ذلك قادر على أن يبعثه فيحاسبه. قال عزوجل : (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) (١٠) : أي بصّرناه الطريقين : طريق الهدى وطريق الضلالة. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّهما النجدان : نجد الخير ونجد الشرّ فما يجعل نجد الشرّ أحبّ إليكم من نجد الخير (١).

قال عزوجل : (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) (١١) : أي لم يقتحم العقبة. [وهذا خبر ، أي : إنّه لم يفعل] (٢). قال الحسن : عقبة الله شديدة ؛ يريد الرجل أن يحاسب (٣) نفسه وهواه وعدوّه الشيطان. قال الكلبيّ : هي عقبة على جسر جهنّم ، من أعتق رقبة مؤمنة وهو مؤمن جازها.

ثمّ قال عزوجل : (وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ) (١٢) : يقول للنبيّ عليه‌السلام : (وَما أَدْراكَ) على الاستفهام ، يعني أنّك لم تكن تدري حتّى أعلمتك ما العقبة.

(فَكُّ رَقَبَةٍ) (١٣) : أي عتق رقبة من الرّقّ. وهي تقرأ (فَكُّ رَقَبَةٍ) [بالرفع وبالنصب ؛ فمن قرأها بالرفع : (فَكُّ) فعلى أنّه مصدر ، ومن قرأها بالفتح فعلى أنّه فعل ماض] (٤) قال الحسن : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من اعتق رقبة مؤمنة فهو فكاكه من النار (٥).

__________________

(١) أخرجه ابن أبي حاتم عن أنس ، وأخرجه الطبرانيّ عن أبي أمامة ، وأخرجه ابن جرير الطبريّ في تفسيره ، ج ٣٠ ص ٢٠٠ ـ ٢٠١ من طرق عن الحسن وعن قتادة مرسلا.

(٢) زيادة من ز ، ورقة ٣٩٣.

(٣) كذا في ق وع : «يحاسب» ولعلّ صوابه : «يحارب».

(٤) زيادة لا بدّ منها للإيضاح ، وانظر ابن خالويه ، الحجّة ص ٣٤٣ ، وإعراب ثلاثين سورة من القرآن الكريم ، ص ٩١.

(٥) حديث صحيح أخرجه ابن ماجه في كتاب العتق ؛ باب العتق عن كعب بن مرّة (رقم ٢٥٢٢) ، وأخرجه البخاريّ ومسلم وغيرهما ؛ أخرجه مسلم في كتاب العتق ، باب فضل العتق ، عن أبي هريرة (رقم ١٥٠٩) بلفظ «من اعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكلّ عضو منه عضوا من النار» ، وفي رواية : «بكلّ إرب منها إربا من النار». وأخرجه أحمد والنسائيّ وأبو داود عن عمرو بن عنبسة بلفظ : «من أعتق رقبة مؤمنة كانت فداءه من النار».

٤٥٩

قال عزوجل : (أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ) (١٤) : أي ذي مجاعة ، أي يوم جوع.

ذكروا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إنّ الله لم يحبّ عبدا كما أحبّ عبدا برّد كبدا جائعة (١).

ذكروا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : من أطعم مؤمنا على جوع أطعمه الله من ثمار الجنّة ، ومن سقى مسلما على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم ، ومن كسا مسلما على عراء كساه الله يوم القيامة من حلل الجنّة (٢).

قال عزوجل : (يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ) (١٥) : أي أطعم يتيما ذا مقربة ، أي : ذا قرابة منه. (أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ) (١٦) : أي لا صقا بالتراب من الحاجة في تفسير الحسن. وقال عطاء : هو المطروح في الطريق الضائع الذي لا أحد له. وقال بعضهم : هو المسكين الذي خرج يسأل ولا يعطى شيئا فيرجع إلى بيته ترب اليدين.

قال الحسن : وقد علم الله أقواما يفعلون هذا الذي ذكر ، لا يريدون الله به ، ليسوا بمؤمنين فاشترط فقال تعالى : (ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) : أي الذي فعل هذا من الذين آمنوا كقوله عزوجل : (وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ) [الإسراء : ١٩].

قال عزوجل : (وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) : أي على ما أمرهم الله به وعمّا نهاهم عنه (وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) (١٧) : أي بالتراحم فيما بينهم.

قال عزوجل : (أُولئِكَ) : أي الذين هذه صفتهم (أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) (١٨) : أي الميامين على أنفسهم ، وهم أهل الجنّة.

قال عزوجل : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ) (١٩) : أي الشؤم ، وهم المشائيم على أنفسهم ، وهم أهل النار. قال عزوجل : (عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ) (٢٠) : أي مطبقة ، فنعوذ بالله منها.

* * *

__________________

(١) أخرجه البيهقيّ عن أنس بلفظ : «أفضل الصدقة أن تشبع كبدا جائعة».

(٢) أخرجه الترمذيّ عن أبي سعيد الخدريّ. وقال الترمذيّ : حديث غريب.

٤٦٠