تفسير كتاب الله العزيز - ج ٤

هود بن محكم الهوّاري الأوراسي

تفسير كتاب الله العزيز - ج ٤

المؤلف:

هود بن محكم الهوّاري الأوراسي


المحقق: بالحاج بن سعيد الشريفي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار البصائر للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٠

ذكروا عن الحسن أنّ أيّوب لم يبلغه شيء يقوله الناس كان أشدّ عليه من قولهم : لو كان نبيّا ما ابتلي بمثل ما ابتلي به. فدعا الله فقال : اللهمّ إنّك تعلم أنّي لم أعمل حسنة في العلانية إلّا عملت في السرّ مثلها ، فاكشف عنّي ما بي من ضرّ فأنت أرحم الراحمين. فاستجاب الله له فوقع ساجدا. وأمطر عليه جراد من ذهب (١) فجعل يلتقطه ويجمعه ، فأوحى الله إليه : يا أيّوب ، أما تشبع؟ قال : ومن يشبع من رحمتك [يا ربّ] (٢).

وقال الحسن : إنّ الله يحتجّ على الناس يوم القيامة بثلاثة من الأنبياء ؛ فيجيء العبد فيقول : أعطيتني جمالا في الدنيا فأعجبت به ، ولو لا ذلك لعملت بطاعتك ، فيقول الله له : الجمال الذي أعطيتك في الدنيا أفضل أم الجمال الذي أعطي يوسف؟ فيقول : بل الجمال الذي أعطي يوسف ، فيقول : إنّ يوسف كان يعمل بطاعتي ، فيحتجّ عليه بذلك. فيجيء العبد ويقول : يا ربّ ، ابتليتني في الدنيا ، ولو لا ذلك لعملت بطاعتك. فيقول الله له : البلاء الذي ابتليت به في الدنيا أشدّ أم البلاء الذي ابتلي به أيّوب؟ فيقول : بل الذي ابتلى به أيّوب. فيقول : كان أيّوب يعمل بطاعتي ، فيحتجّ عليه بذلك. ويجيء العبد فيقول : أعطيتني ملكا فأعجبت به ، ولو لا ذلك لعملت بطاعتك. فيقول : الملك الذي أعطيتك في الدنيا أفضل أم الملك الذي أعطي سليمان؟ فيقول : الملك الذي أعطي سليمان. فيقول : كان سليمان يعمل بطاعتي ، فيحتجّ عليه بذلك.

قوله : (وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ) (٤٣) : وهم المؤمنون.

قوله : (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ).

قال الحسن : إنّ امرأة أيّوب كانت قاربت (٣) الشيطان في بعض الأمر ، ودعت أيّوب إلى مقاربته. وقال بعضهم : في قول الشيطان لأيّوب : اذبح لي سخلة ، فوعدته أن تكلّم أيّوب في ذلك فأعلمته. فحلف أيّوب بالله لئن عافاه الله أن يجلدها مائة جلدة ، ولم تكن له نية بأيّ شيء يجلدها.

__________________

(١) في ع ، وردت العبارة هكذا : «ومطر عليه فراش الذهب» ، وفي العبارة فساد أثبتّ تصحيحه من بعض كتب التفسير. انظر الألوسي ، روح المعاني ، ج ٨ ص ٢٠٧.

(٢) زيادة لتستقيم العبارة.

(٣) في ع بياض قدر كلمة فأثبتّها من ز : «قاربت» وكأنّها مالت إلى ما طلبه خوفا على أيّوب.

٢١

فمكث في ذلك البلاء حتّى عافاه الله ، وأذن له في الدعاء ، وتمّت عليه النعمة من الله والأجر. فأتاه الوحي من الله وهو مطروح تختلف الروح في أضلاعه وجسده. قال الحسن : وكانت امرأته مسلمة قد أحسنت القيام عليه ، وكانت لها عند الله منزلة. فأوحى الله إليه أن يأخذ بيده ضغثا ، مائة من الأسل. والضغث أن يأخذ قبضة ، قال بعضهم : من السنبل ، وكانت مائة سنبلة. وقال بعضهم : من الأسل. [والأسل : السّمّار] (١) ، فيضربها به ضربة واحدة ففعل.

قال الله : (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) (٤٤) : أي إنّه مسبّح.

قوله : (وَاذْكُرْ عِبادَنا) : يقول للنبيّ عليه‌السلام : واذكر عبادنا (إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ) (٤٥) : قال بعضهم : (أُولِي الْأَيْدِي) : أولي القوّة في أمر الله ، (وَالْأَبْصارَ) ، أي : في كتاب الله. وقال الحسن : (أُولِي الْأَيْدِي) أي : أولي القوّة في عبادة الله.

قال الله : (إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ) (٤٦) : أي الدار الآخرة. والذكرى الجنّة. (وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ) (٤٧) : أي المختارين ؛ اختارهم الله للنبوّة ، وقال الكلبيّ : اصطفاهم بذكر الآخرة واختصّهم بها.

قوله : (وَاذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ) (٤٨). ذكروا عن أبي موسى الأشعريّ أنّه قال : إنّ ذا الكفل لم يكن نبيّا ، ولكنّه كان عبدا صالحا تكفّل بنبيّ عند موته ، كان يصلّي لله مائة صلاة ، فأحسن الله عليه الثناء. وقال مجاهد : إنّ ذا الكفل كان رجلا صالحا ليس بنبيّ ، تكفّل لنبيّ بأن يكفل له أمر قومه فيقيمه له ويقضي بينهم بالعدل.

قوله : (هذا ذِكْرٌ) : يعني القرآن (وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ) (٤٩) : أي لحسن مرجع. (جَنَّاتِ عَدْنٍ) : وهي ريح الجنّة سببه الخيار إليها (٢). (مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ) (٥٠) :

__________________

(١) زيادة من ز ، ورقة ٢٩٥. وعرّفه صاحب اللسان بأنّه «نبات له أغصان كثيرة دقاق بلا ورق ... ومنبته الماء الراكد ، ولا يكاد ينبت إلّا في موضع ماء ، أو قريب من ماء ، واحدته : أسلة ... قال أبو حنيفة : الأسل عيدان تنبت طوالا دقاقا مستوية لا ورق لها يصنع منها الحصر». وقال أبو عبيدة في المجاز ، ج ٢ ص ١٨٥ : (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً) وهو ملء الكفّ من الشجر أو الحشيش والشماريخ وما أشبه ذلك».

(٢) كذا وردت هذه الجملة في ع : «وهي ريح الجنّة سببه الخيار إليها» ، وهو تعبير غامض المعنى لم أهتد إلى تصحيح ما به من فساد.

٢٢

[أي : منها] (١). ذكر بعضهم أنّ مصراعي الجنّة ذهب ، بين المصراعين أربعون عاما.

(مُتَّكِئِينَ فِيها) : أي على السرر ، وفيها إضمار. (يَدْعُونَ فِيها) : أي في الجنّة (بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ) : أي بفاكهة لا تنقطع عنهم (وَشَرابٍ) (٥١) : أي أنهار تجري بما اشتهوا.

(وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ) : قصرن أطرافهنّ على أزواجهنّ لا ينظرن إلى غيرهم. (أَتْرابٌ) (٥٢) : أي على سنّ واحد ؛ بنات ثلاث وثلاثين سنة. وتفسير مجاهد : (أَتْرابٌ) أي : أمثال ، وهو قوله : على سنّ واحد.

قال : (هذا ما تُوعَدُونَ) : يعني ما وصف في الجنّة (لِيَوْمِ الْحِسابِ (٥٣) إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ) (٥٤) : أي من انقطاع. قوله : (هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ) : أي للمشركين (لَشَرَّ مَآبٍ) (٥٥) : أي لشرّ مرجع.

(جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمِهادُ) (٥٦) : أي بئس الفراش. كقوله : (لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ) [الأعراف : ٤١] أي : تغشاهم. وهو مثل قوله : (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ) [الزمر : ١٦].

(هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ) (٥٧) : فيها تقديم : هذا حميم وغساق فليذوقوه. فالحميم : الحارّ الذي لا يستطاع من حرّه ، والغساق : البارد الذي لا يستطاع من برده. قال بعضهم : الغساق القيح الغليظ ، لو أنّ جرّة (٢) منه تهراق في المغرب لأنتنت أهل المشرق ، أو تهراق في المشرق لأنتنت أهل المغرب. وقال بعضهم : الغساق : المنتن ، بلسان خراسان. وكان الحسن لا يفسّر الغساق فيما ذكروا عنه.

قال : (وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ) (٥٨) : وكان الحسن يقرأ : (وأخر من شكله). (وَآخَرُ

__________________

(١) زيادة من ز ، وهي من شرح أثبته ابن أبي زمنين واختاره الزجّاج. وقال الفرّاء في المعاني ، ج ٢ ص ٤٠٨ : «ترفع (الْأَبْوابَ) لأنّ المعنى : مفتّحة لهم أبوابها ، والعرب تجعل الألف واللام خلفا من الإضافة ... ومنه قوله : (فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى) [النازعات : ٣٩] فالمعنى ـ والله أعلم ـ مأواه».

(٢) كذا في ع وفي ز ورقة ٢٩٦. وفي تفسير الطبريّ ، ج ٢٣ ص ١٧٧ : «لو أنّ قطرة منه». وأخرج الطبريّ حديثا مرفوعا عن أبي سعيد الخدريّ أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لو أنّ دلوا من غساق يهراق في الدنيا لأنتن أهل الدنيا».

٢٣

يعني الزمهرير (مِنْ شَكْلِهِ) : من نحوه ، أي : من نحو الحميم (أَزْواجٌ) : ألوان (١).

قوله : (هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ (٥٩) قالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا فَبِئْسَ الْقَرارُ) (٦٠) : قالته الملائكة لبني إبليس. قال بعضهم : وهذا قبل أن يدخلوا بني آدم الذين أضلّهم بنو إبليس ؛ (هذا فَوْجٌ) يعنون بني آدم (مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ) أي : في النار.

قال بنو إبليس : (لا مَرْحَباً بِهِمْ ، إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ) قالوا ، أي : قال بنو آدم لهم : (بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ ، أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا فَبِئْسَ الْقَرارُ).

وبعضهم يقول : جاءتهم الملائكة بفوج إلى النار ، فقالت للفوج الأوّل الذين دخلوا قبلهم : هذا فوج مقتحم معكم. قال الفوج الأوّل : (لا مَرْحَباً بِهِمْ ، إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ) ، قال الفوج الآخر : (بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ ، أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا فَبِئْسَ الْقَرارُ).

قال الله : (قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ) (٦١) : [قوله : (مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا) أي : من سنّه وشرعه. وقوله : (فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً) أي : زده على عذابه عذابا آخر] (٢). وهو كقوله : (قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ) (٣٨) [الأعراف : ٣٨].

(وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ) (٦٢) : أي في الدنيا. كقوله : (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ ..). إلى آخر الآية [المطفّفين : ٢٩] فلمّا دخلوا النار لم يروهم فيها معهم ، فقالوا : (ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا) (٣) : أي فأخطأنا (أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ) (٦٣) : أي أم هم فيها ولا نراهم. وهذا تفسير مجاهد. قال : ثمّ علموا بعد أنّهم ليسوا معهم فيها. وقال الحسن : كلّ ذلك قد فعلوا : قد

__________________

(١) في ع اضطراب في تفسير الآية أثبتّ التصحيح من ز.

(٢) ما بين المعقوفين زيادة من ز ، ورقة ٢٩٦ ، والتفسير لابن أبي زمنين.

(٣) قال أبو عبيدة في المجاز ، ج ٢ ص ١٨٧ : «... ومن كسر (سِخْرِيًّا) جعله من الهزء ويسخر به ، ومن ضمّ أولها جعله من السخرة يتسخّرونهم ويستذلّونهم».

٢٤

اتّخذوهم سخريّا ، وقد زاغت الأبصار في الدنيا محقرة لهم ، كقول الرجل : قد نبا بصري عنهم.

قال الله : (إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ) (٦٤) : يعني قول بعضهم بعضا في الآية الأولى. قوله : (قُلْ إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ) : لأهل النار ، أي أنا منذر من الله (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) (٦٥) : قهر العباد بالموت وبما شاء من أمره. (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ) (٦٦) : أي لمن تاب وآمن.

قوله : (قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ) (٦٧) : يعني القرآن. (أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ) (٦٨) : يعني المشركين.

قوله : (ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ) (٦٩) : قال الحسن : اختصموا في خلق آدم. وفي تفسير عمرو عن الحسن : خصومتهم أن قالوا فيما بينهم : ما الله خالق خلقا هو أكرم عليه منّا. وهو قوله : (وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) (٣٣) [البقرة : ٣٣].

وذكروا عن ابن عبّاس أنّ الله تعالى لّما قال للملائكة (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) (٣٠) [البقرة : ٣٠] فكانت تلك خصومتهم. ذكروا عن الحسن قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أتاني ربّي الليلة في المنام فقال : يا محمّد ، فيم اختصم الملأ الأعلى؟ قلت : ربّ لا أدري (١) ... قلت : ربّ في الكفّارات والدرجات. قال : وما الكفّارات؟ قلت : إسباغ الوضوء في السّبرات (٢). والمشي على الأقدام إلى الجماعات ، والتعقيب في المساجد ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة. قال : وما الدرجات؟ قلت : إطعام الطعام ، وإفشاء السّلام ، والصلاة بالليل والناس نيام.

__________________

(١) وضعت هذه النقط هنا إشارة إلى أنّ في الحديث خرما. وكأنّي بالشيخ هود أو أحد النسّاخ حذف قصدا بعض ألفاظ وجمل لم تصحّ عنده ولا توافق مذهبه. فقد جاء في بعض ألفاظه ما يلي : «... قلت : لا ، فوضع يده بين كتفيّ حتّى وجدت بردها بين ثدييّ أو قال : في نحري ، فعلمت ما في السماوات وما في الأرض ، قال : يا محمّد ، هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت : نعم في الكفّارات ...». والحديث صحيح أخرجه الترمذيّ في أبواب التفسير ، سورة ص ، من طرق عن ابن عبّاس وعن معاذ بن جبل ، وأخرجه الطبرانيّ وابن مردويه عن جابر بن سمرة وعن أبي هريرة بألفاظ متشابهة ، وانظر : السيوطي ، الدرّ المنثور ، ج ٥ ، ص ٣١٩ ـ ٣٢١.

(٢) السّبرة ، وتجمع على سبرات : الغداة الباردة.

٢٥

وقال بعضهم : فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت : في الكفّارات ، أي يا ربّي. قال : وما الكفّارات؟ قلت : المشي بالأقدام إلى الجماعات ، والجلوس في المساجد خلاف الصلوات ، وإسباغ الوضوء في المكاره. ومن يفعل ذلك يعش بخير ، ويمت بخير ، ويكن من خطيئاته كيوم ولدته أمّه. والدرجات : إطعام الطعام ، وبذل السّلام ، وأن يقوم بالليل والناس نيام. قال : قل : اللهمّ إنّي أسألك الطيّبات ، وترك المنكرات ، وحبّ المساكين ، وأن تقوّني عليّ ، وإذا أردت اللهمّ فتنة فتوفّني غير مفتون.

قوله : (إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) (٧٠) : هو كقوله : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) (٧) [الرعد : ٧]. أي نبيّ الله المنذر ، والله الهادي.

قوله : (إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ (٧١) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (٧٢) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٧٣) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) (٧٤) : وقد فسّرنا ذلك في سورة البقرة.

وقال الحسن : إنّ الله أمر الملائكة أن تسجد لآدم ، وأمر إبليس بالسجود له ، ولم يكن من الملائكة ، فسجدت الملائكة ولم يسجد إبليس ، واستكبر عن الله وكان من الكافرين. كان أوّل الكافرين ، كما أنّ آدم من الإنس وهو أوّل الإنس. وقال بعضهم : إنّ كلّ عبد كان في أمّ الكتاب شقيّا أو سعيدا ، وكان إبليس ممّن كان في أمّ الكتاب شقيّا.

(قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ) : [يعني : تكبّرت] (١) (أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ (٧٥) قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (٧٦) قالَ فَاخْرُجْ مِنْها) : [أي : من السماء] (فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) (٧٧) : أي ملعون ، رجم باللعنة. (وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ) (٧٨) : يعني إلى يوم الحساب ، وأبدا في الإضمار. قال بعض العلماء : ثلاثة ليست لهم توبة : إبليس ، وابن آدم الذي قتل أخاه ، ومن قتل نبيّا.

(قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي) : أي فأخّرني.

(إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٧٩) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) (٨٠) : أي من المؤخّرين (إِلى يَوْمِ

__________________

(١) زيادة من ز ، ورقة ٢٩٦.

٢٦

الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) (٨١) : يعني النفخة الأولى. وأراد عدوّ الله أن يؤخّر إلى النفخة الآخرة.

(قالَ فَبِعِزَّتِكَ) : أي فبعظمتك (لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) (٨٢) : أي لأضلّنّهم أجمعين (إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (٨٣).

(قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (٨٤) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) (٨٥) : أي قال : إنّ الله حقّ ويقول الحقّ. وتفسير مجاهد الحقّ : أي الحقّ منّي (١). وتفسير الحسن : هذا قسم ، يقول : حقّا حقّا لأملأنّ جهنّم منك وممّن تبعك منهم أجمعين.

قوله : (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) : أي على القرآن (مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (٨٦) إِنْ هُوَ) : أي القرآن (إِلَّا ذِكْرٌ) : أي إلّا تفكّر (لِلْعالَمِينَ) (٨٧) : أي لمن عقل عن الله. (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) (٨٨) : أي بعد الموت ، يعني يوم القيامة.

* * *

__________________

(١) في تفسير مجاهد ص ٥٥٣ : «قال : يقول : الحقّ منّي ، والحقّ أقول».

٢٧

تفسير سورة الزمر ، وهي مكّيّة كلّها

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله : (تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (١) : يعني القرآن ؛ أنزله مع جبريل على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ) (٢) : أي لا تشرك به شيئا. (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ) : أي الإسلام.

(وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) : أي يتّخذونهم آلهة يعبدونهم من دون الله. (ما نَعْبُدُهُمْ) : يقول والذين اتّخذوا من دون الله أولياء (ما نَعْبُدُهُمْ) فيها إضمار ؛ وإضمارها : قالوا : ما نعبدهم ، وهي قراءة الأعمش. (إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) : والزلفى القربة. زعموا أنّهم يتقرّبون إلى الله بعبادة الأوثان لكي يصلح لهم معايشهم في الدنيا ، وليس يقرّون بالآخرة.

قال مجاهد : [هذا قول] (١) قريش ، تقوله لأوثانهم ، ومن قبلهم يقولونه للملائكة ولعيسى بن مريم ولعزير.

قال : (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) : أي يحكم بين المؤمنين والمشركين يوم القيامة ، فيدخل المؤمنين الجنّة ، ويدخل المشركين النار. قال : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ) (٣) : يعني من مات على كفره.

قوله : (لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى) : أي لاختار (مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ سُبْحانَهُ) : ينزّه نفسه أن يكون له ولد (هُوَ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) (٤) : الذي لم يتّخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك. والقهّار الذي قهر العباد بالموت وبما شاء من أمره. (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ) : أي للبعث والحساب والجنّة والنار.

(يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ) : أي يختلفون. وبعضهم يقول : هو مثل قوله : (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) [الحديد : ٦] ، يعني أخذ كلّ واحد منهما من صاحبه. (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى) : أي إلى يوم

__________________

(١) زيادة من تفسير مجاهد ، ص ٥٥٥.

٢٨

القيامة. (أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ) (٥) : العزيز في أمره ، الغفّار لمن تاب وآمن.

قال : (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) : يعني آدم (ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها) : يعني حوّاء ، خلقت من ضلع من أضلاعه ، وهي القصيرى من جنبه الأيسر.

ذكروا عن سمرة بن جندب قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّ المرأة خلقت من ضلع أعوج ، وإنّك إن ترد أن تقيمها تكسرها ، فدارها تعش بها (١).

(وَأَنْزَلَ لَكُمْ) : أي وخلق لكم (مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) : أي أصناف الواحد منها زوج.

ذكروا عن مجاهد عن ابن عبّاس رضي الله عنه قال : الأزواج الثمانية التي ذكرت في سورة الأنعام : (مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ) يعني الذكر والأنثى. (وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ) ... (وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ) (١٤٤) [الأنعام : ١٤٣ ـ ١٤٤].

(يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ) : [يعني نطفة ثمّ علقة ثمّ مضغة ثمّ عظما ثمّ يكسى العظم اللحم ثمّ الشعر ثمّ ينفخ فيه الروح] (٢) (فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ) : أي البطن والمشيمة والرحم (٣).

قال : (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) : خالق هذه الأشياء التي وصفهنّ ؛ من قوله : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ) إلى هذا الموضع : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ).

(فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) (٦) : أي فكيف تصرفون عقولكم. أي : أين يذهب بكم فتعبدون غيره وأنتم تعلمون أنّه خلقكم وخلق هذه الأشياء. وتصرفون عقولكم ، وتصدفون وتؤفكون واحد.

قال : (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ) : أي عن عبادتكم (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا) : وتؤمنوا (يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) : أي لا يحمل

__________________

(١) حديث متّفق على صحّته ، رواه الشيخان عن أبي هريرة. انظر الإشارة إليه فيما سلف ، ج ١ ، تفسير الآية الأولى من سورة النساء.

(٢) زيادة من ز ، ورقة ٢٩٧.

(٣) وقيل : «في أصلاب الرجال ، ثمّ في الرحم ، ثمّ في البطن» ، كما ذكره أبو عبيدة في المجاز ، ج ٢ ص ١٨٨.

٢٩

أحد ذنب غيره ، والذنب الوزر ، وهو الحمل. كقوله : (وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ) [الأنعام : ٣١]. (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ) : أي يوم القيامة (فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (٧) : أي بما في الصدور.

قوله : (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ) : أي مرض (دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ) : أي دعاه بالإخلاص أن يكشف عنه (ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ) : أي عافاه من ذلك المرض (١) (نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ) : هو كقوله : (مَرَّ) أي : معرضا (كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ) [يونس : ١٢] ، يعني الكافر المشرك.

قال : (وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً) : يعني الأوثان ، عدلوها بالله فعبدوها من دونه ، والندّ العدل. (لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ) : أي يتّبعه على ذلك غيره (قُلْ) : أي قل يا محمّد للمشرك (تَمَتَّعْ) في الدنيا (بِكُفْرِكَ قَلِيلاً) : أي إنّ بقاءك في الدنيا قليل (إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ) (٨).

قوله : (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ) : أي قائم في الصلاة (آناءَ اللَّيْلِ) : أي ساعات الليل (ساجِداً وَقائِماً) قال بعضهم : هو الذي (يَحْذَرُ الْآخِرَةَ) : أي يخاف عذابها (وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ) : أي الجنّة. يقول : أمن هو قانت كالذي جعل لله أندادا يعبد الأوثان دونه ، أي : ليس مثله (٢).

قوله : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) : أي هل يستوي هذا المؤمن ، الذي علم أنّه ملاق ربّه ، الذي يقوم آناء الليل ، وهذا المشرك الذي جعل لله أندادا ، أي : إنّهما لا يستويان. [(إِنَّما يَتَذَكَّرُ) : أي إنّما يقبل التذكرة (أُولُوا الْأَلْبابِ) (٩) : أي أصحاب العقول ، وهم المؤمنون] (٣).

قوله : (قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ) ثمّ قال : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا) : أي آمنوا

__________________

(١) كذا في ز ، «أي : عافاه من ذلك المرض» وهو أوضح تعبيرا وأحسن. وفي ع : «أي : تحوّل ذلك المرض عافية». وانظر في مجاز أبي عبيدة ، ج ٢ ص ١٨٨ تحقيقا لغويّا في معنى التخويل في الآية. قال : «كلّ ما لك ، وكلّ شيء أعطيته فقد خوّلته».

(٢) انظر وجوه قراءة قوله تعالى : (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ) وتأويلها في معاني الفرّاء ، ج ٢ ص ٤١٦ ـ ٤١٧.

(٣) سقط ذكر هذه الجملة الأخيرة من الآية وتفسيرها من ع فأثبتّهما كما وردا في ز ورقة ٢٩٨.

٣٠

(فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ) : أي ما أعطاهم الله من الخير في الدنيا ، يعني ما أعطاهم فيها من طاعة حسنة ، وفي الآخرة من الجنّة. (وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ) : هو كقوله : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) (٥٦) [العنكبوت : ٥٦] في الأرض التي أمرتكم أن تهاجروا إليها.

قال : (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ) : أي الذين صبروا على طاعة الله وعن معصيته (١). (أَجْرَهُمْ) : يعني الجنّة (بِغَيْرِ حِسابٍ) (١٠) : أي لا حساب عليهم في الجنّة. كقوله : (يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ) (٤٠) [غافر : ٤٠].

قوله : (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (١١) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) (١٢) : أي من هذه الأمّة.

قوله : (قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي) : [بمتابعتكم على ما تدعونني إليه من عبادة الأوثان] (٢) (عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (١٣) : أي جهنّم.

(قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي (١٤) فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ) : وهذا وعيد هو له شديد ، أي إنّكم إن عبدتم من دونه عذّبكم. (قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ) : أي المغبونين ، وقال في موضع آخر : (ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ) [التغابن : ٩](الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) : أي غبنوا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة (أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) (١٥) : أي الغبن البيّن. خسروا أنفسهم فصاروا في النار ، وخسروا أزواجهم من الحور العين.

إنّ الله جعل لكلّ أحد منزلا في الجنّة وأهلا ، فمن عمل بطاعة الله كان له ذلك المنزل والأهل ، ومن عمل بمعصية الله صيّره الله إلى النار ، وكان ذلك المنزل والأهل ميراثا لمن عمل بطاعة الله إلى منازلهم وأهليهم التي جعلها لهم ، فصار جميع ذلك لهم.

قوله : (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ) : كقوله : (لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ) [الأعراف : ٤١](ذلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ يا عِبادِ

__________________

(١) في ع : «الذين صبروا على فرائض الله وعن معصيته» ، وأثبتّ ما في ز فهو أحسن تعبيرا وأنسب.

(٢) زيادة من ز ، ورقة ٢٩٨.

٣١

فَاتَّقُونِ) (١٦) : أي لا تشركوا بي شيئا ولا تعصون.

قوله : (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ) : والطاغوت الشياطين (أَنْ يَعْبُدُوها) : وذلك أنّ الذين يعبدون الأوثان إنّما يعبدون الشياطين لأنّهم هم يدعونهم إلى عبادتها. قال : (وَأَنابُوا إِلَى اللهِ) : أي وأقبلوا مخلصين إلى الله (لَهُمُ الْبُشْرى) : أي الجنّة. قال : (فَبَشِّرْ عِبادِ (١٧) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) : أي بشّرهم بالجنّة. والقول : كتاب الله ، (فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) أي فيعملون بما أمرهم الله به فيه ، وينتهون عمّا نهاهم الله عنه فيه. قال : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ) (١٨) : أي أولو العقول.

قال : (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ) : أي سبقت عليه كلمة العذاب (أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ) (١٩) : أي تهدي من وجب عليه العذاب ، أي لا تهديه.

قال : (لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) : أي أنهار الجنّة. تجري في غير خدود ، أي : في غير خنادق من الماء والعسل واللبن والخمر ، وهو أبيض كلّه ؛ فطينة النهر مسك أذفر ، ورضراضه الدّرّ والياقوت ، وحافاته قباب اللؤلؤ. (وَعْدَ اللهِ) : الذي وعد المؤمنين ، يعني الجنّة. (لا يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعادَ) (٢٠) (١).

قوله : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ) : والينابيع العيون (٢).

(ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً) : كقوله : (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ ..). إلى آخر الآية [يونس : ٢٤]. قال : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ) (٢١) :

__________________

(١) قال أبو عبيدة في المجاز ، ج ٢ ص ١٨٩ : (وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعادَ) نصب ، مجازه مجاز المصدر الذي ينصبه فعل من غير لفظه. والوعد والميعاد والوعيد واحد. قال أبو عبيدة : إذا قلت : وعدت الرجل ، فالوجه الخير ، ويكون الشرّ ؛ قال الله : (النَّارُ وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الحج : ٧٢] وإذا قلت : أوعدت فالوجه الشرّ ولا يكون الخير».

(٢) قال أبو عبيدة : «الينابيع واحدها ينبوع ، وهو ما جاش من الأرض». أي : ما تدفّق ، ومنه : جاش الوادي : إذا زخر وامتدّ جدّا.

٣٢

أي لذوي العقول ، وهم المؤمنون ، يتذكّرون فيعلمون أنّ ما في الدنيا ذاهب.

قال : (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) : أي وسّع. كقوله : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) [الأنعام : ١٢٥] قال : (فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) : أي ذلك النور في قلبه. (فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ) : أي الغليظة (مِنْ ذِكْرِ اللهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٢٢) : أي عن الهدى. أي : إنّ الذي شرح الله صدره للهدى فهو على نور من ربّه ، ليس كالقاسي قلبه ، يعني المشرك ، الذي هو في ضلال مبين ، أي عن الهدى ، أي بيّن الضلالة. وهذا على الاستفهام ، يقول : هل يستويان ، أي : إنّهما لا يستويان.

قوله : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) : يعني القرآن (كِتاباً مُتَشابِهاً) : أي يشبه بعضه بعضا في نوره وعدله وصدقه (مَثانِيَ) : أي يثنّي الله فيه القصص ، أي : يذكر الجنّة في هذه السورة ، ثمّ يذكرها في سورة أخرى ، ثمّ يذكر النار في هذه السورة ، ثمّ يذكرها في غيرها من السور. وهذا تفسير الحسن. وقال بعضهم : يذكر الآية في هذه السورة ثمّ يذكرها في الأخرى (١).

(تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) : أي إذا ذكروا وعيد الله وما أعدّ.

قال : (ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ) : أي إذا ذكروا أعمالهم الصالحات لانت جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ، أي إلى وعد الله الذي وعدهم (٢). قال : (ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) (٢٣) : أي يهديه.

قال : (أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ) : أي شدّة العذاب (يَوْمَ الْقِيامَةِ) : أي يجرّ على وجهه في النار. وأوّل ما تصيب منه النار إذا ألقي فيها وجهه لأنّه يكبّ على وجهه ، كقوله

__________________

(١) قال الزمخشريّ في الكشّاف ، ج ٤ ص ١٢٣ : «... (كِتاباً) بدل من (أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) ، ويحتمل أن يكون حالا منه. و (مُتَشابِهاً) مطلق في مشابهة بعضه بعضا ... ويجوز أن يكون (مَثانِيَ) بيانا لكونه متشابها ، لأنّ القصص المكرّرة لا تكون إلّا متشابهة. والمثاني : جمع مثنى بمعنى مردّد ومكرّر. ولما ثنّى من قصصه وأنبائه ، وأحكامه ، وأوامره ونواهيه ، ووعده ووعيده ومواعظه. وقيل : لأنّه يثنّى في التلاوة فلا يملّ ، كما جاء في وصفه ، لا يتفه ولا يتشانّ ...».

(٢) وقد أوجز الفرّاء هذا فقال في المعاني ، ج ٢ ص ٤١٨ : «تقشعرّ خوفا من آية العذاب إذا نزلت ، ثمّ تلين عند نزول آية رحمة».

٣٣

(أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ) [فصلت : ٤٠] أي : أهو خير أم هذا المؤمن الذي لان جلده وقلبه إلى ذكر الله ، أي : إنّهما لا يستويان. قال : (وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ) : أي للمشركين (ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) (٢٤) : أي جزاء ما كنتم تعملون.

قوله : (كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) : أي من قبل قومك يا محمّد (فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) (٢٥) : أي جاءهم فجأة. قال : (فَأَذاقَهُمُ اللهُ الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) : أي فأهلكهم بعذاب الخزي بتكذيبهم. (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ) : من عذاب الدنيا (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) ٢٦) : أي لعلموا أنّ عذاب الآخرة أكبر من عذاب الدنيا.

قوله : (وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (٢٧) : أي لكي يتذكّروا ، فيحذروا أن ينزل بهم ما نزل بالذين من قبلهم. قال : (قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ) : أي غير ذي لبس (١) (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (٢٨) : أي لكي يتّقوا.

قوله : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً) : أي المشرك (فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ) : أي يعبد أوثانا شتّى. وهو مثل قول يوسف : (أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) (٢٩) [يوسف : ٣٩](وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ) : يعني المؤمن الذي يعبد الله وحده (هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً) : أي إنّهما لا يستويان. قال : (الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٢٩) وهم الذين لا يؤمنون.

قوله : (إِنَّكَ) يا محمّد (مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) (٣١). ذكروا أنّه لمّا نزلت هذه الآية جعل أصحاب النبيّ عليه‌السلام يقولون : وما خصومتنا فيما بيننا؟ فلمّا قتل عثمان بن عفّان قالوا : هذه خصومتنا بيننا.

ذكروا أنّ عليّا رضي الله عنه أي ...... والى تحبو للخصومة يوم القيامة (٢).

__________________

(١) وهذا قول مجاهد بلفظه كما جاء في تفسيره ص ٥٥٧. وقال ابن عبّاس والضحّاك : «غير مختلف». وقال الزمخشريّ في الكشّاف ، ج ٤ ص ١٢٥ : «مستقيما بريئا من التناقض والاختلاف». وهو تفسير جامع.

(٢) وردت هذه الجملة في ع مخرومة ، ولها بياض قدر كلمتين ولم أهتد لاستكمالها. ولم أجد في كتب التفسير والحديث والتاريخ هذا القول الذي روي عن الإمام عليّ في الموضوع. فهل هو ممّا انفرد بروايته ابن سلام؟.

٣٤

ذكروا عن عمّار بن ياسر قال : ادفنوني في ثيابي فإنّي مخاصم غدا.

ذكروا عن عمرو بن العاص أنّه قال : كفّنوني في ثياب خلق فإنّي مخاصم غدا ، ثمّ قال : اللهمّ لا بريئا فأعتذر ، ولا قويّا فأنتصر ، غير أنّك (لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (٨٧) [الأنبياء : ٨٧].

ذكروا عن أبي رجاء العطارديّ وعقبة بن صهبان قالا : سمعنا الزبير بن العوّام يقول : لقد تأوّلت هذه الآية زمانا وما أحدّث نفسي أن أكون من أهلها ، فإذا نحن المعنيّون بها : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) [الأنفال : ٢٥]. وفي تفسير الحسن : (عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) : يتخاصم النبيّ والمؤمنون والمشركون (١).

قوله : (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللهِ) : أي افترى على الله كذبا وعبد الأوثان وزعم أنّ عبادتها تقرّب إلى الله. (وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ) : يعني القرآن الذي جاء به محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أي : لا أحد أظلم منه (٢). (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ) (٣٢) : أي يثوون فيها أبدا. والمثوى : المنزل. وهذا على الاستفهام ، أي : بلى ، فيها مثوى للكافرين.

قوله : (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ) : أي محمّد جاء بالقرآن (وَصَدَّقَ بِهِ) : يعني المؤمنين ، صدّقوا بما جاء به محمّد (٣). (أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (٣٣).

__________________

(١) كذا في ع ، وفي ز : «يخاصم النبيّ والمؤمنون المشركين».

(٢) في ع : «لا أحد أكذب منه» ، وأثبتّ ما جاء في ز ورقة ٢٩٩ ، فهو أصحّ وأنسب : «لا أحد أظلم منه».

(٣) هذا وجه من وجوه التأويل. وقيل : إنّ الذي صدّق به هو الرسول محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم نفسه. وقيل : إنّه أبو بكر. وهو قول نسب إلى عليّ كرّم الله وجهه. فقد قال في خطبته التي رثى بها أبا بكر ما يلي : «صدّقت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين كذّبه الناس ، فسمّاك في تنزيله صدّيقا ؛ فقال : (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ). انظر خطبته هذه التي أوردها الباقلّانيّ أبو بكر محمّد بن الطيب في كتابه : إعجاز القرآن ، ص ٢١٨ ـ ٢٢١ ، وهي من فصيح كلام العرب وبليغه. وقد جمع الطبريّ كعادته بين الأقوال كلّها فأحسن حين قال في تفسيره ، ج ٢٤ ص ٤ : «والصواب من القول في ذلك أن يقال : إنّ الله تعالى ذكره عنى بقوله : (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ) كلّ من دعا إلى توحيد الله وتصديق رسوله ، والعمل بما ابتعث به رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من بين رسول الله وأتباعه والمؤمنين به ، وأن يقال : الصدق هو القرآن وشهادة أن لا إله إلّا الله ، والمصدّق به المؤمنون بالقرآن من جميع خلق الله كائنا من كان من نبيّ الله وأتباعه».

٣٥

قال : (لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (٣٤) لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ) : أي ثوابهم.

(بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) (٣٥) : أي يجزيهم الجنّة.

قوله : (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ) : يعني محمّدا ، يكفيه المشركين حتّى لا يصلوا إليه ، كقوله : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) [المائدة : ٦٧] حتّى تبلّغ عن الله رسالته. (وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) : يعني الأوثان (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) (٣٦) : أي يهديه. (وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ) : أي لا يستطيع أحد أن يضلّه (أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ) (٣٧) : أي من أعدائه ، وهذا على الاستفهام ، أي : بلى ، وهو شديد الانتقام ، ذو انتقام.

قوله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ) : يعني المشركين (مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ الله) : يعني أوثانهم (إِنْ أَرادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ) : أي بمرض (هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ) : أي بعافية (هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ) : أي لا يقدرن أن يكشفن ضرّا ولا يمسكن رحمة. فكيف تعبدون الأوثان من دونه وأنتم تعلمون أنّ الله هو الذي خلق السماوات والأرض (قُلْ حَسْبِيَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ) (٣٨) : أي لا رجاء غيره للصالحين.

قوله : (قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ) : أي على ناحيتكم ، أي : على شرككم (إِنِّي عامِلٌ) : على ما أنا عليه من الهدى (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) (٣٩) : وهذا وعيد هوله شديد. قوله : (مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ) : يعني عذاب الاستئصال كما أهلك من كان قبلكم بتكذيبهم رسلهم (١). (وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ) (٤٠) : أي في الآخرة.

قوله : (إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ) يا محمّد (الْكِتابَ) : أي القرآن (لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) : أي على نفسه (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) (٤١) : أي بحفيظ لأعمالهم حتّى تجازيهم بها ، إنّ الله هو الذي يجازيهم بها.

قوله : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها) : أي ويتوفّى التي

__________________

(١) كذا في ع ، وفي ز ورقة ٢٩٩ : «يعني النفخة الأولى التي يهلك بها كفّار آخر هذه الأمّة».

٣٦

لم تمت في منامها (فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ) : أي فيميتها (وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) : أي إلى الموت. أي : إنّ النائم إذا نام ـ في قول بعضهم ـ خرجت النفس ، وهي الروح ، فيكون بينهما مثل شعاع الشمس. وبلغنا أنّ الأحلام التي يراها النائم هي في تلك الحال. فإن كان ممّن كتب الله عليه الموت في منامه خرج الروح ، أي النفس ، وإن كان ممّن لم يحضر أجله رجعت النفس ، أي الروح ، فاستيقظ (١).

وقال بعضهم : شبّه [نوم] (٢) النائم بالوفاة ، فيمسك التي قضى عليها الموت ، أي التي يتوفّاها وفاة الموت ، ويرسل الأخرى التي لم يتوفّها وفاة موت النائم ، وهي النفس ، إلى أجل مسمّى ، أي إلى الموت الذي هو آخر أيّامه (٣).

قال : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (٤٢) : وهم المؤمنون.

قوله : (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعاءَ) : أي قد اتّخذوهم ليشفعوا لهم ـ زعموا ـ وذلك لدنياهم ليصلحوها لهم ، كقولهم : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣] ليصلحوا لهم معايشهم ولا يقرّون بالآخرة.

قال الله : (قُلْ) يا محمّد (أَوَلَوْ كانُوا) : يعني أوثانهم (لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ) (٤٣) : أي إنّهم لا يملكون شيئا ولا يعقلون شيئا.

__________________

(١) كذا ورد تأويل هذه الآية في ع. والتعبير ـ على إيجازه ـ واضح المعنى ، وفيه : «خرجت النفس ، وهي الروح» وبعده : «رجعت النفس أي : الروح». وجاء في ز نفس الألفاظ ولكن جاء التعبير هكذا : «خرجت النفس وبقى الروح» ، وبعده : «خرج الروح إلى النفس» ، ولست مطمئنا إلى هذا التعبير الأخير ، ويبدو أنّ ما جاء في ز خطأ من الناسخ ، وأنّ عبارات ع هي الصحيحة وأقرب إلى الصواب ؛ وانظر هذه المعاني في بعض كتب التفسير ؛ انظر مثلا : تفسير القرطبيّ ، ج ١٥ ص ٢٦٠ ، واقرأ كلاما بيّنا واضح العبارة موجزا للفخر الرازي في التفسير الكبير ، ج ٢٦ ص ٢٨٤.

(٢) زيادة يقتضيها السياق.

(٣) قال أبو عبيدة في تفسير الآية : «فجعل النائم متوفّى أيضا إلّا أنّه يردّه إلى الدنيا». وقال الفرّاء : «والمعنى فيه : يتوفّى الأنفس حين موتها ، ويتوفّى التي لم تمت في منامها عند انقضاء أجلها. ويقال : إنّ توفّيها موتها ؛ وهو أحبّ الوجهين إليّ ، لقوله : (فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ) ولقوله : (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ) [الأنعام : ٦٠] ...».

٣٧

(قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً) : أي لا يشفع أحد يوم القيامة إلّا بإذنه ، أي : يأذن لمن يشاء من الملائكة والأنبياء والمؤمنين أن يشفعوا للمؤمنين فيشفّعهم فيهم (١) ، لا لمعنى قد وجب ، فتعالى الله.

قوله : (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٤٤) : أي يوم القيامة ، أي : لا يملك في السماوات والأرض غيره ، ثمّ ترجعون إليه في الآخرة.

قوله : (وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ) : أي انقبضت (قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) : وهم المشركون (وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) : يعني أوثانهم (إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (٤٥) ، حين قرأ عليهم بمكّة سورة والنجم ، وألقى الشيطان على لسانه حيث انتهى إلى قوله : (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) (٢٠) [النجم : ١٩ ـ ٢٠] : لهنّ الغرانيق العلى وإنّ شفاعتهم لترتجى ، ففرح المشركون بذلك ؛ وهو قوله : (وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون) (٢).

قوله : (قُلِ اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) أي السرّ والعلانية (أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ) يعني المؤمنين والمشركين (فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (٤٦) : فيكون حكمه فيهم أن يدخل المؤمنين الجنّة ويدخل المشركين النار (٣).

__________________

(١) في ع : «فيشفّعهم بينهم» وأثبتّ ما جاء في ز ، وهو أصحّ.

(٢) انظر فيما سلف ، ج ٣ ، تفسير الآيتين ٥٢ ـ ٥٣ من سورة الحجّ (التعليق).

(٣) هذا ، وإن كان سياق الآيات يشير إلى الاختلاف الذي كان قائما بين المؤمنين والمشركين ، كما ذهب إليه جمهور المفسّرين ، إلّا أنّ الآية تتناول أيضا كلّ اختلاف وقع أو يقع بين المؤمنين أنفسهم في كلّ زمان ومكان ، فكلّهم عباد الله. وقد اشتدّ في عصرنا هذا اختلاف المسلمين فيما بينهم ، واستفحل أمره ، فجرّ عليهم بلايا وفتنا فرّقت وحدتهم ، ومزّقت صفوفهم ، وأشعلت نيران الحروب بينهم ، فصارت الأمّة الإسلاميّة غرضا لكلّ رام ، وطعمة سائغة لكلّ معتد غاصب. ولو أنّ المسلمين اتّقوا الله وأصلحوا ذات بينهم ، ونبذوا الخلاف الذي احتدّ بينهم ، فحكّموا كتاب الله وسنّة نبيّه عليه‌السلام فيما شجر بينهم ، لكانوا سادة الدنيا ، ولأفادوا العالم بالنور المبين الذي أنزل عليهم ، ولعاشوا في أوطانهم آمنين. فاللهمّ اهدنا لما اختلف فيه من الحقّ بإذنك ، فإنّك أنت الهادي ، وإنّ هداك هو الهدى ، وإنّك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

٣٨

قوله : (وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) : أي من الذهب والفضّة (وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ) : أي من شدّة العذاب (يَوْمَ الْقِيامَةِ) : لم يقبل منهم (وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) (٤٧) : أي لم يكونوا يحتسبون أنّهم مبعوثون ومعذّبون.

قال : (وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا) : أي ما عملوا (وَحاقَ بِهِمْ) : أي وجب عليهم (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (٤٨) : أي يسخرون في دار الدنيا بالنبيّ والمؤمنين فحاق بهم ، أي : فأخذهم جزاء ذلك الاستهزاء ، وهي جهنّم بعد عذاب الدنيا.

قوله : (فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ) : أي مرض. (دَعانا ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا) (١) : أي أعطيناه عافية. فهذا الكافر (قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ) : [تفسير مجاهد : يقول : هذا بعملي] (٢) كقوله : (وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي) [فصّلت : ٥٠] أي : أنا محقوق بهذا. قال الله : (بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ) : أي بليّة (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٤٩) : يعني جماعة الكافرين.

قال : (قَدْ قالَهَا) : يعني هذه الكلمة (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) : أي من قبل مشركي العرب (فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٥٠) : أي من أموالهم وجنودهم إذا نزل بهم عذاب الله ، أي : إنّهم لم تغن عنهم شيئا.

قال : (فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا) : أي نزل بهم جزاء أعمالهم ، يعني الذين أهلك من الأمم. (وَالَّذِينَ ظَلَمُوا) : أي أشركوا (مِنْ هؤُلاءِ) : يعني من هذه الأمّة (سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا) : يعني الذين تقوم عليهم الساعة من كفّار آخر هذه الأمّة؛ وقد أهلك أوائلهم أبا جهل وأصحابه بالسيف يوم بدر. قال : (وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ) (٥١) : أي وما هم بالذين يسبقوننا حتّى لا نقدر عليهم فنبعثهم ثمّ نعذّبهم.

__________________

(١) من هنا تستأنف مخطوطة القرارة التي أرمز لها بحرف ق ، تفسير الربع الأخير من القرآن ، على ما فيها من خرم. وكلّ ما نسخته وحقّقته من أوّل سورة ص فاعتمادي فيه على نسخة العطف : ع ، ومقابلتها بمصوّرة مختصر تفسير ابن سلّام لابن أبي زمنين : ز.

(٢) زيادة من ز ، ورقة ٣٠٠.

٣٩

قال : (أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) : أي بلى ، قد علموا ذلك ، أي : إنّ الله هو الذي يخلقهم وهو الذي يرزقهم.

قال : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٥٢).

قال : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) بالشرك والكبائر الموبقة. (لا تَقْنَطُوا) : أي لا تيأسوا (مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) على التوبة (إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (٥٣).

ذكروا عن الحسن أنّه قال : لّما نزل في قاتل المؤمن وفي السارق والزاني وغير ذلك ما نزل تخوّف قوم أن يؤاخذوا بما عملوا في الجاهليّة فقالوا : أيّنا لم يفعل ، فأنزل الله : (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رّحمة الله إنّ الله يغفر الذّنوب جميعا) أي : لمن تاب وآمن وعمل صالحا (١) ، (إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) وأنزل : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ ..). إلى قوله : (إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) (٧٠) [الفرقان : ٦٨ ـ ٧٠] أي : لمن تاب إليه إذ جعل له بعد ذنوبه متابا ومرجعا (٢). قال الله : (وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ) : أي ارجعوا إليه ، يقوله للكافرين (٣) (وَأَسْلِمُوا لَهُ) يغفر لكم ما كان في الجاهليّة بعد إسلامكم (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) (٥٤).

قوله : (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) : وهو أن يأخذوا بما أمرهم الله به ، وينتهوا عمّا نهاهم الله عنه (٤).

__________________

(١) كذا في ع وق : أي : (لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً) ، وفي ز ورقة ٣٠٠ : (إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) التي كانت في الشرك». وقال الفرّاء في المعاني ، ج ٢ ص ٤٢١. «هي في قراءة عبد الله (الذّنوب جميعا لمن يشاء). قال الفرّاء : وحدّثني أبو إسحاق التيميّ عن أبي روق عن إبراهيم التيميّ عن ابن عبّاس أنّه قرأها كما هي في مصحف عبد الله : (يغفر الذّنوب جميعا لمن يشاء). وإنّما نزلت في وحشيّ ، قاتل حمزة وذويه».

(٢) في ق وع : تقديم وتأخير في بعض الجمل ، أثبتّ كلّ جملة في سياق معناها حسبما جاءت في ز.

(٣) كذا في ق وع ، وفي ز : (وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ) يقوله للمشركين ، أقبلوا إلى ربّكم بالإخلاص له».

(٤) قال الشيخ محمّد الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير ، ج ٢٤ ص ٤٤ : و (أحسن) اسم تفضيل مستعمل ـ

٤٠