تفسير كتاب الله العزيز - ج ٤

هود بن محكم الهوّاري الأوراسي

تفسير كتاب الله العزيز - ج ٤

المؤلف:

هود بن محكم الهوّاري الأوراسي


المحقق: بالحاج بن سعيد الشريفي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار البصائر للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٠

تفسير سورة ق ، وهي مكّيّة كلّها

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله عزوجل : (ق) : ذكروا عن عكرمة أنّه قال : هو اسم من أسماء الله. وكان الحسن يقول : ما أدري ما تفسير (ق) ، و (طسم) ، و (حم) ، و (كهيعص) وأشباه ذلك ؛ غير أن قوما من السلف كانوا يقولون : أسماء السور ومفاتيحها.

وذكر بعضهم في (طسم) و (حم) قال : أسماء من أسماء الكتاب. وبعضهم يقول في (ق) : جبل محيط بالدنيا. وبعضهم يجرّ قاف.

(وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) (١) يحمله على القسم. ومعنى المجيد : الكريم على الله. ومن جزم جعل القسم من وراء القرآن المجيد (١).

وتفسير الحسن أنّ القسم وقع على تعجّب المشركين ممّا جاء به محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قال : (بَلْ عَجِبُوا) : أي لقد عجب المشركون (أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) : أي محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ أي منهم في النسب ، وليس منهم في الدين ، ينذر من عذاب الله. (فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ) (٢) : أي عجب.

(أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً) : على الاستفهام (ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) (٣) : ينكرون البعث ، أي إنّه ليس بكائن.

قال عزوجل : (قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ) : أي ما تأكل الأرض منهم إذا ماتوا ، أي : تأكل كلّ شيء غير عجم الذنب.

ذكروا عن الحسن قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : في الإنسان عظم لا تأكله الأرض ، هو عجم الذنب وفيه يركّب ابن آدم (٢). وقال بعضهم : سمعنا أنّه فيه يركّب ابن آدم. وقال مجاهد : (ما

__________________

(١) وقع في ق وع تقديم وتأخير في تفسير قوله : (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) فأثبتّه حسبما جاء في ز ، ورقة ٣٣٤ وهو أوضح. وانظر ابن الأنباريّ ، البيان في غريب إعراب القرآن ، ج ٢ ص ٣٨٤ ففيه إيضاح لمعنى هذا القسم وجوابه ، وانظر : تفسير القرطبيّ ، ج ١٧ ص ١ ـ ٣.

(٢) حديث صحيح أخرجه الربيع بن حبيب في الجامع الصحيح ، باب في الآداب ، ج ٢ ص ٩٧ (رقم ٧٢٢) ، ـ

١٨١

تَنْقُصُ الْأَرْضُ) من عظامهم. وقال بعضهم : ما تنقص الأرض : اللّحى ؛ وهم أهل الجنّة ، يخرجون مردا.

قال : (وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ) (٤) : أي بما تأكل الأرض منهم. وبعضهم يقول : إنّه اللوح المحفوظ.

قال الله عزوجل : (بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ) (٥) : أي ملتبس ، فهم في شكّ من البعث.

قال : (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها). ذكروا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : بينكم وبينها مسيرة خمسمائة عام ، حتّى عدّ سبع سماوات هكذا. قال : وبين السابعة والعرش كما بين سماءين (١).

قال : (وَزَيَّنَّاها) : أي بالكواكب (وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ) (٦) : أي من شقوق.

(وَالْأَرْضَ مَدَدْناها) : أي بسطناها ، كقوله عزوجل : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) (٣٠) [النازعات : ٣٠] وهذا كلّه واحد. ذكروا عن عطاء قال : بلغني أنّ الأرض دحيت من تحت الكعبة. وقال مجاهد : كان البيت قبل الأرض بألف عام ومدّت (٢) الأرض من تحته. وقال بعضهم : مكّة أمّ القرى ومنها دحيت الأرض.

قال تعالى : (وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ) والرواسي الجبال ، أرسيت بها الأرض ، أي : أثبتت بها ، أي : جعلت أوتادا للأرض. وهو كقوله (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً (٦) وَالْجِبالَ أَوْتاداً) (٧) [النبأ : ٦ ـ ٧].

__________________

ـ وأخرجه مالك في الموطّأ في كتاب الجنائز ، وأخرجه مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة ، باب ممّا بين النفختين ، (رقم ٢٩٥٥) كلّهم يرويه من طريق أبي هريرة ولفظه عند مسلم : «كلّ ابن آدم يأكله التراب إلّا عجب الذنب ، منه خلق وفيه يركب». يقال : عجم الذنب ، وعجب الذنب ، وهو العظيم الذي في أسفل الصلب عند العجز.

(١) انظر ما سلف ، ج ١ ، تفسير الآية ٢٢ من سورة البقرة.

(٢) وردت الكلمة هكذا في ق وع : «وهذب» ، والصواب ما أثبتّه.

١٨٢

ذكروا عن الحسن قال : لمّا خلق الله الأرض جعلت تميد ، فلمّا رأت ذلك الملائكة قالت : يا ربّنا ، هذه الأرض لا يقرّ لك على ظهرها خلق. فأصبح وقد وتدها بالجبال. فلمّا رأت ملائكة الله ما أرسيت به الأرض أعظموا ذلك فقالوا : يا ربّ ، هل خلقت خلقا أشدّ من الجبال؟ قال : نعم ، الحديد. قالوا : ربّنا ، هل خلقت خلقا هو أشدّ من الحديد؟ قال : نعم : النار. قالوا : ربّنا ، هل خلقت خلقا هو أشدّ من النار؟ قال : نعم ، الريح. قالوا : ربّنا ، هل خلقت خلقا هو أشدّ من الريح؟ قال : نعم ، ابن آدم.

قال تعالى : (وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ) : أي : من كلّ لون (بَهِيجٍ) (٧). وكلّ ما ينبت في الأرض فالواحد منه زوج. (تَبْصِرَةً) : أي : يتفكّر فيه المؤمن ، فيعلم أنّ الذي خلق هذا قادر على أن يحيي الموتى ، وأنّ ما وعد الله من الآخرة حقّ.

قال عزوجل : (وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) (٨) : أي مخلص مقبل إلى الله بالإخلاص ؛ كقوله عزوجل : (وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ) [الزمر : ٥٤].

قوله عزوجل : (وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ) (٩) : وهو كلّ ما يحصد ، في تفسير الحسن.

قال عزوجل : (وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ) : أي طوالا ، وبسوقها طولها.

(لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ) (١٠) : أي منضود بعضه على بعض. (رِزْقاً لِلْعِبادِ) : أي فأنبتناه رزقا للعباد. (وَأَحْيَيْنا بِهِ) : أي بالمطر (بَلْدَةً مَيْتاً) : أي يابسة ليس فيها نبات ، فأحييناها بالنبات (كَذلِكَ الْخُرُوجُ) (١١) : أي البعث ؛ يرسل الله مطرا منيّا كمنيّ الرجال فتنبت به جسمانهم ولحمانهم كما تنبت الأرض الثرى.

قوله : (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ) : أي قبل قومك يا محمّد (قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ) : والرسّ بئر كان عليها قوم فنسبوا إليها. وقال بعضهم : المعدن (١). وقال بعضهم : واد.

__________________

(١) في ق : «أبارق» ، وفي ع : «أباريق» ، ولم أر وجها مناسبا للكلمتين هنا ، وقد أثبتّ مكانهما : «المعدن» ، وهو تفسير ذكره بعض المفسّرين. قال أبو عبيدة في المجاز ، ج ٢ ، ص ٧٥ : «(أصحاب الرس) : أي المعدن». وانظر ما سلف ، ج ٣ ، تفسير الآية ٣٨ من سورة الفرقان.

١٨٣

قال : (وَثَمُودُ (١٢) وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ) (١٣) : أي إخوانه في النسب وليسوا بإخوانه في الدين. (وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ) : والأيكة الغيضة. وقد فسّرنا أمرهم في سورة الشعراء (١).

قال تعالى : (وَقَوْمُ تُبَّعٍ) : ذكروا أنّ ابن عبّاس سأل كعبا عن تبّع فذكر قومه ولم يذكر [من] (٢) هو. قال : إنّه كان معه اثنا عشر رجلا من أولاد الأنبياء. فأراده قومه على أن يقتلهم فأبى. وجمع بينهم وبينهم فحاجّوه. فتعاهدوا على أن يوقدوا نارا ، ثمّ يدعو كلّ قوم ما يعبدون ، ثمّ يدخلونها. فمن هلك هلك ، ومن نجا نجا. فدخلها أولاد الأنبياء ، فمرّوا فيها حتّى خرجوا من الجانب الآخر ، فلم تضرّهم شيئا.

فلمّا رأى ذلك قوم تبّع أبوا أن يدخلوها. وكانوا قد اتّفق اثنا عشر رجلا من خيارهم (٣) أن يدخلوا مع أولاد الأنبياء في النار وتقاعسوا ، فأخذهم تبّع وضرب أعناقهم ، وحلق رأسه وآمن ، فقتله قومه. فلذلك ذكر الله قومه ولم يذكره.

قوله عزوجل : (كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ) (١٤) : أي إنّ الرسل جاءتهم يدعونهم إلى الإيمان ، ويحذّرونهم العذاب فكذّبوهم فجاءهم العذاب. يحذّر بهذا مشركي العرب.

قوله : (أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ) : أي لم نعي به. قال مجاهد : أفأعيا علينا حين أنشأناكم [وأنشأنا خلقكم] (٤). تفسير الحسن : إنّه يعني خلق آدم وذرّيّته بعده. قال : (بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ) : أي في شكّ (مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) (١٥) : يعني البعث.

قوله عزوجل : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) : يعني بالإنسان هاهنا جميع الناس (وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ) : أي ما تحدّث به نفسه (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (١٦) :

__________________

(١) انظر ما سلف ج ٣ ، تفسير الآية ١٧٦ من سورة الشعراء.

(٢) زيادة لا بدّ منها.

(٣) كذا في ق : «من خيارهم» ، وفي ع : «من أحبارهم».

(٤) في ق : «عيا عليكم» ، وفي ع : «منا عليكم» ، وفي كلتا العبارتين خطأ. أثبتّ التصحيح والزيادة من تفسير مجاهد ص ٦١٠. وقال الفرّاء في المعاني ، ج ٣ ص ٧٧ : «يقول : كيف نعيا عندهم بالبعث ولم نعي بخلقهم أوّلا؟».

١٨٤

وهو نياط القلب (١) وهو الوتين.

قوله : (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ) : أي : الملكان الكاتبان الحافظان عن اليمين وعن الشمال (قَعِيدٌ) (١٧) : أي رصيد ، أي يرصده حافظ.

(ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ) : أي عنده (رَقِيبٌ) : أي حفيظ (عَتِيدٌ) (١٨) : أي حاضر يكتب كلّ ما يلفظ به. قال مجاهد : حتّى أنينه. وتفسير الكلبيّ : إنّه تعرض الأعمال ، فما لم يكن فيه خير ولا شرّ محي ولم يثبت ؛ وذلك في يوم اثنين وخميس ، فيهما ترفع الأعمال.

وذكر بعضهم قال : أمر صاحب الشمال أن يكتب ما لا يكتب صاحب اليمين.

وقال بعضهم : ما خطا عبد خطوة إلّا كتبت له حسنة أو سيّئة. قال : وبلغنا أنّ صاحب اليمين أمير على صاحب الشمال ، فلا يكتب صاحب الشمال حتّى يأمره صاحب اليمين.

ذكروا عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّ الملائكة قالت : ربّ ذلك عبدك يريد أن يعمل سيّئة وأنت أعلم وأبصر ؛ فيقول : ارقبوا عبدي ، فإن عملها فأثبتوا عليه بمثلها ، وإن تركها فاكتبوها له حسنة ، فإنّما تركها من خشيتي (٢).

وقال الحسن : الحفظة أربعة : يتعاقبان ملكان بالليل وملكان بالنهار ، وتجتمع هذه الأملاك الأربعة عند صلاة الفجر ، وهو قوله : (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) (٧٨) [الإسراء : ٧٨].

ذكروا عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ، فيجتمعون عند صلاة الفجر وعند صلاة العصر ، فيسألهم ربّهم وهو أعلم بهم : كيف تركتم عبادي؟ فيقولون : أتيناهم وهم يصلّون ، وتركناهم وهم يصلّون (٣).

__________________

(١) قال الجوهريّ في الصحاح : «النياط : عرق علق به القلب من الوتين. فإذا قطع مات صاحبه ، وهو النيط أيضا. ومنه قولهم : رماه الله بالنيط ، أي بالموت». وأصل الفعل : ناط ينوط نوطا ، أي علق : وكلّ ما علق من شيء فهو نوط.

(٢) حديث صحيح أخرجه مسلم في كتاب الإيمان ، باب إذا همّ العبد بحسنة كتبت وإذا همّ بسيّئة لم تكتب ، عن أبي هريرة (رقم ١٢٩) ولفظه في آخره : «إنّما تركها من جرّاي».

(٣) انظر تخريجه فيما سلف ، ج ٢ ، تفسير الآية ١١ من سورة الرعد.

١٨٥

قوله عزوجل : (وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ) : أي بالبعث ، أي يموت ليبعث (١). وهي في حرف ابن مسعود : (وجاءت سكرة الحقّ بالموت).

قال عزوجل : (ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) (١٩) : أي تهرب. قال الحسن : هو الكافر ، لم يكن شيء هو أبغض إليه من الموت.

قوله : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) : قد فسّرناه في غير هذا الموضع (٢).

(ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ) (٢٠) : أي اليوم الموعود.

ذكروا عن الحسن قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اليوم الموعود يوم القيامة (٣).

قوله : (وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ) (٢١) : سائق يسوقها إلى الجنّة أو إلى النار ، وشهيد يشهد عليها بعملها.

وقال بعضهم : هو ملكها الذي يكتب عملها في الدنيا هو شاهد عليها بعملها.

وقال مجاهد : (سائِقٌ وَشَهِيدٌ) : الملكان الكاتبان عمله.

قال : (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا) : يعني الكافر (فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ) : أي غطاء الكفر (فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ) : يعني يوم القيامة (حَدِيدٌ) (٢٢) : أي بصير (٤). هو كقوله : (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا) [مريم : ٣٨] أي : أبصروا حيث لم ينفعهم البصر.

قوله عزوجل : (وَقالَ قَرِينُهُ) : وقرينه الملك الذي كان معه يكتب عمله (هذا ما لَدَيَّ) : أي ما عندي (عَتِيدٌ) (٢٣) : أي ما كتبت عليه حاضر.

__________________

(١) في ق وع : «أي بالموت للبعث» ، وأثبتّ ما جاء في ز ، وهو أوضح. وانظر معاني الفرّاء ، ج ٣ ص ٧٨.

(٢) انظر مثلا ما سلف في هذا الجزء ، تفسير الآية ٦٨ من سورة الزمر.

(٣) أخرجه الترمذيّ في أبواب التفسير ، سورة البروج من حديث أطول ، عن طريق أبي هريرة ، وقال الترمذيّ : «هذا حديث لا نعرفه إلّا من حديث موسى بن عبيدة ، وموسى بن عبيدة يضعّف في الحديث».

(٤) قال الفرّاء في المعاني ، ج ٣ ص ٧٨ : «يقول : قد كنت تكذّب ، فأنت اليوم عالم نافذ البصر. والبصر هاهنا هو العلم ، ليس بالعين». وقال ابن أبي زمنين : «حديد في معنى حادّ ، كما يقال : حفيظ وحافظ. ويقال : حدّ بصره».

١٨٦

قال الله : (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ) (٢٤) : أي معاند للحقّ مجتنبه. والحقّ الهدى. أمر الله به خزنة النار.

قال تعالى : (مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ) : أي : للزكاة ؛ وهذا المشرك. وقال في حم السجدة : (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (٦) الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ) أي : الواجبة (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) (٧) [فصّلت : ٦ ـ ٧].

قال : (مُعْتَدٍ) : أي من قبل العدوان. والعدوان هاهنا الشرك. (مُرِيبٍ) (٢٥) : أي في شكّ من البعث. قال : (الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ) (٢٦).

قوله : (قالَ قَرِينُهُ) : [أي شيطانه] (١) (رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ) : أي ما أضللته بسلطان كان لي عليه (وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) (٢٧) : أي من الهدى.

ذكروا عن أبي هريرة قال : إنّ المؤمن ينضي شيطانه كما ينضي أحدكم بعيره في السفر(٢).

(قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ) : أي عندي (وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ) (٢٨) : أي في الدنيا. (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ) : أي عندي ، من الوعد والوعيد في تفسير الحسن. وقال مجاهد : يقول : قد قضيت ما أنا قاض. (وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (٢٩) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) (٣٠) : أي فيّ مزيد (٣).

وقال مجاهد قوله : (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ) : أي وأدنيت الجنّة (لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ) (٣١). قال : (هذا ما تُوعَدُونَ) : يعني الجنّة (لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (٣٢) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ) (٣٣) : والأوّاب : التائب الراجع عن ذنبه. وقال مجاهد : الذي يذكر

__________________

(١) زيادة من ز ، ورقة ٣٣٥.

(٢) أنضى الرجل بعيره أي : هزله وصيّره نضوا. انظر اللسان : (نضا). وما نسب إلى هريرة هنا هو نصّ حديث مرفوع إلى النبيّ عليه‌السلام ، أخرجه أحمد في مسنده ، وكذلك ذكره ابن منظور على أنّه حديث.

(٣) كذا في ق وع ، ويبدو في المخطوطتين سقط. جاء في ز ورقة ٣٣٥ في تفسير الآية ما يلي : (وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) تفسير مجاهد : وعدها ليملأها فقال : أوفيتك؟ فقالت وهل من مسلك. أي : قد امتلأت». وانظر اختلاف المفسّرين في قوله تعالى : (هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) ، في تفسير الطبريّ ، ج ٢٦ ص ١٦٩ ـ ١٧١.

١٨٧

ذنوبه في الخلاء فيستغفر منها.

ذكروا عن عبيد بن عمير قال : كنّا نحدّث أنّ الرجل إذا قال في مجلسه : سبحان الله العظيم ، اللهمّ اغفر لي ما أصبت في مجلسي هذا ، أنّه الأوّاب الحفيظ. ذكروا عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما من قوم يكونون في مجلس يتفرّقون منه على غير ذكر أو صلاة على نبيّهم إلّا كأنّما تفرّقوا عن جيفة حمار ، وكان عليهم حسرة يوم القيامة (١).

ذكروا أنّ جبريل عليه‌السلام علّم النبيّ عليه‌السلام إذا أراد أن يقوم من مجلس أن يقول : سبحانك اللهمّ وبحمدك ، أشهد ألّا إله إلّا أنت وحدك لا شريك لك ، أستغفرك اللهمّ وأتوب إليك (٢). قوله عزوجل : (وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ) أي : لقي الله بقلب مخلص ، كقوله عزوجل : (إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (٨٩) [الشعراء : ٨٩] أي : من الشرك.

قوله عزوجل : (ادْخُلُوها بِسَلامٍ) : ذكروا عن عليّ بن أبي طالب في قوله عزوجل : (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً ..). إلى قوله : (وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ) (٧٣) [الزمر : ٧٣] قال : إذا توجّهوا إلى الجنّة مرّوا بشجرة يخرج من تحتها عينان فيشربون من إحداهما فتجري عليهم نضرة النعيم فلا تتغيّر أبشارهم ولا تشعث أشعارهم بعدها ، ثمّ يشربون من الأخرى فيخرج ما في بطونهم من أذى وقذى ، ثمّ تستقبلهم الملائكة خزنة الجنّة وتقول لهم : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ). وذكر بعضهم : أنّه قوله عزوجل : (ادْخُلُوها بِسَلامٍ).

قال : (ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ) (٣٤) : ذكروا عن نافع عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : إذا دخل أهل الجنّة الجنّة وأهل النار النار ، نادى مناد : يا أهل الجنّة خلود لا موت فيها ، ويا أهل النار خلود لا موت فيها ، وكلّ خالد فيما هو فيه (٣).

__________________

(١) حديث صحيح أخرجه أبو داود في كتاب الأدب ، باب كراهية أن يقوم الرجل من مجلسه ولا يذكر الله ، عن أبي هريرة (رقم ٤٨٥٥) ، ورواه الحاكم في المستدرك وقال : «حديث صحيح على شرط مسلم».

(٢) حديث صحيح أخرجه أبو داود في كتاب الأدب ، باب في كفّارة المجلس ، عن أبي برزة الأسلميّ (رقم ٤٨٥٩).

(٣) انظر تخريجه فيما سلف من هذا التفسير ، ج ٣ ، تفسير الآية ٣٩ من سورة مريم.

١٨٨

قوله عزوجل : (لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها) : أي إذا اشتهوا الشيء جاءهم من غير أن يدعوا به ، ويكون في في أحدهم الطعام فيخطر على باله الطعام الآخر ، فيتحوّل ذلك الطعام في فيه ، ويأخذ البسرة فيأكل من ناحية منها بسرا ، ثمّ يحوّلها فيأكل منها إلى عشرة ألوان أو ما شاء الله من ذلك.

قوله عزوجل : (وَلَدَيْنا مَزِيدٌ) (٣٥) : أي وعندنا مزيد.

ذكروا عن الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عبّاس قال : إذا انصرف أهل الجنّة إلى منازلهم ، انصرف أحدهم إلى سرادق من لؤلؤ [طوله] (١) خمسون ألف فرسخ ، فيه قبّة من ياقوتة حمراء ، ولها ألف باب ، له فيها سبعمائة امرأة ، فيتّكئ على أحد شقّيه ، فينظر إليها كذا وكذا ، ثمّ يتّكئ على الشقّ الآخر ، فينظر إليها مثل ذلك. ثمّ يدخل عليه من كلّ باب ألف ملك من ألف باب معهم الهديّة من ربّهم فيقولون له : السّلام عليك من ربّك ؛ فيوضع ذلك فيقول : ما أحسن هذا. فيقول الملك للشجر حوله : إنّ ربّكنّ يأمركنّ أن تقطعن (٢) له كلّ ما يشتهي على مثل هذا. قال : وذلك كلّ جمعة. قال : وبلغنا أنّ أهل الجنّة ، ولا أحسبه إلّا أرفعهم درجة ، تأتيه الهديّة من ربّه عند مواقيت الصلاة (٣).

وأخبرني (٤) عن السدّيّ قال : لا يزال أهل الجنّة معجبين بما هم فيه حتّى يفتح الله المزيد ، فإذا فتح الله المزيد لم يأتهم شيء من المزيد إلّا وهو أفضل ممّا في جنّتهم.

قوله عزوجل : (وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ) : يعني قبل مشركي العرب (مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً) : أي كانوا أشدّ منهم بطشا ، يعني قوّة ، كقوله عزوجل : (كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً) [التوبة : ٦٩]. (فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ) : وهي تقرأ على وجهين : بالتثقيل وبالتخفيف ؛ فمن قرأها بالتثقيل فهو يقول : فجوّلوا في البلاد ، أي : حين جاءهم العذاب ، ومن قرأها بالتخفيف فهو

__________________

(١) زيادة يقتضيها سياق الكلام.

(٢) كذا في ق : «أن تقطعن» ، وفي ع : «أن تقطرن».

(٣) جاء في ز ، ورقة ٣٣٦ روايات ثلاث ليحيى بن سلّام في تفسير قوله : (وَلَدَيْنا مَزِيدٌ) ، تتعلّق برؤية الباري ، حذفها الشيخ هود الهوّاريّ لأنّها لم تصحّ عنده ، وأثبت مكانها ما رواه هنا منسوبا إلى ابن عبّاس.

(٤) كذا في ق وع ، بدون ذكر لاسم المخبر ، ولعلّه أحد شيوخ ابن سلّام.

١٨٩

يقول : فجالوا في البلاد على مثل التفسير الأوّل (١). (هَلْ مِنْ مَحِيصٍ) (٣٦) : أي هل من ملجأ يلجأون إليه من عذاب الله ، أي : فلم يجدوا ملجأ حتّى هلكوا.

قال : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) : أي عقل ، وهو المؤمن (أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) (٣٧) : تفسير مجاهد : أو ألقى السمع والقلب شهيد. وتفسير الحسن : أو ألقى السمع وهو شهيد ، أو الوحي (٢) ، يعني أهل الكتاب ، كقوله عزوجل : (نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ) [البقرة : ١٠١] يقول : إنّ في ذلك للمؤمن وللكتابيّ أن يذكر.

قوله عزوجل : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) : واليوم منها ألف سنة. كقوله عزوجل : (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) (٤٧) [الحج : ٤٧].

قال عزوجل : (وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ) (٣٨) : أي من إعياء. وذلك أنّ اليهود أعداء الله قالت : لمّا فرغ الله من خلق السماوات والأرض أعيا فاستلقى على ظهره ، ثمّ وضع إحدى رجليه على الأخرى [استراح] (٣). فأنزل الله : (وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ).

ذكروا عن داود بن حصين عن عكرمة عن ابن عبّاس أنّه استلقى يوما على ظهره ، ثمّ رفع إحدى رجليه على الأخرى ثمّ قال : كذبت اليهود أعداء الله ، ما مسّ الله من لغوب.

ذكروا عن عبادة بن الأشيم أنّه رأى رسول الله مستلقيا وضع إحدى رجليه على الأخرى وهو يقول : ما مسّ الله من نصب (٤).

__________________

(١) وأورد الفرّاء في المعاني ، ج ٣ ص ٧٩ ـ ٨٠ قراءة ثالثة ليحيى بن يعمر بكسر القاف المشدّدة فقال : «ومن قرأ : (فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ) فكسر القاف ، فإنّه كالوعيد. أي اذهبوا في البلاد فجيئوا واذهبوا».

(٢) وقال الفرّاء في المعاني ، ج ٣ ص ٨٠. يقول : «أو ألقى سمعه إلى كتاب الله وهو شهيد ، أي : شاهد ليس بغائب». وقال ابن أبي زمنين ، كما في ز ورقة ٣٣٦ : «استمع كتاب الله وهو شاهد القلب والفهم ، ليس بغافل ولا ساه».

(٣) زيادة من ز ، ورقة ٣٣٦.

(٤) لم أجد هذا الحديث فيما بين يديّ من مصادر التفسير والحديث ، ولعلّه ممّا انفرد بروايته ابن سلّام. جاء في ع ـ

١٩٠

قوله عزوجل : (فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) : أي على ما يقول لك قومك : إنّك شاعر. وإنّك ساحر ، وإنّك كاهن ، وإنّك كاذب ، وإنّك مجنون.

قال : (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ) (٣٩) : قال بعضهم : هما صلاة الصبح وصلاة العصر. وتفسير الحسن : هي الصبح والظهر والعصر.

قوله عزوجل : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ) : يعني صلاة المغرب وصلاة العشاء.

(وَأَدْبارَ السُّجُودِ) (٤٠) (١) : [عن عليّ قال سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن إدبار السجود] فقال : هما الركعتان بعد صلاة المغرب (٢). [وسئل عن إدبار النجوم فقال : هما الركعتان قبل صلاة الصبح] (٣) وقال مجاهد : ركعتان بعد صلاة المغرب. ذكروا عن ابن عبّاس قال : التسبيح دبر كلّ صلاة.

قوله عزوجل : (وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) (٤١) : والمنادي صاحب الصور ، ينادي من الصخرة من بيت المقدس ، في تفسير بعضهم. قال : وهي أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلا.

وبلغنا ، والله أعلم ، عن عبد الله بن عبّاس أنّه قال : يقوم ملك بين السماء والأرض بالصور فينفخ فيه.

قال عزّ من قائل : (يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ) : أي النفخة الآخرة (بِالْحَقِّ) : أي بالبعث (ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ) (٤٢) : أي من القبور.

قوله عزوجل : (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (٤٣) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ

__________________

ـ اسم الصحابيّ راوي الحديث هكذا : «عباد بن تميم» ، وفي ق : «عباد بن شيم» ، وأثبتّه «عبادة بن الأشيم» ، كما جاء في الاستيعاب ، ج ٢ ص ٨٠٧ ، على الترجيح لا على التحقيق.

(١) جاءت العبارات ناقصة في ق وع ، فأثبتّ التصحيح من ز ، ورقة ٣٣٦ ـ ٣٣٧ ، بين معقوفين.

(٢) أخرجه ابن سلّام بسند عن عليّ بن أبي طالب كما في ز ورقة ٣٣٧ ، وأخرجه ابن جرير الطبريّ ، وأخرجه الترمذيّ في كتاب التفسير ، سورة الطور ، عن ابن عبّاس مرفوعا.

(٣) زيادة من ز ، ورقة ٣٣٧.

١٩١

عَنْهُمْ سِراعاً) : إلى المنادي صاحب الصور ، إلى بيت المقدس.

(ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ) (٤٤) : أي هيّن.

قوله عزوجل : (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ) : أي إنّك ساحر ، وإنّك مجنون ، وإنّك شاعر ، وإنّك كاذب ، وإنّك كاهن ، أي : فسنجزيهم بذلك النار. (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ) : أي تجبرهم على الإيمان ؛ أي : إنّما يؤمن من أراد الله أن يؤمن. وقال بعضهم : (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ) أي : ما أنت عليهم بمسلّط فتقهرهم.

قال : (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ) (٤٥) : [وهو المؤمن ، يقبل التذكرة ، أي : إنّما يقبل نذارتك بالقرآن من يخاف وعيدي] (١) ، أي : وعيدي بالنار.

* * *

__________________

(١) زيادة من ز ، ورقة ٣٣٧.

١٩٢

تفسير سورة الذاريات ، وهي مكّيّة كلّها

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله عزوجل : (وَالذَّارِياتِ ذَرْواً) (١) : أي الرياح. قال الله عزوجل : (فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ) [الكهف : ٤٥]. وذروها جريها. قال عزوجل : (فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ) (٣٦) [سورة ص : ٣٦].

قوله عزوجل : (فَالْحامِلاتِ وِقْراً) (٢) : أي السحاب [تحمل الوقر من الماء] (١) قال : (حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً) [الأعراف : ٥٧] أي التي فيها الماء.

قوله عزوجل : (فَالْجارِياتِ يُسْراً) (٣) : أي السفن تجري بتيسير الله. كقوله : (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ) [يونس : ٢٢] ، وكقوله : (حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ) (١١) [الحاقّة : ١١].

قوله عزوجل : (فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً) (٤) : أي الملائكة (٢).

ذكر بعضهم قال : (وَالذَّارِياتِ ذَرْواً) : الرياح ، (فَالْحامِلاتِ وِقْراً) : السحاب ، (فَالْجارِياتِ يُسْراً) : السفن ، (فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً) : الملائكة. وهذا قسم ، أقسم بهذا كلّه.

(إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ) (٥) : يعني البعث (وَإِنَّ الدِّينَ) : أي الحساب (لَواقِعٌ) (٦) : أي لكائن.

قال تعالى : (وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ) (٧) : والحبك استواؤها وحسنها. ويقال منه : حبك الماء إذا هاجت الريح ، ومنه : حبك الزرع إذا أصابته الريح ، ومنه حبك الشعر الجعد (٣). وهي موج مكفرف ، أي السماء. وهذا قسم.

__________________

(١) زيادة من ز ، ورقة ٣٣٧.

(٢) قال الفرّاء في المجاز ، ج ٣ ص ٢٨ : «الملائكة تأتي بأمر مختلف ؛ جبريل صاحب الغلظة ، وميكائيل صاحب الرحمة ، وملك الموت يأتي بالموت ، فتلك قسمة الأمور».

(٣) قال الفرّاء : «الحبك تكسّر كلّ شيء ... وواحد الحبك : حباك وحبيكة». وانظر مجاز أبي عبيدة ، ج ٢ ص ٢٢٥.

١٩٣

يقول : (وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ) (٨) : أي لفي اختلاف من البعث (١). (يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ) (٩) : أي يصدّ عنه من صدّ [عن الإيمان به] (٢) ، ويصرف عنه من صرف ، وقال هذا وهذا. قوله عزوجل : (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) (١٠) : أي لعن الخرّاصون الذين يكذّبون بيوم الدين ، أي الذين يكذّبون بالبعث ، وذلك منهم تخرّص (٣).

قال : (الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ) : أي في غفلة. وقال بعضهم : في حيرة (ساهُونَ) (١١) : أي لاهون. (يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ) (١٢) : أي متى يوم الدين ، وذلك منهم استهزاء وتكذيب. أي : لا يكون.

قال الله : (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) (١٣) : أي يحرقون بها. (ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ) : أي حريقكم (هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) (١٤) : أي في الدنيا. أي : لما كانوا يستعجلون بالعذاب في الدنيا استهزاء وتكذيبا.

ذكروا عن الحسن قال : (ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ) أي عذابكم الذي كنتم به تستعجلون. وقال مجاهد : يفتنون ، أي : كما يفتن الذهب ، أي يحرق الذهب (٤).

قال (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) (١٥) : وهي الأنهار ؛ كقوله : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ) (٥٤) [القمر : ٥٤] يعني جمع الأنهار.

(آخِذِينَ) : أي قابلين (ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ) : أي ما أعطاهم ربّهم ، أي : في الجنّة (إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ) (١٦) : أي في الدنيا.

(كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) (١٧) : ذكروا عن الحسن أنّه قال : كانوا لا ينامون منه إلّا قليلا.

__________________

(١) وقال بعضهم : القول المختلف : تكذيب بعضهم بالقرآن وبمحمّد ، وإيمان بعضهم. وانظر معاني الفرّاء ، ج ٣ ص ٨٣.

(٢) زيادة من ز ، ورقة ٣٣٧.

(٣) قال أبو عبيدة في المجاز ، ج ٢ ص ٢٢٥ : (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) المتكهّنون».

(٤) من معاني الفتن الإحراق. كما جاء في كتب اللغة. وفي صحاح الجوهريّ. «ورق فتين ، أي : فضّة محرقة». ويقال للحرّة ، وهي الأرض ذات الحجارة السوداء ، فتين ، كأنّ حجارتها محرقة».

١٩٤

ذكروا عن مطرف بن عبد الله أنّه قال : قلّ ليلة تأتي عليهم إلّا وهم يصلّون فيها لله عزوجل (١). ذكروا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : أصيبوا من الليل ولو ركعتين ولو أربعا (٢).

ذكروا عن أنس بن مالك قال : كانوا يتنفّلون (٣) ما بين المغرب والعشاء يصلّون ما بينهما.

ذكر الحسن قال : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن النوم قبل العشاء وعن الحديث بعدها (٤). وبعضهم لا يرى بالحديث بعدها فيما كان من خير بأسا.

قوله عزوجل : (وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (١٨) : أي يصلّون.

ذكروا عن ابن عمر أنّه كان يصلّي من الليل ، حتّى إذا أسحر قال : يا نافع ، أأسحرت؟ فإذا قال : نعم ، جلس يستغفر. ذكروا عن الحسن عن أبي موسى الأشعريّ قال : إنّا نستفتح على العدوّ بصلاة أقوام من السحر.

ذكروا عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يقول الله عزوجل : إنّ من أحبّ أحبّائي المشّائين إلى المساجد ، المستغفرين بالأسحار ، المتحابّين فيّ ، أولئك الذين إذا أردت بأهل الأرض سوءا فذكرتهم صرفته عنهم بهم (٥).

__________________

(١) قال الفرّاء في المعاني ، ج ٣ ص ٤٨ : «وقوله : (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) إن شئت جعلت (ما) في موضع رفع ، وكان المعنى : كانوا قليلا هجوعهم ، والهجوع : النوم. وإن شئت جعلت (ما) صلة [أي زائدة] لا موضع لها ، ونصبت (قليلا) ب (يهجعون) ، أردت : كانوا يهجعون قليلا من الليل». وانظر أوجها أخرى في معنى الآية وإعرابها عند ابن الجوزي ، زاد المسير ، ج ٨ ص ٣١ ـ ٣٢ ، وانظر تحقيقا في موضع (ما) في كشّاف الزمخشريّ ، ج ٤ ص ٣٩٨ ـ ٣٩٩. وانظر تفسير القرطبيّ ، ج ١٧ ص ٣٥ ـ ٣٧.

(٢) انظر الإشارة إليه فيما سلف ، ج ٣ ، تفسير الآية ٦٤ من سورة الفرقان. ولم أجد الحديث فيما بين يديّ من المصادر غير ابن سلّام.

(٣) في ق وع : «ينقبون» ، ولم أر للكلمة وجها ، فأثبتّ ما ورد في هامش ع من تصحيح الناسخ ، «يتنفلون» ، وهو الصواب إن شاء الله.

(٤) أخرجه الطبرانيّ عن ابن عبّاس ، وهو حديث صحيح.

(٥) أخرجه ابن سلّام بالسند التالي : «يحيى عن خالد بن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك» ، كما جاء في ز ، ورقة ٣٣٨ ، وعبارته : «إذا أردت أهل الأرض بسوء». ولم أجد هذا الحديث بهذا اللفظ فيما بين يديّ من المصادر.

١٩٥

ذكر غير واحد في تفسير هذه الآية في قول يعقوب لبنيه : (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي) [يوسف : ٩٨] أي : أخّرهم إلى السحر.

قال تعالى : (وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) (١٩) : أمّا السائل فالذي يسأل ، وأمّا المحروم فإنّ تفسير الحسن فيه أنّه المتعفّف القاعد في بيته ، الذي لا يسأل.

ذكروا عن ابن عبّاس أنّه قال : المحروم المحارف الذي لا سهم له (١).

وقال بعضهم : هم أصل الصّفّة ، صفّة مسجد النبيّ عليه‌السلام ، كانوا لا يقدرون أن يغزوا مع النبيّ عليه‌السلام ، فحلّ لهم من الصدقة قبل أن يسمّى أهلها في سورة براءة.

وقال بعض العلماء : الجهاد إنّما فرض بالمدينة ، وهذه السورة كلّها مكّيّة. والله أعلم بهذا التفسير الذي قيل في أصحاب النبيّ عليه‌السلام.

وقال مجاهد : (المحروم) : المحارف.

قوله عزوجل : (وَفِي الْأَرْضِ) : أي فيما خلق الله فيها (آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ) (٢٠). قال : (وَفِي أَنْفُسِكُمْ) : أي في بدء خلقكم من تراب ، أي آدم ، ثمّ خلق نسله من نطفة (أَفَلا تُبْصِرُونَ) (٢١) : يقوله للمشركين. وقال مجاهد : (وَفِي أَنْفُسِكُمْ) أي : مدخل الطعام والشراب ومخرجه (٢).

قال : (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ) : أي المطر ، فيه أرزاق الخلق (وَما تُوعَدُونَ) (٢٢) : تفسير الحسن : أي : من الوعد والوعيد ؛ الوعد للمؤمنين بالجنّة ، والوعيد للمشركين والمنافقين بالنار. قال بعضهم : أظنّه يعني : جاء الوعد والوعيد من السماء. وبعضهم قال : الجنّة وعدها المتّقون ،

__________________

(١) قيل هو الذي لا سهم له في الغنيمة لأنّه لم يشهد الموقعة ، وهذا ما ذهب إليه الفرّاء ، وقيل : «هو الذي لا ينمي له مال». وقيل : «هو الذي يصاب زرعه أو ثمره أو نسل ماشيته». وانظر : تفسير الطبريّ ، ج ٢٦ ص ٢٠٢ ـ ٢٠٣.

(٢) آيات الله في أنفسنا أعمّ من أن تنحصر في الجهاز الهضميّ كما أشار إليه مجاهد ، بل هي في جميع أجهزة الإنسان ، فالجهاز العصبيّ مثلا من آيات الله الكبرى في أنفسنا ؛ وقل مثل ذلك في جميع الأجهزة. ولا يزال العلم الحديث يطلعنا في كلّ يوم على آية من آيات الله في النفس البشريّة ، ممّا يزيد المؤمن إيمانا إذا تدبّر آيات الله في الأكوان والأبدان ، وفي كلّ ما خلق الله ، لا إله إلّا هو.

١٩٦

وهي في السماء ؛ والنار في الأرض.

قوله : (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) : أقسم بنفسه (إِنَّهُ لَحَقٌّ) : أي إنّ هذا القرآن لحقّ (مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) (٢٣) : أي كما أنّكم تنطقون.

قوله : (هَلْ أَتاكَ) : أي قد أتاك (١) (حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ) (٢٤) : أي عند الله بالمنزلة والقربة ، يعني الملائكة الذين نزلوا به ، فبشّروه بإسحاق ، وجاءوا بعذاب قوم لوط.

قال تعالى : (إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ) : أي في صورة آدميّين (فَقالُوا سَلاماً) : أي سلّموا عليه (قالَ سَلامٌ) : أي ردّ عليهم (قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) (٢٥) : أي أنكرهم حين لم يأكلوا من طعامه (٢).

قال تعالى : (فَراغَ إِلى أَهْلِهِ) : أي فمال إلى أهله (فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ) (٢٦). وهذا قبل أن ينكرهم (فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ) : حنيذا مشويّا ، فلم يأكلوه. (قالَ أَلا تَأْكُلُونَ) (٢٧) : قال : (فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ) (٢٨) : أي إسحاق (٣). قال تعالى : (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ) : أي رنة ، أي : صيحة (فَصَكَّتْ وَجْهَها) : أي جبهتها بكفّها اليمنى تعجّبا بما بشّروها به (وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ) (٢٩) : أي كيف تلد وهي عجوز عقيم ، أي : عاقر. وقالوا لها في آية أخرى : (أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ) [هود : ٧٣].

(قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ) : أي إنّك تلدين غلاما اسمه إسحاق (إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ) في أمره (الْعَلِيمُ) (٣٠) بخلقه.

(قالَ) إبراهيم (فَما خَطْبُكُمْ) : أي ما أمركم (أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٣١) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ) (٣٢) : أي مشركين ، يعنون قوم لوط.

__________________

(١) قال الفرّاء في المعاني ، ج ٣ ص ٨٦ : «وقوله : (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ) لم يكن علمه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتّى أنزله الله عليه».

(٢) وقيل : أنكرهم للسلام الذي حيّوه به ، وهو قول له حظّ من النظر لأنّهم لم يأكلوا بعد.

(٣) قال بعض المفسّرين : «أي : يبلغ ويعلم». وقال الفرّاء في المعاني ، ج ٣ ص ٨٦ : «إذا كبر ، وكان بعض مشيختنا يقول : إذا كان العلم منتظرا لمن يوصف به قلت في العليم إذا لم يعلم : إنّه لعالم عن قليل وفاقه ، وفي السيّد : سائد ، والكريم : كارم. والذي قال حسن. وهذا كلام عربيّ حسن ، قد قاله الله في (عليم) ، و (حليم) و (ميّت)».

١٩٧

(لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ) (٣٣). وقال في آية أخرى : (حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ) [هود : ٨٢] وهي بالفارسيّة أوّلها حجر وآخرها طين سيدوكل. وقال في هذه (حِجارَةً مِنْ طِينٍ).

قال تعالى : (مُسَوَّمَةً) : أي معلّمة ، أي : إنّها من حجارة العذاب ، وليست من حجارة الدنيا. كان في كلّ حجر منها مثل الطابع. قال تعالى : (عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ) (٣٤) : أي للمشركين.

قال : (فَأَخْرَجْنا) : أي فأنجينا (مَنْ كانَ فِيها) : أي في قرية لوط (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٣٥) فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (٣٦) : أي أهل بيت لوط ، أي في القرية (١) ، ومن كان معه من المؤمنين.

قال تعالى : (وَتَرَكْنا فِيها) : أي في إهلاكنا إيّاها.

(آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ) (٣٧) : أي فيحذرون أن ينزل بهم ما نزل بهم.

قال عزّ من قائل : (وَفِي مُوسى) : [أي : وتركنا في أمر موسى] (٢) (إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) (٣٨) : أي بحجّة بيّنة (فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ) : أي بقومه. وقال الكلبيّ : بجنوده (وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) (٣٩) : يعني موسى.

قال تعالى : (فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ) : أي في البحر ، أي : أغرقناهم في البحر (وَهُوَ مُلِيمٌ) (٤٠) : أي وهو مذنب (٣) ، يعني فرعون ، وذنبه الشرك ، وهو الذنب العظيم.

قال عزّ من قائل : (وَفِي عادٍ) : [أي وتركنا في عاد أيضا آية] (٤) (إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ) (٤١) : أي التي لا تلقح سحابا ولا شجرا ، وهي الدّبور.

__________________

(١) كذا في. ق وع : «أي : في القرية» ، وهو الصحيح ، فهو تفسير لقوله : (فَما وَجَدْنا فِيها) أي في القرية. وجاء في ز ، ورقة ٣٣٨ : «في القرابة» ، وفي الكلمة تصحيف ولا شكّ.

(٢) زيادة من ز ، ورقة ٣٣٨.

(٣) قال ابن أبي زمنين : «يقال ألام الرجل إذا أتى بذنب يلام عليه». وقال الفرّاء في المعاني ، ج ٣ ص ٨٧. «أتى باللائمة ، وقد ألام».

(٤) زيادة من ز ، ورقة ٣٣٨.

١٩٨

(ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ) : أي ممّا مرت به ، وهذا إضمار.

(إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) (٤٢) : أي : كرميم الشجر (١).

(وَفِي ثَمُودَ) : وهي مثل الأولى (إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ) (٤٣) : أي إلى حين ، أي : إلى آجالكم بغير عذاب إن آمنتم ، وإن عصيتم عذّبتم. كقول نوح عليه‌السلام : (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (٣) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) [نوح : ٣ ـ ٤] فتموتوا من غير عذاب إن آمنتم.

قال تعالى : (فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ) : أي تركوا أمر ربّهم ، أي : عصوه.

(فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ) : أي العذاب ، وهو الفزع. قال تعالى : (وَهُمْ يَنْظُرُونَ) (٤٤) : أي العذاب. (فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ) : أي يذهبون فيه إلى حوائجهم (٢).

(وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ) (٤٥) : أي ممتنعين.

(وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ) : أي من قبل عاد (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) (٤٦) : يعني فسق الشرك.

قوله عزوجل : (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ) : أي بقوّة. وقال تعالى في آية أخرى : (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) (١١) [فصّلت : ١١].

قوله : (وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) (٤٧) : أي : في الرزق.

قال عزّ من قائل : (وَالْأَرْضَ فَرَشْناها) : مثل قوله : (جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً) [البقرة : ٢٣] ومهادا ، وبساطا. قال عزّ من قائل : (فَنِعْمَ الْماهِدُونَ) (٤٨).

قال عزوجل : (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ) : تفسير الحسن : السماء والأرض ، والجنّة والنار ، والليل والنهار ، والصيف والشتاء ، وكلّ اثنين فالواحد منه زوج. وتفسير الكلبيّ :

__________________

(١) قال الفرّاء في المعاني ، ج ٣ ص ٨٨ : «والرميم نبات الأرض إذا يبس وديس ، فهو رميم».

(٢) كذا في ق وع ، وفي ز ، ورقة ٣٣٩ : «فما أطاقوا أن يقوموا للعذاب» ، والقول للسدّيّ. وهو ما ذهب إليه ابن قتيبة في تأويل الآية : قال في تفسير غريب القرآن ، ص ٤٢٢ : «أي : ما استطاعوا أن يقوموا لعذاب الله».

١٩٩

(وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ) أي : الذكر والأنثى.

قال عزوجل : (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (٤٩) : أي لكي تذّكّروا فتعلموا أنّ الذي خلق هذه الأشياء واحد ، جعلها لكم تذكرة لتعبدوه (١).

قال عزوجل : (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ) : أي : إلى دين الله ، أمر الله النبيّ عليه‌السلام أن يقولها لهم. قال : (إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) (٥٠) : أي إنّه يعذّبكم إن كفرتم. (وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) (٥١).

قوله عزوجل : (كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) : أي من قبل قومك يا محمّد ، أي هكذا ما أتى الذين من قبلهم (مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) (٥٢) : كما قالوا لك.

(أَتَواصَوْا بِهِ) : على الاستفهام ، أي : لم يتواصوا به ، لأنّ الأمّة الأولى لم تدرك الأمّة الأخرى ، أهلكهم الله بالعذاب ، ثمّ أبقى الأخرى بعدهم.

قال عزوجل : (بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) (٥٣) : أي مشركون ، وهو من الطغيان.

قوله عزوجل : (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) : أي فأعرض عنهم. وهذا قبل أن يؤمر بقتالهم (فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ) (٥٤) : أي في الحجّة ، فقد أقمتها عليهم.

(وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) (٥٥) : أي إنّما يقبل التذكرة المؤمنون.

قوله عزوجل : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (٥٦) : تفسير ابن عبّاس : إلّا ليقرّوا لي بالعبوديّة.

قال بعضهم : كقوله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ) [الزخرف : ٨٧].

وتفسير الحسن : على ابتلاء ؛ كقوله عزوجل : (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً (٢) إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ) أي : بصّرناه سبيل الهدى وسبيل الضلالة (إِمَّا شاكِراً) أي : مؤمنا (وَإِمَّا كَفُوراً) (٣) [الإنسان : ٢ ـ ٣] أي : مشركا أو منافقا.

__________________

(١) كذا في ق وع ، وفي ز ، ورقة ٣٣٩ : «لكي تذكروا فتعلموا أنّ الذي خلق هذه الأشياء واحد صمد ، جعلها لكم آية فتعتبروا».

٢٠٠