موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام - ج ٤

باقر شريف القرشي

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام - ج ٤

المؤلف:

باقر شريف القرشي


المحقق: مهدي باقر القرشي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية
الطبعة: ٢
ISBN: 964-94388-6-3
الصفحات: ٢٧٧

مع خصومه واعدائه

٢٤١
٢٤٢

وامتحن إمام المتّقين كأشد ما يكون الامتحان وأقساه من أعدائه وخصومه الذين تمرّدوا على الحقّ ، وحالوا بين الإمام وبين ما يرومه من الاصلاح الاجتماعي ، وتطبيق العدالة الكبرى على حياة الناس ، وهذه كوكبة من أدعيته عليهم :

دعاؤه عليه‌السلام

على قريش

أمّا قريش فهي من ألدّ أعداء الإمام عليه‌السلام ، فقد أترعت نفوسهم بالحقد والكراهية له ، وقد ناجزوه كما ناجزوا أخاه ، وابن عمّه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قبل ، وقد دعا عليهم الإمام بهذا الدعاء :

اللهمّ إنّي أستعديك (١) على قريش ، فإنّهم قطعوا رحمي ، وغصبوني حقّي ، وأجمعوا على منازعتي أمرا كنت أولى به ، ثمّ قالوا : ألا إنّ في الحقّ أن تأخذه ، ومن الحقّ أن تتركه (٢).

لقد جهدت قريش وعملت بكلّ ما تملك من الوسائل على إقصاء الإمام عليه‌السلام

__________________

(١) استعديك أي أستعين بك ، وأطلب منك النصر.

(٢) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ٤ : ١٠٤.

٢٤٣

عن الحكم ، وقد أعلن أحد أعمدتهم ـ بعد وفاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ عن تصميم القريشيّين على إبعاد الإمام عن قيادة الأمّة ، فقد قال : أبت قريش أن تجتمع النبوة والخلافة في بيت واحد ، لقد اقترفت قريش بما صنعته أعظم الموبقات ، وأخلدت للمسلمين الخطوب والكوارث ، وألقتهم في شرّ عظيم.

دعاؤه عليه‌السلام

على قريش أيضا

وللإمام عليه‌السلام دعاء آخر على قريش التي أجمعت على هضمه وظلمه ، وهو :

اللهمّ إنّي أستعديك على قريش فإنّهم قطعوا رحمي ، وأصغوا إنائي (١) ، وصغّروا عظيم منزلتي ، وأجمعوا على منازعتي (٢).

__________________

(١) أصغى : أي مال.

(٢) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ٤ : ١٠٣.

٢٤٤

دعاؤه عليه‌السلام

على طلحة والزبير

وسارعت القوّات المسلّحة بعد إجهازها على عثمان إلى مبايعة الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، كما بادر إلى مبايعته طلحة والزبير ، وكانا يرومان أن يشاركهما الإمام في الحكم ، ويوليهما المناصب الحسّاسة في الدولة ، ليتّخذا من ذلك وسيلة إلى الثراء العريض ، والاستعلاء على المسلمين ، إلاّ أنّ الإمام لم يحقّق أي شيء من أطماعهما لأنّه قد تبنّى العدل الخالص والحقّ المحض ، ويرى أنّ الحكم ليس مغنما ، وإنّما هو من أهمّ الوسائل للإصلاح الاجتماعي والنهوض بالامّة إلى أرقى المستويات ، ولما خابت آمال طلحة والزبير أعلنا التمرّد ، والعصيان المسلّح ، واغريا عائشة زوجة الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فجعلاها واجهة لهم في تبرير خروجهم على حكومة الإمام ، وقد رفعا شعار المطالبة بدم عثمان عميد الأسرة الأموية الذي أجهز عليه خيار المسلمين ، فكانت واقعة الجمل التي اريق فيها أنهار من دماء المسلمين وشاع في ربوع البصرة وغيرها الثكل والحزن والحداد.

وعلى أي حال فقد دعا الإمام عليه‌السلام على طلحة والزبير بهذا الدعاء :

اللهمّ إنّ طلحة بن عبيد الله أعطاني صفقة يمينه طائعا ، ثمّ نكث بيعتي ، اللهمّ فعاجله ولا تمهله. اللهمّ وإنّ الزّبير بن العوّام قطع قرابتي ، ونكث عهدي ، وظاهر عدوّي ، وهو يعلم أنّه ظالم لي ، فاكفنيه كيف شئت ، وأنّى شئت (١).

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب ٢ : ١١٢.

٢٤٥

واستجاب الله دعاء الإمام عليه‌السلام فقد سقطا قتيلين في أسوأ معركة ليس فيها بصيص من الشرف والكرامة ، فقد استخدمت لإسقاط حكومة الإمام التي هي أمل الشعوب الإسلامية ، ورائدة نهضتها الفكرية والاجتماعية.

٢٤٦

دعاؤه عليه‌السلام

على بسر بن أرطأة

أمّا بسر بن أرطأة فهو مجرم إرهابي أسند إليه معاوية بن هند فرقة من جيشه ، وعهد إليه بغزو البلاد الخاضعة لحكومة الإمام وإشاعة القتل والرعب والفزع بين أهلها.

وسار بسر بجيشه نحو اليمن فاحتلّها ، وقد اقترف فيها أفظع الجرائم وأشدّها فحشا ونكرا ، فقتل الأبرياء ، وسبى النساء ، وأجهز على طفلين لعبيد الله بن العبّاس والي اليمن ، وقد أنكرت عليه إحدى سيّدات اليمن ، فقالت له : إنّ سلطانا لا يقوم إلاّ بقتل الأطفال والعجز لسلطان سوء.

ولما علم الإمام عليه‌السلام بالمآسي والنكبات التي حلّت بأهل اليمن بلغ به الحزن أقصاه ، ودعا على بسر بهذا الدعاء :

اللهمّ إنّ بسرا باع دينه بالدّنيا ، وانتهك محارمك ، وكانت طاعة مخلوق فاجر آثر عنده ممّا عندك.

اللهمّ فلا تمته حتّى تسلبه عقله ، ولا توجب له رحمتك ، ولا ساعة من نهار.

اللهمّ العن بسرا وعمرا ومعاوية ، وليحلّ عليهم غضبك ، ولتنزل بهم نقمتك ، وليصبهم بأسك ورجزك الّذي لا تردّه عن القوم المجرمين (١).

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب ١ : ٤٣٤. الغدير ١١ : ٢٨.

٢٤٧

واستجاب الله تعالى دعاء الإمام عليه‌السلام في بسر فقد سلب الله عقله ، وتركه هائما على وجهه في الأزقّة والشوارع تلاحقه الصبيان بالحجارة قد خرقت ثيابه ، وعلته الأوساخ ، وعذاب الله أشدّ في حشره ونشره.

٢٤٨

دعاؤه عليه‌السلام

على الخوارج

وكان من أقسى وأفجع ما امتحن به الإمام عليه‌السلام تمرّد الخوارج وعصيانهم المسلّح في وقت كتب للعالم الإسلامي تقرير مصيره ، وفتح آفاق مشرقة له ، فقد أشرف جيش الإمام عليه‌السلام على الفتح وبدت طلائع النصر واضحة ، ولم يبق إلاّ مقدار فواق ناقة للاستيلاء على خصم الإسلام ، وعدوّه الألدّ معاوية بن أبي سفيان ، ففي تلك الفترات الحاسمة رفع جيش معاوية المصاحف على الرماح داعين إلى تحكيم القرآن مكيدة منهم ، وممّا لا ريب فيه أنّ معاوية لم يؤمن بالقرآن ، ولا بالرسول ، وإنّما هو على جاهليّته الاولى التي آمن بها.

وعلى أي حال فقد خدع بدعوة التحكيم فرقة من أقوى الفرق في جيش الإمام وأحاطوا به من كلّ جانب ، وهم يهتفون بالتحكيم ، ويدعون إلى إيقاف القتال ، وإلاّ ناجزوه الحرب ، فاضطرّ إلى إجابتهم ، ولم يجد بدّا من مسايرتهم ، فقد مني بانقلاب عسكري لا طاقة له بمقاومته ، وحدثت بعد ذلك شئون مروعة تركت الإمام الممتحن في أرباض الكوفة يدعو جيشه فلا يستجيب له ولا يلتفت إليه ، وقد دعا عليه‌السلام على هذه الفرقة الضالّة بهذا الدعاء :

اللهمّ ربّ البيت المعمور ، والسّقف المرفوع ، والبحر المسجور ، والكتاب المسطور ، أسألك الظّفر على هؤلاء الّذين نبذوا كتابك وراء ظهورهم ، وفارقوا أمّة أحمد عليه‌السلام عتوّا عليك (١).

__________________

(١) قرب الإسناد : ٨. بحار الأنوار ٣٣ : ٣٨٢.

٢٤٩

دعاؤه عليه‌السلام

على الخوارج أيضا

وللإمام عليه‌السلام دعاء آخر على الخوارج رواه الإمام الصادق عليه‌السلام ، وهذا نصّه :

اللهمّ إنّك أعلنت سبيلا من سبلك فجعلت فيه رضاك ، وندبت إليه أولياءك ، وجعلته أشرف سبلك عندك ثوابا ، وأكرمها لديك مآبا ، وأحبّها إليك مسلكا ، ثمّ اشتريت فيه من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنّة ، يقاتلون في سبيلك ، فيقتلون ويقتلون وعدا عليك حقّا ، فاجعلني ممّن اشترى فيه منك نفسه ، ثمّ وفى ببيعك الّذي بايعك عليه ، غير ناكث ، ولا ناقض عهدا ، ولا مبدّل تبديلا ، إلاّ استنجازا لموعودك ، واستيجابا لمحبّتك وتقرّبا به إليك ... فصلّ على محمّد وآله ، واجعله خاتمة عملي ، وارزقني فيه لك وبك ، مشهدا توجب لي به الرّضا ، وتحطّ عنّي به الخطايا ، واجعلني في الأحياء المرزوقين بأيدي العداة العصاة ، تحت لواء الحقّ ، وراية الهدى ماض على نصرتهم قدما غير مولّ دبرا ولا محدث شكّا ، وأعوذ بك عند ذلك من الذّنب المحبط للأعمال (١).

وتجلّى في هذا الدعاء مدى إخلاص الإمام عليه‌السلام للحقّ ، وتفانيه في طلب مرضاة الله تعالى ، كما تجلّت فيه روعة البيان وجمال التعبير وجودة السبك.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٨١.

٢٥٠

دعاؤه عليه‌السلام

على بعض أعدائه

كان الإمام عليه‌السلام يدعو على بعض أعدائه وخصومه بهذا الدعاء :

اللهمّ إنّي أعوذ بك أن اعادي لك وليّا ، أو اوالي لك عدوّا ، أو أرضى لك سخطا أبدا.

اللهمّ من صلّيت عليه فصلواتنا عليه ، ومن لعنته فلعنتنا عليه.

اللهمّ من كان في موته فرج لنا ولجميع المؤمنين فأرحنا منه ، وأبدلنا به من هو خير لنا منه ، حتّى ترينا من علم الإجابة ما نعرفه في أدياننا ومعايشنا يا أرحم الرّاحمين (١).

وقد حكي هذا الدعاء مدى انقياد الإمام لله تعالى ، فهو يحب من يحبّه الله ، ويعادي من يعاديه الله ، فقد سار على هذا الخطّ منذ أن عرف الحياة حتى توفّاه الله.

__________________

(١) الصحيفة العلوية الاولى : ٣١.

٢٥١

دعاؤه عليه‌السلام

على المتخاذلين عن نصرته

وسئم الإمام عليه‌السلام كأشدّ ما يكون السّأم من المجتمع الذي عاش فيه فقد نكص معظمهم عن نصرته ، والجهاد معه لإحقاق الحقّ وتدمير الباطل. استمعوا إلى هذا الدعاء الذي يحكي آلامه وآهاته :

اللهمّ أيّما عبد من عبادك سمع مقالتنا العادلة غير الجائرة ، والمصلحة في الدّين والدّنيا غير المفسدة ، فأبى بعد سمعه لها إلاّ النكوص عن نصرتك والإبطاء على إعزاز دينك ، فإنّا نستشهدك عليه بأكبر الشّاهدين شهادة ، ونستشهد عليه جميع ما أسكنته أرضك وسماواتك ، ثمّ أنت بعد الغنيّ عن نصره ، والآخذ له بذنبه (١).

هذه بعض أدعيته التي كان يدعو بها على خصومه وأعدائه الذين جرّعوه نغب التهمام ، وناجزوه كما ناجزوا أخاه وابن عمّه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

__________________

(١) الصحيفة العلوية الاولى : ٢٥٢.

٢٥٢

في ساحات الحروب والمعارك

٢٥٣
٢٥٤

ليس في دنيا الإسلام بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من يضارع الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام في تقواه وورعه ، وشدّة اتّصاله بالله تعالى فقد كان على إيمان وثيق به ، فلم يعمل أي عمل إلاّ خالصا لله تعالى ، وكان في سلمه ، وفي ساحات الحروب يلهج بذكر الله ودعائه ، فقد تعلّق به ، وانقطع إليه ، وانطوت سريرته على حبّه.

ومن المقطوع به أنّه لم ينازل الإمام الأبطال والشجعان في ميادين الحروب إلاّ طلبا لمرضاة الله ، وإحياء لدينه ، وإقامة لفرائضه ، ودحضا لأعدائه. استمعوا لأدعيته في حروبه :

ادعيته عليه‌السلام

في حرب الجمل

أمّا حرب الجمل فقد أثارتها القوى المعادية للإصلاح الاجتماعي ، وعلى رأسها القرشيون الحاقدون على الإمام عليه‌السلام والمناهضون لسياسته الهادفة إلى تحقيق مجتمع أفضل تسوده العدالة الإسلامية ، فهبّوا في وجه الإمام مناجزين ومناهضين له ، وفي طليعتهم الزبير وطلحة وعائشة بنت أبي بكر ، وكان شعارهم المطالبة بدم عثمان ، وهو شعار كاذب فقد كان لهم ولعائشة ضلع في قتله.

وعلى أي حال فقد احتلّت قواتهم العسكرية البصرة ، وحينما علم الإمام توجّه بجيشه للقضاء على هذا التمرّد الذي يهدّد الدولة الإسلامية ولنستمع إلى أدعيته حين دخوله البصرة وفي ساحة المعركة.

٢٥٥

دعاؤه عليه‌السلام

في البصرة

وحينما انتهى الإمام عليه‌السلام إلى البصرة دعا بهذا الدعاء بعد أن صلّى أربع ركعات ، وعفّر خديه بالتراب ، ورفع يديه قائلا :

اللهمّ ربّ السّماوات وما أظلّت ، والأرضين وما أقلّت ، وربّ العرش العظيم ، هذه البصرة أسألك من خيرها ، وأعوذ بك من شرّها. اللهمّ أنزلنا فيها خير منزل ، وأنت خير المنزلين.

اللهمّ إنّ هؤلاء القوم قد خلعوا طاعتي ، وبغوا عليّ ونكثوا بيعتي. اللهمّ احقن دماء المسلمين (١).

وأوعز الإمام عليه‌السلام إلى جيشه أن لا يبدءوهم بقتال حفظا لإراقة الدماء إلاّ أنّ القوم لم يحفلوا بذلك ، فقتلوا بعض أصحاب الإمام ، فلم يجد بدّا من مناجزتهم.

دعاؤه عليه‌السلام

قبل الحرب

وقبل أن تندلع نار الحرب خرج الإمام الممتحن حتى وقف بين الصفّين ورفع

__________________

(١) مروج الذهب ٢ : ٣٧٠.

٢٥٦

يديه نحو السماء ، ودعا بهذا الدعاء :

يا خير من افضت إليه القلوب ، ودعي بالألسن ، يا حسن البلاء ، يا جزيل العطاء ، احكم بيننا وبين قومنا بالحقّ ، وأنت خير الحاكمين (١).

دعاؤه عليه‌السلام

لمّا أصرّ القوم على الحرب

ولمّا أصر حزب عائشة على القتال رأى الإمام أن يدعوهم إلى السلم وعدم إراقة الدماء فبعث إليهم فتى من خيرة جيشه فخرج وقد نشر القرآن الكريم ، وعرض عليهم الرجوع إليه ، فردّت عليه عائشة قائلة لجندها : اشجروه بالرماح ، فبادروا إليه ، وطعنوه من كلّ جانب ، وسقط إلى الأرض جثّة هامدة ، فرفع الإمام يديه إلى السماء ، وقال :

اللهمّ إليك شخصت الأبصار ، وبسطت الأيدي ، وأفضت القلوب ، وتقرّب إليك بالأعمال ، ربّنا افتح بيننا وبين قومنا بالحقّ وأنت خير الفاتحين (٢).

دعاؤه عليه‌السلام

في ساحة الحرب

ولمّا فشلت جميع دعوات الإمام إلى السلم ، خرج إلى ساحة الحرب ودعا

__________________

(١) نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة ـ باب الدعاء : ٢٩٤.

(٢) كتاب الجمل : ١٨٢.

٢٥٧

بهذا الدعاء :

اللهمّ إنّك أعلمت سبيلا من سبلك جعلت فيه رضاك ، وندبت إليه أولياءك ، وجعلته أشرف سبلك عندك ثوابا ، وأكرمها لديك مآبا ، وأحبّها إليك مسلكا ، ثمّ اشتريت فيه من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنّة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليك حقّا. فاجعلني ممّن اشترى فيه منك نفسه ، ثمّ وفى لك ببيعه الّذي بايعك عليه ، غير ناكث ولا ناقض عهده ، ولا مبدّل تبديلا ، بل استيجابا لمحبّتك وتقرّبا به إليك ، فاجعله خاتمة عملي ، وصيّر فيه فناء عمري ، وارزقني فيه مشهدا توجب لي به منك الرّضا ، وتحطّ به عنّي الخطايا ، وتجعلني في الأحياء المرزوقين بأيدي العداة والعصاة ، تحت لواء الحقّ وراية الهدى ، ماضيا على نصرتهم قدما ، غير مولّ دبرا ، ولا محدث شكّا.

اللهمّ وأعوذ بك عند ذلك من الجبن عند موارد الأهوال ، ومن الضّعف عند مساورة الأبطال ، ومن الذّنب المحبط للأعمال ، فأحجم من شكّ ، أو أمضي بغير يقين ، فيكون سعيي في تباب ، وعملي غير مقبول (١).

وحكى هذا الدعاء مدى إخلاص الإمام وطاعته إلى الله ، ورغبته الملحّة في الشهادة ، طالبا مرضاة الله تعالى ، غير ناكث عهده ، ولا مبدّل لكلماته.

__________________

(١) بحار الأنوار ٣٣ : ٤٥٢.

٢٥٨

ادعيته عليه‌السلام

في صفّين

وأعقبت حرب الجمل تمرّد معاوية على حكومة الإمام فقد فتحت له الأبواب لإعلان عصيانه المسلّح ناشرا لقميص عثمان مكيدة وإغراء للبسطاء الذين تلوّنهم الدعاية كيفما شاءت.

لقد ابتلي الإمام كأشدّ ما يكون البلاء وأقساه بمعاوية الذي ما آمن بالله طرفة عين ، والتفّت حوله الرأسمالية القرشية التي أبت أن تجتمع النبوّة والخلافة في بيت واحد ، وقد قوى أمر معاوية ، واستحكم سلطانه ، فقد أمدّه الخليفة الثاني والثالث بجميع مقوّمات القوّة ، وزادا في رقعة سلطانه ونفوذه ، ويقول المؤرّخون : إنّ الخليفة الثاني كان يحاسب جميع عمّاله وولاته إلاّ معاوية ، وكان يقول فيه : هذا كسرى العرب! وعلى أي حال فالملتقى عند الله ، وهو الذي يحاسب عباده على ما اقترفوه في هذه الدنيا من شرّ ، وما ألحقوه بالامّة من الفتن والويلات.

لقد زحف معاوية بجيشه لمحاربة وصيّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وباب مدينة علمه كما خرج أبوه في واقعة احد وغيرها لمحاربة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لمّا علم الإمام عليه‌السلام بخروجه لإسقاط حكومته زحف إليه بجيشه ، وأثرت عنه من الأدعية ما يلي :

٢٥٩

دعاؤه عليه‌السلام

في شخوصه لحرب معاوية

ولمّا أراد الإمام عليه‌السلام الشخوص إلى حرب معاوية دعا بدابّته فلمّا جلس عليها قال :

( سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ، وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ. )

ثمّ قال : اللهمّ إنّي أعوذ بك من وعثاء السّفر ، وكآبة المنقلب ، والحيرة بعد اليقين ، وسوء المنظر في الأهل والمال والولد.

اللهمّ أنت الصّاحب في السّفر ، والخليفة في الأهل ، ولا يجمعهما غيرك لأنّ المستخلف لا يكون مستصحبا ، والمستصحب لا يكون مستخلفا (١).

دعاؤه عليه‌السلام

في مسيره إلى الشام

ولمّا سارت جيوشه من النخيلة إلى الشام دعا عليه‌السلام بهذا الدعاء :

الحمد لله كلّما وقب ليل وغسق (٢) ، والحمد لله غير مفقود الإنعام ،

__________________

(١) كتاب صفّين : ٢٣٢.

(٢) غسق الليل : اشتدّت ظلمته.

٢٦٠