موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام - ج ٤

باقر شريف القرشي

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام - ج ٤

المؤلف:

باقر شريف القرشي


المحقق: مهدي باقر القرشي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية
الطبعة: ٢
ISBN: 964-94388-6-3
الصفحات: ٢٧٧

المبتدئ بالنعم والمتكرّم بالإحسان مع جهل العباد وتعدّيهم لحدوده ومخالفتهم لأوامره ، ومن بنود هذا الدعاء قوله :

اللهمّ فهذا مقام المعترف لك بالتّقصير عن أداء حقّك ، الشّاهد على نفسه بسبوغ نعمتك وحسن كفايتك ، فهب لي اللهمّ يا إلهي ما أصل به إلى رحمتك ، وأتّخذه سلّما أعرج فيه إلى مرضاتك ، وآمن به من عقابك فإنّك تفعل ما تشاء وتحكم ما تريد وأنت على كلّ شيء قدير.

اللهمّ حمدي لك متواصل ، وثنائي عليك دائم من الدّهر إلى الدّهر ، بألوان التّسبيح ، وفنون التّقديس ، خالصا لذكرك ومرضيّا لك بناصع التّوحيد ، ومحض التّحميد ، وطول التّعديد في إكذاب أهل التّنديد ، لم تعن في شيء من قدرتك ، ولم تشارك في إلهيّتك ، ولم تعاين إذ حبست الأشياء على الغرائز المختلفات ، وفطرت الخلائق على صنوف الهيئات ، ولاخرقت الأوهام حجب الغيوب إليك ، فاعتقدت منك محدودا في عظمتك ، ولا كيفيّة في أزليّتك ، ولا ممكنا في قدمك ، فلا يبلغك بعد الهمم ، ولا ينالك غوص الفطن ، ولا ينتهي إليك نظر النّاظرين في مجد جبروتك ، وعظيم قدرتك ، ارتفعت عن صفة المخلوقين صفة قدرتك ، وعلا عن ذلك كبرياء عظمتك ، ولا ينتقص ما أردت أن يزداد ، ولا يزداد ما أردت أن ينتقص ولا أحد شهدك حين فطرت الخلق ، ولا ضدّ حضرك حين برأت النّفوس ، كلّت الألسن عن تبيين صفتك ، وانحسرت العقول عن كنه معرفتك ، وكيف تدركك الصّفات ، أو تحويك الجهات ، وأنت الجبّار القدّوس الّذي لم تزل أزليّا دائما في الغيوب ، وحدك ليس فيها غيرك ، ولم يكن لها سواك

١٨١

حارت في ملكوتك عميقات مذاهب التّفكير ، وحسر عن إدراكك بصر البصير ، وتواضعت الملوك لهيبتك ، وعنت الوجوه بذلّ الاستكانة لعزّتك ، وانقاد كلّ شيء لعظمتك ، وأستسلم كلّ شيء لقدرتك ، وخضعت الرّقاب لسلطانك ، وضلّ هنالك التّدبير في تصاريف الصّفات لك ، فمن تفكّر في ذلك رجع طرفه إليك حسيرا ، وعقله مبهوتا مبهورا ، وفكره متحيّرا ...

عرض إمام المتّقين في بداية هذا المقطع إلى تقديس الله وتعظيمه وتمجيده بجميع ما تحتوي عليه هذه الكلمات من أبعاد ثمّ عرض إلى عظيم قدرة الله تعالى التي لا تحد ولا توصف ، وإلى بعض صفاته التي يقف الفكر أمامها حائرا وهو حسير لا يصل إلى معرفة كنهها والإحاطة بها ، ثمّ يأخذ الإمام عليه‌السلام في دعائه قائلا :

اللهمّ فلك الحمد متواترا متواليا متّسقا مستوثقا ، يدوم ولا يبيد غير مفقود في الملكوت ، ولا مطموس في العالم ، ولا منتقص في العرفان ، ولك الحمد حمدا لا تحصى مكارمه في اللّيل إذا أدبر ، وفي الصّبح إذا أسفر ، وفي البرّ والبحر ، وبالغدوّ والآصال ، والعشيّ والإبكار ، والظّهيرة والأسحار.

وأعرب الإمام عليه‌السلام في هذه الكلمات عن حمده المتّصل لله تعالى وثنائه عليه ، ثناء لا ينقطع في جميع الأوقات ، ويقول عليه‌السلام :

اللهمّ بتوفيقك قد أحضرتني النّجاة ، وجعلتني منك في ولاية العصمة ، ولم تكلّفني فوق طاقتي إذ لم ترض عنّي إلاّ بطاعتي ، فليس شكري ، وإن دأبت منه في المقال ، وبالغت منه في الفعال ببالغ أداء حقّك ، ولا مكاف فضلك لأنّك أنت الله الّذي لا إله إلاّ أنت لم تغب عنك غائبة ، ولا تخفى عليك خافية ، ولا تضلّ لك في

١٨٢

ظلم الخفيّات ضالّة ، إنّما أمرك إذا أردت شيئا أن تقول له كن فيكون.

حكى هذا المقطع ما حضي به الإمام عليه‌السلام من توفيق الله تعالى له ، ومنّه عليه بأن جعله في ولاية العصمة من الرجس والآثام وأنّه عليه‌السلام عاجز عن أداء هذه الألطاف التي أسدها الله عليه ، ثمّ يقول :

اللهمّ لك الحمد مثل ما حمدت به نفسك وحمدك به الحامدون ، ومجّدك به الممجّدون ، وكبّرك به المكبّرون ، وعظّمك به المعظّمون حتّى يكون لك منّي وحدي في كلّ طرفة عين وأقلّ من ذلك مثل حمد جميع الحامدين ، وتوحيد أصناف الموحّدين ، وتقديس أحبّائك العارفين ، وثناء جميع المهلّلين ، ومثل ما أنت عارف به ، ومحمود به من جميع خلقك من الحيوان والجماد ، وأرغب إليك ، اللهمّ في شكر ما أنطقتني به من حمدك ، فما أيسر ما كلّفتني به من ذلك ، وأعظم ما وعدتني على شكرك ، ابتدأتني بالنّعم فضلا وطولا ، وأمرتني بالشّكر حقّا وعدلا ، ووعدتني عليه أضعافا ومزيدا ، وأعطيتني من رزقك اعتبارا وامتحانا ، وسألتني منه فرضا يسيرا صغيرا ، ووعدتني عليه أضعافا ومزيدا ، وإعطاء كثيرا ، وعافيتني من جهد البلاء ، ولم تسلمني للسّوء من بلائك ، ومنحتني العافية ، وأوليتني بالبسطة والرّخاء ، وضاعفت لي الفضل مع ما وعدتني به من المحلّة الشّريفة ، وبشّرتني به من الدّرجة العالية الرّفيعة المنيعة ، واصطفيتني بأعظم النّبيّين دعوة وأفضلهم شفاعة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وفي هذه البنود المشرقة من دعائه عليه‌السلام الثناء على الله تعالى مثل ما أثنى تعالى على نفسه العظيمة ، وتمجيد له بمثل ما مجّده المخلصون والأخيار من عباده ، والشكر له على ما أولاه من النعم والألطاف التي لا تحصى ...

١٨٣

ويأخذ الإمام في الدعاء قائلا :

اللهمّ اغفر لي ما لا يسعه إلاّ مغفرتك ، ولا يمحقه إلاّ عفوك ، وهب لي في يومي هذا وساعتي هذه يقينا يهوّن عليّ مصيبات الدّنيا وأحزانها ، ويشوّقني إليك ، ويرغّبني فيما عندك ، واكتب لي المغفرة ، وبلّغني الكرامة ، وارزقني شكر ما أنعمت به عليّ ، فإنّك أنت الله الواحد المبدئ ، البديع السّميع العليم الّذي ليس لأمرك مدفع ، ولا عن قضائك ممتنع ، وأشهد أنّك ربّي وربّ كلّ شيء ، فاطر السّماوات والأرض ، عالم الغيب والشّهادة العليّ الكبير المتعال.

عرض الإمام في هذا المقطع إلى طلب المغفرة من الله تعالى وأن يهبه اليقين الكامل حتى تهون عليه أزمات الدنيا وخطوبها التي ألمّت به وأحاطت به ، كما طلب من الله تعالى أن يهبه الشكر على ما أولاه من النعم ، ويستمر الإمام في دعائه قائلا :

اللهمّ إنّي أسألك الثّبات في الأمر ، والعزيمة في الرّشد ، وإلهام الشّكر على نعمتك ، وأعوذ بك من جور كلّ جائر ، وبغي كلّ باغ ، وحسد كلّ حاسد.

اللهمّ بك أصول على الأعداء ، وإيّاك أرجو ولاية الأحبّاء مع ما لا أستطيع إحصاءه من فوائد فضلك ، وأصناف رفدك ، وأنواع رزقك ، فإنّك أنت الله الّذي لا إله إلاّ أنت الفاشي في الخلق حمدك ، الباسط بالجود يدك ، لا تضادّ في حكمك ، ولا تنازع في سلطانك ، ولا تراجع في أمرك ، تملك من الأنام ما شئت ، ولا يملكون إلاّ ما تريد. اللهمّ أنت المنعم المفضل الخالق القادر القاهر المقدّس في نور القدس ، تردّيت بالعزّة والمجد ، وتعظّمت بالقدرة والكبرياء ، وغشّيت النّور بالبهاء ، وجلّلت البهاء بالمهابة ...

١٨٤

وحوى هذا الدعاء الطلب من الله بتقوية النفس وذلك بثباتها في الأمور والعزيمة في الرشد وغير ذلك ممّا يعود إلى صلاح النفس ، ثمّ حوى هذا المقطع الثناء على الله وتمجيده وتعظيمه ويستمرّ الإمام في دعائه قائلا :

اللهمّ لك الحمد العظيم ، والمنّ القديم ، والسّلطان الشّامخ ، والحول الواسع ، والقدرة المقتدرة ، والحمد المتتابع ، الّذي لا ينفد بالشّكر سرمدا ، ولا ينقضي أبدا إذ جعلتني من أفاضل بني آدم ، وجعلتني سميعا بصيرا صحيحا سويّا معافى لم تشغلني بنقصان في بدني ، ولا بآفة في جوارحي ، ولا عاهة في نفسي ، ولا في عقلي ، ولم يمنعك كرامتك إيّاي وحسن صنعك عندي ، وفضل نعمائك عليّ ، إذ وسّعت عليّ في الدّنيا ، وفضّلتني على كثير من أهلها تفضيلا ، وجعلتني سميعا أعي ما كلّفتني ، بصيرا أرى قدرتك فيما ظهر لي ، واسترعيتني واستودعتني قلبا يشهد بعظمتك ، ولسانا ناطقا بتوحيدك فإنّي لفضلك عليّ حامد ، ولتوفيقك إيّاي بحمدك شاكر ، وبحقّك شاهد ، وإليك في ملمّي ومهمّي ضارع ، لأنّك حيّ قبل كلّ حيّ ، وحيّ بعد كلّ ميّت ، وحيّ ترث الأرض ومن عليها وأنت خير الوارثين.

وحفل هذا المقطع بما أسداه الله على الإمام عليه‌السلام من النعم والألطاف وتفضيله له على سائر الخلق ، وقد قدّم الإمام شكره الله على ما أسداه عليه من جزيل النعم ..

ويقول الإمام في دعائه :

اللهمّ لم تقطع عنّي خيرك في كلّ وقت ، ولم تنزل بي عقوبات النّقم ، ولم تغيّر ما بي من النّعم ، ولا أخليتني من وثيق العصم ، فلو لم أذكر من إحسانك إليّ ، وإنعامك عليّ إلاّ عفوك عنّي والاستجابة لدعائي حين رفعت رأسي بتحميدك لا في تقديرك جزيل حظّي حين وفّرته انتقص ملكك ، ولا في قسمة الأرزاق

١٨٥

حين قتّرت عليّ توفّر ملكك ..

وفي هذا المقطع يطلب الإمام عليه‌السلام أن تستمرّ عليه ألطافه ونعمه ، ولا تنزل عليه عقوبات النقم ، كما حفل هذا المقطع بما أسداه الله تعالى على الإمام من عظيم النعم التي لا تحصى ، ومن بنود هذا الدعاء قوله عليه‌السلام :

اللهمّ لك الحمد عدد ما أحاط به علمك ، وعدد ما أدركته قدرتك ، وعدد ما وسعته رحمتك ، وأضعاف ذلك كلّه ، حمدا واصلا متواترا متوازيا لآلائك وأسمائك.

اللهمّ فتمّم إحسانك إليّ فيما بقي من عمري كما أحسنت فيما منه مضى ، فإنّي أتوسّل إليك بتوحيدك وتهليلك وتمجيدك وتكبيرك وتعظيمك ، وأسألك باسمك الرّوح المكنون ، الحيّ الحيّ الحيّ ، وبه وبه وبه ، وبك ، ألاّ تحرمني رفدك ، وفوائد كرامتك ، ولا تولّني غيرك بك ، ولا تسلمني إلى عدوّي ، ولا تكلني إلى نفسي ، وأحسن إليّ أتمّ الإحسان عاجلا وآجلا ، وحسّن في العاجلة عملي ، وبلّغني فيها أملي وفي الآجلة ، والخير في منقلبي ، فإنّه لا تفقرك كثرة ما يتدفّق به فضلك ، وسيب العطايا من منّك ، ولا ينقص جودك تقصيري في شكر نعمتك ، ولا تجمّ خزائن نعمتك النّعم ، ولا ينقص عظيم مواهبك من سعتك الإعطاء ، ولا يؤثّر في جودك العظيم الفاضل الجليل منحك ، ولا تخاف ضيم إملاق فتكدى ، ولا يلحقك خوف عدم فينتقص فيض ملكك وفضلك ...

طلب الإمام عليه‌السلام في هذه الفقرات أن يتمّ الله عليه نعمه وأن تكون متّصلة بآخر حياته ، وأنّ ذلك لا ينقص من كرمه وجوده وفيضه على عباده ، والفصل الأخير من هذا الدعاء الجليل قوله عليه‌السلام :

١٨٦

اللهمّ ارزقنا قلبا خاشعا ، ويقينا صادقا ، ولسانا ذاكرا ، بالحقّ صادعا ، ولا تؤمني مكرك ، ولا تنسني ذكرك ، ولا تهتك عنّي سترك ، ولا تولّني غيرك ، ولا تقنّطني من رحمتك ، بل تغمّدني بفوائدك ، ولا تمنعني جميل عوائدك ، وكن لي في كلّ وحشة أنيسا ، وفي كلّ جزع حصنا ، ومن كلّ هلكة غياثا ، ونجّني من كلّ بلاء ، واعصمني من كلّ زلل وخطأ ، وتمّم لي فوائدك ، وقني وعيدك ، وأصرف عنّي أليم عذابك ، وتدمير تنكيلك ، وشرّفني بحفظ كتابك ، وأصلح لي ديني ودنياي وآخرتي وأهلي وولدي ووسّع رزقي ، وأدرّه عليّ ، وأقبل عليّ ، ولا تعرض عنّي ، فإنّك لا تخلف الميعاد.

اللهمّ ارفعني ولا تضعني ، وارحمني ولا تعذّبني ، وانصرني ولا تخذلني ، وآثرني ولا تؤثر عليّ ، واجعل لي من أمري يسرا وفرجا ، وعجّل إجابتي ، واستنقذني ممّا قد نزل بي إنّك على كلّ شيء قدير ، وذلك عليك يسير ، وأنت الجواد الكريم وصلّى الله على محمّد وآله الطّاهرين ، وسلّم تسليما كثيرا (١).

وانتهى هذا الدعاء الجليل الذي هو من غرر أدعية إمام المتّقين ، وقد أبدى فيه جميع صنوف التذلّل والخشوع لله تعالى ، كما أبدى فيه أسمى صور التعظيم والتمجيد لله تعالى.

__________________

(١) مهج الدعوات : ١٢٦ ـ ١٣٣.

١٨٧

دعاؤه عليه‌السلام

في الصبر

وأثرت عن الإمام كوكبة من الأدعية في الصبر الذي هو أفضل النزعات النفسية ، وهذه بعضها :

قال عليه‌السلام : « اللهمّ هب لي مع كلّ بليّة صبرا ، ومع كلّ نعمة شكرا ».

قال عليه‌السلام : « اللهمّ إن ابتليتني فصبّرني ، والعافية أحبّ إليّ » (١).

دعاؤه عليه‌السلام

عند كل نازلة

كان الإمام عليه‌السلام إذا ألمّت به نازلة دعا بهذا الدعاء الجليل :

تحصّنت بالملك الحيّ الّذي لا يموت ، واعتصمت بذي العزّة والعدل والجبروت ، واستعنت بذي العظمة والقدرة ، والملكوت عن كلّ ما أخافه وأحذره (٢).

__________________

(١) بحار الأنوار ٢٠ : ٢٩٢.

(٢) الصحيفة العلويّة الثانية : ٧٥.

١٨٨

دعاؤه عليه‌السلام

في دفع الكرب

وكان الإمام عليه‌السلام إذا ألمّ به همّ أو كرب التجأ إلى الله تعالى في دفعه عنه ودعا بهذا الدعاء ، ويقول الرواة : إنّه دعا به في يوم الهرير في صفّين حين اشتدّ الأمر على أوليائه ، وهذا نصّه :

اللهمّ لا تحبّب إليّ ما أبغضت ، ولا تبغّض إليّ ما أحببت.

اللهمّ إنّي أعوذ بك أن أرضى سخطك ، أو أسخط رضاك ، أو أردّ قضاءك ، أو اعدو قولك ، أو أناصح أعداءك ، أو اعدو أمرك فيهم.

اللهمّ ما كان من عمل أو قول يقرّبني من رضوانك ، ويباعدني من سخطك فصبّرني له واحملني عليه يا أرحم الرّاحمين.

اللهمّ إنّي أسألك لسانا ذاكرا ، وقلبا شاكرا ، ويقينا صادقا ، وإيمانا خالصا ، وجسدا متواضعا ، وارزقني منك حبّا ، وأدخل قلبي منك رعبا.

اللهمّ فإن ترحمني فقد حسن ظنّي بك ، وإن تعذّبني فبظلمي وجوري وجرمي وإسرافي على نفسي ، فلا عذر لي إن اعتذرت ، ولا مكافاة أحتسب بها.

اللهمّ إذا حضرت الآجال ، ونفدت الأيّام ، وكان لا بدّ من لقائك فأوجب لي من الجنّة منزلا يغبطني به الأوّلون والآخرون ، لا حسرة بعدها ، ولا رفيق بعد رفيقها ، في أكرمها منزلا.

١٨٩

اللهمّ ألبسني خشوع الإيمان بالعزّ قبل خشوع الذّلّ في النّار ، اثني عليك يا ربّ أحسن الثّناء لأنّ بلاءك عندي أحسن البلاء.

اللهمّ فأذقني من عونك وتأييدك وتوفيقك ورفدك ، وارزقني شوقا إلى لقائك ، ونصرا في نصرك حتّى أجد حلاوة ذلك في قلبي ، وأعزم لي على أرشد اموري ، فقد ترى موقفي وموقف أصحابي ، ولا يخفى عليك شيء من أمري.

اللهمّ إنّي أسألك النّصر الّذي نصرت به رسولك ، وفرّقت به بين الحقّ والباطل حين أقمت به دينك ، وأفلجت به حجّتك يا من هو لي في كلّ مقام (١).

وهذا الدعاء الجليل من غرر أدعية الإمام عليه‌السلام ففيه التقرّب إلى الله تعالى والتذلّل أمامه والسؤال منه بأروع ما يطلبه المنيبون من الله تعالى مضافا إلى فصاحته وبلاغته.

هذه بعض أدعية الإمام عند ما تنزل به كارثة أو خطب فيلتجىء إلى الله في دفعها عنه.

__________________

(١) مهج الدعوات : ٩٨.

١٩٠

الاستغفار والإنابة الى الله

١٩١
١٩٢

وأثرت عن الإمام أمير المؤمنين كوكبة من الأدعية في الاستغفار والإنابة إلى الله تعالى ، كان منها ما يلي :

دعاؤه عليه‌السلام

في الاستغفار والإنابة

اللهمّ إنّي أستغفرك من كلّ ذنب قوي عليه بدني بعافيتك ، أو نالته قدرتي بفضل نعمتك ، أو بسطت إليه يدي بسابغ رزقك ، أو اتّكلت فيه عند خوفي منه على أناتك ، أو احتجبت فيه من النّاس بسترك ، أو وثقت من سطوتك عليّ فيه بحلمك ، أو عوّلت فيه على كرم عفوك.

اللهمّ إنّي أستغفرك من كلّ ذنب خنت فيه أمانتي ، أو نحّست بفعله نفسي ، أو احتطبت به على بدني ، أو قدّمت فيه لذّتي ، أو آثرت فيه شهوتي ، أو سعيت فيه لغيري ، أو استغويت إليه من تبعني ، أو كايدت فيه من منعني ، أو قهرت عليه من عاداني ، أو غلبت عليه بفضل حيلتي ، أو أحلت عليك مولاي فلم تغلبني على فعلي إذ كنت كارها لمعصيتي فحلمت عنّي ، لكن سبق علمك فيّ

١٩٣

بفعلي ذلك لم تدخلني يا ربّ فيه جبرا ، ولم تحملني عليه قهرا ، ولم تظلمني فيه شيئا فأستغفرك له ولجميع ذنوبي.

اللهمّ إنّي أستغفرك لكلّ ذنب تبت إليك منه ، وأقدمت على فعله فاستحييت منك وأنا عليه ، ورهبتك وأنا فيه تعاطيته وعدت إليه.

اللهمّ إنّي أستغفرك لكلّ ذنب كتبته عليّ بسبب خير أردت به وجهك فخالطني فيه سواك ، وشارك فعلي ما لا يخلص لك ، أو وجب عليّ ما أردت به سواك ، وكثير من فعلي ما يكون كذلك.

اللهمّ إنّي أستغفرك لكلّ ذنب تورّك عليّ بسبب عهد عاهدتك عليه ، أو عقد عقدته لك ، أو ذمّة واثقت بها من أجلك لأحد من خلقك ثمّ نقضت ذلك من غير ضرورة لزمتني فيه ، بل استزلّني إليه عن الوفاء به الأشر ، ومنعني عن رعايته البطر.

اللهمّ إنّي أستغفرك لكلّ ذنب رهبت فيه من عبادك وخفت فيه غيرك ، واستحييت فيه من خلقك ثمّ أفضيت به فعلي إليك.

اللهمّ إنّي أستغفرك لكلّ ذنب أقدمت عليه وأنا مستيقن أنّك تعاقب على ارتكابه فارتكبته.

اللهمّ إنّي أستغفرك لكلّ ذنب قدّمت فيه شهوتي على طاعتك ، وآثرت محبّتي على أمرك ، وأرضيت فيه نفسي بسخطك ، وقد نهيتني عنه بنهيك ، وتقدّمت إليّ فيه بإعذارك ، واحتججت عليّ فيه بوعيدك.

اللهمّ إنّي أستغفرك لكلّ ذنب علمته من نفسي ، أو ذهلته ، أو نسيته ،

١٩٤

أو تعمّدته ، أو أخطأته ، ممّا لا أشكّ أنّك سائلي عنه ، وأنّ نفسي مرتهنة به لديك ، وإن كنت قد نسيته أو غفلت نفسي عنه.

اللهمّ إنّي أستغفرك لكلّ ذنب واجهتك به ، وقد أيقنت أنّك تراني ، وأغفلت أن أتوب إليك منه ، أو نسيت أن أتوب إليك منه ، أو نسيت أن أستغفرك له.

اللهمّ إنّي أستغفرك لكلّ ذنب دخلت فيه ، وأحسنت ظنّي بك أن لا تعذّبني عليه وأنّك تكفيني منه.

اللهمّ إنّي أستغفرك لكلّ ذنب استوجبت به منك ردّ الدّعاء ، وحرمان الإجابة ، وخيبة الطّمع ، وانفساخ الرّجاء.

اللهمّ إنّي أستغفرك لكلّ ذنب يعقّب الحسرة ، ويورث النّدامة ، ويحبس الرّزق ، ويردّ الدّعاء.

اللهمّ إنّي أستغفرك لكلّ ذنب يورث الأسقام ، ويعقّب الضّناء ، ويوجب النّقم ، ويكون آخره حسرة وندامة.

اللهمّ إنّي أستغفرك لكلّ ذنب مدحته بلساني ، أو هشّت إليه نفسي ، أو اكتسبته بيدي وهو عندك قبيح تعاقب على مثله وتمقت من عمله.

اللهمّ إنّي أستغفرك لكلّ ذنب خلوت به في ليل أو نهار حيث لا يراني أحد من خلقك ، فملت فيه من تركه بخوفك إلى ارتكابه بحسن الظّنّ بك ، فسوّلت لي نفسي الإقدام عليه فواقعته ، وأنا عارف بمعصيتي لك فيه.

اللهمّ إنّي أستغفرك لكلّ ذنب استقللته ، أو استصغرته ، أو استعظمته وتورّطت فيه.

١٩٥

اللهمّ إنّي أستغفرك لكلّ ذنب مالأت فيه على أحد من بريّتك ، أو زيّنته لنفسي ، أو أومأت به إلى غيري ، ودللت عليه سواي ، أو أصررت عليه بعمدي ، أو أقمت عليه بحيلتي.

اللهمّ إنّي أستغفرك لكلّ ذنب استعنت عليه بحيلتي بشيء ممّا يراد به وجهك ، أو يستظهر بمثله على طاعتك ، أو يتقرّب بمثله إليك ، وواريت عن النّاس ولبّست فيه كأنّي اريدك بحيلتي ، والمراد به معصيتك ، والهوى فيه متصرّف على غير طاعتك.

اللهمّ إنّي أستغفرك لكلّ ذنب كتبته عليّ بسبب عجب كان بنفسي ، أو رياء ، أو سمعة ، أو خيلاء ، أو فرح ، أو مرح ، أو أشر أو بطر ، أو حقد ، أو حميّة ، أو غضب ، أو رضى ، أو شحّ ، أو بخل ، أو ظلم ، أو خيانة ، أو سرقة ، أو كذب ، أو لهو ، أو لعب ، أو نوع من أنواع ما يكتسب بمثله الذّنوب ويكون باجتراحه العطب.

اللهمّ إنّي أستغفرك لكلّ ذنب سبق في علمك أنّي فاعله فدخلت فيه بشهوتي ، واجترحته بإرادتي ، وقارفته بمحبّتي ولذّتي ومشيّتي ، وشئته إذ شئت أن أشاءه ، وأردته إذ أردت أن اريده فعملته إذ كان في قديم تقديرك ، ونافذ علمك أنّي فاعله ، لم تدخلني فيه جبرا ، ولم تحملني عليه قهرا ، ولم تظلمني فيه شيئا ، فأستغفرك له ، ولكلّ ذنب جرى به علمك عليّ وفيّ إلى آخر عمري.

اللهمّ إنّي أستغفرك لكلّ ذنب مال بسخطي فيه عن رضاك ، ومالت نفسي إلى رضاك فسخطته ، أو رهبت فيه سواك ، أو عاديت فيه أولياءك ، أو واليت فيه

١٩٦

أعداءك ، أو اخترتهم على أصفيائك ، أو خذلت فيه أحبّاءك ، أو قصّرت فيه عن رضاك يا خير الغافرين. اللهمّ إنّي أستغفرك لكلّ ذنب تبت إليك منه ثمّ عدت فيه ، وأستغفرك لما أعطيتك من نفسي ثمّ لم أف به ، وأستغفرك للنّعمة الّتي أنعمت بها عليّ فقويت بها على معصيتك ، وأستغفرك لكلّ خير أردت به وجهك فخالطني ما ليس لك ، وأستغفرك لما دعاني إليه الرّخص ، فيما اشتبه عليّ ممّا هو عندك حرام ، وأستغفرك للذّنوب الّتي لا يعلمها غيرك ، ولا يطّلع عليها سواك ، ولا يحتملها إلاّ حلمك ، ولا يسعها إلاّ عفوك ، وأستغفرك وأتوب إليك من مظالم كثيرة لعبادك قبلي يا ربّ ، فلم أستطع ردّها عليهم ، وتحليلها منهم ، أو شهدوا فاستحييت من استحلالهم ، والطّلب إليهم ، وإعلامهم ذلك ، وأنت القادر على أن تستوهبني منهم وترضيهم عنّي كيف شئت وبما شئت يا أرحم الرّاحمين ، وأحكم الحاكمين ، وخير الغافرين.

اللهمّ إنّ استغفاري إيّاك مع الإصرار لؤم ، وتركي الاستغفار مع معرفتي بسعة جودك ورحمتك عجز ، فكم تتحبّب إليّ يا ربّ وأنت الغنيّ عنّي ، وكم أتبغّض إليك ، وأنا الفقير إليك ، وإلى رحمتك ، فيا من وعد فوفى ، وأوعد فعفا اغفر لي خطاياي ، واعف وارحم وأنت خير الرّاحمين (١).

وهذا الدعاء صفحة مشرقة من أدعية إمام المتّقين ، وسيّد العارفين الذي وهب حياته لله تعالى.

__________________

(١) الصحيفة العلوية الثانية : ٦٤ ـ ٧٠ ، نقلا عن مفاتيح النجاة للمحقّق محمّد باقر السبزواري ، وقد رواه بسنده عن الإمام أبي الحسن الرضا عليه‌السلام.

١٩٧

دعاؤه عليه‌السلام

في الاستغفار

ومن أدعية الإمام عليه‌السلام في الاستغفار إلى الله تعالى هذا الدعاء ، وكان يدعو به عند المنام ، وهذا نصّه :

اللهمّ إنّي أستغفرك من كلّ ذنب قوي عليه بدني بعافيتك ، أو نالته قدرتي بفضل نعمتك ، أو بسطت إليه يدي بسابغ رزقك ، أو اتّكلت فيه عند خوفي منه على أناتك ، أو وثقت فيه بحلمك ، أو عوّلت فيه على كريم عفوك.

اللهمّ إنّي أستغفرك من كلّ ذنب خنت فيه أمانتي ، أو بخست بفعله نفسي ، أو احتطبت به على بدني ، أو قدّمت فيه لذّتي ، أو آثرت فيه شهوتي ، أو سعيت فيه لغيري ، أو استغويت إليه من تبعني ، أو كايدت فيه من منعني ، أو قهرت عليه من عاداني ، أو غلبت عليه بفضل حيلتي ، أو أحلت عليك فيه مولاي فلم تغلبني على فعلي إذ كنت كارها لمعصيتي فحلمت عنّي ، لكن سبق علمك فيّ بفعلي فحملت عنّي ذلك لم تدخلني فيه يا ربّ جبرا ، ولم تحملني عليه قهرا ، ولم تظلمني فيه شيئا (١).

وبهذا ينتهى بنا الحديث عن بعض أدعية الإمام عليه‌السلام في الاستغفار والإنابة إلى الله تعالى.

__________________

(١) الصحيفة العلوية الثانية : ٧١ ـ ٧٢.

١٩٨

الاحتجاب والاعتصام بالله

١٩٩
٢٠٠