موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام - ج ٤

باقر شريف القرشي

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام - ج ٤

المؤلف:

باقر شريف القرشي


المحقق: مهدي باقر القرشي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية
الطبعة: ٢
ISBN: 964-94388-6-3
الصفحات: ٢٧٧

يا مولاي ، أنت المعافي وأنا المبتلى ، وهل يرحم المبتلى إلاّ المعافي. مولاي

يا مولاي ، أنت الكبير وأنا الصّغير ، وهل يرحم الصّغير إلاّ الكبير. مولاي

يا مولاي ، أنت الهادي وأنا الضّالّ ، وهل يرحم الضّال إلاّ الهادي. مولاي

يا مولاي ، أنت الرّحمن وأنا المرحوم ، وهل يرحم المرحوم إلاّ الرّحمن. مولاي

يا مولاي ، أنت السّلطان وأنا الممتحن ، وهل يرحم الممتحن إلاّ السّلطان. مولاي

يا مولاي ، أنت الدّليل وأنا المتحيّر ، وهل يرحم المتحيّر إلاّ الدّليل. مولاي

يا مولاي ، أنت الغفور وأنا المذنب ، وهل يرحم المذنب إلاّ الغفور. مولاي

يا مولاي ، أنت الغالب وأنا المغلوب ، وهل يرحم المغلوب إلاّ الغالب. مولاي

يا مولاي ، أنت الرّبّ وأنا المربوب ، وهل يرحم المربوب إلاّ الرّبّ. مولاي

يا مولاي ، أنت المتكبّر وأنا الخاشع ، وهل يرحم الخاشع إلاّ المتكبّر. مولاي

يا مولاي ، ارحمني برحمتك ، وارض عنّي بجودك وكرمك وفضلك ، يا ذا الجود والإحسان والطّول والامتنان ، برحمتك يا أرحم الرّاحمين ، وصلّى الله على نبيّنا محمّد وآله أجمعين (١).

أبدى إمام العارفين في هذه المناجاة جميع ألوان التذلّل والخضوع إلى الله تعالى ، فقد ذاب من خشيته ، وآمن إيمانا لا يخامره شكّ بأنّ الكون كلّه خاضع لأوامر الله وإرادته فلذا التجأ إليه في جميع اموره وشئونه.

__________________

(١) مصباح الزائر : ٨٨ ـ ٩٠. مزار المشهدي ( مخطوط ).

١٦١

المناجاة الثالثة

ومن مناجاته عليه‌السلام هذه المناجاة التي حكت مدى تعلّق الإمام عليه‌السلام بالله تعالى وانقطاعه إليه ، وهذا نصّها :

إلهي توعّرت الطّرق ، وقلّ السّالكون ، فكن أنيسي في وحدتي ، وجليسي في خلوتي ، فإليك أشكو فقري وفاقتي ، وبك أنزلت ضرّي ، ومسكنتي لأنّك غاية امنيتي ، ومنتهى بلوغ طلبتي ...

حكت هذه الكلمات منتهى الإخلاص والطاعة والانقياد إلى الله تعالى. ويستمرّ الإمام في مناجاته قائلا :

فيا فرحة لقلوب الواصلين ، ويا حياة لنفوس العارفين ، ويا نهاية شوق المحبّين ، أنت الّذي بفنائك حطّت الرّحال ، وإليك قصدت الآمال ، وعليك كان صدق الاتّكال ...

وأنت ترى في هذا المقطع مدى تعلّق الإمام بالله تعالى ، وانقطاعه إليه وإخلاصه في مناجاته ... ويقول عليه‌السلام :

فيا من تفرّد بالكمال ، وتسربل بالجمال ، وتعزّز بالجلال ، وجاد بالإفضال ، لا تحرمنا منك النّوال.

إلهي بك لاذت القلوب لأنّك غاية كلّ محبوب ، وبك استجارت فرقا من العيوب ، وأنت الّذي علمت فحلمت ، ونظرت فرحمت ، وخبرت فسترت ،

١٦٢

وغضبت فغفرت ، فهل مؤمّل غيرك فيرجى ، أم هل ربّ سواك فيخشى ، أم هل معبود سواك فيدعى ، أم هل قدم عند الشّدائد إلاّ وهي إليك تسعى؟ فو عزّتك يا سرور الأرواح. ويا منتهى غاية الأفلاح إنّي لا أملك غير ذلّي ، ومسكنتي لديك ، وفقري ، وصدق توكّلي عليك ، فأنا الهارب إليك ، وأنا الطّالب منك ما لا يخفى عليك ، فإن عفوت فبفضلك ، وإن عاقبت فبعدلك ، وإن مننت فبجودك ، وإن تجاوزت فبدوام خلودك.

حكت هذه الكلمات تعظيم الإمام عليه‌السلام لله تعالى وخضوعه له وأنّه لا يأمل ولا يرجو أحدا سوى الله فهو المفزع والملجأ في كلّ ما ألمّ به ، ويستمرّ الإمام في مناجاته قائلا :

إلهي بجلال كبريائك أقسمت ، وبدوام خلود بقائك آليت أنّي لا برحت مقيما ببابك حتّى تؤمنني من سطوات عذابك ، ولا أقنع بالصّفح عن سطوات عذابك حتّى أروح بجزيل ثوابك.

إلهي عجبا لقلوب سكنت إلى الدّنيا ، وتروّحت بروح المنى ، وقد علمت أنّ ملكها زائل ، ونعيمها راحل ، وظلّها آفل ، وسندها مائل ، وحسن نضارة بهجتها حائل ، وحقيقتها باطل ، كيف يشتاق إلى روح ملكوت السّماء ، وأنّى لهم ذلك ، وقد شغلهم حبّ المهالك ، وأضلّهم الهوى عن سبيل المسالك.

إلهي اجعلنا ممّن هام بذكرك لبّه ، وطار من شوقه إليك قلبه فاحتوته عليه دواعي محبّتك ، فجعل أسيرا في قبضتك.

إلهي كيف اثني ـ وبدء الثّناء منك ـ عليك وأنت الّذي لا يعبّر عن ذاته

١٦٣

نطق ، ولا يعيه سمع ، ولا يحويه قلب ، ولا يدركه وهم ، ولا يصحبه عزم ، ولا يخطر على بال ، فأوزعني شكرك ، ولا تؤمني مكرك ، ولا تنسني ذكرك ، وجد بما أنت أولى أن تجود به يا أرحم الرّاحمين (١).

حكت هذه المناجاة حقيقة الإيمان الماثلة في إمام المتّقين الذي أترعت نفسه بحب الله تعالى والخوف منه ، فقد ناجاه بذوبان روحه التي هامت به ، وانقطعت إليه.

ومن غرر مناجاته عليه‌السلام

من غرر مناجاة الإمام مع الله تعالى هذه المناجاة الموجزة التي هي أروع الكلمات الذهبية للإمام عليه‌السلام :

إلهي كفى بي عزّا أن أكون لك عبدا ، وكفى بي فخرا أن تكون لي ربّا ، أنت كما أحبّ ، فاجعلني كما تحبّ (٢).

هذه بعض مناجاة الإمام عليه‌السلام ، وأثرت عنه مناجاة أخر بعضها نظم وبعضها نثر ، ولم نذكرها لأنّها لا تتّفق مع كلام الإمام الذي هو في قمّة الفصاحة والبلاغة.

__________________

(١) بحار الأنوار ٩١ : ٧١.

(٢) الخصال : ٤٥.

١٦٤

ادعية الرّحمة لأحياء الأرض بالنّبات

١٦٥
١٦٦

كان الإمام عليه‌السلام إذا أجدبت السّماء وأمحلت يخرج للاستسقاء ومعه خيار المسلمين وعبّادهم ، ويدعو الله تعالى بإنابة وخشوع أن ينزل الغيث على عباده وسائر مخلوقاته ، لتستقيم به حياتهم ، وينعموا برحمته وألطافه التي لا زالت دائمة ومستمرّة عليهم.

وهذه بعض أدعيته الشريفة التي ألقاها في الصحراء أمام المسلمين ، وهي :

الدعاء الأوّل

دعا عليه‌السلام بخضوع وخشوع بهذا الدعاء الجليل :

اللهمّ انشر علينا رحمتك بالغيث العميق ، والسّحاب الفتيق ، ومنّ على عبادك بينوع الثّمرة ، وأحي عبادك وبلادك ببلوغ الزّهرة ، وأشهد ملائكتك الكرام السّفرة بسقي منك نافع دائم ، غزره واسع ، درّه وابل سريع عاجل ، تحيي به ما قد مات ، وتردّ به ما قد فات ، وتخرج به ما هو آت ، وتوسّع لنا به في الأقوات ، سحابا ، متراكما ، هنيئا ، مريئا ، طبقا ، مجلّلا غير مضرّ ودقه ، ولا خلّب برقه.

اللهمّ اسقنا غيثا مريعا ، ممرعا ، عريضا واسعا ، غزيرا ، تروي به البهم ،

١٦٧

وتجبر به النّهم. اللهمّ اسقنا سقيا تسيل منه الرّضاب ، وتملأ منه الجباب ، وتفجّر منه الأنهار ، وتنبت به الأشجار ، وترخص به الأسعار في جميع الأمصار ، وتنعش به البهائم والخلق ، وتنبت به الزّرع ، وتدرّ به الضّرع ، وتزيدنا به قوّة إلى قوّتك.

اللهمّ لا تجعل ظلّه علينا سموما ، ولا تجعل برده علينا حسوما ، ولا تجعل ضرّه علينا رجوما ، ولا ماءه علينا اجاجا ، اللهمّ ارزقنا من بركات السّماوات والأرض (١).

وحفل هذا الدعاء بأروع صيغ الكلام العربي في فصاحته وبلاغته ، وجمال ديباجته ، وروعة بيانه.

__________________

(١) الجعفريات : ٤٩. مستدرك الوسائل ١ : ٤٣٨.

١٦٨

من ادعية الإمام

الدعاء الثاني

ومن أدعيته الجليلة هذا الدعاء ، الذي كان يدعو به الله للاستسقاء :

اللهمّ قد انصاحت جبالنا (١) ، واغبرّت أرضنا ، وهامت دوابّنا ، وتحيّرت في مرابضها ، وعجّت عجيج الثّكالى على أولادها ، وملّت التّردّد في مراتعها ، والحنين إلى مواردها.

اللهمّ فارحم أنين الآنّة ، وحنين الحانّة. اللهمّ فارحم حيرتها في مذاهبها ، وأنينها في موالجها (٢).

اللهمّ خرجنا إليك حين اعتكرت علينا حدابير السّنين (٣) ، وأخلفتنا مخائل الجود (٤) ، فكنت الرّجاء للمبتئس (٥) ، والبلاغ للملتمس ، ندعوك حين قنط الأنام ، ومنع الغمام ، وهلك السّوام (٦) أن لا تؤاخذنا بأعمالنا ، ولا تأخذنا بذنوبنا. وانشر علينا رحمتك بالسّحاب المنبعق (٧) ، والرّبيع المغدق ، والنّبات

__________________

(١) انصاحت : أي جفّت ، وقيل : تشقّقت من المحول.

(٢) موالجها : أي مداخلها.

(٣) حدابير : جمع حدبار ، وهي الناقة التي أضناها السير شبه بها السنة التي فشا فيها الجدب.

(٤) مخايل : جميع مخيلة وهي السحابة التي لا مطر فيها. الجود : المطر.

(٥) المبتئس : الذي مسّته الضرّاء.

(٦) السوام : جمع سائمة وهي البهيمة الراعية في البيداء.

(٧) المنبعق : المنفرج عن المطر.

١٦٩

المونق (١) ، سحّا وابلا (٢) ، تحيي به ما قد مات ، وتردّ به ما قد فات.

اللهمّ سقيا منك محيية مروية ، تامّة عامّة ، طيّبة مباركة ، هنيئة مريعة (٣) ، زاكيا نبتها (٤) ، ثامرا فرعها ، ناضرا ورقها ، تنعش بها الضّعيف من عبادك ، وتحيي بها الميّت من بلادك! اللهمّ سقيا منك

تعشب بها نجادنا (٥) ، وتجري بها وهادنا ، ويخصب بها جنابنا (٦) ، وتقبل بها ثمارنا ، وتعيش بها مواشينا ، وتندى بها أقاصينا (٧) ، وتستغني بها ضواحينا (٨) ، من بركاتك الواسعة ، وعطاياك الجزيلة ، على بريّتك المرملة (٩) ، ووحشك المهملة. وأنزل علينا سماء مخضلة (١٠) ، مدرارا هاطلة ، يدافع الودق منها الودق (١١) ، ويحفز القطر منها القطر (١٢) ، غير خلّب برقها (١٣) ،

__________________

(١) المونق : المزدهر.

(٢) سحّا : أي صبّا. الوابل : الشديد.

(٣) المريعة : الخصبة.

(٤) زاكيا : أي ناميا.

(٥) نجادنا : جمع نجد المرتفع من الأرض.

(٦) الجناب : الناحية من الأرض ، وغيرها.

(٧) القاصية : النائية.

(٨) ضواحينا : جمع ضاحية وهي المال.

(٩) المرملة : الفقيرة.

(١٠) مخضلة : أي مبتلّة.

(١١) الودق : المطر.

(١٢) يحفز : أي يدفع.

(١٣) البرق الخلب : الذي لا مطر معه.

١٧٠

ولا جهام عارضها (١) ، ولا قزع ربابها (٢) ، ولا شفّان ذهابها (٣) ، حتّى يخصب لإمراعها المجدبون ، ويحيى ببركتها المسنتون (٤) ، فإنّك تنزل الغيث من بعد ما قنطوا ، وتنشر رحمتك وأنت الوليّ الحميد (٥).

وحكى هذا الدعاء الشريف مدى بلاغة الإمام وفصاحته وقدرته اللاّمتناهية على صياغة الكلام بمختلف الأساليب الرائعة التي يعجز عن الإتيان بمثلها البلغاء والفصحاء.

__________________

(١) الجهام : السحاب الذي لا مطر فيه.

(٢) القزع : القطع الصغار المتفرّقة من السحاب.

(٣) الشفان : الريح الباردة.

(٤) المسنتون : المقحطون.

(٥) نهج البلاغة / محمّد عبده ١ : ٢٢٧ ـ ٢٢٨.

١٧١

من ادعية الإمام

الدعاء الثالث

من أدعية الإمام الجليلة التي كان يدعو بها حينما يخرج إلى الصحراء للاستسقاء وطلب الرحمة من الله تعالى لعباده :

ألا وإنّ الأرض الّتي تحملكم ، والسّماء الّتي تظلّكم ، مطيعتان لربّكم ، وما أصبحتا تجودان لكم ببركتهما توجّعا لكم ، ولا زلفة إليكم ، ولا لخير ترجوانه منكم ، ولكن امرتا بمنافعكم فأطاعتا ، وأقيمتا على حدود مصالحكم فقامتا. إنّ الله يبتلي عباده عند الأعمال السّيّئة بنقص الثّمرات ، وحبس البركات ، وإغلاق خزائن الخيرات ، ليتوب تائب ، ويقلع مقلع ، ويتذكّر متذكّر ، ويزدجر مزدجر. وقد جعل الله سبحانه الاستغفار سببا لدرور الرّزق ، ورحمة الخلق ، فقال سبحانه : ( اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً. يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً. وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ ) (١). فرحم الله امرأ استقبل توبته ، واستقال خطيئته ، وبادر منيّته!

اللهمّ إنّا خرجنا إليك من تحت الأستار والأكنان ، وبعد عجيج البهائم والولدان ، راغبين في رحمتك ، وراجين فضل نعمتك ، وخائفين من عذابك

__________________

(١) نوح : ١٠ ـ ١٢.

١٧٢

اللهمّ فاسقنا غيثك ولا تجعلنا من القانطين ، ولا تهلكنا بالسّنين (١) ، أتهلكنا بما فعل السّفهاء منّا يا أرحم الرّاحمين.

اللهمّ إنّا خرجنا إليك نشكو إليك ما لا يخفى عليك ، حين ألجأتنا المضايق الوعرة ، وأجاءتنا المقاحط المجدبة (٢) ، وأعيتنا المطالب المتعسّرة ، وتلاحمت علينا الفتن المستصعبة.

اللهمّ إنّا نسألك أن لا تردّنا خائبين ، ولا تقلبنا واجمين (٣) ، ولا تخاطبنا بذنوبنا ، ولا تقايسنا بأعمالنا. اللهمّ انشر علينا غيثك وبركتك ورزقك ورحمتك ؛ واسقنا سقيا نافعة مروية معشبة ، تنبت بها ما قد فات ، وتحيي بها ما قد مات ، نافعة الحيا (٤) ، كثيرة المجتنى ، تروي بها القيعان (٥) ، وتسيل البطنان (٦) ، وتستورق الأشجار ، وترخص الأسعار ؛ إنّك على ما تشاء قدير (٧).

وحفل هذا الدعاء بتوحيد الله وبيان قدرته وخضوع جميع المخلوقات لإرادته ، فليس هناك شيء يتّسم بالشيئية إلاّ وهو بيد الله تعالى ، كما حفل هذا الدعاء بالخضوع والتذلّل إلى الله تعالى طالبا منه أن يسعف عباده بالغيث ويوفّر لهم هذه المادة الحيوية التي تتوقّف عليها حياتهم الاقتصادية.

__________________

(١) السنين : جمع سنة أراد بها الجدب.

(٢) أجاءتنا : أي ألجأتنا.

(٣) واجمين : كاسفين حزينين.

(٤) الحيا : المطر.

(٥) القيعان : جمع قاع الأرض السهلة.

(٦) البطنان : جمع بطن المنخفض من الأرض.

(٧) نهج البلاغة / محمّد عبده ٢ : ٢٥ ـ ٢٦.

١٧٣
١٧٤

ادعية لدفع الأزمات والكوارث

١٧٥
١٧٦

وإذا ألمّت بالإمام عليه‌السلام حادثة أو شرّ يخاف منه لجأ إلى الله تعالى وفزع إليه لينقذه منها ، وهذه بعض أدعيته في ذلك.

دعاؤه عليه‌السلام

عند الشدائد

وهذا الدعاء كان يدعو به الإمام في الشدائد ونزول الحوادث وهو سريع الإجابة من الله تعالى ، وهذا نصّه :

اللهمّ أنت الملك يا غفور ، لا إله إلاّ أنت ، وأنا عبدك ، ظلمت نفسي ، واعترفت بذنبي ، فاغفر لي الذّنوب ، لا إله إلاّ أنت ، يا غفور.

اللهمّ إنّي أحمدك وأنت للحمد أهل على ما اختصصتني به من مواهب الرّغائب ، وأوصلت إليّ من فضائل الصّنائع ، وعلى ما أوليتني به وتولّيتني به من رضوانك ، وأنلتني به من منّك الواصل إليّ ، ومن الدّفاع عنّي ، والتّوفيق لي ، والإجابة لدعائي ، حتّى اناجيك راغبا ، وأدعوك مصافيا ، وحتّى أرجوك فأجدك في المواطن كلّها لي جابرا ، وفي اموري ناظرا ، وعلى الأعداء ناصرا ، ولذنوبي غافرا ، ولعورتي ساترا ، لم أعدم خيرك طرفة عين مذ أنزلتني دار

١٧٧

الاختيار لتنظر ما ذا أقدّم لدار القرار ، فأنا عتيقك اللهمّ من جميع المصائب واللّوازب (١) والغموم الّتي ساورتني فيها الهموم بمعاريض القضاء ، ومصروف جهد البلاء ، لا أذكر منك إلاّ الجميل ، ولا أرى منك غير التّفضيل ، خيرك لي شامل ، وفضلك عليّ متواتر. ونعمك عندي متّصلة ، وسوابق لم تحقّق حذاري ، بل صدّقت رجائي. وصاحبت أسفاري ، وأكرمت أحضاري ، وشفيت أمراضي ، وعافيت أوصابي ، وأحسنت منقلبي ومثواي ، ولم تشمت بي أعدائي ، ورميت من رماني ، وكفيتني شرّ من عاداني.

وفي هذا المقطع التذلّل والخشوع أمام الله تعالى ، والثناء على ألطافه ونعمه المتواصلة عليه ، فهو يجده عند كلّ ما ألمّ به من شئون الحياة ، ثمّ يعرض الإمام إلى فصل آخر من دعائه قائلا :

اللهمّ كم من عدوّ انتضى عليّ سيف عداوته ، وشحذ لقتلي ظبة مديته ، وأرهف لي شبا حدّه ، وداف لي قواتل سمومه ، وسدّد لي صوائب سهامه ، وأضمر أن يسومني المكروه ، ويجرّعني زعاف مرارته ، فنظرت يا إلهي إلى ضعفي عن احتمال الفوادح ، وعجزي عن الانتصار ممّن قصدني بمحاربته ، ووحدتي في كثير ممّن ناواني ، وأرصد لي فيما لم أعمل فيه فكري في الانتصار من مثله ، فأيّدتني يا ربّ بعونك ، وشددت أيدي بنصرك ، ثمّ فللت لي حدّه ، وصيّرته بعد جمع عديده وحده ، وأعليت كعبي عليه ، ورددته حسيرا لم تشف غليله ، ولم تبرّد حرارات غيظه ، قد عضّ عليّ شواه وآب مولّيا قد أخلفت سراياه وأخلفت آماله.

__________________

(١) اللوازب : الشدائد.

١٧٨

ذكر الإمام عليه‌السلام في هذا المقطع ما تفضّل عليه الله تعالى من حمايته له من كيد الأعداء وشرورهم الذين حاولوا جاهدين الانتقام منه إلاّ أنّ الله تعالى صرفهم عنه ، فباءوا بالفشل والخزي ، ويستمرّ الإمام عليه‌السلام في ذكر خصومه الذين كفاه الله شرّهم قائلا :

اللهمّ وكم من باغ بغاني بمكائده ، ونصب لي شرك مصائده ، وضبا إليّ ضبوء السّبع لطريدته واللّحاق بفريسته ، وهو مظهر بشاشة الملق ، ويبسط إليّ وجها طلقا ، فلمّا رأيت يا إلهي دغل سريرته ، وقبح طويّته ، أنكسته لأمّ رأسه في زبيته ، وأركسته في مهوى حفيرته ، وأنكصته على عقبيه ، ورميته بحجره ، ونكأته بمشقصه ، وخنقته بوتره ، ورددت كيده في نحره ، ووبقته بندامته ، فاستخذل وتضاءل بعد نحوته ، وبخع وانقمع بعد استطالته ذليلا مأسورا في حبائله الّتي كان يحبّ أن يراني فيها ، وقد كدت لو لا رحمتك أن يحلّ بي ما حلّ بساحته ، فالحمد لربّ مقتدر لا ينازع ، ولوليّ ذي أناة لا يعجل ، وقيّوم لا يغفل ، وحليم لا يجهل.

في هذه الكلمات عرض الإمام عليه‌السلام إلى ما تفضّل الله عليه من صرف كيد أعدائه عنه ، الذين حاولوا جاهدين على إنزال الكوارث بساحته ، وصبّ المصائب عليه إلاّ أنّ الله تعالى أنجاه منهم ، ويأخذ الإمام في دعائه قائلا :

ناديتك يا إلهي مستجيرا بك ، واثقا بسرعة إجابتك ، متوكّلا على ما لم أزل أعرفه من حسن دفاعك عنّي ، عالما أنّه لن يضطهد من آوى إلى ظلّ كفايتك ، ولا يقرع القوارع من لجأ إلى معقل الانتصار بك ، فخلّصتني يا ربّ بقدرتك ، ونجّيتني من بأسه بتطوّلك ومنّك.

١٧٩

عرض الإمام عليه‌السلام في هذا المقطع إلى نجاته من بعض أعدائه الذين كانوا يبغون له الغوائل ويكيدونه في وضح النهار وغلس الليل وقد أنقذه الله منهم وكفاه شرّهم ، ويستمرّ الإمام في دعائه :

اللهمّ وكم من سحائب مكروه جلّيتها ، وسماء نعمة أمطرتها ، وجداول كرامة أجريتها ، وأعين أحداث طمستها ، وناشئ رحمة نشرتها ، وغواشي كرب فرّجتها ، وغمم بلاء كشفتها ، وجنّة عافية ألبستها ، وأمور حادثة قدّرتها ، لم تعجزك إذ طلبتها ، فلم تمتنع منك إذ أردتها.

اللهمّ وكم من حاسد سوء تولّني بحسده ، وسلقني بحدّ لسانه ، ووخز بي بقرف عيبه ، وجعل عرضي غرضا لمراميه ، وقلّدني خلالا لم تزل فيه كفيتني أمره.

حكى هذا المقطع الألطاف والنعم التي أسداها الله عليه كما حكى إنقاذ الله له من الحاسدين لفضله والباغين عليه ، ثمّ يقول الإمام في دعائه :

اللهمّ وكم من ظنّ حسن حقّقت ، وعدم إملاق جبرت وأوسعت ، ومن صرعة أقمت ، ومن كربة نفّست ، ومن مسكنة حوّلت ، ومن نعمة خوّلت ، لا تسأل عمّا تفعل ، ولا بما أعطيت تبخل ، ولقد سئلت فبذلت ، ولم تسأل فابتدأت ، واستميح فضلك فما أكديت ، أبيت إلاّ إنعاما وامتنانا وتطوّلا ، وأبيت إلاّ تقحّما على معاصيك ، وانتهاكا لحرماتك ، وتعدّيا لحدودك ، وغفلة عن وعيدك ، وطاعة لعدوّي وعدوّك ، لم تمتنع عن إتمام إحسانك ، وتتابع امتنانك ولم يحجزني ذلك عن ارتكاب مساخطك.

وفي هذا المقطع عرض لنعم الله تعالى على عباده التي أسداها عليهم فهو

١٨٠