موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام - ج ٤

باقر شريف القرشي

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام - ج ٤

المؤلف:

باقر شريف القرشي


المحقق: مهدي باقر القرشي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية
الطبعة: ٢
ISBN: 964-94388-6-3
الصفحات: ٢٧٧

ادعيته عليه‌السلام

عقيب الصلوات المندوبة

وذكر الرواة كوكبة من أدعية الإمام عقيب الصلوات المندوبة كان منها ما يلي :

دعاؤه عليه‌السلام

قبل صلاة الليل

من الصلوات المندوبة صلاة اللّيل فقد حثّ الإسلام عليها ، وتواترت الأخبار بفضلها ، وكان الإمام عليه‌السلام يدعو بهذا الدعاء قبل الشروع بها :

إلهي إليك أخبتت قلوب المخبتين ، وبك أنست عقول العاقلين ، وعليك عكفت رهبة العاملين ، وبك استجارت أفئدة المقصّرين ، فيا أمل العارفين ، ورجاء العاملين ، صلّ على محمّد وآل محمّد الطّاهرين ، وأجرني من فضائح يوم الدّين ، عند هتك السّتور ، وتحصيل ما في الصّدور ، وآنسني عند خوف المذنبين ، ودهشة المفرطين برحمتك يا أرحم الرّاحمين. فو عزّتك وجلالك ، ما أردت بمعصيتي إيّاك مخالفتك ، ولا عصيتك إذ عصيتك وأنا بمكانك جاهل ، ولا لعقوبتك متعرّض ، ولا بنظرك مستخفّ ، ولكن سوّلت لي نفسي ، وأعانتني على ذلك شقوتي ، وغرّني سترك المرخى عليّ فعصيتك بجهلي ، وخالفتك بجهدي ، فمن الآن من عذابك من يستنقذني ، وبحبل من أعتصم إذا قطعت حبلك عنّي ، فوا سوأتاه! من الوقوف بين يديك غدا ، إذا قيل للمخفّين جوزوا ، وللمثقلين حطّوا ، أمع المخفّين أجوز أم مع المثقلين أحطّ ، يا ويلتي! كلّما كبرت

١٢١

سنّي كثرت معاصيّ؟ فكم ذا أتوب؟ فكم ذا أعود؟ أما آن لي أن أستحيي من ربّي؟ ..

وبعد هذا الدعاء الجليل يسجد ، ويقول ثلاثمائة مرّة أستغفر الله وأتوب إليه (١). وحكى هذا الدعاء مدى خوف الإمام عليه‌السلام من الله تعالى وشدّة إنابته إليه ، وعظيم اتّصاله به.

دعاؤه عليه‌السلام

بعد الركعتين الأوليين من صلاة الليل

وإذا فرغ الإمام عليه‌السلام من صلاة ركعتين من صلاة الليل دعاء بهذا الدعاء الجليل :

إلهي نمت القليل فنبّهني قولك المبين : ( تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ. فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ) (٢) فجانبت لذيذ الرّقاد بحمل ثقل السّهاد ، وتجافيت طيب المضجع بانسكاب غزير المدمع ، ووطيت الأرض بقدمي ، وبؤت إليك بذنبي ووقفت بين يديك قائما وقاعدا ، وتضرّعت إليك راكعا وساجدا ودعوتك خوفا وطمعا ، ورغبت إليك والها متحيّرا ، اناديك بقلب قريح ،

__________________

(١) الصحيفة العلوية الثانية : ١٦٢ ـ ١٦٤.

(٢) السجدة : ١٦ و١٧.

١٢٢

واناجيك بدمع سفوح ، وألوذ بك من قسوتي ، وأعوذ بك من جرأتي ، وأستجير بك من جهلي ، وأتعلّق بعرى أسبابك من ذنبي ، واعمر بذكرك قلبي.

إلهي لو علمت الأرض بذنوبي لساخت بي ، والسّماوات لاختطفتني ، والبحار لأغرقتني ، والجبال لدهدهتني ، والمفاوز لابتلعتني. إلهي أيّ تغرير اغتررت بنفسي ، وأيّ جرأة اجترأت عليك يا ربّ ، إلهي كلّ من أتيته إليك يرشدني ، وما من أحد إلاّ عليك يدلّني ، ولا مخلوق أرغب إليه إلاّ وفيك يرغّبني ، فنعم الرّبّ وجدتك ، وبئس العبد وجدتني.

إلهي إن عاقبتني فمن ذا الّذي يملك العقوبة عنّي ، وإن هتكتني فمن ذا الّذي يستر عورتي ، وإن أهلكتني فمن ذا الّذي يعرض لك في عبدك أو يسألك عن شيء من أمره ، وقد علمت يا إلهي أن ليس في حكمك ظلم ، ولا في نقمتك عجلة ، وإنّما يعجل من يخاف الفوت ، ويحتاج إلى الظّلم الضّعيف ، وقد تعاليت عن ذلك علوّا كبيرا ، فصلّ على محمّد وآل محمّد.

ثمّ يدعو بما أهمّه ، ويقول :

اللهمّ إنّي أعوذ بك أن تحسن في لامعة العيون علانيتي ، وتقبّح فيما ابطن لك سريرتي ، محافظا على رياء النّاس من نفسي ، فأري النّاس حسن ظاهري ، وافضي إليك بسوء عملي ، تقرّبا إلى عبادك ، وتباعدا من مرضاتك (١).

وأنت ترى في هذا الدعاء مدى خوف الإمام عليه‌السلام من الله وإنابته إليه ، ومن

__________________

(١) الصحيفة العلوية الثانية : ١٦٤ ـ ١٦٦.

١٢٣

الطبيعي أنّ هذا الدعاء وأمثاله من أدعيته الشريفة أفاضها الإمام على المسلمين لتكون دروسا لهم ، وأغذية روحية ومنهجا يسلكون به إلى الله تعالى.

دعاؤه عليه‌السلام

بعد صلاة الليل

كان الإمام عليه‌السلام إذا فرغ من صلاة الليل دعا بهذا الدعاء الجليل :

أشهد أنّ السّماوات والأرض وما بينهما آيات تدلّ عليك ، وشواهد تشهد بما إليه دعوت. كلّ ما يؤدّي عنك الحجّة ، ويشهد لك بالرّبوبيّة موسوم بآثار نعمتك ، ومعالم تدبيرك ، علوت بها عن خلقك فأوصلت إلى القلوب من معرفتك ما آنسها من وحشة الفكر ، وكفاها رجم الاحتجاج فهي مع معرفتها بك ، وولهها إليك شاهدة بأنّك لا تأخذك الأوهام ، ولا تدركك العقول والأبصار. وأعوذ بك أن اشير بقلب أو لسان أو يد إلى غيرك لا إله إلاّ أنت واحدا أحدا فردا صمدا ، ونحن لك مسلمون (١).

__________________

(١) نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة : ٤٢.

١٢٤

دعاؤه عليه‌السلام

عقيب كلّ صلاة

كان الإمام يدعو بهذا الدعاء عقيب كلّ صلاة واجبة ومندوبة ، وهذا نصّه :

اللهمّ لك صلّيت ، وإيّاك دعوت ، وفي صلواتي ودعائي ما قد علمت من النّقصان والعجلة ، والسّهو والغفلة ، والكسل والفترة ، والنّسيان والمدافعة ، والرّياء والسّمعة ، والرّيب ، والفكرة ، والشّكّ ، والمشغلة ، واللّحظة الملهية ، عن إقامة فرائضك ، فصلّ على محمّد وآله ، واجعل مكان نقصانها تماما ، وعجلتي تثبّتا وتمكّنا ، وسهوي تيقّظا ، وغفلتي تذكّرا ، وكسلي نشاطا ، وفتوري قوّة ، ونسياني محافظة ، ومدافعتي مواظبة ، وريائي إخلاصا ، وسمعتي تستّرا ، وريبي ثباتا ، وفكري خشوعا ، وشكّي يقينا ، وتشاغلي فراغا ، ولحاظي خشوعا ، فإنّي لك صلّيت ، وإيّاك دعوت ، ووجهك أردت ، وإليك توجّهت ، وبك آمنت ، وعليك توكّلت ، وما عندك طلبت ، فصلّ على محمّد وآل محمّد ، واجعل لي في صلواتي ودعائي رحمة وبركة تكفّر بها سيّئاتي ، وتضاعف بها حسناتي ، وترفع بها درجتي ، وتكرم بها مقامي ، وتبيّض بها وجهي ، وتحطّ بها وزري ، وتقبل بها فرضي ونفلي.

اللهمّ صلّ على محمّد وآله واحطط بها وزري ، واجعل ما عندك خيرا لي ممّا ينقطع عنّي. الحمد لله الّذي قضى عنّي صلواتي ، إنّ الصّلاة كانت على المؤمنين

١٢٥

كتابا موقوتا. الحمد لله الّذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لو لا أن هدانا الله ، والحمد لله الّذي أكرم وجهي عن السّجود إلاّ له. اللهمّ كما أكرمت وجهي عن السّجود إلاّ لك فصلّ على محمّد وآله وصنه عن المسألة إلاّ منك. اللهمّ صلّ على محمّد وآله وتقبّلها منّي في أحسن قبولك ، ولا تؤاخذني بنقصانها ، وما سها عنه قلبي منها فتمّمه لي برحمتك يا أرحم الرّاحمين.

اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد اولي الأمر الّذين أمرت بطاعتهم ، واولي الأرحام الّذين أمرت بصلتهم ، وذوي القربى الّذين أمرت بمودّتهم ، وأهل الذّكر الّذين أمرت بمسألتهم ، والموالي الّذين أمرت بموالاتهم ومعرفة حقّهم ، وأهل البيت الّذين أذهبت عنهم الرّجس وطهّرتهم تطهيرا.

اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد واجعل ثواب صلواتي ، وثواب منطقي ، وثواب مجلسي رضاك والجنّة ، واجعل ذلك كلّه خالصا مخلصا يوافق منك رحمة وإجابة وافعل بي جميع ما سألتك من خير ، وزدني من خير ، وزدني من فضلك وسعة ما عندك إنّك واسع كريم ، وصل ذلك بخير الآخرة ونعيمها ، إنّي إليك من الرّاغبين يا أرحم الرّاحمين. يا ذا المنّ الّذي لا ينقطع أبدا ، ويا ذا المعروف الّذي لا ينفد ، ويا ذا النّعماء الّتي لا تحصى عددا ، يا كريم ، يا كريم ، يا كريم ، صلّ على محمّد وآل محمّد واجعلني ممّن آمن بك فهديته ، وتوكّل عليك فكفيته ، وسألك فأعطيته ، ورغب إليك فأرضيته ، وأخلص لك فأنجيته.

اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، وأحللنا دار المقامة من فضلك ،

١٢٦

لا يمسّنا فيها نصب ولا يمسّنا فيها لغوب.

اللهمّ إنّي أسألك مسألة الذّليل الفقير أن تصلّي على محمّد وآل محمّد ، وأن تغفر لي جميع ذنوبي ، وتقضي جميع حوائجي إليك ، إنّك على كلّ شيء قدير.

اللهمّ ما قصرت عنه مسألتي ، وعجزت عنه قوّتي ، ولم تبلغه فطنتي ، وتعلم فيه صلاح أمر دنياي وآخرتي فصلّ على محمّد وآل محمّد ، وافعل ذلك بي يا لا إله إلاّ أنت بحقّ رحمتك في عافية ما شاء الله ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله (١).

حفل هذا الدعاء بالخشية من الله ، والإنابة إليه ، والتذلّل أمامه وإظهار أتمّ العبودية ، وبذلك كان الإمام عليه‌السلام سيّد الموحّدين والمتّقين ، وإمام العارفين.

دعاؤه عليه‌السلام

بعد كلّ صلاة

من أدعية الإمام عليه‌السلام عقيب كلّ صلاة يصلّيها هذا الدعاء الجليل :

اللهمّ تمّ نورك فهديت فلك الحمد ، وعظم حلمك فعفوت فلك الحمد ، وبسطت يدك فأعطيت فلك الحمد ، ربّنا وجهك الكريم أكرم الوجوه ، وجاهك خير الجاه ، وعطيّتك أنفع العطيّة وأهنؤها ، تطاع ربّنا فتشكر ، وتعصى ربّنا فتغفر ، وتجيب المضطرّ ، وتكشف السّوء ، وتشفي السّقم ، وتنجي من الكرب.

__________________

(١) الصحيفة العلوية الثانية : ١٤٨ ـ ١٥٢.

١٢٧

وتقبل التّوبة ، وتغفر الذّنوب ، لا يجزي بآلائك أحد ، ولا يحصي نعمتك عادّ ، ولا يبلغ مدحتك قول قائل (١).

حكى هذا الدعاء الشريف ألطاف الله تعالى ، ونعمه على عباده التي لا تعدّ ولا تحصى.

دعاؤه عليه‌السلام

بعد صلاة الفرج

كان الإمام عليه‌السلام يصلّي صلاة الفرج وهي ركعتان ، يقرأ في الركعة الأولى سورة الفاتحة ، وسورة التوحيد ألف مرّة ، وفي الركعة الثانية سورة الفاتحة وسورة التوحيد مرّة واحدة وبعد الفراغ من الصلاة يدعو بهذا الدعاء :

اللهمّ يا من لا تراه العيون ، ولا تخالطه الظّنون ، يا من لا يصفه الواصفون ، يا من لا تغيّره الدّهور ، يا من لا يخشى الدّوائر ، يا من لا يذوق الموت ، يا من لا يخشى الفوت ، يا من لا تضرّه الذّنوب ، ولا تنقصه المغفرة ، يا من يعلم مثاقيل الجبال ، وكيل البحور ، وعدد الأمطار ، وورق الأشجار ، ودبيب الذّرّ ، ولا يوارى منه سماء سماء ، ولا أرض أرضا ، ولا بحر ما في قعره ، ولا جبل ما في وعره ، تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصّدور ، وما أظلم عليه اللّيل ، وأشرق عليه النّهار ، أسألك باسمك المخزون المكنون ، الّذي في علم الغيب عندك ، اختصصت به

__________________

(١) دعائم الإسلام ١ : ١٦٩.

١٢٨

لنفسك ، وشققت منه اسمك ، فإنّك أنت الله لا إله إلاّ أنت وحدك ، وحدك ، وحدك ، لا شريك لك ، وباسمك الّذي إذا دعيت به أجبت ، وإذا سئلت به أعطيت وأسألك بحقّ أنبيائك المرسلين ، وبحقّ حملة عرشك ، وبحقّ ملائكتك المقرّبين ، وبحقّ جبرئيل وميكائيل وإسرافيل ، وبحقّ محمّد وآله وعترته صلواتك عليهم أن تصلّي على محمّد وآله ، وأن تجعل خير عمري آخره ، وخير أعمالي خواتيمها ، وأسألك مغفرتك ورضوانك يا أرحم الرّاحمين (١).

حوى هذا الدعاء كوكبة من صفات الله تعالى ، التي منها علمه الذي لا يحدّ ، وقدرته التي لا حدّ لها ، فسبحان الله ، وتعالى شأنه ، وعظمت قدرته.

دعاؤه عليه‌السلام

بعد الصلاة في مسجد الجعفي

كان الإمام عليه‌السلام يذهب إلى جامع الجعفي في الكوفة ومعه صاحبه وخليله ميثم التمّار فيصلّي فيه أربع ركعات وبعد الفراغ منها يدعو بهذا الدعاء :

الهي كيف أدعوك وقد عصيتك ، وكيف لا أدعوك وقد عرفتك ، وحبّك في قلبي مكين ، مددت إليك يدا بالذّنوب مملوّة ، وعينا بالرّجاء ممدودة.

إلهي أنت مالك العطايا ، وأنا أسير الخطايا ، ومن كرم العظماء الرّفق بالأسراء ، وأنا أسير بجرمي ، مرتهن بعملي.

إلهي ما أضيق الطّريق على من لم تكن دليله ، وأوحش المسلك على من لم

__________________

(١) مكارم الأخلاق : ٣٢٩.

١٢٩

تكن أنيسه.

إلهي لئن طالبتني بذنوبي لأطالبنّك بعفوك ، وإن طالبتني بسريرتي لأطالبنّك بكرمك ، وإن طالبتني بشرّي لأطالبنّك بخيرك ، وإن جمعت بيني وبين أعدائك في النّار لأخبرنّهم أنّي كنت محبّا لك ، وأنّني كنت أشهد أن لا إله إلاّ الله.

إلهي هذا سروري بك خائفا ، فكيف سروري بك آمنا. إلهي الطّاعة تسرّك ، والمعصية لا تضرّك ، فهب لي ما تسرّك ، واغفر لي ما لا تضرّك ، وتب عليّ إنّك أنت التّوّاب الرّحيم.

اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، وارحمني إذا انقطع من الدّنيا أثري ، وانمحى من المخلوقين ذكري ، وصرت من المنسيّين كمن نسي.

إلهي كبر سنّي ، ودقّ عظمي ، ونال الدّهر منّي ، واقترب أجلي ، ونفدت أيّامي ، وذهبت محاسني ، ومضت شهوتي ، وبقيت تبعتي ، وبلي جسمي ، وتقطّعت أوصالي ، وتفرّقت أعضائي ، وبقيت مرتهنا بعملي.

إلهي أفحمتني الذّنوب ، وانقطعت مقالتي ، ولا حجّة لي.

إلهي أنا المقرّ بذنبي ، المعترف بجرمي ، الأسير بإساءتي ، المرتهن بعملي ، المتهوّر في خطيئتي ، المتحيّر عن قصدي ، المنقطع بي ، فصلّ على محمّد وآل محمّد ، وتفضّل عليّ وتجاوز عنّي.

إلهي إن كان صغر في جنب طاعتك عملي فقد كبر في جنب رجائك أملي.

إلهي كيف أنقلب بالخيبة من عندك محروما ، وكلّ ظنّي بجودك أن تقلبني بالنّجاة مرحوما.

إلهي لم اسلّط على حسن ظنّي بك قنوط الآيسين ، فلا تبطل صدق رجائي من بين الآملين. إلهي عظم جرمي إذ كنت المطالب به ، وكبر ذنبي إذ كنت

١٣٠

المبارز به ، إلاّ أنّي إذا ذكرت كبر ذنبي وعظم عفوك وغفرانك وجدت الحاصل بينهما لي أقربهما إلى رحمتك ورضوانك.

إلهي إن دعاني إلى النّار مخشيّ عقابك ، فقد ناداني إلى الجنّة بالرّجاء حسن ثوابك.

إلهي إن أوحشتني الخطايا عن محاسن لطفك فقد آنستني باليقين مكارم عفوك.

إلهي إن أنامتني الغفلة عن الاستعداد للقائك فقد أنبهتني المعرفة يا سيّدي بكرم آلائك.

إلهي إن عزب لبّي عن تقويم ما يصلحني فما عزب إيقاني بنظرك إليّ فيما ينفعني.

إلهي إن انقرضت بغير ما أحببت من السّعي أيّامي فبالإيمان أمضيت السّالفات من أعوامي.

إلهي جئتك ملهوفا ، وقد ألبست عدم فاقتي ، وأقامني مع الأذلاّء بين يديك ضرّ حاجتي.

إلهي كرمت فأكرمني ، إذ كنت من سؤّالك ، وجدت بالمعروف فأخلطني بأهل نوالك.

إلهي أصبحت على باب من أبواب منحك سائلا ، وعن التّعرّض لسواك بالمسألة عادلا ، وليس من شأنك ردّ سائل ملهوف ، ومضطرّ لانتظار خير منك مألوف.

إلهي أقمت على قنطرة الأخطار ، مبلوّا بالأعمال والاختيار إن لم تعن عليهما بتخفيف الأثقال والآصار.

١٣١

إلهي أمن أهل الشّقاء خلقتني فاطيل بكائي ، أم من أهل السّعادة خلقتني فأبشّر رجائي.

إلهي إن حرمتني رؤية محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وصرفت وجه تأميلي بالخيبة عن ذلك المقام ، فغير ذلك منّتني نفسي يا ذا الجلال والإكرام والطّول والإنعام.

إلهي لو لم تهدني إلى الإسلام ما اهتديت ، ولو لم ترزقني الإيمان بك ما آمنت ، ولو لم تطلق لساني بدعائك ما دعوت ، ولو لم تعرّفني حلاوة معرفتك ما عرفت.

إلهي إن أقعدني التّخلّف عن السّبق مع الأبرار فقد أقامتني الثّقة بك على مدارج الأخيار. إلهي قلب حشوته من محبّتك في دار الدّنيا كيف تسلّط عليه نارا تحرقه في لظى.

إلهي كلّ مكروب إليك يلتجئ ، وكلّ محروم لك يرتجي.

إلهي سمع العابدون بجزيل ثوابك فخشعوا ، وسمع المزلّون عن القصد بجودك فرجعوا ، وسمع المذنبون بسعة رحمتك فتمتّعوا ، وسمع المجرمون بكرم عفوك فطمعوا ، حتّى ازدحمت عصائب العصاة من عبادك ، وعجّ إليك كلّ منهم عجيج الضّجيج بالدّعاء في بلادك ، ولكلّ أمل ساق صاحبه إليك وحاجة ، وأنت المسئول الّذي لا تسودّ عنده وجوه المطالب صلّ على محمّد نبيّك وآله ، وافعل بي ما أنت أهله إنّك سميع الدّعاء (١).

أرأيتم هذا التضرّع والاستعطاف والخشوع والإنابة إلى الله تعالى؟

أرأيتم كيف ذابت نفس الإمام عليه‌السلام أمام الله إجلالا وعبودية له؟

__________________

(١) الصحيفة العلوية الثانية : ٤٦ ـ ٥١ ، نقلا عن مزار محمّد بن المشهدي.

١٣٢

ادعيته عليه‌السلام

في شهر رمضان المبارك

كان الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام يستقبل شهر رمضان المبارك بسرور بالغ لأنّه شهر الله ، وشهر الطاعة والمغفرة ، وهذه بعض أدعيته :

دعاؤه عليه‌السلام

عند رؤية الهلال

وكان الإمام يسارع إلى رؤية هلال رمضان المبارك فإذا رآه دعا بهذا الدعاء :

اللهمّ أهلّه علينا بالأمن والإيمان ، والسّلامة والإسلام ، والعافية المجلّلة ، والرّزق الواسع ، ودفع الأسقام. اللهمّ ارزقنا صيامه وقيامه ، وتلاوة القرآن فيه ، اللهمّ سلّمه لنا ، وتسلّمه منّا وسلّمنا فيه (١).

دعاؤه عليه‌السلام

عند الإفطار

وقبل أن يتناول الإمام عليه‌السلام الإفطار يدعو بهذا الدعاء :

اللهمّ لك صمنا ، وعلى رزقك أفطرنا ، فتقبّله منّا ، إنّك أنت السّميع العليم (٢).

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض أدعيته عليه‌السلام في عباداته الواجبة والمندوبة.

__________________

(١) الصحيفة العلوية : ١٨٤.

(٢) الصحيفة العلوية : ١٨٤.

١٣٣
١٣٤

مع الله في الصّباح والمساء

١٣٥
١٣٦

كان إمام المتّقين وزعيم الموحّدين عليه‌السلام مشغولا في جميع أوقاته بذكر الله تعالى ، وتمجيده وتحميده ، فلم ينقطع لحظة واحدة عن عبادة الله تعالى وطاعته ، وقد أثرت عنه كوكبة من الأدعية الشريفة كان يتلوها في صباح كلّ يوم ، وبعضها في المساء ، والبعض الآخر كان يقرؤها في الصباح والمساء ، نذكر طائفة منها :

ادعيته عليه‌السلام

في الصباح والمساء

ونقل الرواة مجموعة من الأدعية كان الإمام عليه‌السلام يقرؤها في الصباح ، وهي :

دعاؤه عليه‌السلام

عند طلوع الشمس

إذا أشرقت الشمس ، وهي من آيات الله العظيمة دعا الإمام عليه‌السلام بهذا الدعاء :

أيّتها الشّمس البديعة التّصوير ، المعجزة التّقدير ، الّتي جعلت سراجا للإبصار ، ونفعا لسكّان الأمصار ، شروقك حياة ، وغروبك وفاة ، إن طلعت بأمر عزيز ، وإن رجعت إلى مستقرّ حريز ، أسأل الّذي زيّن بك السّماء ، وألبسك الضّياء ، وصدّع لك أركان المطالع ، وحجبك بالشّعاع اللاّمع ، فلا يشرف بك شيء

١٣٧

إلاّ امتحق ، ولا يواجهك بشر إلاّ احترق ، أن يهب لنا بك من الصّحّة ، ودفع العلّة ، وردّ الغربة ، وكشف الكربة ، وأن يقينا من الزّلل ، ومتابعة الهوى ، ومصاحبة الرّدى ، وأن يمنّ علينا من العمر بأطوله ، ومن العمل بأفضله ، وأن يجعلك لقضاء جديد سعيد ، يؤذن بلباس الصّحّة ، ويضمن دفاع النّقمة.

اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، وأتمم علينا آلاءك الّتي أوليتنيها واحرس علينا عوارفك الّتي أسديتنيها إنّك وليّ الإحسان ، وواهب الامتنان ، ذو الطّول الشّديد ، فعّال لما يريد ، والحمد لله ربّ العالمين ، وهو حسبنا ونعم الوكيل (١).

الشمس طاقة ملتهبة من الحرارة تمدّ كوكب الأرض الذي نعيش عليه بالحياة ، وهي ترسل أشعتها الحرارية إلى الأرض بمقدار معيّن ، فلو زادت لاحترقت الأرض ، ولو نقصت لأصبحت جليدا ، ولولاها لانعدمت الحياة بالنسبة إلى الكائنات الحيّة في الأرض ، ومعدّل بعدها عنّا (٩٣) مليون ميل ، وهي كتلة مشتعلة من الغاز ، تتولّد طاقتها من الانفجارات المتوالية التي تحدث حين يتبدّل الهيدروجين الذي هو أحد عناصرها إلى مادة جديدة هي الهيليوم ، ويصاحب هذا التغيير صدور طاقة هائلة تنتج عنها حرارة وضوء ، ويتحوّل في كلّ ثانية ستمائة مليون طن من الهيدروجين إلى (٥٩٦) ألف مليون من الهليوم وتتولّد منها طاقة مقدارها أربعة ملايين طن من الضوء ، وفقا لمذهب اينشتين في تحوّل المادة إلى طاقة (٢) ، وهذا الكوكب العملاق يسبح في الفضاء ويسير بقدرة الله بسير منتظم في منتهى الدقّة ، فسبحان الخالق العظيم الذي ما عرفه حقّ معرفته إلاّ إمام المتّقين ، وباب مدينة علم سيّد النبيّين ، وقد ألمح إلى بعض محتويات الشمس هذا الدعاء الجليل.

__________________

(١) جمال الاسبوع للسيّد ابن طاوس : ٢٢٩ ـ ٢٣٠.

(٢) رحلة في الفضاء : ٢٧ ـ ٢٨.

١٣٨

من ادعية الإمام

دعاء الصباح

ومن بين أدعية الإمام عليه‌السلام هذا الدعاء العظيم الذي كان يدعو به في الصباح ، وقد احتوى على أسرار عجيبة ، وامور بالغة الأهميّة ، قد ألقت الأضواء على عظيم قدرة الله وبدائع صنعه ، وهذا نصّه :

اللهمّ يا من دلع لسان الصّباح بنطق تبلّجه ، وسرّح قطع اللّيل المظلم بغياهب تلجلجه ، وأتقن صنع الفلك الدّوّار في مقادير تبرّجه وشعشع ضياء الشّمس بنور تأجّجه ...

حكت هذه الكلمات بعض آيات الله تعالى العظام ، وعجائب مخلوقاته ، والتي منها :

١ ـ اندلاع نور الصبح ، بعد ما كان الكون يسرح في قطع من الليل المظلم ، فقد طواها الله ، بإشراق الشمس وجعل الفضاء مشرقا بنور هذا الكوكب العملاق الذي بدّد الظلام.

٢ ـ من عظيم قدرة الله تعالى إتقانه صنع الفلك الدوّار وايجاد بروج له كانت في منتهى الدقّة والروعة.

٣ ـ من عجيب مخلوقات الله تعالى الضياء الذي يستوعب الكون من كوكب الشمس ، فقد كان بمنتهى الابداع ، وهو أحد آيات الله تعالى ، ألم يعجز الفكر عن تصوّرها؟ فسبحان الله المبدع في خلقه وإيجاده لهذا الكون! ... ويأخذ إمام الموحّدين في دعائه قائلا :

١٣٩

يا من دلّ على ذاته بذاته ، وتنزّه عن مجانسة مخلوقاته ، وجلّ عن ملاءمة كيفيّاته ، يا من قرّب من خطرات الظّنون ، وبعد عن لحظات العيون ، وعلم بما كان قبل أن يكون ...

حوت هذه الفقرات المشرقة من دعاء الإمام عليه‌السلام ما يلي :

١ ـ أنّ الله تعالى دلّ على ذاته العظيمة بذاته ، وذلك بتكوينه وإيجاده لهذا الكون المليء بالعجائب والغرائب التي حار فيها العقل ؛ فكلّ ذرّة من مخلوقاته تنادي بوجوده تعالى ، وتدلّل عليه ، فإنّه من المستحيل تعقّل وجودها بمنتهى الروعة والدقّة من دون أن يكون لها مكوّن ، وقد باءت بالفشل والخزي آراء الملحدين في هذا العصر الذي انطلقت فيه السفن الفضائية إلى الفضاء الخارجي ، وصوّرت بعض الكواكب التي تدور في فلكها الخاصّ بانتظام عجيب وأرسلت صورها إلى الأرض ، وقد طويت بذلك وانحسرت جميع أفكار الملحدين ، واتّجه الناس صوب الله ، والاقرار له بالوحدانية.

ومن الجدير بالذكر أنّ روّاد الفضاء الذين هبطوا على القمر اتّجهوا بعد نزولهم إلى الأرض نحو الكنائس لعبادة الله تعالى ، فقد هالتهم وأذهلتهم صور الكواكب ودورانها في أفلاكها فسبحان الله العظيم.

٢ ـ ومن فقرات هذا الدعاء أنّ الله تعالى تنزّه عن مشابهة مخلوقاته ومجانستهم فإنّها جميعا عرضة للفناء والزوال ، وليس أيّ صفة من صفاته التي هي عين ذاته تضارع صفات المخلوقين التي تحتاج إلى علّة مؤثّرة في إيجادها.

٣ ـ ومن بنود هذا الدعاء أنّ الله تعالى قريب إلى الفكر فيؤمن به الإنسان بأدنى تأمّل إلاّ أنّ العيون لا تبصره ، وكيف يبصر الممكن بوجود الخالق العظيم العالم بما كان قبل أن يوجد ويكون؟ ويستمرّ الإمام عليه‌السلام في دعائه قائلا :

١٤٠