موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام - ج ٤

باقر شريف القرشي

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام - ج ٤

المؤلف:

باقر شريف القرشي


المحقق: مهدي باقر القرشي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية
الطبعة: ٢
ISBN: 964-94388-6-3
الصفحات: ٢٧٧

١
٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ )

البقرة : الآية ١٨٦

( وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً )

يونس : الآية ١٢

( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ )

النمل : الآية ٦٢

( وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ )

الرّوم : الآية ٣٣

٣
٤

تقديم

١

الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام سيّد الموحّدين وإمام المتّقين وداعية الله في الأرض بعد أخيه وابن عمّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد كانت له جولات مشرقة على منبر الإسلام في الكوفة ، وهو يشيع حقائق التوحيد ، وينشر بدائع التكوين التي هي من آيات الله خالق الكون وواهب الحياة.

وهكذا كان الإمام في جميع فترات حياته عنصرا من عناصر الإيمان ومركزا من مراكز التوحيد ، قد رفع كلمة الله ، ووهب العقول نورا أضاء لها الطريق ، وبدّد فيها ظلمات الجهل ، وقادها إلى معرفة المبدع العظيم.

٢

وبرزت على مسرح الحياة الروحية في الإسلام أدعية الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وهي وثائق مهمّة عن تقواه وشدّة اتّصاله وانقطاعه إلى الله تعالى ، ومعرفته به ، كما أنّها في نفس الوقت بلسم للنفوس الحائرة والغارقة في متاهات هذا الكون تدفعها إلى الاستقامة والاصلاح الشامل ؛ لا في ميادين السلوك فحسب ، وإنّما لتهذيب الغرائز وتطهيرها من مآثم هذه الحياة ؛ وقد كتب لها ولسائر أدعية أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام النجاح

٥

الهائل ، فكانت من أكثر الكتب الدينية رواجا ، وإقبالا عند معظم أبناء الشيعة وغيرهم ، ولا تجد بيتا من بيوت العارفين أو مركزا دينيا إلاّ مزيّنا بإحدى النسخ من أدعية الأئمّة الطاهرين عليهم‌السلام ؛ تتلى في آناء النهار وأدبار الليل.

٣

ووضع الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام المناهج المشرّفة لآداب الدعاء وكيفيّته ، فقد علمنا كيف ندعو الله تعالى ، وكيف نتضرّع ونلجأ إليه ، وكيف نقف أمامه بخشوع وتذلّل ، لا نرى لأنفسنا أي قيمة أو وجود.

لقد علّمنا عملاق المتّقين أنّ الإنسان بما يملك من طاقات فكرية ومادية لا شيء أمام الخالق العظيم ، فإنّ الكوكب الذي يعيش عليه الإنسان ، إنّما هو ذرّة بسيطة تسبح في هذا الفضاء اللاّمتناهي الذي حيّر الأفكار وبلبل العقول ، وهي إحدى مخلوقاته تعالى شأنه.

٤

إنّ الإنسان بحسب فطرته التي فطره الله عليها يشعر شعورا ذاتيا بوجود خالق ، ومكوّن له ، يفزع ويلجأ إليه إذا ألمّت به كارثة من كوارث الدهر ، أو طافت به إحدى الأزمات ، وهذه الظاهرة متأصّلة بالإنسان ، ومرتبطة بوجوده منذ بداية تكوينه ، وهيهات أن تنفصل عنه ، فإنّ الذاتيات لا تتبدّل ولا تتغيّر حسبما يقول علماء المنطق.

وقد فتح الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام بأدعيته المشرقة أبواب الاتّصال بالله تعالى ، اتّصالا يقوم على العبودية المطلقة للإنسان تجاه ربّه وخالقه ، فإنّه لا قيمة للإنسان ولا حقيقة له ما لم يرتبط بالله الذي هو الغاية التي لا غاية غيرها في هذا الوجود.

٦

٥

ولم تقتصر أدعية الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام وسائر أدعية الأئمّة الطاهرين من أبنائه على مناجاة الله تعالى وطلب عفوه ومغفرته وغير ذلك من القضايا الروحية ، فقد تعرّض بعضها إلى الشؤون التربوية والاجتماعية ، كما صوّر بعضها الحالة السياسية وما يعانيه المسلمون من الظلم والجور من حكّام عصورهم من أمويّين وعباسيّين. إنّ أدعية الأئمّة الطاهرين عليهم‌السلام حافلة بكلّ ما ينفع الناس ، وبما تسمو به حياتهم الفردية والاجتماعية ، وهي تمثّل الفكر الإسلامي تجاه القضايا الروحية ، وبالاضافة إلى أنّها من مناجم الثقافة فقد بلغت الذروة في فصاحتها وبلاغتها ، ونظمت في أرقى أسلاك الأدب العربي ؛ ممّا جعلها من ذخائره ، ومن أميز ألوانه.

٦

إنّ أدعية الأئمّة الطاهرين عليهم‌السلام بصورة عامّة من كنوز التوحيد ، ومن أهمّ الوسائل المشرقة في الوصول إلى الله تعالى ، وهي تكشف بصورة واضحة عن مدى تعلّقهم عليهم‌السلام بالله واتّصالهم به.

ومن الجدير بالذكر أنّ المرحوم الدكتور زكي مبارك المصري حاول أن يكتب عن أدب الدعاء الذي أثر عن بعض أئمّة المذاهب الإسلامية وزعماء الصوفيّين ، ولكنّه لم يطّلع على أدعية أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام ، وقد عرض رغبته الملحّة على عميد الرابطة الأدبية في النجف الأشرف وشيخ الخطباء الشيخ محمّد علي اليعقوبي رحمه‌الله ، فسأله هل اطّلعت على أدعية أئمّة الهدى عليهم‌السلام؟ فأجاب بالنفي ، فبادر اليعقوبي فقدّم له الصحيفة السجّادية التي هي زبور آل محمّد ، وبعض كتب الأدعية الاخرى ، فلمّا اطّلع عليها بهر

٧

بها ، وسارع إلى الشيخ اليعقوبي ، وملأ فكره الإعجاب والإكبار بها ، وراح يقول أمام أعضاء الرابطة : إنّ أدعية الأئمّة عليهم‌السلام من كنوز الإسلام ، ومن أعزّ وأثمن ما يملكه المسلمون من التراث الروحي.

٧

والشيء المحقّق أنّه لم تملك أيّة طائفة من الطوائف الإسلامية وسائر الأديان السماوية مثل ما تملكه الشيعة من الأدعية التي أثرت عن أئمّتهم ، فإنّ هذا التراث الروحي المبدع الخلاّق قد ساهم مساهمة إيجابية وفعّالة في إصلاح النفوس ، وتهذيب الغرائز ، ورفع المستوى الفكري للإنسان. وقد كانت أدعية الأئمّة موضع اهتمام بالغ عند الأوساط العلمية من الشيعة ، وقد نظر إليها علماؤهم باعتزاز وفخر ، فقد اعتزّ العالم الكبير السيّد ابن طاوس بها وذكر في رسالته « كشف المحجّة لثمرة المهجة » التي ألّفها إلى ولده أنّ من نعم الله تعالى عليه أنّه يملك في مكتبته من كتب الأدعية التي أثرت عن أجداده الأئمّة الطيّبين ثمانمائة كتاب ولم تحظ بها المكتبة الإسلامية ، ولعلّه يوجد بعضها في خزائن الكتب المخطوطة في العالم.

٨

وليس هذا الكتاب أوّل ما ألّف في أدعية الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام فقد سبق أن ألّف فيها بعض السادة العلماء التالية أسماؤهم :

١ ـ الشيخ عبد الله بن صالح البحراني السماهيجي المتوفّى سنة ١١٣٥ ه‍ (١) : فقد

__________________

(١) الذريعة ١٢ : ٢٣.

٨

جمع أدعية الإمام بكتاب أسماه الصحيفة العلوية المباركة ، طبعت في ايران سنة ١٣٢٥ ه‍ ، وطبعت ثانيا في بيروت في مطبعة دار التعارف ، ولم يشر المؤلّف إلى المصادر التي اقتبس منها أدعية الإمام ، فقد كانت جميعا مرسلة ، ومضافا لذلك فإنّ بعض الأدعية ركيكة جدا ، وليست في المستوى البلاغي الذي ينسجم مع كلمات الإمام التي هي في قمّة البلاغة والفصاحة ، مضافا إلى عدم التنسيق والربط بين الأدعية.

٢ ـ العلاّمة الشيخ حسين بن محمّد تقي النوري الطبرسي : فقد استدرك من الأدعية التي لم يعثر عليها الشيخ عبد الله البحراني ، وجمعها في كتاب أسماه الصحيفة العلوية الثانية ، وتمتاز على الصحيفة الاولى أنّه أشار في كلّ دعاء إلى سنده وإلى المصدر الذي أخذه منه ، بالإضافة إلى جودة الأدعية التي ذكرها.

٣ ـ المحقّق الكبير شيخنا المعظّم العلاّمة الشيخ محمّد باقر المحمودي حفظه الله :

فقد أفرد كتابا خاصّا لأدعية الإمام عليه‌السلام في موسوعته القيّمة « نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة » وذكر مصادر الأدعية وهو جهد رائع ومشكور عليه. وعلى أي حال فقد استندت في معظم ما كتبته من أدعية الإمام إلى هذه المصادر ، كما استندت إلى بعض المصادر الأخرى ، وقد أشرت إليها في هامش الكتاب ، وقد بوّبت الأدعية ، وعلّقت على الكثير منها آملا أن يجد القارئ المتعة والفائدة وهو ما أتمنّاه.

٩

وأعود للحديث ـ بإيجاز ـ عن أدعية الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فإنّها ـ من المؤكّد ـ ضمان لتهذيب النفوس ، وصيانة لها من التلوّث بمآثم هذه الحياة ، فقد فتحت باب الاتّصال ما بين العبد وخالقه الذي بيده جميع مجريات الأحداث. وممّا لا شبهة فيه أنّ عرض أدعية الإمام عليه‌السلام ، وسائر مثله العليا ، فيها خدمة للأمّة لأنّها من أروع الأرصدة

٩

الروحية والفكرية التي يملكها العالم الإسلامي ، ومن المؤكّد أنّ إشاعتها بين الناس من أسمى الخدمات التي تقدّم للمسلمين ، خصوصا في مثل هذه الظروف الحسّاسة التي تهالكت فيها الدول الكبرى ، وقادتها الصهيونية العالمية ، إلى نهب ثروات المسلمين وإذلالهم ، وجعلهم مناطق نفوذ لها.

وإنّا نتضرّع إلى الله تعالى أن ينقذنا من كيدهم ومكرهم ، وينقذ الإنسانية من شرورهم وآثامهم ، إنّه تعالى وليّ ذلك والقادر عليه.

النّجف الأشرف

١٥ / شهر رمضان المبارك / ١٤١٩ هـ

١٠

في رحاب الدّعاء

١١
١٢

كان الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام مولعا بالدعاء ، والابتهال إلى الله في جميع أوقاته ، فكان يلهج بذكره في آناء الليل وأدبار النهار ، في حلّه وترحاله ، وفي ساحات الحروب ، ويذكر بمزيد من التذلّل والخضوع عظيم قدرته ، وعجيب مخلوقاته ، وبديع صنعه ، ورحمته على عباده ، وقد أثر عنه من الأدعية ما لا يحصى.

وقبل الخوض في ذكر بعض أدعية الإمام عليه‌السلام نعرض إلى بعض أحاديثه التي أدلى بها عن فوائد الدعاء ، ومدى أهميّته ، وغير ذلك ممّا يرتبط بالموضوع.

فائدة الدعاء :

وحفل الدعاء إلى الله تعالى بطاقات مشرقة من الفوائد ، وقد أدلى الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ببعضها قال :

« جعل ـ أي الله ـ في يديك مفاتيح خزائنه بما أذن لك فيه من مسألته ، فمتى شئت استفتحت بالدّعاء أبواب نعمته ، واستمطرت شابيب رحمته ، يقنّطنّك إبطاء إجابته ، فإنّ العطيّة على قدر النّيّة ، وربّما اخّرت عنك الإجابة ليكون ذلك أعظم لأجر السّائل ، وأجزل لعطاء الآمل ، وربّما سألت الشّيء فلا تؤتاه ، وأوتيت خيرا منه عاجلا أو آجلا ، أو صرف عنك لما هو خير لك ، فلربّ أمر قد طلبته فيه هلاك دينك لو أوتيته. رحب واديك ، وعزّ ناديك ، ولا ألمّ بك ألم ، ولا طاف بك عدم » (١).

__________________

(١) ربيع الأبرار ٢ : ٢١٨ ـ ٢١٩.

١٣

وحكت هذه الكلمات الأهمّية البالغة للدعاء ، وأنّه مفتاح خزائن رحمة الله تعالى وأبواب نعمته ، وأيّ مكسب أعظم عائدة على الإنسان منه؟! كما حكت بعض الأسباب التي تؤخّر إجابة الدعاء ، والتي منها أنّ الله يعطي العبد خيرا ممّا سأله إن عاجلا أو آجلا ، وقد يكون ممّا سأله العبد فيه هلاكه وهو لا يعلم ذلك ، وقد خفي عليه ...

وفي حديث آخر له عليه‌السلام : « لا تعجزوا عن الدّعاء ، فإنّه لا يهلك مع الدّعاء أحد » (١).

الدعاء سلاح المؤمن :

قال عليه‌السلام : « الدّعاء سلاح المؤمن ، وعماد الدّين ، ونور السّماوات والأرض » (٢).

إنّ خير وسيلة يلجأ إليها الإنسان هي الدعاء والابتهال إلى الله تعالى في دفع السوء والمكروه ، فإنّ بيده تعالى جميع مجريات الأحداث ، وهو لا غيره القادر على إنقاذ الإنسان ممّا ألمّ به من محن الدنيا.

وجاء في حديث آخر للإمام عليه‌السلام : « الدّعاء ترس المؤمن ، ومتى تكثر قرع الباب يفتح لك » (٣).

وفي حديث ثالث للإمام : « الدّعاء مفاتيح النّجاح ، ومقاليد الفلاح ، وخير الدّعاء ما صدر عن صدر نقيّ ، وقلب تقيّ ، وفي المناجاة سبب النّجاة ، وبالإخلاص يكون الخلاص ، فإذا اشتدّ الفزع فإلى الله المفزع » (٤).

وهذه الأحاديث تؤكّد مدى الأهميّة البالغة للدعاء ، فهو مفتاح النجاح ،

__________________

(١) ربيع الأبرار ٢ : ٢٠٨.

(٢) و (٣) أصول الكافي ٢ : ٤٦٨.

(٤) وسائل الشيعة ٧ : ٦٤.

١٤

وسبب النجاة ، وأنّ أفضل ألوان الدعاء هو الذي يصدر من قلب تقي مطمئنّ بالإيمان والإخلاص.

فضل الدعاء :

وتظافرت الأخبار عن أئمّة الهدى عليهم‌السلام في فضل الدعاء والحثّ عليه ، قال الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام : « أحبّ الأعمال إلى الله عزّ وجلّ في الأرض الدّعاء ، وأفضل العبادة العفاف » (١).

الإقبال على الدعاء :

أمّا الإقبال على الدعاء فهو أحد الشروط في استجابته ، قال الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام : « لا يقبل الله عزّ وجلّ دعاء قلب لاه ».

وكان عليه‌السلام يأمر بتوجّه القلب في الدعاء إلى الميّت قال : « إذا دعا أحدكم للميّت فلا يدع له وقلبه لاه عنه ، ولكن ليجتهد له في الدّعاء » (٢).

الأوقات التي يستجاب بها الدعاء :

وحدّد الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام الأوقات التي يستجاب فيها الدعاء ، قال عليه‌السلام :

« اغتنموا الدّعاء عند أربع : عند قراءة القرآن ، وعند الأذان ، وعند نزول الغيث ، وعند التقاء الصّفّين للشّهادة » (٣).

__________________

(١) أصول الكافي ٢ : ٤٦٧. وسائل الشيعة ٧ : ٣١.

(٢) أصول الكافي ٢ : ٤٧٣.

(٣) وسائل الشيعة ٧ : ٦٤.

١٥

فتح باب الإجابة :

ولمّا ندب الله تعالى عباده إلى الدعاء ، فقد فتح لهم باب الإجابة ، قال الإمام عليه‌السلام :

« ما كان الله ليفتح باب الدّعاء ويغلق عليه باب الإجابة » (١).

وقال عليه‌السلام : « من اعطي الدّعاء لم يحرم الإجابة » (٢).

وقد أعلن القرآن الكريم ذلك قال تعالى :

( وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ ).

وكان من وصايا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام :

« يا عليّ! أوصيك بالدّعاء ؛ فإنّ معه الإجابة ، وبالشّكر ؛ فإنّ معه المزيد ، وأنهاك عن أن تخفر عهدا وتعين عليه ، وأنهاك عن المكر ؛ فإنّه لا يحيق المكر السّيّئ إلاّ بأهله ، وأنهاك عن البغي ، فإنّه من بغي عليه لينصرنّه الله » (٣).

وحفلت وصيّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام بمكارم الأخلاق ومحاسن الآداب ، وهي أنموذج للخلق الإسلامي المتكامل.

الدعاء مخّ العبادة :

الدعاء روح العبادة إذا كان عن نيّة صادقة ، وقلب مترع بالإيمان ، قال عليه‌السلام :

« الدّعاء مخّ العبادة » (٤).

__________________

(١) وسائل الشيعة ٧ : ٢٧.

(٣) المصدر المتقدّم : ٢٩.

(٢) و (٤) المصدر المتقدّم : ٢٨.

١٦

حاجة الناس إلى الدعاء :

قال عليه‌السلام : « ما المبتلى الّذي قد اشتدّ به البلاء بأحوج إلى الدّعاء من المعافى الّذي لا يأمن البلاء » (١).

الناس بجميع أصنافهم المعافي والمبتلى منهم في حاجة إلى الدعاء والابتهال إلى الله تعالى ليصرف عنهم المكروه والسوء.

الثناء على الله قبل الدعاء :

ووضع الإمام عليه‌السلام منهجا للدعاء ، وهو أن يثني الإنسان على الله تعالى ويمجّده قبل الدعاء ، فقد روى الإمام أبو عبد الله عليه‌السلام قال :

« إنّ في كتاب أمير المؤمنين : إنّ المدحة قبل المسألة ، فإذا دعوت الله عزّ وجلّ فمجّده ».

فقيل له : كيف يمجّد؟ فقال عليه‌السلام :

« تقول : يا من هو أقرب إليّ من حبل الوريد! يا فعّالا لما يريد! يا من يحول بين المرء وقلبه! يا من هو بالمنظر الأعلى! يا من هو ليس كمثله شيء » (٢).

وأكّد الإمام عليه‌السلام ذلك في حديث آخر له قال :

« السّؤال بعد المدح ، فامدحوا الله عزّ وجلّ ثمّ اسألوا الحوائج ، اثنوا على الله عزّ وجلّ وامدحوه قبل طلب الحوائج » (٣).

__________________

(١) وسائل الشيعة ٧ : ٢٨.

(٢) المصدر المتقدّم : ٨٠.

(٣) وسائل الشيعة ٧ : ٨٣. الخصال ٢ : ١٦٩.

١٧

الصلاة على النبيّ قبل الدعاء :

أرشد الإمام عليه‌السلام الداعين إلى الله في قضاء مهمّاتهم أن يصلّوا على النبيّ وآله قبل الدعاء ، فإنّه أقرب إلى الإجابة ، قال عليه‌السلام : « إذا كانت لك إلى الله حاجة فابدأ بمسألة الصّلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ سل حاجتك ، فإنّ الله أكرم من أن يسأل حاجتين فيقضي إحداهما ويمنع الاخرى » (١).

وقال عليه‌السلام : « كلّ دعاء محجوب عن السّماء حتّى يصلّى على محمّد وآله » (٢).

إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مصدر الخير والرحمة لجميع الكائنات ، والصلاة عليه سبب لاستجابة الدعاء ، والتقرّب منه تعالى.

استجابة دعاء أطفال العلويّين :

وأكّد الإمام عليه‌السلام على أنّ دعاء أطفال السادة مستجاب ، قال : « دعاء أطفال ذرّيّتي مستجاب ما لم يقارفوا الذّنوب » (٣).

إنّ للسادة العلويّين أعزّهم الله منزلة كريمة عند الله تعالى ، وأهمّية بالغة ، وذلك لما لآبائهم العظام من خدمات للإسلام وأياد بيضاء أسدوها على المسلمين ، والله تعالى يضمن لأبنائهم إجابة الدعاء ويجزل لهم المزيد من الكرامات.

دعاؤه في استجابة الدعاء :

روى معاوية بن عمّار أنّ الإمام الصادق عليه‌السلام قال له ابتداء : يا معاوية! أمّا

__________________

(١) وسائل الشيعة ٧ : ٩٧.

(٢) ثواب الأعمال : ٨٥.

(٣) ربيع الأبرار ٢ : ٢٤٩.

١٨

علمت أنّ رجلا أتى أمير المؤمنين عليه‌السلام فشكى الإبطاء عليه في الجواب في دعائه ، فقال له : فأين أنت عن الدعاء سريع الإجابة؟ فقال له الرجل : ما هو؟ قال : قل :

« اللهمّ! إنّي أسألك باسمك العظيم الأعظم ، الأجلّ الأكرم ، المخزون المكنون ، النّور الحقّ ، البرهان المبين ، الّذي هو نور مع نور ، ونور من نور ، ونور في نور ، ونور على نور ، ونور فوق كلّ نور ، ونور يضيء به كلّ ظلمة ، ويكسر به كلّ شدّة وكلّ شيطان مريد ، وكلّ جبّار عنيد ، لا تقرّ به أرض ، ولا تقوم به سماء ، ويأمن به كلّ خائف ، ويبطل به سحر كلّ ساحر ، وبغي كلّ باغ ، وحسد كلّ حاسد ، ويتصدّع لعظمته البرّ والبحر ، ويستقلّ به الفلك حين يتكلّم به الملك ، فلا يكون للموج عليه سبيل ، وهو اسمك الأعظم الأعظم ، الأجلّ الأجلّ ، النّور الأكبر الّذي سمّيت به نفسك ، واستويت به على عرشك ، وأتوجّه إليك بمحمّد وأهل بيته ، أسألك بك وبهم أن تصلّي على محمّد وآل محمّد ... » ويذكر حاجته (١).

وبهذا نطوي الحديث عن بعض ما نقله الرواة عن الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام في فضل الدعاء وأهمّيته وما يتّصل بذلك من بحوث.

__________________

(١) أصول الكافي ٢ : ٥٨٢.

١٩
٢٠