مفتاح الأصول - ج ٤

آية الله الشيخ إسماعيل الصالحي المازندراني

مفتاح الأصول - ج ٤

المؤلف:

آية الله الشيخ إسماعيل الصالحي المازندراني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: نشر الصالحان
الطبعة: ١
ISBN: 964-7572-10-7
الصفحات: ٣٩٩

ومعنى كون الخبرين المشهورين ـ كما ورد في الرّوايتين المتقدّمتين ـ أنّهما ممّا علم صدورهما عنهم عليهم‌السلام وهذا لا إشكال فيه مع كونهما متعارضين بالتّناقض أو التّضاد ؛ وذلك ، لإمكان أن يكون أحدهما صادرا لبيان الحكم الواقعيّ ، والآخر للتّقية.

(التّرجيح بموافقة الكتاب)

وأمّا التّرجيح بموافقة الكتاب ، فإذا لوحظ ذلك في المقبولة يكون أجنبيّا عن مورد البحث ، كما أشرناه ، وإذا لوحظ في سائر الرّوايات يكون مميّزا للحجّة عن اللّاحجّة ؛ بداهة ، أنّ الخبر الموافق للقرآن هو نفس القرآن معنا ، فلا مجال إذا لكون «الموافقة» مرجّحة ، بل القرآن حينئذ هو المرجع ، والمخالف له مردود رأسا.

وإن شئت ، فقل : إنّ المرجع عند التّعارض إنّما هو الخبر الموافق للقرآن ، وأمّا المخالف له فهو ساقط عن الاعتبار والحجّيّة ، فيكون مردودا رأسا.

هذا إذا كان المقصود من المخالفة هو المخالفة بالتّباين ، وأمّا إذا كانت المخالفة بالعموم والخصوص بأن كان القرآن عامّا والخبر خاصّا ، فلا تعارض إذا بينهما ، بل يجمع عرفا بحمل العامّ على الخاصّ.

(التّرجيح بمخالفة العامّة)

وأمّا التّرجيح بمخالفة العامّة ، فهو ـ أيضا ـ إذا لوحظ في المقبولة يكون أجنبيّا عن المقام ، وإذا لوحظ في سائر الرّوايات يكون مميّزا للحجّة عن اللّاحجّة ؛ إذ مقتضى

٣٨١

قوله عليه‌السلام : «انظر ما وافق منهما [موثّقان] مذهب العامّة ، فاتركه وخذ بما خالفهم» هو أنّ الإمام عليه‌السلام كان بصدد بيان أنّ الموافق لهم لا يصدر عنّا رأسا ، أو صدر لأجل التّقيّة ، فلا بدّ من طرح ذلك وأخذ المخالف لهم ، لا بصدد بيان تقديم المخالف وترجيحه على الموافق.

فتحصّل : أنّ مقتضى التّحقيق في مقام علاج التّعارض في الأدلّة هو الأخذ بالرّوايات الدّالّة على التّخيير ـ كما هو مختار المحقّق الخراساني قدس‌سره ـ لا التّوقف ولا التّرجيح ، لما مرّ من أنّ روايات التّوقف محمولة على صورة التّمكن من لقاء الإمام عليه‌السلام ، وأنّ روايات التّرجيح محمولة على تمييز الحجّة عن اللّاحجّة.

بقي في المقام امور ينبغي التّنبيه عليها :

(التّخيير الاصوليّ)

الأوّل : أنّ روايات التّخيير لو تمّت كانت بصدد بيان التّخيير الّذي يكون باصطلاح الاصول ، بمعنى : الأخذ بالمتعارضين والعمل بإحدى الحجّتين ، فكأنّه يقال : وإن كان الأصل هو التّساقط وعدم حجّيّة واحد منها ، لكنّهما باق على الحجّيّة بحكم التّعبّد والشّريعة ، ولا مجال لتوهّم أنّ مفاد أخبار التّخيير هو جعل الطّريقيّة والأماريّة للمتعارضين في هذه الحالة إلى الواقع بوجه التّخيير ، لكونه تحصيلا للحاصل وجعلا لما هو مجعول وكائن ، حيث إنّ الطّريقيّة ثابتة لكلّ خبر عدل أو ثقة ، ولا مجال ـ أيضا ـ للقول بجعل التّخيير وأنّه أصل عمليّ عند التّعارض ، كالاصول الأخر العمليّة المقرّرة عند الشّكّ والحيرة ، كالاشتغال والبراءة ؛ إذ واضح أنّه ليس

٣٨٢

مفاد ما ورد في أخبار التّخيير من قوله عليه‌السلام : «فموسّع عليك بأيّهما أخذت» تعيين الوظيفة العمليّة عند الشّكّ في الواقع.

وبالجملة : أنّ التّخيير المستفاد من الرّوايات ليس تخييرا فقهيّا ، كالتّخيير في خصال الكفّارات ، والتّخيير بين القصر والإتمام ، والجمعة والظّهر ، بل لا يمكن هذا النّوع من التّخيير في باب التّعارض مطلقا ، سواء كان على وجه التّناقض أو التّضاد ، لرجوعه ـ ولو بمعونة دلالة الالتزام ـ إلى النّفي والإثبات ، فلا يعقل جعل الوجوب التّخييري بينهما ، كيف وأنّ التّخيير بينهما عقليّ وتكوينيّ وليس بشرعيّ تشريعيّ ، فلا مناص من إرادة التّخيير هنا هو التّخيير الاصوليّ ، كما أوضحناه.

(التّخيير الاستمراريّ)

الأمر الثّاني : انّ المقصود من التّخيير هنا هو التّخيير الاستمراريّ ، كما ذهب إليه المحقّق الخراساني قدس‌سره (١) ومعناه : الأخذ بأحد المتعارضين دائما. وإن شئت ، فقل : إنّ التّخيير يدور مدار التّعارض وجودا وعدما ، بقاء وحدوثا ؛ وذلك ، لأنّ مقتضى إطلاقات روايات التّخيير وعدم تقييدها بزمان دون زمان هو الاستمرار من دون فرق بين كون التّخيير اصوليّا أو فقهيّا ، بل يمكن أن يقال : إنّ الحكم بالتّخيير يكون إرشادا إلى حكم العقل بتحصيل الحجّة الشّرعيّة مع القدرة عليه.

ومن المعلوم : أنّ الحكم الإرشاديّ يكون تابعا لإطلاق دليل الحجّة (صدّق العادل) فإذا كان إطلاقه دالّا على حجّيّة ما يختاره المكلّف في كلّ زمان ، كان اللّازم

__________________

(١) راجع ، كفاية الاصول : ج ٢ ، ص ٣٩٧.

٣٨٣

وجوب التّخيير في كلّ زمان ، ولا يختصّ بالزّمان الأوّل ، بمعنى : أنّه لا يكون التّخيير واجبا بنحو صرف الوجود حتّى يسقط بمجرّد حصوله في الزّمان الأوّل وبأوّل الوجود ، بل يكون على وجه الطّبيعة السّارية.

ومن هنا ظهر ، بطلان التّفصيل بين ما إذا كان التّخيير اصوليّا ، فبدويّ ، وبين ما إذا كان فقهيّا ، فاستمراريّ ، كما ظهر ـ أيضا ـ بطلان القول بكون التّخيير في المسألة ، بدويّا مطلقا. (١)

(بيان المرجّحات المنصوصة وترتيبها)

الأمر الثّالث : أنّ التّرجيح لو قلنا به ، ينحصر في موردين ويعتبر فيهما التّرتيب :

أحدهما : موافقة الكتاب ؛ ثانيهما : مخالفة العامّة ، فيقدّم موافقة الكتاب على مخالفة العامّة ، كما هو مقتضى صحيحة الرّاوندي قدس‌سره بإسناده عن عبد الرّحمن بن أبي عبد الله قال : «قال الصّادق عليه‌السلام : إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فأعرضوهما على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فردّوه ، فإن لم تجدوهما في كتاب الله فأعرضوهما على أخبار العامّة ، فما وافق أخبارهم فذروه ، وما خالف أخبارهم فخذوه». (٢)

__________________

(١) راجع ، فرائد الاصول : ج ٤ ، ص ٤٣.

(٢) وسائل الشّيعة : ج ١٨ ، كتاب القضاء والشّهادات ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢٩ ، ص ٨٤ و ٨٥.

٣٨٤

هذا ، ولكن قد اختلفت كلمات الأعلام في عدد المرجّحات وكذا في اعتبار التّرتيب بينها ؛

فعن الشّيخ الأنصاري قدس‌سره : أنّ المرجّحات على قسمين : أحدهما : ما يكون داخليّا ، وثانيهما : ما يكون خارجيّا ، أمّا الدّاخليّ ، فهو على أقسام ... وأمّا الخارجيّ ، فهو على قسمين ... ، هذا بالنّسبة إلى المرجّحات ؛ وأمّا التّرتيب فقال قدس‌سره ما حاصله : لو زاحم التّرجيح بالصّدور ، التّرجيح من حيث جهة الصّدور ، فالظّاهر تقديمه على غيره .. .. (١)

وفيه : ما عرفت من انحصار المرجّح في أمرين : وهما : المرجّح الجهتيّ والمرجّح المضمونيّ ، وأنّ مقتضى صحيحة الرّاوندي قدس‌سره تقديم المرجّح المضمونيّ (موافقة الكتاب) على المرجّح الجهتيّ (مخالفة العامّة).

وعن المحقّق النّائيني قدس‌سره أنّ المرجّحات ثلاثة وهي ما عرفت في الكلام الشّيخ قدس‌سره من المرجّح للصّدور ، والمرجّح لجهة الصّدور ، والمرجّح للمضمون والتزم بتقديم الأوّل ، كالشّهرة على الآخرين ، وتقديم الثّاني كالمخالفة للعامّة على الثّالث كموافقة الكتاب ، وعلّل قدس‌سره ما اختاره بأنّ اعتبار المرجّح لجهة الصّدور فرع أصل الصّدور ، فمع عدم إحراز الصّدور لا يصل الدّور إلى جهة الصّدور ، وبأنّ اعتبار المرجّح للمضمون فرع صدور الخبرين لبيان حكم الله الواقعيّ ، فمع عدم إحراز الصّدور لبيان الواقع لا يصل الدّور إلى ملاحظة موافقة المضمون للكتاب ، وعلّل ـ أيضا ـ لتقديم المرجّح الجهتيّ على المرجّح المضمونيّ بقوله : لتقدّم رتبته عليه. (٢)

__________________

(١) راجع ، فرائد الاصول : ج ٤ ، ص ٧٩ إلى ١٦٠.

(٢) راجع ، فوائد الاصول : ج ٤ ، ص ٧٧٩ وص ٧٨٤.

٣٨٥

وفيه : ما مرّ في الجواب عن الشّيخ الأنصاري قدس‌سره مضافا إلى أنّ ما ذكره قدس‌سره ، من التّعليل ليس إلّا مجرّد استحسان أو مجرّد اجتهاد في قبال النّص.

وقد نسب إلى الوحيد البهبهاني قدس‌سره تقديم جهة الصّدور والتّرجيح بها ، تعليلا بأنّ مخالفة أحد المتعارضين للعامّة توجب القطع بعدم صدور الآخر الموافق لهم ، أو بصدوره عن تقيّة. (١)

وفيه : أنّ مجرّد المخالفة لا يوجب ما ذكر من القطع ، بل يحتمل كون الموافق للعامّة صادرا لبيان الحكم الواقعيّ ، وكون المخالف صادرا بلا جدّ أو غير صادر رأسا ؛ وذلك لكثرة الأحكام المشتركة المتّفق عليها بين الفريقين.

وعن المحقّق الخراساني قدس‌سره أنّ روايات التّرجيح ليست بناظرة إلى التّرتيب بين المزايا ، بل وردت لبيان أصل التّرجيح وعدّ المرجّحات ، بأنّ هذا مرجّح ، وذاك مرجّح. (٢)

وفيه : ما عرفت من أنّ مقتضى ظاهر صحيحة الرّاوندي قدس‌سره هو انحصار التّرجيح بأمرين وملاحظه التّرتيب بينهما.

(التّعدّي عن المرجّحات المنصوصة)

الأمر الرّابع : هل يتعدّى في مقام التّرجيح إلى غير المرجّحات المنصوصة ممّا يوجب الأقربيّة إلى الواقع ، أو لا؟ بل يقتصر على المنصوصات وحدها.

__________________

(١) راجع ، فوائد الاصول : ج ٤ ، ص ٧٧٩.

(٢) راجع ، كفاية الاصول : ج ٢ ، ص ٤١١.

٣٨٦

ذهب الشّيخ الأنصاري قدس‌سره إلى التّعدّي بوجوه ثلاثة : (١)

الوجه الأوّل : أنّ المناط في التّرجيح بمثل الأصدقيّة والأوثقيّة هو الأقربيّة إلى الواقع وليس أمرا تعبّديّا محضا ، فيتعدّى إلى كلّ ما يشتمل على هذا المناط.

وفيه : ما عرفت سابقا من عدم مرجّحيّة الأوصاف في باب التّعارض وإنّما تكون من المرجّحات في باب فصل الخصومة والقضاء. اللهمّ إلّا أنّ تلغى الخصوصيّة ، فتأمّل.

الوجه الثّاني : أنّه قد علّل الأخذ بالمجمع عليه ـ في المقبولة ـ بكونه ممّا لا ريب فيه ، والمراد بنفي الرّيب نفيه بالإضافة إلى الشّاذ ، ومعناه : أنّ الرّيب المحتمل في الشّاذ غير محتمل فيه ، وعليه ، فالتّعليل يكون معمّما موسّعا يجب الأخذ بمقتضاه بكلّ مزيّة موجبة لنفي الرّيب فيما يشتمل عليها من الخبر.

وفيه : ما عرفت سابقا من أنّ كون أحد الخبرين مجمعا عليه أو مشهورا ليس بمعنى الإجماع والشّهرة الاصطلاحيّين ، بل المراد من المجمع عليه هو الخبر الّذي اجمع على صدوره من المعصوم عليه‌السلام فكان مقطوع الصّدور ، وكذا المراد من المشهور هو الخبر الواضح الصّدور ، وفي قبالهما الخبر الشّاذ النّادر المخالف المعارض لهما ، فلا يكون حجّة ، بل يكون لا حجّة ساقطا عن الحجّيّة بالمرّة ، فإذا ليس المجمع عليه أو الشّهرة من المرجّحات حتّى يتعدّى منها إلى غيرها ، بل يكونان من المميّزات للحجّة عن اللّاحجّة ، مضافا إلى أنّ المقبولة المشتملة على العلّة المذكورة مختصّة ـ صدرا وذيلا ـ بباب القضاء وفصل الخصومة على ما مرّت إليه الإشارة.

__________________

(١) راجع ، فرائد الاصول : ج ٤ ، ص ٧٥ إلى ٧٨.

٣٨٧

الوجه الثّالث : أنّ تعليل وجوب الأخذ بمخالفة العامّة بأنّ الرّشد في ما خالفهم يكون معمّما موسّعا دالّا على وجوب الأخذ بكلّ خبر يكون في الأخذ به الرّشد غالبا ولو كان لاشتماله على مزيّة اخرى غير مخالفة العامّة.

وفيه : أنّ العبارة المذكورة بعنوان العلّة إنّما هي من عبارات الكليني قدس‌سره في ديباجة الكافي ولم توجد في رواية ، نعم ، وردت في مرفوعة زرارة هذه العبارة «فإنّ الحقّ فيما خالفهم» وقد عرفت ما في المرفوعة من الضّعف ، وكذا وردت في رواية علي بن أسباط مثل تلك العبارة ، ولكن موردها كون العمل ممّا لا بدّ منه مع فقد أيّ طريق إلى الواقع ، فراجع. (١)

وقد وردت ـ أيضا ـ في المقبولة عبارة «ما خالف العامّة ففيه الرّشاد» بمعنى : أنّه يجب الأخذ به ، وأنت ترى ، أنّ هذا ليس بتعليل ، ولو سلّم ظهوره في التّعليل ، فلا إشكال في أنّ وجود الرّشد في خلاف العامّة ليس إلّا غالبيّا ، لكونهم معتمدين في استنباطاتهم وآراءهم على الاستحسانات والظّنون والأقيسة ، غير متوسّلين بأهل البيت والعترة الطّاهرة عليهم‌السلام ولذا وقعوا كثيرا في الخطاء والحيرة ، وعليه ، فلا مانع من التّعدي من مخالفة العامّة إلى مزايا اخرى لو كانت موجبة للرّشد ومطابقة الواقع غالبا.

ولكن هيهات أن تكون مزايا اخرى موجبة للرّشد غالبا ، كالمخالفة للعامّة.

__________________

(١) وسائل الشّيعة : ج ١٨ ، كتاب القضاء والشّهادات ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢٣ ، ص ٨٢ و ٨٣.

٣٨٨

(التّعارض بين العامّين من وجه)

الأمر الخامس : قد سبق حكم الدّليلين المتعارضين بنحو التّباين أو الأعمّ المطلق ، وأمّا حكمهما بنحو الأعمّ والأخص من وجه ، فقد يقال : بتساقطهما في مادّة الاجتماع وهو مقتضى الأصل في التّعارض ويؤخذ بهما في مادّتي الافتراق ، لعدم تعارضهما فيهما ؛ وقد يقال : بالتّرجيح في مادّة الاجتماع من ناحيتين : أحدهما : من ناحية مرجّحات جهة الصّدور ؛ وثانيتهما : من ناحية مرجّحات المضمون دون مرجّحات أصل الصّدور ، لأنّ الرّجوع إلى الأخير والتّرجيح به إمّا يوجب طرح أحدهما رأسا حتّى في مادّة الافتراق ، وهذا ، كما ترى ، إذ طرح له بلا معارض أو يوجب التّبعيض في السّند بأن يقال : بصدوره في مادّة الافتراق وعدم صدوره في مادّة الاجتماع ، وهذا غير معقول في كلام واحد ، فهل يعقل أن يلتزم بصدوره ولا صدوره؟!

وأمّا التّفكيك في جهة الصّدور بأن يقال : بصدور بعض مدلول الكلام لبيان الحكم الواقعيّ وبعضه الآخر للتّقية ، فلا مانع منه ، وكذلك الحكم في المضمون بأن يقال : بتعلّق الإرادة الجدّية ببعض مضمون الكلام دون بعض لأجل التّخصيص أو التّقييد.

هذا ، ولكن لنا دعوى انصراف أخبار العلاج عن صورة كون الدّليلين متعارضين بنحو الأعمّ والأخصّ من وجه ، واختصاصها بصورة كونهما متعارضين

٣٨٩

بنحو التّباين ؛ إذ ظاهر قول السّائل : «كيف نصنع بالخبرين المختلفين؟» أو قوله : «يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان ، فبأيّهما آخذ؟» وكذا ظاهر قول الإمام عليه‌السلام في الجواب : «ورد عليكم خبران مختلفان ، فانظروا إلى ما يخالف منهما العامّة فخذوه ...» أو قوله عليه‌السلام : «فما ورد عليكم من خبرين مختلفين فأعرضوهما على كتاب الله ...» هو الخبران المختلفان بوجه التّباين ، والاختلاف في مفادهما رأسا بلا مادّة الاجتماع لهما.

ويمكن أن يقال : اندراج العامّين من وجه تحت أخبار العلاج باعتبار مادّة الاجتماع وشمولها لهما ـ أيضا ـ كالمتباينين ، فلا يلزم التّفكيك في الصّدور والتّبعيض في السّند كي يقال : بعدم كونه معقولا بالنّسبة إلى كلام واحد ، بل التّفكيك ـ على تقدير الرّجوع إلى المرجّحات السّنديّة ـ إنّما هو في الحجّيّة وبحسبها ، فيصير ما هو المرجوح ، حجّة في مادّة الافتراق وبحسب بعض مدلوله ، وغير حجّة في مادّة الاجتماع ، وواضح ، أنّ التّفكيك في الحجّيّة وبحسبها ممّا لا إشكال فيه بالنّسبة إلى الامور العرفيّة والتّعبّديّة.

(تعارض الخبر مع الكتاب والسّنّة)

الأمر السّادس : أنّ الخبر الواحد إن كان مخالفا للكتاب أو السّنّة القطعيّة بنحو التّباين ، يطرح مطلقا ولو لم يكن له معارض لما عرفت من عدم حجّيّة وأنّه زخرف وباطل ، أو غير ذلك من العناوين الدّالّة على عدم الحجّيّة.

٣٩٠

وأمّا إن كان مخالفا لهما بنحو الأعمّ والأخصّ مطلقا ، يخصّص عمومهما بالخبر الواحد إذا لم يكن خبر آخر موافق للكتاب والسّنّة معارضا له ، وإلّا فيطرح الخبر الواحد ويؤخذ بالخبر الموافق للكتاب والسّنّة بمقتضى أخبار التّرجيح.

وأمّا إن كان مخالفا لهما بنحو العموم والخصوص من الوجه ، فبناء على المختار من انصراف أخبار العلاج عن العامّين من وجه ، يكون المرجع بعد التّساقط أمرا آخر من دليل اجتهاديّ أو أصل عمليّ. وأمّا بناء على مسلك الاندراج تحت أخبار العلاج فيؤخذ بظاهر الكتاب والسّنّة في مادّة الاجتماع ويطرح الخبر بالنّسبة إليها ولكن يؤخذ به بالنّسبة إلى مادّة الافتراق ، والتّفكيك في الحجّيّة من حيث المدلول ممّا لا إشكال فيه ، كما مرّ آنفا. هذا تمام الكلام في التّعادل والتّرجيح.

والحمد لله أوّلا وآخرا وظاهرا وباطنا وصلّى الله على محمّد وآله الطّاهرين.

قد تمّ الفراغ من تحرير هذا الكتاب ، صبيحة يوم الثّلاثاء ـ السّابع عشر من شهر ربيع الأوّل سنة ستّة وعشرين وأربعمائة وألف (١٤٢٦) هجرية قمرية يوم ولادة رسول الله «محمّد» صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وابنه الإمام الصّادق عليه‌السلام ـ في عشّ آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (قم المقدّسة).

٣٩١
٣٩٢

فهرس الموضوعات

الموضوع

الصّفحة

المسألة الثّامنة : الاصول العمليّة

المقام الثّالث : أصالة الاحتياط (الاشتغال)........................................ ١١

الشّكّ في المكلّف به........................................................... ١٣

دوران الأمر بين المتباينين........................................................ ١٤

تنبيهات...................................................................... ٢٩

تحديد الشّبهة غير المحصورة...................................................... ٤٣

ملاقي أحد أطراف الشّبهة المحصورة.............................................. ٤٨

دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر................................................... ٦٦

تنبيهات...................................................................... ٨٣

خاتمة في شرائط جريان الاحتياط............................................... ١٠٩

المقام الرّابع : الاستصحاب.................................................... ١١١

تعريف الاستصحاب......................................................... ١١٣

الاستصحاب من المسائل الاصوليّة............................................. ١١٥

٣٩٣

الموضوع

الصّفحة

تذكرة....................................................................... ١١٧

حجّيّة الاستصحاب.......................................................... ١٢٣

أخبار الاستصحاب.......................................................... ١٢٥

الشّكّ في المقتضي والرّافع..................................................... ١٦٦

الشّكّ في وجود الرّافع........................................................ ١٧٠

الشّكّ في الحكم التّكليفي والوضعيّ............................................ ١٧١

تنبيهات الاستصحاب........................................................ ١٧٦

الاستصحاب الفعليّ والاستقباليّ............................................... ١٨٠

اليقين الوجدانيّ والتّعبّديّ...................................................... ١٨٢

أقسام استصحاب الكلّيّ...................................................... ١٨٨

الشّبهة العبائيّة............................................................... ١٩٥

تذنيبان..................................................................... ٢٠٤

تذييل : أصالة عدم التّذكية................................................... ٢٠٨

استصحاب الامور التّدريجيّة................................................... ٢١٣

الاستصحاب التّعليقيّ........................................................ ٢٢٦

استصحاب أحكام الشّرائع السّابقة............................................. ٢٤٠

الأصل المثبت................................................................ ٢٤٥

ترتّب بعض الآثار العقليّة والعادية على الاستصحاب............................. ٢٥٦

٣٩٤

الموضوع

الصّفحة

اعتبار موضوعيّة المستصحب للأثر بقاء ، لا حدوثا.............................. ٢٥٧

أصالة تأخّر الحادث.......................................................... ٢٥٨

استصحاب الصّحة عند الشّكّ في عروض المانع أو القاطع........................ ٢٧٣

استصحاب الامور الاعتقاديّة.................................................. ٢٧٦

عموم العامّ أو استصحاب حكم المخصّص...................................... ٢٧٩

معنى اليقين والشّكّ في الاستصحاب............................................ ٢٨٤

خاتمة الاستصحاب.......................................................... ٢٨٧

قاعدة المقتضي والمانع......................................................... ٢٨٧

وجه تقديم الأمارة على الاستصحاب........................................... ٢٨٨

تعارض الاستصحابين........................................................ ٢٩٧

المسألة التّاسعة : التّعادل والتّرجيح

عنوان المسألة................................................................ ٣٠٣

تعريف التّعارض والتّزاحم...................................................... ٣٠٤

تعريف التّخصّص............................................................ ٣١٣

تعريف الورود................................................................ ٣١٣

تعريف التّخصيص........................................................... ٣١٤

تعريف الحكومة.............................................................. ٣١٨

٣٩٥

الموضوع

الصّفحة

موارد التّعارض............................................................... ٣١٨

التّعارض البدئيّ غير المستقرّ................................................... ٣١٩

التّعارض المستقرّ غير البدئيّ................................................... ٣٥٥

الأصل في التّعارض........................................................... ٣٥٥

نفي الحكم الثّالث بالمتعارضين................................................. ٣٥٦

تنبيه........................................................................ ٣٦٥

مقتضى الرّوايات في المتعارضين................................................. ٣٦٧

التّرجيح بصفات الرّاوي....................................................... ٣٧٧

التّرجيح بالمجمع عليه.......................................................... ٣٧٩

التّرجيح بالشّهرة.............................................................. ٣٨٠

التّرجيح بموافقة الكتاب....................................................... ٣٨١

التّرجيح بمخالفة العامّة........................................................ ٣٨١

التّخيير الاصوليّ............................................................. ٣٨٢

التّخيير الاستمراريّ........................................................... ٣٨٣

بيان المرجّحات المنصوصة وترتيبها.............................................. ٣٨٤

التّعدّي عن المرجّحات المنصوصة............................................... ٣٨٦

التّعارض بين العامّين من وجه.................................................. ٣٨٩

تعارض الخبر مع الكتاب والسّنّة................................................ ٣٩٠

٣٩٦

مصادر الكتاب

١ ـ القرآن الكريم.

٢ ـ اختيار معرفة الرّجال (المعروف برجال الكشّي) ، الشّيخ الطّوسي ، مطبعة الجامعة ، مشهد.

٣ ـ الاستصحاب ، الإمام الخميني ، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني ، قم.

٤ ـ التّعليقة على فوائد الاصول ، مؤسّسة النّشر الإسلامي ، قم.

٥ ـ الحدائق النّاظرة ، المحدّث البحراني ، مؤسّسة النّشر الإسلامي ، قم.

٦ ـ الحكمة المتعالية في الأسفار العقليّة الأربعة ، الحكيم صدر الدّين الشّيرازي ، دار احياء التّراث العربي ، بيروت.

٧ ـ الرّسائل ، الإمام الخميني ، مطبعة مهر ، قم.

٨ ـ العروة الوثقى ، السّيّد الطّباطبائي اليزدي ، مؤسّسة النّشر الإسلامي ، قم.

٩ ـ الفصول الغرويّة ، الشّيخ محمّد حسين الأصفهاني ، الطّبعة القديمة ، ١٢٧٧ ه‍. ق.

١٠ ـ الفوائد المدنيّة ، المحدّث الأسترآبادي ، دار النّشر لأهل البيت (ع) ، ط / الحجريّة ، ١٤٠٥ ه‍. ق.

١١ ـ المحصول في علم الاصول ، السّيّد الجلالي المازندراني ، تقريرا لبحث الشّيخ جعفر السّبحاني ، مؤسّسة الإمام الصّادق (ع) ، قم.

١٢ ـ المصابيح ، السّيّد بحر العلوم ، مخطوط.

٣٩٧

١٣ ـ الوافية ، الفاضل التّوني ، مجمع الفكر الإسلامي.

١٤ ـ أجود التّقريرات ، السّيّد الخوئي ، تقريرا لبحث المحقّق النّائيني ، مكتبة الفقيه ، قم.

١٥ ـ أنوار الهداية ، الإمام الخميني ، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني ، قم.

١٦ ـ بحوث في علم الاصول ، السّيّد محمود الهاشمي الشّاهرودي ، تقريرا لبحث السّيّد محمّد باقر الصّدر ، المجمع العلمي للشّهيد صدر ، قم.

١٧ ـ تهذيب الأحكام ، الشّيخ الطّوسي ، دار الكتب الإسلاميّة ، طهران.

١٨ ـ تهذيب الاصول ، الشّيخ جعفر السّبحاني ، تقريرا لبحث الإمام الخميني ، مطبعة مهر ، قم.

١٩ ـ حاشية كتاب فرائد الاصول ، الآخوند الخراساني ، منشورات مكتبة بصيرتي ، قم.

٢٠ ـ حقائق الاصول ، منشورات مكتبة بصيرتي ، قم.

٢١ ـ درر الفوائد ، الشّيخ الحائري اليزدي ، مؤسّسة النّشر الإسلامي ، قم.

٢٢ ـ دروس في فقه الشّيعة ، السّيّد محمّد مهدي الخلخالي ، تقريرا لبحث السّيّد الخوئي ، المطبعة الإسلاميّة ، طهران.

٢٣ ـ ذخيرة المعاد ، المحقّق السّبزواري ، مؤسّسة آل البيت (ع) ، ط / الحجريّة.

٢٤ ـ رجال العلّامة ، العلّامة الحلّي ، منشورات الرّضي ، قم.

٢٥ ـ رجال النّجاشي ، الشّيخ النّجاشي ، مكتبة الدّاوري ، قم.

٢٦ ـ زبدة الاصول ، الشّيخ البهائي ، المحقّق فارس حسّون كريم ، النّاشر مرصاد ، قم ، ١٤٢٣ ه‍. ق.

٢٧ ـ سلسلة الينابيع الفقهيّة ، الشّيخ المرواريد ، مؤسّسة فقه الشّيعة ، الدّار الإسلاميّة ، بيروت.

٣٩٨

٢٨ ـ عوالي اللّئالي ، ابن أبي جمهور الأحسائي ، مطبعة سيّد الشّهداء ، قم.

٢٩ ـ فرائد الاصول ، الشّيخ الأنصاري ، مجمع الفكر الإسلامي ، قم.

٣٠ ـ فوائد الاصول ، الشّيخ الكاظمي ، تقريرا لبحث المحقّق النّائيني ، مؤسّسة النّشر الإسلامي ، قم.

٣١ ـ قوانين الاصول ، الميرزا القمي ، مكتبة العلميّة الإسلاميّة ، طهران.

٣٢ ـ كفاية الاصول ، الآخوند الخراساني ، مكتبة العلميّة الإسلاميّة ، طهران.

٣٣ ـ مستدرك الوسائل ، المحدّث النّوري ، مؤسّسة آل البيت (ع) ، قم.

٣٤ ـ مستمسك العروة الوثقى ، السّيّد الحكيم ، دار الكتب العلميّة ، قم.

٣٥ ـ مسند أحمد ، أحمد بن حنبل ، الطّبعة دار صادر ، بيروت.

٣٦ ـ مصباح الاصول ، السّيّد محمّد سرور الواعظ الحسيني البهسودي ، تقريرا لبحث السّيّد الخوئي ، مطبعة النّجف.

٣٧ ـ معارج الاصول ، المحقّق الحلّي ، مؤسّسة آل البيت (ع) ، ١٤٠٣ ه‍. ق.

٣٨ ـ منتهى الأفكار ، الشّيخ محمّد تقي المجلسي الأصفهاني ، تقريرا لبحث الشّيخ ميرزا هاشم الآملي ، مطبعة النّجف ، ١٣٨٠ ه‍. ق.

٣٩ ـ نهاية الأفكار ، الشّيخ محمّد تقي البروجردي ، تقريرا لبحث المحقّق العراقي ، مؤسّسة النّشر الإسلامي ، قم.

٤٠ ـ نهاية الدّراية ، الشّيخ محمّد حسين الأصفهاني (الكمباني) ، مطبعة الطّباطبائي ، قم.

٤١ ـ وسائل الشّيعة ، الشّيخ الحرّ العاملي ، المكتبة الإسلاميّة ، طهران.

* * *

٣٩٩