مفتاح الأصول - ج ٤

آية الله الشيخ إسماعيل الصالحي المازندراني

مفتاح الأصول - ج ٤

المؤلف:

آية الله الشيخ إسماعيل الصالحي المازندراني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: نشر الصالحان
الطبعة: ١
ISBN: 964-7572-10-7
الصفحات: ٣٩٩

١
٢

٣
٤

عن أبي عبد الله (الإمام الصّادق) عليه‌السلام :

«إنّما علينا أن نلقي إليكم الاصول وعليكم أن تفرّعوا». (١)

عن الإمام علي بن موسى الرّضا عليه‌السلام :

«علينا إلقاء الاصول وعليكم التّفريع». (٢)

__________________

(١) وسائل الشّيعة : ج ١٨ ، كتاب القضاء والشّهادات ، الباب ٦ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٥١ ، ص ٤٠ و ٤١.

(٢) وسائل الشّيعة : ج ١٨ ، كتاب القضاء والشّهادات ، الباب ٦ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٥٢ ، ص ٤١.

٥
٦

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الإهداء والشّكر

كلمة النّاشر :

الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على أشرف الأنبياء وخاتم المرسلين محمّد وآله سادات الورى الغرّ الميامين الطّيبين الطّاهرين.

الكتاب الّذي بين أيديكم هو الجزء الرّابع من كتاب «مفتاح الاصول» للفقيه الرّاحل آية الله العظمى الشّيخ إسماعيل الصّالحي المازندراني ـ طاب ثراه ـ وقد أتعب سماحته نفسه الزّكيّة لكتابة هذا الأثر الشّريف وإكماله ، ولكن قبل طبعه ونشره ، ارتحل والتحق قدس‌سره بالرّفيق الأعلى ، جلّ جلاله.

وقد تفضّل الله تعالى علينا أن وفّقنا لطبعه ونجعله بين أيدي الفضلاء والعلماء ، وقد امتاز هذا الكتاب بقلم سليس ، وجزالة في التّعبير ، والدّقة في بيان المطالب.

ومن الجدير أن نهدي هذا الأثر إلى ساحة وليّنا ولي الله الأعظم صاحب الامر الحجّة بن الحسن العسكري ـ عجل الله تعالى فرجه الشّريف ـ راجين من العليّ القدير أن يتقبّل منّا هذا القليل ، ويجعله ذخرا للمؤلّف الفقيه الرّاحل قدس‌سره يوم لا ينفع مال ولا بنون إلّا من أتى الله بقلب سليم.

واودّ أن اقدّم شكري وامتناني إلى الشّخصين الفاضلين وهما :

١ ـ الشّيخ علي أصغر الأميري.

٢ ـ السّيّد جعفر الحسيني النّوري.

الّذين ساعدانا في إنجاز هذه المهمّة وطبع الكتاب ، أسأل الله السّميع العليم أن يبارك لهما جهودهما العلميّة والعمليّة.

«والله خير معين»

النّاشر

ربيع الأوّل ١٤٢٦ ه‍. ق.

٧
٨

صورة خط المؤلّف

نسخة جيّدة الخط بقلم المؤلّف قدس‌سره وكان دأبه أن يكتب حديثا في آخر كلّ كرّاسة ، ولكن في الكرّاسة الأخيرة قبل ارتحاله قدس‌سره بعشرة أيّام ، كتب مقاطع من دعاء الكميل وقد نعى نفسه الزّكيّة بهذه المقاطع الشّريفة.

٩
١٠

المسألة الثّامنة : الاصول العمليّة

مباحث الشّكّ

المقام الثّالث : أصالة الاحتياط (الاشتغال)

* الشّكّ في المكلّف به

* دوران الأمر بين المتباينين

* تحديد الشّبهة غير المحصورة

* ملاقي أحد أطراف الشّبهة المحصورة

* دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر

* خاتمة في شرائط جريان الاحتياط

١١
١٢

(المسألة الثّامنة : الأصول العمليّة)

(مباحث الشّكّ)

(المقام الثّالث : أصالة الاحتياط) (الاشتغال)

المقام الثّالث : في أصالة الاحتياط (الاشتغال) الّذي موردها هو الشّكّ في المكلّف به مع إمكان الاحتياط وعدم الحالة السّابقة للمشكوك فيه.

(الشّكّ في المكلّف به)

يقع الكلام هنا في موردين :

أحدهما : فيما إذا اشتبه المكلّف به بين المتباينين ، سواء كانت الشّبهة من قبيل الشّبهة الواجبيّة ، نظير اشتباه الواجب بغير الحرام ، أو الشّبهة الحراميّة ، نظير اشتباه الحرام بغير الواجب ، وسواء كانت الشّبهة حكميّة وهي الّتي يكون منشأ الشّبهة فقدان النّص أو إجماله أو تعارض النّصين ، أو الشّبهة موضوعيّة وهي الّتي يكون منشأ الشّبهة عللا وامورا خارجيّة.

ثانيهما : فيما إذا اشتبه المكلّف به بين الأقلّ والأكثر.

١٣

(دوران الأمر بين المتباينين)

أمّا المورد الأوّل : فالبحث عنه يقع في مقامات :

أحدها : أنّ الحاكم بوجوب الإطاعة وحرمة العصيان هو العقل ، فهل عنده فرق في التّنجيز بين العلم الإجماليّ بالتّكليف ـ كما في المقام ـ وبين العلم التّفصيليّ به ، أم لا؟

وإن شئت ، فقل : يحكم العقل بقبح مخالفة المولى ، فهل موضوع هذا الحكم العقليّ هو التّكليف الواصل إلى المكلّف تفصيلا ، أو الواصل إليه مطلقا ، تفصيلا كان أو إجمالا؟ أو فقل : هل العلم الإجماليّ بيان وعلم بالتّكليف ، كالتّفصيليّ فلا تجري فيه البراءة العقليّة وهي قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، وكذا لا تجري فيه البراءة الشّرعيّة وهي قوله عليه‌السلام : «رفع ما لا يعلمون» أم لا؟

ثانيها : بعد الفراغ عن كون العلم الإجماليّ بيانا للتّكليف ، فهل يمكن ثبوتا للشّرع جعل الحكم الظّاهريّ في تمام أطرافه والتّرخيص في المخالفة القطعيّة بارتكاب جميع الأطراف في التّحريميّة ، وترك الجميع في الوجوبيّة ، أم لا؟

ثالثها : هل يمكن ثبوتا للشّرع جعل الحكم الظّاهريّ والتّرخيص في بعض أطراف العلم الإجماليّ وعدم الموافقة القطعيّة ، أم لا؟

رابعها : بعد البناء على إمكان ذلك ، فهل يشمل إثباتا دليل الحكم الظّاهريّ وأدلّة الاصول العمليّة ، جميع الأطراف ، أم لا؟

خامسها : هل يشمل ذلك بعض الأطراف ، أم لا؟

١٤

فالحري أن نشرع البحث عن تلك المقامات الخمسة :

أمّا المقام الأوّل : فربما يقال : باعتبار العلم التّفصيليّ بمخالفة المولى حين العمل ، في موضوع حكم العقل بقبح مخالفة المولى ، زعما أنّ القبيح هو العصيان ، لا مطلق المخالفة ولو جهلا أو نسيانا أو اضطرارا أو إكراها ، ولا عصيان إلّا مع العلم بالمخالفة حين العمل ولا علم بها إلّا مع العلم التّفصيليّ ، حيث إنّ في أطراف العلم الإجماليّ لا علم بالمخالفة حين ارتكاب كلّ واحد منها ؛ لاحتمال أن يكون التّكليف في الطّرف الآخر.

نعم ، بعد ارتكاب جميع الأطراف يحصل العلم التّفصيليّ بالمخالفة وهذا لا يعدّ عصيانا ، بل يكون تحصيلا للعلم بالمخالفة ، ومعلوم ، أنّه لا حرمة في تحصيل العلم بالمخالفة ، ألا ترى ، أنّه لو ارتكب المشتبه بدويّا ، لأصالة البراءة ، لا مانع بعد ذلك من تحصيل العلم بحرمة ما فعل ، بالسّؤال عن المعلوم أو بطريق آخر ، كالرّمل والجفر وغير ذلك ، فالعلم بالمخالفة حين العمل لا يكون إلّا مع العلم التّفصيليّ.

وفيه : أنّ الموضوع في حكم العقل بقبح مخالفة المولى ، ليس إلّا العصيان ، والعصيان ليس إلّا بوصول التّكليف والعلم به كبرى وصغرى ، بلا اعتبار تمييز متعلق التّكليف عن غيره ، فإذا علم المكلّف بكبرى التّكليف وهي حرمة الخمر ـ مثلا ـ وعلم بصغراه وهي خمريّة الخمر ، فقد تمّ البيان بالنّسبة إليه ، ولا يكون العقاب حينئذ بلا بيان ، ومجرّد تردّد الخمر بين المائعين وعدم حصول التّمييز ، لا دخل له في موضوع حكم العقل بقبح المخالفة ؛ ويشهد له الوجدان وحكم العقلاء ، حيث إنّه لا فرق لدى الوجدان والعقلاء في الحكم بقبح قتل ابن المولى ـ مثلا ـ من ناحية العبد ، بين معرفة

١٥

العبد لابنه بشخصه فقتله ، وبين معرفته إجمالا بين أشخاص فقتلهم جميعا.

وبالجملة : موضوع حكم العقل بقبح المخالفة هو وصول التّكليف ، لا تمييز المكلّف به ـ أيضا ـ ومن هنا يحكم بعدم جواز النّظر إلى الامرأتين اللّتين يعلم بحرمة النّظر إلى إحداهما دون الاخرى ، مع أنّ متعلّق التّكليف هنا غير متعيّن.

أمّا المقام الثّاني : (إمكان جعل الحكم الظّاهريّ ثبوتا في تمام أطراف العلم الإجماليّ وامتناعه) ففيه وجهان ، بل قولان : أحدهما : القول بالامتناع ؛ ثانيهما : القول بالإمكان وهو الحقّ.

فقد يستدلّ للقول بالامتناع بوجهين غير ناهضين لإثباته :

الوجه الأوّل : أنّ جعل الحكم الظاهريّ في أطراف العلم الإجماليّ مستلزم للتّرخيص في مخالفة التّكليف الواصل إلى المكلّف صغرى وكبرى ، سواء كان الحكم الظّاهريّ ثابتا بالأمارة ، أو بالأصل ، وسواء كان الأصل تنزيليّا أو غير تنزيليّ ، ولا يخفى قبح هذا التّرخيص عقلا ؛ إذ كما أنّ العقل يحكم بقبح التّرخيص في التّكليف الواصل إذا كان معلوما بالتّفصيل ، كذلك يحكم بقبحه في التّكليف الواصل إذا كان معلوما بالإجمال ؛ وذلك ، لأنّ موضوع القبح هو العصيان ، وهذا يتحقّق بوصول التّكليف والعلم به صغرى وكبرى ، بلا اعتبار تمييز متعلّق التّكليف عن غيره.

وفيه : أنّ هذا إنّما يتمّ فيما إذا تعلّق العلم الإجماليّ بالتّكليف وكان الحكم الظّاهريّ منافيا له ، بمعنى : أنّ الاصول الجارية في أطرافه نافية لذلك التّكليف المعلوم بالإجمال بحيث تلزم المخالفة العمليّة ، كأن يعلم المكلّف بوجوب إحدى الصّلاتين يوم الجمعة ، فتجري البراءة عن وجوب هذه وتلك ، فهذا ترخيص في المعصية ، أو يعلم

١٦

بحرمة أحد الكأسين المحلّلين سابقا ، فتجري أصالة الحلّ أو استصحابه في كلّ منهما ، أو يعلم بنجاسة أحد الكأسين الطّاهرين سابقا ، فتجري قاعدة الطّهارة أو استصحابها في كلّ منهما ، فيشربان معا ، ففي هذه الموارد يستحيل شمول أدلّة الاصول لجميع الأطراف ، وهذا بخلاف ما إذا لم تكن الاصول الجارية في الأطراف ، منافيا للعلم الإجماليّ ، فلا تلزم المخالفة العمليّة حينئذ ، نظير العلم بصيرورة أحد الكأسين المتنجّسين سابقا ، طاهرا ، وكذا نظير العلم بصيرورة أحد الكأسين من الخمر ، خلّا وحلالا ، فإنّ استصحاب نجاسة الكأسين في المثال الأوّل واستصحاب حرمتهما ، أو خمريّتهما في المثال الثّاني لا يوجب التّرخيص في المعصية.

وبالجملة : هذا الوجه من المانع الثّبوتي عن جعل الحكم الظّاهريّ في أطراف العلم الإجماليّ صحيح وسديد ، لكنّه غير مطّرد ، بل مختصّ بما إذا كان مورد الحكم الظّاهريّ منافيا للتّكليف ، للزوم التّرخيص في المعصية حينئذ.

إن قلت : الأصل يجري في كلّ واحد من الأطراف ، وحيث إنّ ثبوت التّكليف فيه غير معلوم ، بل يكون محتملا ، فليس في جريان الأصل فيه ترخيص في المعصية ؛ وبعبارة اخرى : إنّ مخالفة التّكليف المعلوم معصية ، وأمّا مخالفة التّكليف المحتمل فليس بمعصية ، كما هو واضح.

قلت : هذا إنّما يتمّ إذا لم ينضمّ كلّ طرف يجري فيه الأصل المقتضي للتّرخيص إلى التّرخيص في طرف آخر ، وأمّا إذا انضمّ إليه ، كما هو مفروض الكلام ، فيلزم من جريان الاصول ، التّرخيص في مخالفة التّكليف الواصل ومعصيته بلا كلام.

نعم ، لو جعل الحكم الظّاهريّ في طرف مقيّدا بعدم ارتكاب طرف آخر ، أو

١٧

جعل ذلك الطّرف الآخر بدلا عن الحرام الواقعيّ ، فلا تلزم المعصية إلّا أنّه أمر آخر ، سيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى.

الوجه الثّاني : أنّ جعل الحكم الظّاهريّ النّاظر إلى الواقع مناقض مع العلم الوجدانيّ بالحكم ، سواء كان إلزاميّا أو غير إلزاميّ ، وهذا الوجه مختصّ بما إذا كان الحكم الظّاهريّ ثابتا بالأمارة أو بالأصل التّنزيليّ ، ومقتضاه هو استحالة جعل الحكم الظّاهريّ في جميع الأطراف ، بلا فرق بين أن تلزم منه المخالفة العمليّة ، وبين أن لا يلزم منه كذلك.

هذا ، ولكن ينبغي التّكلم في المقام : تارة فيما إذا كان الحكم المخالف للمعلوم بالإجمال مستندا إلى الأمارة الجارية في جميع الأطراف ، واخرى فيما إذا كان مستندا إلى الاصول التّنزيليّة الجارية فيه.

أمّا الأمارة ـ كما إذا علم نجاسة أحد الكأسين ، فقامت بيّنة على طهارة أحدهما ، ثمّ قامت بيّنة اخرى على طهارة الآخر ـ فلا شكّ في أنّ قيامها على كلا الطّرفين يوجب المعارضة بينهما بمدلولهما الالتزاميّ ، حيث إنّ مقتضى دلالة البيّنة على طهارة أحد الطّرفين بالمطابقة هو دلالتها على نجاسة الآخر بالالتزام ، لوجود العلم الإجماليّ بنجاسة أحدهما ، وكذا مقتضى دلالة البيّنة على طهارة الآخر بالمطابقة ، هو دلالتها على نجاسة الطّرف المقابل بالالتزام ، وحينئذ تقع المعارضة بينهما ، فتسقطان عن الحجّيّة ؛ إذا الأصل في التّعارض هو التّساقط ، نظرا إلى أنّ دليل حجّيّة الأمارة لا يمكن شموله للمتعارضين معا ، كما لا يمكن شموله لأحدهما المعيّن ، للزوم التّرجيح بلا مرجّح.

١٨

ولا يخفى : أنّ في الفرض المذكور لا شأن للحكم المخالف للمعلوم بالإجمال ، سواء لزمت منه المخالفة العمليّة ، كما إذا كان الحكم المعلوم بالإجمال إلزاميّا ، أم لم تلزم منه كذلك ، كما إذا كان الحكم المعلوم بالإجمال غير إلزاميّ.

أمّا الاصول التّنزيليّة ، فقد منع المحقّق النّائيني قدس‌سره عن جريانها في جميع الأطراف مطلقا ، سواء لزمت منه المخالفة القطعيّة ، أم لم يلزم ؛ محصّل استدلاله قدس‌سره لذلك هو أنّ المجعول في هذه الاصول هو البناء العمليّ والأخذ بطرفي الشّكّ على أنّه هو الواقع ، فيمتنع ذلك في جميع الأطراف ؛ إذ البناء العمليّ والتّنزيليّ على خلاف العلم الوجدانيّ ، غير معقول. (١)

وفيه : أنّ البناء العمليّ وترتيب أثر الطّهارة ـ مثلا ـ في الفرض المذكور لا ينافي العلم بنجاسة أحدهما واقعا ، كما هو واضح ، وكيف ما كان ، والحقّ في المقام هو القول بإمكان جعل الحكم الظّاهريّ وعدم منع إجراء الاصول في الأطراف ، ما لم تستلزم المخالفة العمليّة من جريانها ؛ وذلك ، لأنّ الأصل لا يترتّب عليه إلّا مجرّد ثبوت مؤدّاه ، ولا يؤخذ بلوازمه ، كالأمارات ، فكلّ أصل جار في طرف ، إنّما يثبت مؤدّاه فقط ، ولا نظر له إلى نفي غيره حتّى تقع المعارضة أو المناقضة.

غاية الأمر : يحصل من ضمّ بعض الاصول إلى بعض آخر ، العلم بمخالفة بعضها للواقع ، وهذا لا إشكال فيه ؛ إذ أوّلا : لا تجب الموافقة الالتزاميّة ؛ وثانيا : لو سلّم وجوبها لا إشكال فيها للالتزام وعقد القلب بما هو الواقع ، أيّ شيء كان ؛ ولذا التزم المحقّق النّائيني قدس‌سره بأنّه إذا شكّ المصلّي المسبوق بالحدث ، في الطّهارة بعد الفراغ عن الصّلاة ،

__________________

(١) راجع ، فوائد الاصول : ج ٤ ، ص ١٤ إلى ١٦.

١٩

تجري قاعدة الفراغ بالنّسبة إلى الصّلاة الماضيّة ، واستصحاب الحدث بالنّسبة إلى الصّلاة الآتية ، مع أنّه يحصل له العلم إجمالا بعدم مطابقة القاعدة أو الاستصحاب للواقع ، والسّر فيه ، عدم ترتّب أثر عليهما إلّا المخالفة الالتزاميّة وهي لا تمنع عن جريانهما. (١)

هذا كلّه في الاصول المثبتة للتّكليف على خلاف المعلوم بالإجمال ، كما في مورد العلم بطهارة أحد المائعين المعلوم نجاستهما سابقا.

وأمّا الاصول النّافية له ، كما في مورد العلم بنجاسة أحد المائعين المعلوم طهارتهما سابقا ، فالاستصحاب لا يجري في طرفي العلم الإجماليّ ، لأجل لزوم التّرخيص في المعصية ، فأدلّة الاصول لو فرض شمولها لأطراف العلم الإجماليّ ، لا بدّ من تخصيصها عقلا بغير صورة لزوم التّرخيص في المعصية. هذا تمام الكلام في المقام الثّاني.

المقام الثّالث : (إمكان جعل الحكم الظّاهريّ ثبوتا في بعض الأطراف وامتناعه) فالمعروف هنا إمكان جعل الحكم الظّاهريّ في بعض الأطراف ، نظرا إلى أنّ العلم الإجماليّ ليس علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعيّة ، بل هو علّة تامّة لحرمة المخالفة القطعيّة فقط.

ولكن في قباله قول بامتناع الجعل ، مستندا إلى وجهين :

الأوّل : ما أفاده المحقّق الخراساني قدس‌سره من ثبوت الملازمة في الإمكان والاستحالة بين جعل الحكم الظّاهريّ وإجراء الاصول في جميع الأطراف ، وبين جعله في بعضها ؛ بدعوى : أنّه لا فرق بين العلم الإجماليّ والتّفصيليّ في انكشاف الواقع ؛ إذ

__________________

(١) راجع ، مصباح الاصول : ج ٢ ، ص ٣٤٧.

٢٠