موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام

باقر شريف القرشي

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام

المؤلف:

باقر شريف القرشي


المحقق: مهدي باقر القرشي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية
الطبعة: ٢
ISBN: 964-94388-6-3
الصفحات: ٢٧٧

له ، فارفق أيّها السّاعي من سعيك ، واقصر من عجلتك ، وانتبه من سنة غفلتك ، وتفكّر فيما جاء عن الله عزّ وجلّ على لسان نبيّه » (١).

( أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ ) (١٧)

تظافرت كتب الأخبار وتفاسير القرآن الكريم على أنّ من كان على بيّنة من ربّه هو الرّسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّ الشاهد هو الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وقد أعلن الإمام أنّه هو الشاهد فقد قال :

« لو كسرت لي الوسادة فقعدت عليها لقضيت بين أهل التّوراة بتوراتهم ، وأهل الإنجيل بإنجيلهم ، وأهل الفرقان بفرقانهم ، بقضاء يصعد إلى الله يزهر ، والله ما نزلت آية في كتاب الله في ليل أو نهار إلاّ وقد علمت فيمن أنزلت ، ولا أحد ممّن مرّ على رأسه المواسين إلاّ وقد انزلت آية فيه من كتاب الله تسوقه إلى الجنّة أو النّار ».

فقام إليه رجل فقال له :

يا أمير المؤمنين ، ما الآية التي انزلت فيك؟ ...

فقال عليه‌السلام :

« أما سمعت الله يقول : ( أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ ... ) ،

__________________

(١) نهج البلاغة ـ صبحي الصالح ٥٢٣ / ح ٢٧٣.

١٠١

فرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على بيّنة من ربّه ، وأنا الشّاهد له ومنه » (١).

( حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ ) (٤٠)

قال الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام :

« إنّ نوحا عليه‌السلام لمّا فرغ من السّفينة وكان ميعاده فيما بينه وبين ربّه في إهلاك قومه أن يفور التّنور ، ففار التنور في بيت امرأة ، فقالت : إنّ التّنور قد فار ، فقام إليه فختمه ، فقام الماء وأدخل من أراد أن يدخل ، وأخرج من أراد أن يخرج ، ثمّ جاء إلى خاتمه ـ وهو الذي كان على التنور ـ فنزعه ، يقول الله عزّ وجلّ : ( فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ. وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ. وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ ) (٢) » (٣).

( إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (٥٦)

قال الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام في تفسير هذه الآية :

« يعني أنّه ـ أي الله تعالى ـ على حقّ يجزي بالإحسان إحسانا ، وبالسّيّئ سيّئا ، ويعفو عمّن يشاء ، ويغفر ، سبحانه وتعالى » (٤).

__________________

(١) بصائر الدرجات : ١٣٢.

(٢) القمر : ١١ ـ ١٣.

(٣) الميزان ١٠ : ٢٥٢.

(٤) تفسير العيّاشي ٢ : ١٥١.

١٠٢

( يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ) (١٠٥)

دلّت الآية الكريمة على أنّ النوع الإنساني نوعان : شقي وسعيد ، فالشقي مآله جهنّم ـ أعاذنا الله منها ـ ، والسعيد مآله إلى الفردوس الأعلى ، ويقول الرواة : إنّ الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام كان في جنازة فأخذ عودا فجعل ينكت في الأرض ، ويقول :

« ما منكم أحد إلاّ كتب مقعده من الجنّة أو من النّار ».

فقال قوم : ألا نتّكل؟

قال : « اعملوا فكلّ ميسّر لما خلق له » ، وقرأ( فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى ... ) (١). (٢)

وعرض العلاّمة الطباطبائي في تفسيره الميزان إلى إيضاح هذا الحديث ، وملخّص ما أفاده أنّ القوم الذين اعترضوا على الإمام في مقالته ، قد توهّموا أنّ الجنّة قد قررت وكتبت لبعض الناس ، وكذلك النار وعليه فلا داعي لعمل المقدّمات التي توصل ذلك بعد أن كانت قد كتبت الجنة والنار للفريقين ، كما توهّموا أنّ المقدّمات الموصلة للجنة والنار واقعة تحت القضاء ومكتوبة ، فلا يبقى للاختيار معنى ولا للاكتساب مجال. وقد أجاب الإمام عليه‌السلام عن سؤالهم عن الجهة الاولى بقوله :

« كلّ ميسّر لما خلق له » ، وهو مأخوذ من قوله تعالى في صفة خلق الإنسان ( ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ) (٣) ، أي إنّ كلاّ من أهل الجنة التي خلقها الله لهم وكذلك أهل

__________________

(١) الليل : ٥.

(٢) الميزان ١١ : ٣٦ ، نقلا عن صحيح الترمذي.

(٣) عبس : ٢٠.

١٠٣

النار ، قد يسّر الله لهم السبيل إلى تلك الغاية من دون أن يجبر أحدا على ذلك.

إن الإنسان الذي كتبت له الجنة له سبيل وطريق للوصول إليها وهو الايمان والتقوى ، فلا بدّ من سلوك هذا الطريق ، ولم تكتب له الجنة سواء عمل صالحا أو لم يعمل صالحا ، وكذلك من كتبت له النار فإنّما كتبت له عن طريق الشرك والعصيان.

أمّا الجواب عن الجهة الثانية ، فقد أجاب الإمام عليه‌السلام بالتيسير لما خلق له ، والتيسير هو التسهيل ، وهو إنّما يكون في الامور التي لا ضرورة فيها ، ولو كان سبيل الجنة ضروريا على الاطلاق لكان من الامور الثابتة التي لا تتغيّر ، ولم يكن معنى لتيسيره ، وتسهيل سلوكه ... هذا ملخص لما أفاده المحقّق الطباطبائي نضّر الله مثواه.

( وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ ) (١١٤)

أمرت الآية الكريمة بإقامة الصلاة في طرفي النّهار وهما الصبح والمساء ، وزلفا من الليل وهي الساعات القريبة من النهار ، وتنطبق الآية على الصلوات الخمس ، وأنّ الصلوات المقامة في تلك الأوقات تذهب السيّئات ، ويقول الرواة :

إن أمير المؤمنين عليه‌السلام أقبل على الناس فقال لهم :

« أيّ آية في كتاب الله أرجى عندكم؟ ... ».

فأنبرى جمع من أصحابه ، فقالوا له : إنّ أرجى آية قوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ ... ) (١).

فقال الإمام : « حسنة ، وليست إيّاها ... ».

وطفق جماعة قائلين : ( قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ

__________________

(١) النساء : ٤٨.

١٠٤

رَحْمَةِ اللهِ ... ) (١).

قال : « حسنة ، وليست إيّاها ... ».

وقام جماعة فقالوا له : ( وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ ... ) (٢).

قال « حسنة ، وليست إيّاها ... ».

فأحجم الناس ، ولم يدل أحد منهم بشيء ، وقالوا للإمام : لا والله ما عندنا شيء.

فانبرى الإمام مبيّنا لهم ذلك قائلا :

« سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : أرجى آية في كتاب الله ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ ) » ، وقرأ الآية كلّها.

وقال : « يا عليّ ، والّذي بعثني بالحقّ بشيرا ونذيرا إنّ أحدكم ليقوم إلى وضوئه فتساقط من جوارحه الذّنوب ، فإذا استقبل بوجهه وقلبه لم ينفتل عن صلاته وعليه من ذنوبه شيء كما ولدته امّه ، فإذا أصاب شيئا بين الصّلاتين كان له مثل ذلك حتّى عدّ الصّلوات الخمس ».

ثم قال ـ أي الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ :

« يا عليّ ، إنّما منزلة الصّلوات الخمس لامّتي كنهر جار على باب أحدكم ، فما ظنّ أحدكم لو كان في جسده درن ثمّ اغتسل في ذلك النّهر خمس مرّات في اليوم ، أكان يبقى في جسده درن؟ فكذلك والله الصّلوات الخمس لامّتي » (٣).

__________________

(١) الزّمر : ٥٣.

(٢) آل عمران : ١٣٥.

(٣) تفسير العيّاشي ٢ : ١٦١ ـ ١٦٢.

١٠٥

سورة يوسف

بسم الله الرّحمن الرّحيم

هذه السورة المباركة مكّية ، وعدد آياتها مائة وإحدى عشرة آية

( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ ) (٢٤)

اختلف العلماء في تفسير هذه الآية على قولين :

الأوّل : أنّه لم يوجد من يوسف ذنب كبير ولا صغير ، وأنّه معصوم شأنه شأن الأنبياء عليهم‌السلام ، وقد فسّر الإمام الصادق عليه‌السلام بأنّ زليخا همّت بأن تفعل ، وهمّ يوسف بأن لا يفعل (١). وأدلت بتآويل اخرى ذكرتها مصادر التفسير.

القول الثاني : أنّ زليخا همّت بالمعصية ، وكذلك يوسف ، واستندوا في ذلك إلى ما روي عن الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام :

« أنّ زليخا طمعت فيه وطمع يوسف بها ، وكان من الطّمع أنّه همّ بحلّ التّكّة ، فقامت إلى صنم مكلّل بالدّرّ والياقوت في ناحية البيت فسترته بثوب أبيض بينها وبينه

__________________

(١) الميزان ١١ : ٣٦ ، نقلا عن صحيح الترمذي.

١٠٦

فقال : أيّ شيء تصنعين؟

فقالت : أستحي من إلهي أن يراني على هذه الصّورة.

فقال يوسف : تستحين من صنم لا يأكل ولا يشرب ، وأنا لا أستحي من إلهي الّذي هو قائم على كلّ نفس بما كسبت؟

ثمّ قال : لا تناليها منّي أبدا ، وهو البرهان الّذي رأى » (١).

وهذه الرواية ضعيفة لا يمكن الاعتماد عليها لأنّها تنافي عصمة الأنبياء عليهم‌السلام ، وقد تواترت الأخبار عن أئمّة الهدى عليهم‌السلام بعصمة الأنبياء.

__________________

(١) الدرّ المنثور ٤ : ١٣.

١٠٧

سورة الرّعد

بسم الله الرّحمن الرّحيم

هذه السورة المباركة مكّية ، وعدد آياتها ثلاث وأربعون آية

( وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) (٤)

استشهد الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذه الآية المباركة على أنّه والإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام من شجرة طيّبة مباركة قال جابر : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :

« يا عليّ ، النّاس من شجر شتّى ، وأنا وأنت من شجرة واحدة » ، ثم قرأ : ( وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ ) (١).

( وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّما أَنْتَ

__________________

(١) الدرّ المنثور ٤ : ٤٤ ، وقريب منه في تفسير البرهان.

١٠٨

مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) (٧)

تظافرت الروايات عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّه هو المنذر ، والإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام هو الهاد ، فقد روى أبو بريدة الأسلمي قال : دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالطهور وعنده عليّ ابن أبي طالب ، فأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيد عليّ بعد ما تطهّر فألصقها بصدره ، ثمّ قال : ( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ ) ويعني نفسه ، ثمّ ردّها إلى صدر عليّ ثمّ قال : ( وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) ، ثمّ قال له : « أنت منار الأنام ، وغاية الهدى ، وأمير القرّاء ، أشهد على ذلك » (١).

( أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ ) (١٧)

قال الإمام عليه‌السلام في بيان هذه الآية :

« الزّبد في هذا الموضع كلام الملحدين الّذين أثبتوه في القرآن (٢) ، فهو يضمحلّ ويبطل ويتلاشى عند التّحصيل ، والّذي ينفع النّاس منه ، فالتّنزيل الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، والقلوب تقبله ، والأرض في هذا الموضع هي محلّ العلم وقراره » (٣).

( سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ) (٢٤)

__________________

(١) الميزان ١١ : ٣٢٧ ، نقلا عن مستدرك الحاكم. ومروي مثله في شواهد التنزيل.

(٢) المراد من كلام الملحدين الذين أثبتوه في القرآن هو تفسير هم له.

(٣) الميزان ١١ : ٣٤٨ ، نقلا عن الاحتجاج.

١٠٩

قال الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام :

« قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الصّبر ثلاثة : صبر عند المصيبة ، وصبر على الطّاعة ، وصبر عن المعصية ، فمن صبر على المصيبة حتّى يردّها بحسن عزائها كتب الله له ثلاثمائة درجة ، ما بين الدّرجة إلى الدّرجة كما بين السّماء إلى الأرض ، ومن صبر على الطّاعة كتب الله له ستمائة درجة ما بين الدّرجة إلى الدّرجة ، كما بين تخوم الأرض إلى العرش ، ومن صبر عن المعصية كتب له تسعمائة درجة ما بين الدّرجة إلى الدّرجة كما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش » (١).

( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) (٢٨)

قال الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام :

« لما نزلت هذه الآية ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ذاك من أحبّ الله ورسوله ، وأحبّ أهل بيتي صادقا غير كاذب ، وأحبّ المؤمنين شاهدا وغائبا ، ألا بذكر الله يتحابّون » (٢).

( وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ ) (٤٣)

لقد زعم الذين كفروا أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس مرسلا من عند الله تعالى ، فقال الله تعالى لنبيه : قل لهم : ( كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ) على ما أقوله من النبوة

__________________

(١) الميزان ١١ : ٣٥٠ ، نقلا عن الكافي.

(٢) الدرّ المنثور ٤ : ٥٨.

١١٠

والرسالة ، ويشهد على ذلك ( مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ ) ».

وقد تظافرت الأخبار أنّه إمام المتّقين وسيّد الموحّدين الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقد سأل أبو سعيد الخدري رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن المعني بمن عنده علم الكتاب ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« ذاك أخي عليّ بن أبي طالب » (١).

__________________

(١) الميزان ١١ : ٣٨٧ ، نقلا عن المعاني.

١١١

سورة إبراهيم

بسم الله الرّحمن الرّحيم

هذه السورة المباركة مكية إلاّ آيتان منها ، عدد آياتها اثنتان وخمسون آية

( أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللهُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ ) (٩)

عرضت الآية الكريمة إلى الاتّعاظ بقوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما أنزل الله تعالى بهم من العقوبات والدمار الشامل ، فقد عفت آثارهم ، ولا يعرف عددهم إلاّ الله تعالى ، وقد التقى نسابة بالإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال له : أنا أنسب الناس.

فردّ عليه الإمام : « إنّك لا تنسب النّاس ».

فاصرّ الرجل على أنّه أنسب الناس.

فقال له الإمام :

١١٢

« أرأيت قوله تعالى : ( وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً ) (١) ».

وطفق الرجل قائلا : أنا أنسب ذلك الكثير ...

فردّ عليه الإمام :

« أرأيت قوله تعالى : « ( أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللهُ ... ) ».

فسكت النّسابة ولم يطق أن يدلي بأي حجّة (٢).

( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ ) (٢٤)

تظافرت الأخبار أنّ المعني بهذه الآية هم أهل بيت النبوة ومعدن الرحمة ، فقد روى ابن عقدة عن الإمام أبي جعفر عليه‌السلام :

« أنّ الشّجرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفرعها عليّ ، وعنصر الشّجرة فاطمة ، وثمرتها أولادها ، وأغصانها وأوراقها شيعتها. إنّ الرّجل من شيعتنا ليموت فتسقط من الشّجرة ورقة ، وإنّ المولود من شيعتنا ليولد فيورق مكان تلك الورقة ورقة » (٣).

وروى ابن عباس قال : قال جبرئيل للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« أنت الشّجرة وعليّ غصنها ، وفاطمة ورقها ، والحسن والحسين ثمارها » (٤).

__________________

(١) الفرقان : ٣٨.

(٢) الدرّ المنثور ٤ : ٧٢.

(٣) و (٤) مجمع البيان ٥ : ٣١٤.

١١٣

( وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ ) (٢٦)

ورد في بعض التفاسير أنّ المعني بهذه الآية خصوم الإمام أمير المؤمنين وأعداؤه بنو أمية ، روي ذلك عن الإمام أبي جعفر عليه‌السلام.

( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ ) (٢٨)

قال الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام :

« المعنيّ بهذه الآية هما الأفجران من قريش : بنو اميّة ، وبنو المغيرة ، فأمّا بنو المغيرة فقطع الله دابرهم يوم بدر ، وأمّا بنو أميّة فمتّعوا إلى حين » (١).

__________________

(١) الدرّ المنثور ٥ : ٤١. صحيح البخاري ٤ : ٨٤.

١١٤

سورة الحجر

بسم الله الرّحمن الرّحيم

هذه السورة المباركة مكّية ، عدد آياتها تسع وتسعون آية

( رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ ) (٢)

دلّت الآية الكريمة على أنّ الكافرين سيندمون على كفرهم وتمرّدهم يوم القيامة ، ويتمنّون أنّهم لو كانوا مسلمين ومؤمنين. وروى الإمام أمير المؤمنين عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تفسير هذه الآية ، قال عليه‌السلام :

« قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ أصحاب الكبائر من موحّدي الامم كلّها الّذين ماتوا على كبائرهم غير نادمين ولا تائبين ، من دخل منهم جهنّم لا تزرق أعينهم ولا تسود وجوههم ، ولا يقرنون بالشّياطين ، ولا يغلّون بالسّلاسل ، ولا يجرّعون الحميم ، ولا يلبسون القطران ، حرّم الله أجسادهم على الخلود من أجل التّوحيد ، وصورهم على النّار من أجل السّجود ، فمنهم من تأخذه النّار إلى عقبيه ، ومنهم من تأخذه النّار إلى عنقه على قدر ذنوبهم وأعمالهم ، ومنهم من يمكث فيها شهرا ثمّ يخرج منها ، وأطولهم مكثا فيها بقدر عمر الدّنيا منذ خلقت إلى أن تفنى.

فإذا أراد الله أن يخرجهم منها قالت اليهود والنّصارى ومن في النّار من أهل

١١٥

الأديان والأوثان لمن في النّار من أهل التّوحيد : آمنتم بالله وكتبه ورسله فنحن وأنتم اليوم في النّار سواء ، فيغضب الله غضبا لم يغضبه لشيء فيما مضى فيخرجهم إلى عين بين الجنّة والصّراط فينبتون فيها نبت الطراثيث (١) في حميل السّيل (٢) ، ثمّ يدخلون الجنّة مكتوب في جباههم هؤلاء الجهنّميّون عتقاء الرّحمن ، فيمكثون في الجنّة ما شاء الله أن يمكثوا.

ثمّ يسألون الله تعالى أن يمحو ذلك الاسم عنهم ، فيبعث الله ملكا فيمحوه ، ثمّ يبعث الله ملائكة معهم مسامير من نار فيطبقونها على من بقي فيها يسمّرونها بتلك المسامير ... ويشتغل أهل الجنّة عنهم بنعيمهم ولذّاتهم ، وذلك قوله : ( رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ ) » (٣).

( لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ ) (٤٤)

روي عن الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام في تفسير هذه الآية : « أنّ جهنّم لها سبعة أبواب أطباق بعضها فوق بعض » ، ووضع إحدى يديه على الاخرى فقال : « هكذا ، وأنّ الله تعالى وضع الجنان على العرض ، ووضع النّيران بعضها فوق بعض ، فأسفلها جهنّم ، وفوقها لظى ، وفوقها الحطمة ، وفوقها سقر ، وفوقها الجحيم ، وفوقها السّعير ، وفوقها الهاوية » (٤).

( وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ

__________________

(١) الطرثوث : نبت.

(٢) حميل السيل : غثاؤه.

(٣) الميزان ١٢ : ١٠٢ ـ ١٠٣.

(٤) مجمع البيان ٥ : ٣٣٨.

١١٦

لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ) (٨٥)

قال الإمام عليه‌السلام :

« الصّفح الجميل هو العفو من غير عتاب » (١).

« أو الرّضا بغير عتاب » (٢).

__________________

(١) مجمع البيان ٦ : ٥١٩.

(٢) الدرّ المنثور ٤ : ١٠٤.

١١٧

سورة النّحل

بسم الله الرّحمن الرّحيم

هذه السورة المباركة مكّية ، وعدد آياتها مائة وثمان وعشرون آية

( يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِ ) (٢)

حكت الآية الكريمة أنّ الله تعالى ينزل الملائكة بالروح ، أي بالوحي ، على من يشاء من عباده ، وهم الصفوة المختارة من البشر وهم الأنبياء العظام.

جاء رجل إلى الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام يسأله عن الروح : أليس هو جبرئيل؟

فقال له أمير المؤمنين :

« جبرئيل من الملائكة ، والرّوح غير جبرئيل » ، فكبر ذلك على الرجل ، وقال للإمام :

لقد قلت قولا عظيما ، ما أحد يزعم أنّ الروح غير جبرئيل.

فقال له الإمام عليه‌السلام :

« إنّك ضالّ تروي عن أهل الضّلال ، يقول الله لنبيّه : ( أَتى أَمْرُ اللهِ

١١٨

فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ. يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ ... ) (١) ، والرّوح غير الملائكة » (٢).

( وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) (١٦)

قال الإمام عليه‌السلام :

« قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) الجدي ؛ لأنّه نجم لا يدور وعليه بناء القبلة ، وبه يهتدي أهل البرّ والبحر » (٣).

( وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ ) (٣٠)

استشهد الإمام عليه‌السلام بهذه الآية في رسالته التي كتبها لأهل مصر ، فقد جاء فيها :

« يا عباد الله ، إنّ أقرب ما يكون العبد من المغفرة والرّحمة حين يعمل بطاعته ، وينصح في توبته ، عليكم بتقوى الله ، فإنّها تجمع الخير ، ولا خير غيرها ، ويدرك بها من خير الدّنيا وخير الآخرة ، قال عزّ وجلّ : ( وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ ) » (٤).

( وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ

__________________

(١) النحل : ١ و ٢.

(٢) الميزان ١٤ : ٢٢٤ ، نقلا عن الكافي.

(٣) تفسير العيّاشي ٢ : ٢٥٦.

(٤) أمالي الشيخ الطوسي : ٢٥.

١١٩

لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ) (٧٠)

كان من معطيات هذه الآية أنّ الله تعالى خلق الإنسان ، وأنعم عليه بضروب من النّعم ، ثمّ يقبضه إليه ، ومنهم من يردّ إلى أرذل العمر وأوضعه ، وقد روي عن الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام :

« أنّ أرذل العمر خمس وسبعون سنة » (١).

( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) (٩٠)

اجتاز الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام على قوم يتحدّثون فقال :

« فيم أنتم ـ أي بأيّ شيء تتحدّثون ـ؟ ».

فقالوا : نتذاكر المروّة.

فقال عليه‌السلام : « أو ما كفاكم الله عزّ وجلّ ذاك في كتابه إذ يقول الله : ( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ ... ) ، فالعدل الإنصاف ، والإحسان التّفضّل » (٢).

__________________

(١) مجمع البيان ٦ : ٣٧٣

(٢) تفسير العيّاشي ٢ : ٢٦٧.

١٢٠