مفتاح الأصول - ج ١

آية الله الشيخ إسماعيل الصالحي المازندراني

مفتاح الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله الشيخ إسماعيل الصالحي المازندراني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: نشر الصالحان
الطبعة: ١
ISBN: 964-7572-01-8
الصفحات: ٤٦٣

ولكنّه ممنوع في كلا الموردين :

أمّا المورد الأوّل ، فلأنّ الرّوايات الواردة فيه تدلّ على استحباب الإعادة ، فالإتيان بصلاة الآيات ما دامت الآية باقية ، يكون بداعي أمر ثاني ندبيّ ؛ لسقوط الأمر الوجوبي بالامتثال أوّلا ، فحينئذ لا مجال للإعادة بداعيه.

وإن شئت فقل : إنّ صلاة الآيات متعلّقة لأمرين :

أحدهما : الوجوبيّ وهو ما تعلّق بطبيعة الصّلاة بعنوانها.

ثانيهما : النّدبيّ وهو ما تعلّق بها بعنوان الإعادة ، فليست الإعادة بداعي الأمر الأوّل ، وإلّا لكانت واجبة لا جائزة.

وعليه فلا امتثال بعد امتثال ، بل هنا أمران لكلّ منهما امتثال على حدة.

أمّا المورد الثّاني ، فلأنّ إعادة الصّلاة جماعة ـ أيضا ـ يكون بداعي الأمر النّدبي بها ، وإلّا لكانت واجبة ، كما هو واضح.

وبالجملة : لا إشعار في الرّوايات الواردة في الموردين على جواز الامتثال بعد الامتثال ، فضلا عن الظّهور والدّلالة.

نعم ، هنا روايتان صحيحتان ظاهرتان في جواز ذلك.

إحداهما : صحيحة حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «في الرّجل يصلّي الصّلاة وحده ثمّ يجد جماعة ، قال : يصلّي معهم ويجعلها الفريضة». (١)

ثانيتهما : صحيحة هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «في الرّجل

__________________

(١) وسائل الشّيعة : ج ٥ ، كتاب الصّلاة ، الباب ٥٤ من أبواب صلاة الجماعة ، الحديث ١١ ، ص ٤٥٧.

٣٢١

يصلّي الصّلاة وحده ثمّ يجد جماعة ، قال : يصلّى معهم ويجعلها الفريضة إن شاء». (١)

وجه الظّهور ، هو أنّ الإمام عليه‌السلام أمر في الاولى بجعل المعادة فريضة ، وفي الثّانية بجعلها فريضة إن شاء.

ولكن ، سيأتي إن شاء الله في مبحث الإجزاء ما هو الحقّ والصّواب من الجواب ، فارتقب.

(المورد العاشر : الفور والتّراخي)

لا يخفى : أن ما أسمعناك في مبحث المرّة والتّكرار من عدم دلالة الأمر بالمادّة ولا بالهيئة على شيء منهما يجري هنا ، أيضا ، بل كما لا يدلّ الأمر على المكان ، كذلك لا يدلّ على أصل الزّمان رأسا ، فضلا عن الفوريّة.

وإن شئت تفصيل ذلك ، فنقول : إنّ البحث هنا يقتضي التّكلم ، تارة في مقام الثّبوت ، واخرى في مقام الإثبات.

أمّا مقام الثّبوت ، فالواجب بحسبه على ثلاثة أقسام :

أحدها : ما يسمّى بالواجب الموسّع ، والمراد به هو الواجب الّذي يكون زمانه أوسع وأزيد منه ، كالصّلوات اليوميّة بحيث يكون المكلّف مختارا في إتيانه أوّل الزّمن أو ثانيه ، وهكذا.

__________________

(١) وسائل الشّيعة : ج ٥ ، كتاب الصّلاة ، الباب ٥٤ من أبواب صلاة الجماعة ، الحديث ١ ، ص ٤٥٥.

٣٢٢

ثانيها : ما يسمّى بالواجب المضيّق ، والمراد به هو الواجب الّذي يكون زمانه مطابقا له ، لا أزيد ولا أنقص منه ، كصوم شهر رمضان.

ثالثها : ما يسمّى بالواجب الفوري ، والمراد هو الواجب الّذي لا بدّ من إتيانه في أوّل زمن الإمكان ، وهذا على قسمين :

الأوّل : أن يكون إتيانه في أوّل الزّمن على وجه وحدة المطلوب.

الثّاني : أن يكون على وجه تعدّد المطلوب.

أمّا الأوّل : فمرجعه إلى أمرين :

أحدهما : وجوب الإتيان به فورا ، أوّل زمن الإمكان.

ثانيهما : سقوط الأمر في الزّمن الثّاني لو لم يجئ به في الزّمن الأوّل ، كردّ السّلام ؛ حيث إنّه يجب فورا ، ولو لم يردّ كذلك وعصى ، سقط الأمر به في الزّمن الثّاني ، فيسقط حينئذ أصل الأمر فضلا عن فوريّته.

أمّا الثّاني (تعدّد المطلوب) : فهو على وجهين :

أحدهما : أنّ المطلوب هو الإتيان في أوّل الزّمن ، وإلّا ففي الثّاني ، وهكذا ، فيعبّر عنه بالواجب فورا ففورا ، بحيث لو عصى وأخّر لم يسقط فوريّة الواجب ، كعدم سقوط أصل الواجب ، نظير قضاء الفوائت ، بناء على القول بوجوب الإتيان به فورا ففورا.

ثانيهما : أنّ المطلوب هو الإتيان في أوّل الزّمن ، لكن لو عصى وأخّر ، سقطت الفوريّة ، لا وجوب أصل الإتيان بالطّبيعة ، نظير صلاة الآيات عند وقوع الزّلزلة ـ مثلا ـ فإنّهما واجبة في أوّل الوقت ، لكن تسقط فوريّتها عند تأخيرها عصيانا ، لا أصل وجوبها ، بمعنى : أنّ المكلّف عند تأخيرها عن أوّل زمان إتيانها يكون في

٣٢٣

وسعة وله التّأخير إلى آخر أزمنة الإمكان.

هذا ، كلّه بالنّسبة إلى مقام الثّبوت.

وأمّا مقام الإثبات ، فنقول : إنّ منشأ استفادة الفوريّة في الواجبات ، لا بدّ وأن يكون إمّا نفس صيغة الأمر ، أو الدّليل الخارجي.

والصّيغة ، قد عرفت سابقا ، أنّها لا تدلّ على الفوريّة ، لا مادّة ولا هيئة. أمّا المادّة ؛ فلأنّها لا تدلّ إلّا على الطّبيعة المهملة المجرّدة عن جميع الخصوصيّات والعوارض.

وأمّا الهيئة ، فلأنّها ـ أيضا ـ لا تدلّ إلّا على البعث والإغراء إليها ، أو غير ذلك على اختلاف المباني.

والنّتيجة ، هو أنّه لا دلالة للصّيغة ، مادّة وهيئة على التّراخي ، ولا على الفور فضلا عن وحدة المطلوب ، أو تعدّده ، وفي فرض التّعدّد على وجه الفور فالفور ، أو الفور ثمّ التّأخير إلى آخر أزمنة الإمكان ، بل لا إشعار فيها إلى هذه الامور ، فضلا عن الدّلالة والظّهور ، وكلّ ذلك يحتاج إلى قيام الدّليل ، وإلّا فاللّازم هو أصل الإتيان بما امر به مخيّرا بين الفور والتّراخي ؛ ولذا لو شككنا في اعتبار أحدهما بخصوصه ، فلو كان هنا أصل لفظيّ ، كالإطلاق ، يرجع إليه وينفي اعتبار الفور ، أو التّراخي ، ولازمه ، أنّ الواجب هو الإتيان بأصل الطّبيعة ، فيجوز للمكلّف أن يأتي بها على وجه الفور ، أم على وجه التّراخي ، وهذا اللّازم حجّة يؤخذ به ؛ لما هو المقرّر في محلّه من حجيّة لوازم الاصول اللّفظيّة دون العمليّة.

وأمّا لو لم يكن هنا أصل لفظيّ ، إمّا الإهمال الدّليل ، أو إجماله ، فالمرجع حينئذ هو الأصل العمليّ وهو البراءة في مثل المقام ، سواء كانت عقليّة أو نقليّة ، للشّك في وجوب الفوريّة ، وهي تقتضي عدم وجوبها ، ونتيجته هو نتيجة الأصل اللّفظي.

٣٢٤

فتحصّل : أنّ صيغة الأمر بنفسها لا تدلّ إلّا على لزوم الإتيان بأصل الطّبيعة المأمور بها ، ولازم ذلك هو الحكم بالتّخيير بين الأفراد العرضيّة والطّوليّة الّتي هي متساوية الأقدام. نعم ، يحكم العقل بلزوم الإتيان فورا ، لو لم يطمئن المكلّف بالإتيان في الزّمن الثّاني ، بل يحتمل أنّ التّأخير موجب للتّفويت.

أمّا الدّليل الخارجي ، فهو إمّا عقليّ أو نقليّ.

أمّا العقلي ، فعن العلّامة الحائري اليزدي قدس‌سره أنّه يستفاد منه الفوريّة حيث قال : «إنّ الأمر المتعلّق بموضوع خاصّ غير مقيّد بزمان وإن لم يكن مدلوله اللّفظي ظاهرا في الفور ولا في التّراخي ، ولكن لا يمكن التّمسّك به للتّراخي بواسطة الإطلاق ، ولا التّمسّك بالبراءة العقليّة لنفي الفوريّة ؛ لأنّه يمكن أن يقال : إنّ الفوريّة وإن كانت غير ملحوظة للآمر قيدا للعمل ، إلّا أنّها من لوازم الأمر المتعلّق به ، فإنّ الأمر تحريك إلى العمل وعلّة تشريعيّة ، وكما أنّ العلّة التّكوينيّة لا تنفكّ عن معلولها في الخارج ، كذلك العلّة التّشريعيّة تقتضي عدم انفكاكها عن معلولها في الخارج وإن لم يلاحظ الآمر ترتّبه على العلّة في الخارج قيدا». (١)

ولكن أجاب عنه الإمام الرّاحل قدس‌سره وأجاد في ذلك ، حيث قال ، ما حاصله : أوّلا : أنّه لا يقاس التّشريع بالتّكوين ؛ حيث إنّهما يختلفان ويتعاكسان في العلّيّة والتّأثير ، فإنّ المعلول في التّكوين متعلّق بتمام وجوده وحيثيّته بوجود علّته ، بخلاف المعلول في التّشريع.

__________________

(١) كتاب الصّلاة ، في صلاة القضاء : ص ٣٩٢ ؛ وقد أشار إلى هذا الوجه ـ أيضا ـ شيخنا الاستاذ الآملي قدس‌سره تقريرا لدرس استاذه المحقّق العراقي ؛ راجع ، كتاب بدائع الافكار : ج ١ ، ص ٢٥١.

٣٢٥

وثانيا : أنّ عدم انفكاك المعلول عن علّته في التّكوين ممّا يقطع به ويبرهن عليه ، بخلاف التّشريع ؛ ضرورة ، أنّ الأوامر قد تتعلّق بنفس الطّبيعة مجرّدة عن الفور والتّراخى ، واخرى تتعلّق بها مقيّدة بواحد منهما بلا لزوم استحالة أصلا.

وثالثا : أنّ مقتضى الملازمة بين الوجوب والإيجاب ، تعلّق الوجوب بعين ما تعلّق به الإيجاب ، فإذا تعلّق الأمر بنفس الطّبيعة ، لا يمكن أن يدعو إلى أمر زائد عليها من زمان خاصّ أو غيره ، فوزان الزّمان ، وزان المكان ، وكلاهما كسائر القيود العرضيّة ، لا يتكفّل الأمر بالطّبيعة إثباتهما ، لفقد الوضع والدّلالة وعدم التّشابه بين التّشريع والتّكوين. (١) هذا كلّه بالنّسبة إلى الدّليل العقلي.

أمّا الدّليل النّقلى ، فقد يقال : باستفادة الفوريّة من الآيات الآمرة بالاستباق والمسارعة ، كقوله تعالى : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ)(٢) وقوله تعالى : (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ.)(٣)

بتقريب : أنّ المراد من المغفرة أسبابها ، ومن المعلوم ، أنّ المأمور به يكون من مصاديق الخيرات وأسباب المغفرة ، فيجب على المكلّف المسارعة والاستباق إليه فورا ففورا ؛ لدلالة الأمر على الوجوب (٤) ، وعدم سقوطه بالعصيان في الزّمن الأوّل لبقاء الموضوع والملاك ، ولازم ذلك هو الإتيان بجميع الواجبات فورا ففورا على وجه تعدّد المطلوب.

__________________

(١) راجع ، تهذيب الاصول : ج ١ ، ص ١٣٣.

(٢) سورة البقرة (٢) : الآية ١٤٨.

(٣) سورة آل عمران (٣) : الآية ١٣٣.

(٤) راجع ، كتاب بدائع الأفكار : ج ١ ، ص ٢٥١ و ٢٥٢ ؛ وتنقيح الاصول : ج ١ ، ص ٢٨١.

٣٢٦

وفيه : أوّلا : انّ الآيتين لا ارتباط لهما بما هو محلّ الكلام ، أمّا الاولى ، فلأنّ الاستباق ليس ، بمعنى : المبادرة ، بل معناه : المسابقة والسّعي لتحصيل السّبق ـ على ما هو المقرّر في كتاب السّبق والرّماية ـ وعليه ، فمعنى الآية يرجع إلى أنّه يجب المسابقة على العباد نحو الخيرات ، فتكون ناظرة إلى ما إذا كان العمل خيرا للكلّ مع تمكّن كلّ واحد منهم من القيام به ، وأنت ترى ، أنّ هذا أجنبيّ عمّا نحن فيه ، من وجوب المبادرة على المكلّف نحو امتثال الأمر المتوجّه إليه على وجه الاستقلال مع قطع النّظر عن التّوجه إلى غيره.

وإن شئت ، فقل : إنّ الآية ناظرة إلى وجوب الاستباق بالنّسبة إلى أشخاص آخرين ، لا بالإضافة إلى الفعل ، ولا ملازمة بينهما.

أمّا الثّانية (آية المسارعة) ، فلأنّ الظّاهر من المغفرة هو الغفران الإلهي ، لا أسبابه من الأفعال الخارجيّة ، واجبة كانت أو مندوبة ، فالآية تدلّ على وجوب المسارعة نحو المغفرة بالتّوبة والنّدامة الّتي هي واجبة بحكم العقل ، لا أنّها تدلّ على وجوب المسارعة إلى الواجبات أو المندوبات الّتي هي أسباب المغفرة.

وإن شئت ، فقل : إنّ الآية إرشاد إلى ما يستقلّ به العقل من وجوب التّوبة ، فحينئذ لا ارتباط لها بما نحن فيه من الفوريّة في امتثال الأوامر الإلهيّة.

وثانيا : لو سلّم ارتباطهما بمحلّ الكلام ، فنقول : إنّ دلالتهما على وجوب الفوريّة مبتنية على إرادة المولويّة من الأمر فيهما ، ولكنّ الظّاهر حسب التّفاهم العرفي أنّ المراد به هو الإرشاد إلى حسن الاستباق والمسارعة نحو الإتيان بالمأمور به وتفريغ الذّمّة منه ، وهذا ممّا يستقلّ به العقل.

٣٢٧

ومن المعلوم : أنّ الحكم الإرشادي تابع لحكم العقل في الإلزام وعدمه بلا موضوعيّة له أصلا ، والعقل ـ أيضا ـ يختلف حكمه باختلاف الموارد لزوما وعدما.

وثالثا : على تقدير تسليم إرادة المولويّة فالأمر فيهما ، لا بدّ من حمله على الاستحباب ؛ ضرورة ، أنّ الحمل على الوجوب مستلزم لتخصيص الأكثر المستهجن ؛ وذلك ، لانحصار الآيتين بمورد الواجبات الفوريّة وخروج المندوبات مع كثرتها عنهما ، حيث إنّها وإن تعدّ من مصاديق الخيرات وأسباب المغفرة ، إلّا أنّه لا يجب الاستباق والمسارعة إليها ، كما هو واضح ، وكذلك ، خروج الواجبات الموسّعة والمضيّقة.

أمّا الموسّعة ، فلفرض السّعة في الإتيان بها حسب الزّمان ؛ أمّا المضيّقة ، فلعدم وجوب الإتيان بها إلّا في وقت خاصّ مطابق للواجب ، وإذا لا مجال للمبادرة فيها.

فتحصّل : أنّه لا دليل على الفور رأسا حتّى من الخارج ، لا عقليّا ولا نقليّا ، وعليه ، فإن ثبت أحد الأمرين (الفور والتّراخي) بدليل خاصّ ، فهو ، وإلّا فمقتضى الأصل اللّفظي والعملي ، عدمه.

٣٢٨

الجهة الثّالثة : الإجزاء

الجهة الرّابعة : مقدّمة الواجب

* الأمر الأوّل : تحرير محلّ النّزاع

* الأمر الثّاني : اشتراط مورد النّزاع بتحقّق الأمرين

* الأمر الثّالث : كون المسألة من المسائل الاصوليّة العقليّة

* الأمر الرّابع : تقسيمات المقدّمة

تقسيمات الواجب

* الواجب النّفسي والغيري

* الواجب الأصلي والتّبعي

٣٢٩
٣٣٠

(الجهة الثّالثة : الإجزاء)

هنا امور ينبغي تقديمها على البحث في مسألة الإجزاء :

الأوّل : أنّ المسألة معنونة في كلمات الأعلام على وجهين :

أحدهما : ما عن صاحب الفصول قدس‌سره من أنّ : الأمر بالشّيء إذا اتي به على وجهه ، يقتضي الإجزاء ، أم لا. (١)

ثانيهما : ما عن المحقّق الخراساني قدس‌سره من أنّ : «الإتيان بالمأمور به على وجهه يقتضي الإجزاء». (٢)

وقد فرّق المحقّق الأصفهاني قدس‌سره (٣) وكذا العراقي قدس‌سره (٤) بينهما ، بأنّ الأوّل يرجع إلى البحث عن دلالة الأمر على الإجزاء وعدمها ، فيكون لفظيّا ، والثّاني يرجع إلى البحث عن علّيّة الإتيان للإجزاء وعدمها ، فيكون عقليّا.

ولكن أشكل الإمام الرّاحل قدس‌سره على هذا الفرق بما لا يخلو عن القوّة ، فقال ما حاصله : أمّا إرجاع الأوّل إلى دلالة الأمر على الإجزاء ، فيمنع عنه بأنحاء الدّلالات الثّلاثة من المطابقة والتّضمّن والالتزام.

أمّا المطابقة والتّضمّن ، فلأجل أنّ هيئة الأمر إنّما وضعت لمجرّد الإغراء و

__________________

(١) راجع ، فصول الغرويّة ، ص ٩٣.

(٢) كفاية الاصول : ج ١ ، ص ١٢٤.

(٣) راجع ، نهاية الدّراية : ج ١ ، ص ٢٢٢.

(٤) راجع ، كتاب بدائع الأفكار : ج ١ ، ص ٢٦٠.

٣٣١

البعث ، وأنّ مادّته وضعت لمجرّد الطّبيعة لا بشرط ، وحينئذ ليس الإجزاء عين مدلول الهيئة والمادّة ولا جزءه.

أمّا الالتزام ، فلعدم اللّزوم بين مدلول الأمر هيئة ومادّة ، وبين الإجزاء ، لا عقلا ولا عرفا ، كما لا يخفى.

وأمّا إرجاع الثّاني إلى علّيّة الإتيان ، ففيه : أنّ هذا إنّما يصحّ في فرض إجزاء الإتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي ، أو الظّاهري ، أو الاضطراري عن نفسه ، فيكون البحث على هذا عقليّا ؛ ضرورة ، أنّ الدّليل على هذا الاجزاء عقليّ.

وأمّا إذا فرض إجزاء المأتي به بالأمر الظّاهري أو الاضطراري ، عن الواقعي أو الاختياري ، فيرجع البحث إلى مقام دلالة الأوامر الظّاهريّة أو الاضطراريّة على الإجزاء بتنقيح موضوع الأوامر الاختياريّة والواقعيّة بنحو الحكومة والتّوسعة في المأمور به ، فيكون البحث على هذا ، لفظيّا.

ثمّ قال ، ولكن هذا خلاف ظاهرهم ، وقضيّة تنقيح الموضوع بالحكومة أمر أحدثه المتأخّرون ، فلا يجوز حمل كلام القوم عليه. (١)

الأمر الثّاني : لا يخفى عليك : الفرق بين هذه المسألة ، وبين مسألة التّكرار والمرّة ، حيث إنّ البحث في تلك المسألة بحث صغرويّ راجع إلى مفاد الخطاب وتعيين المطلوب بالأمر وتشخيص المأمور به ، بأنّه هل هو الدّفعة أو الدّفعات ، أو الفرد أو الأفراد ، بلا نظر إلى الإجزاء وعدمه؟ بخلاف البحث في مسألة الإجزاء ، فإنّه بحث كبرويّ ؛ إذ المطلوب منه هو أنّ الإتيان بالمأمور به أيّا كان ، هل يجزي ، أو لا؟

__________________

(١) راجع ، تهذيب الاصول : ج ١ ، ص ١٣٥ و ١٣٦ ؛ ومناهج الوصول : ج ١ ، ص ٢٩٨.

٣٣٢

وإن شئت ، فقل : إنّ البحث في المرّة والتّكرار ، إنّما هو في تعيين مقدار المبعوث إليه ، بأنّه هل هو المرّة أو التّكرار؟ وأمّا البحث في الإجزاء ، إنّما هو بعد الفراغ عن ذلك ، حيث إنّه يبحث على القول بدلالة الأمر على المرّة ، بأنّ الاتيان به مرّة ، هل يجزى أو لا؟ وهكذا القول بدلالته على التّكرار.

وكذا لا يخفى عليك : الفرق بين مسألة الإجزاء ، وبين مسألة تبعيّة القضاء للأداء ، حيث إنّ الموضوع في تلك المسألة هو الفوت ، بخلاف مسألة الإجزاء ، فإنّ الموضوع فيها هو الإتيان ؛ وذلك ، لأنّ البحث عن الإجزاء بحث في أنّ الإتيان بالمأمور به ، هل يكون مجزيا عن الإعادة والقضاء ، أو لا؟ وأمّا البحث في التّبعيّة بحث في أنّه إذا فات المأمور به ، فهل الأمر المتعلّق بالطّبيعة الموقّتة يكفي في إيجاب القضاء أو يحتاج إلى أمر جديد؟

الأمر الثّالث : أنّ كلمة : «على وجهه» المأخوذة في عنوان المسألة ، هل يراد بها القيد الاحترازي ، أو القيد التّوضيحى؟

وجهان مبنيّان على اختلاف المباني في إمكان أخذ قصد القربة في المتعلّق وعدمه.

فعلى مسلك المختار ، من إمكان أخذه فيه ، سواء كان من الابتداء أو بمعونة الأمر الثّاني يكون القيد توضيحيّا ؛ إذ هو حينئذ لا يفيد أزيد من الإتيان بالمأمور به بتمام أجزاءه وشرائطه ، ولا يلزم من عدم هذا القيد خروج التّعبّديّات عن حريم النّزاع.

وأمّا على مسلك المحقّق الخراساني قدس‌سره (١) من عدم إمكان الأخذ ، يكون القيد احترازيّا ، إنّما جاء لإدراج الواجبات التّعبّديّة في حريم النّزاع.

__________________

(١) راجع ، كفاية الاصول : ج ١ ، ص ١٢٤.

٣٣٣

الأمر الرّابع : أنّ كلمة : «يقتضي» في العنوان ، هل يراد بها العلّيّة والتّأثير ، أو يراد بها الكشف والدّلالة؟ وجهان :

ذهب المحقّق الخراساني قدس‌سره إلى الأوّل (١) وهو الحقّ المختار.

ويدلّ عليه ، أنّ الأمر يدور مدار الغرض ثبوتا وسقوطا ، حدوثا وبقاء ، والغرض قائم بالمأمور به بأسره من الشّرط والشّطر ، فإذا اتي به بتمام أجزاءه ، وشرائطه يحصل الغرض ويسقط الأمر ، وإلّا ، فلا.

وإن شئت ، فقل : إنّ أمد الأمر هو حصول الغرض ، فينتهي أمده بحصوله ، فلو قلنا : ببقائه حينئذ لزم منه الخلف ، أو عدم إمكان الامتثال أبدا ؛ إذ لو لم يسقط الأمر بإتيان الأوّل ، لا يسقط بإتيان الثّاني والثّالث ، وهكذا ؛ لوحدة حكم الأمثال فيما يجوز ، وفيما لا يجوز.

ولا يخفى : أنّ مراده قدس‌سره من الاقتضاء والعلّيّة قبال الكشف والدّلالة ، هو هذا المعنى الّذي ذكرناه : من انتهاء أمد الحكم بحصول الغرض ، لا أنّ مراده من العلّيّة هي العليّة التّكوينيّة العينيّة ؛ وذلك ، لما أفاده الإمام الرّاحل قدس‌سره (٢) من انتفاءها في المقام ، سواء فسّر الإجزاء ، بمعنى : الكفاية ، أم بشيء آخر من سقوط الأمر أو الإرادة.

أمّا الكفاية ، فلانّه عنوان انتزاعي لا يقع موردا للتّأثير والعلّيّة ؛ وأمّا سقوط الامر ، فلأنّ الإتيان ليس مؤثّرا في سقوط الأمر وعلّة له ، حيث إنّ السّقوط ليس من الامور القابلة للتّأثير والعلّيّة ؛ وأمّا سقوط الإرادة ، فلوضوح أنّ الإتيان لا يكون

__________________

(١) كفاية الاصول : ج ١ ، ص ١٢٥ ، حيث قال : «الظّاهر ، أنّ المراد من الاقتضاء هاهنا الاقتضاء بنحو العلّيّة والتّأثير لا بنحو الكشف والدّلالة ؛ ولذا نسب إلى الإتيان ، لا إلى الطّبيعة».

(٢) راجع ، تهذيب الاصول : ج ١ ، ص ١٣٦.

٣٣٤

علّة لسقوطها ، لا التّكوينيّة ولا المولويّة التّشريعيّة ؛ إذ علّة انقداح الإرادة في نفس المريد ، عبارة عن تصوّر المراد بما هو مقصود وغاية مع مباد نفسيّة أخر ؛ فعلميّة المراد علّة لانقداح الإرادة ، كما أنّ عينيّة المراد ووجوده الخارجي معلول للإرادة ، فلا يعقل أن يكون المعلول بوجوده طاردا لوجود علّته ، هذا في التّكوينيّة.

وأمّا التّشريعيّة ، فلأنّها ـ أيضا ـ تنقدح في نفس المولى بمباديها وعللها الخاصّة ، وهل يعقل أن يكون إتيان العبد للمأمور به علّة لسقوط الإرادة المولويّة؟!

وبالجملة : فكما أنّ العلّيّة والتّأثير في إتيان العمل بالنّسبة إلى سقوط إرادة الفاعل ، ليس إلّا بمعنى : انتهاء أمد الإرادة ـ نظرا إلى أنّ الإرادة من بدو الأمر مغيّاة محدودة بحدّ الإتيان ، فإذا حصل ، لا اقتضاء لها في البقاء ، لا أنّ لها بقاء والإتيان يرفعها ـ كذلك في إتيان الفعل بالنّسبة إلى سقوط الأمر المولويّ ، فبالإتيان ينتهي أمده ؛ إذ المفروض ، أنّ الأمر إنّما هو لغرض حصول المأمور به ، وبعد حصوله ينتهي أمده ، لا أنّ للأمر بقاء من حيث الاقتضاء ، والإتيان يرفعه ويعدمه.

الأمر الخامس : أنّ الظّاهر ـ على ما أفاده المحقّق الخراساني قدس‌سره (١) ـ هو إرادة المعنى اللّغوي من كلمة : «الإجزاء» المأخوذ في العنوان ، وهو الكفاية ، إلّا أنّ متعلّقها يختلف حسب اختلاف الموارد ، فقد يكون هو الإعادة والقضاء معا ، وقد يكون هو القضاء فقط ، بمعنى : أنّ الدّليل قد يدلّ على أنّ إتيان المأمور به يوجب سقوط التّعبّد به ثانيا في الوقت وفي خارجه ، وقد يدلّ على أنّه يوجب سقوطه في خارج الوقت فقط ، كما إذا صلّى في الثّوب المتنجّس نسيانا ، فإنّ المشهور قالوا :

__________________

(١) راجع ، كفاية الاصول : ص ١٢٦ و ١٢٧.

٣٣٥

بوجوب الإعادة عند التّذكّر في الوقت ، وعدم وجوب القضاء عند عدمه ، وكما إذا أتمّ المسافر نسيانا ، أو جهلا بالموضوع ، فإنّه يجب الإعادة إذا تذكّر أو علم في الوقت ، وإلّا ، فلا يجب القضاء.

فظهر ممّا ذكرنا ، أنّه ليس للإجزاء معنى اصطلاحي خاصّ يعبّر عنه بإسقاط الإعادة والقضاء.

الأمر السّادس : أنّ ظاهر كثير من المتأخّرين (١) ، هو اختصاص محلّ النّزاع في مبحث الإجزاء بأمرين ، تعلّقا بشيئين : أحدهما : الطّبيعة حال الاختيار والعلم.

ثانيهما : الطّبيعة حال الاضطرار والجهل ، فيقال : هل يجزي الإتيان بمتعلّق الاضطراري أو الظّاهري عن الاختياري أو الواقعي ، أم لا؟

ولكنّ الحقّ ما اختاره الإمام الرّاحل قدس‌سره من أنّه ليس في محلّ النّزاع ، إلّا أمر واحد تعلّق بالطّبيعة ، والاختلاف إنّما هو في المصاديق والأفراد بحسب حال الاختيار والاضطرار ، وحال العلم والجهل ، فيقال : هل الإتيان بمصداق الاضطراري ، أو الظّاهري للطّبيعة يوجب سقوط الأمر عن مصداق الاختياري أو الواقعي للطّبيعة ، أم لا؟ (٢)

وإن شئت ، فقل : إنّه ليس في الأمر ولا في متعلّقه تعدّد ، بل التّعدّد إنّما هو في الأفراد والمصاديق ، نظير الصّلاة في المسجد وفي الحمّام وفي الدّار ، فكما أنّ الأمر هنا ، تعلّق بطبيعة الصّلاة ، إلّا أنّ لها أفراد مختلفة في الفضيلة ، كذلك المقام ، فانّ قوله تعالى :

__________________

(١) راجع ، مناهج الوصول : ج ١ ، ص ٣٠٢ ؛ وتهذيب الوصول : ج ١ ، ص ١٣٨.

(٢) راجع ، مناهج الوصول : ج ١ ، ص ٣٠٣ و ٣٠٤.

٣٣٦

(أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ)(١) مثلا ، أمر واحد دالّ على وجوب طبيعي الصّلاة في الوقت المذكور ، غاية الأمر ، جاء دليل آخر دالّ على اشتراطها بالطّهارة المائيّة حال الاختيار ، نظير قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ ...)(٢) ودليل آخر دالّ على اشتراطها بالطّهارة التّرابيّة عند الاضطرار وعدم وجدان الماء ، نظير قوله تعالى : (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً). (٣)

وبالجملة : ليس هنا أمران :

أحدهما : ما تعلّق بالصّلاة المتقيّدة بالطّهارة المائيّة حال الاختيار.

وثانيهما : ما تعلّق بها المتقيّدة بالطّهارة التّرابيّة حال الاضطرار ، بل المأتيّ به بالشّرط الاضطراري نفس المأتي به بالشّرط الاختياري من جهة الأمر والمتعلّق ، بلا اختلاف بينهما ، كما هو كذلك في الشّرط الواقعي والشّرط الظّاهري ، فإنّ المأتيّ به فيهما ـ أيضا ـ واحد من ناحية الأمر والمتعلّق ، كما لا يخفى.

إذا عرفت هذه الامور ، فنقول : إنّ البحث في الإجزاء يتمّ برسم مسائل :

الاولى : أنّ إتيان المأمور به بأيّ أمر كان ، هل يجزي عن أمر نفسه ، أم لا؟

الثّانية : أنّ إتيانه بالأمر الاضطراري ، هل يجزي عن الأمر الاختياري ، أم لا؟

الثّالثة : أنّ إتيانه بالأمر الظّاهري إذا انكشف خلافه ، هل يجزي عن الأمر الواقعي ، أم لا؟

أمّا المسألة الاولى : فعن المحقّق الخراساني قدس‌سره : أنّ الإجزاء هنا عقليّ ، سواء

__________________

(١) سورة الاسراء (١٧) : الآية ٧٨.

(٢) سورة المائدة (٥) : الآية ٦.

(٣) سورة المائدة (٥) : الآية ٦.

٣٣٧

كان الأمر واقعيّا أو غيره ؛ وذلك ، لاستقلال العقل بعدم بقاء الموضوع للتّعبّد ثانيا. (١) والحقّ ، هو ما أفاده قدس‌سره بلا نزاع فيه ، إلّا عن بعض (٢) ؛ وذلك ، لأنّه لو لم يسقط الأمر حينئذ ، فلازمه إمّا الخلف ، أو عدم إمكان الامتثال أبدا ، أو بقاء الأمر بلا ملاك ، والجميع كما ترى.

هذا ، مضافا إلى أنّه يلزم عدم سقوط الأمر بالامتثال الثّاني ـ أيضا ـ إذ هو كالامتثال الأوّل ، وحكم الأمثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد.

وبالجملة : فالإجزاء في مفروض الكلام ضروريّ ، بلا فرق بين الأوامر الواقعيّة وغيرها ، ولا يعقل الامتثال بعد الامتثال.

نعم ، ربما يتوهّم تعقّله ووقوعه في الشّرع ، وذلك في موارد :

أحدها : ما ورد في الرّوايات من جواز إعادة الصّلاة جماعة لمن صلّى فرادا.

منها : صحيحة هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : «في الرّجل يصلّي الصّلاة وحده ، ثمّ يجد جماعة ، قال يصلي معهم ويجعلها الفريضة إن شاء». (٣)

ومنها : صحيحة حفص بن البختري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «في الرّجل يصلي الصّلاة وحده ، ثمّ يجد جماعة ، قال : يصلّي معهم ويجعلها الفريضة». (٤)

ومنها : صحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث ، قال : «لا ينبغي

__________________

(١) راجع ، كفاية الاصول : ج ١ ، ص ١٢٧.

(٢) راجع ، محاضرات في اصول الفقه : ج ٢ ، ص ٢٢٥.

(٣) وسائل الشّيعة : ج ٥ ، كتاب الصّلاة ، الباب ٥٤ من أبواب صلاة الجماعة ، الحديث ١ ، ص ٤٥٥.

(٤) وسائل الشّيعة : ج ٥ ، كتاب الصّلاة ، الباب ٥٤ من أبواب صلاة الجماعة ، الحديث ١١ ، ص ٤٥٧.

٣٣٨

للرّجل أن يدخل معهم في صلاتهم وهو لا ينويها صلاة ، بل ينبغي له أن ينويها وإن كان قد صلّى ، فإنّ له صلاة اخرى». (١) إلى غير ذلك.

ثانيها : ما ورد فيها من جواز إعادة الصّلاة جماعة مع المخالفين ، كصحيحة عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، أنّه قال : «ما منكم أحد يصلي صلاة فريضة في وقتها ثمّ يصلّي معهم صلاة تقيّة وهو متوضّأ إلّا كتب الله له بها خمسا وعشرين درجة فارغبوا في ذلك». (٢)

وصحيحة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : «ما من عبد يصلّي في الوقت ويفرغ ثمّ يأتيهم ويصلّي معهم وهو على وضوء إلّا كتب الله له خمسا وعشرين درجة» (٣) ونحوهما غيرهما.

ثالثها : ما ورد فيها من جواز إعادة صلاة الآيات ثانيا ، كصحيحة معاوية بن عمّار ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «صلاة الكسوف إذا فرغت قبل أن ينجلي ، فأعد». (٤)

حيث إنّها تدلّ على وجوب الإعادة فضلا عن مشروعيّتها.

وفيه : أنّ الموارد المذكورة أجنبيّة عمّا توهّمه المتوهّم.

__________________

(١) وسائل الشّيعة : ج ٥ ، كتاب الصّلاة ، الباب ٥٤ من أبواب صلاة الجماعة ، الحديث ٢ ، ص ٤٥٥.

(٢) وسائل الشّيعة : ج ٥ ، كتاب الصّلاة ، الباب ٦ من أبواب صلاة الجماعة ، الحديث ١ ، ص ٣٨٣.

(٣) وسائل الشّيعة : ج ٥ ، كتاب الصّلاة ، الباب ٦ من أبواب صلاة الجماعة ، الحديث ٢ ، ص ٣٨٣.

(٤) وسائل الشّيعة : ج ٥ ، كتاب الصّلاة ، الباب ٨ من أبواب صلاة الكسوف ، الحديث ١ ، ص ١٥٣.

٣٣٩

أمّا المورد الأوّل : فلأنّ الرّوايات ، إمّا تدلّ على إتيان الصّلاة ثانيا بداعي الأمر الاستحبابي وهو الجماعة ؛ وذلك ، كصحيحة زرارة المتقدّمة. وإمّا تدلّ على إتيانها ثانيا بداعي الأمر الوجوبي وهو القضاء ، كما في سائر الرّوايات المتقدّمة (١) ، فليس في شيء منها دلالة على إتيانها ثانيا بداعي الأمر الأوّل ، كما ادّعاه المتوهّم.

نعم ، قد يتوهّم ذلك من رواية أبي بصير ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : «اصلّي ثمّ أدخل المسجد ، فتقام الصّلاة وقد صلّيت ، فقال : صلّ معهم يختار الله أحبّهما إليه». (٢)

ولكن يجاب عنه ، أوّلا : بأنّها ضعيفة السّند ، وثانيا : بأنّها غير صريحة في جواز الامتثال بعد الامتثال ، وفي كون سقوط الأمر مراعى بعدم تعقّب الأفضل ، بل لعلّ معناها : أنّ الله تعالى يؤتي ثواب الجماعة ؛ لكونها أحبّ عنده من الصّلاة فرادى ، وهذا الإعطاء من باب التّفضّل لا الاستحقاق.

وهنا وجه آخر في تفسير الرّواية ، احتمله المحقّق الأصفهاني قدس‌سره قال ما هذا لفظه : «ويمكن أن يقال ـ أيضا ـ : إنّ الصّلاة المأتي بها أوّلا توجب أثرا في النّفس ، فكما أنّه يزول بضدّ أقوى ، فلا يحسب عند الله وإن لم يوجب القضاء ، كذلك ينقلب إلى

__________________

(١) نعم ، احتمل شيخ الطّائفة قدس‌سره هنا وجها آخر وهذه عبارته : «والمعنى في هذا الحديث : أنّ من صلّى ولم يفرغ بعد من صلاته ووجد جماعة فيجعلها نافلة ثمّ يصلّي في جماعة وليس ذلك لمن فرغ من صلاته بنيّة الفرض ، لأنّ من صلّى الفرض بنيّة الفرض ، فلا يمكن أن يجعلها غير فرض». تهذيب الأحكام : ج ٣ ، ص ٥٠ ؛ وايّده الوحيد البهبهاني قدس‌سره بانّه ظاهر صيغة المضارع ، راجع نهاية الدراية ، ج ١ ، ص ٢٢٩.

(٢) وسائل الشّيعة : ج ٥ ، كتاب الصّلاة ، الباب ٥٤ من أبواب صلاة الجماعة ، الحديث ١٠ ، ص ٤٥٦.

٣٤٠