نفحات القرآن - ج ٣

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

نفحات القرآن - ج ٣

المؤلف:

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 964-8139-97-0
ISBN الدورة:
964-8139-75-X

الصفحات: ٣٠٨

الإجابة عن سؤالين :

السؤال الأوّل : إنَّ هذا السؤال يُطرَحُ من قبل الكثير وهو أنّ تعدّد المبدأ لا يكون سبباً لاختلال النظام دائماً فإنّا نشاهد مجموعات تطبّق برنامجاً صحيحاً ومتناسقاً بنجاح وذلك بالتشاور فيما بينها ، فلو افترضنا أنّ للعالم آلهة فإنّ التعدّد هذا يكون منشأ للفساد في العالم حين وقوع النزاع فيما بينها ، ولكن إذا أقررنا أنّها حكيمة وواعية فإنّها تدبّر امور الكون بنظام خاصّ وبتعاون فيما بينها حتماً.

الجواب : هذا السؤال والإشكال وإن كان ملفتاً للنظر ابتداءً ولكنّه يتّضح بعد التدقيق أنّه ناشيء من عدم ملاحظة مفهوم (التعدّد).

وللتوضيح نقول : إنّنا عندما نقول آلهة متعدّدة فإنّها تعني أنّها ليست واحدة من كلّ جهة ، فلو كانت واحدة من جميع الجهات فإنّها تكون ذات وجود واحد ، وبعبارة اخرى : أينما وجد التعدّد والإثنينية وجب أن نقرّ بوجود اختلاف في الأمر ، وإلّا فإنّه من المستحيل أن يكون الموجودان واحداً من جميع الجهات.

ومن جهة اخرى يوجد (تناسب) و (سنخية) بين (الفعل) و (الفاعل) دائماً ، فكلّ فعل يكون من آثار فاعله ويتّصف بلونه ـ شِئنا أم أبينا ـ وبهذا يستحيل أن يصدر فعلان من فاعلين ثمّ يكونان واحداً من جميع الجهات ، كما يستحيل أن يكون الفاعلان متساويين من حيث الإرادة والعمل ، واختلافهما في الوجود يترك أثره على إرادتهما وعملهما حتماً.

النتيجة هي أنّه لا يمكن أن يصدر نظام واحد وخال من الإثنينية من مبدأ متعدّد.

وأمّا ما يقال عن الأعمال الجماعية فلابدّ أن نلتفت إلى أنّ هذه الأعمال وإن اتّصفت بنظام نسبي إلّاأنّها لا تتّصف بنظام حقيقي ومطلق حيث يتنازل المتشاورون عن بعض آرائهم ورغباتهم للتعاون فيما بينهم لا أنّ رغباتهم وآراءهم واحدة دائماً ، إضافة إلى أنّ الأنظمة القائمة على الشورى قليلاً ما تعمل بصورة متّفقة ، بل إنّها تتّبع النسبة الغالبة عادةً وهذا دليل على صحّة ما ندّعيه.

إضافةً إلى أنّ هذه الغالبية لا تكون أشخاصاً ثابتين دائماً بل متغيّرين ، فتارةً تكون

١٤١

الغالبية أربعة أشخاص من سبعة أشخاص ، وتارة أحد هؤلاء مع ثلاثة آخرين ، وبما أنّ الغالبية متغيّرة فلا يمكن إذن أن تكون أعمالها واحدة.

بهذه الأدلّة الثلاثة تتّصف هذه الأنظمة القائمة على الشورى بشيء من عدم الانسجام ولكنّها بسبب القناعة بالنظام النسبي يقال أنّها منظمة! لكنّنا لا نرى في عالم الوجود نظاماً نسبياً بل نظاماً واحداً وانسجاماً كاملاً وتامّاً.

وبعبارة اخرى : لو افترضنا وجود مبدأين للكون فإنّهما إمّا متساويان من جميع الجهات (فهما إذن واحد) أو مختلفان ومتباينان من جميع الجهات (حينئذٍ يكون تقابل في خلقهما وتدبيرهما) ولو كانا متشابيهن من بعض الجهات ومختلفين في البعض الآخر فإنّ هذا الاختلاف والتمايز سوف يترك أثره على أفعالهما لأنّ الفعل انعكاس لوجود الفاعل وظلّ وجوده.

* * *

السؤال الثاني : ويطرح هنا سؤال ثانٍ بملاحظة جملة (ولعلا بعضهم على بعض) التي جاءت في الآيات المذكورة وهو : كيف يمكن وقوع النزاع بين آلهة يفترض أنّها حكيمة؟ ويميل بعضها للتغلّب على البعض الآخر؟ ولماذا يفترضهما المفسّرون كسلطانين أنانيين في زمن واحد يتنازعان بصورة دائمة لتضارب المصالح؟

الجواب : ينشأ هذا السؤال من أنّهم تصوّروا أنّ الاختلاف بين المبدأين يجب أن ينشأ من هوى النفس والأنانية دائماً ، في حين يمكن أن ينشأ الاختلاف من الاختلاف في التشخيص والقرار والإرادة بين شخصين مهما كانا.

ويلزم أن نكرّر هذه الحقيقة ونؤكّد عليها وهي : أنّنا حينما نفترض وجود مبدأين للكون فإنّ الإثنينية تعني أنّهما وجودان مختلفان من بعض الجهات حتماً وإلّا فإنّ وجودهما واحد ، وبهذا لا يمكن أن يكون فعلهما واحداً وعليه فإنّ هذا الإله يجعل تكامل الكون ونظامه وتدبيره الصحيح في شيء في حين يجعل الثاني النظام والتكامل في شيء آخر ، ومن الخطأ الكبير أن يتصوّر أنّهما كاملان من جميع الجهات ، فإنّ افتراض الإثنينية يعني

١٤٢

افتقاد كلّ واحد منهما كمالات الآخر المختّصة به ، فلا يتصوّر لهما حينئذٍ الكمال المطلق ، بل إنّ نقصانهما النسبي حتمي ، فلا عجب في أن يختلفا في العمل والإرادة والقدرة ، ورغبة كلّ واحد في إدارة الكون وفق ما يراه فيضاً كاملاً.

٣ ـ برهان الوحدة والتمانع في الروايات الإسلامية

لقد ورد الدليل أعلاه بشكل واضح ومختصر في الروايات الإسلامية ، حيث جاء في حديث أنّ هشام بن الحكم سأل الإمام الصادق عليه‌السلام : ما الدليل على أنّ الله واحد؟

فأجاب الإمام عليه‌السلام : «اتّصال التدبير وتمام الصنع كما قال الله عزوجل : لو كان فيهما آلهة إلّا الله لَفَسدتا» (١).

وفي حديث آخر نقله الكليني رحمه‌الله في الكافي عن هشام أنّ الإمام الصادق عليه‌السلام قال في مسألة التوحيد جواباً للرجل الزنديق : «لمّا رأينا الخلق منتظماً والفلك جارياً والتدبير واحداً والليل والنهار والشمس والقمر دلّ صحّة الأمر والتدبير وائتلاف الأمر على أنّ المدبّر واحد» (٢).

* * *

__________________

(١) تفسير البرهان ، ج ٣ ، ص ٥٥ ، ح ٢.

(٢) المصدر السابق ، ح ١.

١٤٣
١٤٤

٣ ـ دليل صرف الوجود

تمهيد :

إنَّ الله سبحانه وتعالى يمثل وجوداً لا نهاية له من كلّ جهة ـ كما سيأتي شرحه لاحقاً ـ ومن المؤكّد أنّ مثل هذا الوجود لا سبيل للإثنينية إليه ، فمن غير الممكن وجود موجودين لا نهائيين ، لأنّ الحديث إذا كان عن الإثنينية فإنّ كلّ واحد يكون فاقداً للوجود الثاني وبتعبير آخر أنّنا نصل إلى حدّ ينتهي فيه الوجود الأوّل ويبدأ وجود الثاني ، وعليه فإنّ الوجود الأوّل محدود وهكذا الوجود الثاني لأنّ كلّ واحد يكون ذا بداية ونهاية ، ولنوضّح هذه القضيّة بمثال :

شخصان يملك كلّ واحد منهما بستاناً ، ومن الطبيعي والحتمي أنّ لكلّ بستان حدوداً معينة ، ولو فرضنا أنّ مساحة البستان الأوّل تشمل كلّ الأرض فأين تكون مساحة البستان الثاني؟ إذن ، سيكون أمامنا بستان واحد في الأرض.

وعليه فإنّ الحديث عن اللامحدود يعني الحديث عن الوحدة.

والمراد من برهان «صرف الوجود» هو أنّ الله سبحانه وجود مطلق ومجرّد عن القيد والشرط وغير محدود ، ولا يفترض الثاني له أبداً.

بهذا التمهيد نتوجّه إلى القرآن الكريم ونستمع خاشعين إلى الآيات التالية :

١ ـ (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لَاإِلهَ إِلَّا هُوَ وَالمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا العِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لَاإِلَهَ إِلَّا هُوَ العَزيزُ الحَكِيمُ). (آل عمران / ١٨)

٢ ـ (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالأَرْضِ يُحْىِ وَيُميتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىءٍ قَدْيرٌ* هُوَ الأَوّلُ

١٤٥

والآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَىءٍ عَلِيمٌ). (الحديد / ٢ ـ ٣)

٣ ـ (يَاصَاحِبَي السِّجنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفرِّقُونَ خَيرٌ أَمِ اللهُ الوَاحِدُ القَهَّارُ). (يوسف / ٣٩)

جمع الآيات وتفسيرها

الله شاهد على وحدانية ذاته :

تمّ تفسير آية البحث الاولى في مباحث (برهان الصدّيقين) السالفة ونمرّ عليها هنا باختصار.

إنَّ مضمون هذه الآية هو أنّ الله عزوجل يشهد على وحدانيته وكذلك الملائكة والعلماء (كلّ واحد بشكل) : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لَاإِلهَ إِلَّا هُوَ وَالمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ).

ومن علامات وحدانية ذاته المقدّسة هي حاكمية النظم والعدل على الكون ، ولعلّ الآية تشير إلى هذا الجانب في ذيلها : (قَائِماً بالْقِسْطِ) ثمّ تستند إلى وحدانية ذاته المقدّسة مرّة اخرى وتقول : (لَاإِلَهَ إِلَّا هُوَ العَزيزُ الحَكيمُ).

ومن البديهي أنْ لو كانت ثمّة آلهة تحكم الكون ، فإنّ منطقة كلّ إله لا تكون في اختيار الثاني ، وبتعبير آخر يكون كلّ واحد فاقداً لقدرة الثاني ، وهذا لا ينسجم اتّصافه ب (العزيز).

كما أنّ حكمته التي تحكم العالم آية اخرى على وحدانيته ، فلو تعدّدت الأكوان كانت نهايتها الفساد والدمار.

أمّا كيفية شهادة الملائكة بوحدانية الله عزوجل فإنّها واضحة ، ولكن هناك كلام بين المفسّرين حول كيفية شهادة الله على وحدانية ذاته ، فبعض يقول : المراد هو الشهادة اللفظية التي وردت في آيات قرآنية مختلفة ، وبعض يقول : إنّ آثار وحدانيته ظاهرة في عالم الوجود في الآفاق والأنفس لأنّ النظام الوحد هو الحاكم على الجميع وهذا هو معنى شهادة الله على وحدانيته.

إنَّ كلّ ذلك صحيح ، ولكن تضاف إليها شهادة اخرى وتستحقّ التفصيل فيها وهي أنّ ذاته المقدّسة بنحو يأبى التعدّد ، وجود لا نهاية له ، والوجود اللانهائي واحد فقط ، فذاته إذن دليل

١٤٦

على وحدانية ذاته (فتأمّل جيّداً).

ولا منافاة ـ طبعاً ـ بين التفسيرات الثلاثة ويمكن أن تكمن في مفهوم الآية ، وعليه فإنّ إصرار بعض المفسّرين مثل صاحب (الميزان) في أنّ تفسير الآية ينحصر في المعنى الأوّل (الشهادة اللفظية) مع ملاحظة إطلاق لفظ الآية ممّا لا يوجد دليل واضح عليه.

أمّا السبب في تكرار جملة (لا إله إلّاالله) في الآية ، فالظاهر هو أنّ الأولى بمثابة المقدّمة ، والثانية النتيجة ، ولعلّ في الرواية التي وردت في تفسير القرطبي (المفسّر السنّي المعروف) عن الإمام الصادق عليه‌السلام إشارة إلى هذا المعنى حيث يقول فيها : الاولى وصف وتوحيد ، والثانية رسم وتعليم يعني «قولوا لا إله إلّاالله العزيز الحكيم» (١).

* * *

هو الأوّل والآخر والظاهر والباطن :

الآية الثانية وهي من الآيات الاولى من سورة الحديد ـ ونعلم أنّ هذه الآيات تتضمّن بياناً دقيقاً وظريفاً عن صفات الله الجمالية والجلالية لذوي الأفكار الثاقبة ، كما يستفاد من الحديث الوارد عن الإمام علي بن الحسين عليه‌السلام ـ يقول عزوجل : (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالأَرْضِ) (٢) ولذلك فإنّ الحياة والموت في قبضته أيضاً : (يُحْى وَيُميتُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَىءٍ قَدْيرٌ).

وعليه فإنّ المدير والمدبّر لهذا الكون هو ذاته المقدّسة فقط.

وفي ذيل الآية توجد قضيّة يمكن أن تكون دليلاً على التوحيد في مالكيته وحاكميته وتدبيره حيث تقول : (هُوَ الأَوّلُ والآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلّ شَىءٍ عَليمٌ).

في هذه الآية بيان لخمس صفات من صفاته المقدّسة وتدلّ بمجموعها على أنّ ذاته المقدّسة لا نهاية لها ، فهو أوّل كلّ شيء ، وآخر كلّ شيء ، وهو الموجود في الظاهر والباطن،

__________________

(١) تفسير القرطبي ، ج ٢ ، ص ١٢٨٥.

(٢) لاحظ أنّ في تقديم (له) إشارة إلى الحصر ، ويعني أنّ ملك السماوات والأرض منحصر في ذاته المقدّسة.

١٤٧

وله الحضور العلمي في كلّ مكان ، وأنّ مثل هذا الموجد لا يتصوّر أنْ يكون له ثانٍ ، فلو كان الإله الثاني موجوداً فإنّه يعني أنّ الإثنين محدودان وذلك لانتهاء كلّ واحد عندما يصل إلى الآخر ، ويبدأ الثاني.

إذن عدم محدوديته دليل على وحدانيته.

يقول الفخر الرازي في تفسيره : استدلّ الكثير من العلماء على إثبات وحدانيته بعبارة : (هو الأوّل) (١).

وقد كثر الكلام حول مفهوم (الأوّل والآخر والظاهر والباطن)) وستأتي لاحقاً أبحاث الصفات الثبوتية بإذن الله ، وينبغي أن نذكر هنا هذه النقطة وهي : أنّ الأوّل في الموجودات المحدودة لا يمكن أن يكون آخراً وما كان آخراً لا يكون أوّلاً ، كما أنّ الوجود الظاهر لا يكون باطناً ، والوجود الباطن لا يكون ظاهراً ، وعندما يكون الحديث عن اللامحدود فإنّ هذه المفاهيم تكون مجتمعة فيه.

* * *

الآية الثالثة والأخيرة التي وردت في بحثنا تتحدّث عن لسان يوسف عليه‌السلام عندما فسّر للسجينين معه مناميهما بعد أن طلبا التفسير منه وتشير إلى أنّ يوسف عليه‌السلام عرج من كلامه عن الحلم وتفسيره إلى البحث عن التوحيد الذي يتضمّن أصل السعادات برمّتها وقال لهما : (يَاصَاحِبَى السِّجنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيرٌ أَمِ اللهُ الوَاحِدُ القَهّارُ).

والملاحظ أنّ صفة (قهّار) قد تكرّرت في القرآن الكريم ستّ مرّات (٢) وقد وردت في كلّ مورد بعد الصفة (واحد) ممّا يدلّ على وجود علاقة بينهما وأنّ قاهريته دليل على وحدانيته (فتأمّل جيّداً).

قام يوسف عليه‌السلام بطرح المسألة أوّلاً على وجدانيهما ، وبما أنّ حقيقة التوحيد ـ كما أشرنا سالفاً ـ كامنة في أعماق الفطرة الإنسانية فقد أقام المحكمة بين يدي الوجدان وسأل :

__________________

(١) تفسير الكبير ، ج ٢٩ ، ص ٢١٣ (وجاء هذا المضمون في تفسير روح البيان ، ج ٩ ، ص ٣٤٧ أيضاً).

(٢) الرعد ، ١٦ ؛ إبراهيم ، ٤٨ ؛ ص ، ٦٥ ؛ الزمر ، ٤ ؛ غافر ، ١٦ وآية البحث.

١٤٨

أأرباب متفرّقون ، إله البحر ، إله الصحراء ، إله الأرض ، إله السماء ، إله الماء ، إله النار ، وهكذا الملائكة والجنّ والفراعنة والأصنام الحجرية والخشبية والمعدنية التي تعبدونها خير أم الله الواحد المهيمن على كلّ شيء؟ وكلمة (قهّار) صيغة مبالغة من (القهر) ويعني كما يقول الراغب في المفردات : الغلبة وإذلال الطرف المقابل ، ولكن هذا اللفظ يستعمل في كلّ واحد من هذين المعنيين (الغلبة والإذلال) مستقلاً ، وكما يقول الطبرسي رحمه‌الله في مجمع البيان : «القاهر هو القادر الذي لا يمتنع عليه شيء» (١) ، من هنا تتّضح العلاقة بين صفة الوحدة والقاهرية ، فحينما نذعن بقدرته الغالبة على كلّ شيء أي أنّها غير محدودة فإنّنا لا نتصوّر له ثانياً ، لأنّ كلّ ما سواه مغلوب له ومقهور ، ولذلك لا يمكن أن يكون ما سواه واجب الوجود وغير محدود (فتأمّل جيّداً).

توضيحات

١ ـ إنّه حقيقة لا متناهية

القضيّة الاولى والأكثر أهمّية في باب (صفات الله) الواجب إثباتها لإيضاح مسألة التوحيد وصفات الله الاخرى كالعلم والقدرة وأمثالها هي أنّ ذاته المقدّسة لا متناهية ، فإن ثبتت هذه القضيّة وفُهمت جيّداً تيسّر الطريق إلى جميع الصفات الجمالية والجلالية (الصفات الثبوتية والسلبية).

ولإثبات هذا الأمر وهو أنّه تعالى وجود لا نهاية له، لابدّ من ملاحظة النقاط التالية :

أ) محدودية الوجود تعني التقارب مع (العدم) فلولا العدم لا يستقرّ مفهوم للمحدودية ، فعندما نقول : إنّ عمر فلان محدود فإنّه يعني أنّ عمره سينتهي إلى العدم ومقرون بالعدم ، وهكذا بالنسبة لمحدودية القدرة أو العلم وأمثالها.

ب) الوجود ضدّ العدم ولو كان الشيء مقتضياً للوجود ذاتاً فإنّه لا يقتضي العدم أبداً.

ج) ثبت في برهان العلّة والمعلول أنّ سلسلة العلّة والمعلول في هذا الكتاب يجب أن

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ، ج ٥ ، ص ٤٠٣.

١٤٩

تنتهي إلى نقطة ثابتة وأزلية نسمّيها واجب الوجود ، أي وجوده ناشيء من أعماق ذاته لا خارجها ، وعليه تكون العلّة الاولى للكون تقتضي الوجود ذاتاً.

أعِد قراءة هذه المقدّمات الثلاث بدقّة وفكّر فيها جيّداً ، فسوف يتّضح أنّ واجب الوجود إذا تحدّد فإنّه يجب أن يكون من الخارج ، لأنّ المحدودية طبق هذه المقدّمات تعني الاقتران بالعدم ، والشيء المقتضي للوجود ذاته لا يقتضي العدم أبداً ، ولو اتّصف بالمحدودية فإنّه راجع إلى عامل خارجي ، ويستلزم هذا القول أنّه ليس واجب الوجود لأنّه مخلوق لغيره من حيث حدّه الوجودي ومعلول لغيره.

وبعبارة اخرى : لدينا واجب الوجود دون شكّ (لأنّ البحث في التوحيد والوحدانية بعد إثبات واجب الوجود) فإن كان واجب الوجود غير محدود فمدّعانا ثابت ، وإن كان محدوداً فإنّ هذه المحدودية ليست مقتضى ذاته أبداً ، لاقتضاء ذاته الوجود دون اقتران بالعدم ، فلابدّ من فرضه عليه من الخارج ، ومفهوم هذا الكلام هو وجود علّة خارج ذاته وهو معلول تلك العلّة ، وبهذا الحال لا يكون واجب الوجود ، والنتيجة هي أنّه وجود غير محدود من كلّ جهة.

٢ ـ الحقيقة اللامتناهية واحدة قطعاً

ثبت في البحث السابق أنّ الله عزوجل وجود غير محدود وغير متناهٍ ، وهنا نقول : أنّ مثل هذه الحقيقة تأبى الإثنينية ولا تكون إلّاواحدة لما قلنا مراراً أنّه لا يمكن تصوّر شيئين غير محدودين أبداً ، حيث تقترن الإثنينية بالمحدودية دائماً وهذا أمر واضح لأنّ تصوّر الوجودين ممكن حينما يكون كلّ وجود منفصلاً عن الآخر ، فكلّ واحد ينتهي عند الوصول إلى الثاني ويبدأ الآخر.

واختبار هذا الأمر يسير ، تصوّر على سبيل المثال ضوءاً غير مقيّد أو مشروط بزمان أو مكان أو سعة أو مصدر وغير محدود من أيّة جهة ، فهل يمكنك أن تتصوّر ضوءاً ثانياً مثيلاً له؟! فبالتأكيد سيكون الجواب : كلّا ، لأنَّ كلّ ما تتصوّره هو الأوّل إلّاأن تضيف إليه شرطاً أو قيداً وتقول : الضوء هنا أو هناك من هذا المصدر أو ذاك.

١٥٠

وبعبارة اخرى عندما نقول : يوجد ضوءان في الخارج فإنّه إمّا بملاحظة زمانيهما أو مكانيهما أو مصدريهما أو شدّة نوريهما ، ولو تجرّدا من كلّ قيد أو شرط فإنّهما سيكونان واحداً قطعاً (فتأمّل جيّداً).

ولعلّ الآية الكريمة التي تقول : (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ الَهاً آخَرَ لَابُرهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّه لَايُفلِحُ الكَافِرُونَ). (المؤمنون / ١١٧)

تشير إلى هذا المعنى حيث لا يمكن الاستدلال على وجود ندٍّ لله سبحانه أبداً ، فكيف يمكن الاستدلال على أمرٍ لا يمكن تصوّره؟

٣ ـ دليل صرف الوجود في الأحاديث الإسلامية

إنَّ البرهان المذكور نقل بقول جميل في رواية عن الإمام السجّاد عليه‌السلام حيث قال : «إنّ الله لا يوصف بمحدودية، عظُم ربّنا عن الصفة وكيف يوصف بمحدودية من لا يُحد» (١).

ونقرأ في حديث آخر عن الإمام الرضا عليه‌السلام : «هو أجلّ من أن تدركه الأبصار أو يحيط به وهم أو يضبطه عقل» فسأل سائل : فما حدّه؟ فقال عليه‌السلام : «إنّه لا يحدّ ، قال : لِمَ؟ قال عليه‌السلام : لأنّ كلّ محدود متناه إلى حدّ ، فإذا احتمل التحديد احتمل الزيادة ، وإذا احتمل الزيادة احتمل النقصان ، فهو غير محدود ، ولا متزايد ولا متجزّىء ولا متوهّم» (٢).

* * *

__________________

(١) اصول الكافي ، ج ١ ، ص ١٠٠ ، باب النهي عن الصفة ، ح ٢.

(٢) بحار الأنوار ، ج ٣ ، ص ١٥ ، ح ١.

١٥١
١٥٢

٤ ـ دليل الفيض والهداية

(دعوة الأنبياء جميعاً إلى الله الواحد)

تمهيد :

إنَّ الله سبحانه وجود كامل ، ومثل هذا الوجود يكون مصدراً للفيض على الموجودات وكمالها ، فهل يعقل أنَّ مصدر الكمال يحرمُ الموجودات الاخرى من فيضه ولا يعرّفهم ـ على الأقل ـ نفسه؟ مع أنّ هذه المعرفة سبب لرقيّهم وكمالهم يدفعهم نحو ذلك الوجود الكامل والفيّاض.

وعلى ضوء هذا البيان يتّضح أنّه لو كان هناك عدّة آلهة لوجب أن يكون لكلّ إله منهم رسل ، وأن يعرّف نفسه إلى مخلوقاته ، وأن يشملهم بفيضه التكويني والتشريعي.

والنتيجة هي : أنّنا لو وجدنا أنّ الرسل بأجمعهم يخبرون عن إله واحد ، لاتّضح أنّ غيره لا وجود له.

بهذا التمهيد نرجع إلى القرآن الكريم ونمعن خاشعين في الآيات الكريمة التالية :

١ ـ (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِى إِلَيهِ أَنَّهُ لَاإِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ).(الأنبياء / ٢٥)

٢ ـ (وَاسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ). (الزخرف / ٤٥)

٣ ـ (قُلْ أَرأَيْتُمْ مَّا تَدْعُونَ مِنْ دوُنِ اللهِ أَرُونِى مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِى السَّماواتِ ائْتُونِى بِكِتابٍ مِّنْ قَبلِ هذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُم صَادِقينَ). (الأحقاف / ٤)

١٥٣

جمع الآيات وتفسيرها

دعوة الأنبياء العامّة إلى الله الواحد :

إنَّ الآية الاولى في بحثنا هذا تشير إلى تاريخ الماضين من الأنبياء وتقول : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِى إِلَيهِ أَنَّهُ لَاإِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ).

أجل فإنّ الأنبياء عليهم‌السلام جميعاً كانوا ينادون بالتوحيد ويدعون الناس إلى الله الواحد ويشهد تاريخهم بهذا الأمر ، فكيف يعقل أن يكون للشرك حقيقة وجميع الأنبياء يدعون إلى التوحيد؟!

فهل كان هناك إله آخر ولكنّه لم يعرّف نفسه؟ أو أنّ الرسل قصّروا في إبلاغ أمره؟ والعقل السليم لا يُقرّ بقول من هذه الأقوال.

وكما يقول بعض المفسّرين : يقوم القرآن الكريم في آيات هذه السورة (الأنبياء) بالاستدلال العقلي أوّلاً لإثبات التوحيد : (لَو كَانَ فِيهِمَا آلهةٌ إِلَّا اللهُ ...) ، ثمّ بالدليل النقلي (آية البحث) حيث دعا جميع الأنبياء الماضين إلى التوحيد (١).

* * *

أمّا الآية الثانية فهي : تطرح هذا المضمون في إطار آخر حيث تخاطب النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله (المراد هم الناس طبعاً) وتقول : (وَاسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ منْ رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحمنِ آلِهَةً يُعْبَدوُنَ).

وقد احتمل المفسّرون عدّة احتمالات في كيفية أمر الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله بأن يسأل الأنبياء السابقين مع عدم حضور أحدهم في عصره ، فقد قال البعض : إنّ المراد هو السؤال من الامم السابقة كي تثبت القضيّة عن طريق الخبر المتواتر ، فالامم حتّى التي تعتقد بالتثليث وأمثاله ، عندما تسأل عن ذلك فإنّها تعلن عن اعتقادها بالتوحيد وتعبِّر عن ذلك بـ (التثليث في الوحدة).

__________________

(١) تفسير القرطبي ، ج ٦ ، ص ٤٣٢٠.

١٥٤

وهذه الآية تعطي ـ في الحقيقة ـ مفهوم الآية التالية حيث خاطبه تعالى بقولِهِ : (فَاسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَأُونَ الكِتَابَ مِن قَبلِكَ). (يونس / ٩٤)

وقد احتمل هذا أيضاً وهو : أنّ المراد هو مراجعة كتبهم المتبقّية في اممهم ، فإنّ استخراج القضايا منها بمثابة السؤال عن اولئك الأنبياء.

وقال جماعة أيضاً : إنّ المراد هو سؤال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من أرواح الأنبياء عليهم‌السلام السابقين ليلة المعراج بل في غير ليلة المعراج ، لأنّ روح نبي الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله من العظمة ما لا يعيقها البعد الزمني والمكاني فكان بإمكانه أن يتّصل بأرواح الأنبياء السابقين.

وبما أنّ الهدف الرئيس من الآية هو الاستدلال أمام المشركين ، فقد كان المعنى الأوّل والثاني هو المناسب وذلك لأنّ الإرتباط المعنوي للنبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله مع أرواح الأنبياء السابقين لم يتقبّله المشركون وكان مفيداً للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله نفسه ، وإنّا نعلم أنّ إيمان النبي بالتوحيد كان بدرجة لا يحتاج فيها إلى طرح مثل هذا السؤال نفسه.

والتفسير الثالث يمكن أن يكون من التفسير الباطني للآية وقد تضمّنت روايات متعدّدة الإشارة إلى ذلك (١).

على كلّ حال فإنّ المراد هو أنّ دعوة نبي الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى التوحيد ليس أمراً جديداً أو عجيباً بل أمر قد اتّفق عليه جميع الأنبياء الإلهيين وهذا بنفسه دليل واضح على قضيّة التوحيد.

والاستناد إلى الاسم المقدّس (الرحمن) في هذه الآية إشارة إلى أنّ من يستحقّ العبودية هو الإله الذي تشمل رحمته العامّة حتّى الكافرين المشركين والبشر جميعاً ، فكيف يمكنهم أن يتركوا ولي نعمتهم الذي غمرهم إحسانه ويتوجّهوا إلى الأصنام الخاوية؟

هل تمتلكون دليلاً على الشرك؟!

إنَّ الآية الثالثة والأخيرة ضَمَّت الدليل النقلي المذكور إلى جانب دليل عقلي آخر إذ

__________________

(١) تفسير البرهان ، ج ٤ ، ص ١٤٧ ؛ تفسير نور الثقلين ، ج ٤ ، ص ٦٠٦ ـ ٦٠٧.

١٥٥

تقول : (قُلْ أَرأَيتُم مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِى مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِى السَّماواتِ).

فلو كانت تلك المعبودات معبودات حقيقيّة فإنّها ينبغي أن تكون مبدأً للفيض ، وعلى الأقل أن تخلق قسماً من الأرض وتساهم في خلق السماوات ، فهل يعقل أن يكون الإله فاقداً للفيض؟

ومن جهة اخرى : أي نبي دعا الناس إلى آلهة متعدّدة؟ : «ائتُونِى بِكِتَابٍ مِنْ قَبلِ هذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُم صادِقينَ».

وهذا التعبير يشير إلى أنّ الأنبياء عليهم‌السلام أجمعوا على التوحيد ، وهذا الإجماع أو الاتّفاق دليل واضح على القضيّة ، وبهذا يكون كتاب الخلق دليلاً على التوحيد وكذلك كتب الأنبياء السابقين.

«أثارة من علم» : من مادّة (أثر) ولهذا اللفظ ـ كما في (مقاييس اللغة) ـ ثلاثة معانٍ : التقديم ، الذكر وأثر الشيء.

وقد ورد هذا المضمون في تفسير الفخر الرازي ولكن بتعبير آخر حيث ينقل المعاني الثلاثة لـ (اثار) (١).

توضيحات

١ ـ الفيض والهداية في الروايات الإسلامية

ورد (برهان الهداية والفيض) في الروايات الإسلامية إلى جانب القرآن الكريم ، فقد تحدّث الإمام علي عليه‌السلام في وصيّته المعروفة إلى الإمام الحسن عليه‌السلام عن هذا البرهان ببيان جميل وواضح حيث قال : «واعلم يابني أنّه لو كان لربّك شريك لأتتك رسله ، ولرأيت آثار ملكه وسلطانه ، ولعرفت أفعاله وصفاته ولكنّه إله واحد كما وصف نفسه» (٢).

__________________

(١) التحقيق في كلمات القرآن الكريم ، مادّة (أثر).

(٢) نهج البلاغة ، الرسالة ٣١.

١٥٦

توضيحه : إنّ الله حكيم ، والإله الحكيم له آثار الهداية والفيض حتماً ، في عالم التكوين والخلق وفي عالم التشرع والدين ، فكيف يمكن أن يوجد إله آخر ولا نرى آثار صنعه في ساحة الوجود ولا نشاهد علامة من رسله؟ وهذا لا ينسجم مع حكمته أبداً لأنّ في ذلك حرمان البشر من معرفته وعظمته وقدرته.

ثمّ إنّ دعوة الأنبياء المرسلين من قبل الله جميعاً لا تنسجم مع فرض وجود إلهين ، فهل يعقل أن يطرح الإله الذي يرسل الأنبياء قضيّة غير صحيحة ويدعو إلى التوحيد كذباً؟! فهذا لا ينسجم مع حكمته أيضاً.

ولا ينحصر طريق إثبات وحدانية الله في هذا الدليل فقط لوجود أدلّة اخرى أشرنا إليها سابقاً ، أمّا إجماع الأنبياء عليهم‌السلام واتّفاقهم على الدعوة إلى الله الواحد فهو يُعدّ دليلاً مستقلاً.

* * *

٢ ـ برهان التركّب

ذكر الفلاسفة وعلماء الكلام دليلاً خامساً على إثبات وحدانية ذات الله المقدّسة ولم نعثر على آية قرآنية تصرّح بذلك ، ولذا نورده على شكل إيضاح في ختام هذا البحث وخلاصته :

لو كان لله مثيلٌ فهما متشابهان من حيث الوجود ولكنَّ إثنينيتهما توجب أن تكون لكلّ واحد منهما خصوصيات ، وبهذا يكون كلّ واحد مركّباً من جزأين ، (ما به الاشتراك) و (ما به الإمتياز) وحينئذ لابدّ أن نذعن بأنّ كلّ واحد منهما محتاج إلى أجزائه ، لأنّ المركّب لا يكون بدون اجزائه ، ولو كان محتاجاً فإنّه لا يكون واجب الوجود ، لأنّ واجب الوجود والمُبدىء الأوّل للكون غني عن كلّ شيء.

فهو إذن لا مثيل له كما أنّه لا اجزاء له ، ولو كان له مثيلٌ فإنّه سيكون ذا اجزاء قطعاً ، فهو إذن وجود بسيط من كلّ جهة ولا شريك ولا مثل له من كلّ جهة.

* * *

١٥٧

٣ ـ التوحيد والأدلّة النقلية

إنَّ الأدلّة الخمسة المذكورة هي أدلّة عقليّة لإثبات وحدانية ذات الله المقدّسة ، ويمكن هنا الاستفادة من الدليل النقلي أيضاً ، لأنّه بعد إثبات وجود الله وإثبات نبوّة رسول الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله وصدق دعوته ، فإنّ ما جاء في هذا الكتاب السماوي (أي القرآن الكريم) هو تبيان للحقائق التي لا تُنكر ، هو رسول صادق ومعصوم ومبعوث من قبل الله الحكيم والصادق ، ومثل هذا الإنسان لا يقول قضيّة خاطئة.

من هنا يمكن الإستعانة بآيات القرآن التوحيدية لإثبات وحدانية ذات الله المقدّسة ، والقرآن الكريم زاخر بهذه الآيات ، بل إنّ أي موضوع لم يتكرّر بتعابير مختلفة مثل هذا الموضوع ولم يتأكّد صفة من صفات الله إلى هذا الحدّ.

يقول المرحوم العلّامة المجلسي قدس‌سره في بحار الأنوار لدى استدلاله بهذا الدليل.

من الواضح أنّ وجود الدليل النقلي لا يتعارض مع الاستدلالات العقلية (الأدلّة السمعية من الكتاب والسنّة وهي أكثر من أن تحصى ولا محذور في التمسّك بالأدلّة السمعية في باب التوحيد وهذه هي المعتمد عليها عندي) (١).

خاصّة وأنّ الأدلّة العقلية المذكورة لها جذور في الكتاب والسنّة الشريفة.

* * *

__________________

(١) بحار الأنوار ، ج ٣ ، ص ٢٣٤.

١٥٨

مصادر الشرك الهامّة

١ ـ إتّباع الأوهام

٢ ـ اتّباع الحواس

٣ ـ المصالح الوهميّة

٤ و ٥ ـ عاملي التقليد والاستعمار

١٥٩
١٦٠