آيات الغدير

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية

آيات الغدير

المؤلف:

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-151-6
الصفحات: ٣٧٤
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

عبد الله ، وهو رجل ربعة مشرب بحمرة ، يفرج الله به عن هذه الأمة كل كرب ويصرف بعدله كل جور ، ثم يلي الأمر بعده اثنا عشر رجلاً ، ستة من ولد الحسن وخمسة من ولد الحسين ، وآخر من غيرهم ، ثم يموت فيفسد الزمان .

وعن كعب الأحبار : يكون اثنا عشر مهدياً ، ثم ينزل روح الله فيقتل الدجال .

قال : والوجه الثالث : أن المراد وجود اثني عشر خليفة في جميع مدة الإسلام الى يوم القيامة ، يعملون بالحق وإن لم تتوال أيامهم .

ويؤيده ما أخرجه مسدد في مسنده الكبير ، من طريق أبي بحر أن أبا الجلد حدثه أنه لا تهلك هذه الأمة حتى يكون منها اثنا عشر خليفة كلهم يعمل بالهدى ودين الحق ، منهم رجلان من أهل بيت محمد ، يعيش أحدهما أربعين سنة والآخر ثلاثين سنة . وعلى هذا فالمراد بقوله : ثم يكون الهرج ، أي الفتن المؤذنه بقيام الساعة ، من خروج الدجال ثم يأجوج ومأجوج الى أن تنقضي الدنيا . انتهى كلام بن الجوزي ملخصاً بزيادات يسيرة . ( وتابع ابن حجر : )

والوجهان الأول والآخر قد اشتمل عليهما كلام القاضي عياض ، فكأنه ما وقف عليه ، بدليل أن في كلامه زيادة لم يشتمل عليها كلامه .

وينتظم من مجموع ما ذكراه أوجه ، أرجحها الثالث من أوجه القاضي لتأييده بقوله في بعض طرق الحديث الصحيحة : كلهم يجتمع عليه الناس .

وإيضاح ذلك أن المراد بالإجتماع انقيادهم لبيعته . والذي وقع أن الناس اجتمعوا على أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ، الى أن وقع أمر الحكمين في صفين فسمى معاوية يومئذ بالخلافة ، ثم اجتمع الناس على معاوية عند صلح الحسن ، ثم اجتمعوا على ولده يزيد ، ولم ينتظم للحسين أمر بل قتل قبل ذلك ، ثم لما مات يزيد وقع الإختلاف ، الى أن اجتمعوا على عبد الملك بن مروان بعد قتل بن الزبير ، ثم اجتمعوا على أولاده الأربعة : الوليد ثم سليمان ثم يزيد ثم هشام ، وتخلل بين سليمان ويزيد عمر بن عبد العزيز ، فهؤلاء سبعة بعد الخلفاء الراشدين . والثاني

٦١
 &

عشر هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك ، واجتمع الناس عليه لما مات عمه هشام فولي نحو أربع سنين ، ثم قاموا عليه فقتلوه ، وانتشرت الفتن وتغيرت الأحوال من يومئذ ، ولم يتفق أن يجتمع الناس على خليفة بعد ذلك ، لأن يزيد بن الوليد الذي قام على بن عمه الوليد بن يزيد لم تطل مدته ، بل ثار عليه قبل أن يموت ابن عم أبيه مروان بن محمد بن مروان ، ولما مات يزيد ولي أخوه إبراهيم فغلبه مروان ، ثم ثار على مروان بنو العباس ، الى أن قتل .

ثم كان أول خلفاء بني العباس أبو العباس السفاح ، ولم تطل مدته ، مع كثرة من ثار عليه ، ثم ولي أخوه المنصور فطالت مدته ، لكن خرج عنهم المغرب الأقصى باستيلاء المروانيين على الأندلس ، واستمرت في أيديهم متغلبين عليها الى أن تسموا بالخلافة بعد ذلك ، وانفرط الأمر في جميع أقطار الأرض ، الى أن لم يبق من الخلافة إلا الإسم في بعض البلاد ، بعد أن كانوا في أيام بني عبد الملك بن مروان يخطب للخليفة في جميع أقطار الأرض شرقاً وغرباً وشمالاً ويميناً مما غلب عليه المسلمون ، ولا يتولى أحد في بلد من البلاد كلها الإمارة على شئ منها إلا بأمر الخليفة . ومن نظر في أخبارهم عرف صحة ذلك .

فعلى هذا يكون المراد بقوله : ثم يكون الهرج ، يعني القتل الناشئ عن الفتن وقوعاً فاشياً يفشو ويستمر ويزداد على مدى الأيام ، وكذا كان . والله المستعان .

والوجه الذي ذكره بن المنادي ليس بواضح ، ويعكر عليه ما أخرجه الطبراني من طريق قيس بن جابر الصدفي عن أبيه عن جده رفعه : سيكون من بعدي خلفاء ثم من بعد الخلفاء أمراء ، ومن بعد الأمراء ملوك ، ومن بعد الملوك جبابرة ، ثم يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ، ثم يؤمر القطحاني فوالذي بعثني بالحق ما هو دونه . فهذا يرد على ما نقله بن المنادي من كتاب دانيال .

وأما ما ذكره عن أبي صالح فواهٍ جداً ، وكذا عن كعب ....

فالأولى أن يحمل قوله : يكون بعدي اثنا عشر خليفة ، على حقيقة البعدية فإن

٦٢
 &

جميع من ولي الخلافة من الصديق الى عمر بن عبد العزيز أربعة عشر نفساً ، منهم اثنان لم تصح ولايتهما ، ولم تطل مدتهما ، وهما معاوية بن يزيد ومروان بن الحكم ، والباقون اثنا عشر نفساً على الولاء ، كما أخبر صلى الله عليه وسلم ، وكانت وفاة عمر بن عبد العزيز سنة إحدى ومائة ، وتغيرت الأحوال بعده ، وانقضى القرن الأول الذي هو خير القرون .

ولا يقدح في ذلك قوله : يجتمع عليهم الناس ، لأنه يحمل على الأكثر الأغلب ، لأن هذه الصفة لم تفقد منهم إلا في الحسن بن علي وعبد الله بن الزبير ، مع صحة ولايتهما ، والحكم بأن من خالفهما لم يثبت استحقاقه إلا بعد تسليم الحسن ، وبعد قتل بن الزبير . والله أعلم .

وكانت الأمور في غالب أزمنة هؤلاء الإثني عشر منتظمة ، وإن وجد في بعض مدتهم خلاف ذلك فهو بالنسبة الى الإستقامة نادر . والله أعلم .

وقد تكلم ابن حبان على معنى حديث تدور رحى الإسلام ، فقال : المراد بقوله : تدور رحى الإسلام لخمس وثلاثين أو ست وثلاثين ، انتقال أمر الخلافة الى بني أمية وذلك أن قيام معاوية عن علي بصفين حتى وقع التحكيم ، هو مبدأ مشاركة بني أمية ثم استمر الأمر في بني أمية من يومئذ سبعين سنة ، فكان أول ما ظهرت دعاة بني العباس بخراسان سنة ست ومائة ، وساق ذلك بعبارة طويلة ، عليه فيها مؤاخذات كثيرة ، أولها دعواه أن قصة الحكمين كانت في أواخر سنة ست وثلاثين ، وهو خلاف ما اتفق عليه أصحاب الأخبار ، فإنها كانت بعد وقعة صفين بعدة أشهر ، وكانت سنة سبع وثلاثين . والذي قدمته أولى بأن يحمل الحديث عليه . والله أعلم . انتهى .

*       *

وقد رأيت أن ما اختاره ابن حجر غير ما نسبه اليه السيوطي ..

ورأيت تحيرهم جميعاً وكثرة احتمالاتهم ، وتضاربها ! وأن أكثرهم أخذوا زيادة

٦٣
 &

( تجتمع عليه الأمة ) محوراً لتفسيرهم ، مع أنها لم تثبت واستنكرها عدد منهم ورأيت أن القاضي عياض لم يجزم بشىٔ ، بل ذكر وجوهاً عديدة بكلمة قيل ويحتمل .. وأن ابن حجر رجح الإحتمال الثالث منها ، فقال ( وينتظم من مجموع ما ذكراه أوجهٌ أرجحها الثالث من أوجه القاضي ) .

والنتيجة التي يخرج منها القارىء لتفاسيرهم : أنهم يضيعون عليه الحديث الذي أرادوا أن يفسروه ، وهو حديث صحيحٌ عندهم صريحٌ بالبشارة النبوية باثني عشر إماماً ربانيين ، هداةٍ مهديين ، قيمين على الأمة ، ولكنهم يصرون على تلبيس الحديث لحكام بني أمية ، وعلى خلطه بزيادةٍ وأحاديث غير ثابتة ، لا يستقيم لها معنى ، ولا أثر فيها للبلاغة النبوية !!

*       *

وإذا أردت مزيداً من الأمثلة على ضياعهم فاقرأ عون المعبود ١١ / ٣٦٢ ـ ٣٦٤ :

قال : بعض المحققين : قد مضى منهم الخلفاء الأربعة ، ولا بد من تمام هذا العدد قبل قيام الساعة . وقيل : إنهم يكونون في زمانٍ واحد يفترق الناس عليهم .

وقال التوربشتي : السبيل في هذا الحديث وما يعتقبه في هذا المعنى ، أن يحمل على المقسطين منهم ، فإنهم المستحقون لاسم الخليفة على الحقيقة ، ولا يلزم أن يكونوا على الولاء .

وإن قدر أنهم على الولاء ، فإن المراد منه المسمون على المجاز ! كذا في المرقاة .

وقال الشيخ الأجل ولي الله المحدث في قرة العينين في تفضيل الشيخين : وقد استشكل في حديث : لا يزال هذا الدين ظاهراً الى أن يبعث الله اثني عشر خليفةً كلهم من قريش ، ووجه الإستشكال : أن هذا الحديث ناظرٌ الى مذهب الإثني عشرية الذين أثبتوا اثني عشر إماماً .

والأصل أن كلامه صلى‌الله‌عليه‌وآله بمنزلة القرآن يفسر بعضه بعضاً ، فقد ثبت من حديث عبد

٦٤
 &

الله بن مسعود : تدور رحى الإسلام لخمس وثلاثين سنة ، أو ست وثلاثين سنة ، أو سبع وثلاثين سنة ، فإن يهلكوا فسبيل من قد هلك ، وإن يقم لهم دينهم ، يقيم سبعين سنة مما مضى .

وقد وقعت أغلاطٌ كثيرةٌ في بيان معنى هذا الحديث ، ونحن نقول ما فهمناه على وجه التحقيق :

إن ابتداء هذه المدة من ابتداء الجهاد في السنة الثانية من الهجرة ...!!

وقد وقع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم ، ففي سنة خمس وثلاثين من ابتداء الجهاد وقعت حادثة قتل ذي النورين وتفرق المسلمين ....

ولكن الله تعالى بعد ذلك جعل أمر الخلافة منتظماً ، وأمضى الجهاد الى ظهور بني العباس ، وتلاشي دولة بني أمية ...

فتارةً أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن خلافة النبوة ، وخصصه بثلاثين سنة ، والتي بعدهم عبرها بملكٍ عضوضٍ ، وتارة عن خلافة النبوة ، والتي تتصل بها كليهما معاً ، وعبرها باثني عشر خليفة ...

فالتحقيق في هذه المسألة : أن يُعتبروا بمعاوية وعبد الملك وبنيه الأربع ( كذا ) وعمر بن عبد العزيز ، ووليد بن يزيد بن عبد الملك ، بعد الخلفاء الأربعة الراشدين .

وقد نقل عن الإمام مالك أن عبد الله بن الزبير أحق بالخلافة من مخالفيه ، ولنا فيه نظر ، فإن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما قد ذكرا عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن تسلط ابن الزبير واستحلال الحرم به مصيبةٌ من مصائب الأمة ، أخرج حديثهما أحمد عن قيس بن أبي حازم قال : جاء ابن الزبير الى عمر بن الخطاب يستأذنه في الغزو ، فقال عمر : أجلس في بيتك فقد غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال فرد ذلك عليه ، فقال له عمر : في الثالثة أو التي تليها : أقعد في بيتك ، والله إني لأجد بطرف المدينة منك وأصحابك أن تخرجوا فتفسدوا على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم . وأخرجه الحاكم .

٦٥
 &

فمن لفظه بطرف المدينة ، يفهم أن واقعة الجمل غير مراد ها هنا ، بل المراد خروجه للخلافة ، والى هذا المعنى قد أشار علي رضي‌الله‌عنه في قصة جواب الحسن رضي‌الله‌عنه ، ولم ينتظم أمر الخلافة عليه .

ويزيد بن معاوية ساقطٌ من هذا البين ، لعدم استقراره مدة يعتد بها ، وسوء سيرته . والله أعلم . انتهى .

وأنت ترى أن صاحب قرة العينين اعترف بأن ملك بني أمية ملكٌ عضوضٌ ، وأن خلافتهم ليست خلافة نبوة .. ومع ذلك فسر بهم الحديث ، وطبق عليهم البشارة النبوية بالائمة الإثني عشر الربانيين القيمين بأمر الله تعالى على أمة نبيه !

كما ترى أنه حذف منهم الإمام الحسن والإمام المهدي عليهما‌السلام ، وحذف ابن الزبير الذي أثبته الإمام مالك وآخرون ... الخ . !

وهو مع ذلك ينتقد الذين غلطوا في تفسيره فيقول ( وقد وقعت أغلاطٌ كثيرةٌ في بيان معنى هذا الحديث ) ووعد الناس بأن يرفع المعضلة ، ويحل المشكلة !!

ثم اقرأ ما قاله ابن كثير في البداية والنهاية : ٣ / ٢٤٨ :

ذكر الأخبار عن الأئمة الإثني عشر الذين كلهم من قريش . وليسوا بالإثني عشر الذين يدعون إمامتهم الرافضة ، فإن هؤلاء الذين يزعمون لم يل أمور الناس منهم إلا علي بن أبي طالب وابنه الحسن ، وآخرهم في زعمهم المهدي المنتظر بسرداب سامرا ، وليس له وجودٌ ولا عين ولا أثر .

بل هؤلاء الأئمة الإثنا عشر المخبر عنهم في الحديث : الأئمة الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ، وعمر بن عبد العزيز بلا خلاف بين الأئمة على كلا القولين لأهل السنة في تفسير الإثني عشر . انتهى .

ولعله يقصد بالقولين القول بتتابعهم زمنياً ، وعدمه ، ولكنهما وجهان في كل واحد منهما عددٌ من الأقوال .. وقد ذكر هو جملةً منها ، ثم أشار ابن كثير الى

٦٦
 &

الإحتمالات ، وركز منها على مناقشة البيهقي فقال : فهذا الذي سلكه البيهقي وقد وافقه عليه جماعة من أن المراد بالخلفاء الإثني عشر المذكورين في هذا الحديث ، هم المتتابعون الى زمن الوليد بن يزيد بن عبد الملك الفاسق ، الذي قدمنا الحديث فيه بالذم والوعيد ، فإنه مسلكٌ فيه نظر ، وبيان ذلك : أن الخلفاء الى زمن الوليد بن يزيد هذا أكثر من اثني عشر على كل تقدير ، وبرهانه أن الخلفاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي خلافتهم محققة بنص حديث سفينة :

الخلافة بعدي ثلاثون سنة . ثم بعدهم الحسن بن علي كما وقع ، لأن علياً أوصى اليه وبايعه أهل العراق ، وركب وركبوا معه لقتال أهل الشام ، حتى اصطلح هو ومعاوية كما دل عليه حديث أبي بكرة ، في صحيح البخاري . ثم معاوية ، ثم ابنه يزيد بن معاوية ، ثم ابنه معاوية بن يزيد ، ثم مروان بن الحكم ، ثم ابنه عبد الملك بن مروان ثم ابنه الوليد بن عبد الملك ، فهؤلاء خمسة عشر ، ثم الوليد بن يزيد بن عبد الملك .

فإن اعتبرنا ولاية الزبير قبل عبد الملك صاروا ستة عشر ، وعلى كل تقدير فهم اثنا عشر قبل عمر بن عبد العزيز ، فهذا الذي سلكه على هذا التقدير يدخل في الإثني عشر يزيد بن معاوية ، ويخرج منهم عمر بن عبد العزيز ، الذي أطبق الأئمة على شكره وعلى مدحه ، وعدُّوه من الخلفاء الراشدين ، وأجمع الناس قاطبةً على عدله وأن أيامه كانت من أعدل الأيام ، حتى الرافضة يعترفون بذلك .

فإن قال : أنا لا أعتبر إلا من اجتمعت الأمة عليه ، لزمه على هذا القول أن لا يعد علي بن أبي طالب ولا ابنه ، لأن الناس لم يجتمعوا عليهما ، وذلك أن أهل الشام بكمالهم لم يبايعوهما ، وعدَّ معاوية وابنه يزيد وابن ابنه معاوية بن يزيد ، ولم يقيد بأيام مروان ولا ابن الزبير ، فإن الأمة لم تجتمع على واحد منهما .

فعلى هذا نقول في مسلكه هذا عاداً للخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان ثم معاوية ثم يزيد بن معاوية ثم عبد الملك ثم الوليد بن سليمان ثم عمر بن عبد العزيز ثم يزيد ثم هشام ، فهؤلاء عشرة ، ثم من بعدهم الوليد بن يزيد بن عبد الملك الفاسق ، ولكن

٦٧
 &

هذا لا يمكن أن يسلك ، لأنه يلزم منه إخراج علي وابنه الحسن من هؤلاء الإثني عشر ، وهو خلاف ما نص عليه أئمة السنة ، بل والشيعة ، ثم هو خلاف ما دل عليه نصاً حديث سفينة عن رسول الله أنه قال : الخلافة بعدي ثلاثون سنة ، ثم تكون ملكاً عضوضاً . وقد ذكر سفينة تفصيل هذه الثلاثين سنة فجمعها من خلافة الأربعة ، وقد بينا دخول خلافة الحسن ، وكانت نحواً من ستة أشهر فيها أيضاً ، ثم صار الملك الى معاوية لما سلم الأمر اليه الحسن بن علي .

وهذا الحديث فيه المنع من تسمية معاوية خليفة ، وبيان أن الخلافة قط انقطعت بعد الثلاثين سنة لا مطلقاً ، بل انقطع تتابعها ، ولا ينفي وجود خلفاء راشدين بعد ذلك ، كما دل عليه حديث جابر بن سمرة .

وقال نعيم بن حماد : حدثنا راشد بن سعد ، عن ابن لهيعة ، عن خالد بن أبي عمران ، عن حذيفة بن اليمان قال : يكون بعد عثمان اثنا عشر ملكاً من بني أمية ، قيل له : خلفاء ؟ قال : لا ، بل ملوك .

وقد روى البيهقي من حديث حاتم بن صفرة ، عن أبي بحر قال : كان أبو الجلد جاراً لي ، فسمعته يقول يحلف عليه : إن هذه الأمة لن تهلك حتى يكون فيها اثنا عشر خليفة كلهم يعمل بالهدى ودين الحق ، منهم رجلان من أهل البيت ، أحدهما يعيش أربعين سنة ، والآخر ثلاثين سنة .

ثم شرع البيهقي في رد ما قاله أبو الجلد بما لا يحصل به الرد ، وهذا عجيب منه ! وقد وافق أبا الجلد طائفةٌ من العلماء ، ولعل قوله أرجح لما ذكرنا .

وقد كان ينظر في شئ من الكتب المتقدمة ، وفي التوراة التي بأيدي أهل الكتاب ما معناه : إن الله تعالى بشر ابراهيم بإسماعيل ، وأنه ينميه ويكثره ويجعل من ذريته اثني عشر عظيماً . انتهى .

ويقصد ابن كثير ما هو موجود في التوراة الفعلية ـ العهد القديم والجديد ١ / ٢٥ ـ طبعة مجمع الكنائس الشرقية ـ في سفر التكوين ، الإصحاح السابع عشر ، قال :

٦٨
 &

١٨ ـ وقال ابراهيم لله ليت اسماعيل يعيش أمامك .

١٩ ـ فقال الله : بل سارة امرأتك تلد لك ابناً وتدعو اسمه اسحق ، وأقيم عهدي معه عهداً أبدياً ، لنسله من بعده .

٢٠ ـ وأما اسماعيل فقد سمعت لك فيه ، ها أنا أباركه وأثمره ، وأكثره كثيراً جداً . اثني عشر رئيساً يلد ، وأجعله أمة كبيرة .

٢١ ـ ولكن عهدي أقيمه مع اسحق ، الذي تلده لك سارة في هذا الوقت ، في السنة الآتية . انتهى .

وقد وردت ترجمتها عن كعب الأحبار ( قيماً ) وترجمها بعضهم ( إماماً ) ..

فالنص موجودٌ في التوراة ، وفي مصادر السنة ، والشيعة ، وهو مؤيدٌ لبشارة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكنه لا يحل مشكلة المفسرين السنيين ، بل يزيدها !

*       *

ومن أعقل هؤلاء الشراح وأكثرهم إنصافاً في هذا الموضوع : ابن العربي المالكي المتوفى سنة ٥٤٣ ، فقد اعترف في عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي بأن تطبيق الحديث على هؤلاء يصل الى طريق مسدود ، ورجح أن يكون الحديث ناقصاً لأن الموجود منه لا يفهم له معنى .. قال :

روى أبو عيسى عن جابر بن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يكون بعدي اثنا عشر أميراً كلهم من قريش . صحيح .

فعددنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم اثني عشر أميراً فوجدنا : أبا بكر ، عمر ، عثمان ، علي ، الحسن ، معاوية ، يزيد ، معاوية بن يزيد ، مروان ، عبد الملك ، مروان بن محمد بن مروان ، السفاح ، المنصور ، المهدي ، الهادي ، الرشيد ، الامين ، المأمون ، المعتصم ، الواثق ، المتوكل ، المنتصر ، المستعين ، المعتز ، المهتدي ، المعتضد ، المكتفي ، المقتدر ، القاهر ، الراضي ، المتقي ، المستكفي

٦٩
 &

المطيع ، الطائع ، القادر ، القائم ، المقتدي ، أدركته سنة أربع وثمانين وأربعمائة وعهد الى المستظهر أحمد ابنه ، وتوفي في المحرم سنة ست وثمانين ، ثم بايع المستظهر لابنه أبي منصور الفضل ، وخرجت عنهم سنة خمس وتسعين .

وإذا عددنا منهم اثني عشر انتهى العدد بالصورة الى سليمان بن عبد الملك .

وإذا عددناهم بالمعنى ، كان معنا منهم خمسة : الخلفاء الأربعة وعمر بن عبد العزيز ، ولم أعلم للحديث معنى ، ولعله بعض حديث !! انتهى .

*       *

وقد اتضح أن المفسرين السنيين بذلوا كل جهدهم لتفسير هؤلاء الأئمة الإثني عشر الموعودين في التوراة على لسان ابراهيم ، ثم على لسان نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله ، على ملوك بني أمية ، ولكنهم واجهوا ثلاثة مشاكل أساسية لا حل لها :

الأولى : زيادة عدد هؤلاء ( الخلفاء ) الذين يعترفون بأنهم ليسوا خلفاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بل خلفاء الهواء ! على الإثني عشر ، الأمر الذي يدخلهم في بوابة الحذف والإثبات التي لا ضابط لها ، ولا آخر !

والثانية : أنهم يشعرون أن هذا الثوب الالۤهي لا يمكن إلباسه لجماعتهم .. وأنهم مهما دافعوا عن سيرة هؤلاء ( الخلفاء غير الخلفاء ) وتستروا على تاريخهم ، ففيهم مفضوحون ، لا بد من الإعتراف بسوئهم ، ولا يمكن أن يكون أحدهم إماماً ربانياً ، وقيماً عظيماً على الأمة ، موعوداً من الله تعالى على لسان أعظم الأنبياء عليهم‌السلام .

والثالثة : أنهم بهذا التفسير يدعون لهؤلاء الملوك منصباً ربانياً لم يدعوه هم لأنفسهم ! فيصيرون بذلك كمن يدعي نبوة لنبيٍّ ، والنبي المزعوم ينكرها !!

وأخيراً ، فقد نصح المفسرون السنيون أتباعهم أن لا يأخذوا بتفسير الشيعة ، ووعدوهم بأن يفسروا لهم الحديث الشريف بأصح من تفسير الشيعة ، وقد رأينا أنهم داروا في تفسيره كثيراً ، وراوحوا مكانهم ..

٧٠
 &

فمن حق السني أن يعود على بدء ، ويسألهم عن تفسير حديث نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله الصحيح وبشارته القطعية باثني عشر إماماً ، ربانياً ، ملهماً ، مميزاً بعلمه وشخصيته وسلوكه ، قيماً من ربه على الأمة .. يكونون جميعاً على هدىً واحد ، وخطٍ واحد ..

ومن حقنا أن نقول لهم : إذا لم تفسروه ، فاعذرونا أن نفسره بالأئمة من أهل بيت النبي وعترته الطاهرين صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأولهم علي عليه‌السلام وآخرهم المهدي الموعود عليه‌السلام ، وقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : بنا بدأ الله وبنا يختم .

تورط الشراح في حديث سفينة

سفينة مولى أم سلمة ، وثقه علماء الجرح والتعديل السنيون ، وروى عنه البخاري وغيره من أصحاب الصحاح حديثاً يتعلق بالموضوع وصححوه .

ـ قال الترمذي : ٣ / ٣٤١

عن سعيد بن جمهان قال حدثني سفينة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الخلافة في أمتي ثلاثون سنة ، ثم ملك بعد ذلك ( عضوضٌ ) .

ثم قال لي سفينة : أمسك عليك خلافة أبي بكر ، ثم قال وخلافة عمر ، وخلافة عثمان ، ثم قال أمسك خلافة علي ، فوجدناها ثلاثين سنة .

قال سعيد : فقلت له : إن بني أمية يزعمون أن الخلافة فيهم ؟

قال : كذب بنو الزرقاء ، بل هم ملوكٌ من شر الملوك .

وفي الباب عن عمر وعلي قالا : لم يعهد النبي صلى الله عليه وسلم في الخلافة شيئاً . هذا حديث حسن ، قد رواه غير واحد عن سعيد بن جمهان ، لا نعرفه إلا من حديثه . انتهى . ورواه أحمد في مسنده : ٥ / ٢٢٠ ، و ٢٢١ ، بدون كلام سفينة عن ملوك بني أمية . وقال عنه الحاكم : ٣ / ٧١ وقد أسندت هذه الروايات بإسناد صحيح مرفوعاً الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله . انتهى .

ـ ورواه ابن كثير في البداية والنهاية : ٣ / ١٩٨ ثم روى بعده عن عبد الرحمن أبي بكرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : خلافة نبوة ثلاثون عاماً ، ثم

٧١
 &

يؤتي الله ملكه من يشاء ، فقال معاوية : رضينا بالملك !! . انتهى .

وإذا صح حديث سفينة فهو إخبارٌ نبويٌّ عن انحراف الأمة بعد الثلاثين سنة ، وعدم شرعية الحكم فيها .

وبما أن عدد الحكام في هذه الفترة لم يزيدوا عن خمسة ، فلا بد أن يكون الأئمة الإثنا عشر من غير الحاكمين ، أو تكون تكملتهم من غيرهم !

فحديث سفينة يحكم بخطأ جعل الأئمة الإثني عشر من الحكام ، كما هو واضح .

ولكن أكثر الشراح أشربوا في قلوبهم حب بني أمية ، وارتكبوا كل تناقض لجعل ملكهم العضوض إمامةً ربانية ، وجعل حكامهم المعروفين بسلوكهم وبطشهم ، أئمةً ربانيين ، مبشراً بهم على لسان رسول رب العالمين !!

والذي يزيدك اطمئناناً بما قلناه ، أنهم قبلوا حديث سفينة ( الخلافة ثلاثون سنة ) وقد فسره راويه ونفى الخلافة عن بني أمية ، وقال إنهم ملوكٌ شر ملوك !

ومع ذلك جعلوهم أئمة ربانيين ، اختارهم الله تعالى لقيادة هذه الأمة !

ومنهم من حاول نفي تفسير سفينة وقال إنه زيادةٌ لم تثبت ، مثل الألباني ! وكذلك لم يثبت عندهم كل ما في تاريخ بني أمية من ظلمٍ عضوضٍ للناس !!

ـ قال العيني في عمدة القاري : ١٦ / ٧٤

فإن قلت : يعارض حديث سفينة ما رواه مسلم من حديث جابر بن سمرة : لا يزال هذا الدين قائماً ما كان اثنا عشر خليفة كلهم من قريش ، الحديث .

قلت : قيل إن الدين لم يزل قائماً حتى ولي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش ، وأراد بهذا خلافة النبوة ، ولم يرد أنه لا يوجد غيرهم .

وقيل : هذا الحديث فيه إشارة بوجود اثني عشر خليفة عادلين من قريش ، وإن لم يوجدوا على الولاء ، وإنما اتفق وقوع الخلافة المتتابعة بعد النبوة في ثلاثين سنة ، ثم قد كان بعد ذلك خلفاء راشدون منهم عمر بن عبد العزيز ، ومنهم المهتدي بأمر الله العباسي ، ومنهم المهدي المبشر بوجوده في آخر الزمان . انتهى .

٧٢
 &

فانظر الى هذا التصرف بالألفاظ من أجل مصلحة الأمويين ، حيث جعل الخلافة الشرعية نوعين : خلافة نبوة وهي التي كانت لمدة ثلاثين سنة ، وخلافةً شرعية ليست خلافة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ! بل هي خلافةٌ عن بني تبعٍ وبني حِمْيَر مثلاً ، وهي التي امتدت بعد الثلاثين ، وهي التي بشر بها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله : اثنا عشر خليفة أو إماماً !! .

وقد تمسك الشراح المحبون لبني أمية بهذا الإبتكار وفرحوا به ، لأنه يبقي لهم إمكانية التلاعب بالحديث ، وتفسيره بأئمتهم الربانيين من بني أمية !!

ـ قال ابن كثير في البداية والنهاية : ٣ / ١٩٨

فإن قيل : فما وجه الجمع بين حديث سفينة هذا ، وبين حديث جابر بن سمرة ، المتقدم في صحيح مسلم ؟ ...

فالجواب : أن من الناس من قال : إن الدين لم يزل قائماً حتى ولي اثنا عشر خليفة ثم وقع تخبيطٌ بعدهم في زمان بني أمية .

وقال آخرون : بل هذا الحديث فيه بشارةٌ بوجود اثني عشر خليفة عادلاً من قريش ، وإن لم يوجدوا على الولاء ( التتابع ) وإنما اتفق وقوع الخلافة المتتابعة بعد النبوة في ثلاثين سنة ، ثم كانت بعد ذلك خلفاء راشدون فيهم عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموي رضي‌الله‌عنه وقد نص على خلافته وعدله وكونه من الخلفاء الراشدين غير واحد من الأئمة ، حتى قال أحمد بن حنبل رضي‌الله‌عنه : ليس قول أحد من التابعين حجة إلا قول عمر بن عبد العزيز !

ومنهم من ذكر من هؤلاء المهدي بأمر الله العباسي .

والمهدي المبشر بوجوده في آخر الزمان منهم أيضاً بالنص على كونه من أهل البيت ، واسمه محمد بن عبد الله ، وليس بالمنتظر في سرداب سامرا ، فإن ذاك ليس بموجود بالكلية ، وإنما ينتظره الجهلة من الروافض . انتهى .

فترى أن ابن كثير لا جواب عنده على إشكال حديث سفينة ، ولذلك قال : من الناس من قال .. وقال آخرون .. ومنهم من ذكر ! وليته أكمل الرواية عن سفينة كما

٧٣
 &

وردت في مصادرهم !

أما مدحه لعمر بن عبد العزيز أو المهدي العباسي ، فلا يصير دليلاً على أنه أحد الأئمة الربانيين المبشر بهم مهما كثر ! وإلا لاستحق كل ممدوح مثلهما أن يكون منهم ! فإن دخول أحدٍ في عداد أشخاصٍ بشر بهم أنبياء الله تعالى يحتاج الى دليل على أنه مقصودٌ بهذا النص ، وأنه واحدٌ من هؤلاء الربانيين الذين أختارهم الله تعالى وأعطاهم مقاماً فوق مدح المادحين من البشر !

وأما تكراره اتهام الشيعة بانتظار ظهور المهدي من سرداب سامرا ، من المكذوبات علينا ، فنحن ننتظر ظهور المهدي عليه‌السلام من مكة كما ينتظره هو ، وسرداب سامرا بيته وبيت أبيه وجده عليهم‌السلام ، وهو مكانٌ مباركٌ ، نصلي فيه ونتبرك به .

ـ وقال في هامش عون المعبود : ١١ / ٣٦١

ذكر الشيخ ابن القيم رحمه‌الله ... حديث : الخلافة بعد وثلاثون سنة ، وحديث اثنا عشر خليفة ، ثم قال : فإن قيل : فكيف الجمع ؟

قيل : لا تعارض بين الحديثين ، فإن الخلافة المقدرة بثلاثين سنة هي خلافة النبوة كما في حديث أبي بكرة . انتهى .

ولم يقل ابن قيم ولا غيره إذا لم تكن خلافة بني أمية خلافة نبوة فهي خلافة ماذا يا ترى ؟؟ وهل تبقى لها صفة إسلاميةٌ وربانية ، بعد أن وصفها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بأنها ملكٌ عضوضٌ ، كما اعترف صاحب قرة العينين وغيره !

وهل يعني إقرارهم بأنها ملك عضوض ، ونفيهم عنها صفة الخلافة الإسلامية ، إلا أنها خلافةٌ جاهليةٌ عضوضة ؟ فهل يتصور عاقلٌ أن الله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله يبشران الأمة بأئمة جاهليين ، يعضونها بظلمهم ؟!

ولو أن ابن حبان وابن حجر وابن قيم وصاحب قرة العينين وأمثالهم .. اكتفوا بتعصبهم لبني أمية ، لكان خطبهم أسهل ، ولكنهم مع الأسف أصروا على تسخير الأحاديث النبوية لنصرتهم ، وتطبيق بشائر الأنبياء عليهم‌السلام على ملوكهم !!

٧٤
 &

ومن طريف عمل الألباني في الحديث ، أنه صحح عدة أحاديث عن الإنحراف والأئمة المضلين ، الذين سيحكمون بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومنها حديث برقم ٢٩٨٢ ( إن من أصحابي من لا يراني بعد أن أفارقه ! ) .

وحديث برقم ٢٨٦٤ ( إنه سيلي أموركم من بعدي رجالٌ يطفئون السنة ويحدثون بدعة ) .

وحديث برقم ٢٨٦٥ ( إني ممسكٌ بحجزتكم عن النار ، وتقاحمون فيها تقاحم الفراش والجنادب ، ويوشك أن أرسل حجزتكم ... ) الخ .

وحديث برقم ١٧٤٩ أول من يغير سنتي رجلٌ من بني أمية . وجعل هذا الحديث الأخير تحت عنوان من أعلام نبوته الغيبية ، وقال بعده : ولعل المراد بالحديث تغيير نظام اختيار الخليفة وجعله وراثة . والله أعلم .

وحديث برقم ٧٤٤ ( إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلاً اتخذوا دين الله دخلاً عباد الله خولاً ومال الله دولاً ) .

كما صحح حديث سفينة برقم ٤٥٩ ، ولكنه جعله تحت عنوان : خلافة النبوة !

ومع كل هذه الأحاديث التي صححها ، قال مدافعاً عن الأمويين : فلا ينافي مجئ خلفاء آخرين من بعدهم لأنهم ليسوا خلفاء النبوة . فهؤلاء هم المعنيون في الحديث لا غيرهم ! كما هو واضح !! ويزيده وضوحاً قول شيخ الإسلام في رسالته المذكورة : ويجوز تسمية من بعد الخلفاء الراشدين خلفاء ، وإن كانوا ملوكاً ولم يكونوا خلفاء الأنبياء .. الخ . انتهى .

فقد أفتى تبعاً لإمامه ابن تيمية ، بأن الأئمة الإثني عشر المبشر بهم على لسان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله القيمين على الأمة بتعيين رب العالمين هم .. معاوية ويزيد وبنو الحكم بن أبي العاص ، الذين صحت فيهم أحاديث ذمٍّ قاصعة !!

وكأنه لا يعرف أنه بسبب غلوه في بني أمية يعطي الحجة على ربه سبحانه ، وعلى نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله !!

٧٥
 &

فماذا يقول إذا قال له مستشرقٌ مثلاً : إنكم أيها المسلمين تقولون إن ربكم مزاجي ونبيكم مزاجي أيضاً ، لأنهما يلعنان أشخاصاً ويذمانهم ويتبرآن منهم .. ثم يتغير مزاجهما فيرضيان عنهم ، ويعلنان للمسلمين : إنا نبشركم بهم وبأولادهم ، إنهم صفوة البشر ، أئمةٌ ، ربانيون ، معصومون ، قيمون على الأمة !!

وهل دخل المستشرقون الخبثاء ، وهل دخل سلمان رشدي وأمثاله ، وطعنوا في الإسلام ، إلا من أبواب أحاديث التعصب لقريش وبني أمية ، وكعب الأحبار ؟!

الثانية عشرة : نماذج من أحاديثنا في الأئمة الإثني عشر عليهم‌السلام

ـ روى الصدوق في الخصال / ٤٦٦ ـ ٤٦٧ ، حديث ابن مسعود المتقدم بعدة أسانيد فيها مجالد بن سعيد ، وأسانيد أخرى ليس فيهما مجالد ، قال :

حدثنا أبو علي أحمد بن الحسن القطان قال : حدثنا أبو عبد الله أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي الرجال البغدادي قال : حدثنا محمد بن عبدوس الحراني قال : حدثنا عبد الغفار بن الحكم قال : حدثنا منصور بن أبي الأسود ، عن مطرف ، عن الشعبي ، عن عمه قيس بن عبد قال : كنا جلوساً في حلقة فيها عبد الله بن مسعود فجاء أعرابي فقال : أيكم عبد الله بن مسعود ؟

فقال عبد الله : أنا عبد الله بن مسعود .

قال : هل حدثكم نبيكم صلى‌الله‌عليه‌وآله كم يكون بعده من الخلفاء ؟

قال : نعم ، اثنا عشر ، عدد نقباء بني إسرائيل .

حدثنا أبو القاسم عتاب بن محمد الوراميني الحافظ قال : حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن الفضل ، ومحمد بن عبيد الله بن سوار قالا : حدثنا عبد الغفار بن الحكم قال : حدثنا منصور بن أبي الأسود ، عن مطرف عن الشعبي .

قال : عتاب بن محمد : وحدثنا إسحاق بن محمد الأنماطي قال : حدثنا يوسف بن موسى قال : حدثنا جرير ، عن أشعث بن سوار عن الشعبي . قال عتاب بن محمد :

٧٦
 &

وحدثنا الحسين بن محمد الحراني قال : حدثنا أيوب بن محمد الوزان قال : حدثنا سعيد بن مسلمة قال : حدثنا أشعث بن سوار ، عن الشعبي ، كلهم قالوا عن عمه قيس بن عبد .

قال أبو القاسم عتاب : وهذا حديث مطرف قال : كنا جلوساً في المسجد ، ومعنا عبد الله بن مسعود ، فجاء أعرابي فقال : فيكم عبد الله ؟

قال : نعم أنا عبد الله ، فما حاجتك ؟

قال : يا عبد الله أخبركم نبيكم صلى‌الله‌عليه‌وآله كم يكون فيكم من خليفة ؟

قال : لقد سألتني عن شئ ما سألني عنه أحد منذ قدمت العراق ، نعم ، اثنا عشر عدة نقباء بني إسرائيل .

قال : أبو عروبة في حديثه : نعم عدة نقباء بني إسرائيل . وقال جرير عن الأشعث بن مسعود عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : الخلفاء بعدي اثنا عشر ، كعدد نقباء بني إسرائيل . انتهى . ( ورواهما في كمال الدين وتمام النعمة / ٢٧١ ، بنفس السند )

وأكبر عملٍ حديثي قام به قدماء علمائنا في هذا الموضوع ، بل هو أجلُّ ما وجدته في الموضوع من الأعمال العلمية المقارنة ، تأليف المحدث الخبير علي بن محمد بن علي الخزاز القمي الرازي ، من علماء أوائل القرن الرابع وكتابه القيم ( كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر ) وقد ذكر منهجه في مقدمته فقال في ص ٧ :

أما بعد : فإن الذي دعاني الى جمع هذه الأخبار ، عن الصحابة والعترة الأخيار ، في النصوص على الأئمة الأبرار ، أني وجدت قوماً من ضعفاء الشيعة ومتوسطيهم في العلم ، متحيرين في ذلك ومتعجزين ، يشكون فرط اعتراض المشبهة عليهم ، وزمرات المعتزلة ، تلبيساً وتمويهاً عاضدتهم عليه ، حتى آل الأمر بهم الى أن جحدوا أمر النصوص عليهم ، من جهةٍ لا يقطع بمثلها العذر ، حتى أفرط بعضهم وزعم أن ليس لها من الصحابة أثر .... فلما رأيت ذلك كذلك ، ألزمت نفسي الإستقصاء في هذا الباب موضحاً ما عندي من البينات ، ومبطلاً ما أورده المخالفون من الشبهات ، تحرياً لمرضاة الله ، وتقرباً الى رسوله والأئمة من بعده .

٧٧
 &

وأبتدئ بذكر الروايات في النصوص عليهم من جهة أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المعروفين مثل عبد الله بن العباس ، وعبد الله بن مسعود ، وأبي سعيد الخدري ، وأبي ذر الغفاري ، وسلمان الفارسي ، وجابر بن سمرة ، وجابر بن عبد الله ، وأنس بن مالك ، وأبي هريرة ، وعمر بن الخطاب ، وزيد بن ثابت ، وزيد بن أرقم ، وأبي أمامة ، وواثلة بن الأسقع ، وأبي أيوب الأنصاري ، وعمار بن ياسر ، وحذيفة بن أسيد ، وعمران بن الحصين ، وسعد بن مالك ، وحذيفة بن اليمان ، وأبي قتادة الأنصاري ، وعلي بن أبي طالب ، وابنيه الحسن والحسين عليهم‌السلام .

ومن النساء : أم سلمة ، وعائشة ، وفاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ثم أعقبه بذكر الأخبار التي وردت عن الأئمة صلوات الله عليهم ، مما يوافق حديث الصحابة ، في النصوص على الأئمة ، ونص كل واحد منهم على الذي من بعده ، ليعلموا إن أنصفوا ويدينوا به ، ولا يكونوا كما قال الله سبحانة ( فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ) إذ مثل هذه الأخبار تزيل الشك والريب ، ويقطع بها العذر ، وإن الأمر أوكد مما ذهبوا اليه . انتهى .

ثم عقد قدس الله نفسه باباً لما روي عن كل واحد من الصحابة الذين ذكرهم ، وأورد فيه حديثه أو أحاديثه ، بسند متصل منه اليه ، الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فحفظ بذلك عدداً من النصوص التي ضاعت في مصادر إخواننا السنيين ، أو تشتتت في مصنفاتهم ، أو بقي منها أجزاء مجزأة ، وأحياناً بقي الحديث بكامله !

ونورد فيما يلي نماذج منها :

ـ قال في ص ٢٣ في باب ما جاء عن عبد الله بن مسعود :

أخبرنا محمد بن عبد الله رحمه‌الله قال حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن عمارة الثقفي قال : حدثني أحمد بن عبد الجبار العطاردي قال : حدثنا محمد بن الحسان الضرير التومني قال : حدثنا علي بن محمد الأنصاري ، عن عبد الله بن عبد الكريم ، عن يحيى بن عبد الحميد الحماني ، عن حبش بن المعتمر ، عن عبد الله بن مسعود قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : الأئمة بعدي اثنا عشر كلهم من قريش .

٧٨
 &

وهذا عبد الله بن مسعود روى عنه السائب ، ومسروق ، وقيس بن سعد ، وحبش بن المعتمر .

أخبرنا أبو المفضل محمد بن عبد الله الشيباني رحمه‌الله قال حدثنا أبو علي محمد بن زهير بن الفضل الأبلي قال : حدثنا أبو الحسين عمر بن الحسين بن علي بن رستم قال : حدثني ابراهيم بن يسار الرمادي قال : حدثني سفيان بن عتبة ، عن عطا بن السائب ، عن أبيه عن عبد الله بن مسعود قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : الأئمة بعدي اثنا عشر ، تسعة من صلب الحسين ، والتاسع مهديهم .

وقال في ص ٧٣ في باب ما جاء عن أنس بن مالك :

حدثنا أبو عبد الله أحمد بن محمد بن عياش الجوهري قال : حدثنا محمد بن أحمد الصفواني قال : حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا عبد الله بن مسلمة قال : حدثنا محمد بن عبد الله الحمصي قال : حدثنا بن حماد ، عن أنس بن مالك قال : صلى بنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : معاشر أصحابي من أحب أهل بيتي حشر معنا ، ومن استمسك بأوصيائي من بعدي فقد استمسك بالعروة الوثقى . فقام إليه أبو ذر الغفاري فقال : يا رسول الله كم الأئمة بعدك ؟

قال : عدد نقباء بني اسرائيل .

فقال : كلهم من أهل بيتك ؟

قال : كلهم من أهل بيتي ، تسعة من صلب الحسين ، والمهدي منهم .

وقال في ص ١١٣ في باب ما جاء عن أبي أيوب الأنصاري خالد بن زيد :

أخبرنا أبو المفضل الشيباني قال : حدثني حيدر بن محمد بن نعيم السمرقندي قال : حدثنا محمد بن مسعود ، عن يوسف بن السخت ، عن سفيان الثوري ، عن موسى بن عبيدة أياس بن مسلمة بن الأكوع ، عن أبي أيوب الأنصاري قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : أنا سيد الأنبياء ، وعلي سيد الأوصياء ، وسبطاي خير الأسباط ومنا الأئمة المعصومون من صلب الحسين ، ومنا مهدي هذه الأمة .

فقام اليه أعرابي فقال : يا رسول الله كم الأئمة بعدك ؟

٧٩
 &

قال : عدد الأسباط ، وحواري عيسى ، ونقباء بني إسرائيل .

وقال في ص ١٢٠ في باب ما جاء عن عمار بن ياسر :

أخبرنا محمد بن عبد الله بن المطلب الشيباني قال : حدثنا محمد بن الحسين بن حفص الحثعمي الكوفي قال : حدثنا عباد ابن يعقوب قال : حدثنا علي بن هاشم ، عن محمد بن عبد الله ، عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار ، عن أبيه ، عن جده عمار قال : كنت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في بعض غزواته ، وقتل علي عليه‌السلام أصحاب الألوية وفرق جمعهم ، وقتل عمراً بن عبد الله الجمحمي ، وقتل شيبة بن نافع ، أتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسلم فقلت له : يا رسول الله صلى الله عليك إن علياً قد جاهد في الله حق جهاده . فقال : لأنه مني وأنا منه ، وارث علمي وقاضي ديني ، ومنجز وعدي ، والخليفة بعدي ، ولولاه لم يعرف المؤمن المحض ، حربه حربي وحربي حرب الله ، وسلمه سلمي وسلمي سلم الله ، ألا إنه أبو سبطيَّ ، والائمه من صلبه ، يخرج الله تعالى الأئمة الراشدين ، ومنهم مهدي هذه الأمة .

فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما هذا المهدي ؟

قال : يا عمار إن الله تبارك وتعالى عهد اليَّ أنه يخرج من صلب الحسين تسعة ، والتاسع من ولده يغيب عنهم ، وذلك قوله عز وجل : قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غوراً فمن يأتيكم بماء معين ، يكون له غيبة طويلة يرجع عنها قوم ، ويثبت عليها آخرون ، فإذا كان في آخر الزمان يخرج فيملأ الدنيا قسطاً وعدلاً ، ويقاتل على التأويل كما قاتلت على التنزيل ، وهو سميي ، وأشبه الناس بي .

يا عمار ستكون بعدي فتنة ، فإذا كان ذلك فاتبع علياً وحزبه ، فإنه مع الحق والحق معه . يا عمار إنك ستقاتل بعدي مع علي صنفين : الناكثين والقاسطين ثم تقتلك الفئة الباغية .

قلت : يا رسول الله أليس ذلك على رضا الله ورضاك ؟

قال : نعم على رضا الله ورضاي ، ويكون آخر زادك من الدنيا شربة من لبن تشربه .

٨٠