تفسير الشريف المرتضى - ج ٣

تفسير الشريف المرتضى - ج ٣

المؤلف:


المحقق: لجنة من العلماء المحققين بإشراف السيّد مجتبى أحمد الموسوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: شركة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٠

أرمي عليها وهي فرع أجمع

وهي ثلاث أذرع وإصبع

أراد : أرمي عنها ؛ لأنّ كلام العرب : رميت عن القوس ، فأقام «على» مقام «عن» ، ولو أنّه قال تعالى على هذا المعنى : (فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ) ، ولم يقل : «من فوقهم» جاز أن يتوهّم متوهّم أن السقف خرّ وليس هم تحته.

وثانيها : أن يكون «على» بمعنى اللام ؛ والمراد : فخرّ لهم السقف ؛ فإن «على» قد تقام مقام اللام ؛ وحكي عن العرب : ما أغيظك عليّ! وما أغمّك عليّ! يريدون : ما أغيظك ، وما أغمّك لي! ، قال الطّرمّاح يصف ناقة :

كأنّ مخوّاها علي ثفناتها

معرّس خمس وقّعت للجناجن (١)

أراد : وقّعت على الجناجن ؛ وهي عظام الصدر ، فأقام اللام مقام «على».

وقد يقول القائل أيضا : تداعت على فلان داره ، واستهدم عليه حائطه ، ولا يريد أنّه كان تحته ؛ فأخبر تعالى بقوله : (مِنْ فَوْقِهِمْ) عن فائدة ؛ لولاه ما فهمت. ولا جاز أن يتوهّم متوهّم في قوله تعالى : (فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ) ما يتوهّمه من قوله : خرب عليه ربعه ، ووقعت عليه دابته ، وأشباه ذلك.

وللعرب في هذا مذهب طريف لطيف ؛ لأنّهم لا يستعملون لفظه «على» في مثل هذا الموضع إلّا في الشرّ والأمر المكروه الضارّ ، ويستعملون اللام وغيرها في خلاف ذلك ؛ ألا ترى أنّهم لا يقولون : عمرت على فلان ضيعته ، بدلا من قولهم : خربت عليه ضيعته ، ولا ولدت عليه جاريته ؛ بل يقولون : عمرت له ضيعته ، وولدت له جاريته ؛ وهكذا من شأنهم إذا قالوا : «قال عليّ» و «روى عليّ» ؛ فإنّه يقال في الشرّ والكذب ، وفي الخير والحقّ ؛ يقولون : «قال عنّي» ؛

__________________

(١) ديوانه : ١٦٨. يقال : خوى البعير ؛ إذا تجافى في بروكه ومكن لثفناته ، والثفنات : جمع ثفنة ؛ وهو من البعير ركبته ، وما مس الأرض من كركرته وأصول أفخاذه ، والمعرس : محل التعريس : وهو النزول آخر الليل. وفي حاشية بعض النسخ : «يعني كأن تجاوف أعضائها المتجافية عند البروك معرس لخمس أنوق» ؛ والبيت برواية القالي (الأمالي : ٣ / ١٦٥).

لها تفرات تحتها وقصارها

على مشرة لم تعتلق بالمحاجن

٢١

و «روي عنّي» ؛ ومثل ذلك قوله تعالى : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) (١) ، لأنّهم لمّا أضافوا الشّرّ والكفر إلى ملك سليمان حسن أن يقال : «يتلون عليه» ، ولو كان خيرا لقيل عنه ، ومثله : (أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) (٢) ؛ وقال الشاعر (٣) :

عرضت نصيحة منّي ليحيى

فقال : غششتني ، والنّصح مرّ

وما بي أن أكون أعيب يحيى

ويحيى طاهر الأخلاق برّ

ولكن قد أتاني أنّ يحيي

يقال عليه في بقعاء شرّ (٤)

فقلت له : تجنّب كلّ شيء

يعاب عليك ، إنّ الحرّ حرّ

ومثله قول الفرزدق في عنبسة بن سعدان المعروف بعنبسة الفيل ـ وقد كان يتتبّع شعره ويخطّئه ويلحّنه :

لقد كان في معدان والفيل زاجر

لعنبسة الراوي عليّ القصائدا

فقال : «عليّ» ولم يقل : «عنّي» للمعنى الذي ذكرناه.

وثالث الوجوه : أن يكون (مِنْ فَوْقِهِمْ) تأكيدا للكلام وزيادة في البيان ، كما قال تعالى : (تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (٥) ، والقلب لا يكون إلّا في الصدر ؛ ونظائر ذلك في الكتاب وكلام العرب كثيرة (٦).

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية : ١٠٢.

(٢) سورة يونس ، الآية : ٦٨.

(٣) الأبيات في الكامل : ١ / ١٨٥ ـ بشرح المرصفي.

(٤) حواشي بعض النسخ : بقعاء في البيت : اسم امرأة. وبقعاء : ماء بالبادية ، قالت امرأة من العرب :

ومن يهد لي من ماء بقعاء شربة

فإنّ له من ماء لينة أربعا

لقد زادني حبّا لبقعاء أنّني

رأيت مطايانا بلينة ظلّعا

فمن مبلغ أختيّ بالرّمل أنّني

بكيت فلم أترك بعينيّ مدمعا!

بقعاء ماؤها زعاق ، وماء لينة عذب ، وإنّما تشكو لينة ؛ لأنّ زوجها حملها إليها وهو عنين ، فذلك قولها :

رأيت مطايانا بلينة ظلّعا

ومثله :

تظللّ المطايا حائدات عن الهدى

إذا ما المطايا لم تجد من يقيمها

(٥) سورة الحجّ ، الآية : ٤٦.

(٦) الأمالي ، ١ : ٣٤٠.

٢٢

ـ (وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) [النحل : ٣٥]

أنظر البقرة : ٢٦ ، ٢٧ من الرسائل ، ٢ : ١٧٧ إلى ٢٤٧.

ـ (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) [النحل : ٤٤]

أنظر المقدّمة الرابعة ، الأمر الثالث عشر.

ـ (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ) [النحل : ٥٧].

أنظر البقرة : ٢٦ ، ٢٧ من الرسائل ، ٢ : ١٧٧ إلى ٢٤٧.

ـ (أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ) [النحل : ٥٩].

أنظر التكوير : ٨ ، ٩ من الأمالي ، ٢ : ٢٤٠.

ـ (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ) [النحل : ٦٢].

قال قوم : معنى جرم كسب ، وقالوا في قوله تعالى : (لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ) ، أنّ «لا» ردّ على الكفّار ، ثمّ ابتدأ فقال : (جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ) بمعنى كسب قولهم أنّ لهم النار ، وقال الشاعر :

نصبنا رأسه في رأس جذع

بما جرمت يداه وما اعتدينا (١)

أي : بما كسبت. وقال آخرون : معنى (جَرَمَ) حقّ ، وتأوّل الآية بمعنى حقّق قولهم أنّ لهم النار ؛ وأنشدوا :

ولقد طعنت أبا عيينة طعنة

جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا

أراد : حقّقت فزارة ، وروى الفرّاء «فزارة» بالنصب على معنى كسبت الطعنة فزارة الغضب ، وقال الفرّاء : لا جرم في الأصل مثل لا بدّ ، ولا محالة ، ثمّ استعملته العرب في معنى حقّا ، وجاءت فيه بجواب الأيمان ، فقالوا : لا جرم

__________________

(١) البيت في اللسان (جرم) ، ونسبه إلى أبي أسماء بن الضريبة.

٢٣

لأقومنّ ؛ كما قالوا : والله لأقومنّ ، وفيها لغات ، يقال : لا جرم ، ولا جرم ، بضم الجيم وتسكين الراء ، ولا جر ، بحذف الميم ، ولا ذا جرم ؛ قال الشاعر :

إنّ كلابا والدي لا ذا جرم

لأهدرنّ اليوم هدرا في النّعم

هدر المعنّى ذي الشّقاشيق اللهم (١) (٢)

[انظر أيضا البقرة : ٢٦ ، ٢٧ من الرسائل ، ٢ : ١١٧ إلى ٢٤٧ رسالة انقاذ البشر من الجبر والقدر].

ـ (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً ...) [النحل : ٦٦].

أنظر الحشر : ٢ من الذريعة ، ٢ : ٧٨١

ـ (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) [النحل : ٧٧].

أنظر البقرة : ٢٠٢ من الامالي ، ١ : ٣٧٤.

ـ (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ) [النحل : ٨٠].

[قال الناصر رحمه‌الله :] «شعر الميتة طاهر ، وكذلك شعر الكلب والخنزير».

هذا صحيح وهو مذهب أصحابنا (٣) ، وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه (٤). وقال الشافعي : إنّ ذلك كلّه نجس (٥).

__________________

(١) حواشي بعض النسخ : «المعنى : الذي يدخل العنة من الإبل ؛ وهي الخطيرة ؛ وذلك أن الفحل اللئيم إذ هاج حبس حتى لا يضرب في النوق الكرام ، ومنه قول الوليد بن عقبة :

قطعت الدهر كالسّدم المعنّى

تهدّر في دمشق فلا تريم

وأصله «المعنن» ؛ فقلبت إحدى النونات ياء ، كقولك : تغنيت ، وفي التنزيل : (وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) والشقاشق : جمع شقشقة ؛ وهي كالرئة تخرج من فم البعير إذا هاج واعتلم ، واللهم : الذي يلتهم كل شيء ؛ أي يبتلع ، وفرس لهم : سريع ؛ كأنه يلتهم الأرض.

(٢) الأمالي ، ١ : ١٢٨.

(٣) مذهب أصحابنا خلاف ذلك إذ لم يقل أحد منهم بطهارة شعر الكلب والخنزير ، انظر تذكرة الفقهاء ، ١ : ٦٠ مسألة ١٩.

(٤) اللباب في شرح الكتاب ، ١ : ٢٤.

(٥) الأمّ ، ١ : ٢٣.

٢٤

دليلنا على صحّة ما ذهبنا إليه بعد الاجماع المتكرّر ، قوله تعالى : (وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ) فامتن علينا بأن جعل لنا في ذلك منافع ، ولم يفرّق بين الذكية والميتة ، فلا يجوز الامتنان بما هو نجس لا يجوز الانتفاع به.

وأيضا فإنّ الشعر لا حياة فيه ، ألا ترى أنّ الحيوان لا يألم بأخذه منه كما يألم بقطع سائر أعضائه.

وأيضا لو كان فيه حياة ، لما جاز أخذه من الحيوان في حال حياته والانتفاع به ، كما لا يجوز ذلك في سائر أجزائه.

ويقوّي ذلك ما روي عنه عليه‌السلام من قوله : «ما بان من البهيمة وهي حيّة ، فهو ميتة» (١).

والشعر يبين منها في حال حياتها ولا يكون ميتة ؛ لأنّه لو كان ميتة كان بمنزلة سائر أجزائها ، ويمنع الانتفاع به ، وإذا ثبت أنّ الشعر ، والصوف ، والقرن لا حياة فيه لم يحلّه الموت ، وإذا لم يحلّه الموت كانت حياته بعده كحياته قبله.

وليس لهم أن يتعلّقوا بقوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) (٢) فإنّ اسم الميتة يتناول الجملة بسائر أجزائها ، وذلك أنّ الميتة اسم لما يحلّه الموت ، والشعر لا يحلّه الموت كما لا تحلّه الحياة ، ويخرج عن الظاهر.

وليس لأحد أن يقول : إن الشعر والصوف من جملة الخنزير والكلب ، وهما نجسان.

وذلك أنّه لا يكون من جملة الحيّ إلّا ما تحلّه الحياة ، وما لا تحلّه الحياة ليس من جملته وإن كان متّصلا به (٣).

ـ (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) [النحل : ٨١].

__________________

(١) أحكام القرآن (للجصّاص) ، ١ : ١٥٠.

(٢) سورة مائدة ، الآية : ٣.

(٣) الناصريات : ١٠٠.

٢٥

أنظر البقرة : ١٧١ من الأمالي ، ١ : ٢٢١ والمائدة : ٦٠ من الأمالي ، ٢ : ١٦١.

ـ (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى ...) [النحل : ٩٠].

أنظر الأعراف : ٥٤ من الملخص ، ٢ : ٤٤٠.

ـ (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها) [النحل : ٩١].

أنظر المائدة : ٨٩ من الانتصار : ١٥٦.

ـ (وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ ...) [النحل : ١٠١]

أنظر المقدمة الرابعة ، الأمر الثالث عشر.

ـ (وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) [نحل : ١٠٦].

ويوصف تعالى بأنه «يغضب على الكفّار» ، بمعنى أنه يزيد عقابهم ولعنهم ، وليس المراد بذلك تغيّر الأحوال الّتي تلحق الغضبان ؛ لأن أحدنا قد يوصف بالغضب إذا أراد الانتقام وان لم تتغيّر أحواله (١).

ـ (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ) [النحل : ١٢٦].

أنظر البقرة : ١٥ من الأمالي ، ٢ : ١٢٦.

__________________

(١) الذخيرة : ٦٠٢.

٢٦

سورة الأسراء

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ـ (وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً) [الإسراء : ١١]

أنظر الأنبياء : ٣٧ من الأمالي ، ١ : ٤٤١.

ـ (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً) [الاسراء : ١٦] (١).

[إن سأل سائل عن هذه الآية].

[قلنا :] في هذه الآية وجوه من التأويل ، كلّ منها يبطل الشبهة الداخلة على المبطلين فيها ، حتّى عدلوا بتأويل عن وجهه ، وصرفوه عن بابه.

أوّلها : أنّ الإهلاك قد يكون حسنا وقد يكون قبيحا ، فإذا كان مستحقّا أو على سبيل الامتحان كان حسنا ، وإنّما يكون قبيحا إذا كان ظلما ، فتعلّق الإرادة به لا يقتضي تعلّقها به على الوجه القبيح ، ولا ظاهر للآية يقتضي ذلك ؛ وإذا علمنا بالأدلّة تنزّه القديم تعالى عن القبائح علمنا أنّ الإرادة لم تتعلّق إلّا بالإهلاك الحسن ، وقوله تعالى : (أَمَرْنا مُتْرَفِيها) المأمور به محذوف ، وليس يجب أن يكون المأمور به هو الفسق وإن وقع بعده الفسق ؛ ويجري هذا مجرى قول القائل : «أمرته فعصى» و «دعوته فأبى». والمراد إنّني أمرته بالطاعة ، ودعوته إلى الإجابة والقبول.

ويمكن أن يقال على هذا الوجه : ليس موضع الشبهة ما تكلّمتم عليه ؛ وإنّما موضعها أن يقال : أيّ معنى لتقدّم الإرادة؟ فإن كانت متعلّقة بإهلاك مستحقّ

__________________

(١) سورة الإسراء ، الآية : ١٦.

٢٧

بغير الفسق المذكور في الآية فلا معنى لقوله تعالى : «إذا أردنا أمرنا» ، لأنّ أمره بما يأمر به لا يحسن إرادته العقاب المستحقّ بما تقدّم من الأفعال ، وإن كانت الإرادة متعلّقة بالإهلاك بمخالفة الأمر المذكور في الآية فهذا الذي تأبونه ، لأنّه يقتضي أنّه تعالى مريد لإهلاك من لم يستحقّ ذلك العقاب.

والجواب عن ذلك : أنّه تعالى لم يعلّق الإرادة إلّا بإهلاك المستحقّ بما تقدّم من الذنوب ، والذي حسّن قوله تعالى : «وإذا أردنا أمرنا» ، هو أنّ في تكرار الأمر بالطاعة والإيمان إعذارا إلى العصاة ، وإنذارا لهم ، وإيجابا وإثباتا للحجّة عليهم ؛ حتّى يكونوا متى خالفوه وأقاموا على العصيان والطغيان بعد تكرار الوعيد والوعظ والإنذار ممّن يحقّ عليه القول ، وتجب عليه الحجّة ؛ ويشهد بصحّة هذا التأويل قوله تعالى قبل هذه الآية : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (١).

والوجه الثاني : في تأويل هذه الآية أن يكون قوله تعالى : (أَمَرْنا مُتْرَفِيها) من صفة القرية وصلتها ، ولا يكون جوابا لقوله تعالى : (وَإِذا أَرَدْنا) ويكون تقدير الكلام : وإذا أردنا أن نهلك قرية من صفتها أنّا أمرنا مترفيها ففسقوا فيها (٢) ، وتكون «إذا» علي هذا الجواب لم يأت لها جواب ظاهر في الآية ، للاستغناء عنه بما في الكلام من الدّلالة عليه (٣) ؛ ونظير هذا قوله تعالى في صفة الجنة : (حَتَّى إِذا

__________________

(١) سورة الإسراء ، الآية : ١٥.

(٢) في حاشية بعض النسخ : «ويكون كأنه قال تعالى : وإذا أردنا أن نهلك قرية مأمورا مترفوها كررنا القول عليهم ، وأعدنا الوعظ لهم ، وأمرناهم ثانيا ففسقوا فيها ، فحق عليها القول. والله أعلم بالمراد».

(٣) في حاشية بعض النسخ : «يمكن أن يحتمل «لإذا» في الآية جواب ، وهو أن تجعل الفاء في قوله تعالى : (فَدَمَّرْناها) زائدة ، وتجعل «دمرنا» جوابا لإذا ، ولا خلاف في مورد الفاء زائدة في كلام العرب ؛ حكى ابن جني عن أبي علي قال : حكى أبو الحسن عنهم : «أخوك فوجد» بمعنى أخوك وجدو من ذلك قولهم : زيدا فاضربه ، وعمرا فأكرم ، وعلى هذا قوله تعالى : (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (٤) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (٥))، ويكون معنى الآية على هذا إخبارا عن عزة الله تعالى وقدرته على جميع ما أراد تعالى. وحجة الفاء زائدة ، في بيت الكتاب :

لا تجزعي إن منفسا أهلكته

وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي

الفاء في «فاجزعي» زائدة.

٢٨

جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ (٧٣) وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (٧٤)) (١) ، ولم يأت «لإذا» جواب في طول الكلام للاستغناء عنه (٢).

ويشهد أيضا بصحة هذا الجواب قول الهذليّ :

حتّى إذا أسلكوهم في قتائدة

شلّا كما تطرد الجمّالة الشّردا (٣)

فحذف جواب إذا ، ولم يأت به ، لأن هذا البيت آخر القصيدة (٤).

والوجه الثالث : أن يكون ذكر الإرادة في الآية مجازا واتّساعا وتنبيها على المعلوم من حال القوم وعاقبة أمرهم ، وأنّهم متى أمروا فسقوا وخالفوا ؛ وذكر الإرادة يجري هاهنا مجرى قولهم : إذا أراد التاجر أن يفتقر أتته النوائب من كلّ جهة ، وجاءه الخسران من كلّ طريق ، وقولهم : إذا أراد العليل أن يموت خلّط في مآكله ، وتسرّع إلى كل ما تتوق إليه نفسه ؛ ومعلوم أنّ التاجر لم يرد في الحقيقة شيئا ، ولا العليل أيضا ، لكن لمّا كان المعلوم من حال هذا الخسران ،

__________________

(١) سورة الزمر ، الآيتان : ٧٣ ، ٧٤.

(٢) حاشية بعض النسخ : «كأن التقدير : إذا جاؤوا حضروها وفتحت ؛ أو هموا بدخولها ، وما أشبه ذلك ، والله أعلم».

(٣) حواشي بعض النسخ : «البيت لعبد مناف بن ربع الهذلي ؛ في آخر قصيدته التي أولها :

ما ذا يغير ابنتي ربع عويلهما

لا تقردان ولا بوسى لمن رقدا

قتائدة : موضع ، والجمالة : أصحاب الجمال ، كالبغالة والحمارة ، وانتصاب «شلا» على المصدر ، ودلّ على فعل مضمر يحصل بظهوره جواب «حتى إذا سلكوهم» المنتظر ، وتلخيصه : حتى إذا أسلكوهم هذا الموضع شلوهم شلا ، يشبه طرد الشرد من الجمال إذا تزاحمت على الماء ؛ وهذا كما يقول : طردوهم طرد غرائب الإبل. ومعنى أسلكوهم جعلوا لهم مسلكا ، والسلك : إدخال شيء في شيء تسلكه فيه ، ومنه : (ما سَلَكَكُمْ). وروى أبو عبيدة : «الشرد» (بفتح الشين والراء) ، وقال : تقول : إبل شرد وجلب وطرد».

وانظر الكلام على هذا البيت في «ديوان الهذليين ٢ / ٤٢ ، وأدب الكاتب ٤٢٤ ، والاقتضاب ٤٠٢).

(٤) حاشية بعض النسخ : «جواب الشرط جزء لا يتم المشروط دونه ؛ فإذا حذف كان أهول للكلام ، كقوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ ...) الآية ، وكقول القائل : لو رأيت عليا بصفين ، وكقولهم : لو ذات سوار لطمتني».

٢٩

ومن حال هذا الهلاك حسن هذا الكلام ، واستعمل ذكر الإرادة لهذا الوجه (١). وكلام العرب وحي وإشارات واستعارات ومجازات (٢) ولهذه الحال كان كلامهم في المرتبة العليا من الفصاحة ؛ فإنّ الكلام متى خلا من الاستعارة ، وجرى كلّه على الحقيقة كان بعيدا من الفصاحة ، بريّا من البلاغة ، وكلام الله تعالى أفصح الكلام.

والوجه الرابع : أن تحمل الآية على التّقديم والتأخير ؛ فيكون تلخيصها : إذا أمرنا مترفي قرية بالطاعة فعصوا واستحقّوا العقاب أردنا إهلاكهم ؛ والتقديم والتأخير في الشعر وكلام العرب كثير. ومما يمكن أن يكون شاهدا لصحّة هذا ؛ التأويل من القرآن قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ) (٣) ، والطهارة إنّما تجب قبل القيام إلى الصلاة ، وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ) (٤) ، وقيام الطائفة معه يجب أن يكون قبل إقامة الصلاة ، لأنّ إقامتها هي الإتيان بجميعها على الكمال.

فأما قراءة من قرأ الآية بالتشديد فقال : «أمرنا» (٥) ، وقراءة من قرأها بالمدّ والتخفيف فقال : «آمرنا» (٦) فلن يخرج معنى قراءتيهما عن الوجوه التي

__________________

(١) في حاشية بعض النسخ : «تصوير المجاز في الآية على أن التقدير : إذا قرب هلاك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا ؛ وكذلك قولهم : إذا أراد المريض ... وهذا كقوله تعالى : (فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَ) ؛ أي يقرب أن ينقض ؛ وإنّما كنى بالإرادة عن القرب في هذه المواضع لأن المريد للشيء ، المخلى بينه وبينه ـ ولا مانع هناك ـ ما أقرب ما يقع مراده ، والله أعلم».

(٢) حاشية بعض النسخ : الإرادة قد تستعمل في الجماد فضلا عن العقلاء ؛ كقوله تعالى : (فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَ) ؛ وكقول الراعي النميري :

في مهمة قلقت به هاماتها

قلق الفؤوس إذا أردن نصولا

(٣) سورة المائدة ، الآية : ٦.

(٤) سورة النساء ، الآية : ١٠٢.

(٥) هي قراءة شاذة ، عن أبي عثمان النهدي ، ولليث عن أبي عمرو ، وأبان عن عاصم. (وانظر القراءات الشاذة لابن خالويه ٧٥).

(٦) هي قراءة شاذة أيضا ، عن خارجة عن نافع (انظر المصدر السابق).

٣٠

ذكرناها (١) ؛ إلّا الوجه الأوّل ؛ فإنّ معناه لا يليق إلّا بأن يكون ما تضمّنته الآية هو الأمر الذي يستدعي به إلى الفعل (٢).

ـ (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً) [الإسراء : ٢٣]

أنظر البقرة : ٢٦ ، ٢٧ من الرسائل ، ٢ : ١٧٧ إلى ٢٤٧ والمقدّمة الثالثة ، الأمر السادس.

ـ (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً) [الإسراء : ٢٦].

قال القاضي : شبهة لهم أخرى ، واحد ما طعنوا به وعظموا القول فيه أمر فدك قالوا : قد روي عن أبي سعيد الخدري انه قال : لمّا نزلت «وآت ذا القربى حقّه» أعطى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة عليها‌السلام فدك» ثم قال : الجواب عن ذلك أن أكثر ما يروون في هذا الباب غير صحيح ، ولسنا ننكر صحّة ما روي من ادّعائها فدك ، فأمّا إنه كان في يدها فغير مسلّم ، بل لو كانت في يدها لكان الظاهر أنّه لها (٣).

[قال السيّد :] فأمّا إنكار صاحب الكتاب كون فدك في يدها عليها‌السلام فما رأيناه اعتمد في إنكار ذلك على حجّة ، بل قال : «لو كان ذلك في يدها لكان الظاهر أنّها لها» والأمر على ما قال ، فمن أين انّها لم تخرج عن يدها على وجه يقتضي الظاهر خلافه ، وقد روي من طرق مختلفة من غير طريق أبي سعيد الذي ذكره صاحب الكتاب انه لما نزل قوله تعالى : (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) دعا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة عليها‌السلام فأعطاها فدك ، وإذا كان ذلك مرويّا فلا معنى لدفعه بغير حجّة (٤).

__________________

(١) حاشية الأصل : «قوله أمرنا ، بالتشديد : كثرنا ، وآمرنا ، بالتخفيف : جعلناهم أمراء ؛ وإن شئت فالعكس من ذلك ، والصحيح العكس».

(٢) الأمالي ، ١ : ٢٩.

(٣) الشافي في الإمامة وإبطال حجج العامّة ، ٤ : ٩٠.

(٤) الشافي في الإمامة وإبطال حجج العامّة ، ٤ : ٩٨.

٣١

ـ (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً) [الإسراء : ٢٩]

أنظر المائدة : ٦٤ الأمر الأوّل من الأمالي ، ٢ : ٥.

ـ (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً) [الإسراء : ٣٤]

أنظر التكوير : ٨ ، ٩ من الأمالي ، ٢ : ٤٠.

ـ (وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً) [الإسراء : ٤٥]

أنظر الإسراء : ٤٧ من الأمالي ، ١ : ٥٤٢.

ـ (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً) [الإسراء : ٤٧].

[إن سأل سائل] فقال : لم وحّد «نجوى» وهو خبر عن جمع؟ وما معنى (مَسْحُوراً) وما جرت عادة مشركي العرب بوصف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك ، بل عادتهم جارية بقرفه بأنّه ساحر؟

الجواب : قلنا : أمّا قوله تعالى : (وَإِذْ هُمْ نَجْوى) فإنّ «نجوى» مصدر يوصف به الواحد والاثنان والجمع والمذكر والمؤنث ، وهو مقرّ على لفظه. ويجري ذلك مجرى قولهم : الرجال صوم ، والمناهل حمد ، يعني بصوم صائمون ، وبحمد محمودون.

وقد قال قوم : إنّ معناه : وإذ هم أصحاب نجوى ، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه ، ويقال : القوم نجيّ والقوم أنجية ، فمن وحّد بنى على مذهب المصدر ، ومن جمع جعله منقولا عن المصادر ، ملحقا برغيف وأرغفة ، وما أشبه ذلك.

وقد قال الشاعر :

٣٢

أتاني نجيّي بعد هدء ورقدة

ولم أك فيما قد بلوت بكاذب (١)

وأنشد الفراء في الجمع :

ظلّت نساؤهم والقوم انجية

يعدي إليها كما يعدى على الغنم (٢)

فأمّا قوله تعالى : (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً) ففيه وجوه :

أوّلها : أن يكون المراد : إن تتّبعون إلّا رجلا متغيّر العقل ؛ لأنّ المشركين كان من مذهبهم عيب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتضعيف أمره وتوهين رأيه ، وكانوا في وقت ينسبونه إلى أنّه ساحر ، وفي آخر يرمونه بالجنون ، وأنّه مسحور مغيّر العقل ، وربّما قذفوه بأنّه شاعر حوشيّ من ذلك كلّه. وقد جرت عادة الناس بأن يصفوا من يضيفونه إلى البله والغفلة وقلة التحصيل بأنّه محسور.

وثانيها : أن يريدوا بالمسحور المخدوع المعلّل ؛ لأنّ ذلك أحد ما يستعمل فيه هذه اللفظة ، قال امرؤ القيس :

أرانا موضعين لحتم غيب

ونسحر بالطّعام وبالشّراب (٣)

وقال أميّة بن أبي الصلت :

فإن تسألينا فيم نحن فإنّنا

عصافير من هذا الأنام المسحّر (٤)

وثالثها : أنّ السّحر في لغة العرب الرّئة وما تعلّق بها ، وفيه ثلاث لغات : سحر وسحر وسحر ، وقيل : السّحر ما لصق بالحلقوم والمريء من أعلى الجوف ؛ وقيل : إنّه الكبد ؛ فكأنّ المعنى على هذا : إن تتّبعون إلّا رجلا ذا سحر ؛ خلقه الله بشرا كخلقكم.

__________________

(١) الشاعر هو سواد بن قارب السدوسي ، صحابيّ ذكره ابن حجر في الاصابة ، وهذا البيت من جملة أبيات أنشدها عند الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ذكرت مع خبر له في مقدمة جمهرة الأشعار ٢٤ ـ ٢٦. والرواية هناك :

ولم يك فيما قد عهدت بكاذب

(٢) البيت في اللسان (نجا) ، ونسبه لسحيم ، ولم يذكر في ديوانه.

(٣) ديوانه : ١٣٢ ، موضعين : مسرعين ، والإيضاع : نوع من السير. والحتم : الإيجاب.

(٤) البيت في اللسان (سحر) ، ونسبه إلى لبيد ؛ وهو أيضا في ديوانه :

٣٣

ورابعها : أن يكون معنى مسحور أي ساحر ، وقد جاء لفظ مفعول بمعنى فاعل ؛ قال الله تعالى : (وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً) (١) ، أي ساترا ، والعرب تقول للمعسر : ملفج ، ومعناه ملفج ؛ لأنّ ماضيه ألفج ، فجاؤوا بلفظ المفعول وهو الفاعل ؛ ومن ذلك قولهم : فلان مشؤوم على فلان وميمون ؛ ويريدون شائم ويامن ؛ لأنّه من شأمهم ويمنهم.

ورأيت بعض العلماء يطعن على هذا الاستشهاد الأخير فيقول : العرب لا تعرف «فلان مشؤوم على فلان» ؛ وإنّما هذا من كلام أهل الأمصار ؛ وإنّما تسمّي العرب من لحقه الشؤم مشؤوما ؛ قال علقمة بن عبدة :

ومن تعرّض للغربان يزجرها

على سلامته لا بدّ مشؤوم (٢)

والوجوه الثلاثة الأول أوضح وأشبه (٣).

ـ (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً) [الإسراء : ٤٨].

إن سأل سائل فقال : بم تدفعون من خالفكم في الاستطاعة ، وزعم أن المكلّف يؤمر بما لا يقدر عليه ولا يستطيعه إذا تعلّق بقوله تعالى : (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً) فإنّ الظاهر من هذه الآية يوجب أنّهم غير مستطيعين للأمر الذي هم غير فاعلين له ، وأنّ القدرة مع الفعل. وإذا تعلّق بقوله تعالى : في قصة موسى عليه‌السلام : (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) (٤) ؛ وأنّه نفى أن يكون قادرا على الصبر في حال هو فيها غير صابر ؛ وهذا يوجب أنّ القدرة مع الفعل. وبقوله تعالى : (ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ) (٥).

الجواب : يقال له : أوّل ما نقوله : إنّ المخالف لنا في هذا الباب في الاستطاعة لا يصحّ له فيه التعلّق بالسمع ؛ لأنّ مذهبه لا يسلم معه صحّة السمع ،

__________________

(١) سورة الإسراء ، الآية : ٤٥.

(٢) ديوانه : ١٣١ ، المفضليات : ١٢٠ (طبعة المعارف).

(٣) الأمالي ، ١ : ٥٤٢.

(٤) سورة الكهف ، الآية : ٦٧.

(٥) سورة هود ، الآية : ٢٠.

٣٤

ولا يتمكّن مع المقام عليه من معرفة السمع بأدلّته ؛ وإنّما قلنا ذلك ؛ لأنّ من جوّز تكليف الله تعالى الكافر بالإيمان وهو لا يقدر عليه لا يمكنه العلم بنفي القبائح عن الله عزوجل ؛ وإذا لم يمكنه ذلك فلا بدّ من أن يلزمه تجويز القبائح في أفعاله تعالى وأخباره ؛ ولا يأمن أن يرسل كذّابا ، وأن يخبر هو بالكذب تعالى عن ذلك! فالسمع إن كان كلامه قدح في حجّته تجويز الكذب عليه ، وإن كان كلام رسوله قدح فيه ما يلزمه من تجويز تصديق الكذّاب ؛ وإنّما طرق ذلك تجويز بعض القبائح عليه.

وليس لهم أن يقولوا : إنّ أمره تعالى الكافر بالإيمان وإن لم يقدر عليه يحسن من حيث أتى الكافر فيه من قبل نفسه ؛ لأنّه تشاغل بالكفر فترك الإيمان. وإنّما كان يبطل تعلّقنا بالسمع لو أضفنا ذلك إليه على وجه يقبح ؛ وذلك لأنّ ما قالوه إذا لم يؤثّر في كون ما ذكرناه تكليفا لما لا يطاق لم يؤثر في نفي ما ألزمناه عنهم ؛ لأنّه يلزم على ذلك أن يفعل الكذب وسائر القبائح ، وتكون حسنة منه بأن يفعلها من وجه لا يقبح منه.

وليس قولهم : إنّا لم نضفه إليه من وجه يقبح بشيء يعتمد ؛ بل يجري مجرى قول من جوّز عليه تعالى أن يكذب ، ويكون الكذب منه تعالى حسنا ؛ ويدّعي مع ذلك صحّة معرفة السمع بأن يقول : إنّني لم أضف إليه تعالى قبيحا ، فيلزمني إفساد طريقة السمع ، فلمّا كان من ذكرناه لا عذر له في هذا الكلام لم يكن للمخالف في الاستطاعة عذر بمثله.

ونعود إلى تأويل الآية ؛ أمّا قوله تعالى : (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً) فليس فيه ذكر للشيء الذي لا يقدرون عليه ، وبيان له ، وإنّما يصحّ ما قالوه لو بيّن أنّهم لا يستطيعون سبيلا إلى أمر معيّن ؛ فأمّا إذا لم يكن ذلك كذلك فلا متعلّق لهم.

فإن قيل : فقد ذكر تعالى من قبل ضلالهم ؛ فيجب أن يكون المراد بقوله : (فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً) إلى مفارقة الضلال.

قلنا : إنّه تعالى كما ذكر الضلال فقد ذكر ضرب المثل ؛ فيجوز أن يريد أنّهم

٣٥

لا يستطيعون سبيلا إلى تحقيق ما ضربوه من الأمثال وذلك غير مقدور على الحقيقة ، ولا مستطاع.

والظاهر بهذا الوجه أولى ؛ لأنّه تعالى حكى أنّهم ضربوا له الأمثال ، وجعل ضلالهم وأنّهم لا يستطيعون السبيل متعلّقا بما تقدّم ذكره. وظاهر ذلك يوجب رجوع الأمرين جميعا إليه ، وأنّهم ضلّوا بضرب المثل ، وأنّهم لا يستطيعون سبيلا إلى تحقيق ما ضربوه من المثل ؛ على أنّه تعالى أخبر عنهم بأنّهم ضلّوا ، وظاهر ذلك الإخبار عن ماضي فعلهم.

فإن كان قوله تعالى : (فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً) يرجع إليه ، فيجب أن يدلّ على أنّهم لا يقدرون على ترك الماضي ؛ وهذا ممّا لا نخالف فيه [وليس فيه ما نأباه] من أنّهم لا يقدرون في المستقبل أو في الحال على مفارقة الضلال والخروج عنه بعد تركه.

وبعد ؛ فإذا لم يكن للآية ظاهر ، فلم صاروا بأن يحملوا نفي الاستطاعة على أمر كلّفوه أولى منا إذا حملنا ذلك على أمر لم يكلّفوه ، أو على أنّه أراد الاستثقال والخبر عن عظم المشقّة عليهم.

وقد جرت عادة أهل اللغة بأن يقولوا لمن يستثقل شيئا : إنّه لا يستطيعه ، ولا يقدر عليه ولا يتمكّن منه ؛ ألا ترى أنّهم يقولون : فلان لا يستطيع أن يكلّم فلانا ، ولا ينظر إليه ، وما أشبه ذلك ، وإنّما غرضهم الاستثقال وشدّة الكلفة والمشقّة.

فإن قيل : فإذا كان لا ظاهر للآية يشهد بمذهب المخالف ، فما المراد بها عندكم؟

قلنا : قد ذكر أبو عليّ أنّ المراد أنّهم لا يستطيعون إلى بيان تكذيبه سبيلا ، لأنّه ضربوا الأمثال ؛ ظنّا منهم بأنّ ذلك يبيّن كذبه ، فأخبر تعالى أنّ ذلك غير مستطاع ؛ لأنّه تكذيب صادق ، وإبطال حقّ ممّا لا يتعلّق به قدرة ، ولا تتناوله استطاعة.

٣٦

وقد ذكر أبو هاشم أنّ المراد بالآية أنّهم لأجل ضلالهم بضرب الأمثال وكفرهم لا يستطيعون سبيلا إلى الخير الذي هو النجاة من العقاب والوصول إلى الثواب.

وليس يمكن على هذا أن يقال : كيف لا يستطيعون سبيلا إلى الخير والهدى ، وهم عندكم قادرون على الإيمان والتوبة؟ ومتى فعلوا ذلك استحقّوا الثواب ؛ لأنّ المراد أنّهم مع التمسّك بالضلال والمقام على الكفر لا سبيل لهم إلى خير وهدى ؛ وإنّما يكون لهم سبيل إلى ذلك بأن يفارقوا ما هم عليه.

وقد يمكن أيضا في معنى الآية ما تقدّم ذكره من أنّ المراد بنفي الاستطاعة عنهم أنّهم مستثقلون للإيمان ؛ وقد يخبر عمّن استثقلّ شيئا بأنّه لا يستطيعه على ما تقدّم ذكره.

فأمّا قوله تعالى في قصة موسى عليه‌السلام : (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) فظاهره يقتضي أنّك لا تستطيع ذلك في المستقبل ؛ ولا يدلّ على أنّه غير مستطيع للصبر في الحال وأن يفعله في الثاني.

وقد يجوز أن يخرج في المستقبل من أن يستطيع ما هو في الحال مستطيع له ؛ غير أنّ الآية تقتضي خلاف ذلك ؛ لأنّه قد صبر على المسألة أوقاتا ؛ ولم يصبر عنها في جميع الأوقات ، فلم تنتف الاستطاعة للصبر عنه في جميع الأوقات المستقبلة.

على أنّ المراد بذلك واضح ، وأنّه خبّر عن استثقاله الصبر عن المسألة عمّا لا يعرف ولا يقف عليه ؛ لأنّ مثل ذلك يصعب على النفس ؛ ولهذا نجد أحدنا إذا وجد بين يديه ما ينكره ويستبعده تنازعه نفسه إلى المسألة عنه ، والبحث عن حقيقته ، ويثقل عليه الكفّ عن الفحص عن أمره ؛ فلمّا حدث من صاحب موسى عليه‌السلام ما يستنكر ظاهره استثقل الصبر عن المسألة عن ذلك.

ويشهد بهذا الوجه قوله تعالى : (وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً) (١) ؛ فبيّن

__________________

(١) سورة الكهف ، الآية : ٦٨.

٣٧

تعالى أنّ العلة في قلة صبره ما ذكرناه دون غيره ، ولو كان على ما ظنّوه لوجب أن يقول : وكيف تصبر وأنت غير مطيق للصبر!

فأمّا قوله تعالى : (ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ) فلا تعلّق لهم بظاهره ؛ لأنّ السمع ليس بمعنى فيكون مقدورا ، لأنّ الإدراك على المذهب الصحيح ليس بمعنى ، ولو ثبت أنّه معنى على ما يقوله أبو علي لكان أيضا غير مقدور للعبد من حيث يختصّ تعالى بالقدرة عليه.

هذا إن أريد بالسمع الإدراك ؛ وإن أريد به نفس الحاسّة فهي أيضا غير مقدورة للعباد ؛ لأنّ الجواهر وما تختصّ به الحواسّ من البنية والمعاني ليصحّ به الإدراك ممّا ينفرد به القديم تعالى في القدرة عليه. فالظاهر لا حجّة لهم فيه.

فإن قالوا : فلعلّ المراد بالسمع كونهم سامعين ؛ كأنّه تعالى نفى عنهم استطاعة أن يسمعوا.

قلنا : هذا خلاف الظاهر ؛ ولو ثبت أنّ المراد ذلك لحملنا نفي الاستطاعة ها هنا على ما تقدّم ذكره من الاستثقال وشدّة المشقّة ، كما يقول القائل : فلان لا يستطيع أن يراني ، ولا يقدر أن يكلّمني ، وما أشبه ذلك ، وهذا بيّن لمن تأمّله (١).

ـ (وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً) [الإسراء : ٤٩]

أنظر البقرة : ٧٢ ، ٧٣ من الأمالي ، ٢ : ١٩٢.

ـ (إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً) [الإسراء : ٥٣]

أنظر البقرة : ٢٦ ، ٢٧ من الرسائل ، ٢ : ١٧٧ إلى ٢٤٧.

ـ (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ) [الإسراء : ٥٩]

أنظر غافر : ٥١ من الرسائل ، ٣ : ٢٠٩.

ـ (قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً) [الإسراء : ٦٢]

أنظر البقرة : ٣٤ من الرسائل ، ٢ : ١٥٥.

__________________

(١) الأمالي ، ٢ : ١٤٢.

٣٨

ـ (وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ) [الإسراء : ٦٤].

من قولهم أجلب الرجل : إذا سمعت له صياحا وجلبة واستعانة ، يستصرخ بقوم ويستعين بهم على حرب (١).

ـ (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً) [الاسراء : ٧٠].

[استدلّ بهذه الآية على تفضيل الملائكة على الأنبياء عليهم‌السلام] ووجه الدلالة : أنّه تعالى خبّر بأنّه فضل بني آدم على كثير ممّن خلقه ، وظاهر هذا الكلام يقتضي أنّ في خلقه من لم يفضل بني آدم عليه ، وقد علمنا أنّ المخلوقات هم الإنس والجنّ والملائكة والبهائم والجمادات. ومعلوم أنّ بني آدم أفضل من الجن والبهائم والجمادات بلا شبهة ، فيجب أن يكون من يجب خروجه من الكلام ممّن لم يفضّل بني آدم عليهم هم الملائكة عليهم‌السلام وإلّا سقطت الفائدة.

على أنّ لفظة «من» لا تتوجه إلى البهائم والجمادات ، وإنّما تختصّ بمن يعقل ، فليس يدخل تحتها ممّن يجوز أن يفضل الادميون عليه إلّا الملائكة والجنّ وإذا علمنا أنّهم أفضل من الجنّ بقي الملائكة خارجين من الكلام ، وفي خروجهم دلالة على أنّهم أفضل.

ويقال له : لم زعمت أوّلا أن ظاهر الكلام يقتضي أنّ في المخلوقات من لم يفضل بني آدم عليه ، فعلى ذلك بنيت الكلام كلّه ، فانّه غير صحيح ولا يسلم.

فإن قال : إنّ لفظة «كثير» تقتضي ذلك.

قيل له : من أين قلت : إنّها تقتضي ما ادّعيته ، ويطالب بالدلالة ، فانّا لا نجدها.

ثم يقال له : قد جرت عادة الفصحاء من العرب بأن يستعملوا مثل هذه اللفظة من غير إرادة للتخصيص بل مع قصد الشمول والعموم ، فيقولون : «أعطيته

__________________

(١) الرسائل ، ٤ : ١٠٠.

٣٩

الكثير من مالي ، وأبحته المنيع من حريمي ، وبذلت له العريض من جاهي» ، وليس يريدون أنّني أعطيته شيئا من مالي وادّخرت عنه شيئا آخر منه ، ولا أبحته منيع حريمي ولم أبح ما ليس يمنعها ، ولا بذلت له عريض جاهي ومنعت ما ليس بعريض ، وإنّما المعزي بذلك والقصد : انّني أعطيته مالي ومن صفته أنه كثير ، وبذلت له جاهي ومن صفته أنه عريض.

وله نظائر في القرآن كثيرة ، وفي أشعار العرب ومحاوراتها ، وهو باب معروف لا يذهب على من أنس بمعرفة لحن كلامهم ، ونحن نذكر منه طرفا لأنّ استيعاب الجميع يطول :

فممّا يجري المجرى قوله تعالى : (اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها) (١) ولم يرد أنّ لها عمدا لا ترونها بل أراد نفي العمد على كلّ حال.

وقال تعالى : (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ) (٢).

ولم يرد أنّ لأحد برهانا في دعاء الله مع الله تعالى ، بل أراد أنّ من فعل ذلك فقد فعل ما لا برهان عليه.

وقوله تعالى : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍ) (٣) ولم يرد تعالى أنّ فيمن يقتل من الأنبياء من يقتل بحقّ ، بل المعنى ما ذكرناه وبيّناه.

ومثله قوله : (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً) (٤) ، ولم يرد النهي عن الثمن القليل دون الكثير ، بل نهى تعالى عن أخذ جميع الأثمان عنها والأبدال ، ووصف ما يؤخذ عنها بالقلة.

وقال سويد بن أبي كأهل :

من أناس ليس في أخلاقهم

عاجل الفحش ولا سوء الجزع (٥)

__________________

(١) سورة الرعد ، الآية : ٢.

(٢) سورة المؤمنون ، الآية : ١١٧.

(٣) سورة النساء ، الآية : ١٥٥.

(٤) سورة البقرة ، الآية : ٤١.

(٥) من قصيدة في المفضليات ص ١٩١ ـ ٢٠٢.

٤٠