تفسير الشريف المرتضى - ج ٣

تفسير الشريف المرتضى - ج ٣

المؤلف:


المحقق: لجنة من العلماء المحققين بإشراف السيّد مجتبى أحمد الموسوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: شركة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٠

سورة الحجرات

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) [الحجرات : ٢].

أنظر هود : ١١٤ من الذخيرة : ٣١١.

ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) [الحجرات : ٦].

[فيها أمران :]

[الأوّل : انّها نزلت في الوليد] والسبب في ذلك أنه كذب على بني المصطلق عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وادعى أنهم منعوه الصدقة (١).

[الثاني : انظر المقدّمة الخامسة ، الأمر التاسع].

ـ (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٩) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٠)) [الحجرات : ٩ ـ ١٠].

أنظر البقرة : ٨ من الذخيرة : ٥٣٦.

ـ (بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ ...) [الحجرات : ١١].

أنظر البقرة : ٨ من الذخيرة : ٥٣٦.

ـ (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) [الحجرات : ١٢]. أنظر المقدّمة الثالثة ، الأمر الرابع.

__________________

(١) الشافي في الإمامة وإبطال حجج العامّة ، ٤ : ٢٥٢.

٣٦١

سورة ق

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ـ (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [ق : ١٦].

أنظر الأنفال : ٢٤ من الأمالي ، ١ : ٤٩٦.

ـ (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) [ق : ٢٢]

أنظر الإسراء : ٧٢ من الأمالي ، ١ : ١١٦.

٣٦٢

سورة الذاريات

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ـ (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) [الذاريات : ١٠].

أنظر البقرة : ٢٦ ، ٢٧ من الرسائل ، ٢ : ١٧٧ إلى ٢٤٧.

ـ (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ (١٧) وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (١٨) وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (١٩)) [الذاريات : ١٧ ـ ١٩].

أنظر محمّد : ٣٦ من الانتصار : ٧٨.

ـ (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها) [الذاريات : ٢٩].

يقال : صكّ جبهته ، إذا لطمها بيده قال بشر بن أبي خازم يصف حمار وحش وأتانا :

فتصكّ محجره إذا ما سافها

وجبينه بحوافر لم تنكب

[و] سافها : أي شمّها (١).

ـ (فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٣٥) فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٦)) [الذاريات : ٣٥ ـ ٣٦]

أنظر البقرة : ٨ من الذخيرة : ٥٣٦.

ـ (وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ) [الذاريات : ٤١].

إن سأل سائل فقال : أليس قد أخبر الله تعالى أنّه أهلك عادا بالريح ، ثم قال في سورة حم السجدة : (فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) (٢).

__________________

(١) الأمالي ، ٢ : ١٤٥.

(٢) سورة فصلت ، الآية : ١٣.

٣٦٣

وقال عزوجل في قصة ثمود : (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) (١) فسمّى الصاعقة المذكورة في سورة «حم» رجفة ، ومعلوم أنّ الريح غير الصاعقة ، والصاعقة غير الرجفة.

الجواب :

أنّه غير ممتنع أن ينضمّ إلى الريح صاعقة في إهلاك قوم عاد ، فيسوغ أن يخبر في موضع أنّه أهلكهم بالريح ، وفي آخر أنّه أهلكهم بالصاعقة.

وقد يجوز أن يكون الريح نفسها هي الصاعقة ؛ لأنّ كلّ شىء صفق (٢) الناس منه فهو صاعقة.

وكذلك القول في الصاعقة والرجفة أنّه غير ممتنع أن يقترن بالصاعقة الرجفة ، فيخبر في موضع بأنّهم أهلكوا بالصاعقة وفي آخر بالرجفة.

وقد يمكن أن تكون الرجفة هي الصاعقة ؛ لأنّهم صعقوا عندها (٣).

ـ (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) [الذاريات : ٤٧].

أنظر المائدة : ٥٥ من الشافي ، ٢ : ٢١٧.

ـ (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات : ٥٦].

أنظر هود : ١١٨ ، ١١٩ من الأمالي ١ : ٩٤.

__________________

(١) سورة الأعراف ، الآيتان : ٧٨ و ٩١.

(٢) كذا والظاهر : صعق.

(٣) الرسائل ، ٣ : ٩٣.

٣٦٤

سورة الطّور

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ـ (وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (٤) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (٥)) [الطور : ٤ ـ ٥].

أنظر المؤمنون : ١٧ من الرسائل ، ٣ : ١٤٠.

ـ (سَحابٌ مَرْكُومٌ) [الطور : ٤٤].

أنظر النور : ٤٣ ، ٤٤ من الأمالي ، ٢ : ٢٦٠.

٣٦٥

سورة النّجم

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ـ (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى) [النجم : ٢٣].

أنظر البقرة : ٢٦ ، ٢٧ من الرسائل ، ٢ : ١٧٧ إلى ٢٤٧.

ـ (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى) [النجم : ٢٦].

أنظر غافر : ١٨ من الذخيرة : ٥٠٤.

ـ (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) [النجم : ٣٩].

[سئل :] من صفة نية النائب عن غيره في حجّ أو جهاد ، هل يعزم على أداء ذلك لوجوبه عليه أم لا على مشتبه ، فإن كان يفعل ذلك لوجوبه عليه ، فلوجه غير صحيح ؛ لأنّه لم يجب عليه شيء ، وإنّما هو ثابت في فعل واجب على غيره دونه.

ثمّ كيف يكون نائبا عن غيره بفعل واجب عليه في نفسه؟ فإن فعله لوجوبه على غيره ، فكيف يصح أن يعبد الله زيد عبادة واجبة جهة وجوبها مختصّ بعمرو؟ وكيف يبرأ ذمّة عمرو ممّا وجب عليه بفعل زيد؟ مع تقرّر الحكم العقلي خلافه وورود السمع بما يطابقه من قوله تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) (١) ، (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) (٢) وأمثال ذلك.

__________________

(١) سورة النجم ، الآية : ٣٩.

(٢) سورة الزلزلة ، الآية : ٧.

٣٦٦

الجواب :

إعلم أنّ النائب من غيره في الحجّ يجب أن يكون نيته من جهة إلى الوجه الذي قصده بالحجّة ، فإن حجّتها عمّن وجب عليه الحجّ ، فيجب أن يكون بنيّة منصرفة إلى هذا الوجه ، وكذلك إن كان تطوّعا عن غيره ، نوى بها التطوّع عن ذلك الغير. ولذلك يجب أن يسمّي من أحرم عنه في بيته.

وليست هذه الحجّة بواجبة على المسببّات ، حتى يقال : كيف يكون نائبا عن غيره بفعل واجب عليه في نفسه. اللهم إلّا أن يفرض أنّه ولي الميت وجب عليه الحجّ فلم يحجّ ؛ فإنّ الولي يجب عليه عندنا أن يحجّ عنه ، وينوي بهذه الحجّة ما كان واجبا على الميت ، فهذا الموضع الذي يتعيّن فيه النيابة يكون الحجّ واجبا على النائب ، وينوي بالحجّة إيقاعها عن الميت وإسقاط حقّ النيابة عن ذمّته ، فالواجب على زيد وإن لم يكن جهة (١) وجوبه لها تعلّق بعمرو.

فكأنّه قيل لهذا الولي : يجب عليك إذا مات موليك وله حجّة أن تحجّ أنت عنه ، فجهة الوجوب مختصّة بالنائب ، ولها تعلّق بالميّت من حيث كان تفريطه في الحجّ سببا لوجوب الحجّة الثابتة على وليّه.

فأمّا ثواب هذه الحجّة ، فإن كان الميت وصىّ بها وأمر بأن يحجّ عنه ، كان الثواب مقسما بينه وبين النائب ؛ وإن لم يكن كذلك ، فالثواب ينفرد به الفاعل فلم نخرج بهذا التفصيل من الحكم العقلي ، ولا من ظاهر قوله : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) (٢).

__________________

(١) كذا والظاهر «وان كان جهة».

(٢) الرسائل ، ٢ : ٣٥٩.

٣٦٧

سورة القمر

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ـ (يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ) [القمر : ٦].

أنظر التحريم : ٤ من الشافي ، ٢ : ٢٤٨.

ـ (تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ) [القمر : ١٤].

[أي] أنّها تجري ونحن نعلمها ، كما تقول العرب : «هذا الشيء بعيني» أي لا يخفي عليّ (١).

ـ (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) [القمر : ٤٧]

أنظر البقرة : ٢٦ ، ٢٧ من الرسائل ، ٢ : ١٧٧ إلى ٢٤٧.

ـ (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) [القمر : ٥٥].

يوصف بانه مقتدر ؛ لانّ ذلك مبالغة في وصفه بالقدرة (٢).

__________________

(١) الملخص ، ٢ : ٢٢٤.

(٢) الذخيرة : ٥٧٨.

٣٦٨

سورة الرّحمن

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ـ (الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢) خَلَقَ الْإِنْسانَ) [الرحمن : ١ ـ ٣].

[استدلّ القائلون بقدم كلامه تعالى بهذه الآية ، قالوا : فصل بين القرآن والإنسان ووصف الإنسان بانه مخلوق] وهو إنّما يقتضى أن القرآن غير مخلوق (١).

[يقال لهم :] ليس في وصف الإنسان بأنّه مخلوق ، نفي الخلق [عن] غيره ، إلّا من جهة دليل الخطاب المعلوم فساده وضعف التعلّق به.

وبعد ، فتعلّمه القرآن دليل على حدوثه ؛ لأنّ القديم لا يمكن تعلّمه ولا تعليمه (٢).

ـ (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) [الرحمن : ١٣].

أنظر الكافرون من الأمالي ، ١ : ١٣٨.

ـ (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) [الرحمن : ٢٢].

[المرجان : صغار اللؤلؤ ، وعليه يتأوّل الآية ؛ قال أبو حيّة النميري :

إذا هنّ ساقطن الأحاديث للفتى

سقوط حصى المرجان من كفّ ناظم

عنى بالمرجان صغار اللؤلؤ] (٣).

ـ (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (٢٦)) [الرحمن : ٢٦]

أنظر البقرة : ٣٦ من الأمالي ، ٢ : ١٣٥ والحديد : ٣ من الذخيرة : ١٤٥.

__________________

(١) الملخص ، ٢ : ٤٤٠.

(٢) الملخص ، ٢ : ٤٤١.

(٣) الأمالي ، ١ : ٤٩٠.

٣٦٩

ـ (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) [الرحمن : ٢٧].

المراد أنّه يبقى ربّك ، وقد يعبّر عن الذات بالوجه كقولهم : «فعلت هذا لوجهك» ، و «هذا وجه الصواب» (١).

[انظر أيضا القصص : ٨٨ من الأمالي ، ١ : ٥٥٤ والقيامة : ٢٢ ، ٢٣ من الملخص ، ٢ : ٢٥٧].

ـ (يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ) [الرحمن : ٣٥].

أنظر الكافرون من الأمالي ، ١ : ١٣٨.

ـ (هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (٤٣) يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (٤٤)) [الرحمن :

٤٣ ـ ٤٤]

أنظر الكافرون من الأمالي ، ١ : ١٣٨.

ـ (تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) [الرحمن : ٧٨].

أنظر القصص : ٨٨ من الأمالي ، ١ : ٥٥٤.

__________________

(١) الملخص ، ٢ : ٢٢٤.

٣٧٠

سورة الواقعة

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ـ (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (١١)) [الواقعة : ١٠ ، ١١].

أنظر النور : ٥٥ من الشافي ، ٤ : ٣٦ و ٤٥.

ـ (وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ) [الواقعة : ٢٠].

أنظر الحاقة : ٢٤ من الذخيرة : ٥٢٤.

ـ (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) [الواقعة : ٧٤].

وممّا ظنّ انفراد الإمامية به القول : بايجاب التسبيح في الركوع والسجود ... والذي يدلّ على وجوبه ـ بعد إجماع الطائفة ـ كلّ آية من القرآن اقتضت بظاهرها الأمر بالتسبيح ، وعموم الظاهر يقتضي دخول أحوال الركوع والسجود فيه ، ومن أخرج هذه الأحوال منه فيحتاج إلى دليل ، وأيضا فطريقة براءة الذمة التي تكرّر ذكرها.

ومخالفونا يروون عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه لمّا نزل (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اجعلوها في ركوعكم ، ولمّا نزل (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) (١) قال : اجعلوها في سجودكم (٢) وظاهر الأمر على الوجوب (٣).

__________________

(١) سورة الأعلى ، الآية : ١.

(٢) سنن ابن ماجة ، ١ : ٢٨٧.

(٣) الانتصار : ٤٥.

٣٧١

سورة الحديد

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ـ (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [الحديد : ٣].

[فيها أمران :

الأوّل :] ويوصف تعالى بانه «أوّل» ، وقد ورد الكتاب به ، فالفائدة أنه موجود قبل كلّ موجود (١).

[الثاني :] فصل في ذكر ما يدلّ على فناء الجواهر من جهة السمع.

آكد ما يدلّ على ذلك إجماع الأمّة على أنه تعالى يفني الجواهر ثمّ يعيد ، وأنه تعالى قادر على افناء الجواهر ، وهو معلوم ضرورة من حالهم.

ويدلّ على ذلك أيضا قوله تعالى : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ) وكونه أوّلا يقتضي أن يكون سابقا للموجودات كلّها ، وكونه آخرا يقتضي أن يكون آخرا للموجودات.

غير أن الدليل قد دلّ على أن الجنّة والنار دائمتان ، والثواب والعقاب لا ينقطعان ، فيجب أن يكون تعالى آخرا منفردا بالوجود قبل دخول الخلق الجنّة والنار ، وهذا يقتضي فناء الجواهر وسائر الموجودات.

وممّا يدلّ على ذلك قوله تعالى : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) (٢) وحقيقة الفناء هو العدم. وإذا كان فناء لبعض الجواهر يقتضي فناء الجميع على ما بينته ، علمنا أن جميع العالم وان لم يكن داخلا تحت قوله تعالى : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) لا بدّ أن يفنى.

__________________

(١) الذخيرة : ٥٧٧.

(٢) سورة الرحمن ، الآية : ٢٦.

٣٧٢

وليس لأحد أن يقول : إن الفناء هاهنا ليس هو العدم وإنّما هو التفريق وتشذّب الأجزاء ، كما قال الشاعر :

يا ابنى أميّة انّي عنكما غان

وما الغنا غير أنّي مرتعش فان

والجواب عن ذلك : ان إطلاق لفظ «الفناء» يقتضي العدم إنّما يستفاد به غيره في بعض الأماكن استعارة وتشبيها ، وإنّما أراد الشاعر أنني مقارب للفناء ومشرف عليه ، كما يقال في الشيخ الهرم : «إنه ميّت» ، وهذه عادة للعرب معروفة.

ويمكن أيضا أن يريد بقوله : «إنّني فاني القدرة والمنّة» وما أشبه ذلك ، فحذف للاختصار.

ولو لم يدلّ على أن المراد بالفناء في الآية العدم إلّا في قوله تعالى : (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ) لكفى وأغنى (١).

ـ (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [الحديد : ١٠].

أنظر النور : ٥٥ من الشافي ، ٤ : ٣٦ و ٤٥.

ـ (مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ) [الحديد : ١٥].

أنظر المائدة : ٦٧ من الشافي ، ٢ : ٢٥٨.

ـ (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ ...) [الحديد : ١٩].

أنظر النساء : ١١٥ من الشافي ، ١ : ٢١٦.

__________________

(١) الذخيرة : ١٤٥.

٣٧٣

سورة المجادلة

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ـ (وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [المجادلة : ٣].

[فيها أمور :]

[الأوّل : انظر البقرة : ٢٣ من الذخيرة : ٣٦٤].

[الثاني : قال الناصر رحمه‌الله :] «العود في الظّهار هو إرادة المماسّة».

ليس لأصحابنا نصّ صريح في تعيين ما به العود في الظهار ، والذي يقوي في نفسي أنّ العود هو إرادة استباحة ما حرّمه الظهار من الوطء ، وإذا كان الظهار اقتضى تحريما فأراد المظاهر دفعه فقد عاد.

وإلى هذا الذي ذكرناه ذهب أبو حنيفة وأصحابه (١) وبيّن أبو حنيفة عن حقيقة مذهبه بأن قال : إنّ كفارة الظهار لا تستقرّ في الذمّة بحال ، ولكن قيل للمظاهر : إذا أردت أن ترفع التحريم وتستبيح الوطء فكفّر ، وإن لم ترد أن تطأ فلا تكفّر ، فإن وطأ ثمّ لم يكفّر لم تلزمه الكفّارة ، ولكن يقال له عند الوطء الثاني مثل ذلك (٢) ، وجرى ذلك مجرى قولهم : إذا أردت أن تصلّي تطوّعا فتطهّر ، لانّ الطهارة شرط في صحّة الصلاة من غير أن تكون واجبة عليهم ، كذلك قيل : إذا أردت أن تستبيح الوطء الذي حرمته بالظهار فقدّم العتق ، ليس لأن العتق يجب في ذمّته ، استباح الوطء أو لم يستبحه.

وقال الشافعي : العود هو أن يمسكها زوجة بعد الظهار ، مع قدرته على الطلاق (٣).

__________________

(١ و ٢ و ٣) المجموع ، ١٧ : ٣٥٩.

٣٧٤

وذهب مالك ، وأحمد إلى أنّ العود هو العزم على الوطء (١).

وذهب الحسن ، وطاووس ، والزهري إلى أنّ العود هو الوطء (٢).

وذهب داود إلى : أنّ العود هو تكرار لفظ الظهار (٣).

وذهب مجاهد إلى أن الكفّارة تجب بمجرّد الظهار ، ولا يعتبر العود (٤).

والدليل على بطلان قول مجاهد : إنّ الله تعالى جعل العود شرطا في وجوب الكفّارة ، فقال تعالى : (وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) فشرط العود فمن أسقطه أسقط نصف الآية.

وأمّا الذي يبطل مذهب مالك وأحمد في أنّ العود هو العزم على الوطء : فهو أنّ موجب الظهار هو تحريم الوطء لا تحريم العزيمة ، فيجب أن يكون العود هو الاستباحة ، ولا يكون العود هو العزيمة ، على أنّ العزيمة لا تأثير لها في سائر الاصول ولا تتعلّق بها الأحكام ولا وجوب الكفّارات ، ولأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إنّ الله تعالى عفا لامّتي عمّا حدّثت به نفوسها ما لم يتكلّموا به ، أو يعملوا به» (٥).

وأمّا الذي يدلّ على فساد قول من ذهب إلى أنّ العود هو الوطء : فهو ظاهر الكتاب ، لأنّ الله تعالى قال : (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) فلو كان العود هو الوطء لما أمر بإخراج الكفّارة قبله.

فأمّا الذي يبطل مذهب الشافعي في أنّ العود هو إمساكها على النكاح : فهو أنّ الظهار لا يوجب تحريم العقد وترك الفرقة وإمساك المرأة ، فيكون العود هو إمساكها على النكاح ، لأنّ العود إنّما يقتضي الرجوع إلى أمر يخالف موجب الظهار ، فدّل ذلك على أنّ العود هو استباحة الوطء ورفع ما حرّمه الظهار منه.

وأيضا قوله تعالى : (ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا) ولفظ «ثمّ» يقتضي التراخي ، فمن

__________________

(١) المغني (لابن قدامة) ، ٨ : ٥٧٥.

(٢) نفس المصدر.

(٣) نفس المصدر : ٥٧٦.

(٤) حلية العلماء ، ٧ : ١٧٣.

(٥) أحكام القرآن (للجصّاص) ، ٥ : ٣٠٥.

٣٧٥

جعل العود هو البقاء على النكاح فقد جعله عائدا عقيب القول بلا تراخ ، وذلك بخلاف مقتضى الآية.

وأمّا الكلام على من ذهب إلى أنّ العود هو أن يعيد القول مرّتين فإجماع السلف والخلف قد تقدم على خلاف هذا القول ، ومن جدّد خلافا قد سبقه الإجماع لم يلتفت إلى خلافه.

فإن قال : إنّما قلت ذلك لأنّه تعالى قال : (ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا) ، فظاهر ذلك يقتضي العود في القول ، لا في معناه ومقتضاه.

قلنا : أمّا الظاهر فلا يدلّ على قول من ذهب إلى أنّ العود هو إعادة القول مرّتين ، لأنّه تعالى قال : (ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا) الظاهر يقتضي العود في نفس القول لا في مثله ، وإنّما يضمر من ذهب إلى هذا المذهب لفظة المثل ، وليست في الظاهر ، فقد عدل عن الظاهر لا محالة ، ومن حمله على ما ذكرناه فقد فعل الأولى ، لأنّ الظهار إذ اقتضى تحريم الوطء فمن آثر رفع هذا التحريم واستباحة الوطء فقد عاد فيما قاله ، لأنّه قال ما اقتضى تحريمه وعاد يرفع تحريمه ؛ فمعنى يعودون لما قالوا أي : يعودون للقول فيه كقوله عليه‌السلام : «العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه» وإنّما هو عائد في الموهوب لا الهبة.

وكقوله : «اللهم أنت رجاؤنا» أي مرجوّنا.

وقال تعالى : (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (١) يعني الموقن به.

وقال الشاعر :

وإنّي لأرجوكم على بطء سعيكم

كما في بطون الحاملات رجاء (٢)

يعني مرجوّا (٣).

[الثالث :] وممّا ظنّ إنفراد الإمامية به القول : بأنّ من ظاهر ، ثمّ جامع قبل

__________________

(١) سورة الحجر ، الآية : ٩٩.

(٢) أحكام القرآن (للجصّاص) ، ٥ : ٣٠٤.

(٣) الناصريات : ٣٥٦.

٣٧٦

أن يكفّر لزمته كفّارتان ، ووافق الإمامية في ذلك الزهري وقتادة (١) ، وخالف باقي الفقهاء في ذلك وأوجبوا كفارة واحدة (٢) ، دليلنا الاجماع المتردد وإعتبار اليقين ببرائة الذمة ؛ فانّ ذلك لا يحصل إلّا مع الكفارتين دون الواحدة ، فإن قيل : إذا كانت الكفارة إنّما تلزم بالعود وهو إمساكها زوجة ، والمقام على استباحة التمتّع بها دون الجماع بدلالة قوله تعالى : (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) فبالعود تلزم كفارة واحدة ، والجماع لا يوجب كفارة أخرى ، قلنا : الواجب بحكم الظهار إذا وقع العود ، الكفارة ، فإذا جامع قبل أن يكفّر ، لا يمتنع أن يلزمه كفارة أخرى عقوبة (٣).

ـ (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ...) [المجادلة : ٧].

أنظر التوبة : ٤٠ من الشافي ، ٤ : ٢٥.

ـ (إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ) [المجادلة : ١٠].

أنظر البقرة : ٢٦ ، ٢٧ من الرسائل ، ٢ : ١٧٧ إلى ٢٤٧.

__________________

(١) المحلّى ، ١٠ : ٥٥.

(٢) تحفة الفقهاء ، ١ : ٢١٥.

(٣) الانتصار : ١٤٢.

٣٧٧

سورة الحشر

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ـ (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ) [الحشر : ٢].

[استدلّ بهذه الآية بان السمع قد ورد بالتعبد بالقياس] قالوا : والاعتبار هو المقايسة ؛ لأنّ الميزان يسمّى معيارا من حيث يتبيّن به مساواة الشيء لغيره. وبما روي عن ابن عبّاس من قوله في الأسنان : «اعتبروا حالها بالأصابع الّتي ديتها متساوية».

وربّما استدلّوا بالآية على وجه آخر فقالوا : قد دلّ تعالى بهذه الآية على أنّ المشاركة في العلّة تقتضي المشاركة في الحكم ، وذلك انّه تعالى ذكر ما حلّ بهم ، ونبّه ، على علّته وسببه ، ثمّ أمر بالاعتبار ، وذلك تحذير من مشاركتهم في السبب ، فلو لم تكن المشاركة في السبب تقتضي المشاركة في الحكم ، ما كان للقول معنى (١).

[يقال لهم :] ما تنكرون أن يكون لفظ الاعتبار لا يستفاد منه الحكم بالقياس ، وإنّما يستفاد به الاتّعاظ والتدبّر والتفكّر ، وذلك هو المفهوم من ظاهره وإطلاقه ؛ لأنّه لا يقال لمن يستعمل القياس العقليّ : إنّه معتبر ، كما يقال فيمن يتفكّر في معاده ويتدبّر أمر منقلبه ويتّعظ بذلك : إنّه معتبر وكثير الاعتبار ، وقد يتقدّم بعض الناس في العلوم وإثبات الأحكام من طرق القياس ، ويقلّ تفكّره في

__________________

(١) الذريعة ، ٢ : ٧١٠.

٣٧٨

معاده وتدبّره ، فيقال : إنّه غير معتبر أو هو قليل الاعتبار. وقد يستوي في المعرفة بحال الشيء وإثبات حكمه نفسان ، فيوصف أحدهما بالاعتبار دون الآخر على المعنى الّذي ذكرناه. ولهذا يقولون عند الأمر العظيم : «إنّ في هذا لعبرة» وقال الله تعالى : (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً) (١) وما روي عن ابن عبّاس خبر واحد لا يثبت بمثله اللّغة.

ثمّ لو صحّ ، لكان محمولا على المجاز بشهادة الاستعمال الّذي ذكرناه.

على أنّا لو سلمنا جواز استعمال الاعتبار ، لم يكن في الآية دلالة إلّا على ما ذكر فيها من أمر الكفّار ، وظنّهم أنّ حصونهم تمنعهم من الله تعالى ووقوع ما وقع بهم. وكأنّه قال تعالى : (فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ) وليس يليق هذا الموضع بالقياس في الأحكام الشرعيّة ؛ لأنّه تعالى لو صرّح عقيب ما ذكره من حال الكفّار بأن قال : قيسوا في الأحكام الشرعيّة واجتهدوا ، لكان الكلام لغوا لا فائدة فيه ، ولا يليق بعضه ببعض ، فثبت أنّه أراد الاتّعاظ والتفكّر.

على أنّه يمكن أن يقال لهم : على تسليم تناول اللّفظ للقياس بإطلاقها ، ما تنكرون أنّا نستعمل موجب الآية بأن نقيس الفروع على الأصول في أنّنا لا نثبت لها الأحكام إلّا بالنصوص ؛ لأنّ هذا أيضا قياس ، فقد ساويناكم في التعلّق بالآية ، فمن أين لكم أنّ القياس الّذي تناولته الآية هو ما يذكرونه دون ما ذكرناه ، وكلاهما قياس على الحقيقة؟!.

وليس يمكنهم أن يقولوا : نجمع بين الأمرين ؛ لأنّهما يتنافيان ، والجمع بينهما لا يصحّ.

ولا لهم أيضا أن يقولوا : قولنا أرجح من حيث كان فيه إثبات الأحكام ، وقولكم فيه نفي لها ، وذلك لأنّ الترجيح بما ذكروه إنّما يصحّ متى ثبت كلا وجهي القياس ، فيصحّ الترجيح والتقوية ، فأمّا الخلاف فيهما هل يثبتان أو يثبت أحدهما؟ ؛ فلا طريق للترجيح.

__________________

(١) سورة النحل ، الآية : ٦٦.

٣٧٩

ويقال لهم في تعلّقهم بهذه الآية على الوجه الثاني : إذا كان تعالى قد نبّه على ما زعمتم بالآية على أن المشاركة في السبب والعلّة تقتضي المشاركة في الحكم ، فيجب أن يكون كلّ من فعل مثل فعل الّذين أخبر الله تعالى عنهم في الآية أن يحلّ به مثل ما حلّ بهم.

فإن قالوا : كذلك هو ، أريناهم بطلان قولهم ضرورة ، لوجودنا من يشارك المذكورين في المخالفة والمعصية وإن لم يصبه ما أصابهم (١).

ـ (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ...) [الحشر : ٧].

روى سليم بن قيس الهلالي قال : سمعت أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : «نحن والله الذين عنى الله بذي القربى الذين قرنهم الله بنفسه وبنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ) وكلّ هؤلاء منا خاصّة لم يجعل لنا سهما في الصّدقة أكرم الله تعالى بها نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأكرمنا أن يطعمنا أوساخ ما في أيدي الناس» (٢).

ـ (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (٨) وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٩)) [الحشر : ٨ ـ ٩].

[نقل القاضي استدلال واصل بن عطاء بهاتين الآيتين على بطلان طريقة الإمامية في سوء الثناء على بعض الصحابة.

قال السيّد :] فأول ما فيه أن أبا بكر يجب أن يخرج عن هذه الآية على أصول مخالفينا ؛ لأنّه على أصولهم كان غنيّا مؤسرا كثير المال ، واسع الحال ،

__________________

(١) الذريعة ، ٢ : ٧٨١.

(٢) الشافي في الإمامة وإبطال حجج العامّة ، ٤ : ١٨٧.

٣٨٠