تفسير الشريف المرتضى - ج ٣

تفسير الشريف المرتضى - ج ٣

المؤلف:


المحقق: لجنة من العلماء المحققين بإشراف السيّد مجتبى أحمد الموسوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: شركة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٠

أما قوله : وقرت في العظم ، أراد به : اتّخذت فيه وقرا ، أو وقيرة ، والوقر هي الحفيرة العظيمة تكون في الصّفا يستنقع فيها ماء المطر ، والوقب أيضا كذلك ، والوقيرة أيضا الحفيرة إلّا أنّها دون الأوليين في الكبر.

وكلّ هؤلاء الذين روينا أشعارهم نسبوا أفعال الله التي لا يشاركه فيها غيره إلى الدهر ، فحسن وجه التأويل الذي ذكرناه (١).

__________________

(١) الأمالي ، ١ : ٧٠.

٣٤١

سورة الأحقاف

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ـ (قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) [الأحقاف : ٩].

[إن سأل سائل فقال :] أليس قد وعد الله تعالى المؤمنين في عدّة مواضع من كتابه المجيد بالجنّة والخلود في النعيم ، فما معنى قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ).

[قلنا :] إنّه لا يجوز أن يريد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) الثواب أو العقاب ودخول الجنّة أو النار ؛ لأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عالم بأنّ الجنّة مأواه ، والثواب عاقبته ، ولا يجوز أن يشكّ في أنّه ليس من أهل النار ؛ وإن شكّ في ذلك من حال غيره ، والمراد بالآية : إنّي لا أدري ما يفعل بي ولا بكم ، من المنافع والمضارّ الدنيويّة ؛ كالصحّة والمرض والغنى والفقر والخصب والجدب ؛ وهذا المعنى صحيح واضح لا شبهة فيه.

ويجوز أيضا أن يريد أنّني لا أدري ما يحدثه الله تعالى من العبادات ، ويأمرني به وإيّاكم من الشرعيّات ، وما ينسخ من الشرائع وما يقرّ منها ويستدام ؛ لأنّ ذلك كلّه مغيّب عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ وهذا يليق بقوله في أوّل الآية : (قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ) ؛ وفي آخرها : (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) (١).

__________________

(١) الأمالي ، ٢ : ٣١٧ راجع أيضا الرسائل ، ٣ : ١٠٥ والمتن هناك مغلوط جدّا.

٣٤٢

سورة محمّد

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ـ (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) [محمّد : ٤].

أنظر الدخان : ٢٨ ، ٢٩ من الأمالي ، ١ : ٧٥.

ـ (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ (٤) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ (٥)) [محمد : ٤ ـ ٥].

أنظر الفاتحة من الرسائل ، ٣ : ٢٨٧ ، ٢٩٦ والبقرة : ٢٦ ، ٢٧ من الرسائل ، ٢ : ١٧٧ إلى ٢٤٧.

ـ (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا ...) [محمد : ١١].

أنظر المائدة : ٦٧ من الشافي ، ٢ : ٢٥٨.

ـ (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً) [محمّد : ١٧].

أنظر الفاتحة من الرسائل ، ٣ : ٢٨٧ ، ٢٩٦.

ـ (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ) [محمد : ٢٢]

أنظر التكوير : ٨ ، ٩ من الأمالي ، ٢ : ٢٤٠.

ـ (وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ) [محمد : ٣٠].

أنظر الحجر : ١٩ من الأمالي ، ١ : ٤٠ والتوبة : ٨٤ من الشافي ، ١ : ١٣٩ والنور : ٢ الأمر الرابع من الانتصار : ٢٤٢.

ـ (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ ...) [محمّد : ٣١].

أنظر طه : ٥ من الملخص ، ٢ : ٢١١.

٣٤٣

ـ (وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ) [محمّد : ٣٦].

[فيها بحثان :]

[الأوّل :] وممّا ظنّ انفراد الإمامية به القول : بأنّ الزكاة لا تجب إلّا في تسعة أصناف : الدنانير والدراهم والحنطة والشعير والتمر والزبيب والابل والبقر والغنم ، ولا زكاة فيما عدا ذلك. وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك (١) ، وحكى عن ابن أبي ليلى والثوري وابن حي أنه ليس في شيء من الزروع زكاة إلّا الحنطة والشعير والتمر والزبيب (٢) وهذه موافقة للامامية.

وأبو حنيفة وزفر يوجبان العشر في جميع ما أنبتت الأرض إلا الحطب والقصب والحشيش (٣). وأبو يوسف ومحمد يقولان لا يجب العشر إلا فيما له ثمرة باقية ولا شيء في الخضروات (٤).

وقال مالك : الحبوب كلها فيها الزكاة وفي الزيتون (٥). وقال الشافعي إنما تجب فيما ييبس ويقتات ويذخر مأكولا ، ولا شيء في الزيتون (٦).

والذي يدلّ على صحّة مذهبنا ـ مضافا إلى الإجماع ـ أنّ الأصل براءة الذمة من الزكوات وإنّما يرجع إلى الأدلة الشرعية في وجوب ما يجب منها ، ولا خلاف فيما أوجبت الإمامية الزكاة فيه وما عداه فلم يقم دليل قاطع على وجوب الزكاة فيه فهو باق على الأصل وهو قوله تعالى : (وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ) والمعنى أنّه لا يوجب حقوقا في أموالكم ؛ لأنّه تعالى لا يسئلنا أموالنا إلّا على هذا الوجه وهذا الظاهر يمنع من وجوب حقّ في الأموال فما أخرجناه منه فهو بالدليل القاطع وما عداه باق تحت الظاهر ، فإن تعلّقوا بقوله تعالى : (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) (٧) وأنّه عام في جميع الزروع وغيرها ممّا ذكره في الآية ، فالجواب عنه أنّا لا نسلم أنّ قوله تعالى : (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) يتناول العشر أو نصف العشر المأخوذ على سبيل الزكاة ، فمن ادّعى تناوله لذلك فعليه الدلالة.

وعند أصحابنا أنّ ذلك يتناول ما يعطي المسكين والفقير والمجتاز وقت

__________________

(١ و ٢) المغني (لابن قدامة) ، ٢ : ٥٤٩ ، ٥٥٠.

(٣ و ٤) المغني (لابن قدامة) ، ٢ : ٥٤٩ ، ٥٥٠.

(٥ و ٦) المغني (لابن قدامة) ، ٢ : ٥٤٩ ، ٥٥٠.

(٧) سورة الأنعام ، الآية : ١٤١.

٣٤٤

الحصاد من الحفنة والضّغث ، فقد رووا ذلك عن أئمتهم عليهم‌السلام فمنه ما روي عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى : (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) قال : ليس ذلك الزكاة ألا ترى أنّه تعالى قال : (وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) وهذه نكتة منه عليه‌السلام مليحة ؛ لأنّ النهي عن السرف لا يكون إلّا فيما ليس بمقدّر ، والزكاة مقدرة.

وروي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قيل له : يا ابن رسول الله وما حقّه؟ قال : تناول منه المسكين والسائل (١) ، والأحاديث بذلك كثيرة ، ويكفي احتمال اللفظ ، وإن كان يقوي هذا التأويل أنّ الآية يقتضي أن يكون العطاء في وقت الحصاد ، والعشر المفروض في الزكاة لا يكون في تلك الحال ؛ لأنّ العشر مكيل ولا يؤخذ إلّا من مكيل ، وفي وقت الحصاد لا يكون مكيلا ولا يمكن كيله ، وإنّما يكال بعد جفافه وتذريته وتصفيته ، فتعليق العطاء بتلك الحال لا يليق إلّا بما ذكرناه.

ويقوي أيضا هذا التأويل ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من النهي عن الحصاد والجذاذ بالليل (٢) ، فالجذاذ هو صرام النخل ، وإنّما نهى عليه‌السلام عن ذلك لما فيه من حرمان المساكين عمّا ينبذ إليهم من ذلك.

وما يقوله قوم في هذه الآية من أنّها مجملة فلا دليل لهم فيها ، ليس بصحيح ؛ لأنّ الاجمال هو مقدار الواجب لا الموجب فيه ، فإن قيل : قد سمّاه الله تعالى حقّا وذلك لا يليق إلّا بالواجب.

قلنا : قد يطلق إسم الحقّ على الواجب والمندوب إليه ، وقد روى جابر أنّ رجلا قال : يا رسول الله هل علي حقّ في إبلي سوى الزكاة؟ فقال عليه‌السلام : نعم تحمل عليها وتسقي من لبنها ، فان قالوا ظاهر قوله تعالى : (وَآتُوا حَقَّهُ) يقتضي الوجوب وما ذكرتموه ليس بواجب.

قلنا : إذا سلّمنا أنّ ظاهر الأمر في الشرع يقتضي الوجوب ، كان لنا طريقان من الكلام ، أحدهما : أن نقول : أنّ ترك ظاهر من الكلام ليسلم ظاهر آخر له

__________________

(١) الوسائل ، ٦ : ١٣٨ باب ١٤ من أبواب زكاة الغلّات.

(٢) سنن البيهقي ، ٤ : ١٣٣.

٣٤٥

كترك ذلك الظاهر ليسلم هذا ، وأنتم إذا حملتم الأمر على الوجوب هاهنا تركتم تعلق العطاء بوقت الحصاد ، ونحن إذا حملنا الأمر في الآية على الندب يسلم لنا ظاهر تعلّق العطاء بوقت الحصاد ، وليس أحد الأمرين إلّا كصاحبه وأنتم المستدلّون بالآية فخرجت من أن تكون دليلا لكم.

والطريق الآخر : انّا لو قلنا بوجوب هذا العطاء في وقت الحصاد وإن لم يكن مقدّرا بل موكولا إلى اختيار المعطى ، لم تكن بعيدا من الصواب.

فان تعلقوا بقوله تعالى : (أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) (١) فأنّ المراد بالنفقة هاهنا الصدقة بدلالة قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ) (٢) يعني لا يخرجون زكاتها.

فالجواب عن ذلك أنّ اسم النفقة لا يجري على الزكاة إلّا مجازا ، ولا يعقل من إطلاق لفظ الانفاق إلّا ما كان في المباحات وما جرى مجراها ، ثم لو سلمنا ظاهر العموم لجاز تخصيصه ببعض الأدلة التي ذكرناها.

فإن قيل : كيف تدّعون إجماع الإمامية وابن الجنيد يخالف في ذلك ويذهب إلى أنّ الزكاة واجبة في جميع الحبوب التي تخرجها الأرض ، وإن زادت على التسعة الأصناف التي ذكرتموها (٣) ؛ وروى في ذلك أخبارا كثيرة عن أئمتكم عليهم‌السلام وذكر أنّ يونس كان يذهب إلى ذلك.

قلنا : لا إعتبار بشذوذ ابن الجنيد ولا يونس وإن كان يوافقه ، والظاهر من مذهب الإمامية ما حكيناه (٤).

وقد تقدّم إجماع الإمامية وتأخر عن ابن الجنيد ويونس ، والأخبار التي تعلّق ابن الجنيد بها الواردة من طريق الشيعة الإمامية (٥) معارضة بأظهر وأكثر وأقوى

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية : ٢٦٧.

(٢) سورة التوبة ، الآية : ٣٤.

(٣) مختلف الشيعة : ٣ : ١٩٥.

(٤) وسائل الشيعة ، ٦ : ١٢٠ باب ١ من أبواب زكاة الغلّات.

(٥) لا يوجد كتابه لدينا.

٣٤٦

منها من رواياتهم المعروفة المشهورة ، ويمكن حملها بعد ذلك على أنّها خرجت مخرج التقية ، فانّ الأكثر من مخالفي الإمامية يذهبون إلى أنّ الزكاة واجبة في الأصناف كلّها ، وإنّما يوافق الإمامية منهم الشاذّ النادر ، ومما يقوي مذهبنا في هذه المسألة : أنّ الذرّة والعدس وكثيرا من الحبوب الخارجة من الحنطة والشعير والتمر كانت معروفة بالمدينة وأكنافها ، وما نقل أحد من أهل السير عن أحد ممّن بعثه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأخذ الصدقة أنّه أخذ في جملة ما أخذ عدسا ولا ذرّة ، كما رووا ، وعيّنوا الحنطة والشعير والتمر فدلّ ذلك على أنّه خارج عن أصناف ما يؤخذ منه الزكاة (١).

[الثاني :] وممّا ظنّ انفراد الإمامية به نفي الزكاة عن عروض التجارة ...

دليلنا على صحّة هذه المسألة كلّ شي ، دلّلنا به على أنّ الزكاة لا تجب فيما عدا الأصناف التسعة التي عيّناها ، وعروض التجارة خارجة عن تلك الأصناف فالطريقة تتناولها ، ويمكن أن يعارضوا بما رووه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قوله : ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة (٢).

وعموم هذا الخبر يقتضي نفي الصدقة عمّا هو معرض للتجارة وعمّا ليس بمعرض لها ؛ لأنّه عليه‌السلام لم يفصل بينهما ، وإذا ثبت نفي الصدقة عن العبد والفرس وإن كان للتجارة ثبت فيما عداهما من العروض ؛ لأنّ أحدا لم يفصّل بين الأمرين.

وأيضا ؛ فانّ أصول الشريعة تقتضي أنّ الزكاة إنّما تجب في الأعيان لا الأثمان ، وعروض التجارة عندهم إنّما تجب في أثمانها لا أعيانها ، وذلك مخالف لأصول الشريعة.

فان تعلّقوا بقوله تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً) وأنّ عموم الآية بقوله يتناول عروض التجارة.

فالجواب عن ذلك : أنّ أكثر ما في هذه الآية أن يكون لفظها عموما

__________________

(١) الانتصار : ٧٥.

(٢) صحيح البخاري ، ٢ : ١٤٩.

٣٤٧

والعموم معرض للتخصيص ، ونحن نخصّ هذا العموم ببعض ما تقدّم من أدلّتنا ، على أنّ مخالفينا لا بدّ لهم من ترك هذا الظاهر في عروض التجارة ؛ لأنّهم يضمرون في تناول هذا اللفظ لعروض التجارة أن يبلغ قيمتها نصاب الزكاة ، وهذا ترك للظاهر وخروج عنه ، ولا فرق بينهم فيه وبيننا إذا حملنا اللفظة في الآية على الأصناف التي أجمعنا على وجوب الزكاة فيها ، وإذا قمنا في ذلك مقامهم ـ وهم المستدلون بالآية ـ بطل استدلالهم.

وبمثل هذا الكلام نبطل تعلّقهم بقوله تعالى : (وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) (١).

ويمكن في هذه الآية أن يقال : إنّها خرجت مخرج المدح لهم بما فعلوه ، لا على سبيل إيجاب الحقّ في أموالهم ؛ لأنّه تعالى قال : (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ (١٧) وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (١٨) وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (١٩)) (٢) فأخرج الكلام كلّه مخرج المدح لهم بما فعلوه ، وليس في إيجاب الله تعالى في أموالهم حقا معلوما للسائل والمحروم مدحا لهم ولا ما يوجب الثناء عليهم ، فعلم أنّ المعنى ويعطون من أموالهم حقا معلوما للسائل والمحروم ، وما يفعلونه من ذلك ليس بلازم أن يكون واجبا بل قد يكون نفلا وتطوعا ، فقد يمدح الفاعل على ما يتطوّع به كما يمدح على فعل ما يجب عليه ، ولا تعلّق لهم بقوله تعالى : (وَآتُوا الزَّكاةَ) ؛ لأنّ اسم الزكاة إسم شرعي ونحن لا نسلّم أنّ في عروض التجارة زكاة فيتناولها الاسم ، فعلى من ادّعى ذلك أن يدلّ عليه. ولا تعلّق لهم بما روي عنه عليه‌السلام من قوله : حصّنوا أموالكم بالصدقة (٣) ، وأنّ لفظة الأموال يدخل تحتها عروض التجارة ، وذلك أنّه ليس في الظاهر إنّما يحصّن كلّ مال بصدقة منه ، وليس يمتنع أن تحصّن أموال التجارة وما لا يجب فيه الزكاة بالصدقة ممّا يجب فيه الزكاة (٤).

__________________

(١) سورة الذاريات ، الآية : ١٩.

(٢) سورة الذاريات ، الآيات : ١٧ ـ ١٩.

(٣) عوالي اللئالي ، ١ : ٣٥٣.

(٤) الانتصار : ٧٨ وراجع أيضا الناصريات : ٢٧٥.

٣٤٨

سورة الفتح

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ـ (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) [الفتح : ٢].

[فان قيل : ما معنى هذه الآية] أو ليس هذا صريحا في أنّ له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذنوبا وإن كانت مغفورة؟

الجواب : قلنا : أمّا من نفى عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صغائر الذنوب مضافا إلى كبائرها ، فله عن هذه الآية أجوبة نحن نذكرها ونبيّن صحيحها من سقيمها :

منها : أنّه تعالى أراد بإضافة الذنب إليه ذنب أبيه آدم عليه‌السلام. وحسنت هذه الإضافة لاتّصال القربى ، وعفوه لذلك من حيث أقسم آدم على الله تعالى به ، فأبرّ قسمه ، فهذا المتقدّم. والذنب المتأخّر هو ذنب شيعته وشيعة أخيه عليه‌السلام.

وهذا الجواب يعترضه أنّ صاحبه نفى عن نبيّ ذنبا وأضافه إلى آخر ، والسؤال عليه فيمن أضافه إليه كالسؤال فيمن نفاه عنه.

ويمكن إذا أردنا نصرة هذا الجواب أن نجعل الذنوب كلّها لأمّته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويكون ذكر التقدّم والتأخّر إنّما أراد به ما تقدّم زمانه وما تأخّر ، كما يقول القائل مؤكّدا : «قد غفرت لك ما قدّمت وما أخّرت وصفحت عن السالف والآنف من ذنوبك» ، ولإضافه ذنوب أمّته إليه وجه في الاستعمال معروف ؛ لأنّ القائل قد يقول لمن حضره من بني تميم أو غيرهم من القبائل : «أنتم فعلتم كذا وكذا وقتلتم فلانا» وإن كان الحاضرون ما شهدوا ذلك ولا فعلوه ؛ وحسنت الإضافة للاتّصال والتسبّب ولا سبب أوكد ممّا بين الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمّته فقد يجوز توسّعا وتجوّزا أن تضاف ذنوبهم إليه.

٣٤٩

ومنها : أنّه سمى ترك الندب ذنبا ، وحسن ذلك ؛ لأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ممّن لا يخالف الأوامر إلّا هذا الضرب من الخلاف ولعظم منزلته وقدره جاز أن يسمّي بالذنب منه ما إذا وقع من غيره لم يسمّ ذنبا.

وهذا الوجه يضعّفه ـ على بعد هذه التسمية ـ أنّه لا يكون معنى لقوله : «انّني أغفر ذنبك» ولا وجه في معنى الغفران يليق بالعدول عن الندب.

ومنها : أنّ القول خرج مخرج التعظيم ، وحسن الخطاب ، كما قلناه في قوله تعالى : (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) (١) ، وهذا ليس بشيء ؛ لأنّ العادة قد جرت فيما يخرج هذا المخرج من الألفاظ أن يجري مجرى الدعاء ، مثل قولهم : «غفر الله لك» ، «وليغفر الله لك» وما أشبه ذلك. ولفظ الآية بخلاف هذا ؛ لأنّ المغفرة جرت فيها مجرى الجزاء والغرض في الفتح.

وقد كنّا ذكرنا في هذه الآية وجها اخترناه وهو أشبه بالظاهر ممّا تقدّم ، وهو أن يكون المراد بقوله : (ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ) الذنوب إليك ؛ لأنّ الذنب مصدر والمصدر يجوز إضافته إلى الفاعل والمفعول معا ، ألا ترى أنّهم يقولون : «أعجبني ضرب زيد عمرا» إذا أضافوه إلى الفاعل ، «وأعجبني ضرب زيد عمرا» إذا أضافوه إلى المفعول؟ ومعنى المغفرة على هذا التأويل هي الإزالة والفسخ والنسخ لأحكام أعدائه من المشركين عليه ، وذنوبهم إليه في منعهم إياه عن مكّة وصدّهم له عن المسجد الحرام.

وهذا التأويل يطابق ظاهر الكلام حتى تكون المغفرة غرضا في الفتح ووجها له ، وإلّا فإذا أراد مغفرة ذنوبه لم يكن لقوله : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) معنى معقول ؛ لأنّ المغفرة للذنوب لا تعلّق لها بالفتح ، وليست غرضا فيه.

وأمّا قوله تعالى : (ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) ، فلا يمتنع أن يريد به ما تقدّم زمانه من فعلهم القبيح لك ولقومك وما تأخّر.

__________________

(١) سورة التوبة ، الآية : ٤٣ ، تقدّم تفسيره.

٣٥٠

وليس لأحد أن يقول : إنّ سورة الفتح نزلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين مكة والمدينة وقد انصرف من الحديبية ، وقال قوم من المفسّرين : إنّ الفتح أراد به فتح خيبر ؛ لأنّه كان تاليا لتلك الحال ، وقال آخرون : بل أراد به أنّا قضينا لك في الحديبية قضاء حسنا ، فكيف يقولون ما لم يقله أحد من أن المراد بالآية فتح مكة ، والسورة قد نزلت قبل ذلك بمدة طويلة؟ وذلك أنّ السورة وإن كانت نزلت في الوقت الّذي ذكر وهو قبل فتح مكّة ، فغير ممتنع ان يريد بقوله تعالى (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) فتح مكّة ، ويكون ذلك على طريق البشارة له والحكم بأنّه سيدخل مكة وينصره الله على أهلها ، ولهذا نظائر في القرآن ، والكلام كثير.

وممّا يقوي أنّ الفتح في السورة أراد به فتح مكّة قوله تعالى : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً) (١) فالفتح القريب ههنا هو فتح خيبر.

وأمّا حمل الفتح على القضاء الذي قضاه في الحديبية فهو خلاف الظاهر ومقتضى الآية ؛ لأنّ الفتح بالإطلاق الظاهر منه الظفر والنصر. ويشهد بأن المراد بالآية ما ذكرناه قوله تعالى : (وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً).

فإن قيل : ليس يعرف إضافة المصدر إلى المفعول إلّا إذا كان المصدر متعدّيا بنفسه ، مثل قولهم : «أعجبني ضرب زيد عمرا». وإضافة مصدر غير متعدّ إلى مفعوله غير معروفة.

قلنا : هذا تحكّم في اللسان وعلى أهله ؛ لأنّهم في كتب العربية كلّها أطلقوا أنّ المصدر يضاف إلى الفاعل والمفعول معا ، ولم يستثنوا متعدّيا من غيره ، ولو كان بينهما فرق لبيّنوه وفصّلوه كما فعلوا في غيره ، وليس قلّة الاستعمال معتبرة في هذا الباب ؛ لأنّ الكلام إذا كان له أصل في العربيّة استعمل عليه ، وإن كان قليل الاستعمال. وبعد ، فإنّ ذنبهم ههنا إليه إنّما هو صدّهم له عن المسجد الحرام ومنعهم إيّاه عن دخوله ، فمعنى الذنب متعدّ ، وإذا كان معنى المصدر

__________________

(١) سورة الفتح ، الآية : ٢٧.

٣٥١

متعدّيا جاز أن يجري [مجرى] ما يتعدّى بلفظه ، فإنّ من عادتهم ان يحملوا الكلام تارة على معناه وأخرى على لفظه ، ألا ترى إلى قول الشاعر :

جئني بمثل بني بدر لقومهم

أو مثل إخوة منظور بن سيّار

فأعمل الكلام على المعنى دون اللفظ ؛ لأنّه لو أعمله على اللفظ دون المعنى لقال : «أو مثل» : بالجرّ ، لكنّه لمّا كان معنى ، «جئني» : أحضر ، أو هات قوما مثلهم ، حسن أن يقول : «أو مثل» بالفتح ، وقال الشاعر :

درست وغيّر آيهنّ مع البلى

الّا رواكد جمرهنّ هباء

ومشجّج (١) أمّا سوار قذى له

فبدا وغيّب سارة المعزاء

فقال : «ومشجّج» بالرفع إعمالا للمعنى ؛ لأنّه لمّا كان معنى قوله : «الّا رواكد» : أنّهن باقيات ثابتات ، عطف على ذلك المشجّج بالرفع ، ولو أجرى الكلام على لفظه لنصب المعطوف به. وأمثلة هذا المعنى كثيرة. وفيما ذكرناه كفاية بمشيئة الله تعالى (٢).

ـ (إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٨) لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٩)) [الفتح : ٨ ، ٩].

أنظر الطلاق : ٢ الأمر الأول من الانتصار : ٣٤٣ والأعراف : ١٨٩ ، ١٩٠ من التنزيه : ٢٩ إلى ٣١.

ـ (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) [الفتح : ١٠].

أنظر ص : ٧٥ من الأمالي ، ١ : ٥٣٢.

ـ (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) [الفتح : ١١].

[قال القاضي : وقد ذكر شيخنا أبو عليّ من القرآن ما يدلّ على أن أبا بكر يصلح للإمامة وهو قوله : (سَيَقُولُ لَكَ) إلى آخر الآية] وقال : (فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ

__________________

(١) مشجج ـ وتد.

(٢) تنزيه الأنبياء والأئمّة : ١٦٢.

٣٥٢

إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ) (١) وقال : (سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ) (٢) يعني قوله : (لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا) (٣) ثم قال : (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً) (٤) فتبيّن أنّ الذي يدعو هؤلاء المخلّفين من الأعراب إلى قتال قوم أولي بأس شديد غير النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ لأنّه تعالى قد بيّن أنّهم لا يخرجون معه ، ولا يقاتلون معه عدوّا بآية متقدّمة ، ولم يدعهم بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى قتال الكفّار إلّا أبو بكر وعمر وعثمان ؛ لأنّ أهل التأويل لم يقولوا في هذه الآية غير وجهين من التأويل ، فقال بعضهم : عني بقوله : (سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) بني حنيفة ، وقال بعضهم : عني بذلك فارس والرّوم ، وأبو بكر هو الذي دعى إلى قتال بني حنيفة ، وقتال فارس والرّوم ، ودعاهم بعده إلى قتال فارس والروم عمر ، فإذا كان الله تعالى قد بيّن أنّهم بطاعتهم لهما يؤتيهم الله أجرا حسنا ، وإن تولّوا عن طاعتهما يعذّبهم الله عذابا أليما صحّ أنّهما على حقّ وأن طاعتهما طاعة الله ، وهذا يوجب صحّة إمامتهما وصلاحهما لذلك.

ثمّ قال : فإن قيل : إنّما أراد تعالى بذلك أهل الجمل وصفّين فذلك فاسد من وجهين :

أحدهما : قوله تعالى : (تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) والذين حاربوا أمير المؤمنين عليه‌السلام كانوا على الاسلام ، ولم يكونوا يقاتلون على الكفر [ولا كان هو يقاتلهم ليسلموا ، بل كان يقاتلهم ليردّهم إلى طاعته والدخول في بيعته ويردهم عن البغي] (٥).

__________________

(١) سورة التوبة ، الآية : ٨٣.

(٢) سورة الفتح ، الآية : ١٥.

(٣) سورة التوبة ، الآية : ٨٣.

(٤) سورة الفتح ، الآية : ١٦.

(٥) ما بين المعقوفتين من المغني.

٣٥٣

والوجه الثاني : أنا لا نعرف من الذين عناهم بذلك من بقي إلى أيام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، كما علمنا أنهم كانوا باقين إلى أيام أبي بكر [فوجب بهذا أنّ الذي دعوا هؤلاء المخالفين إلى قتال قوم أولي بأس شديد هم أبو بكر وعمر] (١).

يقال له : هذه الآية التي زعمت أن أبا علي اعتمدها ، واستدل بها ، فالغلط في تأويلها ظاهر ، وقد ضم إلى الغلط في التأويل أيضا الغلط في التاريخ. ونحن نبيّن ما في ذلك.

ولنا في الكلام على هذه الآية وجهان.

أحدهما : أن ننازع في اقتضائها داعيا يدعو هؤلاء المخلّفين غير النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونبيّن أنّ الداعي لهم فيما بعد كان الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

والوجه الآخر : أن نسلم أن الداعي غيره عليه‌السلام ، ونبيّن أنّه لم يكن أبو بكر وعمر على ما ظن أبو علي وأصحابه ، بل كان أمير المؤمنين.

فأما الوجه الأول ، فواضح ؛ لأنّ قوله تعالى : (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (١١) بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً (١٢)) (٢) إنّما أراد به الذين تخلّفوا عن الحديبيّة بشهادة جميع أهل النقل وإطباق المفسّرين (٣) ثم قال تعالى : (سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلاً) (٤) وإنّما التمس هؤلاء المخلّفون أن يخرجوا إلى غنيمة

__________________

(١) ما بين المعقوفتين من المغني.

(٢) سورة الفتح ، الآيتان : ١١ ، ١٢.

(٣) انظر تفسير الطبري وتفسير الرازي والكشّاف والتبيان ذيل الآية.

(٤) سورة الفتح ، الآية : ١٥.

٣٥٤

خيبر فمنعهم الله تعالى من ذلك وأمر نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأن يقول لهم : لن تتبعونا إلى هذه الغزوة ؛ لأنّ الله تعالى كان حكم من قبل بأن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية ، وأنه لا حظّ فيها لمن لم يشهدها ، وهذا هو معنى قوله تعالى : (يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ) وقوله : (كَذلِكُمْ قالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ) ثم قال تعالى : (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) (١).

وإنّما أراد أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيدعوكم فيما بعد إلى قتال قوم أولي بأس شديد ، وقد دعاهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد ذلك إلى غزوات كثيرة ، وقتال قوم أولي بأس شديد كمؤتة وحنين وتبوك وغيرها ، فمن أين يجب أن يكون الداعي لهؤلاء غير النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع ما ذكرناه من الحروب التي كانت بعد خيبر؟ وقوله : إنّ معنى قوله تعالى : (كَذلِكُمْ قالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ) إنّما أراد به ما بيّنه في قوله : (فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا) (٢) وهو الغلط الفاحش من طريق التاريخ والرواية التي وعدنا بالتنبيه عليها ؛ لأنّ هذه الآية في سورة التوبة ، وإنّما نزلت بتبوك سنة تسع وآية الفتح نزلت سنة ستّ ، فكيف يكون قبلها؟ وليس يجب أن يقال في القرآن بالآراء أو بما يحتمل من الوجوه في كلّ موضع دون الرجوع إلى تاريخ نزول الآية والأسباب التي وردت عليها وتعلّقت بها.

وممّا يبيّن لك أن هؤلاء المخلّفين غير أولئك لو لم يرجع في ذلك إلى نقل وتاريخ ، قوله في هؤلاء : (فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً) (٣) فلم يقطع فيهم على طاعة ولا معصية ، بل ذكر الوعد والوعيد على ما يفعلونه من طاعة أو معصية ، وحكم المذكورين في آية التوبة بخلاف هذا ؛ لأنّه

تعالى قال بعد قوله : (إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ (٨٣) وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا

__________________

(١) سورة الفتح ، الآية : ١٦.

(٢) سورة التوبة ، الآية : ٨٣.

(٣) سورة الفتح ، الآية : ١٦.

٣٥٥

بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ (٨٤) وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (٨٥)) (١) واختلاف أحكامهم وصفاتهم يدلّ على اختلافهم لو أن المذكورين في آية سورة الفتح غير المذكورين في آية التوبة.

فأمّا قوله : «لأنّ أهل التأويل لم يقولوا في هذه الآية غير وجهين من التأويل» ذكرهما فباطل ؛ لأنّ أهل التأويل قد ذكروا أشياء أخر لم يذكرها ؛ لأن ابن المسيّب (٢) روى عن الضحاك في قوله تعالى : (سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) (٣) الآية قال : هم ثقيف. وروى هيثم عن أبي بشير عن سعيد بن جبير قال : هم هوازن يوم حنين. وروى الواقدي عن معمر عن قتادة قال : هم هوازن وثقيف (٤) فكيف ذكر من قول أهل التأويل ما يوافقه مع اختلاف الرواية عنهم ، على أنا لا نرجع في كلّ ما يحتمله تأويل القرآن إلى أقوال المفسّرين ، فإنهم ربّما تركوا ما يحتمله القول وجها صحيحا ، وكم استخرج جماعة من أهل العدل في متشابه القرآن من الوجوه الصحيحة التي ظاهر التنزيل بها أشبه ، ولها أشدّ احتمالا ما لم يسبق إليه المفسّرون ولا دخل في جملة تفسيرهم وتأويلهم؟

فأما الوجه الآخر : الذي نسلم فيه أن الداعي لهؤلاء المخلّفين هو غير النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فنبيّن أيضا أنّه لا يمتنع أن يعني بهذا الدّاعي أمير المؤمنين عليه‌السلام ؛ لأنّه قد قاتل بعده أهل الجمل وصفين وأهل النهروان ، وبشره النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّه يقاتلهم ، وقد كانوا أولي بأس شديد بلا شبهة.

فأمّا تعلّق صاحب الكتاب بقوله : (أَوْ يُسْلِمُونَ) وإن الذين حاربهم أمير المؤمنين عليه‌السلام كانوا مسلمين ، فأوّل ما فيه أنّهم غير مسلمين عنده وعند أصحابه ؛ لأن الكبائر تخرج من الاسلام عندهم كما تخرج عن الإيمان ، إذ كان

__________________

(١) سورة التوبة ، الآيات : ٨٣ ـ ٨٥.

(٢) هو أبو عاصم الضحاك بن مخلد الشيباني من المفسّرين في القرن الثاني.

(٣) سورة الفتح ، الآية : ١٦.

(٤) انظر تفسير الطبري ، ٢٦ : ١٠٧ ، ١٠٨.

٣٥٦

الإيمان هو الإسلام على مذاهبهم (١) ، ثمّ مذهبنا نحن في محاربي أمير المؤمنين معروف ؛ لأنّهم عندنا كانوا كفارا بحربه بوجوه ونحن نذكر منها هاهنا طرفا ولاستقصائها موضع غيره :

منها : ان من حاربه كان مستحلّا لقتله مظهرا لأنّه في ارتكابه على حق ، ونحن نعلم أن من أظهر استحلال شرب جرعة خمر فهو كافر بالإجماع ، واستحلال دم المؤمن فضلا عن أكابرهم وأفاضلهم أعظم من شرب الخمر واستحلاله ، فيجب أن يكونوا من هذا الوجه كفارا.

ومنها : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال له عليه‌السلام بلا خلاف بين أهل النقل : «حربك يا عليّ حربي وسلمك سلمي» ونحن نعلم أنه لم يرد إلّا التشبيه بينهما في الأحكام. ومن أحكام محاربي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الكفر بلا خلاف.

ومنها : أنّه عليه‌السلام قال بلا خلاف أيضا : «اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله» وقد ثبت عندنا أن العداوة من الله لا تكون إلّا للكفّار الذين يعادونه دون فسّاق أهل الملّة.

فأمّا قوله : «إنّا لا نعلم بقاء هؤلاء المخلّفين إلى أيام أمير المؤمنين عليه‌السلام كما علمنا بقاءهم إلى أيام أبي بكر» فليس بشيء ؛ لأنّه إذا لم يكن معلوما ومقطوعا عليه ، فهو مجوّز غير معلوم خلافه والجواز كاف لنا في هذا الموضع ، ولو قيل له : من أين علمت بقاء المخلّفين المذكورين في الآية على سبيل القطع إلى أيّام أبي بكر لكان يفزع إلى أن يقول حكم الآية يقتضي بقاءهم حتّى يتمّ كونهم مدعوين إلى قتال أولي البأس الشديد على وجه يلزمهم فيه الطاعة ، وهذا بعينه يمكن أن يقال له ، ويعتمد في بقائهم إلى أيّام أمير المؤمنين عليه‌السلام على ما يوجبه حكم الآية.

فإن قيل : كيف يكون أهل الجمل وصفين كفّارا ولم يسر فيهم أمير المؤمنين عليه‌السلام بسيرة الكفار ؛ لأنّه ما سباهم ولا غنم أموالهم ولا اتبع مولّيهم.

__________________

(١) الضمير للمعتزلة والقاضي أحد أقطابهم وهم مجمعون على أن صاحب الكبيرة مخلد في النار ان لم يتداركها بالتوبة.

٣٥٧

قلنا : أحكام الكفر تختلف وإن شملهم اسم الكفر ؛ لأنّ فيهم من يقتل ولا يستبقى ، وفيهم من يؤخذ منه الجزية ولا يحلّ قتله إلا بسبب طار غير الكفر ، ومنهم من لا يجوز نكاحه بإجماع ، ومنهم من يجوز نكاحه على مذهب أكثر المسلمين ، فعلى هذا يجوز أن يكون هؤلاء القوم كفّارا وإن لم يسر فيهم بجميع سيرة أهل الكفر ؛ لأنّا قد بيّنّا أحكام الكفّار ، ونرجع في أن حكمهم مخالف لأحكام الكفّار إلى فعله عليه‌السلام وسيرته فيهم ، على انا لا نجد من الفسّاق من حكمه أن يقتل مقبلا ولا يقتل موليا ولا يجهز على جريحه إلى غير ذلك من الأحكام التي سير بها في أهل البصرة وصفين.

فإذا قيل في جواب ذلك : أحكام الفسق مختلفة ، وفعل أمير المؤمنين عليه‌السلام هو الحجّة في أن حكم أهل البصرة وصفين ما فعله.

قلنا : مثل ذلك حرفا بحرف ، ويمكن مع تسليم أن الداعي لهؤلاء المخلفين أبو بكر أن يقال : ليس في الآية دلالة على مدح الداعي ولا على إمامته ؛ لأنّه يجوز أن يدعو إلى الحقّ والصواب من ليس عليهما ، فيلزم ذلك الفعل من حيث كان واجبا في نفسه لا بدعاء الداعي إليه ، وأبو بكر إنّما دعى إلى دفع أهل الردّة إلى الاسلام (١) ، وهذا يجب على المسلمين بلا دعاء داع والطاعة فيه طاعة الله ، فمن أين أن الداعي كان على حقّ وصواب وليس في كون ما دعا إليه طاعة ما يدلّ على ذلك؟ ويمكن أيضا أن يكون قوله تعالى : (سَتُدْعَوْنَ) إنّما أراد به دعاء الله تعالى لهم بإيجاب القتال عليهم ؛ لأنّه إذا دلّهم على وجوب قتال المرتدين ودفعهم عن بيضة الإسلام فقد دعاهم إلى القتال ، ووجبت عليهم الطاعة ، ووجب لهم الثواب إن أطاعوا ، وهذا أيضا وجه تحتمله الآية (٢).

ـ (يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ) [الفتح : ١٥].

أنظر البقرة : ٢٦ ، ٢٧ من الرسائل ، ٢ : ١٧٧ إلى ٢٤٧.

__________________

(١) في نسخة «عن أهل الإسلام».

(٢) الشافي في الإمامة وإبطال حجج العامّه ، ٤ : ٣٦ وراجع أيضا الرسائل ، ٣ : ١٠٨.

٣٥٨

ـ (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) [الفتح : ١٨].

[نقل القاضي استدلال واصل بن عطاء بهذه الآية على بطلان طريقة الإمامية في سوء الثناء على بعض الصحابة.

قال السيّد :] فأوّل ما فيه انا لا نذهب أن الألف واللام للاستغراق لكلّ من يصلحان له ، بل الظاهر عندنا مشترك متردّد بين العموم والخصوص ، وإنّما يحمل على أحدهما بدلالة غير الظاهر.

وقد دلّلنا على ذلك في مواضع كثيرة ، وخاصة في كلامنا المنفرد للوعيد من جملة جواب مسائل أهل الموصل ، وإذا لم يكن الظاهر يستغرق جميع المبايعين تحت الشجرة فلا حجّة لهم في الآية ، على أنّا لو سلّمنا ما يقترحونه من استغراق الألف واللّام لم يكن في الآية أيضا دلالة على ما ادّعوه ؛ لأنّ الله تعالى علّق الرضى في الآية بالمؤمنين ثم قال : «إذ يبايعونك تحت الشجرة» فجعل البيعة حالا للمؤمنين أو تعليلا لوجه الرضى عنهم ، وأي الأمرين كان فلا بدّ فيمن وقع الرضى عنه من أمرين :

أحدهما : أن يكون مؤمنا ، والآخر : أن يكون مبايعا. ونحن نقطع على أن الرضا متعلّق بمن جمع الأمرين ، فمن أين أن كل من بايع تحت الشجرة كان جامعا لهما ؛ فإن الظاهر لا يفيد ذلك ، على أنه تعالى قد وصف من رضي عنه ممن بايع تحت الشجرة بأوصاف قد علمنا أنّها لم تحصل لجميع المبايعين ، فيجب أن يختص الرضا بمن اختص بتلك الأوصاف ؛ لأنّه تعالى قال : (فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) [الفتح : ١٨] ولا خلاف بين أهل النقل في أن الفتح الذي كان بعد بيعة الرضوان بلا فصل هو فتح خيبر ، وأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث أبا بكر وعمر فرجع كلّ واحد منهما منهزما ناكصا على عقبيه فغضب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : «لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبّ الله تعالى ورسوله ويحبّه الله ورسوله كرّارا غير فرّار لا يرجع حتى يفتح الله عليه» فدعا أمير

٣٥٩

المؤمنين عليه‌السلام وكان أرمد ، فتفل في عينه فزال ما كان يتشكّاه وأعطاه الراية ، فمضى متوجّها وكان الفتح على يديه ، فيجب أن يكون هو المخصوص بحكم الآية ومن كان معه في ذلك الفتح من أهل البيعة تحت الشجرة لتكامل الشرائط فيهم. ويجب أن يخرج عنها من لم يجتمع له الشرائط ، وليس لأحد أن يقول : إن الفتح كان لجميع المسلمين ، وإن تولاه بعضهم. وجرى على يديه فيجب أن يكون جميع أهل بيعة الرضوان ممّن رزق الفتح وأثيب به ، وهذا يقتضي شمول الرضا للجميع ، وذلك لأن هذا عدول عن الظاهر ؛ لأن من تولّي الشيء بنفسه هو الذي يضاف إليه على سبيل الحقيقة ، ويقال إنه أثيب به ، ورزق إيّاه ، وإن جاز أن يوصف بذلك غيره ممن يلحقه حكمه على سبيل التجوّز ، لجاز أن يوصف من كان بخراسان من المسلمين بأنّه هازم جنود الروم ، ووالج حصونهم ، وإن وصفنا بذلك من يتولّاه ويجري على يديه (١).

ـ (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ...) [الفتح : ٢٦]

أنظر البقرة : ٢٦ ، ٢٧ من الرسائل ، ٢ : ١٧٧ إلى ٢٤٧ والتوبة : ٤٠ من الشافي ، ٤ : ٢٥.

ـ (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) [الفتح : ٢٩].

أنظر ص : ٣٤ من التنزيه : ١٣٦ والنور : ٥٥ من الشافي ، ٣٦ : ٤ و ٤٥.

__________________

(١) الشافي في الإمامة وإبطال حجج العامة ، ٤ : ١٧.

٣٦٠