تفسير الشريف المرتضى - ج ٣

تفسير الشريف المرتضى - ج ٣

المؤلف:


المحقق: لجنة من العلماء المحققين بإشراف السيّد مجتبى أحمد الموسوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: شركة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٠

سورة يس

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ـ (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ) [يس : ٦].

[إن سأل سائل و] قال : إذا كانت آباؤهم لم ينذروا فبأيّ شيء يحتجّ عليهم! وكيف يعاقبهم على عبادة الأصنام قال تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (١)! وكيف يصحّ أن تخلو أمة من الأمم من نذير ، مع قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) (٢) ؛ وقوله تعالى : (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ) (٣) وقد علم أنّهم كانوا أمما لا يحصيها كثرة غيره تعالى ، وقرى كثيرة ؛ فكيف هذا! وأيّ شيء المراد به ومعلوم أنّ كلامه تعالى لا يتناقض!.

قال : فإن قال : إنّ «ما» التي في الأمّة المتقدّمة ليست للنفي بل هي للإثبات ، والمعنى فيها : مثل ما أنذر آباؤهم ، أو بمعنى الذي أنذر آباؤهم ، أو زائدة ؛ لأنّ الكلام يتمّ من دونها ؛ لتنذر قوما آباؤهم.

قال : والجواب عن ذلك أنّ هذا تأويل يفسد ، من قبل أنّ المعلوم الذي لا شكّ فيه ولا إشكال أنّ الله تعالى لم يبعث نبيّا بعد عيسى عليه‌السلام إلّا المبعوث على فترة من الرسل «صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» ؛ لأجل ذلك وصفهم بالغفلة لمّا لم ينذر آباؤهم ؛ فثبت بهذا أن «ما» التي في الآية المتقدمة للنفي دون الإثبات ، وأنّ الأخذ بالمعلوم أولى من المظنون.

قال : فإن قيل : إنّ عيسى عليه‌السلام قد كان بعث إليهم ، وشاعت شريعته فيهم ، وانتشرت كلمته ، وسار الحواريون بدعوته شرقا وغربا ، سهلا وجبلا.

__________________

(١) سورة الإسراء ، الآية : ١٥.

(٢) سورة فاطر ، الآية : ٢٤.

(٣) سورة الشعراء ، الآية : ٢٠٨.

٢٤١

قال : فالجواب عن ذلك إذا سلّمنا أنّ عيسى عليه‌السلام بعث إليهم فإنّ الفترة إنّما كانت بينه وبين محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّ الحواريين لم يمكثوا بعده إلّا قليلا ، وأنّ الآباء المذكورين بأنّهم لم ينذروا هم الأدنون دون الأبعدين.

ولقائل أن يقول : إن عيسى عليه‌السلام لم يبعث إلّا إلى بني إسرائيل خاصة دون العرب ؛ وبذلك نطق القرآن. وله أن يقول : إنّ الآباء الأبعدين والأدنين في الآية سواء. والذى يؤيّد ذلك قوله تعالى : (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ) (١) ؛ الآية إلى آخرها ، وقد صحّ بالجملة والتفصيل أنّ الآباء لم ينذروا ، وأنّ «ما» للنفي في موضعها من الآية دون الإثبات ؛ فكيف القول في الحجّة عليهم؟ ولا يحتجّ محتج بأنّ العقل هو الحجّة عليهم دون الإنذار والرسل ؛ لأنّ العقل حجّة على من أنذر وعلى من لم ينذر ؛ وعليه معوّل الفلاسفة في الاستغناء عن الرسل والأنبياء عليهم‌السلام.

قلنا : الجواب عن ذلك. أنّه غير ممتنع عندنا أن يخلو الزمان الطويل والقصير من رسول مبعوث بشريعة ؛ وإن كان لا يخلو من إمام ؛ ولهذا يقول أصحابنا ؛ إنّ الإمامة واجبة في كلّ زمان ؛ وليست كذلك النبوّة.

والوجه فيه أنّ إرسال الرسول تابع لما يعلمه الله من المصالح للمكلّفين في الشرائع والعبادات ؛ وغير بعيد في العقل أن يعلم تعالى أنّه لا شيء من الشرائع فيه مصلحة للمكلّفين ؛ فلا تجب الرّسالة بل لا تحسن. فأمّا قوله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) ، وقوله : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) وقوله : (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ) ؛ فيجوز أن يكون مخصوصا غير عامّ ؛ ويعنى به من الشرائع والعبادات من ألطافه ؛ فإن دلّ دليل قاطع على عموم هذه الظواهر قطعنا لأجله على أنّ الشرائع من ألطاف المكلّفين ؛ وإن كان جائزا في العقل ألّا يكون الأمر على ذلك.

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية : ١٩.

٢٤٢

وقد اختلف أهل التأويل في تأويل هذه الآية ، فقال جماعة : إنّ لفظة «ما» هاهنا للنفي ، والمراد أنّ آباؤهم ما أنذروا ، لأنّ المصلحة لم تقتض بعثة رسول إليهم ؛ وليس من المعلوم لنا أنّ عيسى عليه‌السلام كان الحجّة على كلّ مكلّف كان بين زمانه وبين زمان نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ويقوّي هذا الجواب إثبات الفترة وأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث على فترة من الرسل.

وذهب قوم من أهل التأويل إلى أنّ «ما» في الآية ليست للنفي بل للإثبات ؛ والمراد : لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم ؛ وهذا أيضا جائز.

ويقوّي هذا الجواب ويضعف الأوّل أنّ قوله تعالى : (فَهُمْ غافِلُونَ) يقتضي الذمّ لهم بالغفلة ؛ وذلك يقتضي أنّهم أنذروا فغفلوا وأعرضوا. ولا يذمّ بالغفلة من لا سبيل له إلى العلم والتبيّن.

وفي الناس من حمل قوله تعالى : (ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ) على النفي ، والمراد أنّه لم ينذرهم من هو منهم وعلى نسبهم ومن أنفسهم ؛ كما قال تعالى : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) (١) فيكون تلخيص الكلام : لتنذر قوما أنت منهم ما أنذر آباؤهم من هو منهم ؛ أي من قومهم ومن أنفسهم.

ويمكن في لفظة «ما» وجه آخر وهو أن يراد بها التنكير ؛ كأنّه قال : (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما) وتقف ، ثمّ تبتدىء فتقول : (أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ) ؛ كما يقول القائل : أكلت طعاما مّا ، ولقيت جماعة مّا ، ويكون الغرض التنكير والإجمال ؛ وليست لفظة «ما» هاهنا زائدة ؛ لأنّ حدّ الزائد أن يكون دخوله في عدم الفائدة كخروجه ؛ وهي هاهنا مفيدة على ما بيّناه (٢).

ـ (إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ) [يس : ١١].

أنظر البقرة : ٢ من الرسائل ، ٤ : ٢٢٧.

ـ (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٠)

__________________

(١) سورة التوبة ، الآية : ١٢٨.

(٢) الأمالي ، ٢ : ٢٧١.

٢٤٣

وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (٦٢)) [يس : ٦٠ ـ ٦٢].

أنظر البقرة : ٢٦ ، ٢٧ من الرسائل ، ٢ : ١٧٧ إلى ٢٤٧.

ـ (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) [يس : ٧٧]

أنظر الشعراء : ٣٢ من الأمالي ، ١ : ٥٢.

ـ (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس : ٨٢].

[إن سأل سائل فقال :] لو كان القرآن محدثا ، لكان لفظة «كن» محدثة ، وكونه كذلك يقتضي على ما خبّر أن يحدثهما بلفظة «كن» أخرى ، ويؤدّي إلى ما لا نهاية له من الألفاظ ، ولا ينجّى من ذلك في هذه اللفظه بل يجب في ما عداها من ألفاظ القرآن ؛ لأنّ التفرقة بين الأمرين غير ممكنة (١).

قلنا : معنى قوله : (أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) أوضع من أن يخفى على من له أدنى معرفة باللغة العربية ؛ لأنّ ذلك إنّما هو كناية عن تكوينه الأشياء بغير معاناة ولا تعب ، وأنّ الذي يريد أن يفعله يتعجّل ولا يتعذّر ، ولهذا يقولون فيمن يتأتّى مراداته من غير إبطاء : «فلان يقول للشيء : كن فيكون» ، وإذا أراد أحدهم أن يخبر عن دخول المشقّة عليه في الأفعال قال : «لست ممّن يقول للشيء : كن فيكون» ، وعلى هذا يقولون : «ما كان إلّا كلا ولا حتى جرى كذا وكذا» إنّما يعنون السرعة لا غير ، ويقول أحدهم : «قلت برأسي كذا» و «قال الفرس فركض» و «قالت السماء فهطلت» ولا قول هناك يخبرون به ، وإنّما أرادوا المذهب الذي ذكرناه وقال الله تعالى مخبرا عن السماء والأرض : (قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) (٢) وإنّما أرادوا سرعة التأتّي.

وقال أبو النجم (٣) :

قد قالت الأنساع (٤) للبطن الحق

قدما ، وفآضت كالفتيق لمحنق

__________________

(١) الملخص ، ٢ : ٤٢٩.

(٢) سورة فصّلت ، الآية : ١١.

(٣) لسان العرب مادّة (حنق) ونسبه إلى أبي الهيثم.

(٤) في الأصل : «العينان».

٢٤٤

ولا قول هناك يخبر عنه ، وإنّما أراد أنّ البطن لحق بالظهر.

وممّا استشهد به على أنّ العرب تذكر القول ولا تريد به النطق المعقول ـ وإن كان غير مشتبه كما تأوّلنا عليه الآية في معناه ـ قول الشاعر :

امتلأ الحوض وقال قطني

[مهلا رويدا قد ملأت بطني]

وقال الآخر :

وقالت العينان سمعا وطاعة

وحدّرتا كالدرّ لما ...

وليس لأحد أن يقول : هذا كلّه تجوّز من القوم وتوسّع ، والآية على ظاهرها ؛ لأنّ القول وإن كان في لغتهم عبارة عن الكلام المعقول ، فإنّهم إذا استعملوه في مثل هذا الموضع كان حقيقة في المعنى الذي ذكرناه ، ولم يكن مجازا بل خلفا من الكلام لو أريد به القول الذي هو الكلام ، ألا ترى أنّ الأسبق إلى فهم من خاطبوه بما حكيناه عن قولهم : «فلان يقول للشيء : كن فيكون» و «قلت فدخلت» وما أشبه ذلك ، ما ذكرناه من المعنى دون غيره ، والأسبق إلى الفهم هو الحقيقة وقد بيّن من سبق إلى الكلام على هذه الشبهة ، أنّ الآية دالّة على حدوث الكلام من وجوه :

منها : إنّه تعالى علّق القول بالإرادة ، وأدخل على كونه مريدا لفظة «إذ» وهي للاستقبال لا محالة ، وإذا كانت الإرادة مستقبلة ، فما علّقه بها يجب أن يكون مستقبلا ، وكلّ مستقبل محدث غير قديم.

ومنها : إنّه تعالى أدخل على القول لفظة «أن» الدالّة على الاستقبال ، وهذا يقتضي حدوث القول.

ومنها : إنّ لفظة «يقول» من غير دخول «أن» عليها ، يقتضي على موجب اللسان الاستقبال أو الحال ، وكلا الأمرين يوجب حدوث القول ؛ لأنّ القديم سابق لكلّ حال.

ومنها : إنّه علّق وجود المكوّنات بوجود لفظة «كن» على وجه يقتضي نفي التراخي وثبوت التعقيب ، فقال : (أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) والفاء عندهم

٢٤٥

للتعقيب ، وهذا يقتضي حدوث القول بحدوث ما يتعقّبه ؛ ولأنّ القديم يجب أن يكون سابقا للحوادث بما يتقدّر بقدر ما لا يتناهى عن الأوقات.

وممّا قيل لهم على هذه الشبهة : إنّ الذّاوات المحدثات لو كانت موجبة عن لفظة «كن» ، لوجب قدم جميع الحوادث ؛ لأنّ الموجب إذا صحّ اجتماعه من الموجب ، وجد معه ولم يتراخى عنه ، وإنّما تراخي العلم عن النظر لاستحالة وجوده معه ، وكذلك ما يولّده الاعتماد إنّما يتراخى عنه ؛ لأنّ من شرط أن يولّده في جهته وجهة ما يلي المحاذاة التي هو فيها ، فلا يجوز على هذا أن يولّد الكون لمحلّه في مكانه ؛ لأنّه يقتضي أن يكون ولّد لا في جهته ، ولا يجوز أن يولّد الكون له في المكان الثاني في حال وجوده ؛ لأنّه يقتضي كون الجسم في المكانين في وقت واحد.

وهذا كلّه مرتفع في إيجاب «كن» للمحدثات ، لجواز اجتماعهما مع ما يوجبه ، ألزموهم حاجة القديم تعالى في الإيجاد إلى هذه اللفظة ، وأن نكون نحن أيضا فيما نوجده نحتاج إليها ؛ لأنّ ما يحتاج هو تعالى إليه نحن بالحاجة إليه أولى ؛ لأنّه تعالى قد يستغني من أشياء كثيرة نحتاج إليها نحن في الأفعال (١). وإذا صحّت الجملة التي قدّمناها ، فقد كان القياس يقتضي ـ لو لا ضرب من التعارف وسببيّته ـ أن يسمّى القرآن ، وكلّ كلام وقع مقدرا مقصودا به إلى وجه من وجوه الحكمة ، بأنّه مخلوق ، ولكنّهم تعارفوا لفظة «الخلق» و «الاختلاق (٢)» في الكلام إذا كان كذبا مضافا إلى غير قائله ، ولهذا يقولون فيمن كذب أنّه «خلق ، وإختلق ، وخرق وإخترع وافتعل ، كلّ ذلك بمعنى ذلك واحد ، وفي التنزيل : (وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ) (٣) ، ويقولون في القصيدة : إنّها مخلوقة متى أضيفت إلى غير قائلها ، لأنّ إضافتها إلى غير قائلها كذب ، وإن كانت هي في نفسها تتضمّن الصدق ؛ لأنّهم راعوا في هذه اللفظة ـ إذا استعملوها في الكلام ـ معنى الكذب.

__________________

(١) الملخص ، ٢ : ٤٣٨.

(٢) في الأصل : الاختلاف.

(٣) سورة الأنعام ، الآية : ١٠٠.

٢٤٦

وقد نصّ صاحب كتاب العين وصاحب الجمهرة في كتابيهما على ما يشهد بما ذكرناه في معنى هذه اللفظة.

وقال الله تعالى : (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) (١) و (إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ) (٢) و (إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ) (٣) وهذه الجملة تمنع من إجراء لفظ «الخلق» على القرآن ، لئلا يوهم أنّه كذب ، أو مضاف إلى غير قائله.

وممّا يوضح عن صحّة ما قلناه ، إنّه لا يمكن أحد أن يحكي عن ناطق باللغة العربية في شعر أو نثر أنّه استعمل لفظة «مخلوق» في الكلام ، إلّا على معنى الكذب أو الإضافة إلى غير قائله ، وقد روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام لمّا أنكر الخوارج التحكيم ، أنّه قال لهم :

«أمّا والله ما حكّمت مخلوقا ، ولكنّني حكّمت كتاب الله تعالى» (٤).

وقد علمنا أنّه عليه‌السلام لم يثبت الحدث ، ولا أنّ فاعله فعله مقدرا ، لكنّه منع من إطلاق هذه اللفظة عليه للمعنى الذي ذكرناه.

وقد روي عن جماعة من الأئمّة من آل الرسول عليهم‌السلام في هذا المعنى ما يشهد بما ذكرناه ، ويمنع من إطلاق هذه الجملة في القرآن.

وهذه الأخبار وإن أمكن أن يقال في كلّ خبر منها بعينه أنّه خبر واحد ، فلجملتها قوّة وتأثير ممّا يقتضي قوّة الظنّ ، وإن لم يفض إلى العلم واليقين ؛ لجواز أن نعتمده في هذا الموضع ، مضافا إلى ما ذكرناه من العرف في استعمال هذه اللفظة (٥).

__________________

(١) سورة العنكبوت ، الآية : ١٧.

(٢) سورة ص ، الآية : ٧.

(٣) سورة الشعراء ، الآية : ١٣٧.

(٤) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١٧ / ١٣.

(٥) الملخص ، ٢ : ٤٤٤ وراجع أيضا الرسائل ، ١ : ١٥٢ و ٣٠١.

٢٤٧

سورة الصّافات

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ـ (فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ) [الصافات : ٢٣].

أنظر الفاتحة من الرسائل ، ٣ : ٢٨٧ : ٢٩٦.

ـ (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) [الصافات : ٢٧].

أنظر هود : ١٠٣ ، ١٠٥ من الأمالي ، ١ : ٦٨.

ـ (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (٨٨) فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ (٨٩)) [الصافات : ٨٨ ـ ٨٩].

[فإن قيل :] السؤال عليكم في هذه الآية من وجهين : أحدهما : انّه حكي عن نبيّه النظر في النجوم ، وعندكم انّ الّذي يفعله المنجّمون من ذلك ضلال ، والآخر قوله عليه‌السلام : (إِنِّي سَقِيمٌ). وذلك كذب.

الجواب : قيل له : في هذه الآية وجوه :

منها : أنّ إبراهيم عليه‌السلام كانت به علة تأتيه في أوقات مخصوصة ، فلما دعوه إلى الخروج معهم نظر إلى النجوم ليعرف منها قرب نوبة علّته فقال : (إِنِّي سَقِيمٌ) وأراد أنّه قد حضر وقت العلة وزمان نوبتها وشارف الدخول فيها ، وقد تسمي العرب المشارف للشيء باسم الداخل فيه ، ولهذا يقولون فيمن أدنفه المرض وخيف عليه الموت : هو ميت. وقال الله تعالى لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) (١) فان قيل : فلو أراد ما ذكرتموه لقال : فنظر نظرة إلى النجوم ولم يقل : (فِي النُّجُومِ) ؛ لأنّ لفظة «في» لا تستعمل إلّا فيمن ينظر كما ينظر المنجّم.

قلنا : ليس يمتنع أن يريد بقوله : (فِي النُّجُومِ) ، أنّه نظر إليها ؛ لأنّ حروف

__________________

(١) سورة الزمر ، الآية : ٣٠.

٢٤٨

الصفات يقوم بعضها مقام بعض ، قال الله تعالى : (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) (١) وإنّما أراد على جذوعها ، وقال الشاعر :

إسهري ما سهرت أمّ حكيم

واقعدي مرّة لذاك وقومي

وأفتحي الباب وانظري في النّجوم

كم علينا من قطع ليل بهيم

وإنّما أراد أنظري إليها لتعرفي الوقت.

ومنها : أنّه يجوز أن يكون الله تعالى أعلمه بالوحي أنّه سيمتحنه بالمرض في وقت مستقبل ، وإن لم يكن قد جرت بذلك المرض عادته ، وجعل تعالى العلامة على ذلك ظاهرة له من قبل النجوم ، إمّا بطلوع نجم على وجه مخصوص أو أفول نجم على وجه مخصوص أو إقترانه بآخر على وجه مخصوص ، فلمّا نظر إبراهيم في الامارة الّتي نصبت له من النجوم قال : (إِنِّي سَقِيمٌ) ، تصديقا بما أخبره الله تعالى.

ومنها : ما قال قوم في ذلك من أنّ من كان آخر أمره الموت فهو سقيم ، وهذا حسن ؛ لأنّ تشبيه الحياة المفضية إلى الموت بالسقم من أحسن التشبيه.

ومنها : أن يكون قوله : (إِنِّي سَقِيمٌ) [معناه انّي سقيم] القلب والرأي ، حزنا من إصرار قومه على عبادة الأصنام ، وهي لا تسمع ولا تبصر ، ويكون قوله : (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ) على هذا المعنى ، معناه أنّه نظر وفكّر في أنّها محدثة مدبّرة مصرفة مخلوقة. وعجب كيف يذهب على العقلاء ذلك من حالها حتّى يعبدوها؟!

ويجوز أيضا أن يكون قوله تعالى : (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ) ، معناه أنّه شخص ببصره إلى السماء كما يفعل المفكّر المتأمّل ، فإنّه ربّما أطرق إلى الأرض وربّما نظر إلى السماء استعانة في فكره.

وقد قيل : إنّ النجوم هاهنا هي نجوم النبت ؛ لأنّه يقال لكلّ ما خرج من الأرض وغيرها وطلع : إنّه نجم ناجم ، وقد نجم ، ويقال للجميع : نجوم ،

__________________

(١) سورة طه ، الآية : ٧١.

٢٤٩

ويقولون : نجم قرن الظبي ، ونجم ثدي المرأة ، وعلى هذا الوجه يكون إنّما نظر في حال الفكر والاطراق إلى الأرض ، فرأى ما نجم منها ، وقيل أيضا : إنّه أراد بالنجوم ما نجم له من رأيه وظهر له بعد أن لم يكن ظاهرا. وهذا وإن كان يحتمله الكلام ، فالظاهر بخلافه ؛ لأنّ الاطلاق من قول القائل : «نجوم» لا يفهم من ظاهره إلّا نجوم السماء دون نجوم الأرض ، ونجوم الرأي ، وليس كلّما قيل فيه : انّه نجم ، وهو ناجم على الحقيقة ، يصلح أن يقال فيه : نجوم بالاطلاق والمرجع في هذا إلى تعارف أهل اللسان.

وقد قال ابو مسلم محمد بن بحر الاصفهاني : إنّ معنى قوله تعالى : (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ). أراد في القمر والشمس ، لمّا ظنّ أنّهما آلهة في حال مهلة النظر على ما قصّه الله تعالى في قصّته في سورة الأنعام (١). ولمّا استدلّ بأفولهما وغروبهما على أنّهما محدثان غير قديمين ، ولا ألهين. وأراد بقوله : (إِنِّي سَقِيمٌ). إنّي لست على يقين من الأمر ولا شفاء من العلم ، وقد يسمّى الشكّ بأنه سقيم كما يسمّى العلم بأنّه شفاء. قال : وإنّما زال عنه هذا السقم عند زوال الشكّ وكمال المعرفة.

وهذا الوجه يضعّف من جهة أنّ القصّة الّتي حكاها عن إبراهيم عليه‌السلام فيها هذا الكلام يشهد ظاهره بأنّها غير القصّة المذكورة في سورة الأنعام ، وانّ القصة مختلفة ؛ لأنّ الله تعالى قال : (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ (٨٣) إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٤) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما ذا تَعْبُدُونَ (٨٥) أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ (٨٦) فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٨٧) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (٨٨) فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ (٨٩)) (٢) فبيّن تعالى كما ترى أنّه جاء ربّه بقلب سليم ، وإنّما أراد أنّه كان سليما من الشكّ وخالصا للمعرفة واليقين ، ثمّ ذكر أنّه عاتب قومه على عبادة الأصنام ، فقال : (ما ذا تَعْبُدُونَ)؟ وسمّى عبادتهم بأنّها افك وباطل ، ثمّ قال : (فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ)؟ وهذا قول عارف بالله تعالى مثبت له على صفاته غير ناظر ممثّل ولا شاكّ ، فكيف يجوز أن

__________________

(١) سورة الأنعام ، الآية : ٧٦ وما بعدها.

(٢) سورة الصافات ، الآيات : ٨٣ ـ ٨٩.

٢٥٠

يكون قوله من بعد ذلك : (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ) ، أنّه ظنّها أربابا وآلهة؟ وكيف يكون قوله : «إني سقيم»؟ أي لست على يقين ولا شفاء ، والمعتمد في تأويل ذلك ما قدّمناه (١).

ـ (قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ (٩٥) وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ (٩٦)) [الصافات : ٩٥ ، ٩٦].

فسّر السيّد هاتين الآيتين في موضعيه من كتبه ، لا يخلو ذكرهما معا من فائدة ، وهما كالتالي :

[الأوّل : إن سأل سائل] فقال : أليس ظاهر هذا القول يقتضي أنّه خالق لأعمال العباد ، لأنّ «ما» هاهنا بمعنى «الذي» ؛ فكأنّه قال : خلقكم وخلق أعمالكم.

الجواب : قلنا : قد حمل أهل الحقّ هذه الآية على أنّ المراد بقوله : (وَما تَعْمَلُونَ) أي وما تعملون فيه من الحجارة والخشب وغيرهما ؛ مما كانوا يتخذونه أصناما ويعبدونها.

قالوا : وغير منكر أن يريد بقوله : (وَما تَعْمَلُونَ) ذلك ؛ كما أنّه قد أراد ما ذكرناه بقوله : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ) لأنّه لم يرد أنّكم تعبدون نحتكم الذي هو فعلكم ؛ بل أراد ما تفعلون فيه النّحت ، وكما قال تعالى في عصا موسى عليه‌السلام : (تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ) (٢) و (تَلْقَفْ ما صَنَعُوا) (٣) ؛ وإنّما أراد تعالى أنّ العصا تلقف الحبال التي أظهروا سحرهم فيها ، وهي التي حلّتها صنعتهم وإفكهم ؛ فقال : (تَلْقَفْ ما صَنَعُوا) و (ما يَأْفِكُونَ) وأراد ما صنعوا فيه ، وما يأفكون فيه ؛ ومثله قوله تعالى : (يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ) (٤) ؛ وإنّما أراد المعمول فيه دون العمل ؛ [وهذا الاستعمال أيضا سائغ] شائع ؛ لأنّهم يقولون : هذا الباب عمل النّجار. وفي الخلخال : هذا عمل الصائغ ؛ وإن كانت الأجسام التي أشير إليها ليست أعمالا ؛ وإنّما عملوا فيها ؛ فحسن إجراء هذه العبارة.

فإن قيل : كلّ الذي ذكرتموه وإن استعمل فعلى وجه المجاز والاتّساع ؛ لأنّ

__________________

(١) تنزيه الأنبياء والأئمّة : ٤٥.

(٢) سورة الأعراف ، الآية : ١١٧.

(٣) سورة طه ، الآية : ٦٩.

(٤) سورة سبأ ، الآية : ١٣.

٢٥١

العمل في الحقيقة لا يجري إلّا على فعل الفاعل دون ما يفعل فيه ؛ وإن استعير في بعض المواضع.

قلنا : ليس نسلّم لكم أنّ الاستعمال الذي ذكرناه على سبيل المجاز ؛ بل نقول : هو المفهوم الذي لا يستفاد سواه ، لأنّ القائل إذا قال : هذا الثوب عمل فلان لم يفهم منه إلّا أنّه عمل فيه ، وما رأينا أحدا قط يقول في الثوب بدلا من قوله : هذا من عمل فلان : هذا ممّا حلّه عمل فلان ؛ فالأوّل أولى بأن يكون حقيقة.

وليس ينكر أن يكون الأصل في الحقيقة ما ذكروه ، ثمّ انتقل ذلك بعرف الاستعمال إلى ما ذكرناه ؛ وصار أخصّ به ، وممّا لا يستفاد من الكلام سواه ؛ كما انتقلت ألفاظ كثيرة على هذا الحدّ والاعتبار في المفهوم من الألفاظ إلّا ما يستقرّ عليه استعمالها دون ما كانت عليه في الأصل ؛ فوجب أن يكون المفهوم والظاهر من الآية ما ذكرناه.

على أنّا لو سلّمنا أنّ ذلك مجاز لوجب المصير إليه من وجوه :

منها : ما يشهد به ظاهر الآية ويقتضيه ، ولا يسوغ سواه.

ومنها : ما تقتضيه الأدلة القاطعة الخارجة عن الآية ؛ فمن ذلك أنّه تعالى أخرج الكلام مخرج التهجين لهم ، والتوبيخ لأفعالهم والإزراء على مذاهبهم ، فقال : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ) ومتى لم يكن قوله : (وَما تَعْمَلُونَ) المراد (تَعْمَلُونَ) فيه ؛ ليصير تقدير الكلام : أتعبدون الأصنام التي تنحتونها ، والله خلقكم وخلق هذه الأصنام التي تفعلون بها التخطيط والتصوير ؛ لم يكن للكلام معنى ، ولا مدخل في باب التوبيخ. ويصير على ما يذكره المخالف كأنّه قال : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ) والله خلقكم وخلق عبادتكم ؛ فأيّ وجه للتقريع! وهذا إلى أن يكون عذرا أقرب من يكون لوما وتوبيخا ؛ إذا خلق عبادتهم للأصنام ؛ فأيّ وجه للومهم عليها وتقريعهم بها! على أنّ قوله عزوجل : (خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) بعد قوله : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ) خرج مخرج التعليل للمنع من عبادة غيره تعالى ؛ فلا بدّ أن يكون متعلّقا بما تقدّم من قوله : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ) ومؤثّرا في المنع من عبادة

٢٥٢

غير الله. فلو أفاد قوله : (وَما تَعْمَلُونَ) نفس العمل الذي هو النحت دون المعمول فيه لكان له فائدة في الكلام ؛ لأنّ القوم لم يكونوا يعبدون النحت ؛ وإنّما كانوا يعبدون محل النحت ؛ ولأنّه كان لا حظّ في الكلام للمنع من عبادة الأصنام. فكذلك إن حمل قوله تعالى : (وَما تَعْمَلُونَ) من أعمال أخر ليست نحتهم ، ولا هي ما عملوا فيه لكان أظهر في باب اللغو والعبث والبعد عن التعلّق بما تقدّم ؛ فلم يبق إلّا أنّه أراد : أنّه خلقكم وما تعملون فيه النحت ، فكيف تعبدون مخلوقا مثلكم!.

فإن قيل : لم زعمتم أنّه لو كان الأمر على ما ذكرناه لم يكن للقول الثاني حظّ في باب المنع من عبادة الأصنام! وما تنكرون أن يكون لما ذكرناه وجه في المنع من ذلك؟ [كما أنّ ما ذكرتموه] أيضا لو أريد لكان وجها ؛ وهو أن من خلقنا وخلق الأفعال فينا لا يكون إلّا الإله القديم ، الذي تحقّ له العبادة ، وغير القديم ـ كما يستحيل أن يخلقنا ـ يستحيل أن يخلق فينا الافعال على الوجه الذي يخلقها القديم تعالى ؛ فصار لما ذكرناه تأثير.

قلنا : معلوم أنّ الثاني إذا كان كالتعليل للأوّل والمؤثر في المنع من العبادة فلئن يتضمّن أنّكم مخلوقون وما تعبدونه أولى من أن ينصرف إلى ما ذكرتموه ممّا لا يقتضي أكثر من خلقهم دون خلق ما عبدوه ؛ وأنّه لا شيء أدلّ على المنع من عبادة الأصنام من كونها مخلوقة كما أنّ عابدها مخلوق.

ويشهد لما ذكرناه قوله تعالى في موضع آخر : (أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (١٩١) وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (١٩٢)) (١) فاحتج تعالى عليهم في المنع من عبادة الآلهة دونه بأنّها مخلوقة لا تخلق شيئا ، ولا تدفع عن أنفسها ضرّا ولا عنهم ؛ وهذا واضح.

على أنّه لو ساوى ما ذكروه ما ذكرناه في التعلّق بالأوّل لم يسغ حمله على ما ادّعوه ؛ لأنّ فيه عذرا لهم في الفعل الذي عنّفوا وقرّعوا من أجله ؛ وقبيح أن يوبّخهم بما يعذرهم ويذمّهم ممّا يبرئهم على ما تقدّم.

__________________

(١) سورة الأعراف ، الآيتان : ١٩١ ، ١٩٢.

٢٥٣

على أنّا لا نسلّم أن من يفعل أفعال العباد ويخلقها يستحقّ العبادة ؛ لأنّ من جملة أفعالهم القبائح ، ومن فعل القبائح لا يكون إلها ، ولا تحقّ له العبادة ؛ فخرج ما ذكروه من أن يكون مؤثّرا بانفراده في العبادة.

على أنّ إضافته العمل إليهم بقوله : (تَعْمَلُونَ) يبطل تأويلهم الآية ؛ لأنّه لو كان تعالى خالقا له لم يكن عملا لهم ؛ لأنّ العمل إنّما يكون لمن يحدثه ويوجده ، فكيف يكون عملا لهم والله خلقه! وهذه مناقضة ، فثبت بهذا أنّ الظاهر شاهد لنا أيضا.

على أن قوله : (وَما تَعْمَلُونَ) يقتضي الاستقبال ؛ وكلّ فعل لم يوجد فهو معدوم ؛ ومحال أن يقول تعالى : إنّي خالق للمعدوم!.

فإن قالوا : اللفظ وإن كان للاستقبال فالمراد به المضيّ ؛ فكأنّه قال : والله خلقكم وما عملتم!.

قلنا : هذا عدول منكم عن الظاهر الذي ادّعيتم أنّكم متمسكون به ؛ وليس أنتم بأن تعدلوا عنه بأولى منا ؛ بل نحن أحقّ ؛ لأنّا نعدل عنه لدلالة ؛ وأنتم تعدلون بغير حجّة.

فإن قالوا : فأنتم أيضا تعدلون عن هذا الظاهر بعينه على تأويلكم ، وتحملون لفظ الاستقبال على لفظ الماضي.

قلنا : لا نحتاج نحن في تأويلنا إلى ذلك ؛ لأنّا إذا حملنا قوله تعالى : (وَما تَعْمَلُونَ) على الأصنام المعمول فيها ـ ومعلوم أنّ الأصنام موجودة قبل عملهم فيها ـ فجاز أن يقول تعالى : إنّي خلقتها ؛ ولا يجوز أن يقول : إنّي خلقت ما سيقع من العمل في المستقبل.

على أنّه تعالى لو أراد بذلك أعمالهم ؛ لا ما عملوا فيه على ما ادّعوه لم يكن في الظاهر حجّة على ما يريدون ؛ لأنّ الخلق هو التقدير والتدبير ؛ وليس يمتنع في اللغة أن يكون الخالق خالقا لفعل غيره إذا قدّره ودبّره ؛ ألا ترى أنّهم يقولون : خلقت الأديم ؛ وإن لم يكن الأديم فعلا لمن يقول ذلك فيه! ويكون

٢٥٤

معنى خلقه لأفعال العباد أنّه مقدّر لها ، ومعرّف لنا مقاديرها ومراتبها وما به نستحقّ عليها من الجزاء.

وليس يمتنع أن يقال : إنّه خالق للأعمال على هذا المعنى إذا ارتفع الابهام وفهم المراد ؛ فهذا كلّه تقتضيه الآية. ولو لم يكن في الآية شيء ممّا ذكرناه ممّا يوجب العدول عن حمل قوله : (وَما تَعْمَلُونَ) على خلق نفس الأعمال لوجب أن نعدل بها عن ذلك ، ونحملها على ما ذكرناه بالأدلة العقلية الدّالة على أنّه تعالى لا يجوز أن يكون خالقا لأعمالنا ، وإن تصرّفنا محدث بنا ، ولا فاعل له سوانا ؛ وكلّ هذا واضح بيّن (١).

[الثاني : فان قيل :] وظاهر هذا القول يقتضي انّه تعالى خلق أعمال العباد ، فما الوجه فيه وما عذر إبراهيم عليه‌السلام في إطلاقه؟.

الجواب : قلنا : من تأمّل هذه الآية حقّ التأمّل ، علم أنّ معناها بخلاف ما يظنّه المجبّرة ؛ لأنّ قوله تعالى خبر عن إبراهيم عليه‌السلام بأنّه عيّر قومه بعبادة الأصنام واتخاذها آلهة من دون الله تعالى ، بقوله : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ) ، وإنّما أراد المنحوت وما حمله النحت دون عملهم الّذي هو النحت ؛ لأنّ القوم لم يكونوا يعبدون النحت الّذي هو فعلهم في الأجسام ، وانّما كانوا يعبدون الأجسام أنفسها ثم قال : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) وهذا الكلام لا بد من أن يكون متعلّقا بالأول ومتضمنا لما يقتضي المنع من عبادة الأصنام ، ولا يكون بهذه الصفة إلّا والمراد بقوله : (وَما تَعْمَلُونَ) الأصنام الّتي كانوا ينحتونها ، فكأنّه تعالى قال : كيف تعبدون ما خلقه الله تعالى ، كما خلقكم. وليس لهم أن يقولوا : إنّ الكلام الثاني قد يتعلّق بالكلام الأوّل على خلاف ما قدّرتموه ؛ لأنّه إذا أراد انّ الله خلقكم وخلق أعمالكم ، فقد تعلّق الثاني بالأوّل ؛ لأنّ من خلقه الله لا يجوز أن يعبد غيره. وذلك أنّه لو اراد ما ظنّوه ، لكفى أن يقول الله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ). ويصير ما ضمّنه إلى ذلك من قوله : (وَما تَعْمَلُونَ) لغوا

__________________

(١) الأمالي ، ٢ : ٢٠٣.

٢٥٥

ولا فائدة فيه ، ولا تعلّق له بالأوّل ولا تأثير له في المنع من عبادة الأصنام. فصحّ أنّه أراد ما ذكرناه من المعمول فيه ، ليطابق قوله : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ).

فإن قالوا : هذا عدول عن الظاهر لقوله تعالى : (وَما تَعْمَلُونَ) ؛ لأنّ هذه اللفظة لا تستعمل على سبيل الحقيقة إلّا في العمل دون المعمول فيه ، ولهذا يقولون : أعجبني ما تعمل وما تفعل ، مكان قولهم : أعجبني عملك وفعلك.

قيل لهم : ليس نسلّم لكم أنّ الظاهر ما ادّعيتموه ؛ لأنّ هذه اللفظة قد تستعمل في المعمول فيه ، والعمل على حدّ واحد. بل استعمالها في المعمول فيه أظهر وأكثر. ألا ترى انّه تعالى قال في العصا : (تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ) (١) وفي آية اخرى : (وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا) (٢). ومعلوم أنّه لم يرد أنّها تلقف أعمالهم الّتي هي الحركات واعتمادات ، وإنّما أراد أنّها تلقف الحبال وغيرها ممّا حلّه الإفك. وقد قال الله تعالى : (يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ) (٣) فسمّى المعمول فيه عملا.

ويقول القائل في الباب : إنّه عمل النجّار ، ومما يعمل النجّار ، وكذلك في الناسج والصائغ. وههنا مواضع لا يستعمل فيها (ما) مع الفعل إلّا والمراد بها الأجسام دون الأعراض الّتي هي فعلنا ؛ لأنّ القائل إذا قال : أعجبني ما تأكل وما تشرب وما تلبس ، لم يجز حمله إلّا على المأكول والمشروب والملبوس دون الأكل والشرب واللبس. فصحّ أنّ لفظة (ما) فيما ذكرناه أشبه بأن تكون حقيقة ، وفيما ذكروه أشبه بأن تكون مجازا. ولو لم يثبت فيها إلّا أنها مشتركة بين الأمرين ، وحقيقة فيهما ، لكان كافيا في إخراج الظاهر من أيديهم ، وإبطال ما تعلّقوا به. وليس لهم أن يقولوا : إنّ كلّ موضع استعملت فيه لفظة (ما) مع الفعل ، وأريد بها المفعول فيه ، إنّما علم بدليل ، والظاهر بخلافه. وذلك أنّه لا فرق بينهم في هذه الدعوى وبين من عكسها ، فادّعى أنّ لفظة (ما) إذا استعملت

__________________

(١) سورة الشعراء ، الآية : ٤٥ ؛ وسورة الأعراف ، الآية : ١١٧.

(٢) سورة طه ، الآية : ٦٩.

(٣) سورة سبأ ، الآية : ١٣.

٢٥٦

مع الفعل وأريد بها المصدر دون المفعول فيه كانت محمولة على ذلك بالدليل ، وعلى سبيل المجاز. والظاهر بخلافه ، على أنّ التعليل وتعلّق الكلام الثاني بالأول على ما بيّناه أيضا ظاهر ، فيجب أن يكون مراعى. وقد بيّنا أيضا انّه متى حمل الكلام على ما ظنّوه لم يكن الثاني متعلّقا بالأول ولا تعليلا فيه ، والظاهر يقتضي ذلك.

فقد صار فيما ادّعوه عدول عن الظاهر الّذي ذكرناه في معنى الآية ، فلو سلّم ما ادّعوه من الظاهر في معنى اللفظة معه لتعارضتا ، فكيف وقد بيّنا أنّه غير سليم ولا صحيح؟.

وبعد ، فإنّ قوله : (وَما تَعْمَلُونَ) لا يستقلّ بالفائدة بنفسه ، ولا بدّ من أن يقدّر محذوف ، ويرجع إلى (ما) الّتي بمعنى (الذي) ، وليس لهم أن يقدّروا الهاء ليسلم ما ادّعوه بأولى منّا إذا قدّرنا لفظة فيه ؛ لأنّ كلا الأمرين محذوف ، وليس تقدير أحدهما بأولى من الآخر ، إلّا بدليل هذا. على أنّا قد بيّنا أنّ مع تقدير الهاء يكون الكلام محتملا لما ذكرناه ، كاحتماله لما ذكروه. ومع تقديرنا الّذي بيّناه يكون الكلام مختصّا غير مشترك ، فصرنا بالظاهر أولى منهم ، وصار للمعنى الّذي ذهبنا إليه الرجحان على معناهم. على أنّ معنى الآية والمقصود منها يدلّان على ما ذكرناه ، حتّى أنّا لو قدّرنا ما ظنّه المخالف لكان ناقضا للغرض في الآية ومبطلا لفايدتها ؛ لأنّه تعالى خبر عن إبراهيم عليه‌السلام بأنّه قرعهم ووبّخهم بعبادة الأصنام ، واحتجّ عليهم بما يقتضي العدول عن عبادته. ولو كان مراده بالآية ما ظنّوه من أنّه تعالى خلقهم وخلق أعمالهم ، وقد علمنا أنّ عبادتهم للأصنام من جملة أعمالهم ، فكأنّه قال الله تعالى : والله خلقكم وخلق عبادتكم لأصنامكم ، لوجب أن يكون عاذرا لهم ومزيلا للوم عنهم ؛ لأنّ الإنسان لا يذمّ على ما خلق فيه ، ولا يعاتب ، ولا يوبّخ.

وبعد ، فلو حملنا الآية على ما توهّموه ، لكان الكلام متناقضا من وجه آخر ؛ لأنّه قد أضاف العمل إليهم بقوله «وما تعملون». وذلك يمنع من كونه خلقا لله تعالى ؛ لأنّ العامل للشيء هو من أحدثه وأخرجه من العدم إلى الوجود ؛

٢٥٧

والخلق في هذا الوجه لا يفيد إلّا هذا المعنى ، فكيف يكون خالقا ومحدثا لما أحدثه غيره وعمله؟ على أنّ الخلق إذا كان هو التقدير في اللغة ، فقد يكون الخالق خالقا لفعل غيره إذا كان مقدرا له ومدبّرا. ولهذا يقولون : خلق الأديم فيمن قدّره ودبّره ، وإن كان ما أحدث الأديم نفسه. فلو حملنا قوله : (وَما تَعْمَلُونَ) على أفعالهم دون ما فعلوا فيه من الأجسام ، لكان الكلام على هذا الوجه صحيحا. ويكون المعنى : والله دبّركم ودبّر أعمالكم. وان لم يكن محدثا لها وفاعلا. وكلّ هذه الوجوه واضح لا إشكال فيه بحمد الله تعالى ومنّه (١).

ـ (وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٠٥)) [الصافات : ١٠٤ ـ ١٠٥].

أنظر المقدّمة الرابعة ، الأمر التاسع.

ـ (وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) [الصافات : ١٤٧].

أنظر البقرة : ٧٤ من الأمالي ، ٢ : ٥٠.

ـ (فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ) [الصافات : ١٤٨].

أنظر إبراهيم : ٢٥ من الانتصار : ١٦٠.

__________________

(١) تنزيه الأنبياء والأئمّة : ٦١.

٢٥٨

سورة ص

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ـ (إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ) [ص : ٧].

أنظر الأنبياء : ٢ من الملخص ، ٢ : ٤٢٣.

ـ (وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ (٢١) إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ (٢٢) إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ (٢٣) قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ (٢٤)) [ص : ٢١ ـ ٢٤].

[إن قيل ما الوجه في هذه الآية] ، أو ليس قد روى أكثر المفسّرين أنّ داود عليه‌السلام قال : ربّ قد أعطيت إبراهيم وإسحاق ويعقوب من الذكر ما وددت أنّك أعطيتني مثله ، قال الله تعالى : إنّي ابتليتهم بما لم أبتلك بمثله ، وإن شئت ابتليتك بمثل ما ابتليتهم وأعطيتك كما أعطيتهم. قال : نعم ، فقال عزوجل : فاعمل حتّى أرى بلاءك ، فكان ما شاء الله أن يكون ، وطال عليه ذلك حتّى كاد ينساه ، فبينا هو في محرابه إذ وقعت عليه حمامة ، فأراد أن يأخذها فطارت إلى كوّة المحراب ، فذهب ليأخذها فطارت من الكوّة ، فاطّلع من الكوّة فإذا امرأة تغتسل ، فهواها وهمّ بتزوجها ، وكان لها بعل يقال له : «أوريا» ، فبعث به إلى بعض السرايا وأمره أن يتقدّم أمام التابوت الّذي فيه السكينة ، وكان غرضه أن يقتل فيه فيتزوّج بامرأته ، فأرسل الله إليه الملكين في صورة خصمين ليبكتاه على خطيئته وكنّيا عن النساء بالنعاج.

٢٥٩

وعليكم في هذه الآيات سؤال من وجه آخر وهو أنّ الملائكة لا تكذب فكيف قالوا : خصمان بغى بعضنا على بعض؟ وكيف قال أحدهما : «إنّ هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة» إلى آخر الآية؟ ولم يكن من كلّ ذلك شيء؟

الجواب : قلنا : نحن نجيب بمقتضى الآية ونبيّن أنّه لا دلالة في شيء منها على وقوع الخطأ من داود عليه‌السلام ، فهو الّذي يحتاج إليه ، فأمّا الرواية المدّعاة ، فساقطة مردودة ، لتضمّنها خلاف ما يقتضيه العقول في الأنبياء عليهم‌السلام ، قد طعن في رواتها بما هو معروف ، فلا حاجة بنا إلى ذكره.

وأمّا قوله تعالى : (وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ) فالخصم مصدر لا يجمع ولا يثنّى ولا يؤنّث ، ثم قال : (إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ) فكنّى عنهم بكناية الجماعة ، وقيل في ذلك : إنّه إخراج الكلام على المعنى دون اللفظ ؛ لأنّ الخصمين ههنا كانا كالقبيلين أو الجنسين. وقيل : بل جمع ؛ لأنّ الاثنين أقلّ الجمع وأوّله ؛ لأنّ فيهما معنى الانضمام والاجتماع ، وقيل : بل كان مع هذين الخصمين غيرهما ممن يعينهما ويؤيدهما ؛ فإنّ العادة جارية فيمن يأتي باب السلطان بأن يحضر معه الشفعاء والمعاونون ، فأمّا خوفه منهما ؛ فلأنّه عليه‌السلام كان خاليا بالعبادة في وقت لا يدخل عليه فيه أحد على مجرى عادته ، فراعه منهما أنّهما أتيا في غير وقت الدخول ، أو لأنّهما دخلا من غير المكان المعهود. وقولهما خصمان بغى بعضنا على بعض جرى على التقدير والتمثيل ، وهذا كلام مقطوع عن أوّله ، وتقديره : أرأيت لو كنّا كذلك واحتكمنا إليك؟ ولا بدّ لكل واحد من الاضمار في هذه الآية وإلّا لم يصحّ الكلام ؛ لأنّ خصمان لا يجوز أن يبتدؤا به.

وقال المفسّرون تقدير الكلام : «نحن خصمان». قالوا : وهذا ممّا يضمره المتكلّم ويضمره المتكلّم له أيضا. فيقول المتكلّم : سامع مطيع ، أي أنا كذلك. ويقول القافلون من الحج : «آئبون تائبون لربنا حامدون» ، أي نحن كذلك. وقال الشاعر :

وقولا إذا جاوزتما أرض عامر

وجاوزتما الحيّين نهدا وخثعما

٢٦٠