الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

علي محمد علي دخّيل

الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

المؤلف:

علي محمد علي دخّيل


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التعارف للمطبوعات
الطبعة: ٢
الصفحات: ٨٣٦

سورة البينة

مدنية وآياتها ثمان آيات

١ ـ ٨ ـ (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) يعني اليهود والنصارى (وَالْمُشْرِكِينَ) أي ومن المشركين الذين هم عبدة الأوثان من العرب وغيرهم وهم الذين ليس لهم كتاب (مُنْفَكِّينَ) أي لم يكونوا منتهين عن كفرهم بالله ، وعبادتهم غير الله (حَتَّى تَأْتِيَهُمُ) اللفظ لفظ الاستقبال ومعناه المضي كقوله : ما تتلو الشياطين أي ما تلت وقوله (الْبَيِّنَةُ) يريد محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ابن عباس. بيّن سبحانه لهم ضلالهم وشركهم ، وهذا اخبار من الله تعالى عن الكفار أنهم لم ينتهوا عن كفرهم وشركهم بالله حتى أتاهم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فبيّن لهم ضلالهم عن الحق ، ودعاهم إلى الإيمان وقيل معناه : لم يكونوا ليتركوا منفكين من حجج الله حتى تأتيهم البيّنة التي تقوم بها الحجّة عليهم (رَسُولٌ مِنَ اللهِ) بيان للبينة وتفسير لها ، أي رسول من قبل الله (يَتْلُوا) عليهم (صُحُفاً مُطَهَّرَةً) يعني مطهرة في السماء لا يمسّها إلّا الملائكة المطهرون من الأنجاس (فِيها) أي في تلك الصحف (كُتُبٌ قَيِّمَةٌ) أي مستقيمة عادلة غير ذات عوج تبين الحق من الباطل وقيل : مطهرة عن الباطل والكذب والزور ، يريد القرآن ، ويعني بالصحف ما تتضمنه الصحف من المكتوب فيها ، ويدل على ذلك أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يتلو عن ظهر قلبه لا عن كتاب وقيل : فيها كتب قيمة معناه : في هذه الصحف التي هي القرآن كتب قيمة ، أي ان القرآن يشتمل على معاني الكتب المتقدمة فتاليها تالي الكتب القيمة كما قال : (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) ، فإذا كان مصدقا لها كان تاليا لها ، وقيل معناه : في القرآن كتب قيمة ، بمعنى أنه يشتمل على أنواع من العلوم كل نوع كتاب (وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) يعني وما أختلف هؤلاء في أمر محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلّا من بعد ما جاءتهم البشارة به في كتبهم وعلى ألسنة رسلهم فكانت الحجة قائمة عليهم ، فكذلك لا يترك المشركون من غير حجة تقوم عليهم وقيل معناه : ولم يزل أهل الكتاب مجتمعين في تصديق محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى بعثه الله ، فلما بعث تفرقوا في أمره واختلفوا ، فآمن به بعضهم وكفر آخرون. ثم ذكر سبحانه ما أمروا به في كتبهم فقال (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ) أي لم يأمرهم الله تعالى إلّا لأن يعبدوا الله وحده لا يشركون بعبادته ، فهذا ما لا تختلف فيه ملّة ، ولا يقع فيه تبدل (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) لا يخلطون بعبادته عبادة ما سواه (حُنَفاءَ) مائلين عن جميع الأديان إلى دين الإسلام ، مسلمين مؤمنين بالرسل كلهم (وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ) أي ويداوموا على إقامة الصلاة ، ويخرجوا ما فرض عليهم في أموالهم من الزكاة (وَذلِكَ) يعني الدين الذي قدّم ذكره (دِينُ الْقَيِّمَةِ) أي دين الكتب القيمة التي تقدّم ذكرها ، وقيل : دين الملة القيمة ، والشريعة القيمة قال النضر بن شميل : سألت الخليل عن هذا فقال : القيمة جمع القيم ، والقيم والقائم واحدة ، فالمراد : وذلك دين القائمين لله بالتوحيد. وفي هذه الآية دلالة على بطلان مذهب أهل الجبر لأن فيها تصريحا بأنه سبحانه إنما خلق الخلق ليعبدوه ، واستدل بهذه الآية أيضا على وجوب النيّة في الطهارة ، إذ أمر سبحانه بالعبادة على وجه الإخلاص ، ولا يمكن الإخلاص إلّا بالنيّة والقربة ، والطهارة عبادة فلا تجري من غير نيّة (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ) يعني من جحد توحيد الله ، وأنكر نبوة نبيه (ص) ، ومن أشرك معه إلها آخر في العبادة (فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها) لا يفنى عقابهم (أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) أي شرّ

٨٢١

الخليقة. ثم أخبر عن حال المؤمنين فقال (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) أي خير الخليقة (جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) مرّ معناه (خالِدِينَ فِيها أَبَداً) أي مؤبدين فيها دائما (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ) بما قدموه من الطاعات (وَرَضُوا عَنْهُ) بما جازاهم من الثواب (ذلِكَ) الرضا والثواب (لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) فترك معاصيه ، وفعل طاعاته. وفي كتاب شواهد التنزيل للحاكم أبي القاسم الحسكاني رحمه‌الله قال : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ بالإسناد المرفوع إلى يزيد بن شراحيل الأنصاري كاتب علي عليه‌السلام قال : سمعت عليّا عليه‌السلام يقول : قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا مسنده إلى صدري فقال : يا علي ألم تسمع قول الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ)؟ هم شيعتك وموعدي وموعدكم الحوض إذا اجتمعت الأمم للحساب يدعون غرّا محجلين. وفيه عن مقاتل بن سليمان عن الضحاك عن ابن عباس في قوله : (هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) قال : نزلت في عليّ عليه‌السلام وأهل بيته.

سورة إذا زلزلت

مدنية وآياتها ثمان آيات

١ ـ ٨ ـ خوّف الله سبحانه عباده أهوال يوم القيامة فقال (إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها) أي إذا حركت الأرض تحريكا شديدا لقيام الساعة زلزالها التي كتب عليها ، ويمكن أن يكون إنما أضافها إلى الأرض لأنها تعمّ جميع الأرض بخلاف الزلازل المعهودة التي تختص ببعض الأرض ، فيكون في قوله : زلزالها تنبيها على شدتها (وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها) أي أخرجت موتاها المدفونة فيها ، تخرجها أحياء للجزاء عن ابن عباس ومجاهد والجبائي وقيل معناه : لفظت ما فيها من كنوزها ومعادنها فتلقيها على ظهرها ليراها أهل الموقف ، وتكون الفائدة في ذلك أن يتحسر العصاة إذا نظروا إليها لأنهم عصوا الله فيها ثم تركوها لا تغني عنهم شيئا ، وأيضا فإنه تكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم (وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها) أي ويقول الإنسان متعجبا : ما للأرض تتزلزل ، يعني ما لها حدث فيها ما لم يعرف منها عن أبي مسلم وقيل إن المراد بالإنسان الكافر لأن المؤمن معترف بها لا يسأل عنها ، أي يقول الكافر الذي لم يؤمن بالبعث : أيّ شيء زلزلها وأصارها إلى هذه الحالة؟ (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها) أي تخبر بما عمل عليها. وجاء في الحديث أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أتدرون ما أخبارها؟ قالوا : الله ورسوله أعلم قال : أخبارها أن تشهد على كل عبد وانه بما عمل على ظهرها تقول : عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا ، وهذا أخبارها وعلى هذا فيجوز أن يكون الله تعالى أحدث الكلام فيها وإنما نسبه إليها توسعا ومجازا ، ويجوز أن يقلبها حيوانا يقدر على النطق ، ويجوز أن يظهر فيها ما يقوم مقامه الكلام فعبّر عنه بالكلام كما يقال : عيناك تشهدان بسهرك وكقول الشاعر : «وقالت له العينان سمعا وطاعة» (بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها) معناه : أن الأرض تحدث بها فتقول : إن ربك يا محمد أوحى لها ، أي ألهمها وعرفها بأن تحدث أخبارها ، وقال ابن عباس : أذن لها لتخبر بما عمل عليها. وروى الواحدي بإسناده مرفوعا إلى ربيعة الحرشي قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حافظوا على الوضوء ، وخير أعمالكم الصلاة ، وتحفظوا من الأرض فإنها أمكم وليس فيها أحد يعمل خيرا أو شرّا إلا وهي مخبرة به وقال أبو سعيد الخدري : إذا كنت بالبوادي فارفع صوتك

٨٢٢

بالأذان فإني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : لا يسمعه جنّ ولا أنس ولا حجر إلا يشهد له (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً) أي يرجع الناس عن موقف الحساب بعد العرض متفرقين ، أهل الإيمان على حدة ، وأهل كل دين على حدة ، وهذا كقوله : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ) ، وقوله : (يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ) (لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ) أي ليروا جزاء أعمالهم والمعنى : أنهم يرجعون عن الموقف فرقا لينزلوا منازلهم من الجنة والنار وقيل : معنى الرؤية هنا المعرفة بالأعمال عند تلك الحال وهي رؤية القلب ، ويجوز أن يكون التأويل على رؤية العين بمعنى ليروا صحائف أعمالهم فيقرؤون ما فيها لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) أي فمن يعمل وزن ذرة من الخير ير ثوابه وجزاءه (وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) أي ير ما يستحق عليه من العقاب. وقال محمد بن كعب معناه : فمن يعمل مثقال ذرة خيرا وهو كافر ير ثوابه في الدنيا في نفسه وأهله وماله وولده ، حتى يخرج من الدنيا وليس له عند الله خير ، ومن يعمل مثقال ذرّة شرّا وهو مؤمن ير عقوبته في الدنيا في نفسه وأهله وماله وولده ، حتى يخرج من الدنيا وليس له عند الله شر ؛ وقال مقاتل : فمن يعمل مثقال ذرّة خيرا يره يوم القيامة في كتابه فيفرح به ، وكذلك من الشر يراه في كتابه فيسوؤه ذلك ، قال : وكان أحدهم يستقل أن يعطي اليسير ويقول : إنما نؤجر على ما نعطي ونحن نحبه ، وليس اليسير مما يحب ، ويتهاون بالذنب اليسير ويقول : إنما وعد الله النار على الكبائر ، فأنزل الله هذه الآية يرغبهم في القليل من الخير ، ويحذرهم اليسير من الشر.

سورة العاديات

مدنية وآياتها إحدى عشرة آية

١ ـ ١١ ـ (وَالْعادِياتِ ضَبْحاً) هي الخيل في الغزو تعدو في سبيل الله ، أقسم الله بالخيل العادية لغزو الكفار وهي تضبح ضبحا ، وضبحها : صوت أجوافها إذا عدت ليس بصهيل ولا حمحمة ولكنه صوت نفس (فَالْمُورِياتِ قَدْحاً) هي الخيل توري النار بحوافرها إذا صارت في الحجارة والأرض المحصبة ، قال ابن عباس : يريد ضرب الخيل بحوافرها الجبل فأورت منه النار مثل الزناد إذا قدح (فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً) يريد الخيل تغير بفرسانها على العدو وقت الصبح ، وإنما ذكر وقت الصبح لأنهم كانوا يسيرون إلى العدو ليلا فيأتونهم صبحا ، هذا قول الأكثرين والإغارة : سرعة السير (فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً) يقال : ثار الغبار والدخان ، وأثرنه ، أي هيجنه ، والمعنى : فهيجن بمكان عدوهنّ غبارا (فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً) أي صرن بعدوهن وسط جمع العدو وهم الكتيبة (إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) هذا جواب القسم والكنود : الجحود لنعم الله ، وقيل : هو الذي يعد المصائب وينسى النعم. وروى أبو أمامة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : أتدرون من الكنود؟ قالوا : الله ورسوله أعلم قال : الكنود الذي يأكل وحده ويمنع رفده ، ويضرب عبده (وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ) معناه : وإن الله على كفره لشهيد ، وقيل : إن الهاء تعود إلى الإنسان والمعنى : ان الإنسان شاهد على نفسه يوم القيامة بكنوده ، أو في الدنيا فإنك لو سألته عن النعمة لم يذكر أكثرها ويذكر جميع مصائبه (وَإِنَّهُ) يعني الإنسان (لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) أي لأجل حبّ الخير الذي هو المال ، أي من أجله لبخيل شحيح يمنع منه حق الله تعالى وقيل معناه : وانه لشديد الحب للخير : أي المال ، وعسى أن يكون حراما ولكن لأن الناس يعدّونه خيرا فكذلك سمي الجهاد سوءا فقال : لم يمسسهم سوء أي قتال وليس هو عند الله بسوء لأن الناس

٨٢٣

يسمّونه سوءا وقال سبحانه على وجه التذكير والوعيد (أَفَلا يَعْلَمُ) هذا الإنسان الذي وصفناه (إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ) أي بعث الموتى ونشروا واخرجوا (وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ) أي ميّزوا بين ما فيها من الخير والشر وقيل معناه : وأظهر ما أخفته الصدور ليجازي على السرّ كما يجازي على العلانية (إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ) قال الزجاج : الله سبحانه خبير بهم في ذلك اليوم وفي غيره ولكن المعنى : أن الله يجازيهم على كفرهم في ذلك اليوم بعلمه بأحوالهم وأعمالهم ومثله قوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ) ومعناه : أولئك الذين لا يترك الله مجازاتهم ؛ وفي هذا إشارة إلى الزجر والوعيد فإن الإنسان متى علم أن خالقه يرى جميع أعماله ، ويعلم سائر أفعاله ، ويحقق ذلك لا بدّ أن ينزجر عن المعاصي.

سورة القارعة

مكية وآياتها إحدى عشرة آية

اتصلت هذه السورة بما قبلها اتصال النظير ، فإن كلتيهما في ذكر القيامة ، فقال سبحانه :

١ ـ ١١ ـ (الْقارِعَةُ) اسم من أسماء يوم القيامة لأنها تقرع القلوب بالفزع ، وتقرع أعداء الله بالعذاب (مَا الْقارِعَةُ) هذا تعظيم لشأنها ، وتهويل لأمرها ومعناه : وأيّ شيء القارعة ، ثم عجّب نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال (وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ) يقول انك يا محمد لا تعلم حقيقة أمرها ، وكنه وصفها على التفصيل ، وإنما تعلمها على سبيل الإجمال. ثم بيّن سبحانه أنها متى تكون فقال (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ) شبّه الناس عند البعث بما يتهافت في النار ، وقال قتادة : هذا هو الطائر الذي يتساقط في النار والسراج ، ليس بذباب ولا بعوض لأنهم إذا بعثوا ماج بعضهم إلى بعض فالفراش إذا ثار لم يتجه إلى جهة واحدة فدلّ ذلك على أنهم يفزعون عند البعث فيختلفون في المقاصد على جهات مختلفة ، وهذا مثل قوله : كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ (وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) وهو الصوف المصبوغ المندوف والمعنى : ان الجبال تزول عن أماكنها وتصير خفيفة السير. ثم ذكر سبحانه أحوال الناس فقال (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) أي رجحت حسناته ، وكثرت خيراته (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) أي معيشة ذات رضى يرضاها صاحبها (وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ) أي خفّت حسناته ، وقلّت طاعاته. والقول في حقيقة الوزن والميزان والاختلاف في ذلك قد مضى ذكره فيما سبق من الكتاب ، وقد ذكر سبحانه الحسنات في الموضعين ولم يذكر وزن السيئات لأن الوزن عبارة عن القدر والخطر ، والسيئة لا خطر لها ولا قدر ، وإنما الخطر والقدر للحسنات ، فكأن المعنى : فأما من عظم قدره عند الله لكثرة حسناته ، ومن خفّ قدره عند الله لخفة حسناته (فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ) أي فمأواه جهنم ومسكنه النار ، وإنما سمّاها أمه لأنه يأوي إليها كما يأوي الولد إلى أمه ، ولأن الأصل السكون إلى الأمهات قال قتادة هي كلمة عربية كان الرجل إذا وقع في أمر شديد قيل هوت أمه : وقيل : إنما قال (فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ) لأن العاصي يهوي إلى أمّ رأسه في النار عن أبي صالح وقيل : انه يهوي فيها وهي المهواة لا يدرك قعرها. ثم قال سبحانه : (وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ) هذا تعظيم

__________________

قال الإمام علي بن موسى الرضا عليه‌السلام : نور لمن استضاء به ، وشاهد لمن خاصم به ، وفلج لمن حاجّ به (الفلج : الظفر والفوز ، وأفلج الله حجّته : أي أظهرها) ، وعلم لمن وعى ، وحكم لمن قضى.

١ ـ الفلج : المصفر والفوز ، وافلح الله حجته : اي اظهرها.

٨٢٤

وتفخيم لأمرها ، يريد انك لا تعلم تفصيلها وأنواع ما فيها من العقاب وإن كنت تعلمها على طريق الجملة والهاء في هيه للوقف. ثم فسّرها فقال (نارٌ حامِيَةٌ) أي نار حارة شديدة الحرارة.

سورة التكاثر

مكيّة وآياتها ثمان آيات

١ ـ ٨ ـ (أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ) أي شغلكم عن طاعة الله وعن ذكر الآخرة التكاثر بالأموال والأولاد ، والتفاخر بكثرتهما (حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ) أي حتى أدرككم الموت على تلك الحال ، وقيل : الهيكم التباهي بكثرة المال والعدد عن تدبّر أمر الله حتى عددتم الأموات في القبور. ثم ردّ الله تعالى عليهم هذا فقال (كَلَّا) أي ليس الأمر الذي ينبغي أن تكونوا عليه التكاثر ، ثم أوعدهم فقال (سَوْفَ تَعْلَمُونَ) ثم أكّد ذلك وكرّره فقال (ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) قال الحسن ومقاتل : هو وعيد بعد وعيد والمعنى : سوف تعلمون عاقبة تباهيكم وتكاثركم إذا نزل بكم الموت وقيل معناه : سوف تعلمون في القبر ، ثم سوف تعلمون في الحشر (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ) هذا كلام آخر يقول : لو تعلمون الأمر علما يقينا لشغلكم ما تعلمون عن التفاخر والتباهي بالعز والكثرة ، وعلم اليقين : هو العلم الذي يثلج به الصدر بعد اضطراب الشك فيه. ثم استأنف سبحانه وعيدا آخر فقال (لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ) يعني حين تبرز الجحيم في القيامة قبل دخولهم إليها (ثُمَّ لَتَرَوُنَّها) يعني بعد الدخول إليها (عَيْنَ الْيَقِينِ) كما يقال : حقّ اليقين ، ومحض اليقين ومعناه : ثم لترونها بالمشاهدة إذا دخلتموها وعذبتم بها (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) قال مقاتل : يعني كفار مكة كانوا في الدنيا في الخير والنعمة فيسئلون يوم القيامة عن شكر ما كانوا فيه إذا لم يشكروا رب النعيم حيث عبدوا غيره واشركوا به ، ثم يعذبون على ترك الشكر وهذا قول الحسن قال : لا يسأل عن النعيم إلّا أهل النار ، وقال الأكثرون : إن المعنى : ثم لتسئلن يا معاشر المكلفين عن النعيم قال قتادة : ان الله سائل كل ذي نعمة عما أنعم عليه وقيل : عن النعيم في المأكل والمشرب وغيرهما من الملاذ عن سعيد بن جبير وقيل النعيم الصحة والفراغ ، ويعضده ما رواه ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ وقيل : هو الأمن والصحة عن عبد الله بن مسعود ومجاهد ، وروي ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه‌السلام ، وقيل : يسأل عن كل نعيم إلّا ما خصه الحديث وهو قوله : ثلاث لا يسأل عنها العبد : خرقة يواري بها عورته ، أو كسرة يسد بها جوعته ، أو بيت يكنّه من الحرّ والبرد.

سورة العصر

مكية وآياتها ثلاث آيات

١ ـ ٣ ـ (وَالْعَصْرِ) أقسم سبحانه بالدهر لأن فيه عبرة لذوي الأبصار من جهة مرور الليل والنهار على تقدير الأدوار وهو قول ابن عباس والكلبي والجبائي وقيل : هو وقت العشي ، عن الحسن وقتادة فعلى هذا أقسم سبحانه بالطرف الأخير من النهار لما في ذلك من الدلالة على وحدانية الله تعالى بإدبار النهار وإقبال الليل ، وذهاب سلطان الشمس كما أقسم بالضحى وهو الطرف الأول من النهار لما فيه من حدوث سلطان الشمس ، وإقبال النهار وأهل الملتين يعظمون هذين

٨٢٥

الوقتين وقيل : أقسم بصلاة العصر وهي الصلاة الوسطى عن مقاتل وقيل : هو الليل والنهار ويقال لهما : العصران عن ابن كيسان (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) هذا جواب القسم ، والإنسان : اسم الجنس ، والمعنى : انه لفي نقصان لأنه ينقص عمره كل يوم وهو رأس ماله ، فإذا ذهب رأس ماله ولم يكتسب به الطاعة يكون على نقصان طول دهره وخسران ، إذ لا خسران أعظم من استحقاق العقاب الدائم وقيل : (لَفِي خُسْرٍ) أي في هلكة (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) استثنى من جملة الناس المؤمنين المصدّقين بتوحيد الله ، العاملين بطاعة الله (وَتَواصَوْا بِالْحَقِ) أي وصّى بعضهم بعضا باتباع الحق ، واجتناب الباطل (وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) أي وصّى بعضهم بعضا بالصبر على تحمل المشاق في طاعة الله ، وبالصبر عن معاصي الله ، أي فإن هؤلاء ليسوا في خسر ، بل هم في أعظم ربح وزيادة ، يربحون الثواب باكتساب الطاعات وإنفاق العمر فيها ، فكأن رأس مالهم باق ، كما ان التاجر إذا خرج رأس المال من يده وربح عليه لم يعدّ ذلك ذهابا. وفي هذه السورة أعظم دلالة على إعجاز القرآن ألا ترى أنها مع قلة حروفها تدل على جميع ما يحتاج الناس إليه في الدين علما وعملا ، وفي وجوب التواصي بالحق والصبر إشارة إلى الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، والدعاء إلى التوحيد والعدل ، وأداء الواجبات ، والاجتناب عن المقبحات.

سورة الهمزة

مكية وآياتها تسع آيات

١ ـ ٩ ـ (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) هذا وعيد من الله سبحانه لكل مغتاب عياب مشاء بالنميمة ، مفرّق بين الأحبة عن ابن عباس ، وعنه أيضا قال : الهمزة : الطعان ، واللمزة : المغتاب وقيل : الهمزة : المغتاب ، واللمزة الطعان ، عن سعيد بن جبير وقتادة ، وقيل : الهمزة : الذي يطعن في الوجه بالعيب ، واللمزة : الذي يغتاب عند الغيبة ، عن الحسن وأبي العالية وعطاء بن أبي رباح ، وقيل : الهمزة : الذي يهمز الناس بيده ويضربهم ، واللمزة : الذي يلمزهم بلسانه وبعينه (الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ) جمع مالا من غير حلّه ، ومنعه من حقه ، وأعدّه ذخرا لنوائب دهره ، قيل نزلت في الأخنس الثقفي. ثم ذكر سبحانه طول أمله فقال (يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ) أي يظنّ أن ماله الذي جمعه يخلده في الدنيا ، ويمنعه من الموت. ثم قال سبحانه (كَلَّا) أي لا يخلده ماله ولا يبقى له (لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ) أي ليقذفن ويطرحن من وصفناه في الحطمة ، وهي اسم من أسماء جهنم. قال مقاتل : وهي تحطم العظام وتأكل اللحوم حتى تهجم على القلوب. ثم قال سبحانه (وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ) تفخيما لأمرها. ثم فسّرها بقوله (نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ) أي المؤججة ، أضافها سبحانه إلى نفسه ليعلم أنها ليست كسائر النيران. ثم وصفها بالإيقاد على الدوام (الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ) أي تشرف على القلوب فيبلغها ألمها وحريقها (إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ) يعني انها على أهلها مطبقة ، يطبق أبوابها عليهم تأكيدا للاياس عن الخروج (فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ) وهي جمع عمود ، وهي أوتاد الأطباق التي تطبق على أهل النار ، وقال مقاتل : أطبقت الأبواب عليهم ثم شدّت بأوتاد من حديد من نار حتى يرجع إليهم غمّها وحرّها فلا يفتح عليهم باب ، ولا يدخل عليهم روح وقال الحسن : يعني عمد السرداق في قوله : (أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها) ، فإذا مدّت تلك العمد أطبقت جهنم على أهلها ، نعوذ بالله منها وقال الكلبي في عمد : مثل السواري ممددة مطولة تمد عليهم ، وقال ابن عباس هم في عمد : أي في اغلال في أعناقهم يعذبون بها. وعن أبي جعفر عليه‌السلام قال : ان الكفار والمشركين يعيرون أهل التوحيد في النار ويقولون : ما نرى توحيدكم أغنى عنكم شيئا

٨٢٦

وما نحن وأنتم إلّا سواء قال : فيأنف لهم الرب تعالى فيقول للملائكة : اشفعوا فيشفعون لمن شاء الله ثم يقول للنبيين : اشفعوا فيشفعون لمن شاء الله ، ويقول الله : أنا أرحم الراحمين : أخرجوا برحمتي فيخرجون كما يخرج الفراش ، ثم قال أبو جعفر عليه‌السلام : ثم مدت العمد ، وأوصدت عليهم وكان والله الخلود.

سورة الفيل

مكية وآياتها خمس آيات

١ ـ ٥ ـ خاطب الله سبحانه نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تنبيها على عظم الآية التي أظهرها ، والمعجزة التي فعلها فقال (أَلَمْ تَرَ) أي ألم تعلم يا محمد ، لأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم ير ذلك (كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ) الذين قصدوا تخريب الكعبة وكان معهم فيل واحد. وقيل : ثمانية أفيال ، وإنما وحّد لأنه أراد الجنس ، وكان ذلك في العام الذي ولد فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، عليه أكثر العلماء (أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ) معناه : ألم يجعل إرادتهم السوء ، واحتيالهم في تخريب البيت الحرام ، وقتل أهله وسبيهم واستباحتهم في تضليل عما قصدوا إليه؟ ضلّ سعيهم حتى لم يصلوا إلى ما أرادوه بكيدهم (وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ) أي أقاطيع يتبع بعضها بعضا كالإبل المؤبلة. وقيل : طير سود بحرية تحمل في مناقيرها وأكفّها الحجارة (تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ) أي تقذفهم بحجارة صلبة شديدة ليست من جنس الحجارة ، وقد فسّرنا السجيل في سورة هود وما جاء من الأقوال فيه فلا معنى لاعادته ، وقال عبد الله بن مسعود : صاحت الطير فرمتهم بالحجارة ، فبعث الله ريحا فضربت الحجارة فزادتها شدّة فما وقع منها حجر على رجل إلّا خرج من الجانب الآخر ، فإن وقع على رأسه خرج من دبره (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) أي كزرع وتبن قد أكلته الدواب ثم راثته فديست وتفرقت أجزاؤه ، شبّه الله تقطع أوصالهم بتفرق أجزاء الروث. كان هذا من أعظم المعجزات القاهرات ، والآيات الباهرات في ذلك الزمان ، أظهره الله تعالى ليدلّ على وجوب معرفته ، وفيه ارهاص لنبوة نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنه ولد في ذلك العام ، وفيه حجة لائحة قاصمة لظهور الفلاسفة والملحدين المنكرين للآيات الخارقة للعادات ، فإنه لا يمكن نسبة شيء مما ذكره الله تعالى من أمر أصحاب الفيل إلى طبع وغيره كما نسبوا الصيحة والريح العقيم والخسف وغيرهما مما أهلك الله تعالى به الأمم الخالية الى ذلك ، إذ لا يمكنهم أن يروا في أسرار الطبيعة إرسال جماعات من الطير معها أحجار معدّة مهيّأة لهلاك أقوام معينين قاصدات إياهم دون من سواهم ، فترميهم بها حتى تهلكهم ، وتدمر عليهم حتى لا يتعدى ذلك إلى غيرهم ، لا يشك من له مسكة من عقل ولبّ ان هذا لا يكون إلّا من فعل الله تعالى مسبّب الأسباب ، ومذلّل الصعاب وليس لأحد أن ينكر هذا لأن نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما قرأ هذه السورة على أهل مكة لم ينكروا ذلك بل أقرّوا به وصدّقوه مع شدة حرصهم على نكذيبه ، واعتنائهم بالردّ عليه ، وكانوا قريبي العهد بأصحاب الفيل ، فلو لم يكن لذلك عندهم حقيقة وأصل لأنكروه وجحدوه ، وكيف وأنهم قد أرّخوا بذلك كما أرّخوا ببناء الكعبة ، وموت قصيّ بن كعب وغير ذلك.

وقد أكثر الشعراء ذكر الفيل ونظموه ، ونقلته الرواة عنهم ، فمن ذلك ما قاله أمية بن أبي الصلت :

إن آيات ربنا بينات

ما يماري فيهن إلّا الكفور

حبس الفيل بالمغمّس حتى

ظل يحبو كأنه معقور

٨٢٧

سورة الايلاف

مكية وآياتها أربع آيات

١ ـ ٥ ـ (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) أي فعلنا ذلك بأصحاب الفيل نعمة منّا على قريش مضافة إلى نعمتنا عليهم في رحلة الشتاء والصيف ، فكأنّه قال : نعمة إلى نعمة فتكون اللام مؤدية معنى إلى وهو قول الفراء (إِيلافِهِمْ) ترجمة عن الأول وبدل منهم (رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ) منصوبة بوقوع إيلافهم عليها وتحقيقه : ان قريشا كانت بالحرم آمنة من الأعداء أن تهجم عليهم فيه ، وأن يعرض لهم أحد بالسوء إذا خرجت منه لتجارتها ، والحرم واد جديب إنما كانت تعيش قريش فيه بالتجارة ، وكانت لهم رحلتان في كل سنة رحلة في الشتاء إلى اليمن لأنها بلاد حامية ، ورحلة في الصيف إلى الشام لأنها بلاد باردة ، ولولا هاتان الرحلتان لم يمكنهم به مقام ، ولولا الأمن لم يقدروا على التصرف (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ) هذا أمر من الله سبحانه ، أي فليوجّهوا عبادتهم إلى ربّ هذه الكعبة ويوحّدوه وهو الله سبحانه قسم لهم الأرزاق في رحلة الشتاء والصيف ، وأعطاهم من الأموال (وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) فلا يتعرض لهم أحد في سفرهم إذا قالوا : نحن أهل حرم الله ، وقيل : آمنهم من خوف الغارة بالحرم الذي جبلت قلوب الناس على تعظيمه.

سورة الماعون

مكية آياتها سبع آيات

١ ـ ٧ ـ خاطب الله تعالى نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال (أَرَأَيْتَ) يا محمد (الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ) أي هذا الكافر الذي يكذب بالجزاء والحساب ، وينكر البعث مع وضوح الأمر في ذلك ، وقيام الحجج على صحته ، وقيل : نزلت في أبي سفيان بن حرب ، كان ينحر في كل أسبوع جزورين فأتاه يتيم فسأله شيئا فقرعه بعصاه عن ابن جريج (فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ) بيّن سبحانه أن من صفة هذا الذي يكذب بالدين أنه يدفع اليتيم عنفا به لأنه لا يؤمن بالجزاء عليه فليس له رادع عنه وقيل : (يَدُعُّ الْيَتِيمَ) ، أي يدفعه عن حقه بجفوة وعنف ويقهره (وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) أي لا يطعمه ولا يأمر بإطعامه ، يعني لا يفعله إذا قدر ، ولا يحض عليه إذا عجز لأنه يكذب بالجزاء (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) يريد المنافقين الذين لا يرجون لها ثوابا إن صلوا ، ولا يخافون عليها عقابا إن تركوا ، فهم عنها غافلون حتى يذهب وقتها ، فإذا كانوا مع المؤمنين صلّوها رياء ، وإذا لم يكونوا معهم لم يصلّوا وهو قوله : (الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ) ، عن علي عليه‌السلام وقيل : ساهون عنها لا يبالون صلّوا أم لم يصلّوا وقيل : هم الذين يتركون الصلاة عن الضحاك وقيل : الذين إن صلّوها صلّوها رياء وإن فاتتهم لم يندموا عن الحسن وقيل : هم الذين لا يصلونها لمواقيتها ، ولا يتمون ركوعها ولا سجودها عن أبي العالية ، وعنه أيضا قال : هو الذي إذا سجد قال برأسه هكذا وهكذا ملتفتا. وروى العياشي بالإسناد عن يونس بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن قوله (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) أهي وسوسة الشيطان؟ فقال : لا كل أحد يصيبه هذا ولكن أن يغفلها ويدع أن يصلي في أول وقتها. وعن أبي أسامة زيد الشحام قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله : (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) قال : هو الترك لها ، والتواني عنها وعن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن عليه‌السلام قال هو التضييع لها وقيل هم الذين (الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ) الناس في جميع أعمالهم ، لم يقصدوا

٨٢٨

بها الإخلاص لله تعالى (وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ) اختلف فيه فقيل : هي الزكاة المفروضة عن علي وابن عمر والحسن وقتادة والضحاك ، وروي ذلك عن أبي عبد الله عليه‌السلام وقيل : هو ما يتعاوره الناس بينهم من الدلو والفأس والقدر ، وما لا يمنع كالماء والملح. وروى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : هو القرض تقرضه ، والمعروف تصنعه ، ومتاع البيت تعيره ، ومنه الزكاة.

سورة الكوثر

مكية وآياتها ثلاث

١ ـ ٣ ـ خاطب سبحانه نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على وجه التعداد لنعمه عليه فقال (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) هو نهر في الجنة. قال ابن عباس : لما نزلت (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) ، صعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المنبر فقرأها على الناس ، فلما نزل قالوا : يا رسول الله ما هذا الذي أعطاك الله؟ قال : نهر في الجنة أشدّ بياضا من اللبن ، وأشد استقامة من القدح ، حافتاه قباب الدرّ والياقوت ، ترده طير خضر لها أعناق كأعناق البخت قالوا : يا رسول الله ما أنعم تلك الطير قال : أفلا أخبركم بأنعم منها؟ قالوا : بلى. قال : من أكل الطائر ، وشرب الماء ، وفاز برضوان الله ، وقيل : هو حوض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي يكثر الناس عليه يوم القيامة (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) أمره سبحانه بالشكر على هذه النعمة العظيمة بأن قال : فصلّ صلاة العيد لأنه عقّبها بالنحر ، أي وانحر هديك واضحيتك (إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) معناه : ان مبغضك هو المنقطع عن الخير ، وهو العاص بن وائل وقيل معناه : انه لا ولد له على الحقيقة وان من ينسب إليه ليس بولد له. قال مجاهد : الأبتر الذي لا عقب له ، وهو جواب لقول قريش : إن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا عقب له يموت فنستريح منه ، ويدرس دينه ولا يقوم مقامه من يدعو إليه ، فينقطع أمره. وفي هذه السورة دلالات على صدق نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصحة نبوته (أحدها) انه أخبر عما في نفوس أعدائه وما جرى على ألسنتهم ولم يكن بلغه ذلك فكان على ما أخبر (وثانيها) انه قال : (أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) ، فانظر كيف انتشر دينه ، وعلا أمره ، وكثرت ذريته حتى صار نسبه أكثر من كل نسب ولم يكن شيء من ذلك في تلك الحال (وثالثها) ان جميع فصحاء العرب والعجم قد عجزوا عن الإتيان بمثل هذه السورة على وجازة ألفاظها مع تحدّيه إياهم بذلك ، وحرصهم على بطلان أمره منذ بعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى يومنا هذا ، وهذا غاية الإعجاز (ورابعها) انه سبحانه وعده بالنصر على أعدائه ، وأخبره بسقوط أمرهم ، وانقطاع دينهم أو عقبهم ، فكان المخبر على ما أخبر به هذا ؛ وفي هذه السورة الموجزة من تشاكل المقاطع للفواصل ، وسهولة مخارج الحروف بحسن التأليف والتقابل لكل من معانيها بما هو أولى به ما لا يخفى على من عرف مجاري كلام العرب.

سورة قل يا أيها الكافرون

مكية وآياتها ست آيات

١ ـ ٦ ـ خاطب سبحانه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال (قُلْ) يا محمد (يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) يريد قوما معينين لأن الألف واللام للعهد (لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) أي لا أعبد آلهتكم التي تعبدونها (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) أي إلهي الذي أعبده (وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ) فيما بعد (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) فيما بعد اليوم من الأوقات المستقبلة قال الزجاج : نفى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذه السورة عبادة آلهتهم عن نفسه في الحال وفيما يستقبل ، ونفى عنهم عبادة الله في الحال وفيما يستقبل ، وهذا في قوم أعلمه الله سبحانه أنهم لا يؤمنون كقوله سبحانه في قصة نوح عليه

٨٢٩

السلام : (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ) (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) ذكر فيه وجوه (أحدها) ان معناه : لكم جزاء دينكم ولي جزاء ديني ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه (وثانيها) ان المعنى : لكم كفركم بالله ولي دين التوحيد والإخلاص ؛ وهذا وإن كان ظاهره إباحة فإنه وعيد وتهديد ومبالغة في النهي والزجر (وثالثها) ان الدين الجزاء ، ومعناه : لكم جزاؤكم ولي جزائي.

سورة النصر

مدنية وآياتها ثلاث آيات

١ ـ ٣ ـ (إِذا جاءَ) يا محمد (نَصْرُ اللهِ) على من عاداك وهم قريش (وَالْفَتْحُ) فتح مكة ، وهذه بشارة من الله سبحانه لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنصر والفتح قبل وقوع الأمر (وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً) أي جماعة بعد جماعة ، وزمرة بعد زمرة ؛ والمراد بالدين الإسلام ، والتزام أحكامه ، واعتقاد صحته ، وتوطين النفس على العمل به قال الحسن : لما فتح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكة قالت العرب : أما إذا ظفر محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأهل الحرم وقد أجارهم الله من أصحاب الفيل فليس لكم به يدان أي طاقة ، فكانوا يدخلون في دين الله أفواجا أي جماعات كثيرة بعد أن كانوا يدخلون فيه واحدا واحدا ، أو اثنين اثنين ، فصارت القبيلة تدخل بأسرها في الإسلام ، وقيل : (فِي دِينِ اللهِ) : أي في طاعة الله وطاعتك ، وأصل الدين الجزاء ثم يعبّر به عن الطاعة التي يستحق بها الجزاء كما قال سبحانه : (فِي دِينِ الْمَلِكِ) ، أي في طاعته (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ) هذا أمر من الله سبحانه بأن ينزّه عما لا يليق به من صفات النقص وأن يستغفره ؛ ووجه وجوب ذلك بالنصر والفتح ان النعمة تقتضي القيام بحقها وهو شكر المنعم وتعظيمه ، والائتمار بأوامره ، والانتهاء عن معاصيه ، فكأنه قال : قد حدث أمر يقتضي الشكر والاستغفار وإن لم يكن ثمّ ذنب ، فإن الاستغفار قد يكون عند ذكر المعصية بما ينافي الإصرار ، وقد يكون على وجه التسبيح والانقطاع إلى الله عزوجل (إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً) يقبل توبة من بقى كما قبل توبة من مضى. وهذه السورة تسمى سورة التوديع ، قال ابن عباس : لما نزلت إذا جاء نصر الله قال : نعيت إليّ نفسي بأنها مقبوضة في هذه السنة واختلفت في أنهم من أيّ وجه علموا ذلك وليس في ظاهره نعي ، فقيل : لان التقدير : فسبّح بحمد ربك فإنك حينئذ لاحق بالله ، وذائق الموت كما ذاق من قبلك من الرسل ، وعند الكمال يرقب الزوال كما قيل. وقيل : لأنه سبحانه أمره بتجديد التوحيد ، واستدراك الفائت بالاستغفار ، وذلك مما يلزم عند الانتقال من هذه الدار إلى دار الأبرار ، وعن عبد الله بن مسعود قال : لما نزلت السورة كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول كثيرا : سبحانك اللهم وبحمدك ، اللهم اغفر لي انك أنت التواب الرحيم ، وعن أم سلمة قالت : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالآخرة لا يقوم ولا يعقد ، ولا يجيء ولا يذهب إلّا قال : سبحان الله وبحمده استغفر الله وأتوب إليه ، فسألناه عن ذلك فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إني أمرت بها. ثم قرأ (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ.)

سورة المسد

مكية وآياتها خمس آيات

١ ـ ٥ ـ (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَ) أي خسرت يداه وخسر هو وإنما قال : خسرت يداه لأن أكثر العمل يكون باليد ، والمراد : خسر عمله ، وخسرت نفسه بالوقوع في النار. وأبو لهب هو ابن عبد المطلب عمّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان شديد المعاداة والمناصبة له. قال طارق المحاربي : بينا أنا بسوق ذي المجاز إذا أنا بشاب يقول : أيها

٨٣٠

الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ، وإذا برجل خلفه يرميه قد أدمى ساقيه عرقوبيه ويقول : يا أيها الناس انه كذاب فلا تصدّقوه ، فقلت من هذا؟ فقالوا : هو محمد يزعم أنه نبيّ ، وهذا عمّه أبو لهب يزعم أنه كذّاب (ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ) أي ما نفعه ولا دفع عنه عذاب الله ماله وما كسبه ، وقيل معناه : أيّ شيء أغنى عنه ماله وما كسب ، يعني ولده ، لأن ولد الرجل من كسبه وذلك انه قال لما أنذره النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنار : إن كان ما تقول حقا فإني أفتدي الله عليه وآسله وسلم بالنار : إن كان ما تقول حقا فإني أفتدي بمالي وولدي. ثم أنذره سبحانه بالنار فقال (سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ) أي سيدخل نارا ذات قوة واشتعال تلتهب عليه وهي نار جهنّم ، وفي هذا دلالة على صدق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصحة نبوته لأنه أخبر أن أبا لهب يموت على كفره وكان كما قال (وَامْرَأَتُهُ) وهي أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان (حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) كانت تحمل الشوك والعضاة فتطرحه في طريق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا خرج إلى الصلاة ليعقره (فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) أي في عنقها حبل من ليف ، وإنما وصفها بهذه الصفة تخسيسا لها وتحقيرا.

سورة الاخلاص

مكية وآياتها أربع آيات

١ ـ ٤ ـ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) هذا أمر من الله عزّ اسمه لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقول لجميع المكلفين هو الله الذي تحق له العبادة قال الزجاج : هو كناية عن ذكر الله عزوجل ومعناه : الذي سألتم تبيين نسبته هو الله أحد ، أي واحد ، وقيل معناه : واحد ليس كمثله شيء عن ابن عباس (اللهُ الصَّمَدُ) قال زيد بن علي عليه‌السلام الصمد الذي إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ، والصمد الذي أبدع الأشياء فخلقها أضدادا وأصنافا وأشكالا وأزواجا وتفرد بالوحدة بلا ضدّ ولا شكل ولا مثل ولا ندّ (لَمْ يَلِدْ) لم يخرج منه شيء كثيف كالولد ولا سائر الأشياء الكثيفة التي تخرج من المخلوقين ، ولا شيء لطيف كالنفس ، ولا ينبعث منه البدوات كالسنة والنوم والخطرة والغم والحزن والبهجة والضحك والبكاء والخوف والرجاء والرغبة والجوع والشبع ، تعالى أن يخرج منه شيء ، وأن يتولد منه شيء كثيف أو لطيف (وَلَمْ يُولَدْ) أي ولم يتولد من شيء ، ولم يخرج من شيء كما تخرج الأشياء الكثيفة من عناصرها كالشيء من الشيء ، والدابة من الدابة ، والنبات من الأرض ، والماء من الينابيع ، والثمار من الأشجار ، ولا كما تخرج الأشياء اللطيفة من مراكزها كالبصر من العين ، والسمع من الأذن ، والشم من الأنف ، والذوق من الفم ، والكلام من اللسان ، والمعرفة والتمييز من القلب ، والنار من الحجر ، لا بل هو الله الصمد الذي لا من شيء ولا في شيء ولا على شيء ، مبدع الأشياء وخالقها ، ومنشىء الأشياء بقدرته ، يتلاشى ما خلق للفناء بمشيئته ، ويبقى ما خلق للبقاء بعلمه ، فذلكم الله الصمد الذي لم يلد ولم يولد ، عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) وفيه دلالة على انه ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض ولا هو في مكان ولا جهة.

سورة الفلق

مدنية وآياتها خمس آيات

١ ـ ٥ ـ (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) هذا أمر من الله سبحانه لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمراد جميع أمته ومعناه : قل يا محمد أعتصم وامتنع برب الصبح وخالقه ومدبّره ومطلعه متى شاء على ما يرى من الصلاح فيه (مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ) من الجن والإنس وسائر الحيوانات ؛ وإنما سمي الصبح فلقا لانفلاق عموده بالضياء عن الضلام كما قيل له : فجر لانفجاره بذهاب ظلامه وقيل : الفلق : جب في جهنم يتعوذ أهل جهنم

٨٣١

من شدّة حرّه وقوله : ما خلق عام في جميع ما خلقه الله تعالى ممن يجوز أن يحصل منه الشر وتقديره : من شرّ الأشياء التي خلقها الله تعالى مثل السباع والهوام والشياطين وغيرها (وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ) أي ومن شرّ الليل إذا دخل بظلامه ، وعلى هذا فيكون المراد من شرّ ما يحدث في الليل من الشر والمكروه ، وإنما اختصّ الليل بالذكر لأن الغالب أن الفساق يقدمون على الفساد بالليل ، وكذلك الهوام والسباع تؤذي فيه أكثر ؛ وأصل الغسق : الجريان بالضرر وقيل : إن معنى الغاسق : كل هاجم بضرورة كائنا ما كان (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ) معناه : ومن شرّ النساء الساحرات اللاتي ينفثن في العقد عن الحسن وقتادة ، وإنما أمر بالتعوذ من شرّ السحرة لإيهامهم أنهم يمرضون ويصحون ويفعلون شيئا من النفع والضر والخير والشر ، وعامة الناس يصدّقونهم فيعظم بذلك الضرر في الدين ، ولأنهم يوهمون أنهم يخدمون الجن ، ويعلمون الغيب ، وذلك فساد في الدين ظاهر ، فلأجل هذا الضرر أمر بالتعوذ من شرهم (وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ) فإنه يحمله الحسد على إيقاع الشر بالمحسود ، فأمر بالتعوذ من شرّه وقيل : انه أراد من شرّ نفس الحاسد ومن شرّ عينه فإنه ربما أصاب بهما فعاب وضر ، وقد جاء في الحديث ان العين حق وقد مضى الكلام فيه ، وروى أنس ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان كثيرا ما يعوذ الحسن والحسين عليهما‌السلام بهاتين السورتين وقال بعضهم : ان الله سبحانه جمع الشرور في هذه السورة وختمها بالحسد ليعلم أنه أخسّ الطبائع ،

سورة الناس

مدنية وآياتها ست آيات

١ ـ ٦ ـ (قُلْ) يا محمد (أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) أي خالقهم ومدبّرهم ومنشئهم (مَلِكِ النَّاسِ) أي سيّدهم والقادر عليهم (إِلهِ النَّاسِ) معناه : الذي يجب على الناس أن يعبدوه لأنه الذي تحقّ له العبادة دون غيره (مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ) معناه : من شرّ ذي الوسواس وهو الشيطان كما جاء في الأثر : انه يوسوس فإذا ذكر العبد ربّه خنس. ثم وصفه الله تعالى بقوله (الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) أي بالكلام الخفي الذي يصل مفهومه إلى قلوبهم من غير سماع. ثم ذكر ان هذا الشيطان الذي يوسوس في صدور الناس (مِنَ الْجِنَّةِ) وهم الشياطين كما قال سبحانه : (إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِ) ، ثم عطف بقوله (وَالنَّاسِ) على الوسواس والمعنى : من شرّ الوسواس ومن شرّ الناس ، كأنّه أمر أن يستعيذ من شرّ الجن والإنس قال مجاهد : الخناس : الشيطان ، إذا ذكر اسم الله سبحانه خنس وانقبض ، وإذا لم يذكر الله انبسط على القلب ويؤيده ما روي عن أنس بن مالك أنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ان الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم فإذا ذكر الله سبحانه خنس ، وإذا نسي التقم قلبه فذلك الوسواس الخناس وقيل : الخناس معناه : الكثير الاختفاء بعد الظهور ، وهو المستتر المختفي من أعين الناس لأنه يوسوس من حيث لا يرى بالعين وقيل : ان معنى قوله (يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) : يلقي الشغل في قلوبهم بوسواسه وفيه إشارة أيضا إلى أنه سبحانه يراعي حال من يتعوذ به فيكفيه شرورهم ، ولولا ذلك لما دعاه إلى التعوذ به من شرورهم. ولما وصف سبحانه نفسه بأنه الرب الإله الغني عن الخلق ، فإن من احتاج إلى غيره لا يكون إلها ، ومن كان غنيّا عالما لغناه لا يختار فعل القبيح ، ولهذا حسنت الاستعاذة به من شرّ غيره ؛ وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما من مؤمن إلّا ولقلبه في صدره اذنان : أذن ينفث فيها الملك ، وأذن ينفث فيها الوسواس الخنّاس ، فيؤيّد الله المؤمن بالملك وهو قوله سبحانه : وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ.

٨٣٢

دعاء الامام علي بن الحسين

عليه‌السلام

عند ختم القرآن

اللهمّ إنّك أعنتني على ختم كتابك الّذي أنزلته نورا وجعلته مهيمنا على كلّ كتاب أنزلته وفضّلته على كلّ حديث قصصته وفرقانا فرقت به بين حلالك وحرامك وقرآنا أعربت به عن شرائع أحكامك وكتابا فصّلته لعبادك تفصيلا ووحيا أنزلته على نبيّك محمّد صلواتك عليه وآله تنزيلا وجعلته نورا نهتدي من ظلم الضّلالة والجهالة باتّباعه وشفاء لمن أنصت بفهم التّصديق إلى استماعه وميزان قسط لا يحيف عن الحقّ لسانه ونور هدى لا يطفأ عن الشّاهدين برهانه وعلم نجاة لا يضلّ من أمّ قصد سنّته ولا تنال أيدي الهلكات من تعلّق بعروة عصمته اللهمّ فإذ أفدتنا المعونة على تلاوته وسهّلت جواسي ألسنتنا بحسن عبارته فاجعلنا ممّن يرعاه حقّ رعايته ويدين لك باعتقاد التّسليم لمحكم آياته ويفزع إلى الإقرار بمتشابهه وموضحات بيّناته اللهمّ إنّك أنزلته على نبيّك محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله مجملا وألهمته علم عجائبه مكمّلا وورّثتنا علمه مفسّرا وفضّلتنا على من جهل علمه وقوّيتنا عليه لترفعنا فوق من لم يطق حمله اللهمّ فكما جعلت قلوبنا له حملة وعرّفتنا برحمتك شرفه وفضله فصلّ على محمّد الخطيب به وعلى آله الخزّان له واجعلنا ممّن يعترف بأنّه من عندك حتّى لا يعارضنا الشّكّ في تصديقه ولا يختلجنا الزّيغ عن قصد طريقه اللهمّ صلّ على محمّد وآله واجعلنا ممّن يعتصم بحبله ويأوي من المتشابهات إلى حرز معقله ويسكن في ظلّ جناحه ويهتدي بضوء صباحه ويقتدي بتبلّج أسفاره ويستصبح بمصباحه ولا يلتمس الهدى في غيره اللهمّ وكما نصبت به محمّدا علما للدّلالة عليك وأنهجت بآله سبل الرضا إليك فصلّ على محمّد وآله واجعل القرآن وسيلة لنا إلى أشرف منازل الكرامة وسلّما نعرج فيه إلى محلّ السّلامة وسببا نجزي به النّجاة في عرصة القيامة وذريعة نقدم بها على نعيم دار المقامة اللهمّ صلّ على محمّد وآله واحطط بالقرآن عنّا ثقل الأوزار وهب لنا حسن شمائل الأبرار واقف بنا آثار الّذين قاموا لك به آناء اللّيل وأطراف النّهار حتّى تطهّرنا من كلّ دنس بتطهيره وتقفو بنا آثار الّذين استضاؤا بنوره ولم يلههم الأمل عن العمل فيقطعهم بخدع غروره اللهمّ صلّ على محمّد وآله واجعل القرآن لنا في ظلم اللّيالي مونسا ومن نزغات الشّيطان وخطرات الوساوس حارسا ولأقدامنا عن نقلها إلى المعاصي حابسا ولألسنتنا عن الخوض في الباطل من غير ما آفة مخرسا ولجوارحنا عن اقتراف الآثام زاجرا ولما طوت الغفلة عنّا من تصفّح الإعتبار ناشرا حتّى توصل إلى قلوبنا فهم عجائبه وزواجر أمثاله الّتي ضعفت الجبال الرواسي على صلابتها عن احتماله اللهمّ صلّ على محمّد وآله وادم بالقرآن صلاح ظاهرنا واحجب به خطرات الوساوس عن صحّة ضمائرنا واغسل به درن قلوبنا وعلائق أوزارنا واجمع به منتشر أمورنا وأرو به في موقف العرض عليك ظمأ هو اجرنا واكسنا به حلل الأمان يوم الفزع الأكبر في نشورنا اللهمّ صلّ على محمد وآله واجبر بالقرآن خلّتنا من عدم الإملاق وسق إلينا به رغد العيش وخصب سعة الأرزاق وجنّبنا به الضّرائب المذمومة ومداني الأخلاق واعصمنا به من هوّة الكفر ودواعي النفاق حتّى يكون لنا في القيامة إلى رضوانك وجنانك قائدا ولنا في الدّنيا عن سخطك وتعدّي حدودك ذائدا ولما عندك بتحليل حلاله وتحريم حرامه شاهدا أللهمّ صلّ على محمّد وآله وهوّن بالقرآن عند الموت على أنفسنا كرب السياق وجهد الأنين وترادف الحشارج إذا بلغت النّفوس التّراقي وقيل من راق وتجلّى ملك الموت لقبضها من حجب الغيوب ورماها عن قوس المنايا بأسهم وحشة الفراق وداف لها من ذعاف الموت كأسا مسمومة المذاق ودنا منّا إلى الأخرة رحيل وانطلاق وصارت الأعمال قلائد في الأعناق وكانت القبور هي المأوى إلى ميقات يوم التّلاق اللهمّ صلّ على محمّد وآله وبارك لنا في حلول دار البلى وطول المقامة بين أطباق الثّرى واجعل القبور بعد فراق الدّنيا خير منازلنا وافسح لنا برحمتك في ضيق ملاحدنا ولا تفضحنا في حاضري القيامة بموبقات آثامنا وارحم بالقرآن في موقف العرض عليك ذلّ مقامنا وثبّت به عند اضطراب جسر جهنّم يوم المجاز عليها زلل أقدامنا ونوّر به قبل البعث سدف قبورنا ونجنا به من كلّ كرب يوم القيامة وشدائد أهوال يوم الطّامّة وبيّض وجوهنا يوم تسودّ وجوه الظّلمة في يوم الحسرة والنّدامة واجعل لنا في صدور

٨٣٣

المؤمنين ودّا ولا تجعل الحياة علينا نكدا اللهمّ صلّ على محمّد عبدك ورسولك كما بلّغ رسالتك وصدع بأمرك ونصح لعبادك اللهمّ اجعل نبيّنا صلواتك عليه وعلى آله يوم القيامة أقرب النّبيّين منك مجلسا وأمكنهم منك شفاعة وأجلّهم عندك قدرا وأوجههم عندك جاها اللهمّ صلّ على محمد وآل محمّد وشرّف بنيانه وعظّم برهانه وثقّل ميزانه وتقبّل شفاعته وقرّب وسيلته وبيّض وجهه وأتمّ نوره وارفع درجته وأحينا على سنّته وتوفّنا على ملّته وخذ بنا منهاجه واسلك بنا سبيله واجعلنا من أهل طاعته واحشرنا في زمرته وأوردنا حوضه واسقنا بكأسه وصل اللهمّ على محمّد وآله صلاة تبلّغه بها أفضل ما يأمل من خيرك وفضلك وكرامتك إنّك ذو رحمة واسعة وفضل كريم اللهم اجزه بما بلّغ من رسالاتك وأدّى من آياتك ونصح لعبادك وجاهد في سبيلك أفضل ما جزيت أحدا من ملائكتك المقرّبين وأنبيائك المرسلين المصطفين والسّلام عليه وعلى آله الطّيّبين الطّاهرين ورحمة الله وبركاته.

٨٣٤

الفهرس

هذا الكتاب

٥

سورة الروم

٥٣٥

سورة الفاتحة

٧

سورة لقمان

٥٤٥

سورة البقرة

٨

سورة السجدة

٥٤٩

سورة آل عمران

٦٧

سورة الاحزاب

٥٥٣

سورة النساء

١٠٢

سورة سبا

٥٦٧

سورة المائدة

١٣٩

سورة فاطر

٥٧٥

سورة الانعام

١٦٧

سورة يس

٥٨٤

سورة الاعراف

١٩٧

سورة الصافات

٥٩٢

سورة الانفال

٢٣١

سورة ص

٦٠٢

سورة التوبة

٢٤٤

سورة الزمر

٦١٠

سورة يونس

٢٧٠

سورة غافر

٦٢٢

سورة هود

٢٨٨

سورة فصلت

٦٣٤

سورة يوسف

٣٠٧

سورة الشورى

٦٤٣

سورة الرعد

٣٢٥

سورة الزخرف

٦٥١

سورة ابراهيم

٣٣٤

سورة الدخان

٦٦١

سورة الحجر

٣٤٢

سورة الجاثية

٦٦٥

سورة النحل

٣٥٠

سورة الاحقاف

٦٧٠

سورة الاسراء

٣٦٩

سورة محمد (ص)

٦٧٧

سورة الكهف

٣٨٥

سورة الفتح

٦٨٣

سورة مريم

٤٠١

سورة الحجرات

٦٨٩

سورة طه

٤١١

سورة ق

٦٩٣

سورة الانبياء

٤٢٥

سورة الذاريات

٦٩٧

سورة الحج

٤٣٧

سورة الطور

٧٠١

سورة المؤمنون

٤٥٠

سورة النجم

٧٠٥

سورة النور

٤٦١

سورة القمر

٧٠٩

سورة الفرقان

٤٧٥

سورة الرحمن

٧١٣

سورة الشعراء

٤٨٤

سورة الواقعة

٧١٨

سورة النمل

٤٩٩

سورة الحديد

٧٢٣

سورة القصص

٥١١

سورة المجادلة

٧٣٠

سورة العنكبوت

٥٢٥

سورة الحشر

٧٣٤

٨٣٥

سورة الممتحنة

٧٣٩

سورة الفجر

٨١٠

سورة الصف

٧٤٣

سورة البلد

٨١٢

سورة الجمعة

٧٤٥

سورة الشمس

٨١٤

سورة المنافقون

٧٤٨

سورة الليل

٨١٥

سورة التغابن

٧٥٠

سورة الضحى

٨١٦

سورة الطلاق

٧٥٣

سورة الإنشراح

٨١٧

سورة التحريم

٧٥٦

سورة التين

٨١٨

سورة الملك

٧٥٩

سورة العلق

٨١٨

سورة القلم

٧٦٢

سورة القدر

٨٢٠

سورة الحاقة

٧٦٦

سورة البينة

٨٢١

سورة المعارج

٧٦٩

سورة (إذا زلزلت)

٨٢٢

سورة نوح

٧٧٢

سورة العاديات

٨٢٣

سورة الجن

٧٧٤

سورة القارعة

٨٢٤

سورة المزمل

٧٧٧

سورة التكاثر

٨٢٥

سورة المدثر

٧٨٠

سورة العصر

٨٢٥

سورة القيامة

٧٨٣

سورة الهمزة

٨٢٦

سورة الانسان

٧٨٥

سورة الفيل

٨٢٧

سورة المرسلات

٧٨٨

سورة الإيلاف

٨٢٨

سورة النبأ

٧٩١

سورة الماعون

٨٢٨

سورة النازعات

٧٩٣

سورة الكوثر

٨٢٩

سورة عبس

٧٩٦

سورة (قل يا أيها الكافرون)

٨٢٩

سورة التكوير

٧٩٨

سورة النصر

٨٣٠

سورة الإنفطار

٨٠٠

سورة المسد

٨٣٠

سورة المطففين

٨٠١

سورة الاخلاص

٨٣١

سورة الإنشقاق

٨٠٣

سورة الفلق

٨٣١

سورة البروج

٨٠٥

سورة الناس

٨٣٢

سورة الطارق

٨٠٧

دعاء الإمام علي بن الحسين (ع) عند ختم القرآن

٨٣٣

سورة الأعلى

٨٠٨

الفهرس

٨٣٥

سورة الغاشية

٨٠٩

٨٣٦