الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

علي محمد علي دخّيل

الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

المؤلف:

علي محمد علي دخّيل


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التعارف للمطبوعات
الطبعة: ٢
الصفحات: ٨٣٦

بالقرآن من آمن من قومك فإن الذكرى تنفعهم عن الكلبي (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) أي لم أخلق الجن والإنس إلا لعبادتي والمعنى لعبادتهم إياي عن الربيع ، فإذا عبدوني استحقوا الثواب وقيل : إلا لآمرهم وأنهاهم ، وأطلب منهم العبادة ، عن مجاهد واللام لام الغرض والمراد أن الغرض في خلقهم تعريضهم للثواب وذلك لا يحصل إلا بأداء العبادات ، فصار كأنه سبحانه خلقهم للعبادة ، ثم انه إذا لم يعبده قوم لم يبطل الغرض ويكون كمن هيّأ طعاما لقوم ودعاهم ليأكلوه فحضروا ولم يأكله بعضهم ، فإنه لا ينسب إلى السفه ، ويصح غرضه ، فإن الأكل موقوف على اختيار الغير ، وكذلك المسألة فإن الله إذا أزاح علل المكلفين من القدرة والآلة والألطاف وأمرهم بعبادته فمن خالف فقد أتي من قبل نفسه لا من قبله سبحانه ، وقيل معناه إلا ليقروا بالعبودية طوعا وكرها ، عن ابن عباس (ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) هذا نفي الإيهام عن خلقهم لعبادته أن يكون ذلك لعائدة نفع يعود عليه تعالى ، فبين أنه لعائدة النفع على الخلق دونه تعالى ، لاستحالة النفع عليه ، لأنّه غني لنفسه فلا يحتاج إلى غيره ، وكل الخلق يحتاج إليه وقيل معناه ما أريد أن يرزقوا أحدا من خلقي ، ولا أنى يرزقوا أنفسهم ، وما أريد أن يطعموا أحدا من خلق ، وإنما أسند الإطعام إلى نفسه لأن الخلق كلهم عيال الله ، ومن أطعم عيال أحد فقد أطعمه (إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ) لعباده وللخلائق كلهم فلا يحتاج إلى معين (ذُو الْقُوَّةِ) أي ذو القدرة (الْمَتِينُ) أي القوي الذي يستحيل عليه العجز والضعف إذ هو القادر لنفسه يقال متن متانة فهو متين إذا قوي (فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) أنفسهم بالكفر والمعاصي (ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ) أي نصيبا من العذاب مثل نصيب أصحابهم الذين هلكوا نحو قوم نوح وعاد وثمود (فَلا يَسْتَعْجِلُونِ) بإنزال العذاب عليهم فإنّهم لا يفوتون (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) هذا يدل على أنهم أخّروا إلى يوم القيامة ، والويل كلمة تقولها العرب لكل من وقع في الهلكة.

سورة الطور

مكية

وآيها تسع وأربعون آية

لما ختم الله سورة الذاريات بالوعيد افتتح هذه السورة بوقوع الوعيد فقال :

١ ـ ١٦ ـ (وَالطُّورِ) أقسم الله سبحانه بالجبل الذي كلم عليه موسى (ع) بالأرض المقدسة عن الجبائي وجماعة من المفسرين وقيل : هو الجبل ، أقسم به لما أودع فيه من أنواع نعمه (وَكِتابٍ مَسْطُورٍ) أي مكتوب ، وهو الكتاب الذي كتبه الله لملائكته في السماء يقرؤون فيه ما كان وما يكون وقيل : هو القرآن مكتوب عند الله في اللوح المحفوظ ، وهو الرق المنشور وقيل : هو صحائف الأعمال التي تخرج إلى بني آدم يوم القيامة فمنهم آخذ كتابه بيمينه ، وآخذ بشماله ، وهذا كقوله : (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً) ، عن الفراء (فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ) أي وينشرونه لقراءته ، والرق : ما يكتب فيه ، والمنشور : المبسوط (وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ) وهو بيت في

٧٠١

السماء الرابعة بحيال الكعبة تعمره الملائكة بما يكون منها فيه من العبادة. وروي عن أمير المؤمنين (ع) قال : يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه أبدا. عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : البيت المعمور في السماء الدنيا ، وفي السماء الرابعة نهر يقال له الحيوان ، يدخل فيه جبرائيل كل يوم طلعت فيه الشمس ، وإذا خرج انتفض انتفاضة جرت منه سبعون ألف قطرة ، يخلق الله من كل قطرة ملكا يؤمرون أن يأتوا البيت المعمور فيصلون فيه ، فيفعلون ثم لا يعودون إليه أبدا. وعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : البيت الذي في السماء الدنيا يقال له : الضراح ، وهو بفناء البيت الحرام ، لو سقط سقط عليه ، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه أبدا (وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ) هو السماء عن علي سلام الله عليه ، هي كالسقف للأرض رفعها الله (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) أي المملوء وقيل : هو الموقد المحمى بمنزلة التنور وقيل : انه تحمى البحار يوم القيامة فتجعل نيرانا ، ثم تفجر بعضها في بعض ثم تفجر إلى النار (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ) هذا جواب القسم ، أقسم الله بهذه الأشياء للتنبيه على ما فيها من عظيم القدرة على أن تعذيب المشركين حق واقع لا محالة (ما لَهُ مِنْ دافِعٍ) يدفع عنهم ذلك العذاب ثم بيّن سبحانه أنه متى يقع فقال (يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً) أي تدور دورانا ، وتضطرب وتموج وتتحرك وتستدير (وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً) أي تسير الجبال وتزول من أماكنها حتى تستوي الأرض (فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) دخلت الفاء لأن في الكلام معنى المجازاة والتقدير إذا كان هذا فويل لمن يكذب الله ورسوله (الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ) أي في حديث باطل يخوضون ، وهو الحديث الذي كان يخوض فيه الكفار من إنكار البعث ، وتكذيب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (يَلْعَبُونَ) أي يلهون بذكره (يَوْمَ يُدَعُّونَ) أي يدفعون (إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا) أي دفعا بعنف وجفوة. قال مقاتل : هو أن تغل أيديهم إلى أعناقهم ، وتجمع نواصيهم إلى أقدامهم ، ثم يدفعون إلى جهنم دفعا على وجوههم ، حتى إذا دنوا قال لهم خزنتها (هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ) في الدنيا ، ثم وبخوهم لما عاينوا بما كانوا يكذبون به وهو قوله (أَفَسِحْرٌ هذا) الذي ترون أنتم (أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ) وذلك أنهم كانوا ينسبون محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى السحر ، وإلى أنه يغطي على الأبصار بالسحر ، فلما شاهدوا ما وعدوا به من العذاب وبخوا بهذا ، ثم يقال لهم (اصْلَوْها) أي قاسوا شدتها (فَاصْبِرُوا) على العذاب (أَوْ لا تَصْبِرُوا) عليه (سَواءٌ عَلَيْكُمْ) الصبر والجزع (إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) في الدنيا من المعاصي بكفركم وتكذيبكم الرسول.

١٧ ـ ٢٨ ـ لما تقدم وعيد الكفار عقبه سبحانه بالوعد للمؤمنين فقال (إِنَّ الْمُتَّقِينَ) الذين يجتنبون معاصي الله خوفا من عقابه (فِي جَنَّاتٍ) أي في بساتين تجنّها الأشجار (وَنَعِيمٍ) أي وفي نعيم (فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ) أي متنعّمين بما أعطاهم ربهم من أنواع النعيم (وَوَقاهُمْ) أي وصرف عنهم (رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ كُلُوا وَاشْرَبُوا) أي يقال لهم كلوا واشربوا (هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أكلا وشربا هنيئا مأمون العاقبة من التخمة والسقم ، ثم ذكر حالهم في الأكل والشرب فقال (مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ) والسرر : جمع سرير ، والمصفوفة : المصطفة الموصول بعضها ببعض (وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ) فالحور : البيض النقيات في حسن وكمال ، والعين : الواسعات الأعين في صفاء وبهاء ومعناه : قرنّا هؤلاء المتقين بحور عين على وجه التمتيع لهم والتنعيم (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) الصغار والكبار ، لأن الكبار يتبعون الآباء بإيمان منهم والصغار يتبعون الآباء بإيمان من الآباء ، فالولد يحكم له بالإسلام تبعا

٧٠٢

لوالده ، والمعنى : انا نلحق الأولاد بالآباء في الجنة والدرجة من أجل إيمان الآباء ، لتقرّ أعين الآباء باجتماعهم معهم في الجنة كما كانت تقرّبهم في الدنيا (وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) أي لم ننقص الآباء من الثواب حين ألحقنا بهم ذرياتهم. ثم ذكر سبحانه أهل النار فقال (كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) أي كل امرىء كافر مرتهن في النار بما كسب : أي عمل من الشرك ، والمؤمن من لا يكون مرتهنا لقوله : (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ) ، فاستثنى المؤمنين وقيل معناه : كل إنسان يعامل بما يستحقه ، ويجازى بحسب ما عمله ، ان عمل طاعة أثيب ، وإن عمل معصية عوقب ، ولا يؤاخذ أحد بذنب غيره. ثم ذكر سبحانه ما يزيدهم من الخير والنعمة فقال (وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ) أي أعطيناهم حالا بعد حال ، فإن الإمداد : هو الإتيان بالشيء بعد الشيء ، والفاكهة : جنس الثمار (وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) أي وأعطيناهم وأمددناهم بلحم من الجنس الذي يشتهونه (يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً) أي يتعاطون كأس الخمر ، ثم وصف الكأس فقال (لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ) أي لا يجري بينهم باطل ، كما يجري في الدنيا بين شرّب الخمر ، والتأثيم : تفعيل من الإثم ، يعني ان تلك الكأس لا تجعلهم آثمين (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ) للخدمة (غِلْمانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ) في الحسن والصباحة والصفاء والبياض ، والمكنون : المصون المخزون ، وقيل انه ليس على الغلمان مشقة في خدمة أهل الجنة ، بل لهم في ذلك اللذة والسرور إذ ليست تلك الدار دار محنة. وذكر عن الحسن أنه قال : قيل : يا رسول الله الخادم كاللؤلؤ فكيف المخدوم؟ فقال : والذي نفسي بيده إن فضل المخدوم على الخادم كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) أي يتذاكرون ما كانوا فيه من التعب والخوف في الدنيا (قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ) أي خائفين في دار الدنيا من العذاب (فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ) أي عذاب جهنم ، والسموم : من أسماء جهنم (إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ) أي في الدنيا (نَدْعُوهُ) أي ندعو الله تعالى ونوحّده ونعبده (إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ) أي اللطيف ، وأصله اللطف مع عظم الشأن (الرَّحِيمُ) بعباده.

٢٩ ـ ٤٠ ـ ثم خاطب سبحانه نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال (فَذَكِّرْ) يا محمد ، أي فعظ هؤلاء المكلّفين ولا تترك دعوتهم وإن أساءوا قولهم فيك (فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ) أي بإنعام ربّك عليك بالنبوة ، وهذا قسم (بِكاهِنٍ) وهو الذي يوهم أنه يعلم الغيب بطريق خدمة الجن (وَلا مَجْنُونٍ) وهو المؤوف بما يغطى على عقله ، وقد علم الكفار أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس بكاهن ولا مجنون ، لكن قالوا ذلك على جهة التكذيب عليه ليستريحوا إلى ذلك كما يستريح السفهاء إلى التكذيب على أعدائهم (أَمْ يَقُولُونَ) أي بل يقولون (شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) ويكون بمعنى المنية. ثم قال سبحانه (قُلْ) لهم يا محمد (تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ) أي انكم إن تربصتم فيّ حوادث الدهر فإني منتظر مثل ذلك بكم (أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا) قال المفسرون كانت عظماء قريش توصف بالأحلام والعقول ، فأزرى الله سبحانه بعقولهم حيث لم تثمر لهم معرفة الحق من الباطل. ثم أخبر سبحانه عن طغيانهم فقال (أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) المعنى : ان عقولهم لم تأمرهم بهذا ولم تدعهم إليه ، بل حملهم الطغيان على تكذيبك (أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ) أي افتعل القرآن وتكذبه من تلقاء نفسه ، والتقول : تكلف القول ولا يقال ذلك إلا في الكذب (بَلْ لا يُؤْمِنُونَ) أي ليس الأمر كما زعموا ، بل ثبت أنه من عند الله ولكنهم لا يصدقون بذلك عنادا وحسدا واستكبارا ؛ ثم ألزمهم سبحانه الحجة وتحدّاهم فقال (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ) أي مثل القرآن وما

٧٠٣

يقاربه في نظمه وفصاحته وحسن بيانه وبراعته (إِنْ كانُوا صادِقِينَ) في انه تقوله محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإذا لم يقدروا على الإتيان بمثله فليعلموا أن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يتقوله من تلقاء نفسه بل هو من عند الله تعالى. ثم احتج عليهم بابتداء الخلق فقال (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ) أي أم خلقوا لغير شيء ، أي أخلقوا باطلا لا يحاسبون ولا يؤمرون ولا ينهون ونحو هذا عن الزجاج وقيل معناه : أم خلقوا عبثا وتركوا سدى ، عن ابن كيسان ، وهذا في المعنى مثل الأول ، وقيل معناه : أخلقوا من غير خالق ومدبّر دبّرهم (أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ) أنفسهم فلا يجب عليهم لله أمر عن ابن عباس (أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) واخترعوهما فلذلك لا يقرّون بالله وبأنه خالقهم (بَلْ لا يُوقِنُونَ) بأن لهم إلها يستحق العبادة وحده ، وإنك نبيّ من جهة الله (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ) أي بأيديهم مفاتيح ربّك بالرسالة فيضعونها حيث شاؤوا ، عن مقاتل وعكرمة ، وقيل : أراد خزائن المطر والرزق ، عن الكلبي ، وابن عباس ، وقيل : خزائنه مقدوراته ، فلا يأتيهم إلّا ما يحبّون (أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ) أي الأرباب المسلطون على الناس ، فليس عليهم مسيطر ، ولا لهم ملزم ومقوم (أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ) أي مرقى ومصعد إلى السماء (يَسْتَمِعُونَ فِيهِ) الوحي من السماء فقد وثقوا بما هم عليه ، وردّوا ما سواه (فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) أي بحجّة ظاهرة واضحة ان ادعى ذلك ، والتقدير : يستمعون عليه ، فهو كقوله (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) وإنّما قيل ذلك لأنّ كل من يدّعي ما لم يعلم ببداية العقول فعليه إقامة البيّنة والحجة (أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) وهذا تسفيه لأحلامهم إذ أضافوا إلى الله سبحانه ما أنفوا منه ، وهذا غاية في جهلهم إذ جوزوا عليه سبحانه الولد ، ثم ادعوا أنه اختار الأدون على الأعلى (أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً) أي ثوابا على أداء الرسالة ، وعلى ما جئتهم به من الدين والشريعة (فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ) أثقلهم ذلك الغرم الذي تسألهم فمنعهم ذلك عن الإيمان بك.

٤١ ـ ٤٩ ـ ثم قال سبحانه (أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ) أي أعندهم الغيب حتى علموا أنّ محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يموت قبلهم؟ وهذا جواب لقولهم : (نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) عن قتادة وقيل : أعندهم اللوح المحفوظ فهم يكتبون منه ويخبرون به الناس عن ابن عباس وقيل : هو جواب لقولهم : إن كان أمر الآخرة حقا كما تدعون فلنا الجنة ، ومثله (وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى) ، عن الحسن.

(أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً) أي مكرا بك ، وتدبير سوء في بابك سرّا على ما دبّروه في دار الندوة (فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ) أي هم المجزيون بكيدهم ، فإن ضرر ذلك يعود عليهم ، ويحيق بهم مكرهم ، كما جزى الله سبحانه أهل دار الندوة بكيدهم أن قتلهم ببدر (أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ) يرزقهم ويحفظهم وينصرهم يعني : ان الذين اتخذوهم آلهة لا تنفعهم ولا تدفع عنهم. ثم نزّه سبحانه نفسه فقال : (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) به من الآلهة ثم ذكر سبحانه عنادهم ، وقسوة قلوبهم فقال (وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً) يعني ان عذّبناهم بسقوط بعض من السماء عليهم لن ينتهوا عن كفرهم وقالوا : هو قطعة من السحاب وهو قوله (يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ) بعضه على بعض (فَذَرْهُمْ) يا محمد أي اتركهم (حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ) أي يهلكون بوقوع الصاعقة عليهم وقيل : الصعقة النفخة الأولى التي يهلك عندها جميع الخلائق. ثم وصف سبحانه ذلك اليوم فقال (يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً) أي لا تنفعهم حيلتهم ، ولا تدفع عنهم شيئا (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) يعني

٧٠٤

كفار مكة (عَذاباً دُونَ ذلِكَ) أي دون عذاب الآخرة ، يعني القتل يوم بدر عن ابن عباس وقيل : يريد عذاب القبر عن ابن عباس أيضا والبراء بن عازب وقيل : هو الجوع في الدنيا والقحط سبع سنين عن مجاهد وقيل : هو مصائب الدنيا عن ابن زيد وقيل : هو عام جميع ذلك (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) ما هو نازل بهم (وَاصْبِرْ) يا محمد (لِحُكْمِ رَبِّكَ) الذي حكم به وألزمك التسليم له إلى أن يقع عليهم العذاب الذي حكمنا عليهم وقيل : واصبر على أذاهم حتى يرد أمر الله عليك بتخليصك (فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا) أي بمرأى منا ندركك ولا يخفى علينا شيء من أمرك ونحفظك لئلا يصلوا إلى شيء من مكروهك (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ) من نومك عن أبي الأحوص وقيل : حين تقوم إلى الصلاة المفروضة فقل : سبحانك اللهم وبحمدك عن الضحاك (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ) يعني صلاة الليل وروى زرارة وحمران ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) في هذه الآية قالا ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقوم من الليل ثلاث مرات فينظر في آفاق السماء ويقرأ الخمس من آل عمران التي آخرها (إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ) ثم يفتتح صلاة الليل الخبر بتمامه وقيل معناه : صل المغرب والعشاء الآخرة عن مقاتل (وَإِدْبارَ النُّجُومِ) يعني الركعتين قبل صلاة الفجر عن ابن عباس وقتادة وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) وذلك حين تدبر النجوم أي تغيب بضوء الصبح.

سورة النجم

مكية وآيها اثنتان وستون آية

١ ـ ١٠ ـ (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى) يعني به المرجوم من النجوم ، وهو ما يرمى به الشياطين عند استراق السمع (ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى) يعني النبي ، أي ما عدل عن الحق وما فارق الهدى إلى الضلال ، وما غوى فيما يؤديه إليكم ، ومعنى غوى ضل ، وإنما أعاده تأكيدا (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) أي وليس ينطق بالهوى (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) أي ما القرآن وما ينطق به من الأحكام إلّا وحي من الله يوحي إليه ، أي يأتيه به جبرائيل وهو قوله (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى) يعني جبرائيل (ع) ، أي القوي في نفسه وخلقته (ذُو مِرَّةٍ) أي ذو قوة وشدة في خلقه ، ومن قوته أنه اقتلع قرى قوم لوط من الماء الأسود فرفعها إلى السماء ثم قلبها ، ومن شدته صيحته لقوم ثمود حتى هلكوا (فَاسْتَوى) جبرائيل على صورته التي خلق عليها بعد انحداره إلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَهُوَ) كناية عن جبرائيل (ع) أيضا (بِالْأُفُقِ الْأَعْلى) يعني أفق المشرق ، والمراد بالأعلى : جانب المشرق ، قالوا : إن جبرائيل كان يأتي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صورة الآدميين ، فسأله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يريه نفسه على صورته التي خلق عليها ، فأراه نفسه مرتين مرة في الأرض ، ومرة في السماء ، أما في الأرض ففي الأفق الأعلى وذلك ان محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان بحراء فطلع له جبرائيل (ع) من المشرق فسدّ الأفق إلى المغرب فخرّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مغشيا عليه ، فنزل جبرائيل (ع) في صورة الآدميين فضمه إلى نفسه وهو قوله (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى) وتقديره : ثم تدلى أي قرب بعد بعده وعلوه في الأفق الأعلى فدنا من محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال الزجاج : معنى دنا وتدلى واحد ، لأن معنى دنا : قرب ، وتدلى : زاد في القرب كما تقول : قد دنا مني فلان وقرب (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ) أي كان ما بين جبرائيل ورسول الله قاب قوسين والقوس : ما يرمى به (أَوْ أَدْنى) قال الزجاج : ان العباد قد

٧٠٥

خوطبوا على لغتهم ومقدار فهمهم وقيل لهم في هذا ما يقال للذي يحدد ، فالمعنى : فكان على ما تقدرونه أنتم قدر قوسين أو أقل من ذلك ، وهو كقوله أو يزيدون (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) أي فأوحى الله على لسان جبرائيل إلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أوحى.

١١ ـ ٢٠ ـ ثمّ بيّن سبحانه ما رآه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة الإسراء وحقق رؤيته فقال : (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) أي لم يكذب فؤاد محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما رآه بعينه وان الذي رآه هو ما رآه من ملكوت الله تعالى وأجناس مقدوراته (أَفَتُمارُونَهُ) أي أفتجادلونه (عَلى ما يَرى) وذلك أنهم جادلوه حين أسري به فقالوا له : صف لنا بيت المقدس ، وأخبرنا عن عيرنا في طريق الشام ، وغير ذلك مما جادلوه به (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) أي رأى جبرائيل في صورته التي خلق عليها نازلا من السماء نزلة أخرى ، وذلك انه رآه مرتين في صورته على ما مرّ ذكره (عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى) أي رآه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو عند سدرة المنتهى ، وهي شجرة عن يمين العرش ، فوق السماء السابعة ، انتهى إليها علم كل ملك (عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى) أي عند سدرة المنتهى جنة المقام ، وهي جنة الخلد ، وهي في السماء السابعة (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى) يغشاها الملائكة أمثال الغربان حين يقعن على الشجر ، والمعنى : أنه رأى جبرائيل (ع) على ما صورته في الحال التي يغشى فيها السدرة من أمر الله ، ومن العجائب المنبهة على كمال قدرة الله تعالى ما يغشاها ، وإنما أبهم الأمر فيما يغشى لتعظيم ذلك وتفخيمه كما قال (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) وقوله : ما يغشى أبلغ لفظ في هذا المعنى (ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى) أي ما زاغ بصر محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يمل يمينا ولا شمالا وما طغى أي ما جاوز القصد ولا الحد الذي حد له ، وهذا وصف أدبه صلوات الله عليه وآله في ذلك المقام إذ لم يلتفت جانبا ، ولم يمل بصره ، ولم يمده أمامه إلى حيث ينتهي (لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) وهي الآيات العظام التي رآها تلك الليلة مثل سدرة المنتهى ، وصورة جبرائيل (ع) ورؤيته وله ستمائة جناح قد سدّ الأفق بأجنحته ، ومن للتبعيض ، أي رأى بعض آيات ربه (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) أي أخبرونا عن هذه الآلهة التي تعبدونها من دون الله ، وتعبدون معها الملائكة ، وتزعمون ان الملائكة بنات الله ، ومعنى الآية : أخبروني عن هذه الأصنام هل ضرت أو نفعت ، أو فعلت ما يوجب أن تعدل بالله.

٢١ ـ ٣٠ ـ (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى) أي كيف يكون ذلك كذلك؟ وأنتم لو خيرتم لأخترتم الذكر على الأنثى ، فكيف أضفتم إليه تعالى ما لا ترضونه لأنفسكم! (تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى) أي ان القسمة التي قسمتم من نسبة الاناث إلى الله تعالى ، وإيثاركم بالبنين قسمة غير عادلة (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ) أي ليس تسميتكم لهذه الأصنام بأنها آلهة ، وانها بنات الله إلا أسامي لا معاني تحتها ، لأنه لا ضر عندها ولا نفع ، فهي تسميات ألقيت على جمادات (ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) أي لم ينزل الله كتابا لكم فيه حجة بما تقولونه. ثم رجع إلى الإخبار عنهم بعد المخاطبة فقال (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ) الذي ليس بعلم (وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ) أي وما تميل إليه نفوسهم (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى) أي البيان والرشاد بالكتاب والرسول (أَمْ لِلْإِنْسانِ) أي للكافر (ما تَمَنَّى) من شفاعة الأصنام (فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى) فلا يملك فيهما أحد شيئا إلّا بإذنه. ثم أكد ذلك بقوله (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً) جمع الكناية ، لأن المراد بقوله : (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ) الكثرة (إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ)

٧٠٦

لهم في الشفاعة (لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى) لهم أن يشفعوا فيه ، أي من أهل الإيمان والتوحيد. ثم ذم سبحانه مقالتهم فقال (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) أي لا يصدقون بالبعث والثواب والعقاب (لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى) حين زعموا أنهم بنات الله (وَما لَهُمْ بِهِ) أي بذلك التسمية (مِنْ عِلْمٍ) أي ما يستيقنون أنهم أناث وليسوا عالمين (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ) الذي يجوز أن يخطىء ويصيب في قولهم ذلك (وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) الحق هنا معناه : العلم ، أي الظن لا يغني عن العلم شيئا ، ولا يقوم مقام العلم. ثم خاطب نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال (فَأَعْرِضْ) يا محمد (عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا) ولم يقر بتوحيدنا (وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا) فمال إلى الدنيا ومنافعها ، أي لا تقابلهم على أفعالهم واحتملهم ، ولا تدع مع هذا وعظهم ودعاءهم إلى الحق (ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) أي الإعراض عن التدبر في أمور الآخرة ، وصرف الهمة إلى التمتع باللذات العاجلة منتهى علمهم ، وهو مبلغ خسيس لا يرضى به لنفسه عاقل ، لأنه من طباع البهائم أن يأكل في الحال ولا ينتظر العواقب ، وفي الدعاء : اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ، ولا مبلغ علمنا (إِنَّ رَبَّكَ) يا محمد (هُوَ أَعْلَمُ) منك ومن جميع الخلق (بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ) أي بمن جار وعدل عن سبيل الحق الذي هو سبيله (وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى) إليها ، فيجازي كلا منهم على حسب أعمالهم.

٣١ ـ ٤١ ـ ثم أخبر سبحانه عن كمال قدرته ، وسعة ملكه فقال (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) وهذا اعتراض بين الآية الأولى وبين قوله (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا) واللام في ليجزي تتعلق بمعنى الآية الأولى لأنه إذا كان أعلم بهم جازى كلا منهم بما يستحقه وذلك لام العاقبة ، وذلك ان علمه بالفريقين أدى إلى جزائهم باستحقاقهم ، وإنما يقدر على مجازاة المحسن والمسيء إذا كان كثير الملك ، ولذلك أخبر به في قوله : (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) ، ليجزي في الآخرة الذين أساؤوا : أي أشركوا بما عملوا من الشرك (وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا) أي وحدوا ربهم (بِالْحُسْنَى) أي بالجنة ، ثم وصف سبحانه الذين أحسنوا فقال (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ) أي عظائم الذنوب (وَالْفَواحِشَ) جمع فاحشة وهي أقبح الذنوب وأفحشها ، وقد بيّنا اختلاف الناس في الكبائر في سورة النساء ، وقد قيل : ان الكبيرة : كل ذنب ختم بالنار ، والفاحشة : كل ذنب فيه الحد (إِلَّا اللَّمَمَ) معناه هو صغار الذنوب كالنظر والقبلة ، وما كان دون الزنا وقيل : هو أن يلم بالذنب مرة ثم يتوب ولا يعود ، عن الحسن والسدي ، وهو اختيار الزجاج لأنه قال : اللمم : هو أن يكون الإنسان قد ألمّ بالمعصية ولم يقم على ذلك ، ويدل على ذلك قوله (إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ) قال ابن عباس : لمن فعل ذلك وتاب ، ومعناه : ان رحمته تسع جميع الذنوب لا تضيق عنه (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ) يعني قبل أن خلقكم (إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) أي أنشأ أباكم آدم من أديم الأرض وقال البلخى : يجوز أن يكون المراد به جميع الخلق ، أي خلقكم من الأرض عند تناول الأغذية المخصوصة التي خلقها من الأرض ، وأجرى العادة بخلق الأشياء عند ضرب من تركيبها ، فكأنّه سبحانه أنشأهم منها (وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ) أي في وقت كونكم أجنة في الأرحام ، أي علم من كل نفس ما هي صانعة ، وإلى ما هي صائرة عن الحسن وقيل معناه : أنه سبحانه علم ضعفكم وميل طباعكم إلى اللمم ، وعلم حين كنتم في الأرحام ما تفعلون إذا خرجتم ، وإذا علم ذلك منكم قبل وجوده فكيف لا يعلم ما حصل منكم (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ) أي لا تعظموها ولا تمدحوها بما ليس لها فإني أعلم بها (هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى) أي اتقى الشرك والكبائر (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي

٧٠٧

تَوَلَّى) أي أدبر عن الحق (وَأَعْطى قَلِيلاً وَأَكْدى) أي أمسك عن العطية وقطع (أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ) أي ما غاب عنه من أمر العذاب (فَهُوَ يَرى) أي يعلم أن صاحبه يتحمل عنه عذابه (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى) أي ألم يخبر ولم يحدّث بما في أسفار التوراة (وَإِبْراهِيمَ) أي وفي صحف إبراهيم (الَّذِي وَفَّى) أي تمم وأكمل ما أمر به. ثم بيّن ما في صحفهما فقال (أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) أي لا تحمل نفس حاملة حمل أخرى والمعنى : لا تؤخذ نفس بإثم غيرها (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) عطف على قوله : (أَلَّا تَزِرُ) ، وهذا أيضا ما في صحف إبراهيم وموسى ، أي ليس له من الجزاء إلّا جزاء ما عمله دون ما عمله غيره (وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى) يعني أن ما يفعله الإنسان ويسعى فيه لا بدّ أن يرى فيما بعد ، بمعنى أنه يجازى عليه. وبين ذلك بقوله (ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى) أي يجازي على الطاعات بأوفى ما يستحقه من الثواب الدائم ، والهاء في يجزاه عائدة إلى السعي ، والمعنى : انه يرى العبد سعيه يوم القيامة ، ثم يجزى سعيه أوفى الجزاء.

٤٢ ـ ٦٢ ـ ثم عطف سبحانه على ما تقدم فقال (وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى) يعني وان إلى ثواب ربك وعقابه آخر الأمر ، والمنتهى : هو المصير إلى حيث ينقطع العمل عنده (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى) أي فعل سبب الضحك والبكاء من السرور والحزن وقيل : أضحك أهل الجنة في الجنة ، وأبكى أهل النار في النار (وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا) أي خلق الموت فأمات به الأحياء ، لا يقدر على ذلك غيره ، وخلق الحياة التي يحيا بها الحيوان ، فأمات الخلق في الدنيا ، وأحياهم في العقبى للجزاء (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ) أي الصنفين (الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) من كل حيوان (مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى) أي إذا خرجت منهما وتنصب في الرحم والنطفة : ماء الرجل والمرأة التي يخلق منها الولد عن عطاء والضحاك والجبائي وقيل تمنى أي تقدر وهو أصله فالمعنى تلقى على تقدير في رحم الأنثى (وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى) أي الخلق الثاني للبعث يوم القيامة يعني عليه أن يبعث الناس أحياء للجزاء فإن قيل ان لفظة على كلمة ايجاب فكيف يجب على الله سبحانه ذلك فالجواب انه سبحانه إذا كلف الخلق فقد ضمن الثواب فإذا فعل فيهم الآلام فقد ضمن العوض إذا لم يعوض في الدنيا وخلى بين المظلوم والظالم فلا بد من دار أخرى يقع فيها الجزاء والانصاف والانتصاف وقد وعد سبحانه بذلك فيجب الوفاء به (وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى) أي أغنى الناس بالأموال ، وإعطاء القنية ، وأصول المال ، وما يدّخرونه بعد الكفاية ، عن أبي صالح وقيل : أقنى : أي أخدم عن الحسن ومجاهد وقتادة وقيل : أغنى موّل ، وأقنى : فأرضى بما أعطى عن ابن عباس وقيل أغنى بالقناعة ، وأقنى بالرضا ، عن سفيان وقيل : أغنى بالكفاية ، وأقنى بالزيادة وقيل : أغنى من شاء ، وأقنى : أي أفقر وحرم من شاء عن ابن زيد (وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى) أي خالق الشعرى ومخترعها ومالكها ، أي فلا تتخذوا المربوب المملوك إلها وقيل : ان خزاعة كانت تعبدها (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى) وهو عاد بن أرم وهو قوم هود ، أهلكهم الله بريح صرصر عاتية وكان لهم عقب فكانوا عادا الأخرى (وَثَمُودَ) أي وأهلك ثمود (فَما أَبْقى وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ) أي وأهلكنا قوم نوح من قبل عاد وثمود (إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى) من غيرهم لطول دعوة نوح ، وعتوهم على الله في الكفر والتكذيب (وَالْمُؤْتَفِكَةَ) يعني قرى قوم لوط المخسوفة (أَهْوى) أي أسقط ، أهواها جبرائيل بعد أن رفعها وأتبعهم الله بالحجارة وذلك قوله (فَغَشَّاها ما غَشَّى) انه تفخيم لشأن العذاب الذي نالها من جهة ابهامه في قوله : ما غشى ، فكأنه قال : قد حلّ بهم من العذاب والتنكيل ما يجل عن البيان والتفصيل (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى) أي بأي نعم

٧٠٨

ربك ترتاب وتشك أيها الإنسان ، فيما أولاك أو فيما كفاك؟ (هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى) أشار إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، عن قتادة ، والنذر الأولى : الرسل قبله (أَزِفَتِ الْآزِفَةُ) أي دنت القيامة ، واقتربت الساعة ؛ وإنّما سميت القيامة آزفة : أي دانية ، لأن كل ما هو آت قريب (لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ كاشِفَةٌ) أي إذا غشيت الخلق شدائدها وأهوالها لم يكشف عنهم أحد ولم يردّها (أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ) يعني بالحديث ما قدم من الأخبار ، عن الصادق عليه‌السلام ، وقيل معناه : أفمن هذا القرآن ونزوله من عند الله على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وكونه معجزا (تَعْجَبُونَ) أيّها المشركون (وَتَضْحَكُونَ) استهزاء (وَلا تَبْكُونَ) انزجارا لما فيه من الوعيد (وَأَنْتُمْ سامِدُونَ) أي غافلون لاهون معرضون وقيل : هو الغناء ، كانوا إذا سمعوا القرآن عارضوه بالغناء ليشغلوا الناس عن استماعه (فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا) أمرهم سبحانه بالسجود له والعبادة خالصا مخلصا ، وفي الآية دلالة على أن السجود هاهنا واجب على ما ذهب إليه أصحابنا ، لأن ظاهر الأمر يقتضي الوجوب.

سورة القمر

مكية وعدد آياتها خمس وخمسون آية

ختم الله سبحانه تلك السورة بذكر أزوف الآزفة ، وافتتح هذه السورة بمثله فقال :

١ ـ ١٠ ـ (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) أي قربت الساعة التي تموت فيها الخلائق وتكون القيامة ، والمراد : فاستعدوا لها قبل هجومها (وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) قال ابن عباس : اجتمع المشركون إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا : إن كنت صادقا فشقّ لنا القمر فرقتين ، فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن فعلت تؤمنون؟ قالوا نعم : وكانت ليلة بدر ، فسأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ربّه أن يعطيه ما قالوا فانشقّ القمر فرقتين ورسول الله ينادي : يا فلان يا فلان اشهدوا ؛ وقال ابن مسعود انشق القمر على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله شقتين ، فقال لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اشهدوا اشهدوا ، وروي أيضا عن ابن مسعود أنه قال : والذي نفسي بيده لقد رأيت حراء بين فلقي القمر ، وعن جبير بن مطعم قال : انشق القمر على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى صار فرقتين ، على هذا الجبل ، وعلى هذا الجبل ، فقال ناس : سحرنا محمد ، فقال رجل : إن كان سحركم فلم يسحر الناس كلهم. وقد روى حديث انشقاق القمر جماعة كثيرة من الصحابة منهم : عبد الله بن مسعود ، وابن عباس ، وجبير بن مطعم ، وعبد الله بن عمر ، وعليه جماعة المفسرين ؛ وإنّما ذكر سبحانه اقتراب الساعة مع انشقاق القمر لأن انشقاقه من علامة نبوة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونبوته وزمانه من أشراط اقتراب الساعة (وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا) هذا إخبار من الله تعالى عن عناد كفار قريش ، وانهم إذا رأوا آية معجزة أعرضوا عن تأملها ، والانقياد لصحتها عنادا وحسدا (وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) معناه : سحر ذاهب مضمحلّ لا يبقى ؛ وقال المفسرون : لما انشق القمر قال مشركو قريش : سحرنا محمد ، فقال الله سبحانه : وإن يروا آية يعرضوا عن التصديق والإيمان بها (وَكَذَّبُوا) أي بالآية التي شاهدوها (وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) في التكذيب وما زين لهم الشيطان من الباطل الذي هم عليه (وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ) فالخير يستقر بأهل الخير ، والشر يستقر بأهل الشر ، عن قتادة والمعنى : أن كل أمر من خير وشر مستقر ثابت حتى يجازى به

٧٠٩

صاحبه ، إما في الجنة أو في النار (وَلَقَدْ جاءَهُمْ) أي ولقد جاء هؤلاء الكفار (مِنَ الْأَنْباءِ) يعني الأخبار العظيمة في القرآن بكفر من تقدم من الأمم ، وإهلاكنا إياهم (ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ) أي متعظ وإزدجار عن الكفر وتكذيب الرسل (حِكْمَةٌ بالِغَةٌ) يعني القرآن حكمة تامة قد بلغت الغاية والنهاية (فَما تُغْنِ النُّذُرُ) أي أيّ شيء تنفع النذر مع تكذيب هؤلاء واعراضهم؟! والنذر : هي الزواجر المخوفة ، وآيات الوعيد. ثم أمره سبحانه بالإعراض عنهم فقال (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) أي اعرض عنهم ولا تقابلهم على سفههم وهاهنا وقف تام (يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ) أي منكر غير معتاد ولا معروف ، بل أمر فظيع لم يروا مثله فينكرونه استعظاما ؛ والداعي هو إسرافيل يدعو الناس إلى الحشر قائما على صخرة بيت المقدس (خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ) يعني خاشعة أبصارهم : أي ذليلة خاضعة عند رؤية العذاب ؛ وإنما وصف الأبصار بالخشوع لأن ذلة الذليل ، أو عزة العزيز تتبين في نظره ، وتظهر في عينه (يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ) أي من القبور (كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ) والمعنى : أنهم يخرجون فزعين يدخل بعضهم في بعض ، ويختلط بعضهم ببعض ، لا جهة لأحد منهم فيقصدها ، كما ان الجراد لا جهة لها فتكون أبدا متفرقة في كل جهة (مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ) أي مقبلين إلى صوت الداعي (يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ) أي صعب شديد (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ) أي قبل كفار مكة (قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا) نوحا كما كذبك يا محمد هؤلاء الكفار وجحدوا نبوتك (وَقالُوا مَجْنُونٌ) أي هو مجنون (وَازْدُجِرَ) أي زجر بالشتم والرمي بالقبيح عن ابن زيد ، وقيل معناه : زجر بالوعيد ، وتوعّد بالقتل ، فهو مثل قوله : (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ) (فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ) أي فقال : يا رب قد غلبني هؤلاء الكفار بالقهر لا بالحجة فانتصر ، أي فانتقم لي منهم بالإهلاك والدمار نصرة لدينك ونبيّك وفي هذا دلالة على وجوب الانقطاع إلى الله تعالى عند سماع الكلام القبيح من أهل الباطل.

١١ ـ ٢١ ـ ثم بيّن سبحانه اجابته لدعاء نوح (ع) فقال (فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ) معناه : فاستجبنا لنوح دعاءه ففتحنا أبواب السماء ، أي أجرينا الماء من السماء كجريانه إذا فتح عنه باب كان مانعا له ، وذلك من صنع الله الذي لا يقدر عليه سواه (بِماءٍ مُنْهَمِرٍ) أي منصب انصبابا شديدا لا ينقطع (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً) أي شققنا الأرض بالماء عيونا حتى جرى الماء على وجه الأرض (فَالْتَقَى الْماءُ) يعني فالتقى الماءان : ماء السماء وماء الأرض (عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) فيه هلاك القوم ، أي على أمر قد قدره الله تعالى وهو هلاكهم (وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ) أي وحملنا نوحا على سفينة ذات ألواح مركّبة بعضها إلى بعض ، وألواحها : خشباتها التي منها جمعت (وَدُسُرٍ) أي مسامير شدّت بها السفينة (تَجْرِي) السفينة في الماء (بِأَعْيُنِنا) أي بحفظنا وحراستنا ، وبمرأى منا (جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ) لمن جحد نبوته ، وأنكر حقه وكفر بالله فيه (وَلَقَدْ تَرَكْناها) أي تركنا هذه الفعلة التي فعلناها (آيَةً) معناه : تركنا السفينة ونجاة من فيها وإهلاك الباقين دلالة باهرة على وحدانية الله تعالى ، وعبرة لمن اتعظ بها ، وكانت السفينة باقية حتى رآها أوائل هذه الأمة عن قتادة (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) أي متذكر يعلم أن ذلك حق فيعتبر به ويخاف ، وقيل معناه : فهل من طالب علم فيعان عليه ، عن قتادة (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) هذا استفهام عن تلك الحالة ومعناه : التعظيم لذلك العذاب ، أي كيف رأيتم انتقامي منهم ، وانذاري إياهم؟ (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ) أي سهّلناه للحفظ والقراءة حتى يقرأ كله ظاهرا ، وليس من كتب الله المنزلة كتاب يقرأ كله ظاهرا إلّا القرآن ؛ والتيسير للشيء هو تسهيله بما ليس فيه كثير

٧١٠

مشقة على النفس ، فمن سهل له طريق العلم فهو حقيق بأخذ الحظ الجزيل منه ، لأن التسهيل أكبر داع إليه ، وتسهيل القرآن للذكر هو خفة ذلك على النفس بحسن البيان ، وظهور البرهان في الحكم السنية ، والمعاني الصحيحة ، الموثوق بها لمجيئها من قبل الله تعالى ؛ وإنما صار الذكر من أجل ما يدعى إليه ويحث عليه لأنه طريق العلم ، لأن الساهي عن الشيء أو عن دليله لا يجوز أن يعلمه في حال سهوه (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) أي متّعظ معتبر به ، ناظر فيه. ثم قال سبحانه (كَذَّبَتْ عادٌ) أي بالرسول الذي بعثه الله إليهم وهو هود (ع) ، فاستحقوا الهلاك فأهلكهم (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي) لهم (وَنُذُرِ) أي وإنذاري إياهم. ثم بيّن كيفية إهلاكهم فقال (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً) أي شديدة الهبوب وقيل باردة عن ابن عباس وقتادة من الصر وهو البرد (فِي يَوْمِ نَحْسٍ) أي في يوم شؤم (مُسْتَمِرٍّ) أي دائم الشؤم ، استمر عليهم بنحوسته سبع ليال وثمانية أيام حتى أتت عليهم ، ومستمر من صفة اليوم أي يوم مستمر ضرره ، عام هلاكه وقيل : هو نعت للنحس ، أي استمر بهم العذاب والنحس في الدنيا حتى اتصل بالعقبى (تَنْزِعُ النَّاسَ) أي تقتلع هذه الريح الناس ثم ترمي بهم على رؤوسهم فتدق رقابهم فيصيرون (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) أي أسافل نخل منقلع ، لأن رؤوسهم سقطت عن أبدانهم (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) وهو تعظيم للعذاب النازل بهم ، وتخويف لكفّار مكّة.

٢٢ ـ ٣١ ـ ثم أقسم سبحانه فقال (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) قد فسّرناه وقيل : انه سبحانه إنّما أعاد ذكر التيسير لينبىء أنه يسّره على كل حال وكل وجه من وجوه التيسير ، فمن الوجوه التي يسر الله تعالى بها القرآن هو ان أبان عن الحكم الذي يعمل عليه ، والمواعظ التي يرتدع بها ، والمعاني التي تحتاج إلى التنبيه عليها ، والحجج التي يميز بها بين الحق والباطل (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ) أي بالإنذار الذي جاءهم به صالح (فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ) أي نتبع آدميا مثلنا وهو واحد (إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ) أي نحن إن فعلنا ذلك في خطأ وذهاب عن الحق (وَسُعُرٍ) أي وفي عناء وشدّة عذاب فيما يلزمنا من طاعته (أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا) هذا استفهام انكار وجحود ، أي كيف ألقي الوحي عليه وخص بالنبوة من بيننا وهو واحد منا (بَلْ هُوَ كَذَّابٌ) فيما يقول (أَشِرٌ) أي بطر متكبر يريد أن يتعظم علينا بالنبوة. ثم قال سبحانه (سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ) وهذا وعيد لهم ، أي سيعلمون يوم القيامة إذا نزل بهم العذاب أهو الكذاب أم هم في تكذيبه ، وهو الأشر البطر أم هم ، فذكر مثل لفظهم مبالغة في توبيخهم وتهديدهم (إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ) أي نحن باعثو الناقة بإنشائها على ما طلبوها معجزة لصالح ، وقطعا لعذرهم ، وامتحانا واختبارا لهم ، وهو أنهم تعنّتوا على صالح فسألوه أن يخرج لهم من صخرة ناقة حمراء عشراء تضع ، ثم ترد ماءهم فتشربه ثم تعود عليهم بمثله لبنا ، فقال سبحانه : إنا باعثوها كما سألوها فتنة لهم (فَارْتَقِبْهُمْ) أي انتظر أمر الله فيهم (وَاصْطَبِرْ) على ما يصيبك من الأذى حتى يأتي أمر الله فيهم (وَنَبِّئْهُمْ) أي اخبرهم (أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ) يوم للناقة تحضره الناقة ، وفي يومهم يحضرونه هم (فَنادَوْا صاحِبَهُمْ) أي دبّروا في أمر الناقة بالقتل ، فدعوا واحدا من أشرارهم وهو قدار بن سالف عاقر الناقة (فَتَعاطى فَعَقَرَ) أي تناول الناقة بالعقر فعقرها (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) أي فانظر كيف أهلكتهم ، وكيف كان عذابي لهم ، وإنذاري إياهم (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً) يريد صيحة جبرائيل (ع) (فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) أي فصاروا كهشيم : وهو حطام الشجر المنقطع بالكسر والرض الذي يجمعه صاحب الحظيرة الذي يتخذ لغنمه حظيرة تمنعها من برد الريح

٧١١

والمعنى : أنهم بادوا وهلكوا فصاروا كيبيس الشجر المفتت إذا تحطم.

٣٢ ـ ٤٢ ـ ثم أقسم سبحانه فقال : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) قال قتادة : أي فهل من طالب علم يتعلم (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ) أي بالإنذار ، وقيل : بالرسل على ما فسّرناه (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً) أي ريحا حصبتهم : أي رمتهم بالحجارة والحصباء قال ابن عباس : يريد ما حصبوا به من السماء من الحجارة في الريح قال الفرزدق :

مستقبلين شمال الشّام تضربنا

بحاصب كنديف القطن منثور

ثم استثنى آل لوط فقال (إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ) أي خلصناهم (بِسَحَرٍ) من ذلك العذاب الذي أصاب قومه (نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا) أي انعاما فيكون مفعولا له ، ويجوز أن يكون مصدرا وتقديره : أنعمنا عليهم بذلك نعمة (كَذلِكَ) أي كما أنعمنا عليهم (نَجْزِي مَنْ شَكَرَ) قال مقاتل : يريد من وحد الله تعالى لم يعذب مع المشركين (وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ) لوط (بَطْشَتَنا) أي أخذنا إياهم بالعذاب (فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ) أي تدافعوا بالإنذار على وجه الجدال بالباطل وقيل معناه : فشكوا ولم يصدقوه وقالوا : كيف يهلكنا وهو واحد منا؟ (وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ) أي طلبوا منه أن يسلّم إليهم أضيافه (فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ) أي محوناها ، والمعنى : عميت أبصارهم عن الحسن وقتادة وقيل معناه أزلنا تخطيط وجوههم حتى صارت ممسوحة لا يرى أثر عين (فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ) أي فقلنا لقوم لوط لما أرسلنا عليهم العذاب : ذوقوا عذابي ونذري (وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ) أي أتاهم صباحا عذاب نازل بهم حتى هلكوا جميعا (فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ) ووجه التكرار أن الأول عند الطمس ، والثاني عند الائتفاك ، فكلما تجدد العذاب تجدد التقريع (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) مرّ معناه (وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ) أي متابعي فرعون بالقرابة والدين (النُّذُرُ) أي الإنذار وقيل : هو جمع نذير ، يعني الآيات التي أنذرهم بها موسى (كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها) وهي الآيات التسع التي جاءهم بها موسى (فَأَخَذْناهُمْ) بالعذاب (أَخْذَ عَزِيزٍ) أي قادر لا يمتنع عليه شيء فيما يريد (مُقْتَدِرٍ) على ما يشاء.

٤٣ ـ ٥٥ ـ ثم خوّف سبحانه كفار مكة فقال (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ) وأشد وأقوى (مِنْ أُولئِكُمْ) الذين ذكرناهم وقد أهلكناهم ، وهذا استفهام انكار ، أي لستم أفضل من قوم نوح وعاد وثمود لا في القوة ولا في الثروة ولا في كثرة العدد والعدة والمعنى : انه إذا أهلك أولئك الكفار فما الذي يؤمنكم أن ينزل بكم ما نزل بهم (أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ) أي ألكم براءة من العذاب في الكتب السالفة أنه لن يصيبكم ما أصاب الأمم الخالية (أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ) أي أم يقول هؤلاء الكفار : نحن جميع أمرنا ننتصر من أعدائنا والمعنى : أنهم يقولون : نحن يد واحدة على من خالفنا ، ننتصر ممن عادانا ، فيدلون بقوتهم واجتماعهم أي كما انهم ليسوا بخير من أولئك ولا لهم براءة ، فكذلك لا جمع لهم يمنع عنهم عذاب الله وينصرهم ، وإن قالوا : نحن مجتمعون متناصرون فلا نرام ولا نقصد ، ولا يطمع أحد في غلبتنا ، ثم قال سبحانه (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ) أي جمع كفار مكة (وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) أي ينهزمون فيولونكم أدبارهم في الهزيمة ، ثم أخبر سبحانه نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه سيظهره عليهم ويهزمهم ، فكانت هذه الهزيمة يوم بدر ، فكان موافقة الخبر للمخبر من معجزاته. ثم

٧١٢

قال سبحانه (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ) أي أن موعد الجميع للعذاب يوم القيامة (وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ) فالأدهى : الأعظم في الدهاء ، والدهاء : عظم سبب الضرر مع شدة انزعاج النفس ، وهو من الداهية : أي البلية التي ليس في ازالتها حيلة والمعنى : ان ما يجري عليهم من القتل والأسر يوم بدر وغيره لا يخلصهم من عقاب الآخرة ، بل عذاب الآخرة أعظم في الضرر ، وأقطع وأمّر ؛ ثم بيّن سبحانه حال القيامة فقال (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) أي في ذهاب عن وجه النجاة وطريق الجنة في نار مسعرة (يَوْمَ يُسْحَبُونَ) أي يجرّون (فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ) يعني ان هذا العذاب يكون لهم في يوم يجرّهم الملائكة فيه على وجوههم في النار ويقال لهم (ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ) يعني اصابتها إياهم بعذابها وحرّها وسقر : جهنم (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) أي خلقنا كل شيء خلقناه مقدرا بمقدار توجبه الحكمة لم نخلقه جزافا ، فخلقنا العذاب أيضا على قدر الإستحقاق ، وكذلك كل شيء في الدنيا والآخرة خلقناه مقدرا بمقدار معلوم (وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) أي وما أمرنا بمجيء الساعة في السرعة إلّا كطرف البصر والمعنى : إذا أردنا قيام الساعة أعدنا الخلق وجميع المخلوقات في قدر لمح البصر في السرعة (وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ) أي أشباهكم ونظائركم في الكفر من الأمم الماضية ، وسماهم أشياعهم لما وافقوهم في الكفر وتكذيب الأنبياء (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) أي فهل من متذكر لما يوجبه هذا الوعظ من الانزجار عن مثل ما سلف من أعمال الكفار لئلا يقع به ما وقع بهم من الإهلاك (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ) أي في الكتب التي كتبها الحفظة ، وهذه إشارة إلى انهم غير مغفول عنهم (وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ) أي وما قدموه من أعمالهم من صغير وكبير مكتوب عليهم ، عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك ، وقيل معناه : كل صغير وكبير من الأرزاق والآجال والموت والحياة ونحوها مكتوب في اللوح المحفوظ (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ) يعني أنهار الجنة من الماء والخمر والعسل (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ) أي في مجلس حق لا لغو فيه ولا تأثيم وقيل : وصفه بالصدق لكونه رفيعا مرضيا ، وقيل : لدوام النعيم به ، وقيل : لأن الله صدق وعد أوليائه فيه (عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) أي عند الله سبحانه ، فهو المالك القادر الذي لا يعجزه شيء ، وليس المراد قرب المكان ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، بل المراد انهم في كنفه وجواره وكفايته حيث تنالهم غواشي رحمته وفضله.

سورة الرحمن

مدنية وآياتها ثمان وسبعون آية

ختم الله سبحانه سورة القمر باسمه ، وافتتح هذه السورة أيضا باسمه فقال :

١ ـ ١٣ ـ (الرَّحْمنُ) افتتح سبحانه هذه السورة بهذا الإسم ليعلم العباد أن جميع ما وصفه يعد من أفعاله الحسنى ، إنما صدرت من الرحمة التي تشمل جميع خلقه ، وكأنه جواب لقولهم : (وَمَا الرَّحْمنُ)؟ في قوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ) ؛ وقد روي أنه لما نزل قوله : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) قالوا : ما نعرف الرحمن إلا صاحب اليمامة فقيل لهم الرحمن (عَلَّمَ الْقُرْآنَ) أي علّم محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم القرآن ، وعلّمه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمّته عن الكلبي وقيل : هو جواب لأهل مكة حين قالوا : إنما يعلمه بشر ، فبيّن سبحانه أن الذي علّمه القرآن هو الرحمن ، والتعليم : هو تبيين ما به يصير من لم يعلم عالما

٧١٣

والإعلام ايجاد ما به يصير عالما. ذكر سبحانه النعمة فيما علم من الحكمة بالقرآن الذي احتاج إليه الناس في دينهم ليؤدوا ما يجب عليهم ، ويستوجبوا الثواب بطاعة ربهم قال الزجاج معنى علم القرآن : يسّره لأن يذكر (خَلَقَ الْإِنْسانَ) أي أخرجه من العدم إلى الوجود ، والمراد بالإنسان هنا آدم (عَلَّمَهُ الْبَيانَ) أي النطق والكتابة والخط والفهم والإفهام حتى يعرف ما يقول وما يقال له عن الحسن وأبي العالية وابن زيد والسدي ، وهذا هو الأظهر الأعم (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ) أي يجريان بحسبان ومنازل لا يعدوانها ، وهما يدلان على عدد الشهور والسنين والأوقات وإنما خصهما بالذكر لما فيهما من المنافع الكثيرة للناس من النور والضياء ومعرفة الليل والنهار ، ونضج الثمار إلى غير ذلك ، فذكرهما لبيان النعمة بهما على الخلق (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ) يعني بالنجم نبت الأرض الذي ليس له ساق ، وبالشجر ما كان له ساق يبقى في الشتاء وقيل : أراد بالنجم نجم السماء وقال أهل التحقيق : ان المعنى في سجودهما هو ما فيهما من الآية الدالة على حدوثهما ، وعلى أن لهما صانعا أنشأهما ، وما فيهما من الصنعة والقدرة التي توجب السجود (وَالسَّماءَ رَفَعَها) أي ورفع السماء فوق الأرض ، دل سبحانه بذلك على كمال قدرته (وَوَضَعَ الْمِيزانَ) يعني آلة الوزن للتوصل إلى الإنصاف والانتصاف (أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ) أي لا تتجاوزوا فيه العدل والحق إلى البخس والباطل (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ) أي أقيموا لسان الميزان بالعدل إذا أردتم الأخذ والإعطاء (وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ) أي لا تنقصوه بالبخس والجور ، بل سوّوه بالإنصاف والعدل (وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ) لما ذكر السماء ذكر الأرض في مقابلتها ، أي وبسط الأرض ووطأها للناس (فِيها فاكِهَةٌ) أي في الأرض ما يتفكه به من ألوان الثمار المأخوذة من الأشجار (وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ) أي الأوعية والغلف ، وثمر النخل يكون في غلف ما لم ينشق (وَالْحَبُ) يريد جميع الحبوب مما يحرث في الأرض من الحنطة والشعير وغيرهما (ذُو الْعَصْفِ) أي ذو الورق ، فإذا يبس وديس صار تبنا (وَالرَّيْحانُ) يعني الرزق في قول الأكثرين (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي فبأي نعم ربكما من هذه الأشياء المذكورة تكذبان ، لأنها كلها منعم عليكم بها والمعنى : انه لا يمكن جحد شيء من هذه النعم. فأما الوجه لتكرار هذه الآية في هذه السورة فإنّما هو التقرير بالنعم المعدودة ، والتأكيد في التذكير بها كلها ، فكلما ذكر سبحانه نعمة أنعم بها قرر عليها ، ووبخ على التكذيب بها ، كما يقول الرجل لغيره : أما أحسنت إليك حين أطلقت لك مالا؟ أما أحسنت إليك حين ملكتك عقارا؟ أما أحسنت إليك حين بنيت لك دارا؟ فيحسن فيه التكرار لاختلاف ما يقرره به.

١٤ ـ ٣٠ ـ ثم قال سبحانه عاطفا على ما تقدم من الأدلة على وحدانيته ، والإبانة عن نعمه على خلقه فقال (خَلَقَ الْإِنْسانَ) يعني به جميع البشر لأن أصلهم آدم عليه‌السلام (مِنْ صَلْصالٍ) أي طين يابس (كَالْفَخَّارِ) أي كالآجر والخزف (وَخَلَقَ الْجَانَ) أي أبا الجن ، قال الحسن : هو إبليس أبو الجن وهو مخلوق من لهب النار ، كما ان آدم (ع) مخلوق من طين (مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ) المارج : الصافي من لهب النار الذي لا دخان فيه (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) فبأي نعمه تكذبان أيها الثقلان؟ أي أبأن خلقكما من نفس واحدة ، ونقلكما من التراب والنار إلى الصورة التي أنتم عليها تكذبان (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) يعني مشرق الصيف ومشرق الشتاء ، ومغرب الصيف ومغرب الشتاء ، بيّن سبحانه قدرته على تصريف الشمس والقمر ، ومن قدر على ذلك قدر على كل شيء (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ) ذكر سبحانه عظيم قدرته حيث خلق

٧١٤

البحرين العذب والمالح يلتقيان ثم لا يختلط أحدهما بالآخر وهو قوله : (بَيْنَهُما بَرْزَخٌ) ، أي حاجز من قدرة الله فلا يبغي الملح على العذب فيفسده ، ولا العذب على الملح فيفسده ويختلط به ، ومعنى مرج : أرسل ، لا يبغيان : أي لا يطلبان أن يختلطا (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) اللؤلؤ : كبار الدر ، والمرجان : صغاره وقيل : ان العذاب والملح يلتقيان فيكون العذب كاللقاح للملح ، ولا يخرج اللؤلؤ إلا من الموضع الذي يلتقي فيه الملح والعذب ، وذلك معروف عند الغواصين (وَلَهُ الْجَوارِ) أي السفن الجارية في الماء تجري بأمر الله (الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ) أي المرفوعات ، وهي التي رفع خشبها بعضها على بعض وركب حتى ارتفعت وطالت وقيل : هي المبتدآت للسير مرفعة القلاع ، قال مجاهد : ما رفع له القلاع فهو منشأ ، وما لم ترفع قلاعه فليس بمنشأ ، والقلاع : جمع قلع وهو شراع (كَالْأَعْلامِ) أي كالجبال (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) أي كل من على الأرض من حيوان فهو هالك ، يفنون ويخرجون من الوجود إلى العدم (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ) أي ويبقى ربّك الظاهر بأدلته ظهور الإنسان بوجهه (ذُو الْجَلالِ) أي العظمة والكبرياء ، واستحقاق الحمد والمدح بإحسانه الذي هو في أعلى مراتب الإحسان ، وانعامه الذي هو أصل كل انعام (وَالْإِكْرامِ) معناه : انه أهل أن يعظم وينزه عما لا يليق بصفاته (يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي لا يستغني عنه أهل السموات والأرض فيسألونه حوائجهم (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) اختلف في معناه فقيل : إن شأنه سبحانه احياء قوم وإماتة آخرين ، وعافية قوم ومرض آخرين ، وغير ذلك من الإهلاك والإنجاء والحرمان والإعطاء والأمور الأخر التي لا تحصى ، وعن أبي الدرداء عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من شأنه أن يغفر ذنبا ، ويفرّج كربا ، ويرفع قوما ، ويضع آخرين ، وعن ابن عباس أنه قال : إن مما خلق الله تعالى لوحا من درّة بيضاء ، دواته ياقوتة حمراء ، قلمه نور ، وكتابه نور ، ينظر الله فيه كل يوم ثلثمائة وستين نظرة ، يخلق ويرزق ، ويحيي ويميت ، ويعز ويذلّ ، ويفعل ما يشاء فذلك قوله : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ).

٣١ ـ ٤٥ ـ لما ذكر سبحانه الفناء والإعادة ، عقب ذلك بذكر الوعيد والتهديد فقال (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ) أي سنقصد لحسابكم أيها الجن والإنس (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا) أي تخرجوا هاربين من الموت (مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي جوانبهما ونواحيهما والمعنى : حيث ما كنتم أدرككم الموت (فَانْفُذُوا) أي فاخرجوا فلن تستطيعوا أن تهربوا منه (لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ) أي حيث توجهتم فثم ملكي ، ولا تخرجون من سلطاني ، فأنا آخذكم بالموت ، ومعنى السلطان : القوة التي سلط بها على الأمر ، ثم الملك والقدرة والحجة كلها سلطان. وقيل : لا تنفذون إلا بسلطان أي لا تخرجون إلا بقدرة من الله وقوة يعطيكموها بأن يخلق لكم مكانا آخر سوى السموات والأرض ، ويجعل لكم قوة تخرجون بها إليه ؛ فبيّن سبحانه بذلك أنهم في حبسه ، وأنه مقتدر عليهم لا يفوتونه ، وجعل ذلك دلالة على توحيده وقدرته ، وزجرا لهم عن معصيته ومخالفته (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي بأي نعمة تكذبان : أبإخباره عن تحيركم لتحتالوا له بعمل الطاعة واجتناب المعصية ، أو بإخباره عنكم أنكم لا تنفذون إلا بحجة لتستعدوا لذلك اليوم؟ (يُرْسَلُ عَلَيْكُما) أي يرسل على من أشرك منكما (شُواظٌ مِنْ نارٍ) وهو اللهب الأخضر المنقطع من النار (وَنُحاسٌ) وهو الصفر المذاب للعذاب. وقد جاء في الخبر يحاط على الخلق بلسان من نار ثم ينادون : يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا إلى قوله يرسل عليكما شواظ من نار (فَلا تَنْتَصِرانِ) أي فلا تقدران على دفع ذلك عنكما وعن غيركما ، وعلى هذا فيكون

٧١٥

فائدة الآية : ان عجز الثقلين عن الهرب من الجزاء كعجزهم عن النفوذ من الأقطار (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي بإخباره إياكم عن هذه الحالة لتتحرزوا عنها ، أم بغيره من النعم؟ فإن وجه النعمة في إرسال الشواظ من النار والنحاس على الثقلين هو ما في ذلك لهم من الزجر في دار التكليف عن مواقعة القبيح ، وذلك نعمة جزيلة (فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ) يعني يوم القيامة إذا تصدعت السماء وانفك بعضها من بعض (فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ) أي فصارت حمراء كلون الفرس الورد ، وهو الأبيض الذي يضرب إلى الحمراء (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) وجه النعمة في انشقاق السماء حتى وقع التقرير بها هو ما في الاخبار به من الزجر والتخويف في دار الدنيا (فَيَوْمَئِذٍ) يعني يوم القيامة (لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ) أي لا يسأل المجرم عن جرمه في ذلك الموطن لما يلحقه من الذهول الذي تحار له العقول ؛ وإن أهل الجنة حسان الوجوه ، وأهل النار سود الوجوه فلا يسألون من أي الحزبين هم ، ولكن يسألون عن أعمالهم سؤال تقريع (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ) أي بعلامتهم وهي : سواد الوجوه ، وزرقة العيون (فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ) تأخذهم الزبانية بنواصيهم وبأقدامهم فتسوقهم إلى النار (هذِهِ جَهَنَّمُ) أي ويقال لهم هذه جهنّم (الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ) الكافرون في الدنيا قد أظهرها الله تعالى حتى زالت الشكوك فأدخلوها (يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ) أي يطوفون مرة بين الجحيم ومرة بين الحميم ، فالجحيم : النار ، والحميم : الشراب والآن : الذي انتهت حرارته (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) الوجه في ذلك ان التذكير بفعل العقاب والإنذار به من أكبر النعم ، لأن في ذلك زجرا عما يستحق به العذاب ، وحثا وبعثا على فعل ما يستحق به الثواب.

٤٦ ـ ٦١ ـ ثم عقب سبحانه الوعيد بالوعد فقال (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ) أي مقامه بين يدي ربّه للحساب فترك المعصية والشهوة ، قال مجاهد : وهو الذي بهم بالمعصية فيذكر الله تعالى فيدعها ، وقيل : هذا لمن راقب الله تعالى في السرّ والعلانية جملة ، فما عرض له من محرّم تركه من خشية الله ، وما عرض له من خير عمله وأفضى به إلى الله تعالى ، لا يطلع عليه أحد ؛ وقال الصادق عليه‌السلام : من علم أن الله يراه ويسمع ما يقول من خير وشر فحجزه ذلك عن القبيح من الأعمال فله (جَنَّتانِ) أي جنة عدن وجنّة نعيم ، وقيل : بستانان من بساتين الجنة ، أحدهما داخل القصر ، والأخرى خارج القصر ، كما يشتهي الإنسان في الدنيا ، وقيل : إحدى الجنتين منزله والأخرى منزل أزواجه وخدمه ، ثم وصف الجنتين فقال (ذَواتا أَفْنانٍ) أي ذواتا ألوان من النعيم وقيل : ذواتا أغصان عن الأخفش والجبائي ومجاهد ، أي ذواتا أشجار ، لأن الأغصان لا تكون إلا من الشجر ، فدل بكثرة أغصانها على كثرة أشجارها ، وبكثرة أشجارها على تمام حالها وكثرة ثمارها ، لأن البستان إنما يكمل بكثرة الأشجار ، والأشجار لا تحسن إلا بكثرة الأغصان (فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ) أي في الجنتين عينان من الماء تجريان بين أشجارهما عن الحسن وقيل : إحداهما من ماء غير آسن ، والأخرى من خمر لذة للشاربين ، عن عطية العوفي (فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ) أي في كلتا الجنتين من كل ثمرة نوعان وضربان متشاكلان كتشاكل الذكر والأنثى ، فلذلك سماهما زوجين ، وذلك كالرطب واليابس من العنب والزبيب ، والرطب واليابس من التين ، وكذلك سائر الأنواع وقيل معناه : فيهما من كل نوع من الفاكهة ضربان : ضرب معروف ، وضرب من شكله غريب لم يعرفوه في الدنيا (مُتَّكِئِينَ) أي قاعدين كالملوك (عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ) أي من ديباج غليظ ، ذكر البطانة ولم يذكر الظهارة لأن البطانة تدل على ان لها ظهارة ، والبطانة

٧١٦

من إستبرق وروي عن ابن مسعود أنه قال : هذه البطائن فما ظنكم بالظهائر وقيل لسعيد بن جبير : البطائن من إستبرق فما الظهائر؟ قال هذا مما قال الله تعالى : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين (وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ) الجنى : الثمر المجتنى ، أي تدنو الشجرة حتى يجتنيها ولي الله إن شاء قائما وإن شاء قاعدا عن ابن عباس وقيل : ثمار الجنتين دانية إلى أفواه أربابها فيتناولونها متكئين ، فإذا اضطجعوا نزلت بإزاء أفواههم فيتناولونها مضطجعين لا يرد أيديهم عنها بعد ولا شوك عن مجاهد (فِيهِنَ) أي في الفرش التي ذكرها (قاصِراتُ الطَّرْفِ) قصرن طرفهن على أزواجهن لم يردن غيرهم ، عن قتادة وقال أبوذر : إنها تقول لزوجها : وعزة ربي ما أرى في الجنة شيئا أحسن منك ، فالحمد لله الذي جعلني زوجتك وجعلك زوجي ، والطرف : جفن العين لأنه طرف لها ، ينطبق عليها تارة ، وينفتح تارة (لَمْ يَطْمِثْهُنَ) أي لم يفتضهن ، والافتضاض : النكاح بالتدمية ، والمعنى : لم يطأهن ولم يغشهن (إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌ) فهن أبكار ، لأنهن خلقن في الجنة (كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ) أي هنّ على صفاء الياقوت ، في بياض المرجان (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ) أي ليس جزاء من أحسن في الدنيا إلّا أن يحسن إليه في الآخرة ، وقيل : هل جزاء من قال لا إله إلا الله ، وعمل بما جاء به محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا الجنة ، عن ابن عباس ؛ وجاءت الرواية عن أنس بن مالك قال : قرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذه الآية فقال : هل تدرون ما يقول ربكم؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : فإن ربكم يقول : هل جزاء من أنعمنا عليه بالتوحيد إلّا الجنّة ، وقيل معناه : هل جزاء من أحسن إليكم بهذه النعم إلّا أن تحسنوا في شكره وعبادته.

٦٢ ـ ٧٨ ـ ثم قال سبحانه (وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ) أي ومن دون الجنتين اللتين ذكرناهما لمن خاف مقام ربه جنتان أخريان دون الجنتين الأوليين ، فإنّهما أقرب إلى قصره ومجالسه في قصره ، ليتضاعف له السرور بالتنقل من جنة إلى جنة على ما هو معروف من طبع البشر من شهوة مثل ذلك ، وإنما كان التنقل من جنّة إلى جنّة أخرى أنفع لأنه أبعد من الملل الذي طبع عليه البشر وقيل : ان المعنى انهما دون الجنتين الأوليين في الفضل ، فقد روي عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما ، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ، ثم وصف الجنتين فقال (مُدْهامَّتانِ) أي من خضرتهما قد اسودتا من الري ، وكل نبت أخضر فتمام خضرته أن يضرب إلى السواد وهو على أتم ما يكون من الحسن (فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ) أي فوارتان بالماء ينبع من أصلهما ثم يجريان قال ابن عباس : تنضخ على أولياء الله بالمسك والعنبر والكافور (فِيهِما فاكِهَةٌ) يعني ألوان الفاكهة (وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ) عن يونس النحوي : ان النخل والرمان من أفضل الفواكه ، وإنما فصلا بالواو لفضلهما (فِيهِنَ) يعني في الجنات الأربع (خَيْراتٌ حِسانٌ) أي نساء خيرات الأخلاق ، حسان الوجوه ، روته أم سلمة عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقيل : خيرات : فاضلات في الصلاح والجمال ، حسان في المناظر والألوان ، وقيل : إنهن نساء الدنيا ترد عليهم وهن أجمل من الحور (حُورٌ) أي بيض حسان البياض ومنه الدقيق الحواري لشدة بياضه ، والعين : الحوراء إذا كانت شديدة بياض البياض ، شديدة سواد السواد ، وبذلك يتم حسن العين (مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ) أي محبوسات في الحجال ، مستورات في القباب عن ابن عباس وأبي العالية والحسن والمعنى : انهن مصونات مخدرات لا يبتذلن وقيل مقصورات أي قصرن على أزواجهن فلا يردن بدلا منهن عن مجاهد والربيع وقيل : إن لكل زوجة خيمة طولها ستون ميلا عن ابن مسعود ، وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال :

٧١٧

الخيمة درة واحدة طولها في السماء ستون ميلا ، في كل زاوية منها أهلا للمؤمن لا يراه الآخرون ، وعن ابن عباس قال : الخيمة درة مجوفة فرسخ في فرسخ ، فيها أربعة آلاف مصراع عن وهب ، وعن أنس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : مررت ليلة أسري بي بنهر حافتاه قباب المرجان ، فنوديت منه : السلام عليك يا رسول الله فقلت : يا جبرائيل من هؤلاء؟ قال هؤلاء جوار من الحور العين استأذن ربهن عزوجل أن يسلّمن عليك فأذن لهن فقلن : نحن الخالدات فلا نموت ، ونحن الناعمات فلا نبئس (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌ) مر معناه ، والوجه في التكرير الإبانة عن ان صفة الحور المقصورات في الخيام كصفة القاصرات الطرف (مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ) أي على فرش مرتفعة (وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ) أي وزرابي حسان ، ثم ختم السورة بما ينبغي أن يبجل به ويعظم فقال (تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ) أي تعاظم وتعالى اسم ربك ، لأنه استحق أن يوصف بما لا يوصف به غيره من كونه الها قادرا عالما حيّا (ذِي الْجَلالِ) أي ذي العظمة والكبرياء (وَالْإِكْرامِ) يكرم أهل دينه وولايته ، عن الحسن ، وقيل معناه : عظمة البركة في اسم ربك فاطلب البركة في كل شيء بذكر اسمه ، وقيل : ان المعنى : أن اسمه منزّه عن كل سوء ، له الأسماء الحسنى وقد صحّ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : انطقوا بياذا الجلال والإكرام ، أي داوموا عليه.

سورة الواقعة

مكية وآياتها ست وتسعون آية

١ ـ ١٦ ـ (إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) أي إذا قامت القيامة عن ابن عباس ، والواقعة : اسم القيامة كالآزفة وغيرها والمعنى : إذا حدثت الحادثة وهي الصيحة عند النفخة الأخيرة لقيام الساعة وقيل : سميت بها لكثرة ما يقع فيها من الشدة أو لشدة وقعها ، وتقديره : اذكروا إذا وقعت الواقعة ، وهذا حثّ على الاستعداد لها (لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ) أي ليس لمجيئها وظهورها كذب ، ومعناه : أنها تقع صدقا وحقا فليس فيها ولا في الإخبار عنها ووقوعها كذب (خافِضَةٌ رافِعَةٌ) أي تخفض ناسا وترفع آخرين ، عن ابن عباس وقيل تخفض أقواما إلى النار ، وترفع أقواما إلى الجنة عن الحسن والجبائي والمعنى : الجامع للقولين : أنها تخفض رجالا كانوا في الدنيا مرتفعين ، وتجعلهم أذلة بإدخالهم النار ، وترفع رجالا كانوا في الدنيا أذلة وتجعلهم اعزة بإدخالهم الجنة (إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا) أي حركت حركة شديدة وقيل : زلزلت زلزالا شديدا عن ابن عباس وقتادة ومجاهد ، أي رجفت بإماتة من على ظهرها من الأحياء وقيل معناه : رجت بما فيها كما يرج الغربال بما فيه فيكون المراد : ترج بإخراج من في بطنها من الموتى (وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا) أي فتّت فتا عن ابن عباس ومجاهد ومقاتل وقيل معناه كسرت كسرا عن السدي عن سعيد بن المسيب وقيل قلعت من أصلها عن الحسن وقيل سيرت عن وجه الأرض تسييرا عن الكلبي وقيل : بسطت بسطا كالرمل والتراب عن ابن عطية وقيل : جعلت كثيبا مهيلا بعد أن كانت شامخة طويلة عن ابن كيسان (فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا) أي غبارا متفرقا كالذي يرى في شعاع الشمس إذ دخل من الكوة. ثم وصف سبحانه أحوال الناس بأن قال (وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً) أي أصنافا ثلاثة ، ثم فسرها فقال (فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) يعني اليمين ، وهم الذين يعطون كتبهم بأيمانهم عن الضحاك والجبائي وقيل : هم الذين يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة وقيل : هم أصحاب اليمن والبركة على أنفسهم عن الحسن والربيع. ثم عجب سبحانه رسوله من حالهم تفخيما لشأنهم فقال (ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) أي أيّ شيء هم ، كما يقال : هم ما هم (وَأَصْحابُ

٧١٨

الْمَشْئَمَةِ) وهم الذي يعطون كتبهم بشمالهم وقيل : هم الذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار وقيل : هم المشائيم على أنفسهم بما عملوا من المعصية. ثم عجب سبحانه رسوله من حالهم تفخيما لشأنهم في العذاب فقال (ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ) ثم بيّن سبحانه الصنف الثالث فقال (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) أي والسابقون إلى اتباع الأنبياء الذين صاروا أئمة الهدى فهم السابقون إلى جزيل الثواب عند الله عن الجبائي وقيل معناه : السابقون إلى طاعة الله ، وهم السابقون إلى رحمته ، والسابق إلى الخير إنما كان أفضل لأنّه يقتدى به في الخير ، وسبق إلى أعلى المراتب قبل من يجيء بعده (أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) أي والسابقون إلى الطاعات يقربون إلى رحمة الله في أعلى المراتب ، وإلى جزيل ثواب الله في أعظم الكرامة. ثم أخبر تعالى أين محلهم فقال (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) لئلا يتوهم متوهم أن التقريب يخرجهم إلى دار أخرى ، فاعلم سبحانه أنهم مقربون من كرامة الله في الجنة ، لأن الجنة درجات ومنازل بعضها أرفع من بعض (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ) أي هم ثلة ، يعني جماعة كثيرة العدد من الأولين من الأمم الماضية (وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ) من أمة محمد ، لأن من سبق إلى إجابة نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قليل بالإضافة إلى من سبق إلى إجابة النبيين قبله (عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ) أي منسوجة كما يوضن حلق الدرع فيدخل بعضها في بعض ، قال المفسرون : منسوجة بقضبان الذهب ، مشبكة بالدر والجواهر (مُتَّكِئِينَ عَلَيْها) أي مستندين جالسين جلوس الملوك (مُتَقابِلِينَ) أي متحاذين كل واحد منهم بإزاء الآخر وذلك أعظم في باب السرور ، والمعنى : أن بعضهم ينظر إلى وجه بعض لا ينظر في قفاه لحسن معاشرتهم ، وتهذّب أخلاقهم.

١٧ ـ ٢٦ ـ ثم أخبر سبحانه تعالى (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ) أي وصفاء وغلمان للخدمة (مُخَلَّدُونَ) أي باقون لا يموتون ولا يهرمون ولا يتغيرون (بِأَكْوابٍ) وهي القداح الواسعة الرؤوس (وَأَبارِيقَ) وهي التي لها خراطيم وعرى ، وهو الذي يبرق من صفاء لونه (وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ) أي ويطوفون أيضا عليهم بكأس من خمر معين ، أي ظاهر للعيون جار (لا يُصَدَّعُونَ عَنْها) أي لا يأخذهم من شربها صداع (وَلا يُنْزِفُونَ) أي لا تنزف عقولهم ، بمعنى لا تذهب بالسكر (وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ) أي ويطوفون عليهم بفاكهة مما يختارونه ويشتهونه (وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) أي وبلحم طير مما يتمنون ، فإن أهل الجنة إذا اشتهوا لحم الطير خلق الله سبحانه لهم الطير نضيجا حتى لا يحتاج إلى ذبح الطير وإيلامه (وَحُورٌ عِينٌ) قد مرّ بيانه (كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ) أي الدر المصون المخزون في الصدف لم تمسه الأيدي (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي نفعل ذلك لجزاء أعمالهم وطاعاتهم التي عملوها في دار الدنيا (لا يَسْمَعُونَ فِيها) أي في الجنة (لَغْواً) أي ما لا فائدة فيه من الكلام ، لأن كل ما يتكلمون به فيه فائدة (وَلا تَأْثِيماً) أي لا يقول بعضهم لبعض : أثمت ، لأنهم لا يتكلمون بما فيه إثم (إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً) أي لا يسمعون إلا قول بعضهم لبعض على وجه التحية : سلاما سلاما ، والمعنى : أنهم يتداعون بالسلام على حسن الآداب ، وكريم الأخلاق اللذين يوجبان التواد.

٢٧ ـ ٤٠ ـ ثم ذكر سبحانه أصحاب اليمين وعجب من شأنهم فقال (وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ) هو مثل قوله : ما أصحاب الميمنة وقد مر معناه (فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ) أي في نبق مخضود ، أي منزوع الشوكة قد خضد شوكه : أي قطع (وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ) قال ابن عباس وغيره : هو شجر الموز (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ) أي دائم لا تنسخه الشمس ، فهو باق لا يزول (وَماءٍ مَسْكُوبٍ) أي مصبوب يجري الليل والنهار ولا ينقطع عنهم ، فهو مسكوب بسكب الله إياه في مجاريه ليشرب على ما

٧١٩

يرى من حسنه وصفائه (وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ) أي وثمار مختلفة كثيرة غير قليلة (لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ) أي لا تنقطع كما تنقطع فواكه الدنيا في الشتاء وفي أوقات مخصوصة ، ولا تمتنع ببعد متناول ، أو شوك يؤذي اليد كما يكون ذلك في الدنيا (وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ) أي بسط عالية كما يقال : بناء مرفوع وقيل معناه ونساء مرتفعات القدر في عقولهن وحسنهن وكمالهن عن الجبائي قال : ولذلك عقبه بقوله. (إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً) ، ويقال لامرأة الرجل : هي فراشه (إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً) أي خلقناهن خلقا جديدا قال ابن عباس : يعني النساء الآدميات (فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً) أي عذارى وقيل : لا يأتيهن أزواجهن إلا وجدوهن أبكارا (عُرُباً) العروب : اللعوب مع زوجها أنسا به (أَتْراباً) أي متشابهات مستويات في السن (لِأَصْحابِ الْيَمِينِ) أي هذا الذي ذكرناه لأصحاب اليمين جزاءا وثوابا على طاعاتهم (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ) أي جماعة من الأمم الماضية التي كانت قبل هذه الأمة ، وجماعة من مؤمني هذه الأمة ، قال الحسن : سابقو الأمم الماضية أكثر من سابقي هذه الأمة ، وتابعو الأمم الماضية مثل تابعي هذه الأمة ، يعني ان أصحاب اليمين منهم مثل أصحاب اليمين منّا ، وإنّما نكّر سبحانه الثلة ليدل على أنه ليس لجميع الأولين والآخرين وإنما هو لجماعة منهم كما يقال : رجل من جملة الرجال ، وهذا الذي ذكرناه قول مقاتل وعطاء وجماعة من المفسرين ، وذهب جماعة منهم ان الثلثين جميعا من هذه الأمة ، وهو قول مجاهد والضحاك واختيار الزجاج ، وروي ذلك مرفوعا عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : جميع الثلثين من أمتي.

٤١ ـ ٥٦ ـ ثم ذكر سبحانه أصحاب الشمال فقال (وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ) وهم الذين يأخذون كتبهم بشمالهم ، أو الذين يلزمهم حال الشؤم والنكد (فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ) أي في ريح حارة تدخل مسامهم وخروقهم ، وفي ماء مغلي حار انتهت حرارته (وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ) أي دخان أسود شديد السواد ، عن ابن عباس وأبي مالك ومجاهد وقتادة وقيل : اليحموم جبل في جهنم يستغيث أهل النار إلى ظله ثم نعت ذلك الظل فقال (لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ) أي لا بارد المنزل ، ولا كريم المنظر عن قتادة وقيل : لا بارد يستراح إليه لأنه دخان جهنم ، ولا كريم فيشتهى مثله وقيل : (وَلا كَرِيمٍ) : أي ولا منفعة فيه بوجه من الوجوه ، والعرب إذا أرادت نفي صفة الحمد عن شيء نفت عنه الكرم وقال الفراء : العرب تجعل الكريم تابعا لكل شيء نفت عنه وصفا تنوي به الذم تقول : ما هو بسمين ولا كريم وما هذه الدار بواسعة ولا كريمة. ثم ذكر سبحانه أعمالهم التي أوجبت لهم هذا فقال (إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ) أي كانوا في الدنيا متنعمين عن ابن عباس ، وذلك ان عذاب المترف أشد ألما بيّن سبحانه أن الترف ألهاهم عن الانزجار ، وشغلهم عن الاعتبار ، وكانوا يتركون الواجبات طلبا لراحة أبدانهم (وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ) أي الذنب العظيم عن مجاهد وقتادة ، والإصرار : أن يقيم عليه فلا يقلع عنه ولا يتوب منه وقيل : (الْحِنْثِ الْعَظِيمِ) : الشرك ، أي لا يتوبون عنه عن الحسن والضحاك وابن زيد وقيل : كانوا يحلفون لا يبعث الله من يموت ، وإن الأصنام أنداد الله ، عن الشعبي والأصم (وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) أي ينكرون البعث والنشور ، والثواب والعقاب فيقولون مستبعدين لذلك منكرين له ، ءإذا خرجنا من كوننا أحياء وصرنا ترابا أنبعث (أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ) أي أو يبعث آباؤنا الذين ماتوا قبلنا ويحشرون؟ إن هذا لبعيد (قُلْ) يا محمد لهم (إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ) أي الذين تقدموكم من آبائكم وغير آبائكم ، والذين يتأخرون عن زمانكم (لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) يجمعهم الله ويبعثهم ،

٧٢٠