مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٥

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٥

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٦٦

صلاة الظهر والعصر إذا كان الاختلاف في رأيي المجتهدين من حيث القصر والإتمام كما مر فلا يأتي هنا لأن الفرض انه احتاط بالجمع بين القصر والإتمام.

وهكذا ان كان الدليل لزوم قضاء ما سبق مع الإجماع على خلافه لأن الفرض احتياطه فيه فان كان فتوى الثاني قصرا فقد قصر وان كانت تماما فقدتم بالجمع بينهما وهكذا ان كان الدليل الاشتغال اليقينيّ الّذي لا يحصل الفراغ منه الا بالبقاء لأنه احتاط فقد حصل الفراغ يقينا (١) واما استصحاب التخيير فلا يجري من جهة عدم تكرر صرف وجود التقليد كما مر وعمومات جواز التقليد لا تشمل هذه الصورة التي حصل التقليد في الواقع فلا يجوز العدول لذلك.

وان كان المشهور جوازه واما العدول في القسم الثاني من الاحتياط فهو صادق ويدور مدار جوازه وعدمه وأدلة عدم جوازه غير التعيين والتخيير وكون التقليد بنحو صرف الوجود فلا يتكرر لا يأتي هنا لكونه عاملا بالاحتياط واما العدول في القسم الثالث فلا فرق بين الواجب والمستحب في جوازه وعدمه إذا كان الاحتياط الاستحبابي مطابقا لرأي من يتبع رأيه أو من باب الاستناد إلى فتوى من يقول باستحبابه.

ثم ان القول بالتفصيل بين الاحتياط العقلي وبين الشرعي في جواز العدول في الأول وعدم الجواز في الثاني فغير وجيه اما بيان التفصيل فلان الاحتياط العقلي كموارد العلم الإجمالي يكون حكم الفقيه فيه إرشادا إلى حكم العقل وفتواه بمنزلة اخباره بوجود حكم العقل فلا تقليد فيه لئلا يجوز العدول بخلاف الاحتياط الشرعي كما في باب الفروج والدماء فلا يجوز من جهة انه فتواه وليس نائبا عن المقلد

__________________

(١) لا يكون الكلام في عمله السابق بل الكلام في عمله اللاحق وهو الأخذ بالفتوى في مقابل الاحتياط والكلام يكون في اشتغاله بالنسبة إليه فلو تم الدليل وكان المقام من مصاديق العدول فلا يجوز لعدم قطعه بالفراغ بعمله بالفتوى كما هو واضح كالقسم الثاني من الاحتياط على ما سيجيء منه.

٨١

في بيان مورده فقط لعدم حكم لعقله فيه.

واما بيان الرد فلان المشهور القائلين بجواز الرجوع في الاحتياط لا يفرقون بين الشرعي والعقلي هذا أولا وثانيا لا فرق في نيابة المجتهد عن المقلد فيهما لأنه نائب عنه في الشرعي أيضا لأن الخطابات الطرقية مثل تصديق العادل أيضا شاملة للمقلد ولكنه حيث لا قدرة له على الاستنباط يكون المجتهد نائبا عنه.

وثالثا ان الرجوع غير جائز من باب ان الأعلم إذا أفتى بالاحتياط حسب ما ادى إليه نظره لا يكون له الإرجاع إلى المفضول الّذي هو الأعلم بعده لعدم تمامية فتواه عنده لعدم تمامية دليله عنده واما الرجوع إلى المساوي فهو من مصاديق العدول فان جاز فهو وإلّا فلا فتحصل ان الاحتياط مثل الفتوى في جواز العدول وعدمه فيه.

الأمر الرابع في ان المقلد إذا نسي فتوى المجتهد الّذي قلده ولم يكن السؤال عنه لموته أو غير ذلك فهل يجب عليه الفحص أو لا فإذا تفحص ولم يجدها قطعا بل وجدها ظنا فهل يعمل بالظن أم لا وإذا لم يجدها قطعا أو ظنا ثم رجع إلى الثاني ثم وجدها فهل يجب العود إلى فتوى الأول أم لا فيه جهات من البحث.

الجهة الأولى في وجوب الفحص وهو مختار الشيخ الأعظم قده لأن البقاء على التقليد إذا كان واجبا فمقدمته واجبة نظير الأمارة إذا وجدها ثم نسي موضعها في الكتب المعتبرة فمن رأي خبرا في الموضوع الفلاني ونسيه فعلا يجب عليه الفحص وحجية الفتوى تكون مثل حجية الأمارة.

فان قلت ليس لنا دليل لفظي على وجوب البقاء حتى يكون إطلاقه موجبا لتحصيل مقدماته فالمتيقن هو البقاء في صورة عدم النسيان ولا دليل على وجوب تحصيل المقدمات قلت مراده قده من ذلك هو ان الواقع المنجز يكون طريقه موجودا فيجب الأخذ به من باب وجوب الأخذ بفتوى المجتهد الّذي قلده وليس مراده وجوب البقاء حتى يقال لا دليل لفظي عليه فالفحص واجب لا إشكال فيه.

الجهة الثانية في انه إذا لم يجد الفتوى بعد الفحص ولكن حصل له الظن

٨٢

به فاحتمل قده فيها وجهين جواز العدول وعدمه وقوى الأول واستدل عليه بان الظن لا دليل على اعتباره بعد إمكان الأخذ بالحجة الأخرى والتخيير إذا تعذر أحد أطرافه يتعين الطرف الآخر وهنا يكون كذلك مضافا بان دليل وجوب البقاء هو الإجماع وهو دليل لبي والمتيقن منه صورة حصول القطع بالفتوى السابقة لا الظن بها.

وقد أشكل عليه بان الاحتياط إذا لم يكن عسريا يكون هو المتعين فانه يلاحظ الفتاوى ويأخذ بأحوطها للعلم الإجمالي بوجود رأي السابق بين الآراء في المسألة كالآراء في العصير العنبي فانها منحصرة في عدد يسير وفيه ان مقوم الحجة هو الوصول فلا حجية له قبله وحيث ان العلم الإجمالي لا يكفى لذلك يأخذ بما هو حجة فعلا وليس مثل العلم الإجمالي بوجود تكليف في البين كالاجتناب عن النجس في الكأسين الذين يكون أحدهما نجسا فالحق معه قده.

وقد أشكل عليه بان المتفحص إذا حصل له الظن يكون امره دائرا بين الأخذ بمظنون الحجية وبين الأخذ بمشكوكها وهو فتوى الثاني والمظنون مقدم على المشكوك وفيه ان الظن غير معتبر فيتعين الأخذ بالفتوى الثانية بعد تعذر غيرها.

الجهة الثالثة في ان المقلد إذا رجع إلى الثاني ثم وجد فتوى الأول فهل يجب عليه العود أم لا فيه خلاف وقد نسب قده إلى بعض معاصريه ولعله صاحب المقابيس وجوب العود إلى الأول لأن الواقع بالنسيان لا يتغير عما هو عليه وقد أشكل قده عليه بان نسيان الحكم وان لم يوجب تغيره لاشتراك العالم والجاهل فيه ولكن نسيان الموضوع ليس كذلك فان المقلد بنسيانه التقليد قد عجز عن الامتثال للفتوى الأولى وصار موضوعا للتكليف بالاخذ بالثانية فإذا ارتفع النسيان يكون القول بجواز عوده إلى الأولى محتاجا إلى الدليل ومع الشك في جوازه فيكون من دوران الأمر بين التعيين والتخيير والمتعين أخذه بالثانية.

وقد أجيب عنها بان وجوب العمل بالفتوى وهو الحكم وان لم يكن منسيا

٨٣

كما ذكره قده ولكن متعلق هذا الحكم أيضا يكون هو الحكم فان كان التقليد هو العمل على طبق الفتوى فيكون المنسي هو الحكم الخاصّ مثل وجوب الصلاة فالحكم الخاصّ وهو وجوبها مثلا منسي وهذا الحكم يشترك فيه العالم والجاهل فهذا الحكم الخاصّ موضوع لحكم الجري على طبقه وان كان لا يتحقق التقليد إلّا بالالتزام أو الاستناد إلى الفتوى فللنسيان مساس بمتعلق الحكم أيضا وبعبارة واضحة انه نسي الفتوى التي هي متعلقة بوجوب الصلاة مثلا والحق عندي هو ان نسيان الفتوى يكون من نسيان الحكم والقول بعدم العود يكون معناه اختصاص الحكم بالعالم به وهو يلزم منه دور العلامة مع انه خلاف الإجماع.

الأمر الخامس في انه على فرض عدم جواز العدول إلى المساوي فهل يجوز العدول إلى الأعلم الّذي صار اعلم بعد تقليد الأول أم لا : المشهور هو الأول وان كان مقتضى كون التقليد بنحو صرف الوجود غير قابل للتكرار على ما مرّ هو الثاني وسندهم إطلاق أدلة الرجوع إلى الأعلم من جهة السبق بتقليد غيره وعدمه فنقول ان الدليل على وجوب الرجوع إلى الأعلم ان كان فطرة العامي فهي لا محالة تحكم بوجوب الرجوع إليه لا إلى غيره وفتوى السابق بعد جواز رجوعه إليه لا يصغى إليه من جهة كونه مفضولا نعم ان أفتى الأعلم بالبقاء على تقليده يجوز ولكن في الواقع يكون هذا أيضا تقليدا للأعلم لا للمفضول.

واما من جهة الدليل الاجتهادي مع قطع النّظر عن فطرة العامي فنقول ان كان الدليل على عدم جواز العدول الإجماع فالمتيقن منه صورة عدم أعلمية الثاني وان كان عدمه من باب دوران الأمر بين التعيين والتخيير والقول بالتعيين فهو معارض بمثله لأن القول بالتعيين يكون من باب الاحتياط من جهة احتمال دخالة الأخذ بالأول وفي المقام نحتمل تعيين الأعلم من جهة كونه كذلك وان كان الدليل ان صرف وجود التقليد لا تكرار فيه فلا بد من الأخذ بأحوط القولين فيما لم يعمل والبقاء عليه فيما عمل به.

٨٤

ولكن الإنصاف تقديم الأعلم وعدم الشك في الرجوع إليه واحتمال كون الاحتياط في البقاء موهون جدا : لأنه يرجع إلى القول بتساوي العالم والجاهل والواجد والفاقد وهو خلاف الغريزة فالحق جواز العدول بلا إشكال (١)

الأمر السادس في انه إذا علم تقليده في العمل السابق ولكن لا يعلم انه كان صحيحا أو فاسدا فهل يجوز عليه البقاء والحكم بصحة عمله السابق واللاحق وهكذا تقليده كذلك أم لا فيه بحث فإذا كان شكه منشأ للشك في صحة عمله السابق فهو على نحوين الأول ان يكون التشكيك في تقليده من باب التشكيك في عدم كون المجتهد جامعا لشرائط الإفتاء والثاني ان يكون من باب عدم كونه على المباني الشرعية في تعيينه للتقليد مثل عدم كونه عن شهادة البينة العادلة وعلى أي تقدير تكون أصالة الصحة أو قاعدة الفراغ جارية بالنسبة إلى العمل السابق وبالنسبة إلى الأعمال اللاحقة فاستصحاب بقاء الأهلية جار كاستصحاب العدالة لو شك فيها فيترتب عليه صحة الأعمال اللاحقة.

واما مع عدم الحالة السابقة فلا بد من الفحص ليظهر الحال واما إذا كان الشك في صحة التقليد فعلى فرض كونه عملا من الأعمال فأصالة الصحة فيه أيضا جارية مثل غيره واما على فرض كونه التزاما فلا تجري لعدم كونه عملا (٢) فأصالة

__________________

(١) أقول وهذا كاشف قابلية التقليد للتكرار وانه يتكرر بتكرر الأعمال وليس بنحو صرف الوجود ولو في عنوان واحد كوجوب السورة كما مر وإلّا فالحكم العقلي بمحالية شيء كيف انقلب عما هو عليه وتعلق الوجوب بطبيعي الرّأي يكون بلحاظ الافراد الخارجية كما في غيره.

(٢) أقول ملاك جريان قاعدة الفراغ وأصالة الصحة في عمل النّفس هو الأذكرية حين العمل ولا يبعد القول بان الالتزام والبناء على تقليد مجتهد خاص أيضا عمل من الأعمال النفسيّة خصوصا بعد ترتيب اثره في الخارج عليه فيمكن ان يقال هو حين هذا العمل أيضا اذكر منه حين يشك والفرض بقاء الشك وعدم إحراز عدم لياقة المجتهد للتقليد لا صورة كشف الخلاف.

٨٥

الصحة في أعماله السابقة جارية.

واما في الأعمال اللاحقة فلا بد من الفحص إلّا إذا كان الشك في صحة التقليد من باب الشك في عدالة البينة القائمة على الاجتهاد والأعلمية فاستصحابها يحكم بصحة العمل على طبق رأي المجتهد فيما سيأتي أيضا وحيث ان المختار هو كون التقليد هو العمل المستند فأصالة الصحة جارية بالنسبة إلى الأعمال السابقة ومنها التقليد ويترتب عليه جميع الآثار له وللعمل فعلى هذا لا يجوز العدول إلى غيره إلّا ان يكون اعلم لأن جواز العدول وعدمه يكون من آثار صحة التقليد وعدمها.

الأمر السابع في حكم عمل العامي بلا احتياط ولا تقليد والحق كما قيل بطلان عمله إذا لم يطابق الواقع ولا رأى من يجب عليه اتباعه اما إذا كان مطابقا للواقع ولرأي من يتبع رأيه وحصل منه قصد القربة فهو صحيح وعلى هذا يحمل كلام من قال عمل العامي بلا اجتهاد ولا تقليد باطل هذا إذا كان العامي غافلا واما إذا كان ملتفتا بأنه يجب عليه التقليد أو الاحتياط ولم يحتط وأتى بالعمل بدون التقليد فربما يقال بعدم صحة عمله لأنه لا بد في إتيانه من كونه عن قصد امر جزمي بداعي القربة وهو لا يحصل إلّا بإتيانه بالاحتياط ليحصل الجزم يكون عمله عن امر في البين فحيث لم يحتط لم يكن داعيه امر الله تعالى.

ويرد عليه بان داعيه بإتيان أحد الأطراف أيضا يكون هو الأمر من الشارع وعدم إتيانه بالفرد الآخر المحقق للاحتياط ربما يكون لمشقته عليه وهذا لا يضر بكون عمله عن امر الشارع كما انه في موارد العلم الإجمالي يأتي بكل فرد من الافراد بالأمر الاحتمالي عنه ولا جزم له به في خصوصه فإذا طابق هذا العمل مع الواقع أو رأى من يتبع رأيه فلا دليل لنا على البطلان وقصد الأمر الجزمي غير دخيل في القربة ولو شك تجري البراءة بالنسبة إلى الخصوصية الخاصة كما ان الحق عندنا أصالة البراءة عن التعبدية لو شك فيها في عمل من الأعمال.

نعم من يقول بان الجزم بالأمر دخيل في حصول القربة يشكل عليه الأمر

٨٦

ثم إذا انكشف كون الواقع على خلاف ما أتى به أو رأي من يتبع رأيه فلا إشكال في البطلان وهذا واضح.

وانما الكلام في صورة عدم حصول العلم بمطابقة الواقع مع كون المدار على رأي من يتبع رأيه فهل المدار عليه حين العمل أو حين التقليد فانه ربما يطابق عمله مع رأي من مات ولا يكون مطابقا لرأي المجتهد الحي فان كان المدار على وقت العمل فقد صح عمله وان كان المدار على وقت التقليد فلا تصح فإذا كان الثاني اعلم فعلا ولم يكن وقت العمل كذلك أو لم يكن مجتهدا أصلا فربما يقال باتباع رأيه فعلا وترتيب الأثر عليه.

وحاصل الدليل على اتباع الرّأي حين التقليد هو ان ما يمكن ان يحتج به عند المولى على فرض عدم مصادفة العمل مع الواقع في الواقع هو الحجة الواصلة ولا حجية لما لم يصل لأن مقومها الوصول ورأي المجتهد وقت العمل لم يصل إليه فلا يكون له الاحتجاج به وما وصل هو رأي الثاني وقت التقليد.

ولا يقال ان الوصول يوجب التنجيز واما المدار في صحة العمل وفساده فهو القانون الموضوع عن الشرع وهو في وقت العمل كان رأي المجتهد السابق وان قصر المقلد في تحصيله فكيف لا يصح عمله لأنا نقول ان المدار في الحجة على الوصول والعمل يلزم اما ان يطابق مع الواقع واما مع الحجة ولا حجة مع عدم الوصول (١) وبهذا يفرق بين العدول والمقام فان المقلد إذا عمل برأي من يجب عليه

__________________

(١) وبعد في الذهن شيء وهو ان المكلف في مقام الاحتجاج مع مولاه يمكنه ان يقول في وقت العمل هل كان على تكليف أم لا فان كان فلا بد ان يكون رأي من يتبع رأيه في ذاك الزمان لا من لم يكن مجتهدا أو كان ولم يتبع رأيه وان لم يكن تكليف فلا عقاب بالنسبة إليه والمفروض عدم وصوله إلى الواقع بالطريق العادي ومنه رأي المجتهد لأنه أيضا ظهر خلافه فلا يمكن ان يحتج بكون الواقع هو تكليفه هذا مضافا إلى ان رأي المجتهد من جهة الحجية يكون مثل وجود رواية لم تصل إليه فلم تتنجز مع انها حجة في الواقع وان لم يصل إليها المكلف فإذا ـ

٨٧

لم تقليده ثم صار غيره اعلم وأفتى بخلافه فقد أخذ بالحجة ابتداء ووافق عمله معها واما في المقام فليس كذلك وان قلنا فيما مر ان إطلاق فتوى الثاني لازمه عدم صحة العمل السابق ولكن الإجماع دل على عدم الإعادة أو قاعدة لا تعاد دلت على عدمها في خصوص الصلاة ولكن الإجماع دليل لبي لا يشمل صورة عدم كون العمل عن الأخذ بالحجة وقاعدة لا تعاد منصرفة عن العمل بدون الاستناد إليها أيضا فتحصل ان الحجة هي رأي المجتهد حين التنبه فيجب العمل على طبقه أو الأخذ بأحوط القولين.

فصل في اشتراط الحياة في المفتي

وهذا البحث يكون في الكفاية ولكن أكثر ما سبق لم يكن فيها فنقول اختلفوا في اشتراط الحياة في المفتي فالمعروف بين الأصحاب الاشتراط مطلقا والمعروف بين العامة وهو خيرة الأخباريين وبعض المجتهدين من أصحابنا عدم اشتراطها مطلقا والتفصيل بين التقليد ابتداء فتشترط وبينه بقاء فلا تشترط وتفصيل آخر بين ما إذا كان الميت أعلم من الحي فيجوز تقليده مطلقا وإلّا فلا يجوز مطلقا.

ثم البحث هنا أيضا مثل ما مر في تقليد الأعلم في مقامين الأول ملاحظة حال العامي بحسب فطرته والثاني في الدليل الاجتهادي الّذي يتمسك به الفقيه ليفتي بجواز تقليد الميت وعدمه. اما المقام الأول فلا شبهة في ان العامي بحسب الفطرة وما في ذهنه من انسداد باب الأحكام عليه إلّا بالرجوع إلى الخبرة يرجع إلى الحي لا إلى الميت كما ان الرجوع إلى ساير أرباب الصنائع يكون في حال حياتهم فهو إذا لاحظ فطرته يرى الاحتياط في أخذ الحي الّذي يحتمل تعيينه

__________________

ـ تتنجز لتقصيره عليه يكون للمولى الاحتجاج عليه بها ولو كان الواقع على خلافها فيكون رأي المجتهد كذلك إلّا ان يقال يكون الأخذ له الموضوعية لا الطريقية وهو كما ترى ، ـ

٨٨

وان لم يلتفت تفصيلا إلى ان هذا الباب من دوران الأمر بين التعيين والتخيير واما المقام الثاني ففيه أيضا يرى المجتهد دوران الأمر بين التعيين والتخيير ولا بد له من الفتوى بالتعيين للشك في حجية فتوى الميت.

فان قلت ان الأصل يكون معارضا بمثله في صورة كون الميت أعلم من الحي فان رأيه اقرب إلى الواقع فيحتمل ان يكون هو المتعين بل فطرة العوام أيضا على احتمال التعيين فكما ان الأعلمية متقدمة على الأورعية في فرض الدوران كذلك فكذلك في المقام يكون الحياة مثل الأورعية والمتيقن من الإجماع الدال على عدم جواز الرجوع إلى الميت هو صورة عدم كونه اعلم لأنه دليل لبّي ولا إطلاق له.

وربما يعتذر عن ذلك بان شرطية الحياة ليست من باب الأقربية إلى الواقع والإجماع على اشتراطها يكون لسرّ آخر فلا تقاس مع الأعلمية وفيه ان الإجماع في صورة كون الميت أعلم من الحي لا لسان له فالمتيقن منه اشتراطها في غير هذه الصورة.

قلت في المقام يكون الكلام في أصل جواز تقليد الميت لما سيجيء من التشكيك في وجود الرّأي له الّذي لا يمكن التقليد بدونه فان جاز تقليده يكون للأعلمية دخل وإلّا فلا.

ثم انه قد يستدل لجواز تقليد الميت بوجوه لو تمت تكون حاكمة على أصالة التعيين لأنها أصل عقلي وكل دليل أو أصل شرعي مقدم عليه الأول استصحاب جواز التقليد السابق يعنى زمان حياته والموت من الحالات الطارية الموجبة للشك.

وقد أشكل عليه بان التقليد يكون قوامه برأي المجتهد فيلزم إثباته بعد الموت أيضا وبقائه محل الخلاف فعن وحيد البهبهاني قده ما حاصله ان الرّأي يزول بواسطة الغفلة والنسيان فكيف بالموت الّذي يصير معه الذهن جمادا لا حس فيه فموضوع التقليد وهو الرّأي منهدم قطعا فلا مجال لاستصحاب الجواز

٨٩

وقد أجيب عنه (١) بان النّفس المجردات كما ثبت في محله والمجرد لا موت له والرّأي قائم بها لا بالبدن الّذي عرض له الموت وزواله حين الموت بالوحشة لا يوجب زوال النّفس فهي باقية مع رأيها فلا وجه لكلام هذا القائل من ادعاء القطع بزواله وعلى فرض الشك فيه فيستصحب بقائه أو يقال بجريان استصحاب الحكم مع الشك في الموضوع أيضا فيستصحب جواز التقليد مع الشك في الرّأي الّذي هو الموضوع.

والجواب عنه ان هذا يتوقف على كون آراء المجتهد كليات قائمة بنحو الكلية بالنفس وإلّا فان كانت من الأوهام والخيالات والمدركات بالحس فان سنده الرواية المروية عن زرارة وأمثاله فتزول بواسطة الموت (٢) مضافا بان بقاء النّفس لا يلزمه بقاء الرّأي فمن الممكن ان يزول مع بقائها مع عدم إثبات التجرد لغيرها من الوهم والخيال والحس عند الجميع بل هو اختلافي عندهم واما الواقعيات المنكشفة له بعد الموت لا حجية لها لعدم الدليل عليها كالواقعيات التي يكون كشفها برياضات المرتاضين مع عدم ثبوت كشف الحقائق لكل أحد بعد الموت ومع قطع النّظر عن ذلك فأكثر الأحكام الظاهرية يكون موردها الشك كما في الأمارات أو موضوعها الشك كما في الأصول وليس لنا العلم ببقاء الشك حتى بعد الموت لو لم نقل بأنه يزول بعده فلم يثبت بما ذكر بقاء الرّأي قطعا واما استصحابه مع الشك فيه فائضا لا يجري لعدم الأثر الشرعي له ضرورة ان جواز

__________________

(١) أقول ان ظاهر كلامه قده كما يظهر من التمثيل بالغفلة والنسيان هو ادعاء الزوال لحصول الوحشة لا لانعدام النّفس حتى يشكل عليه بان النّفس باقية فعلى المدعى إثباته وإثبات عدم زواله بالموت.

(٢) مع قطع النّظر عن ساير الإشكالات فالظاهر عدم تمامية هذا لأن مقدمات الرّأي إذا حصلت من الحس بالسماع عن زرارة غير ذلك لا تضر بكليته فان رأيه في حرمة العصير العنبي ونجاسته إذا غلى كلي لا ربط له بالموضوعات الشخصية وبكليته ينطبق على المصاديق كما لا يخفى.

٩٠

التقليد مع بقاء الرّأي امر تكويني لحكم العقل أو الفطرة أو العقلاء به وعلى فرض كونه شرعيا فليس الترتب شرعيا فان الحكم بطهارة الثوب بواسطة جريان استصحاب الطهارة يكون من جهة ترتب هذا الأثر في الدليل الشرعي على طهارة الماء.

ومع قطع النّظر عن جميع ذلك فبقاء الموضوع عرفا شرط في جريانه لا دقة والميت غير الحي عندهم فليس للاستصحاب وجه ولا يقال ان كان الأمر كما ذكرت فلما ذا يستصحب جواز نظر الزوج إلى بدن زوجته بعد موتها وبالعكس لأنا نقول يتفاوت نظرهم بالنسبة إلى الآثار فانهم يرون موضوع جواز النّظر هو البدن وهو باق بعده ويرون جواز التقليد من آثار الحياة وهي معدومة فتحصل من جميع ما تقدم على جريان استصحاب جواز التقليد ليكون حاكما على أصالة التعيين.

وقد استدل بالاستصحاب التعليقي في جواز تقليد الميت وبيانه ان المجتهد حين حياته ان قلده المقلد كان رأيه حجة عليه فإذا مات وصار المقلد مكلفا يكون كذلك لأن الموت يكون من الحالات الطارية كما يجري استصحاب الحرمة والنجاسة الثابتة بالغليان بالنسبة إلى العنب إذا صار زبيبا فانه حين كونه عنبا كان له هذا الحكم على فرض الغليان فهكذا بعد صيرورته زبيبا.

والإشكال عليه أولا بان هذا القسم من الاستصحاب غير جار عند الجميع في جميع الموارد فان الاختلاف في جريانه وعدمه مشهور وثانيا ان التعليق لو كان في لسان الشارع كما في العنب إذا غلى يصح الاستصحاب وفي المقام ليس كذلك بل قيد الحياة يكون مستفادا من العقل أو الفطرة أو انصراف الخطاب عن الميت فكيف يقال انه حين كان حيا كان جائز التقليد فهكذا بعده وثالثا بقاء الرّأي بعد الموت يكون مشكوكا وقد مر الكلام فيه فلو ثبت وجود الرّأي بعده يمكن الكلام في استصحاب الحكم وإلّا فلا فهذا النحو من الاستصحاب أيضا غير جار.

وبتقريب آخر ان المستصحب اما ان يكون هو الحجية الثابتة حين الحياة أو الحكم الواقعي الّذي كان على ما أفتى به المجتهد مثل وجوب السورة في صلاة

٩١

الاحتياط واما ان يكون هو الحكم الظاهري اما استصحاب الحجية فقد أشكل عليه بان المحرر في محله هو وجوب كون المستصحب اما حكما أو موضوعا ذا حكم والحجية ليست حكما لعدم كونها مجعولة وان قلنا بمجعولية غيرها من الوضعيات كالملكية وليست إلّا الأمر بمعاملة اليقين مع ما ادى إليه الأمارة أو ترتيب أثر الواقع فمن هذا الأمر ينتزع الحجية ومثلها الوجوب والحرمة فانهما أيضا منتزعان من الإرادة الجازمة البعثية والكراهة الجازمة الزجرية والمدار عليهما لا على هذين العنوانين فلو كشف المكلف الإرادة والكراهة كذلك لا بد من الجري على طبقهما ولو بدون إبراز المولى بجعل الوجوب والحرمة والحجية مثلهما في انتزاعها عن امر عامل معاملة اليقين أو معاملة الواقع واما عدم كونها موضوعا ذا حكم شرعي فلان مؤدى الأمارة اما ان يكون هو الواقع فهو منجز واما ان يخطئ فهو معذر والمنجزية والمعذرية امران عقليان.

والجواب عنه ان المستصحب لا يلزم ان يكون حكما أو موضوعا ذا حكم شرعي بل يكفى كون امر وضعه ورفعه بيد الشرع ومن المعلوم ان الحجية كذلك ولو بمنشإ انتزاعها وهو الأمر بمعاملة اليقين أو الواقع مع مؤدى الأمارة فللشارع عدم جعلها ولكنه جعلها كذلك وقد أشكل عليه ثانيا بان ما هو الحجة هو رأي المجتهد وحدوثه لا يكفى للبقاء وهو مشكوك بعد الموت فليس لنا استصحاب ما هو مشكوك من أصله وغير ثابت لا بالوجدان ولا بالتعبد.

واما استصحاب الرّأي فهو مثبت كما مر لأن جواز التقليد يكون من الآثار التي يكون ترتبه عليه عقليا (١) وان كان نفسه شرعيا ولا بد من الأثر الشرعي وكون

__________________

(١) أقول انه هنا نقول بما قاله مد ظله آنفا من كفاية كون امر المستصحب بيد الشرع ومن المعلوم ان للشارع التعبد ببقاء الرّأي وجواز التقليد ليس عقليا محضا بل الشارع أيضا امر به ولو كان إرشادا ويكفى هذا للتعبد ولكن الإشكال في ان الموضوع غير منحفظ في نظر العرف فان الحي غير الميت.

٩٢

الترتب أيضا شرعيا واما استصحابه بنحو التعليق فقد مر آنفا ما فيه من الإشكال.

واما استصحاب الحكم الواقعي فتقريبه ان يقال ان مؤدى الأمارة مما به اليقين التنزيلي ولو لم يكن متيقنا بالوجدان فيستصحب وفتوى المجتهد بمنزلة الأمارة على الحكم فهو ثابت بها فيستصحب كما ان ما قامت البينة على طهارتها فشك فيها يستصحب مؤدى قول البينة فيه وهو الطهارة.

والجواب عنه ان اليقين بالوجدان لم يكن له حالة سابقة على حسب الفرض وما ثبت بالتعبد لم يكن بعد الموت لأن قوامه بالرأي وهو مشكوك البقاء فالحكم المستند إليه لا يمكن استصحابه والشك في الحجية بالنسبة إليه مساوق للقطع بعدمها واما استصحاب الحكم الظاهري فغاية ما يقال في تقريبه ان المقلد حين الحياة كان عالما بان وظيفته هذا النحو من العمل وبعده يشك في بقائها وموت المفتي يكون منشأ للشك ولا يوجب سقوط الوظيفة عما كانت عليه كما انه إذا قام الخبر على حكم فشك في بقاء ذاك الحكم لبعض الطواري وهذا آخر فكر شيخنا العراقي قده في حكمه بجواز البقاء على تقليد الميت.

والجواب عنه ان هذا خلاف مسلكه في باب الأمارات لأنه على فرض كون المبنى فيها جعل المماثل للواقع في مقام الظاهر بعد قيام الأمارة كان للقول باستصحاب هذا الحكم الظاهري وجه واما على ما هو الحق عنده من تتميم الكشف أو تنزيل المؤدى منزلة الواقع كما هو رأى الشيخ الأعظم قده فلا وجه له لأن الحكم لو كان لكان واقعيا وقد مر ما فيه.

فان قلت الحكم الواقعي الطريقي يستصحب والمراد جواز البقاء على تقليد الميت بأي وجه كان قلت معنى بقاء الحكم الطريقي مثل وجوب تصديق العادل في الاخبار لا يكون في المقام له الانطباق لأن معنى تصديق المجتهد يكون العمل برأيه وهو مشكوك بعد الموت كما إذا شك في خبر العادل لاحتمال وجود خلل في السند فان قلت الأمارة جهة تعليلية لوجود الحكم والرّأي يكون كذلك فصرف الحدوث إذا ثبت يتمم في البقاء بالاستصحاب فإطلاق دليله ودليل الأمارة شامل للمورد.

٩٣

قلت كل حكم أنيط بموضوع يكون له البقاء يكون دائرا مداره حدوثا وبقاء فجواز التقليد يكون بعد وجود الرّأي وبدونه لا موضوع له مثل ان العدالة تكون موضوعا لجواز الاقتداء وعدمها يوجب عدم جوازه والفرق بين الرّأي والخبر هو عدم دخل الحكاية في حجية مفاده بخلافه فان له نحو موضوعية فهو جهة تقييدية وإلّا فلما ذا لا يجوز البقاء مع تبدل رأيه وما قاله من الإجماع على العدول فيه دونه في المقام غير ثابت بل السند له معلوم.

فان قلت كل الإشكال في احتمال زوال الرّأي وهو مندفع لأن زوال العلم الّذي حصله المجتهد مع زحمات كثيرة في سنين عمره يكون خلاف لطف الله تعالى بعباده فانه رءوف بالعباد.

قلت ما ندعي زوال علمه بالموت بل نحتمل علمه بخطاء سنده لا رتقاء درجته وكشف ما لم ينكشف له حين الحياة فتحصل انه لا سند لنا من الأصل على جواز البقاء على تقليد الميت واما شيخنا القائل بالجواز فلا يفرق بين ما عمل به من الفتاوى وما لم يعمل لحصول العلم بالوظيفة بصرف التماس مع المجتهد.

وقد يستدل بإطلاق الخطابات الواردة في الرجوع إلى المجتهد مثل آية السؤال عن أهل الذّكر بقوله تعالى فاسألوا أهل الذّكر ان كنتم لا تعلمون (١) ومثل الرواية الآمرة بالرجوع في الحوادث الواقعة إلى رواة أحاديثهم عليهم‌السلام (٢) وغيرها وتقريب الإطلاق واضح من جهة عدم ذكر قيد الحياة فيها.

والجواب عنه أولا عدم كون الدليل على التقليد ما ذكر بل الدليل اما العقل أو بناء العقلاء في رجوع من ليس له الحجة إلى من له الحجة وثانيا إطلاقها منصرف إلى الحي لأن الرجوع في جميع الصناعات يكون إلى الحي من أهل الخبرة لا الميت سيما في مثل القضاء الّذي لا يمكن الرجوع فيه إليه ولا بد من

__________________

(١) في سورة النحل الآية ٤٥

(٢) في الوسائل ج ١٨ باب ١١ من أبواب صفات القاضي ح ٩

٩٤

حكم الحي فيه فتحصل انه لا سند لجواز تقليد الميت ابتداء مضافا إلى الإجماع على عدم جوازه هذا كله في الكلام في تقليده ابتداء.

البحث في جواز البقاء على تقليد الميت وعدمه

واما البقاء على تقليد الميت فانه محل اختلاف شديد فمن عدة عدم الجواز وعن عدة الجواز اما الدليل على عدمه فما مر من أصالة التعيين مع الشك في حجية رأى الميت وعلى فرض القول بالجواز فلا بد من القول بوجوب البقاء إذا كان الميت أعلم من الحي ولا نفهم معنى لاستحباب البقاء كما عن بعض والإجماع على عدم الجواز أيضا لا يختص بالابتداء.

واستصحاب الحكم الحاكم على ما ذكر من الأصل العقلي وهو أصالة التعيين مر ما فيه.

واستدل المجوز بوجوه الأول استصحاب الأحكام بنحو التنجيز أي استصحاب الأحكام على موضوعاتها مثل وجوب السورة فان هذا الوجوب كان في حال حياة المجتهد فإذا شك في زواله يستصحب ويكون الموت من الحالات الطارية التي توجب الشك ويرد عليه ان المبنى في مؤدى الأمارات اما ان يكون المعذرية عند الخطاء والتنجيز مع الإصابة فلا يكون الحكم ثابتا في الواقع حتى يجري استصحابه واما على فرض جعل المماثل بمعنى وجود فرد من الحكم مماثل للحكم الواقعي فهو وان كان ثابتا بهذا المعنى ولكن لا مجال لاستصحابه الا على فرض كون الرّأي جهة تعليلية ويكون حدوثه في زمان الحياة كافيا للبقاء واما على فرض كونه جهة تقييدية بمعنى كون الحكم المماثل للواقع الّذي يكون مع الرّأي حجة فحيث لا رأى فعلا عن الميت فلا مجال لاستصحابه هذا مضافا إلى فساد المبنى فان جعل المماثل لا معنى له.

واما على فرض كون المبنى في حجية الأمارات هو كونها حجة فقط من دون إثبات حكم من الأحكام فلا مجال لاستصحابه الا على ما ذهب إليه المحقق

٩٥

الخراسانيّ قده وتكلفه بان مفاد الاستصحاب هو جعل الملازمة بين الحدوث والبقاء بمعنى انه على فرض وجود الحكم في الواقع يكون باقيا ولا نحتاج إلى إحراز إثباته ولكن لا يتم ما ذهب قده إليه فان الاستصحاب ليس إلّا الجري العملي على طبق الحالة السابقة وليس مفاد دليله جعل الملازمة.

فتحصل انه على فرض تسليم جعل المماثل في مؤدى الأمارات وتسليم كون الاستصحاب هو جعل الملازمة بين الحدوث والبقاء لا مجال لجريان استصحاب الأحكام الثابتة بالتقليد سواء كان الدليل عليه الفطرة أو بناء العقلاء أم الأدلة اللفظية من جهة احتمال دخل الرّأي في بقاء الحكم كحدوثه وليس لنا إثباته بعد الموت بل قال الخراسانيّ قده الرّأي الّذي يزول بواسطة المرض والهرم إذا لم يجز البقاء عليه لا يجوز البقاء عليه بعد الموت بالأولوية.

وما عن بعض الأعيان من ان الموت يوجب رفع الحجاب عن النّفس وقدرتها بنحو أشد على رد الفروع إلى الأصول لا نفهمه لأن النّفس بعد اشتغالها بما بعد الموت من الشواغل لا يكون لنا طريق إلى إثبات انها أقدر لرد الفروع إلى الأصول فاصل بقاء الرّأي غير واضح لنا فلا يتم هذا الوجه لجواز البقاء على تقليد الميت.

الوجه الثاني إطلاقات الأدلة الدالة على جواز التقليد فانها بإطلاقها تشمل حالة الموت أيضا وقد خرج منها التقليد الابتدائي بالإجماع وبقي الباقي تحتها.

والجواب عنها على فرض تسليمها وعدم كونها مختصة بالرجوع إلى رواة الحديث الذين كانوا في صدر الإسلام وشمولها للرأي والنّظر الحاصل بالاجتهاد لا يتم في المقام لأن المفروض في البحث هو صورة مخالفة فتوى الحي مع الميت واما صورة الموافقة مع التساوي فلا أثر لهذا البحث وعلى هذا الفرض فيحصل التعارض بين الرأيين والأصل الأولى يقتضى التساقط كما حرر في التعادل والترجيح فيحصل التساقط لا تعيين البقاء على رأي الميت أو جوازه وعلى فرض شمول اخبار

٩٦

العلاج للفتويين كالخبرين فلازمه القول بالتخيير ولكن لا يشمل اخبار العلاج للفتويين مضافا بانصراف الإطلاقات إلى الحي فان الجاهل يرجع إلى العالم لرفع جهله وآية السؤال تدل على الرجوع لحصول العلم والميت غير قابل للسؤال عنه والرجوع إليه.

فان قلت المخاطبة تكون مع الاحياء ولكن لا يستفاد منها قيدية الحياة في المسئول عنه فانه يمكن الرجوع إلى كتابه لفهم رأيه.

قلت إذا كان في الكلام ما يحتمل قرينيته يوجب سقوط الإطلاق عن الحجية وهنا نحتمل ان يكون كذلك فلعل الاتكال على ذلك صار سببا لعدم ذكر قيدية الحياة ولو سلم فيكون التقليد على فرض بقاء الرّأي والميت لم يحرز رأيه فلا يجوز تقليده.

الوجه الثالث بناء العقلاء على عدم الفرق بين الحي والميت إذا كان خبرة ولا يرون الفرق بين البقاء على رأي الميت أو العدول إلى الحي المساوي له في العلم.

وفيه ان القول بعدم الفرق مع الاختلاف في النّظر مشكل جدا كما ترى ان اختلاف الرّأي في طبيبين من الأطباء أحدهما ميت والآخر حي يوجب رجوعهم إلى الحي ولا يعتنون غالبا بالميت مضافا بان الاختلاف في الرّأي على فرض عدم الرجوع إلى الحي أيضا يوجب سقوط كليهما عن الحجية بالتعارض وعلى فرض مجيء اخبار العلاج في المقام أيضا فينتج التخيير ولكن المهم هو ان الخبروية شرط في الرجوع إلى الخبرة والميت لا خبروية له أو نحتمل زوال خبرويته.

الوجه الرابع السيرة الشرعية على البقاء على رأي من يتبع رأيه من زمن المعصومين إلى زماننا هذا ولو بعد الموت ويمكن كشف كون رأيه بحدوثه حجة بعد الموت من هذه السيرة.

وفيه ان حدوث الرّأي لا يكفى للبقاء عليه إجماعا ولذا يجب العدول عمن زال

٩٧

رأيه بهرم أو مرض مضافا إلى ان عدم العدول يكون في خصوص الروايات الصادرة عنهم عليهم‌السلام والمخبر بعد اخباره لا موضوعية له بخلاف الرّأي.

فان قلت أي فرق بينهما في ذلك قلت الفرق هو ان رأى من له الرّأي له نحو موضوعية عند العقلاء ولا بد من إحرازه وهو بعد الموت غير محرز وان كان رأيه أيضا كاشفا عن الواقع واما نقل الرواية فهو لا دخل لوجود الحاكي فيه والحكاية ليست لها الموضوعية هذا مضافا إلى ان الخبر أيضا إذا احتمل خلل في سنده يسقط عن الحجية ونحن في المقام نحتمل وجود خلل في الرّأي بالموت وهذا الاحتمال مفقود غالبا في الاخبار بأصول الحافظة لبقاء الحجية فيها.

فان قلت في المقام أيضا يكون الأصل هو بقاء الرّأي بعده إذا شك فيه قلت مرّ انه لا أثر شرعي له لأن جواز التقليد بعد وجوده من الأحكام العقلية.

فتحصل انه لا وجه للتمسك بالسيرة مع عدم ثبوتها في الفتوى.

نعم في ذهني إشكال وقد مر وهو ان التقليد حيث يكون في الرّأي وهو كلي ويكون انطباقه في الخارج بصرف الوجود ولا ثاني بعده كما ان الصلاة والصوم تتحقق صرفهما بالوجود الأول فإذا قلد العامي المجتهد في مسألة لا يمكن العدول عنه لعدم الثاني له ولازمه عدم جواز الرجوع إلى الأعلم أيضا ولكن يمكن الجواب عنه بان الرّأي وان كان كليا ولكن التقليد في مقام الامتثال يكون بعض حصصه (١)

__________________

(١) أقول ان هذا معنى كون الحكم على الطبيعي بلحاظ افراده في الخارج كما في الصلاة والصوم فإذا دل الدليل على تكرار الطبيعي في ضمن الافراد فلا إشكال أصلا فليس الحكم إلّا بلحاظ افراده كما مر وهو مد ظله كان ينكر هذا المعنى فيما سبق وهنا دفع الإشكال بالحصص.

ولكن صرف وجود الحصة للطبيعي لا يدفع إشكال عدم تكرر صرف الوجود بل الدليل على التكرار بلحاظ الافراد هو الرافع له خصوصا على فرض كون التقليد هو العمل لأنه يكون عين إتيان الصلاة والصوم فكما ان تكرارهما يكون بالدليل ـ

٩٨

لا تمامه فيجوز العدول وعلى فرض جواز البقاء لا نقول بوجوبه من جهة إشكال ان صرف الشيء لا يتكرر :

فتحصل من جميع ما تقدم عدم تمامية الأدلة الاجتهادية للبقاء على تقليد الميت وهكذا الأصل كما مر فلا يجوز البقاء على تقليده وان قال به جمع لدوران الأمر بين التعيين والتخيير والمتعين الرجوع إلى الحي للعلم ببراءة الذّمّة بالعمل برأيه بخلاف العمل برأي الميت نعم لعل البحث في تنبيهات المسألة يفيد الجواز كما سيأتي في البحث عن كون الميت أعلم من الحي.

فنقول وينبغي التنبيه على أمور

الأول في ان الاستصحاب إذا كان جاريا فهل يكون لازمه جواز البقاء على تقليد الميت أو وجوبه فيه قولان وجه القول بوجوبه هو انه على فرض القول بجواز البقاء يلزم ان يكون العدول من الميت إلى الحي جائزا مع ان لازم جريانه هو ان الميت حي عند ربه ولا فرق بين الحي في هذه النشأة والحي في غيرها مضافا بأنه يلزم منه ان يكون المكلف مخيرا في الحكمين المختلفين في صورة كون فتوى أحدهما وجوب القصر عند أربعة فراسخ وفتوى الآخر وجوب التمام مع ان لازم الاستصحاب هو تعيين الحكم المستصحب.

وقد أجاب الشيخ الأعظم قده عنه بان عدم جواز العدول من الميت إلى الحي لا دليل عليه بل الإجماع على عدم الجواز يكون في خصوص الرجوع من الحي إلى الحي فبالرجوع إلى الحي يتغير حكمه لا من باب التخيير في الحكم ابتداء بين القصر والإتمام بل من باب تبدل الموضوع كما ان الحاضر إذا صار مسافرا يكون حكمه القصر وهو إذا صار حاضرا يكون حكمه الإتمام وليس هذا معنى

__________________

ـ الدال عليه كذلك مصداقية كونهما كغيرهما للتقليد بدليل وجوب التكرار وهو احتياج كل عمل إلى استناده إلى رأى من يتبع رأيه.

٩٩

التخيير في الحكم في بدو الأمر مع عدم الدليل عليه.

أقول ان الّذي يسهل الخطب هو عدم اقتضاء التعيين في دليل جواز تقليد الميت بل ما يثبت به جواز تقليده لا وجوب البقاء عليه والتخيير بين الرجوع إليه أو إلى الحي غير التخيير في القصر والإتمام من جهة الحكم فيكون نظير التخيير في الأخذ بأحد الخبرين المتعارضين المتساويين فبأيهما أخذ يكون المتبع مفاده فلا نحتاج إلى ما أتعب قده نفسه من ان المقام يكون مثل تبدل الموضوع.

واما الإجماع على عدم جواز العدول فلا يتم كما ذكره قده من جهة ان المجمعين في العدول عن الحي إلى الحي اختلفوا هنا في الجواز وعدمه واما احتمال التعيين في ذاك المقام بعد الدوران بينه وبين الرجوع إلى غيره فمعارض باحتمال دخل الحياة في المفتي فيتعارض الاحتمالان في التعيين فينتج الاحتياط في العمل إلّا ان يثبت الإجماع في المقام أيضا على البقاء ليكون طاردا لاحتمال دخل الحياة وقد عرفت ما فيه.

فتحصل ان عدم جواز العدول مختص بالعدول عن الحي إلى الحي لا عن الميت إلى الحي.

ثم ان الاحتمالات في المقام ثلاثة الأول ان يكون الحي والميت متساويين في العلم الثاني ان يكون الميت هو الأعلم والثالث ان يكون الحي هو الأعلم فان كان الميت هو الأعلم فيدور الأمر بين تعيينه لأنه اعلم وعلى تعيين الحي لأنه حي فإذا تعارض الاحتمالان فالمدار على الأعلمية في الغريزة لأن المدار في الوصول إلى الواقع هو العلم لا الحياة.

واما لو كان الحي اعلم فهو المقدم فيجب الرجوع إليه إلّا إذا كان سند الرجوع إلى الأعلم (١) هو احتمال التعيين وسند جواز تقليد الميت الاستصحاب

__________________

(١) أقول غاية ما يستفاد من الأصل أو الدليل هو جواز تقليد الميت كجواز تقليد الحي واما الأعلمية فلا يعارضها ذلك كما إذا قلد الحي وصار غيره اعلم فان جواز تقليده مع قطع النّظر عن الأعلمية لا ينافى القول بوجوب تقليد الأعلم ـ

١٠٠