مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٥

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٥

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٦٦

هو صورة العلم به لا صورة الشك فيه إلّا ان السر في الإجماع هو اختلاف الفتوى وإلّا فلا وجه لتعيين الأعلم وهو هنا موجود فيجب الفحص وهو لا يتم لأنه مدركي ومدركه الروايات وبناء العقلاء والسيرة واما الأصل وهو التعيين في المقام لدوران الأمر بينه وبين التخيير فلا يتم لعدم العلم بحجية إحدى الفتاوى قطعا مع الشك في الأخرى لعدم إحراز الأعلمية واما إطلاق مقبولة عمر بن حنظلة الدالة على الرجوع إلى الأفقه فيمكن ان يمنع بأنه يكون في صورة العلم بالأعلم لا صورة الشك فيه لو لم نقل انها مخصوصة بباب الحكومة لا الفتوى واما بناء العقلاء فيمكن ان يقال ما أحرزناه في هذه الصورة وهكذا سيرة المتشرعة فالدليل الوحيد هو حكم العقل بوجوب الفحص في هذه الصورة وساير الصور لعدم حصول البراءة اليقينية مع عدم الفحص والرجوع إلى الأعلم بعده فلا يتم الأدلة الأربعة عنه قده الصورة الرابعة وهي مورد الشك في الاختلاف والتفاضل كليهما والصورة الخامسة وهي مورد عدم احتمال وجود مجتهد آخر غير ما عرفه العامي فمن قال بعدم وجوب الفحص في الصور المتقدمة من الشك ففي المقام في الصورتين يجب ان يقول به بالأولوية لأنه في الصور السابقة اما كان عالما بالاختلاف واما كان عالما بالتفاضل وفي المقام لا علم له بأحدهما خصوصا في صورة عدم احتمال العامي وجود مجتهد آخر لأن السيرة على عدم الرجوع إلى غيره لعدم احتماله كما ترى عدم الفحص عن طبيب آخر إذا لم يحتمل الشخص طبيبا غير من في هذا المحل الخاصّ.

ونحن أيضا يمكننا ان ندعي سيرة على عدم الفحص فيهما وان قلنا بوجوبه فيما سبق ولكن الإنصاف هو القول بالتعيين هنا أيضا لقضاء الفطرة بذلك وعدم طريق لاحتجاج العبد إذا أخذ فتوى أحدهما المخير أو من باب القول باستقلال

٦١

العقل بوجوب الرجوع إليه ولو لم يكن من باب التعيين والتخيير المصطلح كما اخترناه وحيث يحتمل وجود الأعلم يحتمل عدم حجية فتوى المخير فلا بد له من الفحص.

ولا يتم ما عن بعض حواشي العروة الوثقى من القول بالتخيير هنا ودعوى السيرة هنا ممنوعة لأن العامي ان لم يحتمل مجتهدا آخر أصلا لا كلام لنا فيه واما إذا احتمل فيحكم فطرته بالرجوع إليه بعد الفحص ولا سيرة على تركه وأنسه بمجتهد محله لا يمنع عن هذه الفطرة.

الأمر الثاني في ان المجتهدين إذا كانوا متفقين في الفتوى مع فرض التفاضل في العلم وعدمه فهل يجب تعيين من يستند إلى فتواه بالخصوص أو له الاستناد إلى الجميع أو إلى الجنس أولا يجب التعيين بوجه من الوجوه فيكفي مطابقة العمل لفتاواهم فيه وجوه.

والمفروض حجية الفتوى هنا قبل الأخذ فليس المقام مثل صورة الاختلاف التي لا بد فيها من الأخذ بفتوى الأعلم لتصير حجة فربما يظهر من بعض الكلمات الفرق بين كون الحجية من باب الموضوعية وبين كونها من باب الطريقية فعلى الأول يجب استناد العمل إلى فتوى أحدهم لاحتمال دخل ذلك في المصلحة التي تحدث بمجرد رأي المجتهد على موضوع من الموضوعات واما على الثاني فحيث يكون المدار على الواقع ولا يكون للاستناد دخل فيه فلا يجب بل الواجب هو مطابقة العمل فيكون الفتوى مثل الخبر فكما انه لا يجب العمل به بعنوان انه أخبر به فكذلك لا يجب العمل على طبق الفتوى بعنوان انها صدرت عن مجتهد خاص.

ولكن يمكن ان يقال ان اللازم هو تطبيق العمل حتى على الموضوعية كما يظهر عن كلام الشيخ الأعظم وغيره لأن متعلق الفتوى بصرف كونه مفتى به يمكن ان يكون ذا مصلحة ولا دخل للاستناد في وجود هذه المصلحة ضرورة ان المتعلق يكون مفتى به على أي تقدير.

٦٢

ثم على فرض القول بوجوب الاستناد فلا بد من تعيين المجتهد الّذي يستند إليه ولا يكفي قصد أحدهم بعنوان صدق المجتهد عليه بنحو الجنس لعدم المصداق لهذا العنوان المردد لأن المردد بما هو مردد لا واقع له ماهية ووجودا كما حرر في محله ولا يمكن قصد المجموع من حيث المجموع أيضا لأن المفروض ان فتوى كل واحد منهم حجة على حدة والقصد كذلك يوجب خلف الفرض لأن لازمه ان يكون فتوى كل واحد منهم جزء الحجة.

والعمل وان كان صحيحا إذا طابق الواقع ولكن على فرض دخل الاستناد فصحته غير إمكان الاحتجاج به عند المولى فلا بد من تعيين المفتي ليمكن الاحتجاج في تطبيق العمل على فتواه فتحصل انه لا يجب التعيين على الموضوعية والطريقية وعلى فرضه فلا بد من الاستناد إلى شخص خاص لا الواحد المردد ولا المجموع من حيث المجموع.

الأمر الثالث إذا لم يكن التفاضل بين المجتهدين من حيث العلم ولكن كان أحدهم أورع فهل يجب تقليد الأورع أم لا فيه خلاف فربما يقال بوجوب تقليد الأورع كما عن السيد وهو المشهور لأن الأمر يدور بين التعيين والتخيير والعقل يحكم بوجوب الأخذ بالأورع ولأن الاشتغال اليقينيّ لا يحصل البراءة منه الا بهذا النحو.

وقد أجيب عنه بان ما هو دخيل في الحجية هو العلم لا التقوي لأن أقربية الفتوى إلى الواقع تحصل بواسطة الأعلمية بطريق الاستنباط ولا ربط للتقوى بها وبعبارة أخرى بعد شرطية العدالة في المجتهد وعدم حجية فتوى غير العادل لا دخل للأعدلية في كونه صاحب هذا المنصب فان أصل العدالة شرط خارج عن أقربية الدليل إلى الواقع ولكن يكون شرطيتها من جهة عدم لياقة غيره للفتوى واما الأعدلية فهي امر زائد عن شرائط الفتوى وعن شرائط الأقربية إلى الواقع.

فان قلت ان الأورع ربما يتفحص أزيد من غيره لأن مقتضى أورعيته ملاحظة حكم الله تعالى بنحو أضبط وأحسن قلت الكلام يكون في صورة إحراز ان غيره

٦٣

أيضا تفحص عن الأدلة بالمقدار اللازم الّذي لا بد منه وان لم يتفحص بهذا المقدار فهو ليس بعادل ولا يكون فتواه حجة فلا يكون هذا دليلا على أقربية فتواه إلى الواقع بل الدليل الوحيد هو احتمال تعيين الأورع وعدم كفاية فتوى غيره أو من باب عدم العلم بالبراءة عما اشتغلت به ذمته الا بهذا النحو.

وما عن بعض الاعلام من ان بناء العقلاء على التعيين في صورة الاختلاف في الفتوى وان كان التخيير في صورة الاتفاق فيها مندفع لأن المراد بالبناء ان كان هو السيرة عن المتشرعين فهي غير بنائهم وان كان المراد بنائهم الّذي هو غير سيرتهم فهو غير ثابت لنا ولم نحرزه في الأمور الدينية إلّا ان يقال انهم في مهام أمورهم يرجعون إلى أوثق الناس عندهم وحيث ان المؤمن ليس له أهم من دينه فلا بد له من الرجوع إلى الأورع لأنه أوثق لحفظ دينه.

فيدل البناء كذلك على وجوب الرجوع إلى الأورع لو لم نقل بان إطلاق مقبولة عمر بن حنظلة ونحوها من الرجوع إلى الأفقه يشمل حتى صورة كون غيره أورع وأعدل أيضا وإلّا فلا وجه للتمسك بهذا البناء لأنه حجة ما لم يثبت الردع عنه والإطلاق لو ثبت يكون ردعا عنه (١) هذا كله على طريقية رأي المجتهد واما على الموضوعية فيمكن ان يقال ان جمع الصفات من الأعلمية والأورعية دخيل في المصلحة فلا بد من الرجوع إلى الأورع.

الأمر الرابع فيما إذا دار الأمر بين الأعلم والأورع يكون الاتفاق على وجوب تقليد الأعلم مع كونهم فيما سبق من الفرع مختلفين في الرجوع إلى الأورع وغيره

__________________

(١) أقول والّذي يسهل الخطب هو تعرض المقبولة للأعدل والأورع بقوله عليه‌السلام الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر (في الوسائل ج ١٨ باب ٩ من أبواب صفات القاضي ح ١) وهكذا في الباب ح ٤٥ ينظر إلى أعدلهما وأفقههما وفي الباب ح ٢٠ فينظر إلى أفقههما وأعلمهما بأحاديثنا وأورعهما فينفذ حكمه فوجوب الرجوع إلى الأورع يكون مقتضى النص إذا كان أعلم أيضا.

٦٤

والسر فيه هو ان الدوران إذا كان بين الأعلم الأورع وبين الأعلم يمكن ان يقال بتقديم الأورع بعد كونه مساويا في العلم مع الأعلم الغير الأورع بخلاف صورة كون الأورع غير الأعلم فان ما هو دخيل في الحجية والأقربية إلى الواقع هو مهارة المجتهد في استنباط الحكم الشرعي لا ورعه.

فما يتوهم من التهافت بين القول بالرجوع إلى الأورع في الفرع السابق وعدم الرجوع إليه في هذا الفرع لا وجه له لما ذكرنا من عدم دخل الورع في الحجية والأقربية بخلاف الأعلمية فانها دخيلة فيها وغير فتواه ليس بحجة أصلا فلا يمكن تعارض فتوى الورع الغير الأعلم مع الأعلم فلذا يتعين الرجوع إلى الأعلم في هذا الفرع ولا يجوز الرجوع إلى الورع الغير الأعلم.

الأمر الخامس في ان الأعلم هل له إرجاع مقلده إلى غير الأعلم أم لا فقد نقل الشيخ الأعظم قده في رسالته عن بعض معاصريه عدم جواز الإرجاع ودفعه بان الكلام ان كان في جواز إفتاء الأعلم بهذه الفتوى بعد اجتهاده فيها فلا وجه لمنعه لأنه يفتى على حسب ما ادى إليه نظره بحسب الدليل الشرعي وان كان الكلام في صحة عمل المقلد فهي أيضا لا إشكال فيها بعد جواز التقليد وعلم المقلد بجوازه في هذه المسألة بعد الرجوع إلى الأعلم واستند قده في صحة التقليد إلى عموم أدلة جوازه وفي علم المقلد إلى كون التقليد مركوزا في ذهنه من حيث رجوع الجاهل إلى العالم.

وقد أشكل عليه بعض الأعيان كما في رسالته ثم أجاب عنه اما اشكاله فهو ان المجتهد وان كان له الفتوى بجواز الرجوع حسب ما يقتضيه الأدلة عنده ولكن ليس كل ما استنبطه قابلا للتقليد فان جواز التقليد أيضا يكون مما استنبطه ولا يجوز التقليد فيه للزوم الدور أو التسلسل كما مر وقلنا ان ما يوجب رجوعه إلى المجتهد هو حكم فطرته بان الجاهل لا بد ان يرجع إلى العالم وفي المقام أيضا لا فرق بين تقليد الأعلم في ابتداء الأمر بحكم الفطرة وبين رجوعه إليه في حكم صومه وصلاته

٦٥

فانه بالفطرة لا بد ان يرجع إلى الأعلم وليس للمجتهد إرجاعه إلى غيره.

مضافا بأنه يلزم منه الخلف لأن فطرته قاضية بالرجوع إلى الأعلم فانه إذا جاز تقليد الأعلم في جواز تقليد غير الأعلم لزم من وجوب تقليده معينا عدم وجوبه معينا ومن حجية فتواه بالخصوص عدم حجيتها بالخصوص لأنه إذا أفتى بجواز الرجوع إلى غير الأعلم فقد أفتى بعدم وجوب الرجوع إليه نفسه وهو خلف فكما ان أصل التقليد لا بد ان يكون من الأعلم فكذلك خصوصياته.

فتحصل ان الإشكال يكون بوجهين مخالفة الإرجاع إلى غيره مع فطرة المقلد ولزوم الخلف من هذا الحكم واما جوابه عن الإشكال بتنقيح منا فهو ان وجوب تقليد الأعلم ليس مثل أصل التقليد في قضاء الفطرة به جزما بل يكون من باب الاحتياط ضرورة ان المكلف جازم بوجوب رجوع الجاهل إلى العالم ولا شك له في ذلك واما قضاء فطرته بالرجوع إلى الأعلم فيكون من باب ان الواقع الّذي هو في ذمته لا يحصل الجزم به الا بهذا الطريق فيرى نفسه بين التعيين والتخيير وحيث لا سبيل له إلى الجزم بأحد الأطراف جزما يحكم بوجوب الرجوع إلى من يوجب العمل على طبق فتواه براءة الذّمّة.

فإذا ارجع إلى الأعلم وهو أفتى بعدم وجوب الرجوع إلى الأعلم يحصل له العلم بعدم لزوم هذا الاحتياط حسب الأدلة التي لا علم له بها فلا يلزم من ذلك مناقضة الفطرة ولا الخلف في لزوم تقليد الأعلم كما ان أصول الدين لا يكون تقليديا ولكن إذا ثبت بالبرهان التوحيد والعدل فيمكن التعبد في غير ذلك من النبوة والإمامة والمعاد ثم قال قده نعم ان استقل عقل المقلد بتعين الأعلم بحيث يرى التسوية بينه وبين غيره تسوية بين العالم والجاهل كما قربناه سابقا فلا محالة لا مجال له لتقليد الأعلم في هذه المسألة.

والتحقيق عندنا هو ان حكم العقل والفطرة يكون من باب الاحتياط لا من باب الجزم وليس مثل أصل التقليد من جهة الجزم بوجوب رجوع الجاهل إلى

٦٦

العالم فلا يرد هذا الإشكال نعم الإشكال من جهة أخرى وهو ان المجتهد لا يكون له إرجاع احتياطاته إلى المفضول فضلا عن إرجاعه فيما يكون له الفتوى فيه لأنه يرى المفضول جاهلا فيما خالفه.

فان العلم الإجمالي ربما لا يكون منجزا عند المفضول ويكون منجزا عند الأفضل فيجب الاحتياط عنده فكيف يمكن ان يرجع إلى من هو جاهل عنده أو لا يرى الأعلم تطبيق العام في الشبهة المصداقية ويراه المفضول وهو جاهل بنظره في ذلك فتحصل انه لا يجوز إرجاع العامي إلى المفضول من هذا الباب لا من باب الخلف ومضادته مع الفطرة.

الأمر السادس المعروف انه يشترط في المفتي أمور أخر

منها الذكورة والبلوغ وطهارة المولد والعقل والإسلام والإيمان والعدالة والحق هو هذا لأن المقلد كلما شك في التعيين والتخيير لا بد له من اختيار مجمع الصفات ولا وجه لمناقشة بعض الظرفاء من أهل الفن في ذلك.

نعم ان قلنا في المسألة السابقة بجواز إرجاع الأعلم إلى غيره فاذن لا مجال لهذا البحث لأن المقلد يرجع إلى نظره واما ان قلنا بعدم جواز إرجاعه إلى غير الأعلم فهو بالفطرة يرجع إلى مجمع الصفات وهكذا يكون مقتضى الدليل الاجتهادي للمجتهد لأن الأمر يدور بين التعيين والتخيير ولا بد من اختيار المعين أو بتعبيرنا من ان الاشتغال اليقينيّ بالتكليف لا يحصل الفراغ منه إلّا بالرجوع إلى من كان جامعا للشرائط.

واما بعض الظرفاء فقال بما حاصله هو ان التسالم على جميع ما ذكر من الشرائط لو لم يكن عند الكل لا مكن المناقشة في الكل والحق عندنا عدم المناقشة أصلا في الكل بل مضافا إلى الإجماع يكون لكل واحد من الصفات المذكورة دليل على حدة وقبل بيان ذلك لا بد من التوجه إلى مقدمة وهي ان بناء العقلاء لا حجية له في امر من الأمور الشرعية لأنهم بما هم عقلاء لا ربط لهم بالأمور

٦٧

الشرعية وبما انهم متشرعون لا بحث فيه لأنه يكون سيرة شرعية وعليه ففي كل مورد من الأمور المذكورة شك في الدخل في جواز التقليد لا يمكن التمسك به عندنا لأنه من الأمور الشرعية لا من الأمور العرفية العقلائية فقط.

واما من كان مبناه حجية بنائهم حتى في التقليد من باب انه رجوع إلى الخبرة فيمكنه التمسك به فإذا عرفت ذلك فنقول قد ناقش المناقش في الذكورة من جهة ان العقلاء في رجوعهم إلى الخبرة لا يفرقون بين الرّجل والمرأة بل يكون المدار عندهم على الخبروية واما ما ورد في باب القضاء والاقتداء من شرطية كون القاضي وامام الجماعة رجلا فالحكمة فيهما ظاهر وهل حال الفتوى الا كحال الرواية في عدم لزوم كون الراوي رجلا ولذا يستدل على حجية الفتوى بأدلة حجية الخبر مع عدم الريب في جواز عمل المرأة برأيها والكلام في مجرد العمل بفتواها لا في تصديها لسائر منصب المجتهد.

ويرد عليه أولا ان بناء العقلاء لا حجية له لأن من شرط الحجية هو دارجية ما يكون الكلام فيه بين العقلاء مع كونه بمرأى ومنظر من صاحب الشرع وعدم ردعه منه ليكشف من ذلك حجيته ولا أدري كيف يتمسك القائل به مع عدم دارجية إفتاء المرأة في عصر من الأعصار من أول الإسلام إلى الآن.

ولا يكون دارجا بين المتشرعين ليقال ان السيرة دالة على الجواز وقد مر ان بناء العقلاء بما هم عقلاء لا حجية له في مثل التقليد الّذي هو من الأمور الشرعية وعدم فرقهم في ساير أمورهم بين الرّجل والمرأة لا ربط له بالمقام.

وثانيا ان دخل الذكورة في امام الجماعة والقاضي كيف لا يستفاد منه الدخل في مقام الإفتاء مع انه أهم في النّظر والنساء ناقصات العقول وعدم دخل الذكورة في أقربية الفتوى إلى الواقع يكون مثل عدم دخل الأورعية فيها فكيف قالوا بوجوب تقديم الأورع هناك ولا يقولون بتقديم المذكر هنا (١).

__________________

(١) أقول مع قطع النّظر عن ساير الإشكالات فلقائل ان يقول الفارق هو ـ

٦٨

ومن العجب عدم الفرق بين ناقل الرواية ومنصب الإفتاء ونشأ هذا الزعم عن خيال ان المفتي هو الّذي ينقل الأحكام ويبين الواجب والحرام فقط وعدم التوجه إلى ان هذا المنصب منصب مجعول من قبل الله تعالى للفقيه حق الفقيه بولاية كلية إلهية خلافة عن الإمام عليه‌السلام الّذي يكون له الولاية الكلية في الواقع ويكون المفتي هو المتصرف في أمور الاجتماع من سياستهم واقتصادهم وساير ما يكون في عهدة وإلى الأمر في إدارة عيشة المجتمع الدنيوية والأخروية.

فكيف يمكن ان يكون هذا المنصب مع علوه في عهدة ناقصات العقول وعلى فرض الشك أيضا فالأصل كما مر يقتضى التعيين لعدم حجية بناء العقلاء عندنا فيه.

واما البلوغ فقال المناقش انه أيضا لا دليل عليه بالخصوص لأن عمدة دليل حجية الخبر بناء العقلاء كما ان عمدة أدلة حجية الفتوى الفطرة والسيرة العقلائية والكل على قبول خبر الثقة ورجوع الجاهل إلى العالم بالغا كان أو غيره واما قوله عليه‌السلام انظروا إلى رجل منكم إلخ في روايات أبواب صفات القاضي في الوسائل فيكون واردا مورد الغالب يعنى ان الرّجال حيث كان في عهدتهم منصب القضاء غالبا قال عليه‌السلام انظروا إلى رجل منكم ولا خصيصة للرجولية في مقابل الغلام.

ومن المعلوم ان منصب الإفتاء ليس بأعظم وأعلى من منصب الإمامة مع وجود امام في الأئمة عليهم‌السلام الّذي لم يكن بالغا بالسن المتعارف كالإمام الجواد عليه‌السلام فليس لنا دليل على عدم جواز تقليد الصبي المميز لو كان جامعا لسائر شرائط الإفتاء.

والجواب عنه ان السند ليس بناء العقلاء كما مر بل يكون السند دوران الأمر بين التعيين والتخيير وحكم العقل من جهة الاشتغال اليقينيّ بالتكليف وعدم

__________________

ـ النص وان لم يتمسكوا به فيما سبق أيضا وقد مر منا في التذييلات السابقة التصريح بالأورعية في مقبولة عمر بن حنظلة وغيرها ودليلهم كان دوران الأمر بين التعيين والتخيير فلذا يرد عليهم هذا الإشكال منه مد ظله أيضا.

٦٩

حصول البراءة منه إلّا بالرجوع إلى مجمع الصفات وعلى فرض الشك فالأصل عندنا التعيين لا الرجوع إلى بناء العقلاء كما مر هذا من جهة فقه المسألة.

واما فلسفته قده لها فلا تتم أيضا لأن النّفس هل ترضى ان يكون ولى المسلمين صبيا مميزا له سبع سنين مثلا وهل للمسلمين عرض هذا المفتي إلى العالم (١) مع ان العقلاء في أمورهم يكون لهم رئيس ولا يرضون بتقديم صبي لإمارتهم واما قياسه بالإمام عليه‌السلام فهو سخيف أيضا لأن الإمام عليه‌السلام له نفس كلية إلهية محيطة بالعالم ولا دخل لسنين عالم الناسوت فيها ولا يقاس الصغر والكبر بالنسبة إليها وليس علمهم من الطريق العادي لغيرهم فكيف يقاس غيرهم إليهم عليهم‌السلام.

واما مناقشة المناقش في طهارة المولد فمن باب عدم وجود دليل بالخصوص فيها لا في المقام ولا في باب القضاء ووردت الروايات في عدم جواز إمامة ولد الزنا وعدم قبول شهادته فعلى فرض تنقيح المناط فيمكن القول بها هنا وإلّا فلا لأن الملاك هو رجوع الجاهل إلى العالم ولا فرق بين العالم الّذي ليس بولد الزنا أو من كان كذلك كما ان ملاك قبول خبره هو كونه ثقة ولا يشترط فيه طهارة المولد.

وفيه ان هذا الكلام أيضا عجيب عن هذا القائل العظيم لأن لنا روايات في كفر ولد الزنا في الباطن وان لم يكن نجسا في الظاهر ولا يترتب عليه أحكام الكافر ولا شبهة في قصور في نفسه لذلك وكيف يسع القائل ان يقول بان مفتي الشيعة يكون من هو حاله كذلك وكيف لا يفهم المناط القطعي للمقام من عدم قبول شهادته و

__________________

(١) لو كان لنا دليل على كفاية إفتائه يمكن ان يقال لو وجد الصبي الّذي يكون اعلم في كل مسألة من المسائل السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها من كبراء العلماء وشيوخهم وثبت ذلك بالتجربة أيضا لكان افتخار ذاك المجتمع بذاك الصبي كما يكون افتخارنا بمثل الإمام الجواد عليه‌السلام ولكن لم يوجد إلى الآن صبي كذلك غير المعصوم عليه‌السلام ويكون البحث فيه من البحث في مسألة فرضية لا يوجد لها خارج عادة.

٧٠

وإمامته في الجماعة وعلى فرض الشك أيضا فالأصل يقتضى التعيين ولا وجه لبناء العقلاء.

ومن العجب عن بعض أعاظم من قارب عصرنا بعد مناقشته فيما سبق هو عدم ترديده في اشتراط العقل فانه قال واما اعتبار العقل فأمره ظاهر عند العقلاء فضلا عن المتشرعة فقد قيل انه مما أجمع عليه الخلف والسلف نعم المجنون الأدواري في حال إفاقته لا مانع عند العقلاء من الرجوع إليه وحكى القول عن بعض متأخري المتأخرين كصاحبي المفاتيح والإشارات ولا بأس به ان لم ينعقد الإجماع على خلافه لعموم الأدلة أيضا.

ووجه التعجب هو ان المجتهد الّذي استنبط الأحكام وقد أفتى وكتب ما أفتى به ثم صار مجنونا لكثرة تدبره في الأحكام أو غيرها ليس أسوأ حالا من الميت مع قولهم بجواز البقاء على تقليده فكيف قال بشرطية العقل بدون المناقشة مع مناقشة فيما سبق واما فرقه بين الأدواري وغيره فهو أيضا يمكن ان يناقش فيه بان شرط الفتوى لا يكون هو الشعور الفعلي حتى يكون الفرق بين حال جنونه وحال إفاقته نعم تقليده الابتدائي لا يجوز كما نقول في الميت واما البقاء على تقليده فيمكن البحث فيه.

واما ما ذكره قده من عموم الأدلة فلم يذكر مراده من الأدلة فان كان مراده بناء العقلاء فلا يمكن إثباته فانهم لا يرجعون إلى المجنون الأدواري أيضا فهل ترى الناس يرجعون إلى الطبيب الّذي يكون مجنونا في بعض الساعات من الليل والنهار وهل يعتمدون على رأيه؟! حتى يكون مثله في المقام والحاصل ان المراد النقض عليه وإلّا فاشتراط العقل مسلم.

وأسوأ من ذلك كله المناقشة في اشتراط الإيمان والعدالة في المجتهد والقول بكفاية الوثوق بكون الرأي عن مقدمات صحيحة غير القياس والاستحسان والإشكال في الرواية المنسوبة إلى العسكري عليه‌السلام بقوله اما من كان من الفقهاء صائنا

٧١

لنفسه إلى آخر قوله عليه‌السلام فللعوام ان يقلدوه وفي آية النبأ بقوله تعالى ان جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا بان المراد من الحديث والآية حصول الاطمئنان بفتواه لا موضوعية العدالة والإيمان.

وأنت بعد التفحص في الروايات في شأن العامة والفساق ترى ضعف هذه المقالة غايته فلا نطيل الكلام فيه.

ثم إذا دار الأمر بين الأعلم بالحكم وبين الأورع في العمل فالحق كما مرّ هو تقديم الأعلم لأن ما هو الدخيل في الوصول إلى الواقع هو الأعلمية لا الأورعية ويمكن الإشكال في المقام علينا بناء على ما سبق منا آنفا من عدم جواز تقليد الصبي إذا كان هو أعلم من هذا الوجه.

وبيانه هو ان يقال مع كون الأعلمية دخيلة في الوصول إلى الواقع دون البلوغ فكيف قلتم بتقديم البالغ على الصبي ولو لم يكن أعلم فيكون الأورعية كذلك ويمكن الجواب عنه في هذا الفرض بان الإجماع يكون على عدم جواز تقليد الصبي أو من باب عدم لياقته لهذا المنصب كما عن شيخنا النائيني قده فلا يقاس هذا الفرع به.

مسألة في العدول من الحي إلى الحي

إذا قلد العامي عن أحد المتساويين في العلم فهل يكون له الرجوع إلى غيره أم لا فيه خلاف من عدم الجواز مطلقا والجواز مطلقا والتفصيل بين الرجوع في واقعة واحدة وبين الوقائع المتعددة فلا يجوز في الأولى ويجوز في الثانية وعليه فإذا قلد مجتهدا يقول بوجوب السورة في الصلاة ثم يريد تقليد من يقول بعدم وجوبها فلا يجوز والسر في ذلك هو ان التقليد لا يمكن تكراره لأن طبيعي وجوب السورة لا يتحمل تقليدين فإذا قلد من يقول بوجوبها لا يكون هذا الطبيعي قابلا للتقليد ثانيا واما في الوقائع المتعددة فليس الأمر كذلك فيمكن التبعيض في التقليد فيها.

ثم انه قد نسب الشيخ الأعظم قده عدم جواز العدول مطلقا إلى المشهور

٧٢

ولا يخفى ان البحث يكون في صورة تحقق التقليد بالعمل على طبق فتوى الأول وكيف كان فقد استدل على عدم جواز العدول بوجوه.

الأول باستصحاب تنجيز الرّأي للسابق بعد الشك فيه لأنه إذا قلد ابتداء من يقول بوجوب السورة في صلاة الاحتياط ثم أراد العدول إلى من يقول بعدم وجوبها فيها يكون له الشك في بقاء الحكم السابق بعد تنجيزه لأنه لا يعلم انه هل يجوز له الرجوع إلى غيره أو يكون حكمه السابق باقيا.

وقد أجاب الشيخ الأعظم قده عنه بان استصحاب التخيير الابتدائي حاكم على هذا لعدم بقاء الشك معه في جواز العدول كما كان جائزا في بدو الأمر ونحن نقول ان الواقع بعد كون الرّأي طريقا إليه لا يفرق فيه بين كونه عن رأي هذا المجتهد أو ذاك ولا وجه للاستصحاب بالنسبة إليه فكما أن رأي الأول طريق فكذلك رأي الثاني ولا يوجب مصلحة في ذات الواقع.

وعلى فرض الموضوعية بالنسبة إلى الرّأي فيكون الرأيان من باب المتزاحمين في المصلحة فيكون مخيرا بينهما فلا وجه لدخل الأخذ في تغيير الواقع عما هو عليه والحاصل كلا الرأيين متساويان بالنسبة إلى تنجيز الواقع ولا مرجّح للأول منهما لعدم توليد مصلحة في الواقع من جهته نعم ان قيل بان نفس العمل صارت من مرجحات العمل برأي الأول فللقول باستصحابه وجه ولكنه غير ثابت.

وقد يشكل على استصحاب التخيير بتعدد الموضوع (١) لأن التساوي بين الرأيين كان قبل الأخذ بأحدهما ومن المعلوم ان الرّأي بعد الأخذ غير الرّأي قبله

__________________

(١) أقول وقد عبر عنه بعض الأعيان بأنه من استصحاب الكلي في الفرد المردد لأن الأخذ ان لم يؤثر شيئا فالتخيير باق قطعا وان أثر فهو لا يكون باقيا قطعا وعنوان التخيير الكلي لا أثر له.

ولكن يمكن ان يقال ان الأخذ لا أثر له في المصلحة وليس الأصل مثبتا لأن التخيير حكم تعبدي طريقي (لقوله عليه‌السلام اذن فتخير) فإذا كان المستصحب نفسه الحكم لا نحتاج إلى الأثر الشرعي غيره فجريانه لا إشكال فيه.

٧٣

فيكون الموضوع متعددا فلا وجه لاستصحاب التخيير ليكون حاكما على استصحاب الرّأي الأول.

وقد ظهر الجواب عنه مما سبق آنفا من جهة ان الأخذ لا يوجب توليد مصلحة في الواقع ليستصحب بعد الشك ما أخذ به ابتداء فتحصل ان استصحاب الحكم الأول إذا لم يكن جاريا يكون استصحاب الموضوع وهو التخيير جاريا ولا منع منه ولكن الّذي يوجب الإشكال فيه هو ان المراد باستصحابه هو جواز تقليد الثاني وهو ليس من الآثار الشرعية بل من الآثار العقلية لبقاء التخيير فالأصل مثبت وعدم كونه من الآثار الشرعية واضح من جهة عدم الترتب في لسان الشرع بينهما.

الوجه الثاني لعدم جواز العدول هو ان لازمه المخالفة القطعية مع الواقع فانه إذا فرض تقليد مجتهد يقول بالقصر إذا كان المسير أربعة فراسخ ذاهبا وجائيا فقصر صلاة الظهر مثلا ثم عدل عنه إلى من يقول بالتمام فيما دون ثمانية فراسخ فصلى العصر تماما فانه يحصل له العلم الإجمالي ببطلان إحدى الصلاتين.

فلذا على فرض صحة الاستدلال يقول العلامة الأنصاري قده بان الاحتياط التام لازم ومعناه ان يأتي بالظهر تماما وبالعصر قصرا في الفرض في المقام ولكنه قده يقول يلزم عليه إتيان صلاة واحدة وهو قده يعلم انه ليس باحتياط تام ولكن يكون مراده الخروج عن المخالفة القطعية للعلم الإجمالي فانه يحصل بواسطة إتيانها وحدها.

وقد أجاب قده عن الاستدلال بان الثابت من التكليف هو الواقع المنجز لا الواقع الواقعي وعليه فإذا عمل المكلف على طبق فتوى الأول فقد أتى بما نجّز عليه وإذا عمل بفتوى الثاني فقد أتى بما نجّز عليه أيضا فالعمل على طبق الرأيين مجز ولا عقاب على المكلف فانه ان ترك العمل رأسا يكون معاقبا واما مع إتيانه بهما فقد أدى وظيفته على ما هو عليه من التكليف والعلم الإجمالي يكون بالنسبة إلى الواقع الّذي لم يكن منجزا عليه ولا تكليف له بالنسبة إليه بعد حجية رأي المجتهد فيما أفتى به.

٧٤

والشاهد لما ذكرناه هو انه ان قلّد مجتهدا فقصر الظهر ثم مات ذلك المجتهد فقلد من يقول بالتمام فأتى بالصلاة تماما لم يقل أحد بوجوب إعادتها فليس المدار على الواقع.

فان قلت في خصوص المثال يمكن ان يقال ببطلانها من جهة شرطية الترتيب بين الظهرين فمن أتى بالعصر تماما وبالظهر قصرا لا يحصل له العلم بكون العصر بعد الظهر واقعا لأنه من المحتمل ان يكون وظيفته إتمام الظهر ومع قصره يكون شاكا في الترتيب لا محرزا إياه فيكون بطلان عمله من هذا الوجه أيضا.

قلت إذا قلنا بجواز العدول فيكون عمله على طبق فتوى الأول موجبا لسقوط تكليف الظهر مثل ما إذا أتى به واقعا فيكون الترتيب حاصلا فالإشكال ان كان فيكون من ناحية العلم الإجمالي وقد مر دفعه فلا يتم هذا الاستدلال لعدم جواز العدول.

الوجه الثالث لعدم جواز العدول من الحي إلى الحي هو لزوم خلاف الإجماع منه مثل ما إذا أفتى أحدهما بوجوب السورة في صلاة الاحتياط وأفتى الآخر بعدم وجوبها فان إطلاق فتوى الثاني يحكم ببطلان الصلاة مع السورة ولازمه وجوب قضائها بعد العدول وهو خلاف الإجماع وان قلنا بان عدم الوجوب يكون من حين العدول لا قبله فيكون من التبعيض في رأي واحد وهو لا دليل عليه كما عن الشيخ الأعظم قده فعلى هذا لا يصح القول بجواز العدول.

والجواب عنه هو ان التقليد اما ان يكون هو العمل في واقعة شخصية واما ان يكون هو العمل على طبق عنوان كلي أو يكون هو الالتزام فعلى الأول فهو يقلد الثاني في هذه الواقعة الشخصية كصلاة الاحتياط لخصوص الشك بين الثلاث والأربع في هذه الصلاة الواقعة في يوم كذا ولا ربط له بالواقعة الشخصية السابقة ولا يسرى الحكم من الآن إليها.

نعم ان كان التقليد هو الالتزام فيمكن الالتزام بكلى وجوب السورة أو عدم وجوبها فإذا كان فتوى الثاني عدم وجوبها بهذا العنوان الكلي فإطلاقها وان كان

٧٥

شاملا للصلاة السابقة أيضا ولكن نختار التبعيض ونقول لا يشمل الحكم للواقعة السابقة بل يكون الالتزام بها من الآن وما ذكر من عدم الدليل على التبعيض نقول لا يتم لأن الأدلة العامة للتقليد تشمل المقام ولا يكون لنا مانع من شمولها لهذا الفرض أيضا فان الجاهل فعلا يرجع إلى العالم فعلا لترتيب الأثر من حين التقليد فعلى فرض كون التقليد هو الالتزام أيضا لا يرد الإشكال.

واما على فرض كونه هو العمل على طبق العنوان الكلي مثل التقليد في كلي عدم وجوب السورة فإطلاق الفتوى وان كان لازمه وجوب قضاء ما سبق ولكن المانع منه الإجماع وهو دليل عدم وجوب القضاء لا دليل عدم جواز العدول فلولاه لقلنا بجوازه ووجوب القضاء فلا يتم هذا الاستدلال.

ثم يمكن ان يكون مراد العلامة الأنصاري قده من عدم جواز العدول هو ان التقليد حيث يكون في العنوان الكلي مثل السورة لا في الواقعة الشخصية وهو بنحو صرف الوجود لا ثاني له فلا يمكن التقليد ثانيا فيما قلد أولا لعدم مجيء التقليد فيما حصل التقليد فيه وهو طبيعي الرّأي المأخوذ به والتطبيق في الموارد الشخصية يكون من لوازمه فإذا قلد المجتهد في عنوان عدم وجوب السورة في صلاة الاحتياط ينطبق هذا العنوان فيها في الشك بين الثلاث والأربع وبين الاثنتين والأربع وهكذا في جميع الافراد الخارجية.

ولذا يقول قده بعدم جواز التبعيض في صورة ملاقاة ماءين لما اختلف في نجاسته وطهارته بالحكم بالنجاسة في أحدهما على طبق فتوى من يراه نجسا والحكم بالطهارة على طبق فتوى من يراه طاهرا فإذا قلد من يقول بالنجاسة لا يكون له التقليد عمن يقول بالطهارة وبالعكس لعدم جواز التقليد فيما حصل التقليد فيه.

الوجه الرابع لعدم جواز العدول من الحي إلى الحي هو ان الأمر يدور بين التعيين والتخيير للعلم ببراءة الذّمّة بواسطة العمل بالفتوى المأخوذة أولا والشك

٧٦

في حصول البراءة بالعمل على طبق الفتوى الثانية.

وقد يرد عليه بان الإطلاقات في الأدلة اللفظية حاكمة على أصالة التعيين وهكذا الملاك في الأدلة العقلية الّذي هو الجهل بالواقع حاكم عليها وكذلك الفطرة فهي قاضية بعدم الفرق بينهما في رجوع الجاهل إليهما مع بقاء الجهل حتى بعد الأخذ بالفتوى الأولى والجاهل يرجع إلى العالم في كل واقعة وهكذا السيرة العقلائية حاكمة بان من لم يتمكن من الاجتهاد يجب عليه الرجوع إلى المجتهد لأنه خبرة والمقلد في كل واقعة لا يتمكن منه فله الرجوع إلى من هو المجتهد نعم ان كان السيرة بالرجوع إلى من له الحجة فيمن ليس له الحجة فالمقلد بتقليده الأول صار ذا حجة فليس ملاك رجوعه إلى الثاني باقيا.

وهكذا الدليل اللفظي في التخيير بقوله عليه‌السلام اذن فتخير في باب تعادل للروايتين على فرض تعميمه للمقام مطلق من جهة اختياره أحدهما أم لا وهكذا آية السؤال وساير الآيات والروايات الدالة على جواز التقليد فلا وجه لأصالة التعيين.

وقد أجابوا عن الإطلاق والأدلة العقلية بان السيرة على رجوع من ليس له الحجة إلى من له الحجة فلا موضوع لها بعد الأخذ بأحدهما وليس المراد منها ان من لم يتمكن من الاجتهاد يرجع إلى المجتهد ليكون الموضوع باقيا وهكذا الفطرة على رجوع من لم يكن نازلا منزلة العالم إليه والمقلد بعد صيرورته بمنزلة العالم بالرجوع إلى الأول ليس له الرجوع إلى الثاني.

واما الأدلة اللفظية فليست مربوطة بالتقليد وعلى فرضها كذلك فلا إطلاق لها لعدم كونها في صدد بيان خصوصياته بل في صدد بيان أصله فالدليل الوحيد هو ان الأمر حيث يدور بين التعيين والتخيير لا بد من عدم الرجوع إلى الثاني لاحتمال تعيين الأول بالاخذ.

ثم انه لو أخذ بقول المجتهد ولم يعمل به فهل يجب البقاء عليه ولا يجوز العدول إلى غيره أم يختص عدم الجواز بصورة العمل فيه خلاف فربما يتوهم

٧٧

ابتناء البحث على كون التقليد هو العمل فلا يجب البقاء لعدمه أو كونه الالتزام فيجب من جهة تحققه.

ولكن يرد عليه ان عنوان التقليد لا يكون مأخوذا في شيء من أدلة عدم جواز البقاء حتى نكون بصدد إحرازه وابتناء البحث عليه.

فنقول بعض أدلة المنع مثل لزوم المخالفة العملية أو كون التقليد غير قابل للتكرار لا يأتي هنا لعدم العمل حتى يلزم ما ذكر والإجماع يكون المتيقن منه صورة العمل واستصحاب بقاء الحكم الأول المأخوذ به على فرض الجريان هناك يأتي هنا أيضا لأن الموضوع فيه هو الشك وهو حاصل حتى مع عدم العمل وهكذا قاعدة الاشتغال حاكمة لدوران الأمر بين التعيين والتخيير واحتمال التعيين بصرف الالتزام فهو المتعين فتحصل عدم جواز العدول على فرض الالتزام وعدم العمل أيضا.

وينبغي التنبيه على أمور

الأول هل يجوز التبعيض في التقليد في مسألة واحدة فيه خلاف الجواز مطلقا وعدمه مطلقا والتفصيل بين صورة لزوم المخالفة القطعية فلا يجوز وبين عدمه فيجوز وأحسن ما يمثل به ما عن الشيخ الأعظم وهو ما إذا كان عنده ماءان ملاقيان لما اختلف في نجاسته وطهارته كعرق الجنب من الحرام والأخذ بفتوى من يقول بطهارته في أحدهما والأخذ بفتوى القائل بالنجاسة في الآخر فيصير أحدهما كالماء المنحصر.

فإذا كان ثوبه نجسا فاحتاج إلى إزالة الخبث والحدث للصلاة فغسل ثوبه فقط يحصل له العلم بفساد صلاته اما من جهة بقاء الحدث أو من جهة بقاء الخبث لأن الماء ان كان طاهرا يكون صلاته باطلة من جهة وجوب إزالة الحدث أيضا بالكأس الآخر وان كان نجسا فتكون باطلة لبقاء الخبث فقيل في خصوص المثال لا يجوز التبعيض للزوم المخالفة العملية.

ويظهر عن الشيخ الأعظم عدم جواز التبعيض لأن رأي المجتهد يكون كليا

٧٨

ولا يكون في الواقعة الشخصية حتى يكون التقليد في هذه الواقعة دون غيرها وعلى فرض الشك في جوازه فالأصل عدم مشروعية تقليد الثاني.

لا يقال (١) لا فرق بين العدول والتبعيض لأن التبعيض أيضا عدول لأنا نقول العدول يكون في الرّأي الكلي وهنا يكون باعتبار الشخص فان قلت التقليد على فرض كونه هو العمل يكون بالنسبة إلى الشخص أيضا والكلي لا تقليد فيه قلت هما مشتركان في العمل ولكن العمل في العدول يكون بلحاظ الكلي وفي التبعيض بلحاظ الشخص.

الأمر الثاني ان الحصص من الطبيعي يجوز التبعيض فيها خلافا للشيخ

__________________

(١) أقول ان هذا القدر من البيان لا يتم للفرق بين التبعيض والعدول فان التقليد هنا أيضا يكون في عنوان كلي وهو نجاسة عرق الجنب من الحرام وطهارته كما مر في عنوان وجوب السورة وعدمه في مثال العدول والتطبيق في الفرد هنا يكون مثل التطبيق هناك فبالعمل تصير الواقعة شخصية في المقامين وقد مر ان النزاع في العدول يكون في الواقعة الشخصية لا الوقائع المتعددة فما يمكن ان يقال في الفرق هو ان التبعيض يكون من لوازم العدول كما مر منه ومن غيره من ان هذا أحد أدلة عدم جواز العدول وقد مر منه شمول الإطلاقات للتبعيض أيضا ولا دليل على عدم جوازه فان لم يجز العدول فهو وان جاز فلا إشكال في التبعيض.

واما لزوم المخالفة القطعية في المثال في المقام فهو من جهة ملاحظة ان الماءين اما طاهران أو نجسان في الواقع فعلى فرض الطهارة لا بد من تحصيل الطهارة المائية في الحدث لعدم انحصار الماء بكأس واحد ليكون المقدم إزالة الخبث وعلى فرض النجاسة فقد بقي الخبث.

فالصلاة هذه اما فاقدة للطهارة المائية أو فاقدة للشرط الّذي هو إزالة الخبث ولكن هذا يكون بلحاظ الواقع واما بلحاظ تنجيز رأي المجتهد فلا يحصل العلم كذلك لأنه عمل بما هو وظيفته على فرض جواز العدول فالملاك كله في جوازه وعدمه.

٧٩

الأعظم قده لأن الرّأي في كل حصة كلي وليس بشخص مثاله ما إذا أفتى أحد المجتهدين بنجاسة الكافر بهذا العنوان الشامل لليهودي والنصراني والمجوسي فقلده ثم أراد تقليد من يقول بطهارة النصراني مثلا فان الطبيعي يكون هو عنوان الكافر واليهود وغيرهم من حصصه وفي هذا المثال وأمثاله يكون التقليد بالنسبة إلى الحصص بنحو الكلي.

فللمقلد تقليد أحد المتساويين في أحد العناوين من الحصص وتقليد آخر في عنوان آخر وليس مثل واقعة واحدة شخصية كوجوب السورة في صلاة الاحتياط وعدمه والمخالف زعم ان التقليد في عنوان الكافر تقليد في حصصه فيقول بعدم جواز العدول وهو خلاف التحقيق.

الأمر الثالث في ان العدول عن الاحتياط هل هو عدول غير جائز مثل العدول عن الفتوى أم لا فيه خلاف وقبل توضيح المرام اعلم ان الاحتياط على ثلاثة أقسام الأول ان يكون العمل به لا من تقليد بل اتفق كون هذا الاحتياط مفتى به عند بعض الاعلام من المجتهدين الثاني ان يقلد من أفتى به الثالث ان يعمل به استحبابا.

اما الأول فيظهر عن الشيخ الأعظم قده جواز تقليد من له الفتوى من باب عدم التقليد في هذا العنوان من أحد حتى يصدق عنوان العدول فله العمل بالفتوى لا الاحتياط ولكن يمكن ان يقال ان عنوان التقليد لا يكون في لسان الأدلة حتى نكون في صدد إحرازه والعدول عنه فإذا عمل عملا ووافق في الواقع رأي من يتبع رأيه (١) لا يجوز العدول منه إلى غيره لصدق عنوان العدول في الواقع فلا بد من ملاحظة أدلة عدم جوازه فان كان الدليل هو لزوم المخالفة القطعية كما في

__________________

(١) التقليد عنده مد ظله هو العمل المستند وعنوانه على فرض عدم كفاية كونه في مثل قوله عليه‌السلام فللعوام ان يقلدوه ولكن صدق عنوان العدول يحتاج إلى الاستناد ولا يكون صادقا بدونه نعم ان قال لا نحتاج إلى صدق هذا العنوان أيضا بل المدار هو الشك في حجية الفتوى بعد العمل بالاحتياط وهو حاصل فله وجه.

٨٠