مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٥

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٥

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٦٦

ثم أنه يجب البحث في كل واحد مما ذكر ليتضح النسبة بينه وبين ساير الأحكام.

اما في صورة كون (١) الحكم على عنوان الضرر فلا شبهة في عدم شمول قاعدة لا ضرر كما قال المحقق الخراسانيّ قده لأن الشيء الواحد وهو الضرر لا يمكن ان يكون علة لنفي الحكم وإثباته فلا يمكن نفى الحكم بالقاعدة عن الموضوع الّذي يكون حكمه على فرض وجوده سواء كان المراد بالنفي نفى الحكم الضرري كما هو مسلك الشيخ قده أو نفى الحكم بلسان نفى الموضوع كما هو رأى الخراسانيّ قده لأن الحكم يكون على فرض والموضوع أيضا عليه الحكم على هذا الفرض.

وما توهم من (٢) المعارضة على رأي الخراسانيّ قده من جهة ان الموضوع

__________________

(١) أقول انّه في صورة كون الحكم مثل من أضر بطريق المسلمين فهو ضامن لا منافاة بينه وبين لا ضرر لنحتاج إلى إطالة الكلام فانه يكون مفاده مفاد لا ضرر.

فان الضمان للمسلمين معناه عدم جعل الضرر عليهم وحيث أنها قاعدة امتنانية للنوع لا للشخص فلا يشمل الضارّ ولو كان هذا فيه الإشكال يلزم أن لا تنطبق القاعدة في موارد الغرامات أصلا.

مضافا بأن جبر الضرر ليس بضرر نعم لو وجدنا حكما على الضرر بأن يقال من أضر ليس بضامن فلو كان في مورد خاص يحصل المعارضة ويخصص القاعدة وان كان عاما يحصل التباين وليس لنا في الإسلام حكم كذلك.

(٢) أقول ان هذا الكلام مجمل لا نفهمه والمتوهم هو الشيخ محمد حسين الأصفهاني قده في ص ٣٢٢ في الجلد الثاني من نهاية الدراية فارجع إليه فان له بيانا دقيقا ولم يبينه مد ظله في الدرس إلّا بما ترى.

ولكن فرقه قده أيضا غير فارق فان المعارضة في كلتا الصورتين متحققة ضرورة أن الحكم لا يمكن ان تكون علة وجوده وعدمه هو الضرر والموضوع الواحد أيضا لا يمكن أن يكون بعنوان الضرر مرفوع الحكم وبعنوانه له الحكم فلا بد ـ

١٤١

الضرري كيف ينفى حكمه ويثبت فان هذا من التنافي في مورد واحد بخلاف كون المنفي هو الحكم فانه ليس علته وعلة عدمه الضرر لا وجه له لأن مراده قده لا يكون هو الأحكام التي تكون على موضوع ضرري في بعض الأوقات غير ضرري في البعض كالوضوء فان مراده في ذلك نفى الحكم بلسان نفى الموضوع.

لا يقال في مثل المقام يكون الحكم بالضمان على من أضر بطريق المسلمين أيضا ضرريا فكما أن ضرر المسلمين منفي كذلك ينفى ضرر هذا الشخص فتنافى الحكمان.

لأنا نقول هذه القاعدة امتنانية على الأمة وجبر ضرر الغير لا يسمى ضررا فان إعطاء المسلمين حقهم لا يكون من الضرر هذا أولا وثانيا ان الحاكم هو الحكم في المورد لا القاعدة لأن الحكم الّذي يكون على مورد الضرر لا ينفى بها.

واما إذا كان الموضوع مما يكون ذاته ضررية كما مثلنا بالخمس والزكاة وغيره فالنسبة بينه وبين القاعدة ربما يقال انها العموم والخصوص المطلق وربما يقال بالحكومة وربما يقال بالانصراف يعنى انصراف القاعدة عن مورد يكون الحكم على موضوع ذاته ضررية.

ووجه الأخير هو أنه لو قلنا بتقديم القاعدة يلزم صيرورة هذه الأحكام بدون المورد لعدم انفكاكها عن الضرر وربما يقال بخروج الموارد عن القاعدة بالتخصص لعدم كونها ضررية بالنسبة إلى مصلحة النظام.

اما وجه القول بالتخصيص فهو أن القاعدة بإطلاقها شاملة لصورة كون الضرر ذاتيا كما في المقام أو عرضيا كما في الوضوء فيقال بأنها تخصص بالأدلة الدالة على الضرر في خصوص ما كان الضرر ذاتيا ففيه لا تنطبق القاعدة وفي العرضي تنطبق.

__________________

ـ من القول بوجه التقديم وهو عدم بقاء المورد للحكم الّذي موضوعه الضرر فيخصص به القاعدة.

١٤٢

واما وجه التخصص فهو ما مر من أن الخمس والزكاة يكون من باب إعطاء صاحب الحق حقه كما في صورة إعطاء الشريك حقه من المال المشترك وهذا لا يعد ضررا في العرف وهكذا الحج بالنسبة إلى مصلحة النظام وشعائر الإسلام يكون من المنافع للناس لا الضرر لشدة إخوة المسلمين وبه حفظ اجتماعهم.

لا يقال جعل الحكم من الشرع ضرري فان الحكم بإعطاء السادة والفقراء ما كسبه الشخص وجعل السهم لهم هو الضرر لا الأداء حتى يقال ان أداء حق صاحب الحق ليس ضررا لأنا نقول الملكية الناقصة يكون هذا من لوازمها فان هذا الشخص لم يصر مالكا من الأول لا أنه ملكه وأوجب الشرع الأداء (١).

واما وجه الحكومة فحاصل ما قاله شيخنا النائيني قده فيه هو أن العرف إذا ضم دليل وجوب الحج والزكاة وأمثاله إلى قاعدة لا ضرر لا يرى التخصيص ولا التخصص بل يرى أن النفي ناظر إلى الأحكام المجعولة في الشرع لأنه لا معنى لمثل لا ضرر في الإسلام ولا حرج في الدين الا بعد توهم وجود الضرر في الإسلام يعنى في أحكامه ومعناه أن الحكم الضرري لم يكن في الإسلام فان الحكومة اما ان تكون من باب التصرف في ناحية المحمول وهو الحكم واما أن تكون في ناحية الموضوع مثل لا شك لكثير الشك فان نفى الشك يكون من جهة إخراج الموضوع عن تحت حكم البناء على الأكثر في الشك في الركعات ومقامنا هذا يكون من التصرف في الحكم.

ومعنى لا ضرر هو أن وجوب الحج أو الزكاة ليس من الوجوب الضار ولا يكون من تخصيص القاعدة في الحكم فما هو الضرر في نظر العرف بالنظر

__________________

(١) أقول أضف إليه فان قلت لم صارت الملكية ناقصة فانها ضرر قلت من البديهي عدم ضررية هذا الحكم لأن الاجتماع الّذي لا يكون في أموالهم سهم لضعفائهم لا يستقيم سواء كان أهل الملة أم لا وهذا هو الجواب الّذي يحسم به مادة الإشكال.

١٤٣

إلى الحكم ليس ضررا بنظر الشرع لحكومة القاعدة وحيث لا يبقى مورد على هذا الدليل للحكم الأولى لا يتصور الحكومة في المقام.

وبعبارة أخرى الحكومة لا تتصور الا في صورة كون المورد في هذا الدليل غير المورد في ذاك الدليل والمعارضة بالعموم والخصوص تكون في صورة اجتماع الدليلين في مورد واحد والافتراق في مورد آخر وفي المقام حيث لا يكون الحج وغيره مما هو مثله له حالة أخرى غير ضررية فلا يتصور فيه الحكومة (١).

__________________

(١) أقول هكذا قررت بحثه لأني رجعت إليه بعد الدرس ووجدته يكون هذا صريح مراده بيانا لكلام شيخه النائيني قده وحاصله كما ترى أنه لا وجه للقول بحكومة لا ضرر في المقام.

ولكن لا محصل لهذا الكلام في هذا المقام الّذي يكون البحث في الأحكام الّذي يكون الضرر ذاتيا له لأنه لا شبهة في تقديم دليله على القاعدة وأنما الكلام في وجهه.

وأنه هل يكون بالتخصيص أو التخصص أو لزوم اللغوية لعدم بقاء المورد له أو الحكومة يعنى حكومته على القاعدة فان الحاكم مقدم ولم يدع أحد أن قاعدة لا ضرر مقدمة على هذه الأدلة في الأحكام حتى يقول النائيني قده لا يتصور الحكومة وما وجدنا في كلامه هذا البيان ولا يليق بشأنه.

وأما الجواب عنه بأن الحكومة متصورة في مثل الأحكام الّذي يكون له الإطلاق مثل الوضوء أيضا فخارج عن الفرض لأن البحث يكون في غيره وسيجيء وجه تقديم لا ضرر على ما له الإطلاق مثل الوضوء ويكون المقدم فيه لا ضرر والكلام في وجهه وهنا يكون المقدم هذه الأحكام لا القاعدة.

نعم لنا أن نختار التخصيص بأن يقال لا ضرر مطلق للضرر الذاتي والعرضي وهذه في الذاتي أو التخصص الّذي قاله مد ظله أو صيرورته بلا مورد.

ولا وجه للقول بحكومة هذه الأحكام على القاعدة لأن ملاكها هو نظر الحاكم إلى المحكوم وهو هنا مفقود ولعله كان هذا مراد شيخه قده فصار البيان منقلبا.

١٤٤

والجواب عنه ان في بعض الموارد يكون لدليل الحكم حالتان حالة الضرر وحالة غيره مثل الوضوء فانه يكون لا ضرر حينئذ مخصصا ولا يكون وجه التقديم منحصرا في الحكومة حتى يقول أنها غير ممكنة ، وفي مثل الحج يكون كما ذكره فما هو الأساس له من أنه لا وجه للقول بالحكومة لعدم وجود الحالتين غير وجيه.

ثم ان لبعض الأعيان قده تفصيل في المقام وهو أنه ان كان المراد بنفي الضرر هو نفى الحكم الّذي هو مختار الشيخ قده تحصل المعارضة في المقام لأن الحكم بالزكاة والخمس والحج ضرري ولا ضرر يحكم بعدم الحكم الضرري فتحصل المعارضة ولا بد من القول بتخصيص القاعدة لأن الضرر فيها أعم من الذاتي والعرضي هو المنفي وهذا الحكم يكون في خصوص الضرر الذاتي فهو غير منفي والعرضي منفي.

واما على مبنى الخراسانيّ قده فحيث يكون الموضوع الضرري حكمه مرفوعا بمقتضى القاعدة فلا تحصل المعارضة لأن لا ضرر يحكم بنفي الضرر في الموضوع الّذي هو الضرر والحج والخمس والزكاة وأمثاله لا يكون الموضوع فيه هو الضرر بل ملازم له وليس الموضوع هو اللازم حتى يكون حكمه منفيا بحكم لا ضرر بل الموضوع هو الحج والخمس والزكاة فملاك نفى الحكم غير ملاك وجوده.

وأما وجه تقديمه على القاعدة مع عدم المعارضة فهو أنه لو لم يقدم يصير بلا مورد فللخروج عن اللغوية يقدم دليله على القاعدة مضافا بأن القاعدة وردت للامتنان (١) وفي المقام لا ينطبق الملاك من جهة صيرورة غيره بلا مورد بخلاف

__________________

(١) أقول انه لا ربط لامتنانية القاعدة بوجود الحكم فان الامتنان لو خلى وطبعه من دون النّظر إلى ملاكات النظام يقتضى نفى الحكم التكليفي مطلقا والحاصل لا يقتضى الامتنان أن لا يصير الحكم بلا مورد بل مقتضى لغوية الخطاب هو وجود المورد للحكم وطرد غيره.

١٤٥

مثل الوضوء فان تقديم القاعدة في الوضوء الضرري لا يلزم منه هذا المحذور.

وبعبارة أخرى إذا كان الضرر عرضيا صح رفع الحكم لأجله أحيانا امتنانا بخلاف ما إذا كان ذاتيا ولازما لذات الموضوع فان رفع الحكم لأجله إبطاله وإلقائه بالكلية.

وفيه انه على فرض كون المسلك مسلك الشيخ قده أيضا لا يبقى لدليل الحكم مورد لو قدم القاعدة لأن علة النفي والإثبات إذا لم يمكن اجتماعهما فلا بد من التقديم في الجهة التي لا يلزم منها محذور.

وثانيا لا يكون التقديم بالحكومة بل من جهة صيرورته بلا مورد فالحق في المقام هو تقديم الدليل اما بالتخصيص أو بالتخصص أو بلزوم اللغوية أو بما مر من عدم إمكان تقديم لا ضرر عليه عن النائيني قده من باب الحكومة لو لم تسلم ما ذكرناه.

أما صورة كون إطلاق الحكم مما يلزم منه الضرر كما في باب الوضوء فان بعض افراده ضرري وبعضه غير ضرري فلا شبهة في تقديم القاعدة على دليله ففي صورة كون الوضوء ضرريا ينفى الوجوب بقاعدة لا ضرر.

انما الكلام في وجه التقديم هنا كما أنه لم يكن كلام في تقديم الأحكام التي يكون الضرر مقتضى ذاته كالحج وكان البحث في وجه التقديم وأنه هل يكون من باب الحكومة أو التخصيص أو التخصص أو صيرورة القاعدة هنا بلا مورد.

والحق عدم ضررية هذه الأحكام يعنى الحج وغيره وفي المقام يكون الحق هو التخصيص (١) لأن إطلاق دليل الحكم فيما كان الضرر بالعرض يقيد بالقاعدة

__________________

(١) أقول انه لا يخفى عدم وجه لاعتبار التخصص بالبيان السابق منه فان الضرر هنا متحقق في الوضوء الضرري وينفى بالقاعدة والحاصل هنا يكون الكلام في مخصصية القاعدة للأحكام الأولية في الصورتين السابقتين في تخصيص مورد الضرر عن عموم القاعدة.

١٤٦

وقد يظهر من كلام الشيخ قده تقديم القاعدة في المقام من باب الحكومة وضابط نظره هو أن كل مورد يكون الحكم ثانويا يكون حاكما على الأحكام الأولية ومن المعلوم أن قاعدة لا ضرر ولا حرج تكون من الأحكام التي لا معنى لتشريعها الا بعد وجود الحكم الّذي يتوهم الضرر فيه والحرج كذلك فتكون ناظرة إلى الأحكام الأولية.

والّذي يكون هو الفارق بين الحكومة والتخصيص هو وجود النّظر في دليل الحاكم وعدمه في المخصص ويكون الحاكم مقدما ولو كان أضعف ظهورا من المحكوم ويلاحظ الأظهرية في المخصص في صورة التقديم وقد فهم بعضهم من كلامه قده أن الحاكم هو الّذي يكون مصدرا بأي وأعنى ولكن لا يكون مراده قده الانحصار بهذا بل مراده منه كل شيء يفهم منه النّظر فلا وجه لإيرادهم عليه قده بأن لا ضرر لا يكون شارحا للأحكام بنحو التفسير لأنه لا يكون ضابط الحكومة فقط بل يكون أعم منه.

لا يقال أن القائل إذا قال أكرم العلماء ثم قال لا تكرم الفساق منهم أن الثاني حكم ثانوي بعد عموم الحكم الأولى ومعه يقال أنه مخصص لا حاكم.

لأنا نقول كلا الحكمان يكونان أوليين فان الفسق موضوع لحكم والعلم موضوع لحكم آخر فيكون الفسق مثل صورة كون الحكم على عنوان الضرر فكما أنه لا يقال ان اللاضرر حاكم عليه كذلك لا يقال في المقام بأن المخصص حاكم.

فتحصل أن قاعدة لا ضرر حاكمة بهذا البيان على مسلك الشيخ قده من أن المراد بالنفي نفى الحكم وكذلك على مسلك الخراسانيّ قده القائل بأن الحكم منفي بلسان نفى الموضوع لأنه بالمآل يرجع قوله إلى نفى الحكم وهذا لا يضر ولكنه قده ينكر الضابط في الحكومة في الأحكام الثانوية بل يقول تحتاج إلى النّظر وهو مفقود في الأحكام الثانوية فلو ثبت النّظر لا يكون الفرق بين المسلكين في

١٤٧

هذا الباب ويمكن القول بالحكومة بعد القول بالتخصيص وقد اختار قده في المقام الجمع بين الدليلين بالتوفيق العرفي وهو وجه التقديم عنده بعد عدم قبول كلام الأنصاري قده.

ولكن لم يكن وجهه واضحا ولم يصرح بأنه هل يكون من باب التخصيص أو غيره.

فلو كان مراده الجمع بين المقتضى والمانع بأن يقال ان الوضوء مقتض للحكم حتى في مورد الضرر ونفى الضرر مانع.

ففيه أولا ان هذا متوقف على تصديق المراتب من الاقتضاء والإنشاء والفعلية والتنجيز ليصح له ان يقول للوضوء اقتضاء الحكم ولا ضرر مانع وهي عندنا سخيفة لأن للحكم مرتبة واحدة وهي انه الإرادة المبرزة.

وثانيا ان الوجوب في الوضوء بمرتبة الفعلة لا الاقتضاء.

وثالثا لو سلم كون الحكم اقتضائيا يلزم التوقف فيه في كل مورد احتمل المانع لا خصوص الضرر وتوهم الفرق بين الضرر وغيره بكونه مانعا دونه بارد جدا فلو تسلم الحكومة فالحق هو التخصيص عندنا.

وقد يستدل للتقديم بصيرورة اللاضرر بلا مورد فان الأحكام كلها إذا لوحظت كذلك ولم يقدم عليه القاعدة تبقى بلا مورد.

وفيه (١) أن المدار على الحكم في كل مورد مورد لا جميع الأحكام.

الأمر الرابع

في البحث عن أن القاعدة لا تختص بصورة العلم بالضرر وهذا يكون واضحا

__________________

(١) أقول ان الإشكال هنا غير مفهوم لنا لأن الأحكام الّذي موضوعه الضرر وما ذاته ضرري قد خرج عن تحت القاعدة فلو لم تقدم في المقام أيضا لا يبقى لنا مورد لتطبيق اللاضرر ولا يكون الفرق بين جميع ما هو كذلك أو بين البعض.

١٤٨

من جهة أن كل خطاب يكون ظاهرا في العنوان الواقعي فإذا نفى الضرر يكون ظاهره أن المنفي هو واقع الضرر لا الضرر المعلوم أو المجهول.

ولذا يقال إذا كان حفر البئر مضرا بالجار يكون الضرر منفيا ولو لم يعلم أحدهما ولا فرق بين ان يقال بشمول قاعدة الناس مسلطون على الحافر ثم بالمعارضة بين القاعدتين يقدم اللاضرر أو يقال بان قاعدة الناس قاصرة في ذاتها كما عليه الخراسانيّ قده لأنه غير فارق.

انما الكلام في تخصيص بعض الموارد بصورة العلم مثل الوضوء في باب العبادات فقيل بأنه يكون صحيحا على فرض الجهل بكونه مضرا ويفسد في صورة العلم به وكذلك الصوم وقد دفع هذا الإشكال جملة من الاعلام بأنها قاعدة امتنانية وحيث أن القول بوجوب الوضوء الضرري مع عدم العلم به إعادة خلاف الامتنان فلا تنطبق في الوضوء والصوم وغيرهما في صورة الجهل به وثانيا فيما يكون علة الضرر هي الحكم يكون منفيا لأن الحكم الضرري غير مجعول وهنا لا يكون الحكم هو العلّة للضرر بل جهل المكلف صار علة له فلا يكون منفيا بخلاف صورة العلم به فان العلة هي الحكم ونفيه يكون موافقا للامتنان.

والجواب عن الوجه الأول هو أنه لأي دليل يقال بوجوب الإعادة حتى يكون نفى الضرر خلاف الامتنان فان وجود المصلحة كاف لعبادية العبادة وصحتها إلّا أن نحتاج إلى الأمر وقلنا بعدم كفاية الملاك كما قال به صاحب الجواهر قده (١) وأما عن الثاني فلان المحرك هو الحكم بوجوب الوضوء سواء كان العلم بوجود الضرر أو لم يكن فلا وجه للقول بأن الحكم لا يكون علة تامة للوقوع في الضرر.

__________________

(١) وهو المختار عندنا أيضا لأن الكاشف للملاك هو الأمر وحيث لم يكن لنا أمر فلا علم لنا بالمصلحة كما مر مرارا في بحث اجتماع الأمر والنهي منا وغيره ثم لا إشكال في تخصيص القاعدة لو فرض إجماع على الصحة ولم يكن ما قيل في وجهها تاما.

١٤٩

واما في باب المعاملات فقالوا بأن الضرر منفي في صورة الجهل به فان المعاملة الغبنية ينفى ضررها إذا لم يكن المتعامل عالما بالغبن ووجهه على ما قيل هو أن الّذي يكون ضرريا هو لزوم المعاملة لا صحتها ومن كان عالما يكون مقدما ولا امتنان بالنسبة إلى من هو مقدم على الضرر لأن القاعدة امتنانية (١).

وقد نوقض قولهم هذا بان قولهم ببطلان غسل من أجنب نفسه متعمدا إذا كان ضرريا ينافى ما ذكر لأن المجنب عمدا يكون هو المقدم على الضرر فكيف ينفى حكم وجوب الغسل بالنسبة إليه وقد أجاب الخراسانيّ قده بأن الإقدام في باب الجنب لا يصدق إلّا على وجه دوري لأن الإقدام على الضرر يكون متوقفا على حكم الشرع بوجوب الغسل بعد الجنابة وحكمه بوجوبه متوقف على كونه مقدما لأن أصل الإجناب لا يكون إقداما على الضرر فان الضرر هو حكم الشرع بعد ذلك بوجوب الغسل فلا اقدام في المقام فلا نقض على القاعدة.

أقول (٢) انه لو كان الأمر كما ذكره قده يكون الدور في صورة الإقدام في

__________________

(١) أقول ان هذا متوقف على مسلك القائل بأن القواعد الامتنانية مختصة بصورة كون جعل الحكم ووضعه خلاف الامتنان.

وأما لو قلنا بأنه يكفى الامتنان في رفعه فلا يصح لأن الامتنان بالنسبة إلى من هو مقدم أيضا في أن يرفع الحكم عنه بل فيه غاية الامتنان.

(٢) أقول ان هذا حاصل ما استفدنا منه في الدرس وبعده بالبحث الخصوصيّ ولكن لا يخفى ما فيه فان الإقدام على الضرر صادق مع قطع النّظر عن الشرع في العرف والعقلاء ويكون القاعدة في غير صورة الإقدام على الفرض.

بخلاف باب الغسل فانه لا يصدق الإقدام على الضرر عرفا بل ربما يكون مفيدا بحاله عندهم كما في الشّاب واما ما قال من تقديم وجوب الغسل فهو خروج عن الفرض لأن النقض يكون على فرض تسليم عدم الوجوب مع الإقدام وهو الإجناب وقال في الغبن أيضا يكون المقدم هو دليل اللزوم لاشتراك إشكال الدور عنده بملاك تقديم المنجز على المعلق.

مع ان الفرض تقديم دليل اللزوم من جهة صدق الإقدام لا الشك فيه مضافا بأنك ترى انه جعل تطبيق القاعدة في بيع الغبن في ذيل الكلام دليلا أيضا ـ

١٥٠

المعاملات في المعاملة الغبنية أيضا لأن القاعدة لا تنفي الضرر حدوثا فان الغبن في أصل المعاملة مما قد حصل وانما النفي بالنسبة إلى بقائه وحينئذ يكون الإقدام متوقفا على الحكم باللزوم لأنه لولاه لم يكن الإقدام صادقا والحكم باللزوم متوقف على الإقدام.

واما القول بوجوب الغسل في صورة الإجناب فيكون من باب تقديم الحكم التنجيزي على التعليقي فان دليله مقدم على القاعدة حيث أن الحكم بوجوب الغسل لا يكون معلقا على كونه مقدما بخلاف اللاضرر فانه يكون معلقا على عدم الإقدام وهكذا في خيار الغبن فيكون هذا من باب الجمع العرفي لا من جهة لزوم الدور.

ثم لا نطيل الكلام بذكر ساير الموارد للنقض بل بحثه موكول إلى الفقه ثم لا يخفى عليكم أن الدليل لعدم لزوم المعاملة الغبنية ليست القاعدة فقط بل الشرط الضمني وهو تساوى العوضين من حيث القيمة وهكذا كل مورد تمسكوا بالقاعدة فلا تكون هي دليلا مستقلا.

الأمر الخامس

في أن المراد بالضرر المنفي هل هو الضرر الشخصي أو النوعيّ لا شبهة ولا ريب في أن المدار على الأول فان شخص العاملة الغبنية لا لزوم له ولو فرض أن كل الموارد في نوع المعاملة الفلانية غبني أيضا ينحل إلى الأشخاص ولا معنى

__________________

ـ ثم أن المنجر يقدم على المعلق في صورة الشك في حصول شرط المعلق واما في صورة حصوله فلا وفي المقام ان اللاضرر على فرض الإقدام غير منطبق واما على فرض عدمه فهو منطبق.

ومراد الخراسانيّ قده هو أن الإقدام غير صادق لأن صدقه يلزم منه الدور ووجوب الغسل يكون في صورة عدم تخصيص دليله باللاضرر لو قلنا بالوجوب في صورة الإجناب عمدا وقد مر أن الفرض هو عدم الوجوب في صورة الضرر وفاقا لما ذكرناه.

١٥١

لرفع النوع لأن العلة للنفي هي الضرر فيدور مداره.

وتوهم نفى الضرر النوعيّ يكون من باب اشتباه ما هو ملاك الحكم بما هو علة بأن يكون الغبن في نوع المعاملة موجبا لنفي اللزوم ولو لم يكن بعض افراده ضرريا كما يقال ان الحرج صار علة للقول بعدم نجاسة الحديد ولو لم يكن في بعض الأشخاص حرجيا وهو غير وجيه في المعاملة الغبنية لأن الغبن هو النقص في السوق من جهة القيمة وهو غير منفك عن الضرر.

الأمر السادس

في ملاحظة القاعدة مع غيرها من القواعد مثل اللاحرج ويكون البحث في أنه هل يكون الباب باب التزاحم ليلاحظ أقوائية الملاك أو باب التعارض ليلاحظ الأقوائية في السند مثل ما إذا كان حفر البئر في الدار موجبا للضرر على الجار وموجبا للحرج على نفسه لأن تركه يوجب ضيق سلطنته وهو حرج عليه وان لم يكن تركه ضررا.

فعلى فرض المزاحم يلزم ملاحظة أقوائية ملاك أحدهما على الآخر وعلى فرض التعارض يكون المقدم قاعدة الحرج لأن سندها الآية وسند اللاضرر هو الرواية ولو فرض التساوي في السند فان كان الباب مثل باب الروايتين المتعارضتين فيكون التخيير في الأخذ وان لم يكن من ذلك الباب فتتساقطان حسب القاعدة الأولية ويرجع إلى أصل آخر.

ثم انه قيل ان ظهور العناوين الثانوية هو الدخل في الملاك ومن لوازمه وجود الملاك لهما ويكون المورد من باب التزاحم.

وفيه ان التزاحم يكون فرع إطلاق الدليلين وشمولهما لمورد واحد وهو في المقام مفقود لأن القاعدتين امتنانيتان ولا امتنان في صورة لزوم الضرر باعمال قاعدة الحرج وبالعكس.

مضافا بأن أقوائية الملاك تكون بالنسبة إلى شخص واحد ملاكا للترجيح

١٥٢

واما بالنسبة إلى الشخصين فلا : ففي مثل أنقذ الغريق الدائر بين كونه اما متعلقا بالنبي أو المؤمن يلاحظ أقوائية ملاك إنقاذ النبي واما في المقام فلا.

إلّا أن يقال أن المراد (١) بالامتنان هو الامتنان على الأمة وان لم يكن بالنسبة إلى الشخص امتنانا فيمكن التقديم والخراسانيّ قده منكر للتقديم مطلقا ولم أر من يصرح بالتقديم من هذا الباب.

ولو شك في أن المقام من باب التعارض أو التزاحم يكون مندرجا في باب التعارض لعدم إثبات الملاك للتزاحم.

وثالثا ان التزاحم أو التعارض يكون في صورة كون أحدهما مثبتا والآخر نافيا ولسان اللاضرر واللاحرج هو النفي فهما متوافقان لا متزاحمان ولا متعارضان إلّا ان يقال ان مفاد أحدهما بالملازمة نفى النفي وهو يفيد الإثبات أي اللاحرج ينفى اللاضرر ولازمه تحمل الضرر واللاضرر ينفى اللاحرج ولازمه عدم سلطنة المالك على ملكه.

والحاصل الضيق في السلطنة امر وجودي والسعة فيها أيضا امر وجودي واللاحرج يقتضى الثاني واللاضرر يقتضى الأول فهما متصادمان اما من باب التعارض أو التزاحم.

ثم انه ربما يقال بان المقدّم على فرض المصادمة هو اللاحرج لحكومته ونظره إلى اللاضرر كما يوجد هذا في تقديمه في صورة كون شرب الخمر ضرريا وتركه حرجيا وهذا في مورد واحد بالنسبة إلى شخص واحد وفي المقام أيضا ولو كان في الشخصين ولكن مقتضى النّظر هو التقديم وكلما نتفكر لا نفهم النّظر هنا.

__________________

(١) على هذا الفرض أيضا في مورد التعارض لا يتم التقديم لأن كل واحد من الطرفين من الأمة والعموم يشملهما.

١٥٣

الأمر السابع

في أنه لا شبهة في حكومة اللاضرر على الأحكام الوضعيّة والتكليفية سواء كان الوضعي مثل وجوب الوفاء بالعقد أو مثل قاعدة سلطنة الناس على أموالهم انما الكلام في أنه هل يكون التقديم على قاعدة السلطنة مطلقا أو في صورة عدم لزوم ضرر على المالك على فرض تقديم اللاضرر فان لزم منه ضرر يكون المرجع هو قاعدة السلطنة بعد تعارض الضررين أو يكون مندرجا في باب تعارض الضررين ويلاحظ ما هو أعظم ضررا.

وينبغي التوجه إلى امرين في المقام مقدمة : الأول انه قد اختلف بين الشيخ والخراسانيّ قدهما في أن قاعدة الناس مسلطون على أموالهم هل تكون شاملة لصورة لزوم الضرر على الغير أو تكون قاصرة من أصلها في مورد الضرر فاختار الأول الشمول والثاني عدم الشمول مستدلا بأن الشخص لا يكون سلطانا على عصاه بأن يتصرف فيه حتى لوازم منه عماء عين الغير ففي مورد الضرر التكويني مع قطع النّظر عن نفى الشرع أيضا لا يكون السلطنة على المال وعليه فلا تصل النوبة إلى حكومة اللاضرر عليها بل هي في نفسها ساقطة.

واما على فرض عدم القصور في نفسها فهي وان كانت محكومة ولكن في صورة سقوط الحاكم عن الحكومة يحصل الحياة للمحكوم ويؤثر اثره وهذا هو الثمرة بين المسلكين ويفيد في مقامنا هذا إذا تعارض الضرران فانه على قول الخراسانيّ لا يبقى لنا المرجع وعلى قول الشيخ قده يكون القاعدة هي المرجع بعد التساقط بالتعارض على فرض عدم كون قاعدة الناس واللاضرر في صف واحد بالنسبة إلى اللاضرر المعارض.

الثاني أنه من المسلم أن تحمل الضرر عن الغير غير لازم ولا يرفع بواسطة اللاضرر لأنه قاعدة امتنانية ولا وجه لصيرورتها موجبة لضرر الغير وهكذا رفع الضرر عنه غير لازم ولكن إرجاع الضرر إلى الغير أيضا لا يجوز.

١٥٤

فالسيل المتوجه إلى دار شخص لا يجوز له أن يوجهه إلى دار جاره بل له منعه عن داره وهذا ليس من تزاحم الضررين وان كان في كلام النائيني قده لأن السيل متوجه ابتداء إلى نفسه فلا يقال ان خراب دار الجار ضرر عليه وخراب دار نفسه أيضا ضرر عليه فيتزاحم الضرران.

ثم تعرض قده في ذيل كلامه لمسألة الإكراه للولاية عن قبل الجائر نقلا عن الشيخ قده فان ترك الولاية ضرر على الوالي وفعله ضرر على الناس في مورد كون الولاية ضررا كالضرب والنهب وجعل هذا من باب توجه الضرر ابتداء على الغير وحيث لا يجب التحمل عنه فالولاية جائزة لأن تحمل ضرر الغير غير لازم علينا ولا يكون من باب تعارض الضررين.

وفي خصوص المثال إشكال وهو أن الضرر ابتداء (١) متوجه إلى الوالي وبواسطته على الناس فلا يكون الضرر متوجها على الناس ابتداء بل على نفسه فيكون من باب تحميل الضرر على الغير لا من باب تحمل الضرر عنه والتمسك بحديث الرفع في فقرة الإكراه يكون بالنسبة إلى الأحكام التكليفية لا الوضعيّة مثل الإضرار على الغير.

ثم إذا عرفت الأمرين نرجع إلى أصل البحث وهو يكون في صور الصورة الأولى هي ان يكون تصرف الشخص في ملكه ضررا على جاره وتركه يكون ضررا على نفسه ولا يكون هذا مثل الضرر المتوجه خارجا اما على ملك هذا أو ذاك مثل ما إذا وقع رأس البقر في الكوز ولا يمكن إخراجه الا بكسر الكوز أو بقطع

__________________

(١) أقول ان هذا في فرض الدوران واقعا وان كان كذلك ولكن يدخل في باب التقية وهي واجبة ما لم تبلغ الدم.

واما في صورة عدم الدوران واقعا وهو ان يكون الضرر متوجها إلى الغير سواء تصدى هذا للولاية أم لا ولكن تركه الولاية يكون ضررا عليه ففيه التأمل بل يمكن أن يقال انه يشمله اللاضرر.

١٥٥

الرّأس إذا أريد حفظ الكوز فان المقام ينشأ الضرر من نفس تطبيق اللاضرر على أحد الشخصين.

فقال الشيخ قده بتعارض الضررين في المقام ويكون المرجع هو قاعدة الناس ونظره قده إلى أن اللاضرر حاكم على قاعدة الناس بوجوده التشريعي لا التكويني فانه قال في الرسائل بعد ان مثل لمورد تعارض الضررين بالتولي من قبل الجائر المستلزم تركه ضررا على نفسه وفعله ضررا على الغير ومثله ما إذا كان تصرف المالك في ملكه موجبا لتضرر جاره وتركه موجبا لتضرر نفسه فانه يرجع إلى عموم قاعدة الناس وقال ويمكن الرجوع إلى قاعدة نفى الحرج اما لحكومتها ابتداء عليه أو للرجوع إلى الأصول بعد التساقط أيضا والخراسانيّ قده يخالفه لقصور قاعدة الناس في ذاتها في مورد الضرر.

وقد أشكل النائيني قده في هذا الكلام صغرى وكبرى أي في كلام الشيخ قده اما إنكار الصغرى فلعدم صدق الحرج على المقام وعدم شمول قاعدة اللاضرر للضرر الّذي يكون متولدا من تطبيقه ليحصل التعارض الّذي هو الموضوع للرجوع إلى كبرى الناس واما إنكار الكبرى فهو منع كون المرجع بعد السقوط بالتعارض هو عموم الناس.

اما توضيح ذلك فلان اللاضرر إذا انطبق على من يريد حفر البئر فمن هذا الانطباق ينشأ الضرر على الغير والفرد الناشئ من تطبيق الحكم على الموضوع لا يمكن أن يكون معارضا له لأنه متولد منه.

والحاصل ان الفرد من الحكم لا يعارض الطبيعي فلا يكون المقام داخلا في المتعارضين ولا يكون مثل الضرر الّذي يتوجه من الخارج اما إلى الكوز أو إلى رأس البقر.

ولا وجه للقول بانصراف اللاضرر إلى غير الفرد المتولد منه لأنه بدوي فانه ينشأ عن قلة الوجود لهذا الفرد خارجا وكثرة غيره من الضرر الغير المتولد منه نفس تطبيق القاعدة.

١٥٦

والجواب عنه هو أن كلما يقال في الأخبار مع الواسطة يقال في المقام أيضا فانه كما حرر في محله يكون الإشكال فيها هو أن ما له الأثر هو قول الإمام عليه‌السلام ووجوب تصديق العادل يحتاج إلى أثر شرعي فإذا نقل المفيد عن الكليني وهو عن غيره وغيره عن الإمام عليه‌السلام يكون مقول قول المفيد قول الكليني وهو الأثر له لأن قوله ليس حجة ومقول قول من نقل عن الإمام عليه‌السلام وان كان قوله عليه‌السلام ولكن لم يثبت لنا بالوجدان فما له الأثر غير موجود وما هو الموجود لا أثر له.

فأجابوا بأن تصديق الواسطة يوجب حصول فرد يكون موضوعا لفرد آخر من وجوب تصديق العادل فان الموضوع قبل تطبيق التصديق وان لم يكن ولكن بعد وجوده ولو بواسطة نفس التصديق لا إشكال فيه فيتولد فرد من (١) الطبيعي لقابليته للانحلال على جميع الافراد طوليا أو عرضيا.

فهنا أيضا يشمل اللاضرر للفرد الّذي يتولد منه في طوله أي بعد تطبيقه على مورد من الموارد غاية الأمر يكون في المقام مضادا لهذا الفرد المنطبق عليه ابتداء وفي الاخبار مع الواسطة يكون حكم التصديق في جميع الوسائط متوافقا وهو لا يضر بل صرف استبعاد فقط.

لا يقال كما قال شيخنا النائيني قده في رد هذا الوجه لدفع الإشكال ان الحاكم يكون من شأنه النّظر إلى المحكوم وهو يجب أن يكون مقدما عليه ولا يمكن أن يكون الحاكم متقدما على المحكوم وفي المقام قد عرفت أن اللاضرر يكون حاكما على الأحكام الأولية وفي المقام لا يمكن أن يكون حاكما على الضرر المتولد لأنه متأخر عنه في الرتبة فلا يشمله ولا يحصل التعارض.

__________________

(١) أقول انه لا يخفى أن هذا القدر من البيان لا يكفى الا لإيجاد الموضوع للتصديق طوليا واما إشكال عدم الأثر الشرعي فهو شيء آخر لم يتعرض لجوابه وبحثه في محله فاما أن يقال بكفاية ما يئول إلى الأثر الشرعي بالاخرة لبناء العقلاء أو بغير ذلك.

١٥٧

لأنا نقول لا يكون المدعى في المقام حكومة اللاضرر على اللاضرر الآخر ليشكل بأنه متأخر بل الحكومة في الواقع تكون على الناس مسلطون على أموالهم ولكن يتولد من حكومته عليه ضرر على المالك الآخر وهو الجار مثلا والناس لصاحب الدار محكوم باللاضرر للجار فالفرد وان كان طوليا ولكن إمضائه من الشرع يكون عرضيا يعنى تطبيق الطبيعي على الافراد (١) كما أن الدلالة الالتزامية في طول الدلالة المطابقية ولكن الإمضاء الشرعي وحجيته في عرض واحد فالتعارض في المقام مسلم.

وأما إنكار الكبرى عنه قده وهو أن المرجع بعد سقوط القاعدتين على فرض التعارض والتساقط عموم الناس أو قاعدة الحرج فلان مرجعية العام يكون في صورة تعارض المخصص له مع ما هو في عرضه واما لو خصص عموم بالحكومة وتولد فرد آخر من سنخ الحاكم من هذه الحكومة فتعارض هذين الفردين من افراد الحاكم لا يوجب أن يكون المرجع هو المحكوم.

وبعبارة أخرى مرجعية العام تكون في صورة تعارض الدليلين الذين أحدهما

__________________

(١) أقول توضيحا للمقام ان المراد بمحكومية الناس لا يكون الناس لصاحب الدار الّذي يريد حفر البئر بل هو موافق للاضرر فيكون المراد حكومة اللاضرر للجار على الناس لصاحب الدار ومن المعلوم أن الناس لصاحب الدار مقدم في الواقع على اللاضرر للجار.

ولا يقاس حكومة اللاضرر للجار على اللاضرر لصاحب الدار حتى يقال أن الفردين من الضرر طوليان والإمضاء عرضي بل المحكوم شيء وهو الناس والحاكم شيء وهو اللاضرر وحيث أن ترك تصرف صاحب الدار في ملكه ضرر عليه في عرض تصرفه يعارض مع اللاضرر للجار وما مع المتقدم ليس متقدما يعنى اللاضرر الّذي يكون مع المتقدم الّذي هو الناس ليس متقدما.

ولا يقاس الحكومة بالنسبة إليه فلا يلاحظ طولية الافراد في الضرر في الإمضاء الشرعي أصلا فإذا كان الضرر متولدا من الناس وهو محكوم فلا يلزم محكومية اللاضرر لأنه غير متولد بل موضوعه هو المتولد ـ

١٥٨

مخصص له واما في صورة تعارض فردين من المخصص القطعي فلا : فالقول بمرجعية عموم الناس في المقام غير وجيه لعدم بناء العرف على أمثال ما ذكر.

والجواب عنه قده هو أن إمضاء كل واحد من الخاصّين الطوليين حيث انه في عرض واحد كما مر فلا يضر طولية الموضوع بالتعارض فيصير العام مرجعا إلّا أن الحق مع الخراسانيّ قده حيث يقول بقصور الناس في نفسه فلا يكون مرجعا في المقام.

ثم على فرض الخراسانيّ قده من ان قاعدة الناس لا تشمل المقام يعنى صورة لزوم الضرر على الغير فيكون العام ساقطا من رأسه فعلى فرض التساقط بالتعارض وعدم مرجعيته يجب الرجوع إلى أصل آخر وهو أصالة البراءة عن حرمة التصرف في المال ولكنهم لا يقولون بها في صورة كون الشبهة مصداقية للمال مثل ما يوجد في دار الإنسان ولا يعلم أنه ماله أو مال غيره.

وهنا يكون الشبهة في الحكم فان قلنا بأنها مثل الشبهة في المصداق فلا يجري الأصل وان قلنا بالفرق ففي المقام يجري الأصل فانه مال يكون الشك في حكمه.

ثم اعلم انه على مسلك الشيخ من التعارض لا فرق بين أقوائية الضرر في أحد الطرفين وعدمها فانها لا تصير مرجحة لتقديم اللاضرر في أحد الجانبين لكونه في الشخصين وعدم اندراجه في باب التزاحم.

ثم ان شيخنا النائيني حيث رأى ان مسلك الشيخ موافق للمشهور ولا يمكنه التعدي عنه تصدى لتوجيه في المقام وهو أن الضرر ابتداء لا يكون متوجها إلى صاحب الدار بل إلى الجار لضعف بنيانه وعدم تشييد مبانيه فللمالك التصرف في ماله وللجار تحكيم داره فلا نحتاج إلى القول بالتعارض والتساقط ثم الرجوع إلى أصالة جواز التصرف.

وفيه ان الدار لا يكون الضرر متوجها إليها مع قطع النّظر عن تصرف الجار فان كل أحد يبنى داره بحسب وسعه وهنا لو فرضنا عدمه بحيث لو خلى وطبعه

١٥٩

ووجوده بتصرف الجار يكون توجه الضرر إليه من ناحية الجار لا ابتداء هذا كله في البحث عن مرجعية عموم الناس في التعارض واما مرجعية اللاحرج فهي تكون في صورة كون ترك تصرف صاحب الدار في داره حرجا عليه مع الضرر وضررا على الجار فقط فعلى رأى الشيخ قده يكون التعارض بين اللاضررين ويبقى اللاحرج بلا مزاحم أو يقال بأن اللاحرج لصاحب الدار حاكم على اللاضرر للجار لنظره إليه فيكون موافقا مع قاعدة الناس مسلطون على أموالهم وهي غير محكومة بعد تعارض الضررين.

وفيه ان الحكومة للاحرج ممنوعة لعدم النّظر وعدم كونه في طول اللاضرر بل هما قاعدتان تنفيان جعل الحكم فيعارضه اللاضرر للجار وعلى فرض تسليم الحكومة فلصاحب الدار ثلاث قواعد الناس واللاحرج واللاضرر لعدم معارضة لا ضرر الجار أيضا بعد محكوميته مع اللاضرر لصاحب الدار وهكذا على فرض عدم الحكومة يكون الثلاث في صف واحد اللاحرج واللاضرر في صف المعارضة مع اللاضرر للجار والناس لا يكون مرجعا لقصوره في نفسه وله قده أن يقول بأنه مرجع بعد التعارض.

ولكن التحقيق هنا أيضا الرجوع إلى الأصل لعدم مرجعية الناس وعدم حكومة اللاحرج وهو اما ان يكون أصالة الإباحة في الأموال أو أصالة الحظر على اختلاف فيه في باب البراءة والحق هو الاحتياط في باب الأموال.

ثم انه على فرض القول بجواز تصرف المالك في ماله فهل يجب عليه جبران الضرر المتوجه إلى الجار أم لا فيه خلاف وربما يقال انه يكون كالأكل في المخمصة فان جوازه لا يلزم منه عدم الضمان بالنسبة إلى مال الغير فهكذا في المقام انه ضامن ويجوز له التصرف.

وربما يقال لا يشمله أدلة الضمان بوجه لعدم صدق إتلاف مال الغير ولا من باب شمول قاعدة اليد لأنه لا يد له عليه وصدق السبب على هذا العمل أيضا مشكل

١٦٠