مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٥

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٥

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٦٦

في الوكالة ووظيفة المنوب عنه في النيابة ووظيفة الميت في الإجارة ومن العجب عن شيخنا العراقي قده من انه لو عين كون العمل على طبق وظيفة الأجير تكون الإجارة صحيحة ولكن لا يحصل فراغ الذّمّة به فان الكلام يكون فيما هو الدارج من الإجارة لتحصيل فراغ الذّمّة في العبادات الاستئجارية والجواد قد يكبوا.

وقد تم بهذا ما أردناه من مباحث الاجتهاد والتقليد.

الكلام في قاعدة اللاضرر ولا ضرار في الإسلام

والبحث (١) عنها في مقامات ، الأول البحث في سند القاعدة والثاني البحث عن قياسها مع ساير القواعد والأصول والأمارات والثالث البحث في تنبيهاتها.

والبحث في المقام الأول يكون في جهات الجهة الأولى البحث في الروايات التي تكون سند هذه القاعدة وهي على طوائف : منها ما ورد في حكاية سمرة ومنها ما ورد في حكايات غيرها مذيلة : بها ومنها ما ورد بنحو الكبرى بدون الذيل بقوله عليه‌السلام لا ضرر ولا ضرار.

ثم لا يخفى أن التمسك بالقاعدة في موارد الفقه يكون قليل الفائدة لأنه ثبت

__________________

(١) أقول ان في هذه القاعدة رسالة مختصرة لا تبلغ صحائفها الا خمسة وأربعين بصفحات صغيرة عن شريعة الأصفهاني قده وقد اعتنى الأستاذ مد ظله إليه في بيان هذه القاعدة وهي حاوية لبعض المطالب.

ومن الرسائل التي يكون فيها بيان قاعدة اللاضرر بنحو منقح ومضبوط ما كتبه الشيخ موسى الخوانساري في آخر تقريرات الحاشية على المتاجر للشيخ الأعظم الأنصاري قده عن النائيني قده ويسمى بكتاب منية الطالب وهي قاعدة نفيسة جزى الله المؤلف عن الإسلام خير الجزاء فارجع إليها لو وجدت الكتاب.

كما أن القاعدة منقحة مستقلة في آخر المكاسب أيضا ونبهناك عليها لتكون على زيادة بصيرة في المطالعة وعن ساير الاعلام أيضا رسائل أخر والباحث يجدها.

١٢١

لنا فيه بحسب الاستقراء أن كل مورد يكون تمسكهم بقاعدة لا ضرر يكون له دليل خاص فمن الموارد خيار الغبن ودليله ليس القاعدة بل الشرط الضمني بأن الثمن والمثمن يجب أن يكونا متساويين عند العرف وفي رمد العين وله رواية خاصّة ولكن بحثنا هنا يكون تبعا للقوم ولا يخلو عن فائدة.

ثم ما ورد في حكاية سمرة موثقة رواها زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام أن سمرة بن جندب كان له عذق في حائط رجل من الأنصار وكان منزل الأنصاري بباب البستان وكان سمرة يمر إلى نخلته ولا يستأذن فكلمه الأنصاري أن يستأذن إذا جاء فأبى سمرة فجاء الأنصاري إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فشكا إليه وأخبره بالخبر فأرسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأخبره بقول الأنصاري وما شكاه فقال إذا أردت الدخول فاستأذن فأبى فلما أبى ساومه حتى بلغ من الثمن ما شاء الله فأبى أن يبيعه فقال لك بها عذق في الجنة فأبى أن يفعل فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للأنصاري اذهب فاقلعها وارم بها إليه فانه لا ضرر ولا ضرار (١).

وقد نقل هذه الرواية بطريق الحذاء (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام إلّا أنه بعد الآباء قال ما أراك يا سمرة الا رجلا مضارا اذهب يا فلان فاقلعها وارم بها وجهه.

وقد أشكل عليها بالضعف من حيث السند بعمل الأصحاب مثل الشيخ قده في الخلاف في خيار الغبن وابن زهرة في خيار العيب.

ومن الروايات المذيلة ما ورد في أبواب الشفعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن وقال لا ضرر ولا ضرار وقال إذا أرفت الأرف وحدت الحدود فلا شفعة (٣).

ومنها ما عن عقبة بن خالد قال قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بين أهل المدينة في

__________________

(١) في الوسائل ج ١٧ باب ١٢ من أبواب إحياء الموات ح ٣.

(٢) في الباب المتقدم ح ١.

(٣) في الوسائل ج ١٧ باب ٥ من أبواب الشفعة ح ١

١٢٢

مشارب النخل أنه لا يمنع نفع الشيء وقضى بين أهل البادية أنه لا يمنع فضل ماء ليمنع فضل كلأ فقال لا ضرر ولا ضرار (١).

واما ما ورد بنحو الكبرى ففي المستدرك (باب ٢ من أبواب إحياء الموات ح ٢) وروينا عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لا ضرر ولا ضرار.

ومنها أيضا رواية دعائم الإسلام (في المستدرك ج ٣ ص ١٥٠ باب ٩ من أبواب إحياء الموات ح ١) (١) ثم ان الاستدلال اما يكون بالكبرى في غير مقام التطبيق بعد جبر ضعف السند فيما ورد بنحو الكبرى أو بالتطبيق على الموارد فان صح لنا اتخاذ الكبرى مما ذكر فهو وإلّا فلا تصير هذه قاعدة في جميع الموارد.

وقد أشكل على الكبرى في رواية سمرة بان الضرر وان كان متوجها إلى الأنصاري بواسطة مزاحمة سمرة لأهله وينطبق الكبرى ولكن القلع لا معنى له فانه من الممكن رفع الضرر بغير هذا الطريق.

واما في روايتي الشفعة ومنع الماء فلا تطبيق لها أصلا لأن حق الشفعة للشريك وان كان مصلحة له وعدم وجود المزاحم له ولكن لا يكون في كل الموارد هكذا بل ربما يكون البيع مع مشتر يكون أصلح من الشريك السابق لهذا فيكون مورده النّفع فلا يكون السر في جعل حق الشفعة في أكثر الموارد هو الضرر.

واما في قضية منع الماء والكلاء فيكون من باب تصرف الناس في أموالهم والتصرف في المال يكون لازمه عدم إيصال النّفع إلى الغير ولا يجب علينا أن

__________________

(١) في الوسائل ج ١٧ باب ٧ من أبواب إحياء الموات ح ٢

(٢) أقول وفي الوسائل أيضا في ج ١٧ باب ١٢ من أبواب إحياء الموات ح ٥ عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث قال لا ضرر ولا ضرار.

ثم اعلم ان الأحاديث في غير أبواب الشفعة وإحياء الموات توجد في باب ١٧ من أبواب الخيار في ج ١٢ من الوسائل ح ٣ و ٤ و ٥ أيضا فان شئت فارجع.

١٢٣

لا نتصرف في أموالنا ليصل النّفع إلى الغير فان الناس مسلطون على أموالهم فيمكن أن يكون التطبيق من اشتباه الراوي لتوهمه الضرر أو وجه آخر.

وقد أشكل ثانيا بأن القاعدة على فرض ثبوتها تكون من الأحكام الثانوية الحاكمة على الأحكام الأولية واللازم من الأخذ بها في قضية منع الماء الّذي يكون نهيه تنزيهيا من باب الكراهة هو عدم الحكومة لأن النهي التنزيهي ليس بإلزامي حتى يكون القاعدة حاكمة لأن ورودها يكون في الأحكام الإلزامية فيكون التطبيق في قضية سمرة والشفعة غير مشكل من هذا الباب ولكن يكون الإشكال في قضية منع الماء.

ولكن يمكن الجواب عن هذا الإشكال بأنه لا فرق بين الحكم الإلزامي والتنزيهي فان بقاء الكراهة أيضا كلفة على العباد فكما هي مرفوعة بالبراءة كذلك بالقاعدة.

وقد أشكل ثالثا بأن الرواية في الشفعة لا يكون لازمها الا فقها جديدا لأن أصل البيع لا يكون ضرريا للشريك بل يلزم منه الضرر على الغير فعليه يجب أن يكون كل ما هو من مقدمات الضرر على الغير مرفوعا بالقاعدة وهو كما ترى لأن لازمه هو أن يكون بيع القصاب للحم والخباز للخبز أيضا ضرريا بمعنى معدّيته للغيبة والزنا وكل فعل محرم كان منشؤه القوة بواسطة هذا البيع ولم يقل به أحد.

وثانيا ان البيع يكون صحيحا في الشفعة وللشريك الرجوع إلى المشتري بالثمن الّذي اشتراه فيكون الأثر الوضعي مترتبا والمراد بنفي الضرر نفى الأثر الوضعي فكيف يقال ان بيع الشفعة من موارد الضرر الّذي تنطبق عليه القاعدة.

وقد أجيب عن هذا الإشكال بوجهين الأول ان الضرر في القاعدة لا يكون علة للحكم حتى يجب وجوده في كل مورد بل يكون حكمة ففي صورة عدمه أيضا كما في الموارد التي تراها من عدم التطبيق يكون الحكم وان لم يكن الضرر موجودا فقد دفع الإشكال بهذا المقال ويكون مثل حكمة جعل العدد لعدم اختلاط المياه.

١٢٤

لا يقال إذا كان الحكم على شيء ويكون معلقا على شيء آخر يكون الظاهر عند الدوران بين العلة والحكمة الحمل على العلة لا الحكمة مثل ما يقال الخمر حرام لسكره فان العلة هي الإسكار فالحمل على الحكمة خلاف الظاهر فلا بد من كون الضرر علة ولا تطبيق هنا.

لأنا نقول ان هذا مسلم على فرض عدم القرينة على خلافه وفي مقامنا هذا لا طريق إلى القول بالحمل على الحكمة من باب عدم الانطباق.

واما الجواب عن الإشكال بعدم الجامع بين النهي التنزيهي والإلزامي فهو أن الجامع هو الضرر والخصوصيات تفهم بدال آخر ففي المقام يكون التنزيه مستفادا من القرينة في المورد مضافا بان الضرر له مراتب فمنه ما يكون حكمة ومنه ما يكون علة.

الثاني هو الّذي قالوا به ويكون المختار أيضا كذلك وهو ان القاعدة في الروايات منطبقة ويكون الضرر فيه موجودا.

واما الرواية التي تكون في الشفعة فبيان الضرر فيها ان نقول بان الضرر لا يكون علة للحكم ولا حكمة له (١) بل يكون غاية له فان البيع إذا كان فيه حق الشفعة يكون ناقصا وغير صالح لترتيب الآثار المترتبة على البيع الكامل فحكم الشارع بكمال هذا البيع يكون غايته الضرر على الشريك فرفع هذا الحكم الضرري لذلك فيكون رفعه بهذا اللحاظ فلا يكون البيع ضرريا من أصله بل لزومه ضرري فرفع ما هو ضرري وحده.

وتوهم ان البيع إذا كان صحيحا فالمشتري يكون له التصرف والناس مسلطون على أموالهم وكذا البائع فقاعدة التسلط تمنع عن المنع عن التصرفات والنقص.

__________________

(١) لا يخفى ان الضرر في المقام أيضا حكمة أو علة ولكنه لعدم جعل الناقص من البيع تاما وعدم عليته لأصل البيع الضرري لا يكون إلّا من جهة عدم المعلول.

١٢٥

مندفع (١) بان قاعدة الناس مسلطون إلخ تكون قاصرة الشمول للمقام فانها تكون في صورة عدم الإضرار بالغير واما عند لزومه فلا وكذلك بالنسبة إلى المشتري فان القاعدة لا توجب عدم الشفعة للشريك لأن المعاملة أحدثت ملكا ناقصا.

واما تطبيق القاعدة على مورد الماء فائضا مما لا إشكال فيه لأن الناس لهم حق بالنسبة إلى المياه الجارية الكثيرة فان الوضوء والشرب وكذلك ساير المنافع من المياه بحيث لا يزاحم المالك في التصرف يكون حقا للناس في أموال الغير والدليل عليه السيرة فانه لا يسأل أحد عن حكم شرب الماء من نهر ومن انه هل يكون لرضاء مالكه دخل أم لا وما وصل ردع عن عملهم إلينا فيكون هذا حقهم فحكم عليه‌السلام بان المالك لا يكون له منع الناس عن حقهم لأنه ضرر عليهم بمقتضى قاعدة اللاضرر.

والحاصل من جميع ما تقدم أن هذه الكبرى مسلمة سندا ودلالة وما ورد بلسان الكبرى كرواية دعائم الإسلام التي مرت في عداد الروايات وان كان ضعيفا ولكن ضعفه منجبر بعمل الأصحاب على هذه القاعدة بنحو الكبرى.

الجهة الثانية في البحث عن أن هذه الرواية هل تكون مذيلة بكلمة في الإسلام أو في الإيمان فيكون التعبير لا ضرر ولا ضرار في الإسلام أو الإيمان أم لا فيه خلاف ولكن لا يكون في إثباته كثير فائدة.

وربما يتخيل ان المناسب لمبنى الشيخ الأنصاري هو وجود كلمة في الإسلام لأن مراده بنفي الضرر هو عدم الوجود التشريعي ولكن لا وجه لهذه المناسبة في خصوص مبناه قده بل على مبنى غيره أيضا لا يكون النفي إلّا بلحاظ عدمه في الإسلام وعالم التشريع لا التكوين لأن الضرر فيه موجود لا محالة وفي صورة الشك وان كان أصالة عدم الزيادة في ساير الموارد مقدمة على أصالة عدم النقيصة لأن الزيادة

__________________

(١) قصور القاعدة ان كان من حكومة قاعدة لا ضرر عليها فسيجيء منه مد ظله عدم حكومتها عليها لأن كلتيهما دليلان امتنانيان.

١٢٦

تحتاج إلى زيادة عناية بخلاف النقيصة فانها يكون السهو بالنسبة إليها موافق الطبع ولكن في المقام لا يمكننا ان نقول بالتقدم لأن زيادة هذه الكلمة موافقة لطبع (١) راوي الحديث لأنه يبين أحكام الإسلام.

الجهة الثالثة في بيان فقه الأحاديث

فنقول اما كلمة الضرر والضرار فقد اختلف كلمات اللغويين والأصوليين فيها وقد نقل الشيخ الأعظم قده جملة من كلمات أهل اللغة في الرسائل في مقام بيان هذه القاعدة مثل كلام الصحاح وابن أثير وصاحب القاموس وربما يفهم منها وحدة معنى الضرر والضرار وربما يفهم من بعضها ان الضرر هو النقص وهو الفعل الواحد والضرار هو فعل الاثنين لأنه من باب المفاعلة وقال الخراسانيّ قده انهما بمعنى واحد.

ولكن الّذي يجب التدبر فيه هو أن كلام اللغوي لا يكون حجة من حيث كونه لغويا بل من حيث بيان موارد الاستعمالات فربما نجد الاستعمال خلاف ذلك فان الضرار في قوله تعالى الذين يتخذون مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين الآية لا يكون معناه المفاعلة في الضرر وكذلك في قضية سمرة مع الأنصاري لا يكون أحدهما ضارا بالآخر وبالعكس حتى يصدق المفاعلة بل الضرر من ناحية سمرة بالنسبة إلى الأنصاري فقط مع أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال انك رجل مضار فلا يستفاد الاثنينية في هذا الكلام ولكن يمكن أن يقال ان الفرق بين المصدر واسمه يكون في المقام (كما في الفارسية يقال گفتن مصدر است وگفتار اسم مصدر) فنقول في المقام الضرر هو اسم المصدر والضرار هو المصدر ومعنى الأول هو النقص ومعنى الثاني (٢)

__________________

(١) أقول هذا الوجه أيضا مما لا يكون موجبا للقول بعدم جريان أصالة عدم الزيادة لأن الراوي مقتضى عدالته هو عدم زيادة ما لم يكن في قول الإمام عليه‌السلام من نفسه والّذي يسهل الخطب عدم الدخل في إثباتها وعدمها في الفقه.

(٢) وفيما مر من الرواية الواردة في المستدرك ج ٣ ص ١٥٠ باب ٩ وهو ـ

١٢٧

التصدي للنقص وفعله.

وما عن بعض أهل اللغة من أن الضرر يكون صدقه على المال إذا نقص والضرار يكون صدقه في نقص العرض مثل عرض الأنصاري في القضية فائضا لا وجه له لأن الضرر في العرف يكون صادقا على المعنى الأعم من ضرر العرض والمال والنّفس ولا وجه للقول بأن الضرار هو المجازات على الضرر والضرر هو النقص.

كما احتمله الشيخ الأنصاري قده (١) وقال انه مأخوذ من احتمال كون الضرار هو فعل الاثنين أيضا لما مر فلا يكون المعنى واحدا بالوحدة التامة كما عن الخراسانيّ قده ولا متضادا بهذا الاحتمال بل النقص والتصدي له لا يكون في الإسلام مجعولا.

ثم ان التقابل بين النّفع والضرر ربما يقال انه التضاد لكن ليس هذا هو التضاد المشهور من عدم اجتماع الأمرين الوجوديين في موضوع واحد لأن الضرر هو النقص وعدم الكمال فيكون التقابل تقابل السلب والإيجاب كالوجود والعدم وربما يكون التقابل من باب العدم والملكة كما يصدق الضرر فيما من شأنه أن يكون فيه النّفع إذا منع من اقتضائه مانع مثل أن يمنع شخص عن إشراق الشمس على زراعة زيد فلم تصل إلى حد الكمال فعدم ما من شأنه هو الزيادة والكمال يصدق عليه الضرر ويقال حصل الضرر ومن هنا يظهر أن عدم النّفع في

__________________

ـ باب عدم جواز الإضرار بالمسلم في ذيل ح ١ في نسخة لا ضرر ولا إضرار بعد نقل لا ضرر ولا ضرار وتلك النسخة توافق هذا المعنى.

(٢) ولا يبعد هذا الاحتمال من جهة ان المجازات على الضرر أيضا غير مجعولة في الإسلام كما انه في من كسر كوز الغير لا يقال اكسر كوزه والتبديل بالمثل أو القيمة كلام آخر نعم في بعض الموارد مثل باب القصاص يكون الحكم كذلك ولكنه خارج عن مورد البحث بالتخصيص.

١٢٨

جميع الموارد لا يصدق عليه الضرر فان زيدا إذا لم يكن له مال ليتجر به فلا يقال ان زيدا وقع عليه الضرر بل لم ينفع من باب عدم المقتضى له.

والحاصل هنا ثلاث معان : الأول هو النقص عن مرتبة كمال الشيء بعد حصوله وهو يصدق عليه الضرر قطعا والثاني هو منع اقتضاء ماله اقتضاء النّفع وهو أيضا يمكن أن يقال أنه ضرر وربما يختلف صدقه وعدمه حسب اختلاف الموارد والثالث هو عدم حصول النّفع في مورد لا يكون له اقتضاء أيضا وهذا لا يصدق عليه الضرر قطعا فعدم النّفع ربما يصدق عليه الضرر وربما لا يصدق.

هذا كله في البحث عن معنى الضرر والضرار واما النفي المتوجه إليه بقوله عليه‌السلام لا ضرر ولا ضرار فقد احتمل فيه احتمالات خمسة.

الأول (١) ما عن الشيخ الأنصاري قده من أن المراد بالنفي هو نفي الضرر حقيقة أي لا ضرر في الوجود حقيقة لا مجازا ولا ادعاء ولكن حيث يكون وجود الضرر التكويني في عالم الناسوت حقيقة كما في وجود سمرة قيل انه منفي حقيقة في عالم التشريع وسيجيء البحث فيه وهو الحق عندنا.

الثاني ما هو المختار للمحقق الخراسانيّ في الكفاية وحاشية الرسائل وحاشية المكاسب وهو أن الضرر حيث لا يمكن أن يكون معدوما حقيقة يكون معنى النفي هو عدم الضرر ادعاء حقيقة كما يستفاد من الآيات والروايات وبلحاظ نفيه ادعاء ينتفي آثاره وهو الحكم عليه فلا يجب تحمله لأنه منفي والحاصل لا يكون الحكم على موضوع ضرري من دون تقدير الحكم بأن يقال لا حكم ضرري أو لا حكم ضرري غير متدارك مع اختلاف التعبير في الكتب وسيجيء زيادة التوضيح.

__________________

(١) أقول عبارة الشيخ في الرسائل يكون فيها خلاف هذا التعبير فانه قال في ص ٢٩٦ فاعلم ان المعنى بعد تعذر إرادة الحقيقة عدم تشريع الضرر بمعنى أن الشارع لم يشرع حكما يلزم منه الضرر على أحد تكليفيا كان أو وضعيا وسيجيء منه مد ظله أن مراده قده ليس على ما يفهم من هذه العبارة.

١٢٩

الثالث هو ان يكون المرفوع هو الضرر حقيقة ولكن النوع الخاصّ منه وهو الضرر الناشئ من حكم الشرع فانه لا حكم ضرري في الشرع فلا يكون الضرر في عالم التشريع حقيقة.

والرابع هو أن يكون المرفوع هو الضرر حقيقة ولكن الضرر الّذي لم يكن متداركا لا يكون فغصب المال من دون الحكم بردّه أو ردّ عوضه ضرر على المالك ولكن معه لا يكون ضررا واقعا.

الخامس هو أن يكون المراد بالنفي النهي يعنى لا تضرر كما عن شريعة الأصفهاني قده وأمثاله في الشرع كثيرا كما يقال يعيد الصلاة لمن ترك السورة أي يجب الإعادة أو يقال فلا رفث ولا جدال ولا فسوق في الحج مع أن الجدال وغيره يصدر من الناس أو يقال المؤمنون عند شروطهم مع أنهم يخالفون الشرط فمعنى جميع ما ذكر هو النهي عن ذلك ولا ضرر أيضا كذلك وهذا هو الاخبار في مقام الإنشاء ولتمامية وجود المقتضى يخبر بوجود المقتضى.

ثم انه بعد نقل الأقوال ينبغي البحث في الإشكالات التي ترد على ساير المقامات غير مقالة الشيخ التي تكون موافقة للتحقيق.

اما مقالة الخراسانيّ فيرد عليها بأن المراد بهذه الجملة اما هو الاخبار بعدم الضرر أو الإنشاء وهو النهي عنه اما على الأول كما هو مختاره قده فان المراد بالنفي اما هو نفي البسيط بمعنى تعلقه بهذا العنوان الخاصّ وهو الضرر أو المركب بان يقال لا موضوع ضرري وعلى كلا المعنيين لا وجه للقول بأن النفييكون ادعاء لا حقيقة.

اما على الأول وهو النفي البسيط فلان المراد بالنفي نفي الآثار عن الضرر وهو غير ممكن لأن الضرر يكون منشئا لأثره ولا يمكن أن يكون ما هو علة الضرر غير علة له فان آثار الشيء مترتبة عليه لا محالة.

واما على الثاني فلان تقدير الموضوع خلاف الأصل وخلاف الظاهر لأنه يحتاج إلى قرينة مفقودة في المقام وليس معنى لا ضرر أي لا وضوء ضرري ولا غسل

١٣٠

ضرري وهكذا مع إمكان أن يكون المنفي هو نفس الضرر.

مضافا بأن الوضوء الضرري (١) لا يكون عليه حكم حتى يكون نفي هذا الموضوع موجبا لنفي اثره وهو الحكم ضرورة أن الشارع يكون حكمه على الوضوء الغير الضرري لا على الوضوء الضرري.

وقد صار بعض تلامذته قده بصدد ذب الإشكال عنه فقال ان الوضوء الضرري من غير ناحية الضرر يكون عليه الحكم فالحصة التي يكون عليها الحكم لو لا الضرر يكون الحكم مرفوعا عنها بعلة الضرر.

وفيه أولا أنه لا وجه لجعل النفي مرآتا عن الخارج ليرى الموضوع الضرري فيه مع خلعه عن الضرر وفرض الحكم له بعد إمكان كونه مرآتا عن الحكم بأن يقال ليس الحكم الّذي هو الضرر في الإسلام كما سيجيء.

وثانيا (٢) ان هذا الحكم لا يكون إطلاقه صحيحا من باب انه يكون في الإسلام أحكام على الموضوعات الضررية حتى مع الضرر كما أن الحج يكون ضرريا ويكون عليه الحكم حتى مع فرض الضرر.

وثالثا أن نفي الموضوع لا يلزم أن يكون في جميع الموارد بلحاظ نفي الحكم حتى يكون النفي الادعائي للموضوع نفيا للحكم بل الموضوعات المجعولة من ناحية الشرع أيضا قابلا للرفع والنفي ابتداء فان (٣) المعاملة الغبنية من الموضوعات التي قابلة للنفي

__________________

(١) وأقول ان عدم الحكم على الوضوء الضرري ان كان بدليل آخر غير اللاضرر فلا كلام فيه وان كان من جهته وبسببه فاقتضاؤه للحكم كاف كما يقال مثله في رفع ما لا يعلمون فان الامتنان صار سببا لرفع الحكم عما فيه اقتضائه.

(٢) سيجيء أن القاعدة لا تشمل الأحكام المجعولة على الموضوع الضرري كالحج والجهاد ومراده قده أيضا ليس الإطلاق بل النفي بعد فرض الاقتضاء كما مر.

(٣) أقول نفي الموضوع الشرعي أيضا يكون بلحاظ نفي أثره فان المعاملة والصلاة بعد وقوعها في الخارج لا معنى لنفيها حقيقة الا الحكم بعدم الصحة وعدم وجوب الوفاء فلا معنى لنفي الموضوع كذلك حقيقة.

١٣١

شرعا حقيقة لا بلحاظ الحكم كما يقال لا صلاة لجار المسجد الا في المسجد أو لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب.

هذا كله إذا كان المراد بالنفي الاخبار واما الإنشاء فهو يرجع إلى مقالة الشريعة الأصفهاني قده ولا يقول به مع كونه غير تام أيضا كما سيجيء فكلامه قده (١) لا يتم في معنى اللاضرر.

واما القول بأن المراد من النفي هو نفي نوع خاص من الضرر وهو الحكم به

__________________

(١) أقول نحن ننقل العبارة عن الرسائل وعن حاشية الخراسانيّ عليها وعن الكفاية ليسهل القضاوة عليك اما عبارة الرسائل فهي ان النفي بمعنى أن الشارع لم يشرع حكما يلزم منه ضرر على أحد وضعيا كان أو تكليفيا.

فقال في الحاشية ص ١٥٩ أو بمعنى أن الشارع لم يشرع جواز الإضرار بالغير أو وجوب تحمل الضرر عنه ولا فرق بين العبارتين في بدو النّظر على ما هو الظاهر إلّا أن كلام الشيخ قده أعم لأنه يشمل الأحكام الوضعيّة والتكليفية.

وعبارة الخراسانيّ ظاهرة في الأحكام الوضعيّة فلا يفهم منها نفي الحكم بلسان نفي الموضوع حتى يشكل عليه بما أشكل مد ظله لأن جواز الإضرار حكم وعدم الوجوب أيضا حكم.

واما عبارته في الكفاية فهي ان الظاهر أن يكون لا لنفي الحقيقة كما هو الأصل في هذا التركيب حقيقة أو ادعاء كناية عن نفي الآثار انتهى وانك ترى أنه لم يعين الادّعاء حتى يشكل عليه بما أشكل بل جعل الحقيقة أيضا عدله ولم يكن نفي الحكم بلسان نفي الموضوع.

ولعله قده حيث نظر إلى أن الحكم الضرري بنفسه ضرر رأى إمكان النفي حقيقة وحيث رأى أن الحكم بالفارسية فرمان است وضرريته من ناحية الموضوع فجعل عدل الحقيقة الادعاء.

فهو قده لم يقل بما يكون صريحا في المخالفة مع مقالة الشيخ قده بل بهذا التعبير بينه بأضبط بيان ولم يكن عبارته في الكفاية مخالفة لما في حاشيته على الرسائل فتدبر فيه ومثاله ببعض الموضوعات أيضا كان لهذه النكتة.

١٣٢

حتى يكون المرفوع هو الحكم الضرري وان توهم أن هذا هو مراد الشيخ قده ولكن ليس كذلك وأن كان عبارته في الرسائل موهمة لذلك لأنه خلاف ظاهر العبارة فان قوله عليه‌السلام لا ضرر لا يكون فيه إضافة نوع خاص بأن يقال لا ضرر في الإسلام الضرر الّذي هو الحكم لا غيره.

ونحن نثبت في آخر الكلام أن المراد هو النفي في التكوين حقيقة وقال الخراسانيّ قده ذكر الضرر وإرادة الحكم كلام مستشبع ومر أن كلامه أيضا كذلك من جهة قوله بالنفي ادعاء.

وأما القول بان المراد بالضرر هو الضرر الغير المتدارك فهو أيضا غير وجيه لأن لازمه أما خلاف أصالة الحقيقة لأن القيد لازمه هو عدم استعمال الضرر في معناه الحقيقي بل المعنى المجازي وهو غير المتدارك ومع صدق الضرر عليه يكون النفي مجازا واما خلاف أصالة الإطلاق بعد عدم الدليل على هذا القيد فان الضرر مطلق فكيف يقيد بهذا القيد.

مضافا بأن الشيخ قده يقول في المكاسب ان أكثر الضرر غير متدارك والحكم بالتدارك غير التدارك فان الناس يأكل بعضهم أموال البعض ظلما ولا يتدارك.

ولكن يمكن دفع هذا الإشكال بأن معنى التدارك هو انتقال العوض إلى ذمة المتلف فان كان مثليا مثله وان كان قيميا قيمته ولا معنى للتدارك الا هذا لا التدارك الخارجي وهو وصول العوض إلى صاحب المال فما جاء في العهدة هو التدارك.

وقد أشكل على هذه المقالة شيخنا النائيني قده بأن لازم القول بأن المراد بالضرر هو الضرر الغير المتدارك هو أن يكون الماهية مع إشراب الوجود مصب الحكم والمفروض ان الحكم يكون على الطبيعة وهي الضرر فالمنفي هو الضرر لا الضرر الّذي يكون متداركا في الخارج.

وفيه ان هذا لا يتم لأن المراد هنا أيضا هو الطبيعة على فرض الوجود والنفي تعلق بالضرر الغير المتدارك لوجود حقيقة في الخارج فلا يكون المسلوب هو الضرر

١٣٣

الموجود بل ما هو مفروض الوجود وهذا لا إشكال فيه.

فتحصل أن الإشكال هو أن هذا القيد مما لا دليل عليه في العبارة ومخالف اما لأصالة الإطلاق أو لأصالة الحقيقة على فرض تسليم وجوده فلا يتم هذا المعنى أيضا.

واما القول الخامس وهو ما عن شريعة الأصفهاني قده وهو أن المراد بالنفي هو النهي فقوله عليه‌السلام لا ضرر يكون مثل قوله تعالى ولا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج أو قوله عليه‌السلام فيمن ترك السورة يعيد الصلاة بمعنى الأمر بالإعادة ومرجعه إلى حرمة الإضرار.

فهو أيضا لا يتم لأن مدخول لا إذا كان الفعل يمكن أن يكون نهيا وأما إذا كان اسما كما في المقام فلا وجه للقول به واما الاستشهاد بما مر وكون المراد بالنفي النهي كناية فهو أيضا غير وجيه عندنا بحسب المبنى فان استعمال الجملة الاخبارية في الإنشاء غير صحيح.

لأن الاخبار يجب أن يكون اخبارا عما سيقع أو ما وقع وفي المقام لا يمكن ان يكون كلمة يعيد اخبارا عن الحكم بالإعادة لأن الاخبار يتوقف على وجود الحكم قبله ووجوده يتوقف (١) على هذا الاخبار فيدور لأن الحكم متوقف على الاخبار وهو عليه وهذا دور واضح ولا وصول للحكم بغير هذه العبارة.

سلمنا ولكن في المقام تكون القرينة على العدم موجودة وهي إمكان حمل النفي على معناه الحقيقي.

وربما أشكل عليه بأن القاعدة امتنانية وربما يكون النهي عن الإضرار ضررا

__________________

(١) أقول ان وجوده متوقف على علله والكلام في أن الجملة الاخبارية كاشفة أم لا وتكون شبهة في كشف الجملة الاخبارية عن الحكم كما في قوله يعيد الصلاة أو لا يعيد ومثل قوله المؤمنون عند شروطهم وهذا دارج عند العرف أيضا وإلّا فلا يبقى معنى لهذه الجملات وقد عرضت عليه مد ظله في ما سبق هذا الإشكال في ساير الموارد المناسب ولم يأتني بمقنع بل مال إليه فلا إشكال من هذه الجهة عندنا.

١٣٤

على المخاطب فكيف يمكن أن يتوجه الحكم إليه مع لزوم الضرر.

وفيه ان الامتنانية مسلمة ولكن الامتنان على الأمة ولا ضير في النهي المتوجه إلى الشخص إذا كان ضررا عليه وامتنانا على الأمة.

ثم أن الشيخ قده قال ولو فرض كونه نهيا يكون من النواهي التي يستفاد منها الوضع وهو ضمان العوض بالمثل أو القيمة وهذا كان مراعاة لمسلكه الّذي هو استفادة الأحكام الوضعيّة من الأحكام التكليفية.

وفيه ان المبنى لو كان صحيحا لا يلزم أن يكون كل نهى منشأ لاستفادة الوضع فمن الممكن أن يكون النهي لصرف الحرمة التكليفية كما في النهي عن البيع وقت النداء فاستفادة الوضع تحتاج إلى قرينة فالحرمة لا تكشف عن الفساد.

إذا عرفت ما ذكرنا في هذه الأقوال. فنقول ان الحق كما مر هو القول الأول عن الشيخ الأنصاري قده والناظرين بعبارته في الرسائل وان توهموا أنه هو القول بأن المنفي هو النوع الخاصّ من الضرر وهو الضرر الناشئ من الحكم ولكن ليس كلامه قده على ما فهمنا من أساتيذنا (١) هكذا بل مراده هو النفي المطلق في التكوين لا التشريع.

وتوضيحه ان المنفي عند الشرع يجب أن يكون مهار وضعه بيد الشرع تكوينا حتى يرفعه كذلك فانه إذا ورد رفع ما لا يعلمون يجب أن يكون مهار الوضع والرفع بيد الشارع ليصح القول بأنه مرفوع وفي المقام قوله عليه‌السلام لا ضرر معناه ان الحكم (١) الّذي يكون هو عين الضرر في التكوين يكون مرفوعا في التكوين

__________________

(١) أقول انه قد مرّ أن ضررية الحكم بضررية الموضوع وإلّا فليس هو إلّا ما يعبر عنه بالفارسية فرمان وليس هو مصداق الضرر فالموضوع الضرري حكمه مرفوع وحيث أن الحكم على موضوع ضرري يحسب من علله عند العرف فيقال الحكم ضرري أي من مناشئ الضرر الفعلي.

وحيث أن الإسلام ليس إلّا القوانين الموضوعة فمعنى لا ضرر نفي الحكم ـ

١٣٥

ومنفيا فيه فإن الوجود التكويني للحكم عين الوجود التشريعي فتكوينه هو تشريعه فلا نحتاج إلى تقدير الموضوع كما عن بعض عبارات الخراسانيّ قده ولا تقدير الحكم كما هو القول بالنوع الخاصّ ولا كون المراد بالنفي هو النهي ولا تقدير صفة التدارك بل الضرر منفي حقيقة.

فلا ضرر معناه لا حكم يكون مصداق الضرر ولا يخفى أن هذا لا يكون معناه أن المراد بالضرر هو النوع الخاصّ منه الّذي هو الحكم كما توهم في بعض الاحتمال بل الضيق في المنفي بذاته فان الحكم الّذي هو الضرر لا يكاد يمكن أن يكون غيره فلا يكون من جهة تقدير الحكم بأن يقال لا حكم ضرري في الإسلام حتى يقال انه خلاف الظاهر بل هذا النحو من الحكم لا يقبل الإطلاق حتى يقيد بالقيد ولا يكون المراد بالضرر على هذا هو سبب من أسبابه يعنى الحكم ليقول الخراسانيّ قده يكون هذا ركيكا في الاستعمالات.

ثم ان شيخنا النائيني قده (١) قال قال بأن نفي الحكم الضرري ثم نفي الحكم بلسان نفي الموضوع ثم كون المراد من النفي النهي ثم كون المراد من الضرر هو غير المتدارك كل واحد من الأربع يكون في طول الآخر بالترتيب بحيث يكون الاستظهار للثاني بعد عدم إمكان استظهار الأول وهكذا مع الغمض عما ذكرنا في بيان مقالة الشيخ قده فانه هو المتعين عنده.

ثم ان نفي الحكم بلسان نفي الموضوع الّذي يكون مختار الخراسانيّ قده وضيّف مقالة من قال بأن النفي متعلق بالحكم الضرري كما هو المحتمل بعض الاحتمال

__________________

ـ الّذي يكون من اجزاء وقوع الضرر خارجا على الناس فما هو المنفي هو وجهة توجهه إلى الشارع وأما تكوينه فهو غير قابل للجعل والرفع فمن توضأ بوضوء ضرري يتوجه عليه الضرر لكن لا من قبل الحكم بل من سوء اختياره.

والحاصل بهذه العناية ينفي الضرر ويصدق أنه ضرر وإلّا فهو العلة في الواقع لو فرض ثبوته فتدبر.

(١) أقول انه في قاعدة اللاضرر في منية الطالب ص ٢٠٥.

١٣٦

في كلام الشيخ قده أيضا مثل نفي الحكم الضرري فان كان خلاف الظاهر تقدير الحكم كذلك يكون تقدير الموضوع أيضا خلاف الظاهر مع أن الشيخ قده كما مر لا يكون مراده نفي الضرر بلسان نفي سببه وهو الحكم.

لا يقال ان الضرر يكون من الأمور التوليدية وهو يكون توليده عن الموضوع مثل الوضوء للمريض والغبن في المعاملة الغبنية واما الأحكام فلا يكون الضرر متولدا منه لدخل إرادة المكلف أيضا في الامتثال فلا يتولد من الحكم ضرر بدون إرادة العبد حتى يكون النفي سببا لنفي المعلول وهو الضرر.

لأنا نقول هذا ادعاء محض فان الأحكام الوضعيّة مثل ما ورد في باب المعاملات كلها توليدية فان الحكم بلزوم المعاملة الغبنية يكون ضررا على العبد وكذلك الحكم بعدم ضمان من أتلف مال الغير وفي التكليفيات وان كان لإرادة العبد دخل ولكن العبد المطيع بعنوان أنه مؤمن لخطابه بيا أيها اللذين آمنوا يكون إرادته محكومة لإرادة مولاه فكأن الضرر يكون متولدا من حكم المولى بوجوب الوضوء الضرري والحاصل أن التوليدية العرفية صادقة بالنسبة إليها أيضا.

ثم ينبغي التنبيه على أمور

الأول هو الإشكال بما في ذيل الحديث الشريف من امره صلى‌الله‌عليه‌وآله بقلع شجرة الأنصاري ورميها وجهه فان اللاضرر ينفي ما هو الضرر وهو هنا يكون دخول الأجنبي وهو سمرة على دار الأنصاري بدون اذن واما القطع فهو حكم خارج عن مفاده فما لا يشمل مورده كيف يمكن الاستدلال به في ساير الموارد والحاصل انه ينفي الحكم ولا يثبت حكما آخر.

وقد أجيب عنه بأن المنفي هو الدخول بلا أذن لا غير ولكن حيث أن سمرة لا ينتهي بنهي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا يرضى حتى يكون له عذق في الجنة أو في الدنيا بأضعاف كان امره صلى‌الله‌عليه‌وآله من باب الولاية على الأموال والأنفس فان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أولى بالمؤمنين من أنفسهم.

١٣٧

لا يقال ان الحديث يكون في مقام بيان حكم امتناني على الناس وقاعدة الناس مسلطون على أموالهم أيضا قاعدة امتنانية فقطع يد سمرة عن شجرته يخالف الامتنان.

لأنا نقول قاعدة الناس امتنانية ولكن محكومة لقاعدة لا ضرر فان الناس مسلطون على أموالهم في صورة عدم الإضرار بالناس من حيث العرض أو المال أو النّفس فليس لمن يكون عصاه ما له أن يحركه بحيث يوجب عماء بصر الغير.

وقد أجيب عن أصل الإشكال بأن المقام مقام التعارض بين سلطنة سمرة على ماله وسلطنة الأنصاري على عرضه فحيث يكون العرض مقدما على المال امر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بقطع عذقه لعدم إمكان الجمع بين الحقين مع لجاجة سمرة ولم يكن في الزمن السابق أبواب الدور أو خصوص دار الأنصاري بحيث يمكن غلقه ومنع سمرة عنه فلذا امر صلى‌الله‌عليه‌وآله بالقطع ليقلع أصل السلطنة على الشجرة.

الأمر الثاني الإشكال على الرواية وساير الروايات من جهة الدلالة على أصل القاعدة بكثرة التخصيص فان كل عام يبتلى بكثرة التخصيص يستهجن ويسقط عن الاعتبار كما تعرض له في الرسائل فان الغرامات والتكليفات التي تكون على الموضوع الضرري مثل الحج والزكاة والصوم والجهاد تكون خارجة عن العموم وما بقي تحته الا قليل فلا بد من القول بإجمال ما دل على هذه القاعدة.

وقد أجيب عن الإشكال كما أجابوا في قاعدة الميسور وأمثالها بأن الخارج عن تحت العموم إذا كان عناوين متعددة وخرج بعض العناوين فحيث أن العنوان الواحد إذا بقي يكفى لوجود افراد كثيرة تحت العنوان الواحد مثل ما إذا خصص عام أكرم العلماء بالفاسق والنحوي واللغوي فان الباقي في ضمن الفقهاء أيضا افراد كثيرة لا يضر بالعموم.

وقد أشكل الخراسانيّ قده على هذه المقالة في المقام وفي ساير المقامات بأن الحكم إذا كان على الأشخاص فخروج العناوين الكثيرة التي تكون تحتها افراد

١٣٨

كثيرة مثل الألف والآلاف من الافراد يوجب استهجان العام ولا ينظر إلى أن العنوان ثلاث أو أربع وفي المقام يكون نفى الضرر في مورد كل شخص يكون الضرر عليه فإذا خرج عن مورد القاعدة مثل الغرامات والتكاليف التي موضوعاتها ضررية بطبعها وبعض الموارد الخاصة الأخرى مثل وجوب الغسل بالنسبة إلى من أجنب نفسه عمدا يكون الاستهجان بحاله فهذا الجواب غير تام.

أقول ان الّذي يقتضيه التدبر هو أن الموارد التي توهم كونها تخصيصات تكون من الخروج التخصصي والإشكال مندفع من أصله اما موارد الغرامات فلان العرف لا يرى إعطاء كل ذي حق حقه من الضرر فان من أتلف مال الغير فيعطي عوضه يكون هذا مثل يعطي نفقة من يجب عليه نفقته مثل الزوجة والأولاد فان هذا لا يحسب ضررا في نظر العرف.

واما التكليفيات التي يكون الحكم على الموضوع الّذي يكون ضرريا بالطبع مثل الزكاة والحج والجهاد والخمس وأمثال ذلك فعند التدبر يظهر أنه لا يكون ضررا أيضا لأن الناس إذا توجهوا إلى مصلحة النظام في الاجتماع يرون أن المال الزكوي من أصله لا يكون قدر الزكاة فيه الا للفقراء وكذلك في الخمس.

وفي الجهاد يرى أن النظام أيضا لا يصلح إلّا به ونظامه يكون منطبقا عليه وعلى أولاده فلا يكون هذا ضررا.

وأما الوضعيات فسيجيء البحث فيه وأما وجوب الغسل لمن أجنب نفسه متعمدا ولو كان مضرا بحاله فمع تسليم هذا الحكم وعدم الخدشة فيه فائضا ليس ضررا بالدقة فان النّظر إلى قوله تحت كل شعرة جنابة يوجب الاعتراف بأن دفع سم هذا الحدث لازم ولو كان مضرا من جهات أخرى ألا ترى أن المسلول الّذي يسرى مرضه إلى غيره إذا ابتلي شخص بالمصافحة معه ويحتمل أن يصير مسلولا يعطى المال الكثير لدفع الميكرب وحصول النظافة ولا يرى إعطاء المال ولا زحمة المعالجة ضررا وقس عليه اشتراء الماء ولو كان بأضعاف قيمته لدرك مصلحة الوضوء فان

١٣٩

هذا وأمثاله بالنظر البدوي الأولى وان كان ضررا بالنظر الثانوي وفي نظام الكل يكون منافع للناس.

ومن موارد توهم التخصص أزيد مما ذكر صورة دوران الأمر بين ترك الواجب أو إعطاء مال كثير أو بين فعل حرام مثل شرب الخمر أو إعطاء مال كذلك فان إعطاء المال ضرر في العرف ولكن عند التأمل يظهر ان منفعة الآخرة ورقاء النّفس مما لا يقاس به هذا الضرر فهو ليس بضرر واقعا ولو كان متوقفا على نقص المال.

فتحصل أن القاعدة ما ورد عليها كثرة التخصيص.

وأما ما يتوهم عن الشيخ قده من أن عمل الأصحاب يوجب انجبار الاستهجان ففيه ما لا يخفى لأن العمل لا يوجب انجبار الدلالة بل انجبار ضعف السند يكون بعملهم على اختلاف فيه والانجبار بالنسبة إلى السند هو الحق عندنا فتحصل أنه لا كثرة تخصيص في المقام لنحتاج إلى الجواب عنه.

الأمر الثالث

في ملاحظة النسبة بين قاعدة لا ضرر وساير الأدلة الواردة في الأحكام الضررية وهي على وجوه : الأول أن يكون الحكم على عنوان الضرر بخصوصه مثل ما إذا قيل من أضر بطريق المسلمين فهو ضامن فان علة الضمان هي الضرر الّذي يكون متوجها إلى طريق المسلمين فيكون الحكم به على فرض وجود الموضوع وهو الضرر.

الثاني أن يكون الحكم على موضوع ملازم للضرر مثل وجوب الحج فانه يلازم صرف المال وكذلك كل ما كان لازمه الضرر المالي مثل الزكاة والخمس والجهاد فان الضرر لازم ذات ما ذكر.

الثالث أن يكون الضرر في إطلاق الحكم لا في جميع افراده مثل وجوب الوضوء فان بعض افراده لا يكون ضرريا وبعضه ضرري بالنسبة إلى النّفس أو المال.

١٤٠