مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٥

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٥

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٦٦

والأدلة الاجتهادية فانه لا يرجح الأعلم عليه بهذا السند لأن أصالة التعيين أصل عقلي احتياطي والاستصحاب والأدلة الاجتهادية أصل ودليل شرعي وكلما دار الأمر بين الأصل العقلي والشرعي فالمقدم هو الأصل الشرعي وهكذا المقدم هو الدليل الاجتهادي عند وجوده لأنه بيان ولا حكم للعقل عنده.

نعم ان كان الدليل على وجوب البقاء على تقليد الميت احتمال التعيين فيكون معارضا باحتمال التعيين في الحي الأعلم لأنه اعلم فالاحتياط يقتضى الجمع بين الفتويين في العمل ولكن لا دليل لنا على جواز البقاء على تقييد الميت ولا بد من الرجوع إلى الحي الأعلم.

ثم انه يظهر عن الشيخ الأعظم بان البحث عن جواز البقاء على تقليد الميت وعدمه إذا كان الحي اعلم خروج عن الفرض لأن مسألة البقاء وعدمه لا بد من أخذه من فتوى الحي وهو اما ان يفتى بوجوب البقاء على تقليد الميت المفضول أو بحرمته فعلى الأول يجب البقاء ويكون هذا تقليدا عن الأعلم لأن تقليده في هذه المسألة يكفى لكون العمل برأي المفضول في سائر المسائل تقليدا لهذا الأعلم وعلى الثاني يجب العدول عنه إليه ففي أي فرض يبحث عن ان المدار هل على البقاء على تقليد الميت أو يجب الرجوع إلى الحي الأعلم مع كون البقاء على رأيه أيضا تقليدا للأعلم وهكذا لو أفتى الحي بحرمة العدول إلى الأعلم الحي وهذا الكلام متين من هذا الوجه.

__________________

ـ لعدم حصول براءة الذّمّة عن التكليف بدونه.

هذا على فرض عدم الدليل لذلك إلّا أصالة التعيين واما على فرض وجود الدليل الشرعي على ما مر من مقبولة عمر بن حنظلة وغيرها فالامر أوضح هذا كله على فرض جواز البقاء على تقليد الميت ولا دليل لنا على جوازه بل يجب الرجوع إلى الحي ولا يخفى عدم فائدة في أعلمية الميت من الحي بعد عدم إثبات الرّأي له لأن من له الرّأي وكان أعلم يجب تقليده ومن لا رأى له لا يجوزه تقليده.

١٠١

الأمر الثاني

إذا قلد المقلد عن مجتهد ثم مات فقلد من يقول بوجوب العدول عن تقليد الميت ثم مات الثاني أيضا فقلد من يقول بوجوب البقاء على تقليد الميت فالكلام يقع تارة في شمول فتوى الثالث بالنسبة إلى فتوى الثاني لخصوص مسألة وجوب العدول وتارة في شمولها لبقية المسائل غير هذه المسألة فعن الشيخ الأعظم في رسالته عدم شمول فتوى الثالث لخصوص فتوى الثاني في وجوب العدول إلى الحي لأنه يلزم منه المناقضة لأن البقاء على هذه الفتوى لازمه وجوب الرجوع إلى الحي وهو ينافى مع وجوب البقاء على فتوى الميت فلا بد من عدم شمول فتوى الثالث لهذه المسألة.

واما بالنسبة إلى ساير المسائل فائضا يلزم التعارض بين الفتويين لأن فتوى الأول إذا كانت وجوب صلاة الجمعة وفتوى الثاني الّذي عدل إليه حرمتها تكون متعارضة مع ان التقليد في كليهما وقع صحيحا فهل البقاء يكون على فتوى الأول أو الثاني والسر في ذلك هو عدم تحمل واقعة واحدة لتقليدين لأن التقليد يكون في الرّأي الكلي وهو قد تحقق بنحو صرف الوجود وكان نظره قده إلى ان حل المناقضة في خصوص مسألة العدول لا يكفى لرفع هذا الإشكال.

فنقول اما خصوص المسألة فلا يجيء (١) المناقضة فيه أصلا لعدم إطلاق

__________________

(١) أقول ليس الإشكال في شمول فتوى الثاني لما بعد حياته بل الكلام في شمول فتوى الحي لهذه المسألة على ما هو المفروض في المعارضة وقد ذكرها العلامة المدقق الشيخ محمد حسين الأصفهاني في رسالته وان دفعها بعد شمول التقليد لنفسه وتبعه مد ظله في ذلك وهذا لا يتم في الجواب عن مثل الشيخ الأعظم فالمناقصة تتحقق من شمول فتوى الثالث لمسألة وجوب العدول الّذي يناقض مع الفتوى بوجوب البقاء فقال قده بعدم شمول فتوى الحي له بل تشمل ساير المسائل وقد دفع الأصفهاني قده هذا الإشكال بان شمولها لهذه أيضا لا إشكال فيه لأن معناه ان العدول الّذي تحقق بواسطة الرجوع عن الأول يجب البقاء عليه يعنى متابعة فتوى الثاني واجبة ـ

١٠٢

لفتوى الثاني بوجوب العدول حتى بعد موته ليناقض فتوى الثالث لأن الميت لا يكون له الرّأي بوجوب تقليده حتى بعد موته فكما ان أصل التقليد ليس بتقليدي للزوم الدور أو التسلسل كذلك قول الميت بوجوب العدول غير متبع بعد موته فلا مناقضة أصلا.

واما إشكال ساير المسائل فمندفع من جهة ان الرّأي وان كان كليا ولكن لا إشكال في ان ما وقع على طبق رأى الأول يكون حصة من التقليد فهو صحيح في محله وما وقع على طبق رأى الثاني أيضا صحيح والمدار يكون على رأي الحي وهو هنا الثالث من المجتهدين ومثل هذا الفرع صورة كون فتوى الثاني جواز البقاء على تقليد الميت وفتوى الثالث على وجوبه غاية الأمر لا مناقضة لاتحادهما في أصل البقاء.

__________________

ـ كما ان متابعة فتواه في ساير المسائل واجبة.

ولكن هذا غير تام في دفع الإشكال لأن الثالث بفتواه بوجوب البقاء يحكم بخطاء المقلد برجوعه إلى الثاني فينتقض آثار التقليد كما سيجيء منه مد ظله في الأمر التالي لهذا الأمر تبعا للشيخ الأعظم مضافا بان معنى وجوب العدول والبقاء عليه هو عدوله عن فتواه بعد موته أيضا كالعدول بعد موت المجتهد الأول لا ما ذكره قده فلا محيص إلّا ان يقال بعدم شمول فتوى الثالث لخصوص مسألة وجوب العدول واما التناقض في ساير المسائل فليس المراد منه التناقض في الفتوى كما في مسألة العدول والبقاء بل هما ضدان في صورة التخالف.

ولا يكون في تعبيره قده على ما حكى وعلى ما في تقريره التناقض بل اشكاله في كون فتوى الأول والثاني إذا كانتا متخالفتين مع كون العمل عن تقليد صحيح فلا رجحان للأخذ ٠ بفتوى الثاني وان كان هذا مخالفا لما نسب إليه في الأمر التالي لهذا الأمر من ان إطلاق فتوى من يرجع إليه يحكم ببطلان العمل السابق إلّا إذا دل دليل على عدم لزوم الإعادة.

١٠٣

الأمر الثالث

قد مر ان المجتهد إذا تبدل رأيه فلا بد من تطبيق العمل على رأيه الثاني ونقض الآثار التي ترتبت على الرّأي الأول إذا كان موضوعه باقيا كالعقد الّذي وقع بالفارسية ويكون المعقود عليه باقيا بعد الرّأي الثاني بوجوب كونه عربيا الا في موارد يكون الدليل الخاصّ على عدم وجوب إعادته فهل العدول عن مجتهد إلى آخر يكون له هذا الأثر أم لا؟

وبعبارة أخرى هل اللازم من النقض في صورة التبدل هو القول بالنقض في المقام أيضا أم لا فيه خلاف فربما يقال بالتلازم وعدم الفرق بين المقامين لأن الرّأي كلي يشمل بإطلاقه الوقائع السابقة فان أحد المجتهدين إذا أفتى بحرمة عصير العنبي ونجاسته بعد الغليان وقال الآخر بالحرمة فقط يكون إطلاق فتوى القائل بالنجاسة شاملا لمورد الأثر من فتوى الآخر القائل بالطهارة وبطلان العمل الّذي أتى به إذا كان شرطه الطهارة إلّا ان يدل دليل على عدم وجوب الإعادة كما في الصلاة.

واما وجه القول بعدم التلازم فيكون من باب ان لياقة المحل شرط في شمول إطلاق الرّأي لما وقع قبل ذلك وان كان كليا ومن المعلوم ان متعلق الرّأي قد مضى وقته فلا تأثير لفتوى هذا المجتهد فيه بل يكون أثر كلامه في حيطة نفوذ رأيه وهو يكون من حين الرجوع إليه ولا يشمل قبله كما عن بعض الأعيان ولكن الحق عدم الفرق بين المقامين وما ذكره هذا القائل غير تام لأن المراد بالتأثير هو التأثير بالنسبة إلى الإعادة والقضاء لا بالنسبة إلى أصل العمل وقد مضى فمحل التأثير يكون من هذا الوجه باقيا (١)

__________________

(١) أقول ان القائل بهذا القول ذكر في كلامه ما يمكن ان يكون فارقا بين المسألتين وهو ان المرجع الفعلي إذا كان مفضولا والسابق اعلم وأفضل وفرض عروض الجنون أو السهو عليه بحيث لا يجوز تقليده لا مجال لأن يقال رأى هذا يكون له ـ

١٠٤

وتوضيحه ان تبدل رأي المجتهد يكون من جهة كشف خلاف الواقع أو كشف خلاف ما هو حجة عنده مثل ما إذا وجد الخاصّ بعد العام والقيد بعد الإطلاق وهكذا فانه إذا لم يكن له الواقع ولا الحجة في مقام الظاهر فلا بد من نقض ما ترتب على فتواه وفي المقام أيضا كذلك فان المجتهد الّذي رجع إليه يكون رأيه بطلان رأى من سبقه من باب عدم المطابقة مع الواقع أو من باب كشف ظهور خلاف الظهور السابق مثل ما إذا وجد الخاصّ مع زعم من سبقه عدم وجوده فأفتى بالعامّ ولا فرق بينهما أصلا.

فان قلت في صورة التبدل يفتى الفقيه ببطلان ما سبق فيجب نقضه واما رأي المجتهدين فليس كذلك لأنه حجة ويكون معارضا لرأي الآخر فإذا كانت الوظيفة الرجوع إلى الثاني فقد انتهى أمد الأول ويكون من الآن أمد رأى الثاني وبعبارة أخرى انهما كانا نائبين عن المقلد فكان أحدهما نائبا إلى الآن والآخر نائبا من الآن وليس للرأي الطريقية حتى نقول قد ظهر خلاف الواقع أو الظاهر الّذي هو حجة.

قلت ليس للرأي الموضوعية المحضة حتى يمكن الالتزام بما ذكر بل له الطريقية وان كان له موضوعية من وجه وليس كالخبر واما تقديم رأى الثاني فلأنه هو المرجع الفعلي فيكون المتبع لوازم رأيه لا رأى من سبقه.

الأمر الرابع

لو قلد المقلد مجتهدا في حال صغره وقلنا بصحة تقليده لصحة عبادات الصبي ثم مات ذلك المجتهد قبل بلوغه فقلد الحي الّذي يحكم بوجوب البقاء على رأي الميت فهل يجب عليه البقاء على رأي من قلده في حال صغره أو يكون مختارا في

__________________

ـ الأثر بالنسبة إلى العمل السابق فانه لم يكن فتواه حجة حينما حصل العمل واما قوله مد ظله بالطريقية وانه كشف خلافه واقعا أو تعبدا يكون على فرض الطريقية المحضة وهو يرى نحو موضوعية للرأي مع كونه طريقيا وهو يكفى للفرق وكيف كان فالقول بوحدة المسألتين من حيث الحكم مشكل.

١٠٥

البقاء وفي العدول إلى الحي (١) وجهان بل قولان اما وجه وجوب البقاء فلعموم وجوب البقاء الشامل له أيضا فعلا مع كون تقليده صحيحا في السابق واما وجه عدمه فهو ان حرمة العدول لم تثبت في حق الصغير فاستصحاب التخيير جار في حقه.

فنقول ان سند وجوب البقاء ان كان استصحاب الأحكام التقليدية التي كان في السابقة كوجوب هذا وحرمة ذاك فهو لا فرق بينه وبين البالغ في مشروعيته في حقه فان الحكم حكم للمميز وللبالغ بعد صحة توجه الخطاب إليه مثله واما ان كان السند حرمة العدول عن الميت فانه وان لم يكن عليه هذا الحكم حين كونه غير بالغ ولكن يكون من جهة قصور في نفسه لا في ملاك الخطاب فإذا زال المانع يكون الحكم الإلزامي متعينا عليه فما عن الشيخ الأعظم من وجوب البقاء وعدم جواز العدول في محله لا محيص عنه واما استصحاب عدم الحرمة بنحو التعليق بان يقال انه قبل البلوغ لم يحرم عليه العدول فكذلك بعده لا وجه له لأنه قبل البلوغ وبعد موت مجتهده السابق

__________________

(١) أقول لا بد من التوجه إلى محتملات النزاع في المقام فانه غير منقح فان كان المراد من شمول حكم البقاء على تقليد الميت قبل صيرورة الصبي بالغا.

فنقول اما ان يريد إتيان الأعمال الشرعية واما ان لا يريد فان أراد فلا بد ان يكون على وجه شرعي فلا بد له من اتباع حكم المجتهد الحي لصيرورة أعماله شرعيا فإذا أفتى بوجوب البقاء لا بد له من البقاء وليس له العمل بمقتضى هوى نفسه بواسطة عدم كون التكليف إلزاميا في حقه فكما ان صلاته إن شاء إتيانها لا بد من إتيانها على النهج الشرعي وليس له ان لا يأتي بالحمد أو السورة لعدم كون التكليف إلزاميا وان أراد ترك العمل من رأس فهو لا كلام معه فلا بد له من البقاء على رأي الميت واما ان كان الكلام بعد بلوغه فهو مكلف بوجوب البقاء كما انه مكلف بسائر التكاليف والمفروض انه عمل عملا شرعيا وقلد تقليدا صحيحا في سابق الزمان فبعد مشروعية التقليد في حقه لا وجه للقول بعدم كونه مكلفا بالبقاء.

نعم في صورة كون الكلام قبل البلوغ لا نقول بحرمة العدول بالنسبة إليه فان عدل لا يصح إعماله وإن شاء صحتها فلا بد له من البقاء.

١٠٦

كان المانع في إلزامه قصور نفسه وعدم بلوغه وهو مرتفع بعده وبعبارة أخرى ملاك الخطاب تام والمانع من جهة المكلف وقد ارتفع ولو أغمض عن ذلك فاستصحاب التخيير أيضا لا وجه له لأن المانع ان كان هو عدم وجود حكم إلزاميّ فالحكم بالتخيير أيضا إلزاميّ فكيف لا يكون عليه الإلزام بحرمة العدول ويكون بالنسبة إلى التخيير فان كان الإلزام غير ممكن ففي المقامين وإلّا فلا مانع أصلا من القول بحرمته بقاء وان لم يكن الإلزام عليه حدوثا فانه يكون نظير وجود الأثر للمستصحب بقاء وان لم يكن له أثر قبل هذا الزمان فانه لو كان بالغا حدوثا كان العدول عليه حراما فهكذا بعد البلوغ

الأمر الخامس

إذا قلد من يفتى بجواز العدول عن الميت ثم مات فقلد من يفتى بحرمة العدول ووجوب البقاء فهل يكون له العدول عنه لأن معنى وجوب البقاء على هذه المسألة هو جواز العدول أم لا؟ قال الشيخ الأعظم يحتمل قويا عدم الشمول للمناقضة بين الفتويين وقال بعض الأعيان ان العجب من قوله قده هو انه جزم بعدم الشمول لهذه المسألة فيما مر من صورة كون فتوى الثاني وجوب العدول وفتوى الثالث وجوب البقاء وفي المقام لم يجزم به مع كون المسألتين من واد واحد مسلكا ودليلا ومختاره قده فيما سبق وفي المقام هو ان الفتوى بوجوب البقاء شاملة لهذه المسألة ومعناه ان العدول عن الأول إلى الثاني يجب البقاء عليه ولا يجوز العدول إلى الثالث (١).

__________________

(١) أقول قد مر منا ان معنى العمل بهذه المسألة الكلية هو انه إذا تحقق موضوع الحكم فهو يكون مترتبا عليه فإذا مات المجتهد الثاني يكون الموضوع لجواز العدول محققا لا انه يختص بالعدول عن الأول إلى الثاني واما احتمال الشيخ قده قويا هنا فلكونه أسهل في المناقضة فان الجواز وان ناقض وجوب البقاء ولكن ليس كمناقضة حرمة العدول معه والحق معه في عدم الشمول في المسألتين.

١٠٧

الأمر السادس

المعروف ان حكم صيرورة المجتهد فاسقا أو كافرا أو مجنونا أو عاميا حكم موته في وجوب العدول عنه والسر في ذلك هو ان الميت إذا لم يجز البقاء عليه يكون لاحتمال سقوط رأيه وإلّا فالموت لا يوجب النقص في نفسه ومن ذكر يكون رأيه ساقطا لعدم اجتماع الشرائط فيه فيجب العدول عنه لو قلنا به في الميت ويجوز البقاء عليه لو قلنا به فيه ولكن الّذي يقتضيه التدبر هو ان الشرائط على قسمين قسم منها لا دخل له في سقوط الرّأي مثل الفسق وكونه رجلا لا مرأة لأنه من الممكن ان يكون الفاسق في الرّأي أقوى من غيره فضلا عن ظهور الخلل فيه بل اشتراط ذلك لوجود دليل شرعي عليه فيكون الفاقد لأمثال هذه الشروط أحسن حالا من الميت فلو قلنا بعدم جواز تقليده لاحتمال سقوط رأيه لا يأتي هذا الاحتمال في الفاقد لذلك ولكن العقل مستقل بعدم جواز كون هذا المسند يعنى مسند الإفتاء للكافر والفاسق والمخالف مضافا إلى الدليل الشرعي فان اشتراط ذلك في القاضي يفهم منه بالأولوية في مقام الإفتاء لأن هذا المقام يكون فوق مقام القضاوة الّذي هو مقام تطبيق الحكم على الموضوع والمصداق واما القسم الّذي يكون له الدخل في الرّأي فمثل عروض الجنون والنسيان بواسطة كبر السن جدا فيكون الفاقد له أسوأ حالا من الميت لا انه مثله لأن الميت يكون الشك في بقاء رأيه بعد موته وهذا يكون القطع بعدم الرّأي له ولا دليل لنا على كفاية مجرد حدوث الرّأي لصحة التقليد بقاء لا في الميت ولا في المقام.

فتحصل ان الفاقد لشرائط الإفتاء يكون أسوأ حالا من الميت في ما هو دخيل في الرّأي وأحسن حالا منه فيما ليس له دخل فيه وان كان الواجب العدول عنه كالميت على فرض القول بوجوب العدول عنه.

الأمر السابع

إذا اختلف الحي الّذي يجب الرجوع إليه مع الميت الّذي يجب أو يجوز

١٠٨

البقاء على رأيه في حقيقة التقليد من جهة انه هل هو نفس الالتزام أو انه العمل المستند فهل المدار على رأي الميت فإذا كان رأيه ان التقليد هو الالتزام فقط ورأى الحي انه العمل فعلى فرض كون المدار عليه فيجب أو يجوز البقاء على ما التزم به ولم يعمل بعد وعلى فرض كون المدار على رأي الحي فلا تقليد له بالنسبة إلى ما يعمل ليجب أو يجوز البقاء عليه؟ فيه وجهان بل قولان كما عن الشيخ الأعظم في الرسالة.

وجه كون المدار على رأي الأول هو ان تقليده يكون مثل ساير أعماله صحيحا فيكون الواجب البقاء حتى في هذه المسألة ووجه كون المدار على رأي الحي هو ان التقليد يكون موضوع حكمه بالبقاء فيكون المدار على نظره في موضوع حكمه.

ولا يخفى ان هذه المسألة اجتهادية ولا بد للرجوع فيها إلى مجتهد الميت أو الحي أو الثالث والمفروض ان المرجع الفعلي هو المجتهد الحي لا الثالث فيجب عليه بيان الحكم لمقلده والعامي ابتداء وان لم يلتفت للمسألة ولكن بعد تنبيهه عليها يفهم انه لا بد من التقليد فيها كسائر المسائل وكيف كان فلا إشكال في وجوب الرجوع إلى الحي في تلك المسألة فإذا كان رأيه في التقليد كونه هو العمل لا الالتزام فيمكن ان يقال بان الالتزام أيضا عمل جوانحي كما ان الصلاة والصوم عمل جوارحي فمن التزم بفتوى المجتهد السابق فقد عمل بما هو التقليد في مسألة هذه فمن يقول بوجوب البقاء لا بد ان يقول بوجوب البقاء على هذا العمل الكذائي أيضا فلا بد له من البقاء على كل مسألة التزم بفتوى الميت فيها ليعمل على طبقها ولا يخالف هذا فتوى الحي في حقيقة التقليد.

هذا إذا كان الدليل لوجوب البقاء على التقليد الميت عمومات الجواز أو استصحاب حرمة العدول الّذي كان حين حياته حراما لأن الالتزام عمل بالمعنى الّذي عرفت واما إذا كان دليل وجوب البقاء استصحاب الأحكام التي كانت على

١٠٩

الموضوعات كوجوب هذا العمل وحرمة ذاك فهو غير مربوط بحقيقة التقليد فان الأحكام على موضوعاتها فعلية للمكلف سواء كان التقليد هو العمل أو الالتزام إلّا ان يقال ان وزان الفتوى ليس كوزان الخبر في بيان الحكم لئلا يختلف حال الحياة والممات بل يكون لها نحو موضوعية فالحكم بالوجوب أو الحرمة حكم للمكلف وهو صار فعليا في حقه بالتقليد فلا بد من إحراز ان التقليد هو العمل أو الالتزام لترتيب الثمرة في البقاء عليه.

والحاصل من جميع (١) ما تقدم هو ان التقليد إذا كان التزاما أيضا وفرض كونه عمل جوانحي فلا بد من القول بالبقاء على هذا العمل بنظر الميت بفتوى الحي بالبقاء وليس فيه الوجهان عن الشيخ قده.

__________________

(١) أقول ان كون الالتزام عمل جوانحي غير متنازع فيه بل النزاع في ان هذا النحو من العمل غير كاف في حقيقة التقليد عند من يراه عملا كالأستاذ نفسه فيما مرّ فانه كغيره يقول ليس للتقليد عنوان مستقل ليكون موضوع حكم بل الصلاة والصوم اللذان هما في الخارج لهما عنوان أولى وهو كونهما صلاة وصوما وعنوان ثانوي وهو التقليد وليس الالتزام تقليدا فلينظر من يرى التقليد هو العمل بهذا النحو لم يقلد المقلد عن الميت فيما لم يعمل به كذلك فلا يتم القول بان الالتزام عمل جوانحي وهو يكفى كما عنه مد ظله تبعا لبعض الأعيان قده.

ولا فرق في الدليل بين كونه عمومات جواز تقليد الميت أو حرمة العدول عما قلده فيه في ذلك لعدم كونه موضوعا مستقلا فعلى هذا لا بد من الرجوع إلى المجتهد الحي فيما لم يعمل به لأنه تقليد ابتدائي ولا وجه للقول بان المدار على رأي الميت في ذلك فان مسألة التقليد ليست كسائر المسائل الخلافية بينهما إذا قلنا ان المدار على رأي الحي في مسألة التقليد.

وإلّا فلو كان الالتزام أيضا عمل فكيف لم يقل به مد ظله فيما سبق ليرفع النزاع عن كون الالتزام غير العمل ولو رفع فلا فرق بين كونه عملا أو التزاما فنزاع القوم يكون في أي شيء؟.

١١٠

الأمر الثامن

لو لم يكن تقليد الحي ممكنا اما لعدم وجوده أو عدم الوصول إليه فهل يتعين عليه العمل بالاحتياط أو يجب عليه الأخذ ببعض الظنون المعتبرة عند البعض كالشهرة والإجماع المنقول أو يجب عليه تقليد الميت وجوه ثم ان الكلام يكون في طولية ما ذكر بعد فقد الحي في الأخذ بتقديم الاحتياط ثم العمل بالمشهورات ثم أخذ قول الميت ثم الكلام في ان هذا البحث تارة يلاحظ بالنسبة إلى العامي ومقتضى الدليل عنده بحكم الفطرة وتارة يلاحظ بالنسبة إلى المجتهد الّذي يريد بيان حكم هذه الواقعة.

فان الشيخ الأعظم قده قال بان هذا البحث بالنسبة إلى العامي غير مفيد لأنه لا يميز أقوائية بعض الأمارات على البعض الآخر فيبقى متحيرا وكيف كان فربما يقال بان عدم جواز تقليد الميت ان كان دليله الإجماع فهو يكون في صورة إمكان الوصول إلى الحي.

واما مع عدمه فلا أثر له لأنه دليل لبي والمتيقن منه غير هذه الصورة فإطلاقات التقليد شاملة للمقام فيجب الرجوع إلى الميت لسقوط قيد الحياة سواء أمكن الاحتياط أم لا هذا على فرض وجود إطلاق لفظي في المقام في أصل التقليد واما إذا كان الدليل هو ان من لا حجّة له يجب عليه الرجوع إلى من له الحجة والمفروض حجية فتوى الحي فيجوز الرجوع إليه واما غيره فيكون الشك في حجية فتواه والاحتياط حجة فلا بد من الأخذ به.

واما مع عدم إمكانه وكونه عسريا فلا بد من الرجوع إلى المشهورات في كتاب فقهي مثل اللمعة الدمشقية فانه كتاب جيد في ضبط ما هو المشهور بين الفقهاء ولا يكون له الرجوع إلى الميت.

واما العامي الّذي ليس في وسعه فهم ما ذكر فهو يرجع إلى العالم الّذي

١١١

يكون في محلّه لوصول يده إليه فان علم فتوى مجتهده الّذي لا يصل يده إليه فهو يبين له ويخرج من التحير وان لم يعلم فهو يرشده إلى الاحتياط أو الأخذ بالمشهورات أو الرجوع إلى الميت واما مع عدم علمه بذلك أيضا ففطرة العامي تحكم بالاحتياط في كل مورد علم طريقه وإلّا فيرجع إلى المشهور وان لم يعلمه فيرجع إلى الميت.

فان قلت فطرته على التقليد من الحي ولا حياة للمشهور أيضا فهو كالميت قلت انه إذا لاحظ ذلك يفهم ان المشهور مقدم على الميت الواحد إذا تعذر ملاحظة قيد الحياة واما إذا لم يمكنه الأخذ به فلا محالة يرجع إلى الميت.

فتحصل ان الاحتياط على فرض الإمكان واجب ومع عدم إمكانه فالرجوع إلى المشهور ومع عدم إمكانه فالرجوع إلى الميت.

إلّا ان يقال ان دليل وجوب تقليد الحي هو الإجماع والمتيقن منه صورة إمكان الوصول إليه ومع عدم إمكانه فإطلاقات أدلة التقليد شاملة للمورد فيجب تقليد الميت ولا يجب الاحتياط واما على فرض انصراف نفس إطلاقات التقليد إلى الحي فلا بد من الاحتياط أو الأخذ بالمشهور بعد عدم إمكانه وهذا البرهان يفيد العامي لما ذكر من رجوعه إلى العارف بذلك وللمجتهد ليفتي بحكم المقلد عند اضطراره من وصوله إليه.

الأمر التاسع

في انه لو تعذر المجتهد الجامع لشرائط الإفتاء فهل يجوز الرجوع إلى الفاقد أم لا وعلى تقدير الجواز فهل فرق بين الشروط من جهة تقديم الفاقد لبعض على الفاقد لآخر فهل يقدم الفاقد للبلوغ على الفاقد للحياة أو على الفاقد للعدالة أو الإيمان؟

ثم على فرض عدم جواز تقليد الفاقد فلا بد اما من الرجوع إلى الاحتياط أو إلى المشهورات أو إلى الميت كما في الأمر السابق وكيف كان فربما يفرق بين

١١٢

الأدلة الدالة على اعتبار الشرائط فان كان الدليل مثل الإجماع على اعتبار الحياة والعدالة فالمتيقن منه صورة عدم الاضطرار والتعذر واما ان كان الدليل هو الإطلاق المستفاد من دليل لفظي فيكون اعتباره على أي حال فإذا فرض دليل الحياة والعدالة لفظيا شاملا لصورتي التعذر وغيره فيدور الأمر بين تقدم الفاقد للبعض على الآخر نعم بعض الأدلة مما لا يجيء فيه التخصيص بصورة دون صورة كما ورد في شرطية كون المفتي شيعة من قوله عليه‌السلام لا تأخذن معالم دينك من غير شيعتنا (١) فان الظاهر منه هو ان المخالف لا يكون له مقام الإفتاء فيكون المقدم هو الشيعة ولو كان فاقدا لبعض الشرائط الأخر الّذي يكون المخالف واجدا له.

والتحقيق هو ان الفاقد للشرائط لا يجوز تقليده اما الفاسق فلأنه خارج عن نظام الاجتماع ولا اعتناء به بحكم العقل المستقل ويكون شرطية العدالة أيضا بحكمه لا بحكم الإجماع حتى يقال المتيقن منه صورة عدم التعذر فان الحكم العقلي لا يختص بحال دون حال فالفاسق كالمعدوم وأسوأ حالا منه الكافر كما هو واضح واما الإيمان فهو شرط لما مر من النص على عدم جواز كون المخالف مرجعا للشيعة واما البلوغ فهو أيضا شرط بحكم العقل المستقل حتى في حال التعذر فان الصبي ليس قابلا لهذا المنصب الخطير ولا يكفى كونه ظاهر الصلاح والسداد.

فتحصل ان الفاقد للشرائط يكون كالمعدوم فالمرجع اما الاحتياط أو المشهور أو الميت على التفصيل الّذي مر في السابق وعلى فرض قبول كون الفاقد قابلا للإفتاء فمن المعلوم ان الفاقد للبلوغ الجامع لبقية الشرائط مقدم على الفاقد للعدالة وغيرها ولكن عرفت عدم تمامية المبنى.

الأمر العاشر

في انه هل يجوز لمن لا يرى نفسه أهلا للإفتاء الفتوى أم لا؟ الحق المتسالم

__________________

(١) في الوسائل باب ١١ من أبواب صفات القاضي ح ٤٣

١١٣

عليه عدم الجواز والمراد به هنا هو النقص من جهة شرائطه لا من جهة أصل اجتهاده مثل كونه فاسقا وقال في المسالك ان عدم الجواز إجماعي ولا يخفى ان البحث السابق كان في عدم حجية رأى الفاقد للشرائط وهذا البحث يكون في مقام بيان الحكم التكليفي لنفس المجتهد ولو فرض اعتقاد غيره انه واجد للشرائط.

والدليل على عدم الجواز أولا ان الإفتاء منصب مختص بالمعصوم وبعده لمن هو واجد للشرائط والفاقد ليس له التصرف في هذا المنصب لأنه يكون كالتصرف في الأموال والنفوس بلا مجوز شرعي.

وقد أشكل عليه بان الفقدان للشرط ان كان لعدم وصوله درجة الاجتهاد فعدم جوازه مسلم لأنه كذب على الله تعالى فيما أفتى به واما إذا كان مجتهدا غير اعلم فغاية ما يستفاد من أدلة الشرطية عدم حجية فتواه لا عدم جواز إفتائه أقول ان الظاهر من بعض الأدلة هو الحرمة التكليفية مثل ما ورد عن أمير المؤمنين عليه‌السلام من قوله عليه‌السلام لشريح «يا شريح قد جلست مجلسا لا يجلسه الا نبي أو وصى نبي أو شقي (١) فان من ليس له أهلية يكون شقيا وظاهره ان عمله حرام.

واستدل ثانيا بأنه إغواء وإضلال للمكلف لأن تكليفه الواقعي لزوم العمل بفتوى غيره وهو يغريه على العمل بفتواه والإضلال حرام.

وقد أجيب عنه بان المجتهد الّذي بلغ رتبة الاجتهاد وهو أعلم يكون مخبرا عن الواقع فيكون خبره مثل خبر من يعتقد في نفسه انه غير ثقة مع اعتقاد كون خبره موافقا للواقع.

وفيه ان الإغراء بالجهل والإضلال يكون من جهة انه يظهر ان هذه الفتوى حجة على المقلد مضافا بان الرّأي يحتمل ان يكون له معارض فيكون حجيته بالاخذ لا بكونه مطابقا للواقع أو رأى من يتبع رأيه فليس له الفتوى بأمر لا يكون حجة في نفسه وما ورد من ان القاضي لا يجوز له القضاء إذا كان فاقدا للشرائط يفهم منه

__________________

(١) في الوسائل ج ١٨ في باب ٣ من أبواب صفات القاضي ح ٢.

١١٤

عدم جواز الإفتاء له بالأولوية لأن القضاء شأن من شئون الإفتاء فتحصل ان الإضلال يكون لا ظهاره (١) ان فتواه حجة لا من جهة كذبه في الحكم ليقال انه لا يكذب فلا يجوز له ذلك.

بقي في المقام تتمة

وهو ان تصرفات المجتهد هل تمضي بعد موته مطلقا أو لا مطلقا أو يفصل بين الوكالة والنيابة عنه فيبطل وبين جعل القيم فلا يبطل وجوه : فظاهر العلامة الأنصاري قده في الرسالة التفصيل بين حكمه وقضائه وما يرجع إلى فعله تعالى فيمضى بعده وبين ما يرجع إلى فعله كتوكيله واستنابته وقيمومته وتوليته فلا يمضى بعده.

وأقول ان البحث هنا اما كبروي أو صغروي فمن حيث الكبرى فلا شبهة في ان الأمور الإذنية لا بد لها من الاذن كالوكالة والنيابة ومن المعلوم زوال الاذن بالموت وما لا يكون كذلك ويكون المجتهد واسطة فقط كجعل المتولي للأوقاف فهو باق بعد موته لأنه فعل ذلك من قبل الله تعالى وهو حي لا يموت أبدا وكذلك بيع الوقف وإجارته فانه مأمور من قبله تعالى ان يجعل المتولي لذلك لئلا يبطل الوقف ولا ينهدم المصالح فلا موضوعية لحياة المجتهد في ذلك.

واما البحث الصغروي فهو ان الشيخ الأعظم كما مر جعل نصب القيم من الأمور الراجعة إلى المجتهد وقال بعدم إمضائه بعد الموت وهو ممنوع لأن هذا الفعل يكون فعل الله تعالى من وجه وفعل المجتهد من وجه آخر وكونه فعلا له يكون بإذنه تعالى فهو يجعل القيم من قبله تعالى لا من قبل نفسه فلا وجه لعدم إمضائه بعد موته فانه كان واسطة فقط ومن العجب القول بان إعطاءه منصب القضاء لغيره يكون من قبله مع انه أيضا من قبل الله تعالى فانه يفعل ذلك بامره ويكون واسطة فقط

__________________

(١) أقول بقي الكلام في صورة إعلامه ان هذا الرّأي ليس حجة للمقلد بان يخبره ان الواجب لك تقليد غيري ونفس إظهار الفتوى كذلك ليس حراما لأنه يخبر عما ادى إليه اجتهاده ولا مضرة فيه.

١١٥

فتحصل ان الأمور الإذنية لا تمضي بعد موت المجتهد وغيرها ممضى لأنه واسطة في ذلك.

فصل فيما يتعلق بالاحتياط

مسألة في ان العمل بالاحتياط هل هو تقليدي أم لا فربما يقال انه مسألة خلافية فلا بد من الرجوع فيه إلى المجتهد ولكن صرف كونها اختلافية لا يصحح جواز التقليد فيه كأصل التقليد ولكن الوجه في جواز التقليد فيه هو انه له حيثيتان حيثية نفسه من جهة كونه معروضا للوجوب الشرعي الحقيقي أو الطريقي أو معروضا للحرمة بملاحظة عنوان مبغوض عليه وحيثية حكم الشرع في مورده من جهة تعيين أحد الأطراف وعدمه عنده.

فهو على الثانية تقليدي مثل وجوب الاحتياط في باب الفروج والدماء فان العقل وان كان يحكم بالبراءة عقلا فيما هو المشتبه كذلك مثل امرأة لا يدرى انها أخته لئلا يجوز تزويجها أو غيرها ليجوز فانه لا بد من ترك تزويجها رعاية للاحتياط ومثل الشبهة في ان وجوب قتل تارك الصوم بعد الإفطار عمدا بعد الدفعة الثانية أو الثالثة فان الاحتياط في تركه بعد الثانية لأن الحدود تدرأ بالشبهات.

ولكن الشرع حكم بوجوبه وهذا حكم تقليدي لا يكون للمقلد سبيل إليه لأن الفقيه هو الّذي يعلم ان للشارع الحكم في الواقعة الفلانية بأحد الأطراف أو الحكم بالاحتياط واما على الحيثية الأولى فلا بد من الرجوع إلى الفقيه ليبين حكم الوجوب أو الحرمة بالنسبة إليه.

فتحصل ان الاحتياط أيضا تقليدي بأي نحو فرض لعدم وصول عقل العامي إلى موارده.

مسألة

في انه هل للمكلف العمل بالاحتياط في إحراز الواقع أو لا بد فيه من الاجتهاد

١١٦

أو التقليد حتى يتمكن من الامتثال التفصيلي فيه خلاف فعن شيخنا النائيني قده وجوب الامتثال التفصيلي إذا أمكن وبعده يكون الامتثال الإجمالي مقدما على الاحتمالي حسب المراتب الثلاثة فيه وعن سيدنا الأستاذ الأصفهاني قده ان الاحتياط أحسن من الامتثال التفصيلي في مقام إظهار العبودية.

وكيف كان فاستدل لوجوب التفصيلي بوجوه : الأول الإجماع المدعى على بطلان صلاة من لا يعلم أحكامها خصوصا إذا استلزم التكرار فعن الشيخ الأعظم قده عدم الخلاف في عدم صحتها بل المعلوم من طريق الشرع عدم مشروعيتها.

وفيه ان الإجماع كذلك لا محصل له بعد كونه سنديا إلّا ان يكون في مورد عسر الاحتياط.

الثاني انه مخل بقصد الوجه في العبادات وهو قصد امرها الجزمي فانه يحتمل دخله في مقام الفراغ وإطلاق الأمر لا يمكن ان يدفع به هذا القيد لأن قصد الأمر مما لا يمكن ان يؤخذ في الخطاب لأنه متأخر عنه فان المولى يجب ان يأمر بالصلاة ثم يقول ائتها بداعي هذا الأمر ولا يمكنه ان يقول بذلك قبل امره كما هو محرر في باب التعبدي والتوصلي وهكذا البراءة لا تجري من هذا الباب فيرجع الامتثال بدون قصد الوجه موجبا لنقص في ذات العمل لا في نحو الامتثال.

وفيه أولا انه لا دليل على دخله شرعا ولا عقلا في المأمور به وعلى فرض الشك فيه فالقول بعدم طرد الشك بالإطلاق ممنوع من جهة ان للشارع ان يظهر مراده بدالّين مثل ان يريد الصلاة ويريد إتيانها بقصد امرها ثم يقول صل بداعي امرها وحيث لم يأت مثلا بدال آخر مع كون القيد من القيود المغفولة التي لا يمكن التمسك على فهم المكلف في تلقى الخطاب ولا بد من بيانه فالإطلاق يحكم بعدم دخله فاما ان يطرد القيد بالإطلاق اللفظي أو بإطلاق المقامي الّذي هو في مورد كون القيد من القيود المغفولة.

وثانيا ان الاحتياط لا ينافيه لأنه يقصد الأمر الّذي في البين عند احتياطه بالقصر والإتمام في الصلاة مثلا ودخل أزيد من ذلك لا دليل عليه وقصد وجوب ما يأتي

١١٧

في الخارج من العمل مع الجزء الّذي يكون المفروض عدم كونه مضرا بالمركب لا إشكال فيه فان الصلاة مثلا طبيعة يكون كلما أضيف إليها ولم يكن مضرا بها يصير منها واما ما له عنوان مستقل مثل الصلاة قصرا أو هي تماما فلا يكون فيه إضافة شيء فيقصد وجوبها لأن امتثال الأمر يحصل بها فمن هذا الوجه لا إشكال في الاحتياط الوجه الثالث لزوم اللعب بأمر المولى فانه إذا أمكن إتيان عمل واحد وتسليمه إلى الآمر فإتيان إعمال عديدة بأنحاء مختلفة بحيث يكون فيها المأمور به قطعا ليس إلّا لعبا وهو قبيح عقلا ومن المعلوم ان طريق الامتثال يكون بنظر العرف بعد عدم بيان عن الشارع بالنسبة إليه.

وفيه ان الامتثال كذلك لا إشكال فيه أصلا إذا لم يخرج عن طور الامتثال العرفي بل هو أحسن من تركه.

فتحصل انه لا إشكال في جواز الامتثال الإجمالي مع إمكان التفصيلي أيضا

مسألة في تقليد الأجير والوكيل والوصي

وهي في العروة الوثقى مسألة ٥٤ في التقليد قال قده : الوكيل في عمل عن الغير كإجراء عقد أو إيقاع أو إعطاء خمس أو زكاة أو كفارة أو نحو ذلك يجب ان يعمل بمقتضى تقليد الموكل لا تقليد نفسه إذا كانا مختلفين. وكذا الوصي في مثل ما لو كان وصيا في استئجار الصلاة عنه يجب ان يكون على وفق فتوى مجتهد الميت.

أقول لا يخفى ان البحث يكون في الأعم من التعبدي والتوصلي من الأعمال والحق ان كلام السيد قده في الوكالة متين فان الوكيل يكون مقام الموكل ولا بد ان يعمل على طبق وظيفة الموكل ليقع العمل عنه.

وقال بعض الاعلام من المعاصرين ان إطلاق الوكالة يقتضى ان يكون العمل صحيحا ولو بنظر الوكيل لأنه وكيل لإتيان عمل صحيح وخصوصياته مع إطلاق الوكالة تكون بنظره.

هذا في الوكيل المفوّض واما الوكيل في إتيان عمل على نحو خاص فلا بد من

١١٨

ملاحظة الخصوصيات المعينة بنظر الموكل ولو كان ما عينه باطلا عند الوكيل لأنه من الممكن ان يكون له نظر عقلائي في إتيان هذا العمل ولو كان باطلا بالنظر إلى بعض الآثار فان الموكل ربما يكون نظره إلى ان يصير اللغة العبرية دارجة بين الناس فيوكّل على إتيان الصيغة بهذه اللغة ولو كانت باطلة من حيث الأثر العقدي وهو إيجاد العلقة بين الزوجين أو حصول الملكية.

وفيه أن صورة عدم ملاحظة ما هو الأثر للعمل عادة والتوجه إلى صدور كلام أو فعل آخر من الوكيل لبعض الأغراض يكون خارجا عن محل الكلام لأنه يكون في صورة وجود أثر للعمل يكون صحيحا حسب نظر هذا اجتهادا أو تقليدا وغير صحيح بنظر ذاك كذلك ومن المعلوم ان المقصود من الوكالة هو ان يكون عمل الوكيل عمل الموكل بتنزيل بدني أو عملي عن الوكيل وهذا لا يتم في الفعل الّذي يكون باطلا عند الموكل ولو كان صحيحا عند الوكيل الا على فرض كون الحكم الظاهري له حكما واقعيا للموكل وهكذا بالنسبة إلى النائب والمتبرع.

وما يتوهم من ان المتبرع يريد إهداء شيء إلى آخر ويكون هذا العمل منه بدون امر إلزاميّ فهو يهدي ما يكون صحيحا بنظره ولا حاجة إلى إحراز الصحة بنظر المهدي إليه.

مندفع لأن الإهداء أيضا يكون في صورة قابلية العمل عند المهدي إليه لرفع نقص أو علو درجة لا نفس العمل بأي صورة وقعت وهكذا نقول بالنسبة إلى الأجير فانه يؤجر نفسه لإتيان ما هو وظيفة الميت في مثل الصلاة والصوم فلا بد له من إتيان عمل يكون مبرأ لذمة الميت فالمدار على مراعاة تكليفه لا تكليف نفسه.

وما يقال من ان الأمر الإجاري توصلي والأمر العبادي كان متوجها إلى الميت وقد سقط بموته فلا مصحح لعبادية العمل إلّا ان يأتي الأجير بداعي القربة ثم يهدي ثوابه إلى الميت فيكون عمله مثل عمل المتبرع في عدم لزوم مراعاة تكليف الميت كما في الإهداء الابتدائي.

١١٩

مندفع بان القياس بالإهداء ابتداء على فرض تسليم هذا الإشكال في العبادات الاستيجارية لا معنى له لأن الإهداء يلاحظ بالنسبة إلى الميت وتحصيل فراغ ذمته به بواسطة الإجارة فلا بد من ملاحظة ما في ذمته وتحصيل الفراغ عنه كما كان.

فان قلت إطلاق دليل صحة الإيجار للعبادات وترك الاستفصال فيه من جهة كون العمل على نحو وظيفة الميت أو الأجير مع أوله إلى الإهداء للإشكال في العبادية بدون هذا الوجه ينتج عدم لزوم مراعاة ما هو وظيفة الميت.

قلت الإطلاق يتمسك به على فرض كونه في صدد البيان ومن المعلوم ان أدلة صحة العبادات الاستئجارية لا تكون في مقام بيان كيفية العمل عن الأجير فلا بد من ملاحظة تكليف الميت وعلى فرض الشك أيضا فيكون من باب الشك في حصول الفراغ فلا بد من الجمع بين تكليف نفسه وتكليف الميت من باب الاحتياط إذا لم يحرز عنده تعيين كون الوظيفة وظيفة نفسه أو وظيفة الميت.

ثم ان الحق هو ان الأمر في باب العبادة الاستئجارية لا يصل إلى القول بالإهداء بل عبادية العمل اما ان تصحح باندكاك الأمر الإجاري في الأمر العبادي كما عن شيخنا النائيني أو ما نقول بان الصلاة عبادة في ذاتها لأن الركوع والسجود مما هو عبادة ذاتا والأجير ينسب هذا العمل إلى الميت بواسطة تنزيل بدني أو عملي خصوصا إذا كان الخطاب إلى الميت بالنسبة إلى هذا العمل الّذي يكون في ذمته صحيحا مع كون فراغه بالاستيجار عنه ونقول فيما ليس عبادة ذاتا ان نفس التنزيل يكفى في العبادية وكون امر الميت امره وإطاعته إطاعة الميت وتوضيح البحث في محله في باب التعبدي والتوصلي (١).

ومما ذكرنا ظهر ان الوصي أيضا لا شأن له ليلاحظ ما هو الصحيح عنده بل لا بد له من استئجار من يأتي بالعمل الّذي هو مفرغ ذمة الميت.

فتحصل ان مقتضى القاعدة هو ان يكون المتعين ملاحظة وظيفة الموكل

__________________

(١) وقد فصلناه في ج ١ من الكتاب فارجع إليه.

١٢٠